شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات

اشارة

نام كتاب: شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات
نویسنده: عبد الواحد محمد بن علی بن ابی السداد ابی محمد المالكی( المالقی)
موضوع: قرائت
تاریخ وفات مؤلف: 705 ق
زبان: عربی
تعداد جلد: 1
ناشر: دارالكتب العلمیة
مكان چاپ: بیروت
سال چاپ: 1424 / 2003
نوبت چاپ: اوّل
سرشناسه فارسیمالقی ، محمد بن علی ، - 705ق .
عنوان قراردادی: شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات المسمی الدر النثیر و العزب المنیر
محل انتشاربیروت
ناشردار الكتب العلمیه
تاریخ نشر1424 ق .
یادداشتها$ نوبت چاپ : اول$ كتابنامه بصورت زیرنویس .
رده بندی كنگرهBP 75 /54 /م2 4ش/
رده بندی دیویی‌4ش/2م/45/75 BP
ISBN6 - 3974- 7451- 2
712ص.:وزیری(گالینگور)

مقدمة التحقیق‌

اشارة

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم الحمد لله الذی أنزل القرآن كلامه فارقا بین الحق و الباطل، و حدّا بین الهدی و الضلال، و اصطفی نفرا من خلقه الكرام البررة حفظته قلوبهم و لهجت به ألسنتهم، و قیض لكلامه منهم من یذود عنه شبه الملحدین و افتراءات المرجفین، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریك له، شهادة مقرّ بوحدانیته، مذعن فؤاده لربوبیته، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، الذی آتاه الحق سبحانه و تعالی جوامع الكلم، فقال صلی اللّه علیه و سلم فیما رواه البخاری و مسلم من حدیث عائشة- رضی الله عنها-: «مثل الماهر بالقرآن مثل السّفرة الكرام البررة، و مثل الّذی یقرؤه، و هو علیه شاقّ له أجران» «1».
فاستنفر بقوله همما عالیة و صدورا طاهرة عكفت علی كلام الله حفظا و تلاوة و فهما و تدبرا، رضی الله عن صحابته الكرام الذین سنوا لمن بعدهم سنة العنایة بكتاب الله الكریم، و رحم الله السادة المشایخ الذین جمعوا فی اختلاف حروفه و روایاته المبسوطة و المختصرة.
و بعد، فهذا مبحث من المباحث القرآنیة الشریفة، یدور حول توقیفیة القراءات القرآنیة، و عرض ما أثیر حولها من شبه و افتراءات- قدیما و حدیثا- من بعض المفترین العرب و من بعض المستشرقین الملحدین.
و بدایة نقول: إن القراءات القرآنیة لیست بالاجتهاد و الاختیار، و إن تنوعها و اختلافها لیس ولید إغفال الكلمات القرآنیة من النقط و الشكل؛ إذ لو كان كذلك لكانت كل قراءة یسمح بها الرسم و تسیغها العربیة صحیحة، و لیس كذلك؛ فإن كثیرا من الكلمات یحتمل رسمها أكثر من قراءة و اللغة تجیز هذه القراءات و لكن لم یصح فیها إلا قراءة واحدة. و القراءة لا تعتبر و لا یعتد بها إلا إذا كانت عن التلقین و التوقیف و التلقی و المشافهة و النقل و السماع و الروایة. و فیما یلی عرض لهذه القضیة و مناقشة جوانبها.
______________________________
(1) أخرجه البخاری (8/ 691) حدیث (4937)، و مسلم (1/ 549) حدیث (244).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 4

توقیفیة القراءات‌

* اختلاف اللهجات و تعدد القراءات:

لقد نزل القرآن الكریم بلسان عربی مبین، و اللسان العربی مثله مثل كل الألسنة- انشعبت منه منذ قدیم الزمان لهجات متعددة مختلفة فی كثیر من المستویات الصوتیة و الدلالیة، و أیضا علی مستوی القواعد و المفردات.
و هناك أسباب أدت إلی هذا الاختلاف من أهمها: أن أعضاء النطق تختلف فی بنیتها و استعدادها و منهج تطورها؛ تبعا لتنوع الخواص الطبیعیة المزود بها كل شعب من الشعوب المختلفة، و التی تنتقل عن طریق الوراثة من السلف إلی الخلف.
و من سنة اللّه- عز و جل- أنه لم یرسل رسولا إلا بلسان قومه؛ قال تعالی:
وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِیُبَیِّنَ لَهُمْ [إبراهیم: 4]، و أن العرب الذین أنزل إلیهم القرآن الكریم، كانوا مختلفی اللهجات، متعددی اللغات، متنوعی الألسن؛ و من أجل ذلك أنزل اللّه- تعالی- كتابه علی لهجات العرب لیتمكنوا من قراءته، و ینتفعوا بما فیه من أحكام و شرائع؛ إذ لو أنزله- تعالی- بلهجة واحدة- و الحال هكذا من أن الذین أنزل إلیهم مختلفو اللهجات- لحال ذلك دون قراءته، و الانتفاع بهدایته؛ لأن الإنسان یتعذر علیه أن یتحول من لهجته التی درج علیها، و مرن لسانه علی التخاطب بها منذ نعومة أظفاره، و صارت هذه اللهجة طبیعة من طبائعه، و سجیة من سجایاه، و اختلطت بلحمه و دمه، حتی لا یمكنه التحول عنها، و العدول إلی غیرها. فلو كلف اللّه العرب مخالفة لهجاتهم التی لا یستقیم لسانهم إلا علیها، و لا یتیسر نطقهم إلا بها- لشق ذلك علیهم غایة المشقة و لكان ذلك من قبیل التكلیف بما لا یدخل تحت طاقة الإنسان البشریة و قدرته الفطریة، و لكان ذلك منافیا لیسر الإسلام و سماحته، التی تقتضی درء المشقة و الحرج عن معتنقیه؛ فاقتضت رحمة اللّه- تعالی- بهذه الأمة، و إرادته التخفیف عنها، و وضع الإصر عنها- أن ییسر لها حفظ كتابها، و تلاوة دستورها؛ لتتمكن من قراءته، و التعبد بتلاوته، و الانتفاع بما فیه علی أكمل الوجوه و أحسنها؛ فأنزله علی لهجات العرب المتنوعة، و كان الرسول صلی اللّه علیه و سلم یقرؤه علی العرب، بهذه اللهجات لیسهل علی كل قبیلة تلاوته، بما یوافق لهجاتها.
و بالضرورة، و إزاء هذه الأسباب القویة، لیس یسهل علی كل أحد أن یستبدل
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 5
لهجة جدیدة بلهجة جری علیها لسانه طفلا، و ناشئا، و كهلا. و حتی بعد طول المحاولة و المعالجة قد یظل الأمر عسیرا علی شیخ یأبی لسانه تغییر ما ألف السنین، و امرأة لیس لها- غالبا- علی ما تعودته من طرائق الكلام سلطان.
روی الترمذی- فی موضوع نزول القرآن علی سبعة أحرف: أن النبی صلی اللّه علیه و سلم قال:
«یا جبریل إنّی بعثت إلی أمّة أمّیّین، منهم العجوز، و الشّیخ الكبیر، و الغلام، و الجاریة، و الرّجل الّذی لم یقرأ كتابا قطّ».
و قد كان بین القبائل العربیة اختلاف فی نبرات الأصوات و طریقة الأداء: فكان فیهم من یدغم، و من یظهر، و من یخفی، و من یبین، و من یمیل، و من یفتح، و من یفخم، و من یرقق، و من یمد، و من یقصر ... إلی آخر كیفیات النطق المختلفة، فتلقاء هذه الفروق التی یصعب علی الناس التخلص منها، و لأن الدین الذی نزل به القرآن یسر دائما- أمر اللّه نبیه أن یقرئ كل قبیلة بلهجتها و ما جرت علیه عادتها، فعلی سبیل المثال:
یقرأ الأسدی: (یعلمون)، و (تعلم)، و (تسودّ وجوه)، و (أ لم أعهد إلیكم) بكسر حرف المضارعة.
و التمیمی یهمز، و القرشی لا یهمز.
و یقرأ أحدهم: (علیهم)، و (فیهم) بضم الهاء، لا بكسرها.
و هذا یقرأ: (قد أفلح)، و (قل أوحی) بالنقل.
و آخر یقرأ: (موسی)، و (عیسی)، و (دنیا) بالإمالة.
و غیره یلطف.
و هذا یقرأ: (خبیرا)، و (بصیرا) بترقیق الراء.
و الآخر یقرأ: (الصلاة)، و (الطلاق) بالتفخیم.
إلی غیر ذلك.
هذا إلی ما هو معروف من الاختلاف الطبیعی بین القبائل، فی شهرة بعض الألفاظ، فی بعض المدلولات، و إلی ما هو معروف أیضا- عند علماء القراءات-:
من أن القرآن نفسه اختلفت بعض ألفاظه، فی الحروف أو كیفیتها، من حیث الغیبة و الخطاب، و التذكیر و التأنیث، و الجمع و الإفراد، و التخفیف و التشدید، و التحقیق
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 6
و التسهیل ... و غیر ذلك، مما هو مقرر، و محدد، منذ عهد النبوة «1».
جیل الصحابة و التابعین و تابعیهم:
ثم إن الصحابة- رضوان اللّه تعالی علیهم أجمعین- قد تلقوا من فیّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم القرآن الكریم، بقراءاته و روایاته فلم یضیعوا منه جملة، و لم یغفلوا منه كلمة، و لم یهملوا منه حرفا، أو سكونا، أو حركة أو قراءة أو روایة، و نقله عن الصحابة التابعون، علی هذا الوجه من الإحكام، و التحریر، و الإتقان، و التجوید.
ثم إن جماعة من التابعین و أتباع التابعین كرسوا حیاتهم، و أفنوا أعمارهم فی قراءة القرآن و إقرائه و تعلیمه، و تلقینه، و عنوا كل العنایة بضبط ألفاظه، و تجوید كلماته، و تحریر قراءاته، و تحقیق روایاته، و كان ذلك شغلهم الشاغل، و غرضهم الهادف، حتی صاروا فی ذلك أئمة یقتدی بهم، و تشد الرحال إلیهم، و ینقل القرآن عنهم؛ و لتصدیهم لذلك نسبت القراءة إلیهم فقیل: قراءة فلان كذا، و قراءة فلان كذا، فنسبة القراءة إلیهم نسبة ملازمة و دوام، لا نسبة اختراع و ابتداع، و من هؤلاء الذین انقطعوا للتعلیم و التلقین: القراء العشرة، و هم: أبو جعفر و نافع المدنیان، و أبو عمرو و یعقوب البصریان، و ابن كثیر المكی، و ابن عامر الدمشقی، و عاصم و حمزة و الكسائی الكوفیون، و خلف البغدادی.
و قد أجمع من یعتد بهم من العلماء علی تواتر قراءات هؤلاء الأئمة الأعلام، فقد روی قراءاتهم معظم الصحابة عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم، و تلقوها من فیه مشافهة، و رواها عن الصحابة- التابعون و أتباع التابعین، و من هؤلاء و هؤلاء القراء العشرة المذكورون، و رواها عن القراء العشرة طوائف لا تحصی كثرة و عددا، فی جمیع العصور و الأجیال، لم تخل أمة من الأمم، و لا عصر من العصور، و لا مصر من الأمصار، إلا و فیه الكثرة الكاثرة، و الجم الغفیر، و الجمع الوفیر، ممن یروی قراءات هؤلاء الأئمة، و یحذقها، و ینقلها لغیره، إلی وقتنا هذا، و لن تزال الأمم- إن شاء اللّه- علی تعاقبها و تلاحقها و تتابعها، أمة بعد أمة، و جیلا إثر جیل- تتعاهد هذه القراءات، و ترویها، و تنقلها لمن بعدها، و تقرؤها، و تقرئ بها، إلی أن یرث اللّه
______________________________
(1) ینظر: بحوث قرآنیة المؤتمر السادس للشیخ عبد الفتاح القاضی، و الدكتور لبیب السعید ص (79، 98).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 7
الأرض و من علیها، و كل ذلك مصداقا لقوله تعالی: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ «1» [الحجر: 9].

اختلاف القراءات القرآنیة:

لقد كثرت الأقاویل و الآراء فی موضوع نزول القرآن الكریم علی سبعة أحرف إلی حد كاد یطمس أنوار الحقیقة، حتی استعصی فهمه علی بعض العلماء، و لاذ بالفرار منه، و قال: إنه مشكل.
ثم إن الخطأ فی هذا الباب قد یتخذ منه أعداء الإسلام سبیلا عوجا، إلی توجیه المطاعن الخبیثة إلی القرآن. و قد كان من تداول هذا الخطأ و نقله: أن كتب بعض أعداء القرآن كتابا، أسموه: «مباحث القرآن»، و من فصوله: هل من تحریف فی الكتاب الشریف؟
و یجب أن نذكر، أن القراءات التی یجب علی المسلمین- وجوبا- المحافظة علیها، لیست هی الأحرف و المرادفات التی كانت تقام بعضها مكان بعض، قبل العرضة الأخیرة للقرآن، و التی كانت إقامتها لضرورة ماسة انتهی وقتها عند هذه العرضة، فضلا عن عهد عثمان؛ و إنما هی: القراءات التی یحتملها مصحف عثمان، المقتصر علی حرف قریش- كما قال ناس- أو المشتمل علی باقی الأحرف؛ كما قال آخرون. و هذه القراءات- علی أیة حال-: ثابتة كلها بالنقل المتواتر، عن النبی نفسه صلی اللّه علیه و سلم.
و واضح جدّا: أن اختلاف القراءات لا یعنی أن فیها تنافیا، أو تضادّا، أو تناقضا، و إنما هو- بإطلاق- اختلاف تنوع و تغایر فحسب، ففی كل اختلافات القراءات، لم یظهر أن قراءة اتخذت سبیلا استدبرته قراءة، أو أن قراءة أمرت بما نهت عنه أخری.
ثم إن هذه القراءات جمیعها بمنزلة سواء فی الأسلوب و الغایة، فهی كلها معجزة، و تلك حقیقة لا نستغربها، ما دامت كل قراءة قد أنزلت من عند الله، أو أذن بها الله، و ما دام القراء- فی اختلافهم- مجرد ناقلین، و لیسوا كالفقهاء: یختلفون؛ لأنهم یجتهدون.
______________________________
(1) ینظر: بحوث قرآنیة المؤتمر السادس ص (80).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 8
و بین القراءات القرآنیة اختلافات توقیفیة یسیرة، محصورة كلها، و مضبوطة، و معلومة، و لا زیادة فیها و لا نقص، و لا تقدیم و لا تأخیر، و هی كلها لا تجهد عامة الناس فی الفهم و التدبر، فضلا عن أن تجهد الدارس المدقق أو القارئ المتخصص.
و القراءات الثابتة منزلة كلها من عند الله، أو مأذون فی قراءتها من الله، فقد تواترت تواترا مقطوعا به، و شاملا للأصول و الفروع، عن نفس الرسول الذی أوتی القرآن، و كلف إبلاغه للعالمین- صلوات اللّه و سلامه علیه- و قد قرأ بها المسلمون، منذ كان الوحی، و یستحیل عقلا أن یكونوا قد أمضوا القرون و هم یقرءون غیر ما أنزل اللّه سبحانه.
و إذا كانت القراءات و الروایات القرآنیة قد أضیفت إلی قراء و رواة بأعیانهم، فهذا لا یعنی إلا أن المضاف إلیه اختار قراءة أو روایة، و كان أضبط لها و أدوم و ألزم قراءة و إقراء بها، حتی نسبت إلیه أو نسب إلیها، فهی- كما یقرر ابن الجزری- إضافة اختیار و دوام و لزوم، لا إضافة اختراع و رأی و اجتهاد، و من هنا كان اختلاف القراء- عند المسلمین- صوابا بإطلاق، و لیس كاختلاف الفقهاء یعتبر- حتی عند أصحابه- صوابا یحتمل الخطأ.
و رأس الأسباب فی اختلاف القراءات هو: أن القرآن نزل علی سبعة أحرف كما ذكر النبی صلی اللّه علیه و سلم، فیما أثبت أحد و عشرون صحابیّا روی عنهم البخاری و مسلم و آخرون.
إذن فإن الأمر فی نزول القرآن علی سبعة أحرف هو ما بیناه- فیما سبق- من أسباب دعت إلی ذلك: كاختلاف اللهجات، و الاختلاف فی طریقة الأداء و نبرات الصوت، و هناك سبب ثالث یرجع إلی ذات القرآن: هو اختلاف بعض ألفاظه، من حیث الغیبة و الخطاب، و التذكیر و التأنیث، و الجمع و الإفراد، و التخفیف و التشدید «1».

أقسام القراءات:

القراءات القرآنیة أقسام و هی كالتالی:
أولا: المتواترة: و هو: ما نقله جمع لا یمكن تواطؤهم علی الكذب، عن
______________________________
(1) ینظر: بحوث قرآنیة المؤتمر السادس للأزهر ص (100، 139، 140).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 9
مثلهم، إلی منتهاه، و غالب القراءات كذلك.
و قد اختیرت سبع قراءات من هذا النوع، عرفت كل منها بأسماء أهم من عرف بالقراءة بها. و أصحاب هذه القراءات هم: نافع المدنی، و ابن كثیر المكی، و أبو عمرو بن العلاء البصری، و ابن عامر الشامی، و عاصم و حمزة و الكسائی:
الكوفیون.
و أول من اقتصر علی هؤلاء السبعة هو أبو بكر بن مجاهد، قبیل سنة 300 ه، أو ما حولها، و تابعه بعد ذلك المسلمون إلی الآن.
و لكل من هؤلاء القراء رواة، و أصحاب طرق، و أصحاب أوجه، معروفون جیدا لعلماء القراءات.
و النقل المتواتر هو عنصر أساسی فی إثبات القرآنیة؛ حتی یعرّف الكتاب بأنه:
«القرآن المنزل علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم، المنقول عنه نقلا متواترا بلا شبهة». فإن القول بأنه «نقلا متواترا» احتراز عما اختص بمثل مصحف أبیّ، و مصحف ابن مسعود، مما نقل بطریق الآحاد.
ثانیا: المشهورة: و هو ما صح سندها و لم یبلغ درجة التواتر، و وافقت العربیة و رسم المصحف، و اشتهرت عند القراء فلم یعدوها من الغلط و لا من الشذوذ.
و قد اختیر من هذا النوع ثلاث قراءات، و أصحابها هم: أبو جعفر بن قعقاع المدنی، المتوفی سنة 130 ه، و یعقوب الحضرمی، المتوفی سنة 205 ه، و خلف البزار، المتوفی سنة 229 ه.
و لكل من هؤلاء أیضا رواة، و أصحاب طرق، و أصحاب أوجه، و هم جمیعا معروفون لعلماء القراءات.
و نظرا لأن هذه القراءات الثلاث لا تخالف رسم السبع، فقد ألحقها المحققون بها، و عدوا القول بعدم تواترها فی غایة السقوط، و لا یصح القول به عمن یعتبر قوله فی الدین.
و من هؤلاء المحققین:
البغوی الفراء الموصوف بأنه أول من یعتمد علیه فی ذلك المجال؛ لأنه مقرئ فقیه جامع للعلوم.
و ابن تیمیة الفقیه المعروف.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 10
و القسطلانی فی كتابه «لطائف الإشارات»، حیث یقول: «إننا لو اشترطنا التواتر فی كل فرد من أحرف الخلاف انتفی كثیر من القراءات الثابتة عن هؤلاء الأئمة السبعة و غیرهم».
و عبد الوهاب السبكی الذی یقول: «إن هذه القراءات الثلاث- بالإضافة إلی القراءات السبع- معلومة من الدین بالضرورة، و نزلت علی النبی صلی اللّه علیه و سلم لا یكابر فی شی‌ء من ذلك إلا جاهل».
و زكریا الأنصاری، المتوفی سنة 926 ه، و الذی أفتی بأن القراءات العشر متواترة كلها.
ثالثا: الآحاد: و هو ما صح سنده، و خالف الرسم أو العربیة، أو لم یشتهر الاشتهار المذكور، و لم یقرأ به.
رابعا: الشاذة: و هو ما لم یصح سندها.
خامسا: الموضوعة: و یمثل لها السیوطی بقراءات الخزاعی.
سادسا: ما زید فی القراءات علی وجه التفسیر: كالقراءة المنسوبة إلی سعد ابن أبی وقاص: «و له أخ أو أخت من أم»، و كالقراءة المنسوبة إلی ابن عباس:
«لیس علیكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فی مواسم الحج» و كالقراءة المنسوبة أیضا إلی ابن الزبیر: «و لتكن منكم أمة یدعون إلی الخیر و یأمرون بالمعروف و ینهون عن المنكر و یستعینون اللّه علی ما أصابهم».
و واضح أن الناس اجتمعوا علی القراءات المتواترة و المشهورة لسببین، أوضحهما الطبرسی فی تفسیره:
أحدهما: أن أصحابها تجردوا لقراءة القرآن، و اشتدت بذلك عنایتهم، مع كثرة علمهم؛ و من كان قبلهم أو فی أزمنتهم ممن تنسب إلیه القراءة من العلماء، و عدت قراءاتهم من الشواذ، لم یتجرد لذلك تجردهم، و كان الغالب علی أولئك الفقه أو الحدیث، أو غیر ذلك من العلوم.
و الآخر: أن قراءاتهم وجدت مسندة- لفظا أو سماعا- حرفا حرفا من أول القرآن إلی آخره، مع ما عرف من فضائلهم و كثرة علمهم بوجوه القرآن» «1».
______________________________
(1) ینظر: بحوث قرآنیة المؤتمر السادس ص (102، 105).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 11

* تاریخ التألیف فی القراءات القرآنیة:

و قد جمعت القراءات منذ قدیم، و أول من جمعها فی كتاب هو أبو عبید القاسم ابن سلام، المتوفی بمكة سنة 224 ه، و الذی جعل القراءات- فیما عد ابن الجزری- خمسا و عشرین قراءة مع السبع.
و ترادف المؤلفون فی القراءات:
فجمع أحمد بن جبیر الكوفی نزیل أنطاكیة- المتوفی سنة 258 ه- كتابا فی قراءات الخمسة، من كل مصر واحد.
و ألف إسماعیل بن إسحاق المالكی المتوفی- سنة 282 ه- كتابا جمع فیه قراءة عشرین إماما، منهم السبعة.
و جمع ابن جریر الطبری- المتوفی سنة 310 ه- كتابه «الجامع»، و فیه نیف و عشرون قراءة.
و جمع أبو بكر الداجونی- المتوفی سنة 324 ه- كتابا فی القراءات أدخل فیه أبا جعفر أحد العشرة.
و اقتصر ابن مجاهد- المتوفی سنة 324 ه- أیضا علی قراءات السبعة.
و ألف فی القراءات أبو بكر الشذائی، المتوفی سنة 370 ه.
و ألف أبو بكر بن مهران- المتوفی سنة 381 ه- فی قراءات العشرة.
و ألف الخزاعی المتوفی سنة 408 ه كتابه: «المنتهی» الذی جمع فیه ما لم یجمع من قبله، و الذی یمثل بقراءاته للقراءات الموضوعة كما ذكرنا منذ قلیل.
و كان الطلمنكی- مؤلف «الروضة»، و المتوفی سنة 429 ه- أول من أدخل القراءات إلی الأندلس.
و ألف مكی بن أبی طالب- المتوفی سنة 437 ه- فی القراءات: «التبصرة» و «الكشف» و غیر ذلك.
و ألف أبو عمرو الدانی- المتوفی سنة 444 ه- كتابه: «جامع البیان» فی القراءات، و فیه أكثر من خمسمائة روایة و طریق عن القراءات السبع.
و ألف الأهوازی- المتوفی سنة 446 ه- فی هذا الشأن.
و ألف الهذلی- المتوفی سنة 465 ه- كتابه: «الكامل» الذی جمع فیه خمسین قراءة عن الأئمة، و تسعا و خمسین و أربعمائة و ألف روایة و طریق.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 12
و ألف أبو معشر الطبری- المتوفی سنة 478 ه- كتاب «التلخیص فی القراءات الثمان» و «سوق العروس»، و فیه خمسون و خمسمائة و ألف روایة و طریق.
و ألف أبو القاسم عیسی بن عبد العزیز اللخمی الإسكندری- المتوفی سنة 629 ه- كتابه: «الجامع الأكبر و البحر الأزخر»، و یحتوی علی سبعة آلاف روایة و طریق.
و قد اندثر بعض كتب القراءات، و فیها كتب الأهوازی، و ابن عطیة، و المهدوی، و كتاب «اللوامع» فی القراءات، و كتاب «المحتوی» للدانی.
و اختار جمهور المسلمین القراءات منذ قدیم، و لكن القراء ظلوا یتداولونها و یروونها إلی أن كتبت العلوم و دونت، فكتبت فیما كتب من العلوم، و صارت القراءات- كما یقول ابن خلدون- «صناعة مخصوصة، و علما منفردا، و تناقله الناس بالشرق و الأندلس، جیل بعد جیل، إلی أن ملك بشرق الأندلس «مجاهد» من موالی العامریین، و كان معتنیا بهذا الفن من بین فنون القرآن؛ لما أخذه به مولاه المنصور بن أبی عامر، و اجتهد فی تعلیمه و عرضه علی من كان من أئمة القراء بحضرته، فكان سهمه بذلك وافرا» «1».

إضافة القراءات إلی القراء تعنی اختیارها و لا اجتهاد فیها

إن إضافة القراءات إلی أئمة القراءة و رواتهم- كما ألمحنا من قبل- لا تعنی أكثر من أنهم اختاروها و داوموا علیها و لزموها حتی اشتهروا بها و قصدوا فیها، و هی- كما یعبر ابن الجزری- «إضافة اختیار، و دوام و لزوم، لا إضافة اختراع و رأی و اجتهاد» «2».
و قد تفرق القراء فی البلاد و اختلفت قراءاتهم، فكانت جماعات القراء فی مختلف الجهات، یقرءون حسبما تلقوا من أسلافهم، و كانت كل جماعة تستقر علی الوجوه التی لقنتها لا تكاد تتعداها؛ فاختلفت قراءات الخلف باختلاف قراءات السلف، و تفرق هؤلاء و أولئك فی البلاد، و كما یقول ابن الجزری: «قل الضبط، و اتسع الخرق، و كاد الباطل یلتبس بالحق؛ فقام جهابذة علماء الأمة، و صنادید الأئمة، فبالغوا فی الاجتهاد، و بینوا الحق المراد، و جمعوا الحروف و القراءات، و عزوا
______________________________
(1) ینظر: بحوث قرآنیة المؤتمر السادس ص (106، 107).
(2) ینظر: النشر (1/ 52).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 13
الوجوه و الروایات، و میزوا بین المشهور و الشاذ، و الصحیح و الفاذ، بأصول أصلوها، و أركان فصلوها».
و یبدو أن الاقتصار علی قراءات الأئمة المشهورین بالفقه و الأمانة فی النقل، و كمال الدین- كان أمرا ضروریا، أوجبته بشاعة ما قیل إنه وقع من: «تمادی بعض الناس علی القراءة بما یخالف خط المصحف، مما ثبت نقله» كما عبر ذلك مكی ابن أبی طالب بل إنه كثر الاختلاف فیما یحتمله رسم المصحف، و قرأ أهل البدع و الأهواء بما لا یحل لأحد تلاوته؛ وفاقا لبدعهم، و من أمثلة ذلك: ما روی من أن بعض المعتزلة قرأ: وَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسی تَكْلِیماً [النساء: 164] بنصب الهاء.
و قد كثرت الاختیارات فی القراءة كثرة، من مظاهرها التی تخفی علی كثیر من غیر المتخصصین: أن الشافعی صاحب المذهب، كانت له روایة قرأ بها ابن الجزری، من كتاب: «المستنیر»، و حدثه بها- من هذا الكتاب، و من كتاب «الكامل»- غیر واحد.
و كان لأحمد بن حنبل صاحب المذهب أیضا اختیار، ذكره «الهذلی» فی كتابه «الكامل».
و قد نسبت إلی أبی حنیفة قراءة جمعها الخزاعی، و نقلها عنه الهذلی و غیره.
و قد عد ابن حجر العسقلانی- و هو یتكلم عن تعیین الأحرف التی اختلف فیها عمر ابن الخطاب، و هشام بن حكیم، حین كان هذا یقرأ بسورة «الفرقان»، علی حروف لم یكن یعرفها عمر- عد ابن حجر فی هذه السورة وحدها نحوا من مائة و ثلاثین موضعا، منها ستة و خمسون لیس فیها من المشهور شی‌ء.
و ربما كانت كثرة عدد القراءات هی التی حدت ببعض المفسرین إلی ذكر بعضها غیر منسوب لصاحبه «1».
* إذا قرئت آیة بقراءتین فهل قال اللّه بهما؟
أورد الزركشی فی كتابه «البرهان» هذا السؤال، ثم أعقبه بالآراء التی قیلت فیه:
(الأول): أن اللّه- تعالی- قال بهما جمیعا.
(الثانی): أن اللّه- تعالی- قال بقراءة واحدة، إلا أنه أذن أن یقرأ بقراءتین.
______________________________
(1) ینظر: بحوث قرآنیة المؤتمر السادس ص (101، 102).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 14
(الثالث): إذا كان لكل قراءة تفسیر یغایر الآخر، فقد قال بهما جمیعا، و تصیر القراءتان بمنزلة آیتین، مثل قوله: وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّی یَطْهُرْنَ [البقرة: 222] (الرابع): إذا كان تفسیر القراءتین واحدا، كالبیوت و البیوت و المحصنات و المحصنات بالنصب و الجر- فإنما قال بإحداهما، و أجاز القراءة بهما، لكل قبیلة، علی ما تعود لسانها.
(الخامس): إذا صح أنه قال بإحدی القراءتین، فإنه یكون قد قال بلغة قریش «1».
* من قال من العلماء إن مرجع القراءات الاجتهاد:
هناك أقوال لبعض علمائنا القدامی قد یفهم منها أن القراءات القرآنیة مرجعها الاجتهاد لا السماع، و أنها اختیاریة تدور مع اختیار الفصحاء و اجتهاد البلغاء.
* الزمخشری یعیب قراءة لابن عامر:
قرأ ابن عامر- أحد القراء السبعة- الآیة:
وَ كَذلِكَ زَیَّنَ لِكَثِیرٍ مِنَ الْمُشْرِكِینَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ [الأنعام: 137].
برفع (قتل) و نصب (أولادهم) و جر (الشركاء)، علی إضافة القتل إلی الشركاء، و الفصل بینهما بغیر الظرف.
فوصف الزمخشری هذه القراءة بأنها «شی‌ء» لو كان فی مكان الضرورات و هو الشعر، لكان سمجا مردودا ... إلخ. و قال: «و الذی حمله علی ذلك أن رأی فی بعض المصاحف «شركائهم» مكتوبا بالیاء. و لو قرأ بجر الأولاد و الشركاء؛ لأن الأولاد شركاؤهم فی أموالهم- لوجد فی ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب».
* رد ابن المنیر علی الزمخشری:
ورد ابن المنیر الإسكندری صاحب كتاب: «الانتصاف» بأن الزمخشری «ركب متن عمیاء، و تاه فی تیهاء»، و قال ابن المنیر: «و أنا أبرأ إلی الله، و أبرئ حملة كتابه، و حفاظ كلامه، مما رماهم به؛ فإنه تخیل أن القراء أئمة الوجوه السبعة اختار كل منهم حرفا قرأ به اجتهادا، لا نقلا و سماعا؛ فلذلك غلط ابن عامر فی قراءته هذه، و أخذ یبین أن وجهة غلطه رؤیته الیاء ثابتة فی «شركائهم»؛ فاستدل بذلك علی أنه مجرور، و تعین عنده نصب (أولادهم) بالقیاس ... إلخ».
______________________________
(1) ینظر: بحوث قرآنیة المؤتمر السادس ص (99).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 15
ثم قال ابن المنیر: «فهذا كله- كما تری- ظن من الزمخشری أن ابن عامر قرأ قراءته هذه رأیا منه، و كان الصواب خلافه، و الفصیح سواه، و لم یعلم الزمخشری أن هذه القراءة- بنصب الأولاد، و الفصل بین المضاف و المضاف إلیه بها- یعلم ضرورة أن النبی صلی اللّه علیه و سلم قرأها علی جبریل، كما أنزلها علیه كذلك، ثم تلاها النبی صلی اللّه علیه و سلم علی عدد التواتر من الأئمة، و لم یزل عدد التواتر یتناقلونها، و یقرءون بها، خلفا عن سلف، إلی أن انتهت إلی ابن عامر؛ فقرأها أیضا كما سمعها. فهذا معتقد أهل الحق فی جمیع الوجوه السبعة: أنها متواترة جملة و تفصیلا ... فلا مبالاة بعدها بقول الزمخشری، و لا بقول أمثاله ممن لحن ابن عامر، و ظن أن القراءة بالرأی غیر موقوفة علی النقل. و الحامل هو التغالی فی اعتقاد اطراد الأقیسة النحویة؛ فظنها قطعیة؛ حتی یرد ما یخالفها».
و یقول ابن المنیر كذلك: «إن المنكر علیه- یعنی: ابن عامر- إنما أنكر ما ثبت أنه براء منه قطعا و ضرورة. و لو لا عذر أن المنكر لیس من أهل الشأنین- أعنی: علم القراءة، و علم الأصول، و لا یعد من ذوی الفنین المذكورین- لخیف علیه الخروج من ربقة الدین، و إنه- علی هذا العذر- لفی عهدة خطیرة، و زلة منكرة، تزید علی زلة من ظن أن تفاصیل الوجوه السبعة فیها ما لیس متواترا؛ فإن هذا القائل لم یثبتها بغیر النقل، و غایته أنه ادعی أن نقلها لا یشترط فیه التواتر، و أما الزمخشری: فظن أنها تثبت بالرأی، غیر موقوفة علی النقل، و هذا لم یقل به أحد من المسلمین».
* رد أبی حیان الأندلسی علی الزمخشری:
و فی هذا الشأن- أیضا- یقول أبو حیان الأندلسی:
«و بعض النحویین أجازها، و هو الصحیح؛ لوجودها فی هذه القراءة المتواترة المنسوبة إلی العربی الصریح المحض: ابن عامر، الآخذ القرآن عن عثمان ابن عفان، قبل أن یظهر اللحن فی لسان العرب، و لوجودها أیضا فی لسان العرب فی عدة أبیات ...» إلخ.
ثم یتحدث عن الزمخشری قائلا:
«و أعجب لعجمی ضعیف فی النحو یرد علی عربی صریح محض قراءة متواترة موجودا نظیرها فی لسان العرب، فی غیر ما بیت. و أعجب لسوء ظن هذا الرجل بالقراء الأئمة، الذین تخیرتهم هذه الأمة لنقل كتاب الله، شرقا و غربا، و قد اعتمد
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 16
المسلمون علی نقلهم؛ لضبطهم، و معرفتهم، و دیانتهم».
* رد نظام الدین النیسابوری علی الزمخشری:
و یقول النیسابوری:
«و الحق عندی- فی هذا المقام- أن القرآن حجة علی غیره، و لیس غیره حجة علیه. و القراءات السبع كلها متواترة، فكیف یمكن تخطئة بعضها؟! فإذا ورد فی القرآن المعجز مثل هذا الترتیب لزم القول بصحته و فصاحته ...» إلخ.
* رد ابن الجزری علی الزمخشری:
و یدافع ابن الجزری عن القراءة المتواترة التی قرأ بها ابن عامر، فیقول:
و الحق فی غیر ما قاله الزمخشری، و نعوذ بالله من قراءة القرآن بالرأی و التشهی، و هل یحل لمسلم القراءة بما یجد فی الكتابة من غیر نقل؟! بل الصواب جواز مثل هذا الفصل- و هو الفصل بین المصدر و فاعله المضاف إلیه بالمفعول- فی الفصیح و الشائع الذائع اختیارا. و لا یختص ذلك بضرورة الشعر.
و یكفی فی ذلك دلیلا هذه القراءة الصحیحة المشهورة التی بلغت التواتر.
كیف و قارئها- ابن عامر- من كبار التابعین الذین أخذوا عن الصحابة: كعثمان ابن عفان، و أبی الدرداء، رضی اللّه عنهما؟!. و هو- مع ذلك- عربی صریح من صمیم العرب؛ فكلامه حجة، و قوله دلیل؛ لأنه كان قبل أن یوجد اللحن و یتكلم به. فكیف، و قد قرأ بما تلقی و روی و سمع و رأی؛ إذ كانت كذلك فی المصحف العثمانی المجمع علی اتباعه، و أنا رأیتها فیه كذلك؟ مع أن قارئها: لم یكن خاملا، و لا غیر متبع، و لا فی طرف من الأطراف لیس عنده من ینكر علیه إذا خرج عن الصواب، فقد كان فی مثل دمشق التی هی- إذ ذاك- دار الخلافة و فیها الملك، و المأتی إلیها من أقطار الأرض، فی زمن خلیفة هو أعدل الخلفاء و أفضلهم بعد الصحابة: الإمام عمر بن عبد العزیز- رضی اللّه عنه- أحد المجتهدین المتبعین المقتدی بهم من الخلفاء الراشدین.
و هذا الإمام القارئ- أعنی: ابن عامر- مقلّد- فی هذا الزمن الصالح- قضاء دمشق، و مشیختها، و إمامة جامعها الأعظم: الجامع الأموی أحد عجائب الدنیا، و الوفود به من أقطار الأرض؛ لمحل الخلافة و دار الإمارة.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 17
هذا، و دار الخلافة- فی الحقیقة- حینئذ بعض هذا الجامع، لیس بینهما سوی باب یخرج منه الخلیفة.
و لقد بلغنا عن هذا الإمام أنه كان فی حلقته أربعمائة عریف، یقومون عنه بالقراءة. و لم یبلغنا عن أحد من السلف- رضی اللّه عنهم- علی اختلاف مذاهبهم، و تباین لغاتهم، و شدة ورعهم، أنه أنكر علی ابن عامر شیئا من قراءته، و لا طعن فیها، و لا أشار إلیها بضعف.
و لقد كان الناس- بدمشق، و سائر بلاد الشام، حتی الجزیرة الفراتیة، و أعمالها- لا یأخذون إلا بقراءة ابن عامر، و لا زال الأمر كذلك إلی حدود الخمسمائة.
و أول من نعلمه أنكر هذه القراءة و غیرها من القراءة الصحیحة، و ركب هذا المحذور- ابن جریر الطبری، بعد الثلاثمائة. و قد عد ذلك من سقطات ابن جریر؛ حتی قال علم الدین السخاوی:
قال لی شیخنا أبو القاسم الشاطبی:
«إیاك و طعن ابن جریر علی ابن عامر».
و لله در إمام النحاة: أبی عبد اللّه بن مالك- رحمه اللّه- حیث قال فی «الكافیة الشافیة»:
و حجّتی قراءة ابن عامرفكم لها من عاضد و ناصر و هذا الفصل الذی ورد فی هذه القراءة، منقول من كلام العرب من فصیح كلامهم، جید من جهة المعنی أیضا:
أما وروده فی كلام العرب:
(أ) فقد ورد فی أشعارهم كثیرا: أنشد من ذلك سیبویه، و الأخفش، و أبو عبیدة، و ثعلب، و غیرهم- ما لا ینكر، مما یخرج به كتابنا عن المقصود.
(ب) و قد صح من كلام رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم: «فهل أنتم تاركو لی صاحبی» ففصل- بالجار و المجرور- بین اسم الفاعل و مفعوله، مع ما فیه من الضمیر المنویّ، ففصل المصدر بخلوه من الضمیر أولی بالجواز.
(ج) و قرئ: فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ [إبراهیم: 47] و أما قوته، من جهة المعنی:
فقد ذكر ابن مالك ذلك من ثلاثة أوجه:
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 18
(أحدها): كون الفاصل فضلة، فإنه- لذلك- صالح لعدم الاعتداد به.
(الثانی): أنه غیر أجنبی معنی؛ لأنه معمول للمضاف و هو المصدر.
(الثالث): أن الفاصل مقدر التأخیر؛ لأن المضاف إلیه مقدر التقدیم؛ لأنه فاعل فی المعنی، حتی إن العرب، لو لم تستعمل مثل هذا الفصل، لاقتضی القیاس استعماله؛ لأنهم قد فصلوا- فی الشعر- بالأجنبی كثیرا، فاستحق الفصل بغیر أجنبی أن یكون له مزیة؛ فیحكم بجوازه مطلقا.
و إذا كانوا قد فصلوا بین المضافین بالجملة فی قول بعض العرب: «هو غلام- إن شاء اللّه- أخیك»- فالفصل بالمفرد أسهل.
ثم إن هذه القراءة قد كانوا یحافظون علیها، و لا یرون غیرها: قال ابن ذكوان:
«شركایهم» بیاء ثابتة فی الكتاب و القراءة.
قال: و أخبرنی أیوب- یعنی: ابن تمیم شیخه- قال:
قرأت علی أبی عبد الملك قاضی الجند:
زَیَّنَ لِكَثِیرٍ مِنَ الْمُشْرِكِینَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ.
قال أیوب:
فقلت له: إن فی مصحفی- و كان قدیما- «شركایهم»، فمحا أبو عبد الملك الیاء، و جعل مكان الیاء واوا.
ثم قرأت علی یحیی بن الحارث: «شركاؤهم»، فرد علیّ یحیی: «شركایهم»، فقلت له: إنه كان فی مصحفی بالیاء، فحكت، و جعلت واوا.
فقال یحیی: «أنت رجل محوت الصواب، و كتبت الخطأ، فرددتها فی المصحف علی الأمر الأول».
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 19

الزمخشری یعزو إحدی القراءات إلی فصاحة راویها

و كتب الزمخشری أیضا عند تفسیر آیة:
هُنالِكَ الْوَلایَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَیْرٌ ثَواباً وَ خَیْرٌ عُقْباً [الكهف: 44]، أن عمرو بن عبید قرأ كلمة (الحق) بالنصب علی التأكید، كقولك: هذا عبد اللّه الحق لا الباطل.
و قال الزمخشری: «و هی قراءة حسنة فصیحة. و كان عمرو بن عبید من أفصح الناس و أنصحهم».
و هذا- كما یقول ابن المنیر الإسكندری- «یوهم أن القراءات موكولة إلی رأی الفصحاء و اجتهاد البلغاء؛ فتفاوتت فی الفصاحة لتفاوتهم فیها».
* رد ابن المنیر و غیره علی الزمخشری:
و قد هوجم الزمخشری فی هذا أیضا: فقیل إن قوله منكر شنیع، و إن الحق «أنه لا یجوز لأحد أن یقرأ إلا بما سمعه فوعاه بنطق فیه صلی اللّه علیه و سلم منزلا كذلك من السماء؛ فلا وقع لفصاحة الفصیح، و إنما هو ناقل كغیره».
و قیل- فی مهاجمة الزمخشری-: إنه «لا یفوته الثناء علی رأس البدعة و معدن الفتنة؛ فإن عمرو بن عبید أول مصمم علی إنكار القدر، و هلم جرا، إلی سائر البدع الاعتزالیة؛ فمن ثم أثنی علیه».
و قال الناقدون: إن الزمخشری «لم یكن له- علی ما عنده من العلم- لقاء و لا روایة».
و ابن عامر الذی عاب الزمخشری قراءته- هو فی الطبقة الأولی من التابعین، و قراءته لیست هینة السند. و قد كان یقرأ بها المقدسی صاحب «أحسن التقاسیم فی معرفة الأقالیم»، فسأله أحد القضاة: أنت رجل متفقه لأهل الكوفة، فلم لم تقرأ بحروفهم؟ و ما الذی أمالك إلی قراءة ابن عامر؟
قال المقدسی: قلت: خلال أربع:
ثم ذكر المقدسی ما جعله یختارها و مما ذكره: أن ابن مجاهد روی عن ابن عامر ثلاث روایات:
إحداهن: أنه قرأ علی عثمان بن عفان.
و الثانیة: أنه سمع القرآن من عثمان و هو صبی.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 20
و الثالثة: أنه قرأ علی من قرأ علی عثمان.
و لیس هذا لغیره من أئمة القراء، بل بین كل واحد و بین علیّ، و عبد الله، و أبیّ، و ابن عباس، رجلان أو ثلاثة.
فمن بینه و بین عثمان- الذی قد أجمع المسلمون علی مصحفه، و اتفقوا علی جمعه، و تداولوه- رجل: أحق بأن یقرأ له ممن بینه و بین من لا یستعمل جمعه، و لا وقع الاتفاق علی مصحفه، رجلان أو ثلاثة ... إلخ.
و قد كان مما قیل عن ابن عامر: «إنه لم یتعد- فیما ذهب إلیه- الأثر، و لم یقل قولا یخالف فیه الخبر».
* بعض النحویین ینكرون علی بعض القراء اختیاراتهم.
و قد رد آخرون- و خاصة من النحویین- علی بعض القراء فی اختیاراتهم منكرین و مخطئین.
و لكن الجمهور علی غیر رأی النحویین:
یقول الزركشی، فی اعتراضاتهم علی أئمة القراءة: «و هذا تحامل، و قد انعقد الإجماع علی صحة قراءة هؤلاء الأئمة، و أنها سنة متبعة، و لا مجال للاجتهاد فیها».
و لهذا قال سیبویه فی كتابه، فی قوله تعالی:
ما هذا بَشَراً [یوسف: 31] «و بنو تمیم یرفعونه إلا من دری كیف هی فی المصحف، و إنما كان كذلك لأن القراءة سنة مرویة عن النبی صلی اللّه علیه و سلم، و لا تكون القراءة بغیر ما روی عنه».
و یقول الدانی فی كتابه «جامع البیان»:
«و أئمة القراءة لا تعمل فی شی‌ء من حروف القرآن علی الأفشی فی اللغة، و الأقیس فی العربیة، بل علی الأثبت فی الأثر، و الأصح فی النقل. و الروایة- إذا ثبتت عندهم- لا یردها قیاس عربیة و لا فشو لغة؛ لأن القراءة سنة متبعة یلزم قبولها و المصیر إلیها».
و كلام الزمخشری- علی ما یبدو- فاتن، و قد تورط فی متابعته البیضاوی المفسر؛ فكان لذلك نكیر عند علی بن سلطان القاری، إذ یقول: «و العجب من البیضاوی، مع أنه من أئمة أهل السنة، تبعه- یعنی: الزمخشری- فی هذه القضیة، كما بینته فی تخریج قراءاته من تفسیره بالحاشیة المستقلة، و أوضحت ما فیه من تقصیره و تغییره، و نقصان
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 21
فی تعبیره».
و نشیر هنا إلی عبارة لأبی حیان الأندلسی فی شأن من یسترسلون فی طلب الأقیسة یقول: «و ما أحوج الناظر فی الدین إلی حسن الظن و الیقین، و إلی متن متین فیه، فإنه متی حاول معرفة كل شی‌ء بالرأی و القیاس، كلّ و ملّ، و متی استرسل مع كل شی‌ء، زلّ و ضلّ».
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 22

ردود علی من یفاضلون بین القراءات‌

و ورد عن بعض المشتغلین بالقرآن ما یستفاد منه أن القراءات متفاوتة القدر، كأنها لیست نقلا خالصا، و أن إحداها أحبّ إلیهم من غیرها، و أن لكل قراءة خصیصة، مرجعها صاحب القراءة:
روی ابن الجزری عن أبی العباس الطنافسی البغدادی أنه قال: «من أراد أحسن القراءات فعلیه بقراءة أبی عمرو، و من أراد الأصل فعلیه بقراءة ابن كثیر، و من أراد أفصح القراءات فعلیه بقراءة عاصم، و من أراد أغرب القراءات فعلیه بقراءة ابن عامر، و من أراد الأثر فعلیه بقراءة حمزة، و من أراد أظرف القراءات فعلیه بقراءة الكسائی، و من أراد السنة فعلیه بقراءة نافع».
و یستفاد من هذا القول الخطیر أن قراءة أحسن من قراءة، و أن قراءة هی الأصل و غیرها لیس أصلا، و أن قراءة أفصح و أخری فصیحة، و قراءة غریبة و غیرها أقل غرابة أو لیست غریبة، و قراءة هی الأثر و ما عداها لیس أثرا، و قراءة هی أظرف من قراءة، و قراءة هی السنة و غیرها دونها سنیة.
و عندنا أنه ما كان یحق للطنافسی أن یقول ما قال؛ فالقراءات- لا بد- توقیفیة، و لیست اختیاریة، و إلا وجد الشك و الوهم سبیلهما إلی آی الكتاب.
و العجیب أن مكی بن أبی طالب ینهج نفس النهج؛ فیقول: «و أصح القراءات سندا: نافع، و عاصم، و أفصحها: أبو عمرو، و الكسائی».
و حتی الطبری المفسر یفاضل- أحیانا علی نحو ما- بین القراءات مفاضلة نسوق أمثلة لها فیما یلی:
1- فی تفسیر قوله تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَیْدِیَكُمْ إِلَی الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَی الْكَعْبَیْنِ [المائدة: 6] یتكلم عن كیف قرئت «و أرجلكم» منصوبة و بالخفض، ثم یقول: «غیر أن ذلك و إن كان كذلك، و كانت القراءتان كلتاهما حسنا صوابا، فأعجب القراءتین إلیّ أن أقرأها قراءة من قرأ ذلك خفضا».
2- و فی قوله تعالی: وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِینَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِینَ اتَّبَعُوهُمْ
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 23
بِإِحْسانٍ [التوبة: 100]، یقول بعد الكلام عن خفض «الأنصار» و رفعها:
«و القراءة التی لا أستجیز غیرها: الخفض فی «الأنصار».
3- و فی قوله تعالی: أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْیانَهُ عَلی تَقْوی مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٍ خَیْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْیانَهُ عَلی شَفا جُرُفٍ هارٍ [التوبة: 109].
ذكر الطبری أن فعل «أسس» بنی للمجهول فی المرتین كلتیهما فی قراءة، و بنی للمعلوم فی قراءة أخری، ثم قال: و هما قراءتان متفقتا المعنی، فبأیتهما قرأ القارئ فمصیب، غیر أن قراءته بتوجیه الفعل إلی «من»- إذ كان «من» المؤسس- أعجب إلیّ.
4- و فی قوله تعالی: قالَ یا قَوْمِ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّی وَ آتانِی رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّیَتْ عَلَیْكُمْ أَ نُلْزِمُكُمُوها وَ أَنْتُمْ لَها كارِهُونَ [هود: 28]، قال الطبری: إن أولی القراءتین عنده بالصواب قراءة «فعمیت» بضم العین و تشدید المیم.
5- و كذلك وصف الطبری قراءة من قرأ: «ما ذا تری» بفتح التاء فی قوله تعالی:
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْیَ قالَ یا بُنَیَّ إِنِّی أَری فِی الْمَنامِ أَنِّی أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَری [الصافات: 102] بأنها أیضا أولی القراءتین بالصواب.
6- و فی قوله تعالی: ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَ ما كانُوا إِذاً مُنْظَرِینَ [الحجر:
8]، ذكر الطبری أنه یحب قراءتین یجب ألا یعدوهما قارئ.
و الظن: أننا لو أطعنا الطبری فی هذه المفاضلات لكنا ممن یعمل الاجتهاد فی القرآن، و هو ما لا یجوز فیه الاجتهاد.
و القرآن- بلا ریب- أجل و أخطر من أن یقرأه مسلم برأیه المجرد. و القراءة- كما یقرر المسلمون- سنة متبعة، و قد كان رؤساء الصحابة ینكرون تفضیل قراءة علی قراءة من أی وجه.
و قد حكی أبو عمر الزاهد فی كتاب «الیواقیت» عن ثعلب أنه قال: إذا اختلف الإعرابان فی القراءات لم أفضل إعرابا علی إعراب، فإذا خرجت إلی كلام الناس فضلت الأقوی.
و قال أبو جعفر النحاس: «السلامة عند أهل الدین- إذا صحت القراءتان- ألا یقال: إحداهما أجود؛ لأنهما جمیعا عن النبی صلی اللّه علیه و سلم فیأثم من قال ذلك».
و قال- أیضا، و قد حكی اختلافهم فی ترجیح فَكُّ رَقَبَةٍ فی سورة «البلد»
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 24
بالمصدریة و الفعلیة-: «و الدیانة تحظر الطعن علی القراءة التی قرأ بها الجماعة، و لا یجوز أن تكون مأخوذة إلا عن النبی صلی اللّه علیه و سلم».
و قد روی عن صالح بن أحمد بن حنبل أنه سأل أباه: أی القراءات أحب إلیك؟
قال: قراءة نافع. قال صالح: فإن لم توجد؟ قال: قراءة عاصم. بید أن التعبیر الخلیق- فی ظننا- بأحمد بن حنبل هو ما ورد فی روایة أخری من أنه أجاب فی شأن عاصم: «أهل الكوفة یختارون قراءته و أنا أختارها».
* دعوی بعض المستشرقین:
حاول بعض المستشرقین من أعداء الإسلام أن یزلزلوا عقیدة المسلمین تجاه كتابهم العزیز- القرآن الكریم- عن طریق التشكیك فی القراءات القرآنیة، و إیهام المسلمین أن كتاب اللّه- عز و جل- لم یكن موضع تحقیق و دقة و ضبط، بل كان موضع تشهّ و هوی و رأی و اختیار من القراء!!.
حیث طاف برأس شرذمة من هؤلاء المستشرقین الملحدین: أن القراءات لیست توقیفیة، و لم یوح بها إلی النبی صلی اللّه علیه و سلم و لم ینقلها أحد عنه، زاعمین أن سبب اختلاف القراءات، و منشأ تنوعها و تعددها، إنما هو خاصیة الخط العربی، الذی كتبت به المصاحف العثمانیة، و هذه الخاصیة هی: خلوه من إعجام الحروف و نقطها، الذی یدل علی ذواتها، و خلوه من شكل الكلمات الذی یدل علی إعرابها.
فالكلمات القرآنیة لما كتبت فی المصاحف العثمانیة مجردة من النقط الذی یدل علی ذلك الحرف، و من الشكل الذی یدل علی موقع الكلمة من الإعراب- كانت محتملة لقراءات متعددة، و أوجه متنوعة؛ فكان كل قارئ یختار من هذه القراءات، و من هذه الأوجه ما یروق فی نظره، و تنقدح علته فی نفسه، و تساعد علیه لغة العرب، و یحتمله رسم المصحف، فالاختلاف فی القراءات فی زعم هؤلاء: إنما كان عن تشهّ و هوی، و رأی و اختیار من القراء، لا عن توقیف و سند و روایة؛ فلیس لهذه القراءات- فی زعم هؤلاء- سند إلی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و لیس للوحی مدخل فیها.
هكذا زعم هؤلاء، و هذا زعم باطل، و نظر خاسئ، و رأی خاطئ، و فریة منكرة، اجترأ علیها هؤلاء الملاحدة؛ لیقذفوا بها أقدس ما یقدسه المسلمون، و هو كتاب اللّه- عز و جل- بما یزلزل عقیدة الناس فیه، و یوهمهم أن كتاب اللّه- تعالی- لم یكن
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 25
موضع تحقیق و دقة، و لم یكن محل ضبط و تحر و أمانة فی ألفاظه و قراءاته و روایاته و طرق أدائه.
و أشهر من تولی كبر هذا العدوان من المستشرقین: «تیودور نولدكه‌Theodor Noldeke ¬، «و اجناتس جولد تسیهر»Ignacz eyoldziher ، «و آرثر جفری‌Arthur Jeery ¬. و واضح أنهم جمیعا من غیر المسلمین.
و المؤلم و المثیر أن آراءهم استخفت بعض الدارسین المسلمین؛ فروجوا لها، بل إن بعضهم انتحلها اعتقادا منه بعظم قدرها.
و أقدم أولئك الثلاثة: تیودور نولدكه الذی یصفه جولد تسیهر بأنه زعیمه، و الذی وضع كتابه «تاریخ القرآن‌Yeschichte des Qorans ¬، و هو كتاب فتح به صاحبه للطاعنین علی القراءات بابا، و مهد لهم مهادا، حتی قال جفری إنه أساس كل بحث فی القرآن فی أوربا.
و یصرح نولدكه بارتیابه فی أكثر ما یتعلق بالقرآن من الروایات و الأحادیث الصحیحة، و أقوال المفسرین المستقیمة، و یصدف عنها جمیعا إلا ما كان ضعیفا، أو شاذّا، أو باطلا، أو منكرا، فهو- عندئذ- یجعله العمدة و الدلیل.
و من أضل ما ذهب إلیه هذا المستشرق: إنكار قرآنیة بعض ألفاظ القرآن، فمثلا:
أوائل بعض السور لیست- فی رأیه- إلا حروفا أولی و أخیرة مأخوذة من أسماء بعض الصحابة الذین كانت عندهم نسخ من سور قرآنیة معینة، و علی سبیل المثال:
السین- فیما یدعی- من سعد بن أبی وقاص، و المیم: من المغیرة، و النون: من عثمان بن عفان، و الهاء: من أبی هریرة ... و هكذا.
و هذا- من الناحیة الواقعیة- قول لا أساس له، و هو یعنی شیئا باهظا لا یمكن أن یسیغه عقل عاقل: و هو أن الأمة الإسلامیة: صحابة نبیها، و تابعیهم، و تابعی تابعیهم، و رواتها، و علماءها، و كل أبنائها، بأعدادهم التی لا تحصی- كذابون، و مجترءون تواطئوا ضد كتابهم، و جاءوا فیه بأشیاء من عند أنفسهم!!.
و ربما كان شر الثلاثة- من وجهة النظر الإسلامیة- جولد تسیهر، فقد سبق زعیمه فی حلبة الكید للقرآن.
و قد أخطأ جولد تسیهر فی فهم النصوص القرآنیة: فاشتبه علیه المتواتر من القراءات بالفاذ، و المشهور بالشاذ؛ و من وراء ذلك كان منهجه ملتویا منحازا، فقد
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 26
كان مبلغ همه أن یجد شیئا یستطیع به- و لو بالتدلیس- أن یدلل علی أن الاختلاف فی القراءات لیس عن توقیف و روایة، و إنما عن هوی من القراء؛ و لذلك فإنه- بعكس المسلمین- لم یأخذ فی الحكم علی روایات القرآن بالسند الصحیح الممحص، و التواتر المتصل الثابت، و ابتكر من لدنه ضلالات كثیرة، و اعتضد أحیانا بما لا یجوز- علما- الاعتضاد به، و لم یذعن للقاعدة الإسلامیة الموثقة و المتبعة: قاعدة أن القراءة- منذ نزول القرآن- سنة یأخذها الآخر عن الأول شفاها، فما لفم.
و من أخطاء جولد تسیهر: أنه یرجع اختلاف القراءات إلی أسباب أهمها- كما ذكر أحد العرب الآخذین عنه و المنتحلین فكرته- «مسائل ظهرت بعد نزول الوحی؛ من خاصیة القلم الذی دون به القرآن الكریم: فرسم أكثر حروف هذا القلم متشابه، و الممیز فیها هو النّقط الذی لم یظهر إلا بعد نزول الوحی بأمد، و كان هذا القلم خالیا فی بادئ أمره من الحركات».
و نبادر، فنرد علی هذا الزعم بأن الثابت المعقول: هو أن تلقی المسلمین للقرآن و حفظهم إیاه كانا سابقین للتسجیل الكتابی، و حتی بعد الكتابة، ظل المعول علیه فی تبلیغ القرآن هو التلقین الشفهی، و عند ما كتب عثمان المصاحف الأئمة، و بعث بها إلی الأمصار جعل مع كل منها قارئا لیقرئ الناس، فأمر زید بن ثابت أن یقرئ الناس بالمدینة، و أرسل عبد اللّه بن السائب إلی مكة، و عامر بن عبد قیس إلی البصرة، و أبا عبد الرحمن السلمی إلی الكوفة، و المغیرة بن شهاب إلی الشام.
و قد ضرب جولد تسیهر أمثلة للاختلاف نتیجة عدم النقط، فجاء هو نفسه بما ینقض دعواه: قال: إن كلمة «تستكبرون» فی قوله تعالی:
وَ نادی أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا یَعْرِفُونَهُمْ بِسِیماهُمْ قالُوا ما أَغْنی عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ [الأعراف: 48].
قرئت: (تستكثرون) بالثاء المثلثة.
و نحن المسلمین نعلم أن القراءات السبع المتواترة، و الثلاث المشهورة، بل الأربع الشاذة- لا تعرف هذه القراءة المزعومة، مع أنها ممكنة لو كان الأمر أمر النقط بحسب الفهم الخاص. و هكذا یشهد جولد تسیهر- من حیث لم یقصد- علی رأیه بالبطلان.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 27
و مثل ثان ضربه هذا المستشرق؛ لیعزز به دعواه هو: لفظ «بشرا» فی قوله سبحانه: وَ هُوَ الَّذِی یُرْسِلُ الرِّیاحَ بُشْراً بَیْنَ یَدَیْ رَحْمَتِهِ [الأعراف: 57].
قد قرئت أیضا «نشرا» بالنون بدل الباء.
و قد قرأ عاصم بالباء و إسكان الشین، أی بجمع بشیر كنذیر و نذر. و قرأ ابن عامر بالنون مضمومة و بإسكان الشین.
و قرأ حمزة و الكسائی و خلف بالنون المفتوحة و سكون الشین بمعنی ناشرة أو منشورة، أو ذات نشر.
و قرأ نافع و ابن كثیر و أبو عمرو و أبو جعفر و یعقوب بضم النون و الشین جمع نشر.
فهیئة الرسم إذن لیست هی المرجع فی صحة القراءة، كما یدعی جولد تسیهر و من تابعه، و إنما المرجع هو تواتر الروایة كما یقرر المسلمون.
و مثل ثالث یسوقه هذا المستشرق هو كلمة «إیاه» فی قوله عز و جل: وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِیمَ لِأَبِیهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِیَّاهُ [التوبة: 114].
فقد قرئت: «أباه».
و مع أن فی الإمكان النطق بهذا اللفظ بالباء بدل الیاء، فیما لو كان المعول علی الخط وحده فإن قراء المسلمین جمیعا یقرءون بالیاء، و یتفقون علی أن قراءة الباء منكرة.
و یزعم جولد تسیهر أن بعض القراء كانوا یغیرون القراءات بما ترضاه مقاصدهم و تسیغه أفهامهم و أذواقهم.
ففی قوله تعالی: یا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلی بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ... [البقرة: 54]. یذكر جولد تسیهر أن قتادة رأی أن الأمر بالقتل هنا شدید القسوة، و غیر متناسب مع الخطیئة؛ فقرأ: «فأقیلوا»، و یقول جولد تسیهر: إنه یری فی هذا المثال: «وجهة نظر موضوعیة شاركت فی سبب اختلاف القراءة».
و لا نری علینا من حق لجولد تسیهر فی أن نناقش دعواه هذه؛ فهی مرفوضة أصلا؛ لأن «فأقیلوا» لیست من القراءات المتواترة أو المشهورة أو حتی الأربع الشواذ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 28
و قد ساق جولد تسیهر طائفة أخری مماثلة من الدعاوی، و قد تعقبها كلها بالتفنید مترجم الكتاب المرحوم الدكتور عبد الحلیم النجار الذی نبه- أحسن اللّه جزاءه- علی أهم النزعات الدینیة التی «لا یكاد یخلو منها كتاب من كتب المستشرقین، لا سیما فیما یتصل من الدین بسبب أو نسب یملیها علیهم إلف ملازم، أو هوی متبع، أو قصد جائر» و أشار- نضر اللّه وجهه- إلی أن هناك أخطاء یتورط فیها المستشرقون لغرابة المادة العربیة و الإسلامیة علی تفكیرهم، أو لقلة بصرهم بالذوق العربی، و عجزهم عن التغلغل فی أسرار اللسان و مسالك البیان.
أما آرثر جفری- و هو أحدث الثلاثة تاریخا-: ففی مقدمته لكتاب «المصاحف لابن أبی داود» یحاول هو الآخر- معتضدا بدعاوی نولدكه، و شولی‌Schwally و غیرهما- تحریف تاریخ القرآن عن بعض مواضعه، و یرید لیطفئ فی صدور المسلمین أنوار التقدیس لكتابهم، و لیوهی اعتقادهم بتوقیفیته:
فهو یدعی- بغیر بینة- أن القراءات تطورت علی الأیام، و معنی هذا- فیما هو واضح- أن اللّه تعالی لم ینزل القراءات بالشكل المتواتر عند المسلمین، و أن النبی صلی اللّه علیه و سلم لم یقرأ بها هكذا، و أن صحابته و تابعیهم لم یتلقوها، و لم یقرءوا بها هكذا.
و قد احتمی جفری ببعض الروایات المنكرة و الأحادیث الموضوعة، مثلما فعل زمیلاه نولدكه و جولد تسیهر. و ممن تواری جفری خلفهم: ابن أبی داود الذی كذبه أبوه نفسه فی أكثر من حدیث.
و یدعو جفری الباحثین المسلمین إلی شی‌ء عجیب: یدعوهم لینهجوا نهج باحثی الیهود و النصاری الذین شكوا فی صحة كتبهم المقدسة، و الذین نجحوا- كما یعبر- فی كشف ما ورد علی هذه الكتب من تغییر و تعدیل، و هو- فی هذا- یقول بقصد خبیث مكشوف:
«فسر فی أیامنا هذه علماء الشرق كثیرا مما یتعلق بتفسیر القرآن و إعجازه و أحكامه و لكنهم إلی الآن لم یبینوا لنا ما یستفاد منه التطور فی قراءته، و لا ندری- علی التحقیق- لما ذا كفوا عن البحث، فی عصر له نزعة خاصة فی التنقیب، عن تطور الكتب المقدسة، و عما حصل لها من التغییر و التحریر و نجاح بعض الكتاب فیها».
و یعد جفری المستجیبین لدعوته: دعوة بحث القرآن؛ لاكتشاف ما سماه:
«التغییر و التحویر» فیه یعدهم مثل ما أحرز الباحثون فی كتب الیهود و النصاری-:
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 29
ذیوعا لمباحثهم، و نصرا علی مخالفیهم.
و هو یتكلم عن الباحثین فی كتب الیهود و النصاری فیقول: إن طریقتهم فی البحث أن یجمعوا الآراء و الظنون و الأوهام و التصورات بأجمعها؛ لیستنتجوا- بالفحص و الاكتشاف- ما كان فیها مطابقا للمكان و الزمان و ظروف الأحوال، معتبرین المتن دون الإسناد، و یجتهدون فی إقامة نص التوراة و الإنجیل ... إلخ.
و نحن نرد علی جفری بأن القرآن غیر الكتب السابقة، فهو بلغنا كلمة كلمة، بل حرفا حرفا بالتلقی الصحیح، و بالروایة المتواترة، التی تعنی: أنه فی كل طبقة من طبقاتها یتوافر جمع من الناس یؤمن تواطؤهم علی الكذب أو لا یتصور تواطؤهم علیه.
و یرد جفری نفس المشرع المسموم الذی و رده جولد تسیهر، فیشیر إلی الادعاء بأن المصاحف المكتوبة الأئمة- لخلوها من النقط و الشكل- كانت تدعو القارئ- فیما بعد- أن یتولی بنفسه نقط النص القرآنی، و ضبطه بالشكل، علی مقتضی ما یفهمه هو من معانی الآیات. و أورد جفری مثلا لهذا كلمة «نعلمه» فقد كان الواحد- بزعم المستشرقین- یقرؤها: «یعلمه»، و الآخر: «نعلمه»، و الثالث: «تعلمه»، و الرابع:
«تعلمه» ... إلخ.
و قد قدمنا آنفا- و نحن نناقش جولد تسیهر- أن هذا الرأی فاسد فیما یتعلق بالقرآن؛ لأن المسلمین لم یعتمدوا فی نقل القرآن علی خط المصاحف، و إنما اعتمدوا علی التلقی الشفهی. و نضیف هنا: أنهم اعتمدوا أیضا علی حفظ القلوب و الصدور، و قد عد ذلك من أشرف خصائصهم، ثم إن التبدیل فی القرآن- مهما قل- لیس لمخلوق حتی و لو كان نبی الإسلام نفسه.
وَ إِذا تُتْلی عَلَیْهِمْ آیاتُنا بَیِّناتٍ قالَ الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَیْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما یَكُونُ لِی أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِی إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما یُوحی إِلَیَّ إِنِّی أَخافُ إِنْ عَصَیْتُ رَبِّی عَذابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ [یونس: 15].
تَنْزِیلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِینَ. وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَیْنا بَعْضَ الْأَقاوِیلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْیَمِینِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِینَ. فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِینَ [الحاقة: 43- 47].
و الاستقراء الموضوعی یكشف لنا أنه لم ینقل عبر القرون كتاب سماوی أو غیر سماوی، بالتواتر القطعی و الإسناد الصحیح، عن العدول الضابطین، طبقة بعد
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 30
طبقة؛ مثلما وقع للقرآن، و قد تلقوه عن النبی نفسه صلی اللّه علیه و سلم حرفا حرفا لم یهملوا منه حركة و لا سكونا، و لا إثباتا و لا حذفا «1».
ثم إن هذا الزعم الذی قال به هؤلاء المستشرقون تصادمه الحقائق التاریخیة التی لا یرتقی إلیها الشك، و تعارضه الأدلة النقلیة التی بلغت فی مجموعها مبلغ التواتر، و دلت علی أن القراءات منبعها الوحی الإلهی عن اللّه- عز و جل- و مصدرها النقل المتواتر و الصحیح عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم، و دلت كذلك علی أن القراءات سنة متبعة، ینقلها الآخر عن الأول، و یتلقاها الخلف عن السلف، إلی أن تنتهی إلی النبی صلی اللّه علیه و سلم، عن جبریل أمین الوحی، عن اللّه تعالی.
إن هذا الزعم یتنافی مع قضایا العقل، و لا یتلاقی مع قوانین المنطق، و لا یستسیغه الفكر الناضج السلیم، و هاكم بعض التفصیل لما أقول:
أولا: إن التاریخ- و هو خیر شاهد، و أصدق مخبر- یدلنا علی أن القرآن الكریم بجمیع قراءاته و روایاته كان محفوظا فی صدر أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم، قبل أن تكتب المصاحف فی عهد الخلیفة عثمان، بل قبل أن یجمع القرآن فی المصحف، فی عهد الصدیق أبی بكر؛ كما یدل علی أن قراءاته و روایاته قد ذاع أمرها، و انتشر بین الأنام خبرها، و تداول الناس القراءة بها فی العهد النبوی، و قد نطقت بذلك الأخبار الصحیحة، و الآثار الصریحة التی لا مطعن فیها، و لا وهن فی أسانیدها، و أقص علیكم من نبأ هذه الأخبار ما لا یبقی معه أدنی شبهة، و لا أقل ریبة فی أن القراءات مردها التلقی و الروایة، و مرجعها التوقیف و السماع، و لا دخل لأحد من البشر فیها كائنا من كان، و لیست خاصیة الخط العربی الذی كتبت به المصاحف مدعاة- من قریب أو من بعید- إلی تنوع القراءات، و اختلاف القراء.
ثانیا: عن ابن عباس- رضی اللّه عنهما- أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال: «أقرأنی جبریل علی حرف، فراجعته، فلم أزل أستزیده، و یزیدنی، حتّی انتهی إلی سبعة أحرف».
أخرجه البخاری و مسلم.
ثالثا: و عن عمر بن الخطاب- رضی اللّه عنه- قال: سمعت هشام بن حكیم ابن حزام یقرأ سورة الفرقان فی حیاة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم: فاستمعت لقراءته، فإذا هو یقرأ
______________________________
(1) ینظر: بحوث قرآنیة المؤتمر السادس ص (108- 119).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 31
علی حروف كثیرة، لم یقرئنیها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم، فكدت أساوره فی الصلاة، حتی سلم، فلببته بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التی سمعتك تقرأ؟ قال أقرأنیها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقلت: كذبت، فإن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قد أقرأنیها علی غیر ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقلت: إنی سمعت هذا یقرأ سورة الفرقان علی حروف لم تقرئنیها، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم: «أرسله، اقرأ یا هشام»، فقرأ علیه القراءة التی سمعته یقرأ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم: «كذلك أنزلت»، ثم قال: «اقرأ یا عمر» فقرأت القراءة التی أقرأنی، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم: «كذلك أنزلت، إنّ هذا القرآن أنزل علی سبعة أحرف، فاقرءوا ما تیسّر منه». رواه البخاری و مسلم.
رابعا: و عن أبی بن كعب- رضی اللّه عنه- أن النبی صلی اللّه علیه و سلم كان عند أضاة بنی غفار: فأتاه جبریل- علیه السلام- فقال: إن اللّه یأمرك أن تقرئ أمتك القرآن علی حرف، فقال: «أسأل الله معافاته و مغفرته، و إنّ أمّتی لا تطیق ذلك»، ثم أتاه الثانیة، فقال: إن اللّه یأمرك أن تقرئ أمتك القرآن علی حرفین. فقال: «أسأل الله معافاته و مغفرته، و إنّ أمّتی لا تطیق ذلك»، ثم جاءه الثالثة، فقال: إن اللّه یأمرك أن تقرئ أمتك القرآن علی ثلاثة أحرف، فقال: «أسأل الله معافاته و مغفرته، و إنّ أمّتی لا تطیق ذلك». ثم جاءه الرابعة، فقال: إن اللّه یأمرك أن تقرئ أمتك القرآن علی سبعة أحرف فأیما حرف قرءوا علیه، فقد أصابوا». رواه مسلم و أبو داود و النسائی.
خامسا: عن أبی بن كعب- رضی اللّه عنه- قال: كنت فی المسجد، فدخل رجل یصلی، فقرأ قراءة أنكرتها علیه، ثم دخل آخر، فقرأ قراءة سوی قراءة صاحبه، فلما قضینا الصلاة، دخلنا جمیعا علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها علیه، و دخل آخر، فقرأ سوی قراءة صاحبه؛ فأمرهما رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم، فقرءا، فحسن النبی صلی اللّه علیه و سلم بشأنهما، فسقط فی نفسی من التكذیب و لا إذ كنت فی الجاهلیة، فلما رأی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ما قد غشینی، ضرب فی صدری، فغصت عرقا، و كأنما أنظر إلی اللّه تعالی فرقا، فقال لی: «یا أبیّ أرسل إلیّ أن أقرأ القرآن علی حرف، فرددت إلیه:
أن هوّن علی أمّتی فردّ إلیّ الثّانیة: اقرأه علی حرفین، فرددت إلیه: أن هوّن علی أمّتی، فردّ إلیّ الثّالثة: اقرأه علی سبعة أحرف، فلك بكلّ ردّة رددتها مسألة تسألنیها، فقلت: اللّهمّ اغفر لأمّتی، و أخّرت الثّالثة لیوم یرغب إلیّ الخلق كلّهم حتّی إبراهیم علیه السّلام» رواه مسلم و أحمد و فی بعض طرق هذا الحدیث:
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 32
و اختبأت الثالثة شفاعة لأمتی یوم القیامة.
سادسا: عن أبی- رضی اللّه عنه- قال: «لقی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم جبریل فقال:
یا جبریل إنّی بعثت إلی أمّة أمّیین، فیهم العجوز، و الشّیخ الكبیر، و الغلام، و الجاریة، و الرّجل الّذی لم یقرأ كتابا قطّ»، قال: یا محمد إن القرآن أنزل علی سبعة أحرف» رواه أحمد و الترمذی و قال: حدیث حسن صحیح.
سابعا: عن أبی قیس مولی عمرو بن العاص: أن رجلا قرأ آیة من القرآن، فقال عمرو: إنما هی كذا و كذا، بغیر ما قرأ الرجل، فقال الرجل: هكذا أقرأنیها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم، فخرجا إلی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی أتیاه، فذكرا ذلك له، فقال صلی اللّه علیه و سلم: «إنّ هذا القرآن أنزل علی سبعة أحرف، فأیّ ذلك قرأتم أصبتم». رواه الإمام أحمد فی مسنده، و سنده جید.
ثامنا: عن ابن مسعود- رضی اللّه عنه- قال: أقرأنی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم سورة من آل حم فرحت إلی المسجد، فقلت لرجل: اقرأها، فإذا هو یقرأ حروفا ما أقرؤها، فقال: أقرأنیها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم، فانطلقنا إلی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأخبرناه، فتغیر وجهه، و قال: «إنّما أهلك من كان قبلكم الاختلاف»، ثم أسر إلی علیّ شیئا، فقال علی:
إن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یأمركم أن یقرأ كل منكم كما علم، قال: فانطلقنا و كل رجل منا یقرأ حروفا لا یقرؤها صاحبه. رواه ابن حبان و الحاكم.
تاسعا: روی الحافظ أبو یعلی الموصلی فی مسنده الكبیر: أن أمیر المؤمنین عثمان بن عفان- رضی اللّه عنه- قال یوما و هو علی المنبر: أذكر أن رجلا سمع النبی صلی اللّه علیه و سلم قال: «إنّ القرآن أنزل علی سبعة أحرف، كلّها شاف كاف لما قام، فقاموا، حتی لم یحصوا، فشهدوا أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال: «أنزل القرآن علی سبعة أحرف، كلّها شاف كاف». فقال عثمان- رضی اللّه عنه-: و أنا أشهد معهم. قال العلماء:
قوله: «فقاموا حتی لم یحصوا»: صریح فی تواتر الحدیث، و قد نص جمع من الحفاظ علی تواتر حدیث: «أنزل القرآن علی سبعة أحرف» منهم: الإمام أبو عبید القاسم بن سلام، و الحاكم.
فهذه الأحادیث مع كثرتها- و هی قل من كثر- و تعدد طرقها ناطقة بأن القراءات منزلة من عند اللّه- تعالی- موحی بها إلی النبی صلی اللّه علیه و سلم، و یؤخذ هذا من قول الرسول صلی اللّه علیه و سلم: «أنزل القرآن علی سبعة أحرف». و قوله- عند سماع قراءة كل من هشام
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 33
و عمر-: «كذلك أنزلت»، و قول جبریل للرسول صلی اللّه علیه و سلم: «إن اللّه یأمرك أن تقرئ أمتك القرآن علی سبعة أحرف، فأیما حرف قرءوا علیه، فقد أصابوا».
و كما دلت هذه الأحادیث علی أن القراءات نزل بها أمین الوحی جبریل علی قلب النبی صلی اللّه علیه و سلم، كذلك دلت علی أنها مأخوذة بالتلقی و المشافهة و السماع منه صلی اللّه علیه و سلم.
و یؤخذ هذا من قول عمر: «فإذا هو- أی: هشام- یقرأ علی حروف لم یقرئنیها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم»، و من قول هشام لعمر: «أقرأنیها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم»، و قول عمر لهشام: «فإن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قد أقرأنیها علی غیر ما قرأت»، فالحدیث قد تكرر فیه لفظ الإقراء، كذلك تكررت مادة الإقراء فی الأحادیث: الثالث و السادس و السابع؛ مما یدل علی أن القراءات إنما ثبتت بالتوقیف و التلقین و التلقی، و الأخذ، و المشافهة، و النقل، و السماع.
و یدل أیضا: علی أن صحة القراءة متوقفة علی التلقی و السماع: قول علی- رضی اللّه عنه- للمتخاصمین فی القراءة اللذین ترافعا إلی النبی صلی اللّه علیه و سلم: «إن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یأمركم أن یقرأ كل منكم كما علم».
إن تنازع الصحابة فی القراءة، و رجوعهم إلیه صلی اللّه علیه و سلم- كما دلت علی ذلك الأحادیث المذكورة- لأوضح دلیل علی أن القراءة لیست موكولة إلی أهوائهم، و لا مفوضة إلی آرائهم، فلم یكن أحد منهم یقرأ باختیاره، و لا من تلقاء نفسه، إنما كان یقرأ ما سمعه من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم.
إن الصحابة- رضوان اللّه علیهم- كانوا فی الذروة العلیا دقة و ضبطا لألفاظ القرآن الكریم و إحكاما لحروفه و كلماته، و حرصا علی إماطة أدنی تصحیف عن ساحته، و حسبنا برهانا علی ذلك: موقف عمر بن الخطاب مع هشام بن حكیم، من تلبیبه له، و أخذه بخناقه، و سوقه إلی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم؛ لأنه سمع هشاما یقرأ بغیر الروایة التی تلقاها عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم، و كان عمر حینئذ لا یعرف أن القرآن أنزل علی سبعة أحرف؛ فاعتقد أن هشاما غیر و بدل من تلقاء نفسه، فلما عرف أن ذلك مأخوذ عن النبی صلی اللّه علیه و سلم، و أن القرآن قد نزل علی وجوه كثیرة یعلمها الرسول صلی اللّه علیه و سلم للأمة؛ رحمة بهم، و تسهیلا علیهم- اطمأنت نفسه، و لم یتعرض بعد ذلك لهشام و لا لغیره؛ لأن الذی كان یخشاه عمر إنما هو التبدیل و التغییر فی كتاب اللّه تعالی، و معلوم أن سیدنا عمر كان لا یخشی فی الحق لومة لائم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 34
و لما كتبت المصاحف العثمانیة، و أرسلت إلی الأمصار الإسلامیة، لم یكتف الخلیفة عثمان بإرسالها إلی الأمصار وحدها؛ لتكون الملجأ و المرجع، بل أرسل مع كل مصحف عالما من علماء القراءة یعلم المسلمین القرآن وفق هذا المصحف و علی مقتضاه، فأمر زید ابن ثابت أن یقرئ بالمدینة، و بعث عبد اللّه بن السائب إلی مكة، و المغیرة بن شهاب إلی الشام، و عامر بن عبد قیس إلی البصرة، و أبا عبد الرحمن السلمی إلی الكوفة، فكان كل واحد من هؤلاء العلماء یقرئ أهل مصره بما تعلمه من القراءات الثابتة عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بطریق التواتر التی یحتملها رسم المصحف، دون الثابتة بطریق الآحاد و المنسوخة، و إن كان یحتملها رسم المصحف، فالمقصود من إرسال القارئ مع المصحف- تقیید ما یحتمله الرسم من القراءات بالمنقول عنها تواترا، فلو كانت القراءات مأخوذة من رسم المصحف، و ساغ لكل إنسان أن یقرأ بكل قراءة یحتملها الرسم، سواء كانت ثابتة بطریق التواتر أم بطریق الآحاد، أم كانت منسوخة- لم یكن ثمّ حاجة إلی إرسال عالم مع المصحف، فإیفاد عالم مع المصحف دلیل واضح علی أن القراءة إنما تعتمد علی التلقی و النقل و الروایة، لا علی مجرد الخط و الرسم و الكتابة «1».

أمثلة توضیحیة نرد بها علی المستشرقین:

و أزید هذه المسألة إیضاحا فأقول: فی القرآن الكریم كلمات تكررت فی مواضع كثیرة و رسمت برسم واحد فی جمیع المواضع و لكنها فی بعض المواضع، وردت فیها القراءات التی یحتملها رسمها، فاختلف فیها القراء، و تنوعت فیها قراءاتهم، و فی بعض المواضع: اتفق القراء علی قراءتها بقراءة واحدة؛ لأن غیرها لم یصح به النقل، و لم تثبت به الروایة، مع أن الرسم یحتمله. و هاك بعض الأمثلة:
أولا: كلمة «مالك» ذكرت فی القرآن وصفا أو فی حكم الوصف فی ثلاثة مواضع:
مالِكِ یَوْمِ الدِّینِ [الفاتحة: 4].
قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران: 26] مَلِكِ النَّاسِ [الناس: 2]
______________________________
(1) ینظر: بحوث قرآنیة المؤتمر السادس ص (80- 81، 140- 145).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 35
أما موضع «آل عمران»: فقد اتفق القراء علی قراءتها فیه بإثبات الألف، مع أنه لو قرئ بحذف الألف فی هذا الموضع لكان ذلك سائغا لغة و معنی، و لكن لم یقرأ فیه بالحذف؛ لعدم ثبوت الروایة فیه بالحذف.
و أما موضع سورة «الناس»: فقد اتفقوا علی قراءتها فیه بحذف الألف، مع أنه لو قرئ بإثبات الألف فی هذا الموضع لكان ذلك سائغا لغة و معنی، و لكن لم یقرأ فیه بالإثبات؛ لعدم ثبوت النقل فیه بالإثبات فلو كانت القراءات بالرأی أو الاختیار و الاجتهاد لا بالتوقیف و التلقی، و كان تنوع القراءات تابعا للرسم- لم یكن اختلاف القراء مقصورا علی موضع الفاتحة، بل كان یتناول الموضعین الآخرین، و لكنهم اختلفوا فی موضع «الفاتحة»، و اتفقوا فی موضعی «آل عمران» و «الناس» فدل هذا علی أن القراءات لم تكن بالاجتهاد و الاختیار، و لم یكن تنوعها تابعا للخط و للرسم، و إنما هو تابع للسند و الروایة و النقل.
ثانیا: ورد لفظ «غشاوة» فی موضعین فی القرآن الكریم: الأول: فی «سورة البقرة»، فی قوله تعالی: وَ عَلی أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ [البقرة: 7] و الثانی: فی سورة الجاثیة: فی قوله تعالی:
أَ فَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلی عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلی سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلی بَصَرِهِ غِشاوَةً [الجاثیة: 23].
و هو مرسوم فی جمیع المصاحف العثمانیة بحذف الألف بعد الشین فی الموضعین معا، و مع ذلك اتفق القراء علی قراءته فی موضع «البقرة» بكسر الغین و فتح الشین و إثبات ألف بعدها، و اختلفوا فی قراءته فی موضع «الجاثیة»، فقرأه بعضهم بكسر الغین و فتح الشین و ألف بعدها، و قرأه بعضهم بفتح الغین و سكون الشین مع حذف الألف، و لو قرئ موضع «البقرة» بفتح الغین و سكون الشین لكان ذلك صحیحا لغة و معنی، و لكن لم یقرأ أحد بهذه القراءة فی هذا الموضع؛ لعدم ثبوتها فیه، و هذا یدل، علی أن القراءة، إنما تؤخذ بالمشافهة و السماع، و لا تؤخذ من خط المصحف و رسمه.
ثالثا: كلمة «الصاعقة»: ذكرت هذه الكلمة معرفة و منكرة فی القرآن الكریم فی خمسة مواضع:
الأول: فی سورة البقرة فی قوله تعالی: وَ إِذْ قُلْتُمْ یا مُوسی لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّی نَرَی
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 36
اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [البقرة: 55].
الثانی: فی سورة «النساء» فی قوله تعالی: فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ [النساء: 153].
الثالث و الرابع: فی سورة «فصلت»: فی قوله: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَ ثَمُودَ [فصلت: 13].
الخامس: فی سورة «الذاریات» فی قوله تعالی: فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَ هُمْ یَنْظُرُونَ [الذاریات: 44].
و هذه الكلمة مرسومة فی جمیع المصاحف العثمانیة فی المواضع الخمسة بدون الألف بعد الصاد، و لكن القراء أجمعوا علی قراءتها فی المواضع الأربعة الأولی بإثبات الألف بعد الصاد مع كسر العین، و اختلفوا فی الموضع الخامس: فقرأه بعضهم بإثبات الألف بعد الصاد مع كسر العین، و قرأه بعضهم بحذف الألف مع سكون العین. و معنی القراءتین واحد، فلو كان تنوع القراءات تابعا للرسم لاختلف القراء فی المواضع الأربعة، كما اختلفوا فی الموضع الخامس، و لكنهم اتفقوا فی المواضع الأربعة، و اختلفوا فی الخامس فكان ذلك دلیلا علی أن العمدة فی ثبوت القراءات التوقیف و الروایة لا الرسم و الكتابة.
رابعا: «سخریا» ذكر هذا اللفظ فی القرآن الكریم فی ثلاثة مواضع:
الأول: فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِیًّا [المؤمنون: 110] الثانی: أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِیًّا [ص: 63] الثالث: لِیَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِیًّا [الزخرف: 32] و قد اختلف القراء فی الموضعین الأول و الثانی: فقرأهما بعضهم بضم السین، و قرأهما بعضهم بكسرها، و اتفقوا علی قراءة الموضع الثالث بضم السین. و الضم و الكسر لغتان، و معناهما واحد، و المصاحف العثمانیة مجردة من النقط و الشكل، فلو كانت القراءات ناشئة من رسم المصاحف لاختلف القراء فی الموضع الثالث، كما اختلفوا فی الأول و الثانی، لكنهم اتفقوا فی الموضع الثالث، فكان ذلك دلیلا علی أن القراءات لم تنشأ عن خط المصاحف و رسمها، و إنما نشأت عن التوقیف و السماع.
خامسا: ورد لفظ: «ضرا» فی القرآن الكریم فی المواضع الآتیة:
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 37
الأول: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِی نَفْعاً وَ لا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ [الأعراف: 188].
الثانی: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِی ضَرًّا وَ لا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ [یونس: 49].
الثالث: أَ فَلا یَرَوْنَ أَلَّا یَرْجِعُ إِلَیْهِمْ قَوْلًا وَ لا یَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً [طه: 89].
الرابع: وَ لا یَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً [الفرقان: 3] الخامس: إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً [الفتح: 11].
و قد اتفق القراء علی قراءة هذا اللفظ فی المواضع الأربعة الأولی بفتح الضاد، و اختلفوا فی الموضع الخامس: فقرأه بعضهم بفتح الضاد، و بعضهم بضمها. و الفتح و الضم لغتان بمعنی واحد و هو الضرر مقابل النفع؛ و هذا من جملة الأدلة علی أن القراءات لیست بالاختیار و الاجتهاد، و إنما هی بالتوقیف و اتباع الإسناد.
سادسا: كلمة «نسقی» وردت فی القرآن الكریم فی أربعة مواضع:
الأول: فی «النحل»، فی قوله تعالی: نُسْقِیكُمْ مِمَّا فِی بُطُونِهِ مِنْ بَیْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِینَ [النحل: 66] الثانی: فی سورة «المؤمنین» فی قوله تعالی: نُسْقِیكُمْ مِمَّا فِی بُطُونِها وَ لَكُمْ فِیها مَنافِعُ كَثِیرَةٌ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ [المؤمنون: 21] الثالث: فی سورة «الفرقان» فی قوله تعالی: لِنُحْیِیَ بِهِ بَلْدَةً مَیْتاً وَ نُسْقِیَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَ أَناسِیَّ كَثِیراً [الفرقان: 49].
الرابع: فی سورة «القصص» فی قوله تعالی: قالَتا لا نَسْقِی حَتَّی یُصْدِرَ الرِّعاءُ وَ أَبُونا شَیْخٌ كَبِیرٌ [القصص: 23].
و قد اختلف القراء فی «نسقیكم» فی موضعی «النحل» و «المؤمنین»: فمنهم من قرأهما بالنون المضمومة، و منهم من قرأهما بالنون المفتوحة، و منهم من قرأهما بالتاء المثناة الفوقیة المفتوحة؛ و اتفقوا علی قراءة «نسقیه» فی الفرقان بالنون المضمومة، مع أن رسم هذه الكلمة فی المصحف- لكونه غیر منقوط و لا مشكول- یحتمل فیها القراءات الثلاث؛ كما احتملها فی الموضعین المذكورین، و لكن قراءة هذه الكلمة فی هذا الموضع بالتاء المفتوحة لا تلائم نظم الآیة، و لا تتفق مع معناها و سیاقها؛ فلم یقرأ بها أحد. و قراءتها بالنون المفتوحة- و إن كانت اللغة تسیغها و معنی الآیة لا ینبو عنها- لم تنقل عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلم یقرأ بها أحد أیضا.
كما اتفقوا علی قراءة: قالَتا لا نَسْقِی فی سورة القصص بفتح النون و إن كانت
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 38
اللغة تجیز ضمها؛ فدل ذلك علی أن القراءات بالسماع و الاتباع لا بالاجتهاد و الابتداع.
سابعا: «كرها» ذكر هذا اللفظ فی القرآن فی ستة مواضع:
الأول: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً [آل عمران: 83].
الثانی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا یَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً [النساء: 19].
الثالث: قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ یُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ [التوبة: 53].
الرابع: وَ لِلَّهِ یَسْجُدُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً [الرعد: 15].
الخامس: ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ وَ هِیَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِیا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً [فصلت: 11].
السادس: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً [الأحقاف: 15].
و قد اختلف القراء فی الموضع الثانی و الثالث و السادس: فمنهم من قرأ بضم الكاف، و منهم من قرأ بفتحها. و الضم و الفتح لغتان بمعنی واحد. و اتفقوا علی القراءة بفتح الكاف فی الموضع الأول و الرابع و الخامس. و تجرید المصاحف من شكل الحروف یجعل هذه المواضع الثلاثة محتملة لقراءتی الضم و الفتح أیضا، و لكن لم یقرأ بالضم قارئ فی أی موضع من هذه المواضع الثلاثة. فلو كان اختلاف القراءات نتیجة لخلو المصاحف من الشكل لاختلف القراء فی هذه المواضع كما اختلفوا فی المواضع الثلاثة فی «النساء» و «التوبة» و «الأحقاف»، لكنهم اتفقوا فی هذه المواضع و اختلفوا فی تلك؛ فحینئذ لا یكون لخلو المصاحف من الشكل دخل ما فی اختلاف القراءات.
ثامنا: «فعمیت» ورد هذا اللفظ فی القرآن فی موضعین:
الأول: فَعُمِّیَتْ عَلَیْكُمْ أَ نُلْزِمُكُمُوها وَ أَنْتُمْ لَها كارِهُونَ [هود: 28].
الثانی: فَعَمِیَتْ عَلَیْهِمُ الْأَنْباءُ یَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا یَتَساءَلُونَ [القصص: 66] و قد اختلف القراء فی موضع هود. فقرأه بعضهم بضم العین و تشدید المیم المكسورة، و قرأه بعضهم بفتح العین و تخفیف المیم المكسورة.
أما موضع القصص: فاتفقوا علی قراءته بفتح العین و تخفیف المیم. فلو كان منشأ اختلاف القراءات تجرید المصاحف من الحركات لوقع اختلافهم فی الموضعین معا، أما و قد اختلفوا فی موضع و اتفقوا فی آخر؛ فلا یكون منشأ
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 39
الاختلاف ما ذكر، و إنما منشؤه النقل و الروایة و السماع.
تاسعا: «حزن» وقع هذا اللفظ منكرا و معرفا فی القرآن الكریم فی خمسة مواضع:
الأول: وَ أَعْیُنُهُمْ تَفِیضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا یَجِدُوا ما یُنْفِقُونَ [التوبة: 92].
الثانی: وَ ابْیَضَّتْ عَیْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِیمٌ [یوسف: 84].
الثالث: قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّی وَ حُزْنِی إِلَی اللَّهِ [یوسف: 86].
الرابع: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِیَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً [القصص: 8].
الخامس: وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ [فاطر: 34].
و هذا اللفظ- سواء أ كان منكرا أم معرفا- فیه لغتان بمعنی واحد: ضم الحاء و سكون الزای، و فتح الحاء و الزای، و لكن القراء اختلفوا فی موضع «القصص» خاصة: فقرأه بعضهم بضم الحاء و سكون الزای، و قرأه بعضهم بفتح الحاء و الزای، و اتفقوا علی قراءة الموضع الأول و الخامس- «التوبة» و «فاطر»- بفتح الحرفین، و علی قراءة موضعی «یوسف» بضم الحاء و سكون الزای؛ و هذا من أبین الأدلة علی أن الاعتماد فی القراءات علی الروایة و النقل لا علی الخط و الرسم.
عاشرا: اختلف القراء فی قراءة لفظ «الرشد»، فی قوله تعالی فی سورة «الأعراف»: وَ إِنْ یَرَوْا سَبِیلَ الرُّشْدِ لا یَتَّخِذُوهُ سَبِیلًا [الأعراف: 146] و فی قراءة لفظ: (رشدا) فی قوله تعالی فی سورة الكهف: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلی أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً [الكهف: 66].
و خلاف القراء فی هذین اللفظین دائر بین ضم الراء و سكون الشین، و فتح الراء و الشین، و هما لغتان فی هذا اللفظ؛ كالبخل بضم الباء و سكون الخاء، و بفتحهما، و الحزن بضم الحاء و سكون الزای، و بفتحهما، و السقم بضم السین و سكون القاف و بفتحهما. و اتفق القراء علی قراءة لفظ رشدا فی: وَ هَیِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً [الكهف: 10] و فی لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً [الكهف: 24] و فی أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً و فی فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً و فی قُلْ إِنِّی لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَ لا رَشَداً [الجن:
الآیات: 10، 14، 21].
اتفقوا علی قراءة هذا اللفظ فی المواضع المذكورة: بفتح الراء و الشین.
كما اتفقوا علی قراءة: یَهْدِی إِلَی الرُّشْدِ [الجن: 2] من سورة الجن بضم الراء
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 40
و سكون الشین و هذا اللفظ فی جمیع المواضع المذكورة المختلف فیها و المتفق علیها معناه واحد و هو الحق و الخیر و الصلاح و الصواب.
فلو كان اختلاف القراءات ولید خلوّ المصاحف من ضبط الحروف بالحركات و السكنات- لقرئ هذا اللفظ فی جمیع مواقعه بقراءتین؛ إذ إن اللغة تجیز كلتا القراءتین و معنی اللفظ لا یختلف علیهما.
أما و قد اتفق القراء علی قراءته بوجه واحد فی بعض المواضع، و اختلفوا فی قراءته فی بعض المواضع فقرءوه بوجهین-: فلا یكون ذلك راجعا إلا إلی اتفاق النقل فی المواضع المتفق علیها و اختلافه فی المواضع المختلف فیها، و لیس لرسم المصاحف دخل فی هذا البتة.
حادی عشر: اختلف القراء فی قراءة كلمة: «ینفخ» فی قوله تعالی، فی سورة «طه»: یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِینَ یَوْمَئِذٍ زُرْقاً [طه: 102] فقرأها بعضهم بیاء تحتیة مضمومة مع فتح الفاء علی البناء للمفعول، و قرأها بعضهم: بالنون المفتوحة مع ضم الفاء علی البناء للفاعل.
و اتفقوا علی قراءة هذه الكلمة: «ینفخ» بضم الیاء و فتح الفاء فی قوله تعالی فی سورة «النمل»: وَ یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ [النمل: 87].
و فی قوله تعالی فی سورة «النبأ»: یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً [النبأ: 18].
مع أن سیاق الآیتین المذكورتین لا یأبی القراءة بالنون فیهما.
أما آیة «النمل»: فقراءتها بالنون تتسق مع أسلوب الآیات قبلها؛ اقرأ إن شئت من قوله تعالی: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآیاتِنا لا یُوقِنُونَ إلی قوله تعالی: إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ [النمل: من 82: 86] و تدبر هذه الكلمات: أخرجنا، نحشر، بآیاتنا، إنا جعلنا.
و أما آیة «النبأ»: فقراءتها بالنون تلائم أسلوب الآیات قبلها: وَ خَلَقْناكُمْ أَزْواجاً وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً وَ جَعَلْنَا اللَّیْلَ لِباساً وَ جَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً وَ بَنَیْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً وَ جَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَ نَباتاً وَ جَنَّاتٍ أَلْفافاً [النبأ من 8: 16]. و مع هذا لم یقرأ أحد من الأئمة بالنون فی آیة من هاتین الآیتین؛ فدل هذا علی أن القراءات إنما تثبت بالتلقی و التوقیف لا بالاجتهاد و الاختیار.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 41
ثانی عشر: اختلف القراء فی قراءة لفظ «مدخلا» فی قوله تعالی فی سورة النساء:
وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِیماً [النساء: 31] و فی قوله تعالی فی سورة الحج:
لَیُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا یَرْضَوْنَهُ [الحج: 59]، فقرأه بعضهم بضم المیم، و قرأه بعضهم بفتحها، و اتفقوا علی قراءة لفظ «مدخل» فی قوله تعالی: وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِی مُدْخَلَ صِدْقٍ [الإسراء: 80] فی سورة الإسراء بضم المیم، و اللغة تجیز فی هذا الموضع؛ فتح المیم، كما تجیزه فی الموضعین المذكورین، و لكن لم یقرأ قارئ فی هذا الموضع بفتح المیم، فلو كان مرجع القراءات رسم المصحف لقرئ هذا اللفظ فی هذا الموضع بقراءتین ضم المیم و فتحها كما قرئ لفظ «مدخلا» فی الموضعین السابقین، و لكن لم یرد فتح المیم عن النبی صلی اللّه علیه و سلم فی هذا الموضع؛ فاتفق القراء علی ضمها فیه: إذن یكون مرجع القراءات النقل لا الرسم.
ثالث عشر: اختلف القراء فی قراءة لفظ: «تخرجون» فی سورة «الأعراف» فی قوله تعالی: قالَ فِیها تَحْیَوْنَ وَ فِیها تَمُوتُونَ وَ مِنْها تُخْرَجُونَ [الأعراف: 25]، و فی الموضع الأول من سورة «الروم» و هو: وَ یُحْیِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ كَذلِكَ تُخْرَجُونَ [الروم: 19] و فی سورة «الزخرف» فی قوله تعالی: فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَیْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ [الزخرف: 11] و فی سورة «الجاثیة» فی قوله تعالی: فَالْیَوْمَ لا یُخْرَجُونَ مِنْها وَ لا هُمْ یُسْتَعْتَبُونَ [الجاثیة: 35] اختلف القراء فی هذه المواضع: فمنهم من قرأ بضم الحرف الأول منها و فتح الحرف الثالث علی البناء للمفعول، و منهم من قرأ بفتح الأول و ضم الثالث علی البناء للفاعل و اتفقوا علی قراءة الموضع الثانی من سورة «الروم» و هو: ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ [الروم: 25]، بفتح التاء و ضم الراء علی البناء للفاعل، و لا شك أن خلو المصاحف من شكل الحروف یجعل هذا الموضع محتملا للقراءتین الثابتتین فی المواضع السابقة، و اللغة تجیز قراءته بالبناء للمفعول، و لم تأت بها روایة، و لم یثبت بها سند؛ فلم یقرأ بها أحد؛ و هذا أیضا من البراهین علی أن مصدر القراءات و تنوعها إنما هو التوقف و التلقین، و الأخذ و السماع، و لا دخل لخلو المصاحف من الشكل فی هذا البتة.
رابع عشر: ثبت أن الإمام نافعا قرأ لفظ «یحزن» فی القرآن الكریم- كیف ورد- بضم الیاء و كسر الزای نحو: فَلا یَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ [یس: 76] قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَیَحْزُنُكَ الَّذِی یَقُولُونَ [الأنعام: 33] لِیَحْزُنَ الَّذِینَ آمَنُوا [المجادلة: 10]، إلا قوله تعالی
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 42
فی سورة «الأنبیاء»: لا یَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ [الأنبیاء: 103] فقرأه بفتح الیاء و ضم الزای، و ثبت: أن الإمام أبا جعفر قرأ هذا اللفظ فی جمیع مواضعه بفتح الیاء و ضم الزای إلا موضع «الأنبیاء» فقرأه بضم الیاء و كسر الزای، و كلا الإمامین مقتف للأثر متبع للروایة.
فلو صح أن منشأ القراءات تجرید المصاحف من شكل الحروف و حركاتها لكانت هاتان القراءتان فی كل موضع، و اللغة تجیز كلتا القراءتین.
و فی القرآن الكریم كلمات أخری غیر معجمة و لا مشكولة، و رسمها كذلك یجعلها محتملة لقراءات متعددة، و اللغة العربیة تجیز فیها هذه القراءات، و مع ذلك لم یختلف فیها القراء، بل اتفقوا علی قراءتها بقراءة واحدة؛ لأنه لم یرد فیها بالسند القوی، و الأثر الثابت و النقل الموثق، إلا هذه القراءة، و أما غیرها من القراءات التی یحتملها الرسم فلیس له سند یعتمد علیه، و أصل یرد إلیه؛ فلم یقرأ به أحد، و من أمثلة ذلك:
أولا: «خطف یخطف» جاء فی لغة العرب: أن فیها لغتین، خطف یخطف- من باب علم یعلم و خطف یخطف من باب عمد یعمد، و لكن القراء أجمعوا علی قراءتها بكسر الطاء فی الماضی، و فتحها فی المضارع.
ثانیا: «مكث» فی قوله تعالی فی سورة «الإسراء»: وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَی النَّاسِ عَلی مُكْثٍ [الإسراء: 106]-: اللغة تجیز فیها تثلیث المیم، و رسمها یحتمل الأوجه الثلاثة، لكن القراء أجمعوا علی قراءتها بضم المیم، فلو كانت القراءات بالرأی و الاختیار، و كان خلو الكلمات من الشكل سببا فی اختلاف القراءات و تنوعها- لاختلف القراء فی قراءة الكلمات السابقة، فكان منهم من یقرأ «خطف یخطف» من باب علم، و منهم من یقرؤها من باب ضرب، و كان منهم من یقرأ «علی مكث» بضم المیم، و منهم من یقرأ بفتحها، و منهم من یقرأ بكسرها، و لكن القراء أجمعوا علی قراءة خطف- بالكسر- یخطف بالفتح، و علی قراءة «علی مكث» بالضم؛ فحینئذ لا تكون القراءات بالرأی و الاختیار، و لا بالهوی و الاجتهاد، و لا یكون تجرد المصاحف من الشكل سببا فی تنوع القراءات و اختلافها، إنما سبب التنوع و الاختلاف، الروایات الصحیحة، و الأسانید الموصولة؛ و النقول الصریحة، و التوقیف، و التلقی، و السماع.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 43
ثالثا: «بزعمهم» فی سورة «الأنعام» فی قوله تعالی: وَ قالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَ حَرْثٌ حِجْرٌ لا یَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ [الأنعام: 138]-: تجیز لغة العرب فی هذه الكلمة تثلیث المیم، و لكن لم یقرأ: بفتحها أو ضمها.
رابعا: یُوصِیكُمُ اللَّهُ فِی أَوْلادِكُمْ [النساء: 11] فی سورة «النساء»: تجیز اللغة فی «یوصیكم» فتح الواو و تشدید الصاد من التوصیة، كما تجیز سكون الواو و تخفیف الصاد من الإیصاء، و قد جاءت اللغتان فی القرآن الكریم فی قوله تعالی:
وَ وَصَّی بِها إِبْراهِیمُ بَنِیهِ وَ یَعْقُوبُ [البقرة: 132] فی سورة «البقرة» قرئ بواوین مفتوحتین مع تشدید الصاد، و قرئ بواوین: الأولی مفتوحة، و الثانیة ساكنة، و بینهما همزة مفتوحة، مع تخفیف الصاد.
و فی قوله تعالی: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَیْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ [البقرة: 182] فی سورة «البقرة»، قرئ بفتح الواو و تشدید الصاد، من التوصیة و قرئ: بسكون الواو و تخفیف الصاد، من الإیصاء، و مع أن التشدید و التخفیف لغتان ذكرتا فی الآیتین المذكورتین لم یقرأ قوله تعالی فی سورة «النساء»: یُوصِیكُمُ اللَّهُ فِی أَوْلادِكُمْ [النساء: 11] إلا بسكون الواو و تخفیف الصاد، من الإیصاء، و هذا كله یدل علی أن القراءات إنما تثبت بالسند و الآثار، لا بالكتابة و الاختیار «1».

* دعاوی بعض المفكرین العرب فی هذا المجال:

اشارة

أولا: طه حسین و عزو القراءات إلی القراء من القبائل:
لقد عزا د/ طه حسین فی كتابه «فی الأدب الجاهلی» القراءات القرآنیة إلی القراء من القبائل، حیث یقول:
«إن القرآن الذی تلی بلغة واحدة و لهجة واحدة هی لغة قریش و لهجتها- لم یكد یتناوله القراء من القبائل المختلفة، حتی كثرت قراءاته، و تعددت اللهجات فیه، و تباینت تباینا كثیرا، جدّ القراء و العلماء المتأخرون فی ضبطه، و تحقیقه، فأقاموا له علما، أو علوما خاصة».
فهو یری: أن القراءات لیس سببها أن القرآن هكذا أنزل، أو هكذا أذن اللّه فی أن یقرأ، أو هكذا قرأه النبی صلی اللّه علیه و سلم.
______________________________
(1) ینظر: بحوث قرآنیة المؤتمر السادس ص (81- 85).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 44
* الرد علی طه حسین:
(أ) و هو رأی یقتضی الشك فی أن تكون قراءتنا هی نفس قراءة النبی صلی اللّه علیه و سلم، و إذا كان النبی صلی اللّه علیه و سلم طبقا لهذا الرأی- لم یقرأ إلا بقراءة واحدة، و لم یجز القراءة بغیرها، فهل قراءته هذه، هی التی قرأ بها- فیما بعد- نافع، و راویاه الأشهران؟ أم هل هی قراءة ابن كثیر، و راوییه المختارین؟ و من من القراء العشرة و رواتهم، الذین اعتمدهم المسلمون، قرأ بهذه القراءة الواحدة؟
(ب) و إذا سلمنا- جدلا فقط- بأن اختلاف الإظهار و الإدغام، و الروم و الإشمام، و التفخیم و الترقیق، و المد و القصر، و الإمالة و الفتح، و التحقیق و التسهیل، و الإبدال و النقل، مما یعبر عنه بالأصول. إذا سلمنا- جدلا- بأن الوحی لم ینزل بهذا، فما ذا نقول فی اختلاف ضبط الحركات، سواء أ كانت حركات بنیة أم حركات إعراب؟ هل نقول: إن اختلاف اللهجات هو سبب اختلاف القراء فی مثل نصب «الطیر» فی الآیة: وَ لَقَدْ آتَیْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا یا جِبالُ أَوِّبِی مَعَهُ وَ الطَّیْرَ [سبأ: 10]، و رفعها؟
و ما ذا نقول فی اختلافات فی القراءة التی تقع فی حروف الكلمات، دون إعرابها، مما یغیر معناها و لا یغیر صورتها؛ نحو قوله: كَیْفَ نُنْشِزُها [البقرة: 259] و (ننشرها) بالراء، و مثل: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا [الحجرات: 6] و (فتثبتوا)، و تَبْلُوا [یونس: من الآیة 30] «و تتلو»، و نُنَجِّیكَ بِبَدَنِكَ [یونس: 92] و ننحیك، و قوله: وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا [یوسف: 110] بالتشدید و التخفیف، و قوله: وَ إِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ [إبراهیم: 46] بفتح اللام الأولی و رفع الأخری، و بكسر الأولی و فتح الثانیة، و قوله: لَقَدْ عَلِمْتَ [الأنبیاء: 65] بضم التاء و فتحها. فهل تنشأ مثل هذه الاختلافات عن تعدد اللهجات و تباینها؟! (ج) و القوانین الطبیعیة العامة التی تجعل اللغة تتجه فی تطورها الصوتی عند كل جماعة من الجماعات الناطقة بها وجهة خاصة، و التی كانت علی عهد نزول القرآن قد أحدثت اختلاف اللهجات بین القبائل العربیة- هذه القوانین ما انفكت تعمل عملها فی اللغات الإنسانیة، فهی- فی اللغة العربیة- ما برحت تولد اللهجات المتباینة بین الناطقین بها، و هو تباین نلمسه جیدا فی عامیة مصر، و عامیة نجد
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 45
و الحجاز، و عامیة العراق، و عامیة الیمن، و عامیة المغرب.
و إذا كان تعدد اللهجات سوغ قدیما لقراء القبائل المختلفة أن یكثروا من قراءات القرآن بما یوافق لهجاتهم، و أن یدعوا هذه اللهجات تتعدد فی القرآن، و هذا كله من تلقاء أنفسهم، و لیس بتوجیه من النبی صلی اللّه علیه و سلم- فإنه لا حرج إذن- فی ظل المذهب الظاهر الفساد- من أن تمضی قراءات القرآن فی الكثرة، و لهجاته فی التعدد، فمثلا: لا حرج- فی ظل هذا المذهب- و قد تحولت الثاء إلی تاء، و أحیانا إلی سین فی بعض المناطق العربیة، و تحولت القاف إلی جیم غیر معطشة فی بعض هذه المناطق، و إلی همزة فی مناطق أخری، و تحولت الذال إلی زای، و تضاءلت أصوات اللین الطویلة حتی كادت تنقرض ... لا حرج من أن یقرأ القارئ: إن اللّه لا یظلم متآل- أو مسآل أو مسجال- زرة» بدلا من قوله عزّ من قائل: إِنَّ اللَّهَ لا یَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ [النساء: 40]، و یقرأ:
«فإن لم یكن له ولد، و ورسه أبواه فلأمه السلس»، و یقرأ: «فإن كانوا أكسر من ذلك فهم شركة فی السلس»؛ بدلا من قوله تعالی: فَإِنْ لَمْ یَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ، و قوله: فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِی الثُّلُثِ [النساء: 11، 12] و یقرأ: فإن أعرضوا «فجل» أو «فأول» «أنزرتكم صعأة أو «صعجة» مثل- صعأة- أو- صعجة- عاد و سمود» بدلا من قوله سبحانه: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَ ثَمُودَ [فصلت: 13].
و من أسهل السهل أن نورد من هذا القبیل مئات من الأمثلة أو ألوفها، و لكننا نجتزئ بما ذكرنا؛ لكفایته فی إثبات أن ترك القرآن للناس یقرءونه، بما یشتهون من قراءات، و ما یؤثرون من لهجات- كما ظن طه حسین- هو فی كلمة موجزة؛ إلغاء للقرآن.
(ب) تشككه فی تواتر القراءات السبع:
و لطه حسین- فی شأن القراءات- رأی ثان، فهو یقول:
«و هنا وقفة لا بد منها، ذلك: أن قوما من رجال الدین فهموا أن هذه القراءات السبع متواترة عن النبی صلی اللّه علیه و سلم، نزل بها جبریل علی قلبه، فمنكرها كافر من غیر شك و لا ریبة، و لم یوفقوا إلی دلیل یستدلون به علی ما یقولون سوی ما روی فی الصحیح من قوله صلی اللّه علیه و سلم: «أنزل القرآن علی سبعة أحرف».
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 46
و یمضی فیقول:
«و الحق: أن لیست هذه القراءات السبع من الوحی فی قلیل و لا كثیر، و لیس منكرها كافرا و لا فاسقا و لا مغتمزا فی دینه، و إنما هی قراءات مصدرها اللهجات و اختلافها ... للناس أن یجادلوا فیها، و أن ینكروا بعضها، و یقبلوا بعضها ... و قد جادلوا فیها بالفعل و تماروا، و خطأ فیها بعضهم بعضا، و لم نعرف أن أحدا من المسلمین كفر أحدا لشی‌ء من هذا ... إلخ».
(ج) متابعته لنولدكه وردنا علیهما:
و طه حسین- فی ارتیابه فی الأحادیث الصحیحة- إنما یتابع غالبا- و لو لم یصرح- تیودور نولدكه صاحب كتاب: «تاریخ القرآن» الذی سبق إلی مثل هذا الارتیاب فی أكثر ما یتعلق بتاریخ القرآن من الروایات و الأحادیث و أقوال المفسرین.
و لسنا مع طه حسین، و لا مع نولدكه، فی عدم الاعتداد بالسنة الصحیحة، فی الاستدلال علی قرآنیة القراءات، فالحدیث النبوی- إذا صح- هو عند المسلمین حجتهم القاطعة بعد القرآن.
و مع هذا، فنحن نناقش تلك الدعاوی أیضا من غیر طریق السنة:
1- إنه ما دام أمر القراءات- بحسب قول طه حسین- أمرا تجوز فیه المجادلة و الإنكار و القبول و الرفض- فإن من المنطق: أن تجوز فیه الإضافة و الاستحداث، و لما ذا لا یقرأ كل مسلم القرآن بلهجته الخاصة، علی النمط الذی أشرنا إلیه، فی الفقرات السابقة؟. و لما ذا لا یقرأ أبناء البلاد الآسیویة و الإفریقیة القرآن بلهجاتهم؟.
و لما ذا لا یقرأ المسلمون؛ الأمریكی، و الأوربی، و الأسترالی، كل منهم بلهجته؛ هذه نتیجة خاطئة لمقدمة خاطئة. و قد سقنا الشواهد آنفا، علی أن البشر إذ یدخلون اللهجات من عندهم، فی القرآن، یلغونه إلغاء، فضلا عن أن یبدلوه تبدیلا.
2- ثم إنه یلزم من قرآنیة القراءات: أن یكون رواتها و علماؤها- منذ فجر الإسلام- جهلة و حمقی، أو كذابین و مجترئین، لا یرعون لكتابهم الأكبر حرمة، بل یتواطئون ضده، علی مدی الأزمان، بأعدادهم التی لا تحصی، و یلزم أیضا: أن تكون الأمة منذ عهد النبی صلی اللّه علیه و سلم إلی یومنا هذا، تابعت أناسا فیما جاءوا به من عند أنفسهم، و لم یتابعوا كلام السماء.
3- فأما قول طه حسین: إنه «لم یعرف أن أحدا من المسلمین كفر أحدا لشی‌ء
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 47
من المجادلة فی القراءات، و إنكار بعضها، و قبول بعضها»-: فیردّه الكثیر مما جاء فی كتب علوم القرآن، و كتب السنة و التاریخ و التراجم و الأدب:
(أ) فی لفظ لعمرو بن العاص، فی حدیث الأحرف السبعة التی نزل القرآن علیها:
«فأیّ ذلك قرأتم فقد أصبتم، و لا تماروا فیه؛ فإنّ المراء فیه كفر»، رواه- أو روی مثله- أحمد، و أبو عبید، و الطبری، و الطبرانی، و ابن حبان، و الحاكم.
(ب) و یقول القاضی عیاض: «و اعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشی‌ء منه أو سبهما، أو جحده، أو حرفا منه، أو آیة ... أو شكّ فی شی‌ء من ذلك- فهو كافر عند أهل العلم بإجماع».
(ج) و یروی عیاض ما قاله أبو عثمان الحداد من أن جمیع من ینتحل التوحید متفقون علی أن الجحد لحرف من التنزیل كفر.
(د) و كان أبو العالیة أحد أئمة القراءات إذا قرأ عنده رجل- أی: بقراءة لم یعرفها- لم یقل له: لیس كما قرأت، و یقول: «أما أنا فأقرأ كذا»؛ و هذا- كما یقول علی القاری-: «من كمال احتیاطه فی تورعه».
و یقول علی القاری: «فبلغ ذلك القول من أبی العالیة إبراهیم النخعی التیمی؛ فقال أراه- بضم الهمزة- أی أظنه سمع أن من كفر بحرف منه، فقد كفر به كله؛ لأن الكفر ببعضه یؤذن بالكفر بكله، بخلاف الإیمان ببعضه؛ فإنه لا یقوم مقام الإیمان بكله».
(ه) و یقول الطحاوی: «إن من كفر بحرف منه- فیما خلا روایات الآحاد- كان كافرا حلال الدم إن لم یرجع إلی ما علیه الجماعة».
(و) و قد أصدر شیخ الشافعیة: أبو الحسن علی بن عبد الكافی- فی هذا الشأن- فتوی یقول فیها: «القراءات السبع التی اقتصر علیها الشاطبی، و الثلاث التی هی قراءة أبی جعفر، و قراءة یعقوب، و قراءة خلف- متواترة، معلومة من الدین بالضرورة؛ و كل حرف انفرد به واحد من العشرة معلوم من الدین بالضرورة أنه منزل علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لا یكابر فی شی‌ء من ذلك إلا جاهل. و لیس تواتر شی‌ء منها مقصورا علی من قرأ بالروایات، بل هی متواترة عند كل مسلم یقول: أشهد أن لا إله إلا الله، و أشهد أن محمدا رسول الله، و لو كان- مع ذلك- عامیّا، جلفا، لا یحفظ من القرآن حرفا. و لهذا تقریر طویل، و برهان عریض لا یسع هذه الورقة
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 48
شرحه.
و حظ كل مسلم و حقه: أن یدین لله تعالی، و یجزم نفسه بأن ما ذكرناه متواتر، معلوم بالیقین، لا تتطرق الظنون و لا الارتیاب إلی شی‌ء منه».
(ز) و عند ما قرأ ابن شنبوذ و ابن مقسم العطار و غیرهما بشواذ من القراءات غضب المسلمون، و أزروا بهم علی تفاصیل معروفة فی الدراسات القرآنیة.
(ح) هذا، و المسلمون لا یزالون ینكرون- مثل ما أنكر أولوهم- علی الممارین فی قرآنیة القراءات المتواترة و غیر الشاذة. و قد وضع الشیخ خلف الحسینی الحداد كتابا فی هذا أسماه: «السیوف الساحقة فی الرد علی منكری القراءات من الزنادقة».
(ط) و الذین رووا القراءات هم الصحابة الذین تلقوا القرآن عن النبی نفسه صلی اللّه علیه و سلم، فهم بهاتین الصفتین: الصحبة، و التلقی عن النبی صلی اللّه علیه و سلم من أصحاب الاختصاص فی ذلك الشأن، و قولهم هو- منطقیا- الأجدر بالقبول؛ یقول عمر بن الخطاب فی أصحاب النبی صلی اللّه علیه و سلم: «إنه سیأتی ناس یجادلونكم شبهات القرآن فخذوهم بالسنن؛ فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله».
(ی) و الصحابة نقلوا الإسلام: عقائده و شرائعه، فلم یمار أحد فیما نقلوا، فلم نماریهم فی روایات القرآن الذی تقتضینا البداهة- الحكم بأنه ظفر منهم- قطعا- بأدق دقة؟.
(ك) و لن یقال: إنه لا محل للخوف من مثل أقوال طه حسین، إذا كان الاختلاف الذی یعنیه هو الاختلاف فی الصورة و الشكل لا فی المادة و اللفظ، كما قال طه حسین نفسه؛ ذلك أن الاختلاف حتی فی الصورة، أو فی الشكل، یفضی إلی تغییر المعانی. و قد ترتب علی مثل هذا الاختلاف اختلاف فی الأحكام؛ كما حدث بالنسبة لكلمة (لمستم) [النساء: 43]، من غیر ألف بعد اللام مرة، و بألف بعد اللام مرة أخری، و كلمة یَطْهُرْنَ [البقرة: 222] مرة بسكون الطاء المخففة و ضم الهاء، و مرة أخری بفتح الطاء مشدودة و تشدید الهاء مفتوحة، و كلمة: «ألا» بالتخفیف و التشدید فی آیة:
أَلَّا یَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِی یُخْرِجُ الْخَبْ‌ءَ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [النمل: 25].
و كلمة: «أمرنا» فی قوله تعالی:
وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْیَةً أَمَرْنا مُتْرَفِیها فَفَسَقُوا [الإسراء: 16].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 49
بفتح المیم و تشدیدها، و مع الفتح المخفف مرة أخری، و هی فی الحالة الثانیة بمعنی: جعلنا لهم إمرة و سلطانا.
(ل) و یستوی عندنا فی الرفض أن یكون المقصود بالإنكار و النسبة إلی العباد هو الأحرف السبعة التی أنزل القرآن علیها، و التی كانت ضرورتها قد زالت عند الجمع العثمانی، أو یكون المقصود هو القراءات السبع، أو العشر التی اختیرت فیما بعد عهد النبی صلی اللّه علیه و سلم، و عرفت بأسماء مختاریها، و التی تطابق رسم المصحف، فإن أصول الخلاف الیسیر فی هذه القراءات الأخیرة ترجع- علی الأغلب- إلی اختلاف الأحرف السبعة. و إن لهذا لتفاصیل عند العلماء.
(د) تأثر طه حسین فی بعض آرائه بالطبری:
هذا، و طه حسین فی بعض آرائه تلك- و لو لم یصرح أیضا- متأثر بابن جریر الطبری؛ الذی یری: أن المماراة فی رفع حرف من القرآن و جره و نصبه، و تسكین حرف و تحریكه، و نقل حرف إلی آخر مع اتفاق الصورة- لا یوجب كفرا «1».
ثانیا: جواد علی و دعوی تشابه رسم الكلمات:
و قد أرجع جواد علی اختلاف القراءات إلی أسباب أهمها: «مسائل ظهرت بعد نزول الوحی، من خاصیة القلم الذی دون به القرآن الكریم: فرسم أكثر حروف هذا القلم متشابه، و الممیز فیها هو النقط، و قد ظهر النقط بعد نزول الوحی بأمد، ثم إن هذا القلم كان خالیا فی بادئ أمره من الحركات، و خلو الكلم من الحركات یحدث مشكلات عدیدة فی الضبط من حیث إخراج الكلمة- أی: كیفیة النطق بها- و من حیث مواقع الكلام فی الإعراب».
و أحال جواد علی إلی الشواهد التی أوردها جولد تسیهر فی كتابه «المذاهب الإسلامیة فی تفسیر القرآن»، و التی یعدها الاثنان أمثلة للاختلاف الحادث من الخطأ، و منها:
(أ) «تستكبرون» بالباء الموحدة، و «تستكثرون» بالثاء المثلثة فی الآیة:
وَ نادی أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا یَعْرِفُونَهُمْ بِسِیماهُمْ قالُوا ما أَغْنی عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَ ما كُنْتُمْ
______________________________
(1) ینظر: بحوث قرآنیة المؤتمر السادس ص (86- 96).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 50
تَسْتَكْبِرُونَ [الأعراف: 48].
(ب) «بشرا» أو «نشرا» فی الآیة:
وَ هُوَ الَّذِی یُرْسِلُ الرِّیاحَ بُشْراً بَیْنَ یَدَیْ رَحْمَتِهِ [الأعراف: 57].
(ج) «إیاه» فی الآیة:
وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِیمَ لِأَبِیهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِیَّاهُ [التوبة:
114].
إذ وردت أیضا «أباه» بالباء الموحدة.
و یرد علی ذلك فی نقاط محددة كالتالی:

(أ) رأیه هو رأی جولد تسیهر و نولدكه:

و رأی جواد علی- و لو لم یصرح هو الآخر- هو رأی المستشرقین المعروفین جولد تسیهر و نولدكه الوارد ذكرهما آنفا، فهما- فیما استفاض عنهما، و فیما أوردا فی كتاباتهما- یریان أن القراءات نشأت بعد ظهور الشكل و النقط، أی: بعد انقضاء عهد الصحابة، و أن المرحلة الأولی لتفسیر القرآن انقضت فی إقامة النص.
و هذا نص كلام أحد هذین المستشرقین، و هو جولد تسیهر فی هذا الشأن؛ لنری أنه أصل كلام جواد علی:
یقول جولد تسیهر:
«و ترجع نشأة قسم كبیر من هذه الاختلافات- یقصد فی القراءات- إلی خصوصیة الخط العربی الذی یقدم هیكله المرسوم مقادیر صوتیة مختلفة، تبعا لاختلاف النقاط الموضوعة فوق هذا الهیكل أو تحته، و عدد تلك النقاط، بل كذلك فی حالة تساوی المقادیر الصوتیة یدعو اختلاف الحركات الذی لا یوجد فی الكتابة العربیة الأصلیة ما یحدده- إلی اختلاف مواقع الإعراب للكلمة، و بهذا إلی اختلاف دلالتها.
و إذن فاختلاف تحلیة هیكل الرسم بالنقط، و اختلاف الحركات فی المحصول الموحد القالب من الحروف الصامتة- كانا هما السبب فی نشأة حركة اختلاف القراءات فی نص لم یكن منقوطا أصلا، أو لم تتحر الدقة فی نقطه أو تحریكه».

(ب) علماء المسلمین دفعوا هذا الرأی و حاجوا أصحابه منذ قدیم:

و هذا الرأی الذی سننقضه الآن هو- علی الحقیقة- أقدم حتی من ذینكم
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 51
المستشرقین: فعلماء المسلمین، منذ قدیم، و علی مدی الأجیال- و كما أوردنا قبلا- یدفعون هذا الرأی، و یحاجّون أصحابه، و یؤكدون أن لیس لأحد أن یقرأ برأیه المجرد، و أن القراءة سنة متبعة ... إلخ.
و قدیما رأی ابن مقسم العطار جعل القراءة تابعة للرسم، دون الاعتماد الكامل علی السند، فرد المسلمون- فی شدة- قراءته.
و قیل: إن بعض الرافضة یقرءون: وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّینَ عَضُداً [الكهف: 51] بفتح اللام و بالسكون علی الیاء (فی المضلین)، یعنون: الشیخین: أبا بكر و عمر، و ظاهر أن الرسم- قبل استحداث الشكل- یحتمل هذه القراءة، و مع ذلك، كفّر أصحابها؛ لسبب أساسی، هو أن قراءتهم مخالفة للروایة الشفویة المتواترة.
و علماء المسلمین یقولون: إن إباحة القراءات لم تقع بالتشهی، و إنما هی بالسماع من النبی صلی اللّه علیه و سلم.
و هم أیضا یذكرون أن القراءات التی یقرأ بها- منذ الجمع العثمانی- إنما اختلف القراء فیها؛ لأن أهل كل ناحیة ثبتوا علی ما كانوا تلقوه سماعا من الصحابة، بشرط موافقة الخط، و تركوا ما یخالف الخط؛ امتثالا للجمع العثمانی الذی أجمع علیه المسلمون.

(ج) تفنید هذا الرأی:

و لندع النصوص التی تفند فكرة أن القراءات نشأت بعد ظهور الشكل و النقط، مع تسلیمنا بأهمیة النصوص، ثم لنلق علی هذه الفكرة نظرة موضوعیة لنری إلی أی مدی تستطیع الثبات:
(أ) إنه یبعد- منطقیا- أن یترك أمر القرآن- و هو ما هو بالنسبة للإسلام- إلی البشر یقرءونه بالاجتهاد لا بالتلقی؛ فتتعرض نصوصه للاختلاف و التحریف.
و إذا كان أصحاب الأفكار من الناس- علی مدی الزمن- یحرصون علی التعبیر عن أفكارهم بعباراتهم هم، و لا یدعون لغیرهم التصرف فی هذه العبارات علی أی نحو، فكیف یسوغ فی القرآن أن یترك للبشر قراءته بأوجه لم یتلقوها، أوجه هی من اختراعهم البشری، و هی ولیدة فهمهم الذاتی؟! هذا مع فارقین عظیمین جدا.
أولهما: بعد ما بین الأفكار البشریة و القرآن الذی لا بد لأتباعه أن یؤمنوا بإعجازه
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 52
و قداسته و خطر شأنه.
و ثانیهما- و لله المثل الأعلی-: تقارب القدرات بین الإنسان صاحب الفكرة، و الإنسان الآخر الذی قد یتصرف فی التعبیر عنها. و الله الذی لیس كمثله شی‌ء غنی عن كل خلقه أن یشاركوه- علی ما یدركون أو ما یحبون- فی تحدید ألفاظ وحیه.
(ب) و لو جاز للناس أن یغیروا شیئا من القرآن عما تلقوا من الرسول صلی اللّه علیه و سلم، لأصبح بعض القرآن من كلامهم لا من كلام الله، و إذن لبطلت صفته الإعجازیة التی یؤمن بها المسلمون، و التی طالما نوه هو بها، و التی لا تزال قائمة.
و یستوی فی إحداث التغییر أن یكون مما لا یتجاوز الصورة و طریقة الأداء و كیفیة اللهجة، أو أن یكون ممتدا إلی الحروف، أو الكلمات أو الحركات. و كیف یجتهد مسلم فی هذا القرآن اجتهادا یؤدی إلی تبدیل شی‌ء منه، و التبدیل لا یرغب فیه إلا كافر یعادیه الإسلام؟ كیف، و نبی الإسلام نفسه لا یملك أن یبدل من القرآن شیئا، بل إن التبدیل عنده أمر لو وقع لكان معصیة عذابها هائل مخوف فی الیوم الآخر الخطیر الشأن، فضلا عن الحیاة الدنیا؟
وَ إِذا تُتْلی عَلَیْهِمْ آیاتُنا بَیِّناتٍ قالَ الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَیْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما یَكُونُ لِی أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِی إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما یُوحی إِلَیَّ إِنِّی أَخافُ إِنْ عَصَیْتُ رَبِّی عَذابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ. قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَیْكُمْ وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِیكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ [یونس: 15، 16].
تَنْزِیلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِینَ. وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَیْنا بَعْضَ الْأَقاوِیلِ. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْیَمِینِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِینَ. فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِینَ [الحاقة: 43- 47] یقول الشافعی: «إنه لا ینسخ كتاب اللّه إلا كتابه، كما كان المبتدئ لفرضه فهو المزیل المثبت لما شاء منه جلّ ثناؤه، و لا یكون ذلك لأحد من خلقه».
(ج) و القرآن نفسه ندد بما وقع للكتب الدینیة الأخری من تحریف و تبدیل، و عاب المحرفین و المبدلین: مِنَ الَّذِینَ هادُوا یُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ [النساء: 46]، وَ نَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [المائدة: 13]، وَ قَدْ كانَ فَرِیقٌ مِنْهُمْ یَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ یُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ [البقرة: 75]، فَبَدَّلَ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَیْرَ الَّذِی قِیلَ لَهُمْ [الأعراف: 162]، فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَی الَّذِینَ یُبَدِّلُونَهُ [البقرة: 181]، فكیف یدع المسلمون الذرائع، لیقع فی القرآن نفس الذی عابه؟!
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 53
(د) و المسلمون- لسبب عقیدی: هو إیمانهم بالقرآن الذی فیه:
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9]، و فیه: وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِیزٌ. لا یَأْتِیهِ الْباطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت: 41، 42]- لا یمكن عقلا أن یكونوا قد سمحوا بأی تغییر من عندهم فی القرآن صغر هذا التغییر أو كبر.
(ه) ثم هناك حقیقة هامة أغفلها ذلك الرأی، و هی أن المسلمین لم یعتمدوا فی نقل القرآن علی خط المصاحف، و إنما اعتمدوا علی حفظ القلوب و الصدور، و قد عد ذلك من أشرف خصائصهم، و جاء فی صفتهم: «أناجیلهم فی صدورهم»، بخلاف أهل الكتاب الذین لا یحفظونه إلا فی الكتب، و لا یقرءونه كله إلا نظرا لا عن ظهر قلب. و روت السنة أن اللّه قال لنبیه: «إنّما بعثتك لأبتلیك، و أبتلی بك، و أنزلت علیك كتابا لا یغسله الماء، تقرؤه نائما و یقظان ...» إلخ.
و الأمثلة التی أوردها جولد تسیهر آنفا بدعوی أنها أمثلة للاختلاف الحادث عن الخط، و التی أوضحنا أن بعضها شاذ و مردود، و بعضها الآخر مبنی علی تواتر الروایة علی هیئة الرسم- هذه الأمثلة نفسها تؤید عكس ما توهمه جولد تسیهر و الآخذون منه، تؤید أن المعول- فی صحة القراءة- لیس أبدا علی الخط، و إنما علی التواتر و التلقی الشفهی.
(و) و خط المصحف- حتی بعد الشكل و الضبط اللذین یحتج بهما أصحاب ذلك الرأی- قد لا یطابق- فی بعض المواضع- القراءات و من الأمثلة التی یمكن الاجتزاء بها أیضا فی هذا المقام: المواضع التی یرسم فیها الهمز المتطرف المرفوع واوا بعدها ألف، و هی:
(أبنؤا) [المائدة من الآیة: 18] (أبناء)- (جزؤا) [المائدة من الآیة 33] (جزاء)- (شركؤا) [الأنعام من الآیة: 94] (شركاء)- نَشؤُا [هود من الآیة 87] (ما نشاء)- (نبؤا) [إبراهیم من الآیة: 9] (نبأ)- (الضّعفؤا) [إبراهیم من الآیة: 21] (الضعفاء)- یَتَفَیَّؤُا [النحل من الآیة: 48] (یتفیأ)- أَتَوَكَّؤُا [طه من الآیة: 18] (أتوكأ)- تَظْمَؤُا [طه من الآیة: 119] (لا تظمأ)- الْمَلَؤُا [المؤمنون من الآیة: 24] (الملأ)- وَ یَدْرَؤُا [النور من الآیة: 8] (و یدرأ)- یَعْبَؤُا [الفرقان من الآیة: 77] (ما یعبأ)- أَنْبؤُا [الشعراء من الآیة: 6] (أنباء)- (علمؤا) [الشعراء من الآیة: 197] العلماء- الْمَلَؤُا [النمل
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 54
من الآیات: 29 و 32 و 38] (الملأ)- (شفعؤا) [الروم من الآیة: 13] (شفعاء)- یَبْدَؤُا [الروم من الآیة: 27] (یبدأ)- (العلمؤا) [فاطر من الآیة: 37] (العماء)- (البلؤا) [الصافات من الآیة: 106] (البلاء)- (نبؤا) [ص من الآیة:
21] (نبأ)- و (جزؤا) [الشوری من الآیة: 40] (جزاء)، یُنَشَّؤُا [الزخرف من الآیة: 18] (ینشأ)- (بلؤا) [الدخان من الآیة: 33] (بلاء)- (جزؤا) [الحشر من الآیة: 17] (جزاء)- (برءؤا) [الممتحنة من الآیة: 4] (برآء)- (نبؤا) [التغابن من الآیة: 5] (نبأ)- یُنَبَّؤُا [القیامة من الآیة: 13] (ینبأ).
و ثمة عشرات أخری من الكلمات القرآنیة المرسومة علی خلاف الخط الإملائی، و لیس فیها- مع ذلك- غیر قراءة واحدة.
و إذا ما أردنا أن ندلل بمثال علی ذلك فنقول:- علی عجل- إن القراء السبعة أجمعوا فی سورة قریش علی قراءة «إلفهم» بالیاء، مع كتابتها فی المصاحف العثمانیة بلا یاء، و اختلفوا فی قراءة «لإیلاف» مع كتابتها بالیاء.
و كذلك قد لا یدل رسم الكلمة علی كل وجوه النطق بها، فكلمة «جبریل» تقرأ بعدة وجوه:
1- جبریل بكسر الجیم، و جبریل بفتحها.
2- جبرئیل، بفتح الجیم و الراء و بعدها همزة مكسورة ممدودة.
3- جبرئل، بفتح الجیم و الراء، و بعدها همزة مكسورة غیر ممدودة.
و كلمة «میكال»، قرئت:
1- میكال، بلا همز.
2- میكائیل، بهمزة مكسورة ممدودة.
3- میكائل، بهمزة مكسورة غیر ممدودة.
(ی) و ثمة قراءات كثیرة لا یقرأ بها أبدا، مع أن الرسم یحتملها، و اللغة تجیزها.
و قد أشرنا إلی هذا من قبل:
و القراء أیضا لا یقرءون كلمة «الرّضاعة» فی القرآن إلا بالفتح مع أنه یجوز فیها- لغة- الكسر أیضا.
(ز) و من ملزوم رأی القائلین بأن اختلاف القراءات هو ولید النقط و الشكل: أن یكون القرآن قد ظل طوال عهد النبی صلی اللّه علیه و سلم ثم طوال عهود الصحابة و التابعین غیر
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 55
محفوظ و لا مقطوع بكیفیات النطق به، حتی إذا جاء النقط و الشكل، بعد زمن الوحی بأمد- حسبما قالوا آنفا- بدأ الناس یقرءون القرآن علی وفق ما یؤدیه النقط و الشكل إلی أفهامهم.
و لعل الرأی و ملزومه أن یكونا واضحی البطلان، و أن یكونا أضعف من أن یواجها الفهم المستقیم، و الحقیقة الغیر القابلة للنقض، فضلا عما تهدی إلیه بدیهة العقل.
(ح) و المسلمون مجمعون علی أن البشر لم یبدلوا فی هذا القرآن البتة، حتی من ناحیة قانون أدائه، و إجماع المسلمین حجة تقام لها الموازین، و كما یقول أبو حیان الأندلسی: «و الأمة المجتمعة حجة علی من شذ عنها».
(ط) و الثابت تاریخا أیضا أن القراء المأخوذ بروایاتهم كانوا لا یتعدون الأثر، مهما یكن مذهبهم النحوی، أو مذهبهم فی فهم الكلام. و علی سبیل المثال، نذكر:
أن أبا عمرو البصری كان یقول: «لو لا أنه لیس لی أن أقرأ إلا بما قرئ لقرأت كذا و كذا». شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات 55 (ج) تفنید هذا الرأی: ..... ص : 51
حمزة لم یقرأ حرفا إلا بأثر.
و یحیی بن سلام المتوفی سنة 200 ه «كان له اختیار فی القراءة من طریق الآثار».
و القاسم بن سلام المتوفی سنة 224 ه «وافق اختیاره العربیة و الأثر» «1».
* حول رسم المصاحف العثمانیة «2»:
نحاول أن نجیب فیما یلی عن سؤال مهم مفاده: هل كان رسم المصحف توقیفیا أم اجتهادیّا؟
و للإجابة علی هذا السؤال نورد مقدمة مهمة حول الكتابة عند العرب و فی الإسلام و كتابة القرآن الكریم، فنقول- و بالله التوفیق-:
* الكتابة عند العرب:
یكاد یجمع المؤرخون العرب القدامی، علی أن الخط دخل إلی مكة بواسطة حرب بن أمیة بن عبد شمس، و إن كانوا اختلفوا فی المصدر الذی تعلم منه حرب
______________________________
(1) ینظر: بحوث قرآنیة المؤتمر السادس ص (120- 126).
(2) ینظر: بحوث قرآنیة المؤتمر السادس ص (126- 137).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 56
الكتابة: ففی روایة ابن الكلبی: أن حربا تعلمها من بشر بن عبد الملك: أخی أكیدر ابن عبد الملك، صاحب «دومة الجندل»، و ذلك أن حربا تعرف به فی أسفاره إلی العراق، فتعلم منه الكتابة، ثم قدم معه بشر إلی مكة، و تزوج الصهباء بنت حرب، أخت أبی سفیان بن حرب، و بذلك تیسر لجماعة من قریش، أن یتعلموا الكتابة و القراءة.
و فی روایة أبی عمرو الدانی، بسنده، عن ابن عباس: أن حربا تعلم الخط من عبد اللّه ابن جدعان، و عبد اللّه تعلمها من أهل الأنبار.
و أما الخط فی المدینة المنورة: فقد ذكر أصحاب السیر: أن النبی صلی اللّه علیه و سلم دخلها، و كان فیها یهودی یعلم الصبیان القراءة و الكتابة، و كان فیها بضعة عشر رجلا یعرفون الكتابة، منهم: زید بن ثابت، الذی تعلم كتابة الیهود بعد الهجرة بأمر النبی صلی اللّه علیه و سلم، و المنذر بن عمرو، و أبی بن وهب، و عمرو بن سعید، و غیرهم.
و من ثم: نری أن الكتابة وجدت فی العرب قبل الإسلام، و كان الذین یحذقونها قلیلین جدا، أما الغالبیة العظمی: فكانت أمیة لا تقرأ، و لا تكتب؛ و لهذا سمیت الأمة العربیة بالأمة الأمیة.
و قد كان وجود الكتابة فی العرب قبل الإسلام إرهاصا لبعثة خاتم الرسل: سیدنا محمد صلی اللّه علیه و سلم؛ لیجتمع للقرآن الكتابة فی الصحف و تقییده فی السطور، إلی الحفظ فی الصدور، و لذلك تهیأ للقرآن من وسائل الحفظ ما لم یتهیأ لغیره.
و أیضا، فقد كانت الكتابة وسیلة تبلیغ الرسالة المحمدیة إلی الملوك، و الرؤساء، و الأمراء، بعد صلح الحدیبیة؛ و بذلك تعدت الرسالة حدود الجزیرة العربیة، إلی العالم المعروف كله، و قد عثر علی كتاب من هذه الكتب، و هو كتاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم إلی المقوقس عظیم القبط، و هو أثر من الآثار النبویة القیمة.
* الإسلام و الكتابة:
و لما جاء الإسلام، رفع من شأن الكتابة و تعلمها، و شأن العلم و المعرفة، و لیس أدل علی ذلك، من أول سورة نزلت منه، أشادت بالقلم؛ لأنه أداة العلم و المعرفة الكسبیة، قال تعالی: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِی خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِی عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ یَعْلَمْ [العلق: 1- 5].
و أقسم- سبحانه و تعالی- بالقلم، فقال: ن وَ الْقَلَمِ وَ ما یَسْطُرُونَ [القلم: 1]
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 57
و فی القسم به إشادة بذكره، و تنبیه الناس إلی ما فیه من الفوائد، و المنافع.
و فی الحدیث الصحیح المروی عن النبی صلی اللّه علیه و سلم قال: «أوّل ما خلق الله القلم، ثمّ قال: اكتب، فجری بما هو كائن، إلی یوم القیامة» رواه أحمد، و الترمذی، و صححه.
و النبی صلی اللّه علیه و سلم ینتهز أول فرصة لنشر الكتابة و القراءة؛ كی یتعلمها أكبر عدد من أبناء المسلمین و ناشئتهم: فقد روی جامعو الأحادیث، و كتّاب السیر: أن المسلمین أسروا فی بدر سبعین رجلا من المشركین، و أن النبی قبل الفداء ممن یقدر علیه، و كان أربعة آلاف درهم من الموسرین، أما من كان یحسن القراءة و الكتابة: فكان فداؤه تعلیم عشرة من صبیان المسلمین القراءة و الكتابة؛ فقد كان تعلیم الولد یقابل أربعمائة درهم، هی شی‌ء كثیر فی هذا العهد، و قد فعل صلی اللّه علیه و سلم هذا فی وقت كان المسلمون فیه أحوج إلی درهم؛ لیزیلوا خصاصتهم، و یتفوقوا علی أعدائهم، و لكن صاحب المواهب صلی اللّه علیه و سلم أدرك أن تعلیم الأمة الكتابة خیر من المال. و بذلك كان النبی صلی اللّه علیه و سلم أول من وضع لبنة فی إزالة الأمیة، و أن الإسلام سبق إلی ذلك، منذ أربعة عشر قرنا، و أن المسلمین لم یلبثوا إلا قلیلا، حتی زالت منهم الأمیة الكتابیة و العلمیة، و صار العلم و الثقافة الأصیلة من أخص خصائص الحضارة الإسلامیة.

كتابة القرآن الكریم:

اشارة

لقد كتب القرآن جمیعه، بین یدی النبی صلی اللّه علیه و سلم غیر أنه كان مفرقا فی العسب، و اللخاف، و الأكتاف، و الرقاع، و قطع الفخار و نحوها، و كان النبی صلی اللّه علیه و سلم إذا نزل علیه شی‌ء من القرآن، دعا بعض من كان یكتب الوحی، فیأمره بكتابة ما نزل، و یرشده إلی موضعه، من سورته، و الكیفیة التی تكتب علیها الآیة.
ثم كتب فی عهد الصدیق فی صحف مجموعة، و قد كتب من عین ما كتب بین یدی النبی صلی اللّه علیه و سلم، و بجمیع حروفه السبعة، ثم كتب فی عهد عثمان- رضی اللّه عنه- فی المصاحف علی ما هو علیه الیوم، و كانت كتابته من عین ما كتب فی عهد الصدیق صلی اللّه علیه و سلم، إلا أنه اقتصر فی رسمه علی ما یوافق حرف قریش.

كتّاب الوحی:

لقد كان لكتابة القرآن الكریم بین یدی النبی صلی اللّه علیه و سلم كتاب من الصحابة، معروفون بالدین الكامل، و الأمانة الفائقة، و العقل الراجح، و التثبت البالغ، كما كانوا معروفین
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 58
بالحذق فی الهجاء و الكتابة، و قد اشتهر منهم السادة الأجلاء: أبو بكر، و عمر، و عثمان، و علی، و معاویة بن أبی سفیان، و خالد و أبان ابنا سعید بن العاص بن أمیة، و أبی بن كعب، و زید ابن ثابت، و شرحبیل بن حسنة، و عبد اللّه بن رواحة، و عمرو ابن العاص، و عبد اللّه بن الأرقم الزهری، و حنظلة بن الربیع الأسدی، و آخرون، و كان الواحد من هؤلاء یكتب ما یملیه علیه النبی صلی اللّه علیه و سلم من غیر زیادة، و لا نقصان، و لا تغییر، و لا تبدیل، لما أملاه علیه النبی صلی اللّه علیه و سلم، و أرشده إلی كتابته.

رسم المصاحف العثمانیة

ما هو الرسم؟

رسم المصحف یراد به الوضع الذی ارتضاه سیدنا عثمان- رضی اللّه عنه- و من كان معه من الصحابة فی كتابة القرآن، و رسم حروفه، و الذی وجد فی المصاحف التی وجه بها إلی الآفاق و الأمصار، و المصحف الإمام الذی احتفظ به لنفسه.

التألیف فی علم الرسم:

و قد كان علم الرسم علما مستقلا، عنی بالتألیف فیه علماء من المتقدمین و المتأخرین، منهم: الشیخ الإمام أبو عمرو الدانی، فی كتابه «المقنع».
و الشیخ العلامة: أبو العباس المراكشی، فقد ألف فی توجیه ما خالف قواعد الخط منه كتابا سماه: «عنوان الدلیل فی مرسوم خط التنزیل»، بین فیه أن هذه الأحرف إنما اختلف حالها فی الخط بحسب اختلاف أحوال معانی كلماتها، و أن فیها فوائد بلاغیة، و لغویة، و نحویة. و العلامة: الشیخ محمد بن أحمد، الشهیر بالمتولی؛ إذ نظم فی ذلك أرجوزة. و منهم العلامة: الشیخ محمد علی خلف الحسینی، شیخ المقارئ المصریة فی عهده، فشرح تلك المنظومة، و ذیل الشرح له بكتاب سماه: «مرشد الحیران، إلی معرفة ما یجب اتباعه فی رسم القرآن».
و ألف فیه أیضا الأستاذ الشیخ محمد حبیب الله بن عبد اللّه بن أحمد الجكنی الشنقیطی- كتیبا سماه: «إیقاظ الأعلام إلی اتباع رسم المصحف الإمام».

قواعد رسم المصحف‌

اشارة

الأصل فی المكتوب أن یكون موافقا للمنطوق، من غیر زیادة و لا نقص، و لا تغییر و لا تبدیل، مع مراعاة الابتداء به، و الوقوف علیه، و الفصل، و الوصل، و قد
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 59
مهد له العلماء أصولا، و قعدوا له قواعد، و قد خالفها فی بعض الحروف خط المصحف الإمام.
و ینحصر أمر الرسم فی ستة قواعد:
1- الحذف. 2- الزیادة. 3- الهمز. 4- البدل. 5- الفصل و الوصل.
6- ما فیه قراءتان ثابتان متواترتان، و كتب علی إحداهما.
و سأذكر لذلك أمثلة علی سبیل الإیضاح، من غیر استقراء و حصر لجمیع ما ورد؛ فإن ذلك یحتاج إلی كتاب برأسه.

القاعدة الأولی: الحذف‌

و ذلك مثل: حذف الألف من یاء النداء فی: یا أَیُّهَا النَّاسُ، و من هاء التنبیه، مثل: (هأنتم هؤلاء).
و من كل جمع تصحیح لمذكر أو مؤنث، مثل:
(سمّعون للكذب) [المائدة: 42] (سمّعون لقوم آخرین لم یأتوك) [المائدة: 41] المؤمنات، المسلمات، القانتات.
قال تعالی: (إنّ المسلمین و المسلمت و المؤمنین و المؤمنات و القانتین و القنتت و الصادقین و الصّدقت و الصابرین و الصّبرت و الخاشعین و الخشعت) [الأحزاب: 35] و تحذف الیاء من كل منقوص منون رفعا و جرا، مثل: غَیْرَ باغٍ وَ لا عادٍ [البقرة: 173]. و المضاف إلی الیاء، إذا نودی، مثل: یا عِبادِ فَاتَّقُونِ [الزمر: 16]، إلا قُلْ یا عِبادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا ... [الزمر: 53] یا عِبادِیَ الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِی واسِعَةٌ [العنكبوت: 56] و من مثل: «و اخشون»، إلا فی سورة «البقرة». و تحذف الواو إذا وقعت مع واو أخری، نحو: (لّا یستون) [السجدة: 18] و (فأوا إلی الكهف) [الكهف: 16]، و كذلك حذفت من هذه الأفعال الأربعة: وَ یَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَیْرِ [الإسراء: 11] وَ یَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَ یُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ [الشوری: 24]، یَوْمَ یَدْعُ الدَّاعِ إِلی شَیْ‌ءٍ نُكُرٍ [القمر: 6]، سَنَدْعُ الزَّبانِیَةَ [العلق: 18] فی اقرأ، و سیأتی توجیه ذلك.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 60

القاعدة الثانیة: الزیادة

و ذلك مثل: زیادة الألف بعد آخر اسم مجموع، أو ما فی حكمه، مثل:
مُلاقُوا رَبِّهِمْ أُولُوا الْأَلْبابِ و فی مِائَةَ مِائَتَیْنِ الظُّنُونَا و الرَّسُولَا و السَّبِیلَا لَأَذْبَحَنَّهُ فی «النحل»، و لَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ فی التوبة، و فی نحو (تتفیّئوا) أَتَوَكَّؤُا و تَفْتَؤُا و (لا تظمؤا)، و بین الجیم و الیاء فی: (و جی‌ء)، و فی «الزمر»، «و الفجر»، و تزداد الیاء فی: (نبإی المرسلین) مَلَائِهِمْ و (ملائیه) و (إیتائ ذی القربی) فی «النحل»، (بأیّیكم المفتون) و السَّماءَ بَنَیْناها بِأَیْدٍ و تزداد الواو فی نحو: أُولُوا أُولئِكَ (سأوریكم) و قد علل ذلك الكرمانی، فقال فی كتاب «العجائب»: كانت صورة الفتحة فی الخطوط، قبل الخط العربی ألفا، و صورة الضمة واوا، و صورة الكسرة یاء، فكتبت «لا أوضعوا»، و نحوه بالألف مكان الفتحة، «و إیتای ذی القربی» بالیاء مكان الكسرة، و «أولئك»، و نحوه بالواو، مكان الضمة؛ لقرب عهدهم بالخط الأول، و هذا التعلیل یشعر بأنه یری الرسم اجتهادیّا و سیأتی تعلیل أمثال هذا التغییر.
و لو كان الأمر كما یزعم الكرمانی، فلما ذا طبق فی هذه الآیات دون غیرها، و فی القرآن ألوف الفتحات و الكسرات و الضمات؟! و قال الزمخشری فی «تفسیره»: فإن قلت: كیف خط فی المصحف «و لا أوضعوا» بزیادة ألف؟ قلت: كانت الفاتحة تكتب ألفا، قبل الخط العربی، و الخط العربی اخترع قریبا من نزول القرآن، و قد بقی من ذلك الألف أثر فی الطباع، فكتبوا صورة الهمزة ألفا، و فتحتها ألفا أخری، و نحوه (أو لأاذبحنّه) و هذا یشعر بأنه یری ما یراه الكرمانی.

القاعدة الثالثة: الهمز

أما الهمزة الساكنة، فالأصل أن تكتب بحرف حركة ما قبلها، أولا، أو وسطا، أو آخرا نحو: ائْذَنْ لِی، (اؤتمن)، الْبَأْساءِ، اقْرَأْ إلا ما استثنی، مثل فَادَّارَأْتُمْ وَ رِءْیاً، فحذف الحرف فیها. و كتبت الهمزة مفردة.
أما الهمزة المتحركة: فإن كانت فی أول الكلمة، أو اتصل بها حرف زائد، كتبت
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 61
بالألف مطلقا، أی سواء كانت فتحا، أو ضما، أو كسرا، نحو أَیُّوبَ؛ إِذا؛ أُولُوا؛ سَأَصْرِفُ، فَبِأَیِ إلا فی مواضع مثل: (قلّ أئنّكم لتكفرون) [فصلت: 9] (أئنّا لمخرجون) [النمل: 67]، أَ إِنَّ لَنا [الشعراء: 41]، فإنها كتبت فیها بالیاء، و (قل أؤنبّئكم) [آل عمران: 15] و هؤُلاءِ فقد كتبت بالواو.
فإن كانت الهمزة وسطا فإنها تكتب بحرف من جنس حركته، نحو سائِلٌ، سُئِلَ، (تقرؤه)، إلا ما استثنی.
و إن كانت طرفا، فإنها تكتب بحرف حركة ما قبلها، مثل: (سبأ) أو شاطِئِ، (لؤلؤ)، و لقد وردت فی القرآن مخالفة لهذا الأصل، مثل (تفتؤا) (تتفیّئوا) و لا تَظْمَؤُا ما یَعْبَؤُا، فإنها رسمت فی المصحف بالواو، و زیدت ألف بعدها. فإن سكن ما قبل الهمزة حذف الحرف مثل: مل‌ء الأرض، دف‌ء، الخب‌ء.

القاعدة الرابعة: البدل‌

كتبت فی الرسم الألف واوا، علی لفظ التفخیم، فی مثل: الصَّلاةَ، الزَّكاةَ الْحَیاةِ، الرِّبَوا غیر مضافة، فأما قوله: وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَیْتِ إِلَّا مُكاءً وَ تَصْدِیَةً [الأنفال: 35]، و قوله تعالی: إِنَّ صَلاتِی وَ نُسُكِی [الأنعام: 162] فقد كتبت بالألف، و قوله: إِنْ هِیَ إِلَّا حَیاتُنَا الدُّنْیا [الأنعام:
29]، و قوله تعالی: وَ ما آتَیْتُمْ مِنْ رِباً لِیَرْبُوَا فِی أَمْوالِ النَّاسِ فَلا یَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ [الروم: 39] فقد كتبت بالألف.
و یمكن أن یعلل ترك التفخیم فی قوله تعالی: وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَیْتِ إِلَّا مُكاءً وَ تَصْدِیَةً بأن صلاتهم غیر معتد بها، و لیست صلاة شرعیة، فمن ثم:
كانت لا تستأهل التفخیم، و فی قوله تعالی: قُلْ إِنَّ صَلاتِی وَ نُسُكِی وَ مَحْیایَ وَ مَماتِی لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ، بأن المقام مقام تذلیل، و استسلام لله؛ فلیس التفخیم بلائق بالمقام، و قوله: وَ قالُوا إِنْ هِیَ إِلَّا حَیاتُنَا الدُّنْیا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِینَ [الأنعام: 29] «بأن الدهریین حیاتهم ضائعة، فلیست جدیرة بالتفخیم»، و قوله: وَ ما آتَیْتُمْ مِنْ رِباً فلأن المراد به: المال الذی هو وسیلة الربا، أو المال الذی یهدی؛ لیأخذ المهدی أكثر مما
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 62
أعطی، فلم یكن اللفظ مرادا به الربا، بمعناه فی الشرع، و لا سیما أن الآیة مكیة، و كانت قبل التحریم، فمن ثم: كتب بالألف، و لم یكتب بالواو: لأنه، لا تهویل فیه و لا تفخیم، و كَمِشْكاةٍ، و بِالْغَداةِ و (النّجوة)، و مَناةَ.
و كتبت یاء فی كل ألف منقلبة عنها مثل: (یتوفّیكم) یا حَسْرَتی وَ قالَ یا أَسَفی عَلی یُوسُفَ [یوسف: 84] إلا ما استثنی مثل: هَدانِی و مَنْ عَصانِی.
و تكتب ألفا نون التوكید الخفیفة، و نون إذن، و تكتب بالنون، نحو و كأیّن من نبیّ.
و كتبت تاء التأنیث هاء، و جاءت علی خلاف الأصل تاء، فی مواضع من القرآن، و ذلك مثل رَحْمَتَ فی «البقرة»، و «آل عمران»، و غیرهما، و نِعْمَتَ فی «البقرة»، و «آل عمران»، و «المائدة»، و غیرها، و سُنَّتُ فی «الأنفال»، و «فاطر»، و شجرت فی إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ. طَعامُ الْأَثِیمِ [الدخان: 44]، و قرت فی قُرَّتُ عَیْنٍ لِی وَ لَكَ [القصص: 9] إلی غیر ذلك.

القاعدة الخامسة: الفصل و الوصل‌

وردت بعض الألفاظ فی رسم المصحف، تارة موصولة، و تارة مفصولة، و ورد بعضها فی الرسم علی حالة واحدة، و ذلك مثل وصل: «ألا» بفتح الهمزة و تشدید اللام، و فصلها فی عشرة مواضع، منها (أن لا تقولوا)، فی الأعراب و أَنْ لا تَعْبُدُوا فی هود،+ أَنْ لا تَعْلُوا عَلَی اللَّهِ فی الدخان ... إلخ.
و وصل (ممن) مطلقا، و وصل (عما)، إلا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ و وصل (عمّن)، إلا قوله: وَ یَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ یَشاءُ فی النور، و عَنْ مَنْ تَوَلَّی فی «النجم»، و (أما) بفتح الهمزة مطلقا ... إلی غیر ذلك، مما جاء فی الرسم تارة موصولا، و تارة مفصولا، مثل (إنما) (و إن لم) بالفتح و الكسر، و (أن لن)، و (أینما)، (و لكی لا)، و (فی ما)، و نحوها.

القاعدة السادسة

اشارة

ما فیه قراءتان، و كتب علی إحداهما و مرادنا غیر القراءات الشاذة، و من ذلك:
(ملك یوم الدّین)، (یخدعون) (و وعدنا)، وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 63
[الحج: 40] سُكاری وَ ما هُمْ بِسُكاری [الحج: 2] إلی غیر ذلك، فقد كتبت كلها فی المصاحف العثمانیة بلا ألف، و قد قرئت بالألف، و بحذفها، فالقراءة بغیر الألف توافق رسم المصحف تحقیقا، و القراءة بالألف توافق تقدیرا؛ لحذفها اختصارا، من قوله تعالی: (ملك الملك) [آل عمران: 26]، و مثل (غیبت الجبّ) [یوسف: 10]، و وَ هُمْ فِی الْغُرُفاتِ آمِنُونَ [سبأ: 37]، فقد كتبت كلها بالتاء المفتوحة، و بلا ألف، و قد قرئت بالجمع و الإفراد، و مثل: الصِّراطَ، فقد كتبت بالصاد لا غیر، و الْمُصَیْطِرُونَ، و بِمُصَیْطِرٍ، و قد قرئت بالصاد و السین، و قد عللوا ذلك:
بأن الأصل فی هذه الألفاظ كتابتها بالسین، علی ما هی اللغة الغالبة، و لكنها كتبت فی المصاحف العثمانیة بالصاد؛ لتتعادل القراءتان: القراءة التی یشهد لها الرسم، و القراءة التی یشهد لها الأصل، و لو كتبت هذه الكلمات بالسین لفات ذلك، و لاعتبرت الصاد مخالفة للأصل و الرسم؛ و لذلك اختلف القراء فی بَصْطَةً [الأعراف: 69]، فقد قرئ بالصاد و السین،- و لم یقع اختلاف فی بَسْطَةً [البقرة: 247]، لكونها كتبت بالسین، فانظر- أیها- القارئ المنصف- كیف بلغ الصحابة فی الدقة فی رسم المصحف، و تحقیق العلم!!؟
و هذا من أقوی الأدلة للرد علی المستشرقین، الذین یرجعون نشأة القراءات و اختلافها إلی خلو المصحف أولا من النقط و الشكل؛ فالصراط، و المصیطرون، و مصیطر، كتبت كلها بالصاد، مع أنها قرئت بالصاد و السین، و هی لا ترجع قطعا إلی نقط، و لا إلی شكل، فما ذا یقولون فی هذا؟!.

القراءات المتواترة التی لا یحتملها الرسم:

و ذلك مثل: (و أوصی) [البقرة: 132]، وَ وَصَّی بِها إِبْراهِیمُ بَنِیهِ وَ یَعْقُوبُ [البقرة: 132]، و مثل تَجْرِی تَحْتَهَا الْأَنْهارُ [التوبة: 100]، تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ [التوبة: 72]، و مثل سَیَقُولُونَ لِلَّهِ [المؤمنون: 85].
و مثل وَ ما عَمِلَتْهُ أَیْدِیهِمْ [یس: 35]، و (ما عملت أیدیهم) [یس: 35].
فقد كانت تكتب فی بعض المصاحف دون بعض، و قد كان هذا من الأسباب الحاملة لسیدنا عثمان و الصحابة علی تعدد المصاحف؛ لتكون مشتملة علی جمیع القراءات المتواترة عن النبی صلی اللّه علیه و سلم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 64
و هذا أیضا من الأدلة التی ترد علی المستشرقین فی رأیهم فی نشأة القراءات و اختلافها؛ إذ لا یمكن أن یرجع هذا إلی خلو المصحف من النقط و الشكل.
و بحسبنا هذا القدر، فی هذا المقام، و من أراد زیادة، فلیرجع إلی الكتب التی عنیت بضبط القراءات، و ألفت فی رسم المصاحف العثمانیة.
و نأتی أخیرا بعد هذه المقدمة المهمة لنجیب علی السؤال السابق، هل كان رسم المصحف توقیفیا أم اجتهادیا؟
فنقول: لقد ذهب جمهور علماء المسلمین سلفا و خلفا إلی أن رسم المصحف توقیفی، و لا تجوز مخالفته، و استدلوا علی رأیهم ذلك بعدد من الأدلة هی:
أولا: أن القرآن الكریم كتب كله بین یدی النبی صلی اللّه علیه و سلم، و كان یملی علی كتاب الوحی، و یرشدهم فی كتابته بوحی من جبریل علیه السلام.
و مما یروی فی هذا: أن النبی صلی اللّه علیه و سلم قال لمعاویة: «ألق الدواة و حرف القلم، و انصب الباء، و فرق السین، و لا تعور المیم، و حسن الله، و مد الرحمن، وجود الرحیم، وضع قلمك فی أذنك الیسری؛ فإنه أذكر لك»، و هذا الحدیث و إن اختلف فیه الحفاظ: فمنهم من یصححه، و منهم من یضعفه، إلا أن مما لا شك فیه، أن القرآن كتب جمیعه بین یدیه صلی اللّه علیه و سلم، و أقرهم علیه، و التقریر أحد وجوه السنن المعروفة، كما هو معلوم فی علم: «أصول الفقه»، و علم: «أصول الحدیث».
ثانیا: إطباق القراء علی إثبات الیاء فی: وَ اخْشَوْنِی [150]، فی البقرة، و حذفها فی الموضعین، فی المائدة، و غیر ذلك، مما خولف فیه بعض نظائر كثیرة، بالحذف، و الإثبات، و الزیادة فی الحرف، و النقص؛ علی ما ذكرناه آنفا، فلو كان الرسم بالاجتهاد، لما خولف فیه بین هذه النظائر و المتشابهات.
و لعل قائلا یقول: إن هذا نتج من تعدد كتاب الوحی، و لكنا نقول: لو كان الأمر كذلك، لناقش بعضهم بعضا، فی هذا، و لا سیما أن الأمر یتعلق بالأصل الأول للإسلام، و توفر الدواعی لحریة الرأی فی هذا العصر، و لكن لم ینقل إلینا أنهم تناقشوا فی مثل هذا.
أو أن بعضهم أنكر علی بعض شیئا من هذا، علی أن هذا الاحتمال یبعد غایة البعد، فی مثل قوله تعالی:
هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِیَهْ. إِنِّی ظَنَنْتُ أَنِّی مُلاقٍ حِسابِیَهْ [الحاقة: 19، 20].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 65
قد كتبت الأولی (كتبیه) بغیر ألف، فی حین كتبت الثانیة (حسابیه) بالألف.
ثالثا: لما جاور الرسول الرفیق الأعلی، و جمع القرآن فی المصحف، ثم فی المصاحف، أجمع الصحابة علی رسمه، و لا سیما الخلفاء الراشدون، و لم یخالف فی ذلك أحد، مع ما كان یتسم به هذا العصر من التمتع بالحریة الفائقة فی القول، و إجماعهم حجة، و قد حث الرسول الكریم علی الاقتداء بالخلیفتین، من بعده، فقال: «اقتدوا باللّذین من بعدی: أبی بكر و عمر» رواه الإمام أحمد، و الترمذی، و ابن ماجة، و فی حدیث العرباض بن ساریة: «فعلیكم بسنّتی، و سنّة الخلفاء الرّاشدین من بعدی، عضّوا علیها بالنّواجذ» رواه أبو داود، و الترمذی، و قال حدیث حسن صحیح.
و قد أقر هذا الرسم الخلفاء الراشدون، و معهم الصحابة؛ فكان لزاما علی الأمة الإسلامیة من بعدهم، أن یقتدوا بهم، و یتمسكوا برسم المصحف، و لا یحیدوا عنه، و قد قال الصحابی الجلیل: عبد اللّه بن مسعود: «من كان منكم متأسیا، فلیتأس بأصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم؛ فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، و أعمقها علما، و أقلها تكلفا، و أقومها هدیا، و أحسنها حالا، اختارهم اللّه لصحبة نبیه صلی اللّه علیه و سلم و إقامة الدین، فاعرفوا لهم فضلهم، و اتبعوهم فی آثارهم».
و روی الحافظ البیهقی أن الإمام الشافعی- و هو من هو دینا و عقلا و ألمعیة- ذكر الصحابة فی رسالته القدیمة؛ و أثنی علیهم بما هم أهله، و قال: «و هم فوقنا، فی كل علم و اجتهاد، و ورع، و عقل، و أمر استدرك به علم و استنبط، و آراؤهم لنا أحمد و أولی بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا».
و مما ینبغی أن نعلم أن الصحابة لما كتبوا الصحف ثم المصاحف، بالغوا جدا فی ألا یكتب فیها إلا ما هو قرآن، حتی إنهم جردوه من الشكل و النقط، بل و من أسماء السور، فكیف یتساهلون فی زیادة ألف أو واو أو یاء مثلا؟!.
و قد یقول قائل: إن مسألة الرسم و هیئة الكتابة لم تكن محل اعتبارهم و تدقیقهم.
و یرد هذا ما ورد فی الصحیح: أن الخلیفة الثالث عثمان- رضی اللّه عنه- قال للرهط القرشیین، الذین عاونوا زید بن ثابت فی كتابة المصحف: «إذا اختلفتم أنتم و زید فی شی‌ء من القرآن- أی فی كتابته- فاكتبوه بلسان قریش؛ فإنما أنزل بلسانهم»، یعنی: اكتبوه بالرسم الذی یوافق لغتهم، لقد روی: أنهم اختلفوا فی
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 66
كتابة «التابوت»، من قوله تعالی فی سورة البقرة: یَأْتِیَكُمُ التَّابُوتُ فِیهِ سَكِینَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ... [البقرة: 248] فقال زید بن ثابت: إنما هو التابوة، بالهاء، و قال الرهط القرشیون: إنما هو التابوت، بالتاء، فرجعوا إلی سیدنا عثمان، فحسم الخلاف و قال اكتبوه بالتاء.

أقوال الأئمة فی التزام الرسم العثمانی:

قال أشهب من أصحاب الإمام مالك: «سئل مالك: هل یكتب المصحف علی ما أحدث الناس من الهجاء؟ قال: لا، إلا علی الكتابة الأولی» رواه الدانی فی «المقنع»، قال: و لا مخالف له من علماء الأمة، و قال فی موضع آخر: سئل مالك عن الحروف فی القرآن مثل: الواو، و الألف؛ أ تری أن یغیر من المصحف إذا وجد فیه كذلك؟ قال: لا، قال أبو عمرو الدانی: یعنی: الواو و الألف المزیدتین فی الرسم، المعدومتین فی اللفظ نحو: (أولوا) و (أولات).
و قال إمام أهل السنة و الجماعة أحمد: یحرم مخالفة خط مصحف عثمان فی واو، أو یاء، أو ألف، أو نحو ذلك. و فی حواشی «المنهج» فی فقه الشافعیة ما نصه: «كلمة «الربا» تكتب بالواو، و الألف؛ كما جاء فی الرسم العثمانی، و لا تكتب فی القرآن بالیاء؛ أو الألف؛ لأن رسمه سنة متبعة».
و فی كتاب «المحیط البرهانی»، فی فقه الحنفیة، ما نصه: «أنه ینبغی ألا یكتب المصحف بغیر الرسم العثمانی».
و قال الإمام فی الحدیث و الفقه- البیهقی- فی كتاب «شعب الإیمان»: «من كتب مصحفا ینبغی أن یحافظ علی الهجاء الذی كتبوا به تلك المصاحف، و لا یخالفهم فیه، و لا یغیر مما كتبوه شیئا؛ فإنهم كانوا أكثر علما، و أصدق قلبا و لسانا، و أعظم أمانة منا؛ فلا ینبغی أن نظن بأنفسنا استدراكا علیهم».
و لا یعارض القول بالتوقیف ما هو معروف: من أن النبی صلی اللّه علیه و سلم كان أمیّا، لا یقرأ، و لا یكتب؛ لأنه إن كان تعلم الكتابة و القراءة بعد أن كان لا یعلمها- كما هو رأی بعض العلماء المحققین- بعد أن قامت المعجزة بالقرآن، و ظهر أمر الإسلام- فالأمر ظاهر. و إن قلنا- كما هو رأی الأكثر-: إنه استمر علی أمیته، حتی آخر حیاته، فقد كان یرشد كتاب الوحی إلی هذا بتعلیم و إرشاد من جبریل- علیه السلام- أو بإلهام له من اللّه- سبحانه و تعالی- و الإلهام نوع من الوحی.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 67
و فی الحق: أنه فی السنة الصحیحة ما یدل علی أن النبی صلی اللّه علیه و سلم تعلم الكتابة فی آخر حیاته، بعد أن كان لا یعلمها، و إن كان لا یجیدها، ففی أثناء ذكر صلح الحدیبیة ما نصه: «فأخذ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الكتاب، و لیس یحسن یكتب، فكتب: هذا ما قاضی علیه محمد بن عبد الله ...» الحدیث، و بحسبنا هذا القدر فی هذا المقام. و من أراد استیفاء هذه المسألة، فلیرجع إلی ما كتبه و نقله الإمام الآلوسی فی تفسیر قوله- تعالی- فی سورة العنكبوت الآیة 48:
وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِیَمِینِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 68

فوائد الرسم العثمانی‌

* لاتباع رسم المصحف العثمانی فوائد، و مصالح، منها:
1- اتصال السند بحفظ القرآن الكریم؛ فلا یجوز لأحد أن یقرأه، أو یقرئه غیره إلا بروایته، عن شیوخه، و هم عن شیوخهم ... و هكذا، حتی یتصل السند بالنبی صلی اللّه علیه و سلم فمن علم القواعد العربیة، و لكن لا یأخذ القرآن بالتلقی عن أهله الضابطین له، لا یعرف قراءته علی وجهها الصحیح؛ فإن بعض ألفاظه كتبت علی غیر النطق بها كما أسلفنا، و فواتح بعض سورة كتبت برسم الحروف، لا بهیئات النطق بها، و إلا فقل- بربك-: كیف یتوصل القارئ إلی قراءة كهیعص و حم عسق و طسم و المص و غیرها؟! فالذی یعلم العربیة و الهجاء، و لكنه لا یتلقی عن غیره كیفیة قراءتها، قد یقرؤها علی غیر وجهها الصحیح؛ إذ النطق بها صحیحة یتوقف علی التلقی و السماع من قراء القرآن و حفاظه المجیدین له. و اتصال السند من خصائص القرآن الكریم بالنسبة لغیره من الكتب السماویة، و به ظل محفوظا كما قال تعالی: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9] و لیس من شك، فی أن الرسم المخصوص له أعظم الأثر، فی اتصال السند؛ إذ لو كانت جمیع ألفاظه مكتوبة طبق النص بها لتجرأ الكثیرون علی قراءته، بغیر تلق، عن غیره؛ و حینئذ یفوتهم معرفة ما فیه من طرق الأداء من مد، و تخفیف، و إمالة، و إدغام، و إخفاء ... إلی غیر ذلك من طرق الأداء.
2- الدلالة علی بعض اللغات الفصیحة: ككتابة هاء التأنیث تاء، فی لغة طیئ، و مثل حذف آخر الفعل المضارع المعتل لغیر جازم، مثل: یَوْمَ یَأْتِ، فی لغة هزیل، و ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ.
3- الدلالة علی أصل الحركة: ككتابة الكسرة یاء، و الضمة واوا، نحو:
(و إیتای ذی القربی) [النحل: 90] و (سأوریكم دار الفاسقین) [الأعراف: 145].
أو الدلالة علی أصل الحرف: ككتابة الصلاة، و الزكاة، و الحیاة، و الربا، بالواو بدل الألف.
4- الدلالة علی معان خفیة دقیقة، برسم الكلمة، و لذلك أمثلة نبه علیها العلماء، و لا سیما المراكشی، منها: زیادة الیاء، فی قوله تعالی: (و السّماء بنیناها بأیدی و إنّا لموسعون) [الذاریات: 47] بیاءین، و ذلك للإشارة إلی عظمة قدرة
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 69
الخالق- جل و علا- التی بنی بها السماء و العالم العلوی كله، و أنها لا تشبهها قوة، علی حد القاعدة المشهورة: «زیادة المبنی تدل علی زیادة المعنی»، و هی قاعدة غالبیة، و مثل زیادة الألف، فی قوله تعالی: (و جای بالنّبیّین و الشّهداء) [الزمر: 70]، و قوله: (و جای یومئذ بجهنّم) [الفجر: 23]، للتهویل، و التفخیم، و الوعید، و التهدید، و أنه مجی‌ء لیس علی غیر ما یعهد البشر؛ فجاء الرسم علی غیر ما یعهدون.
و من هذا القبیل: كتابة هذه الأفعال بغیر واو، مع أن القاعدة النحویة و اللغویة علی غیر هذا، قال تعالی: وَ یَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَیْرِ [الإسراء: 11] و قال: وَ یَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ [الشوری: 24] و قال: یَوْمَ یَدْعُ الدَّاعِ إِلی شَیْ‌ءٍ نُكُرٍ [القمر: 6] و قال: سَنَدْعُ الزَّبانِیَةَ [العلق: 18] فإنها كتبت فی المصاحف العثمانیة بغیر واو؛ و لذلك سر دقیق، لمن أمعن النظر، و قد قال الشیخ العلامة أبو العباس المراكشی، ما معناه من التوضیح: السر فی ذلك التنبیه علی سرعة وقوع الفعل، و سهولته علی الفاعل، و شدة قبول المنفعل المتأثر به فی الوجود: أما الحذف فی الأول: فللإشارة إلی أن الإنسان یسارع إلی الدعاء بالشر، كما یسارع بالدعاء إلی الخیر، بل إثبات الشر إلیه من جهة ذاته أقرب إلیه من الخیر، و لا سیما عند الغضب، و ثورة النفس. و أما السر فی حذفها فی الثانیة: فالإشارة إلی سرعة ذهاب الباطل، و اضمحلاله. و أما السر فی حذفها فی الثالثة: فالإشارة إلی سرعة الدعاء، و سرعة إجابة الداعین، حینما یطلب منهم ذلك.
و أما السر فی حذفها فی الرابعة: فالإشارة إلی سرعة الفعل و إجابة الزبانیة.
أقول: و فیه أیضا تطابق فی اللفظ بین المتجاورین فقبلها فَلْیَدْعُ نادِیَهُ [العلق: 17] و إشارة إلی أن استجابة الزبانیة أسرع من استجابة نادیه.
و علل المراكشی أیضا لزیادة الواو فی قوله تعالی: (سأوریكم دار الفاسقین) [الأعراف: 145].
و قوله: (سأوریكم آیاتی) [الأنبیاء: 37].
للدلالة علی معنی ظهور معنی الكلمة فی الوجود، مع أعظم رؤیة للعیان، قال:
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 70
و یدل علی ذلك، أن الآیتین جاءتا للتهدید و الوعید.
و علی هذا الغرار: یمكن القول فی زیادة الألف، فی قوله: (و لا أوضعوا خلالكم) [التوبة: 47].
السر فیه: الإیماء إلی أن هؤلاء المعتذرین المتخلفین من المنافقین لو خرجوا معكم لأكثروا من الإیضاع فی الفتنة، و الإیضاع هو الإسراع، و لجاوزوا الحد فی هذا، فتوافق الرسم و المعنی. و فی زیادة الیاء فی «بأییكم» أی: المجنون، الإشارة إلی أن جنون المشركین بلغ الغایة و تجاوز الحد، و أنهم المجانین، لا أنت؛ لأن مثلك یا محمد فی رجاحة عقلك، و عظم أخلاقك، و سمو فضائلك، لا یصح أن یرمی بالجنون، فمن رماه به فقد رجع علی نفسه بالجنون؛ و بذلك یتوافق الرسم و المعنی.
و الكلام فی ظاهره تردید بین أمرین، و هو فی الحقیقة یراد به ما ذكرت، و هو لون من ألوان الحجاج فی القرآن، یدل علی غایة النصفة مع الخصوم، و مثله قوله- سبحانه-: وَ إِنَّا أَوْ إِیَّاكُمْ لَعَلی هُدیً أَوْ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ [سبأ: 24].
مع الیقین أن النبی و أتباعه علی الهدی، و هم الذین فی ضلال بین ظاهر.
و یمكننا أن نقول أیضا فی زیادة الألف آخرا، فی قوله تعالی: تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ یُوسُفَ [یوسف: 85] و الدلالة علی كثرة ذلك، و أن سیدنا یعقوب- علیه السلام- ما كان ینفك عن ذكر یوسف علیه السلام.
و فی قوله: أَ وَ لَمْ یَرَوْا إِلی ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَیْ‌ءٍ یَتَفَیَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْیَمِینِ وَ الشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَ هُمْ داخِرُونَ [النحل: 48].
الدلالة علی كثرة تفیؤ الضلال، و عمومها لكل ذی جرم.
و قوله: وَ أَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِیها وَ لا تَضْحی [طه: 119] الدلالة علی دوام عدم الظمأ، و استمرار الری لمن كان فی الجنة.
و قوله- سبحانه-: قُلْ ما یَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّی لَوْ لا دُعاؤُكُمْ [الفرقان: 77].
المبالغة فی عدم اعتناء اللّه بمن لا یعبده، و لا یتضرع إلیه، و كذلك زیادة الألف فی لفظ الرِّبا؛ لیتوافق الرسم و المعنی: فالربا زیادة بلا مقابل، و هذه الألف أیضا بلا مقابل فی التلفظ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 71
و كذلك زیادة فی الألف بعد الفعل المطروح المعتل الآخر، فی قوله تعالی:
وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِیبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَیْدِیكُمْ وَ یَعْفُوا عَنْ كَثِیرٍ [الشوری: 30] ففیه الإشارة إلی كثرة عفو اللّه و استمراره، و إلا فلو آخذنا اللّه بمعاصینا و آثامنا، لما ترك علی ظهرها من دابة.
فإن قیل: إن بعد هذه بآیات، قوله:
أَوْ یُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَ یَعْفُ عَنْ كَثِیرٍ [الشوری: 34] أما علی قراءة: «و یعف» عطفا علی المجزوم قبله: فحذف الواو ظاهر، و أما قراءة (و یعفو) بالرفع علی الاستئناف بغیر ألف: فذلك لأنه لما كانت حالة الإهلاك بسبب تسلط الأعاصیر علی السفن قلیلة، كان ما یترتب من العفو لیس كثیرا كالأول؛ فلذلك لم یؤت فیها بالألف بعد الواو.
و كذلك قوله: وَ یَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ [النور: 8]، بالألف بعد الواو؛ للإشارة إلی قوة الدرء و الدفع، و استمراره؛ ما دامت الزوجة شهدت الشهادات الخمس:
و حذفت الألف من قوله تعالی: (و الّذین سعوا فی آیاتنا معجزین) [سبأ: 5]؛ للإشارة إلی أنه سعی فی الباطل، لا یصح له ثبات فی الوجود، و لن یحصلوا منه علی طائل، و مثل ذلك: وَ جاؤُ بِسِحْرٍ عَظِیمٍ [الأعراف: 116]، و قوله: جاؤُ ظُلْماً وَ زُوراً [الفرقان: 4] وَ جاؤُ أَباهُمْ عِشاءً یَبْكُونَ [یوسف: 16]؛ وَ جاؤُ عَلی قَمِیصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ [یوسف: 18]، لبیان أن مجیئهم لیس علی وجه صحیح، و یغلب علیه التصنع، و الزور، و كذلك قوله: (و عتو عتوّا كبیرا) [الفرقان: 21]، للإشارة إلی أنه باطل، و لا أثر له یذكر فی الوجود، و حذفوا الألف من معظم الألفاظ الأعجمیة: كإبراهیم، و إسماعیل، و إسحاق، و هارون؛ لأنه حذفت منه الواو، فلم یجحفوا به بحذف ألف أخری.
كذلك زیدت الألف بعد الهمزة، فی قوله تعالی: (إنّی أرید أن تبوأ بإثمی و إثمك) [المائدة: 29]، و قوله: وَ آتَیْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِی الْقُوَّةِ [القصص: 76]، للإشارة فی الأول إلی أنه یبؤ بإثمین من فعل واحد، و للإشارة فی الثانیة إلی كثرة المفاتیح كثرة بها ثقلت، و أثقلتهم، فكأنها ثقلان؛ فصار اللفظ موحیا بهذا المعنی.
و كذلك یمكن أن نقول فی زیادة الیاء فی قوله تعالی: (و إیتای ذی القربی)
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 72
[النحل: 90]، للإشارة إلی أن إیتاء ذوی القربی ینبغی أن یكون ممدودا موصولا، غیر منقطع؛ فیكون فیه تطابق بین اللفظ و المعنی، و فی زیادة الیاء فی قوله تعالی:
(و لقد جاءك من نبإی المرسلین) [الأنعام: 34]؛ للإشارة إلی كثرة ما جاء من أخبار الأنبیاء فی القرآن: من تحمل الأذی البالغ، و الصبر الصابر، حتی جاءهم نصر الله.
و فی قوله: (و من آناء اللیل فسبّح و أطراف النّهار لعلّك ترضی) [طه: 130] للإشارة إلی أنه ینبغی أن یشغل معظم ساعات اللیل بالقیام و التسبیح، فصارت صورة رسم اللفظ موحیة بهذا المعنی، و فی قوله: (أو من ورای حجاب) [الشوری: 51]؛ للإشارة إلی أنه كلام من وراء. فهو وراء فسیح ممدود لا حد له.
و هكذا لا یعدم المتأمل فی الرسم بعقل واع و قلب مستضی‌ء، من أن یقع علی أسرار من أسرار الإعجاز فی الرسم، فلله عظمة هذا القرآن، ما أعظم بركاته!! و ما أكثر أسراره!! لفظا، و معنی، و رسما.
5- إفادة بعض المعانی المختلفة بطریقة واضحة لا خفاء فیها، و ذلك مثل: قطع كلمة: (أم) فی قوله تعالی: أَمْ مَنْ یَكُونُ عَلَیْهِمْ وَكِیلًا [النساء: 109]، و وصلها فی قوله: أَمَّنْ یَمْشِی سَوِیًّا عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ [الملك: 22]: ففصل الأولی فی الرسم؛ للدلالة علی أنها (أم) المنقطعة، و وصل الثانیة: للدلالة علی أنها لیست المنقطعة.

القائلون بأن الرسم اجتهادی:

اشارة

و یری بعض العلماء: أن رسم المصحف أمر اصطلاحی و اجتهادی، لا توقیفی، و ممن ذهب إلی هذا: القاضی أبو بكر الباقلانی، فی كتاب «الانتصار»، و العلامة المؤرخ أبو عبد الرحمن بن خلدون فی مقدمته؛ حیث قال: «إن رسم المصحف كان باصطلاح من الصحابة؛ لأنهم كانوا حدیثی عهد بالكتابة».
و سأقتصر علی نقل مقالة الإمام أبی بكر فی هذا، قال: «و أما الكتابة فلم یفرض اللّه علی الأمة فیها شیئا؛ إذ لم یأخذ علی كتاب القرآن و خطاط المصاحف رسما بعینه دون غیره، أوجبه علیهم و ترك ما عداه؛ إذ وجوب ذلك لا یدرك إلا بالسمع و التوقیت، و لیس فی نصوص الكتاب، و لا مفهومه أن رسم القرآن و ضبطه لا یجوز إلا علی وجه مخصوص، و حد محدود لا یجوز تجاوزه، و لا فی نص السنة ما
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 73
یوجب ذلك و یدل علیه، و لا فی إجماع الأمة ما یوجب ذلك، و لا دلت علیه القیاسات الشرعیة، بل السنة دلت علی جواز رسمه بأی وجه سهل؛ لأن الرسول صلی اللّه علیه و سلم كان یأمر برسمه، و لم یبین لهم وجها معینا، و لا نهی أحدا عن كتابته؛ و لذلك اختلفت خطوط المصاحف، فمنهم من كان یكتب الكلمة علی مخرج اللفظ، و منهم من كان یزید و ینقص؛ لعلمه بأن ذلك اصطلاح و أن الناس لا یخفی علیهم الحال؛ و لأجل هذا بعینه جاز أن یكتب بالحروف الكوفیة، و الخط الأول، و أن یجعل اللام علی صورة الكاف، و أن تعوج الألفات، و أن یكتب علی غیر هذه الوجوه، و جاز أن یكتب المصحف بالخط و الهجاء القدیمین، و جاز أن یكتب بالخطوط- و الهجاء- المحدثة، و جاز أن یكتب بین ذلك».

نقد هذا الرأی:

و لا یعدم الباحث فی الرد علی هذا الرأی أسسا ذكرناها فی أدلة الرأی الأول، رأی القائلین بالتوقیف، فقد قلنا: إن النبی صلی اللّه علیه و سلم أقر الكتاب علی ما كتبوا و التقریر سنة من السنن؛ كما هو معروف فی الأصول، و علوم الحدیث، فكیف یقول: «لا توجد سنة فی هذا؟!» و كذلك قوله: «و لا فی إجماع الأئمة ما یوجب ذلك ...» غیر مسلم أیضا؛ لقیام الإجماع علی الرسم العثمانی، و عدم وجود المخالف، و إلا لنقل هذا و أین هو؟؛ و قد تتابع الصحابة و التابعون و من جاء بعدهم علی ما جاء فی هذه المصاحف، من غیر نكیر له.
و من ثم: یتبین لنا، أن قوله: «و لذلك اختلفت خطوط المصاحف ...» إلخ- غیر مسلم أیضا؛ لأن المقدمات لم تسلم له، فلا تسلم له النتیجة.

(رأی صاحب الذهب الإبریز)

و لعل مما یستحسن ذكره فی هذا المقام؛ لنفاسته و كفایته فی الرد علی القائلین بالاجتهاد فی الرسم- ما ذكره العلامة ابن المبارك، عن شیخه العارف بالله: الشیخ عبد العزیز الدباغ، إذ یقول فی كتابه: «الذهب الإبریز»: و ذلك بعد أن سأله تلمیذه:
ابن المبارك عن الرسم، و ذكر له قول من یری أنه اجتهاد ما نصه:
«ما للصحابة و لا لغیرهم فی رسم القرآن و لا شعرة واحدة، و إنما هو توقیف من النبی صلی اللّه علیه و سلم، و هو الذی أمرهم أن یكتبوه علی الهیئة المعروفة، بزیادة الألف
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 74
و نقصانها؛ لأسرار لا تهتدی إلیها العقول، و هو سر من الأسرار، خص بها اللّه كتابه العزیز، دون سائر الكتب السماویة. و كما أن نظم القرآن معجز، فرسمه أیضا معجز ...»، إلی أن قال: «أما من قال: إن الصحابة اصطلحوا علی أمر الرسم المذكور: فلا یخفی ما فی كلامه من البطلان؛ لأن القرآن كتب فی زمان النبی صلی اللّه علیه و سلم، و بین یدیه؛ و حینئذ فلا یخلو ما اصطلح علیه الصحابة: إما أن یكون هو عین الهیئة، أو غیرها، فإن كان عینها بطل الاصطلاح؛ لأن سبقیة النبی صلی اللّه علیه و سلم تنافی ذلك، و توجب الاتباع، و إن كان غیر ذلك، فكیف یكون النبی صلی اللّه علیه و سلم كتب علی هیئة كهیئة الرسم القیاسی مثلا، و الصحابة خالفوه، و كتبوا علی هیئة أخری؟ فلا یصح ذلك لوجهین:
أحدهما: نسبة المخالفة للصحابة، و ذلك محال.
و ثانیهما: أن سائر الأمة من الصحابة و غیرهم أجمعوا علی أنه لا یجوز زیادة حرف فی القرآن، و لا نقصان حرف منه، و ما بین الدفتین كلام اللّه- عز و جل- فإذا كان النبی صلی اللّه علیه و سلم أثبت ألف «الرحمن» و «العلمین» مثلا، و لم یزد الألف فی «مائة»، و لا فی «و لا أوضعوا»، و نحو ذلك، و الصحابة عاكسوه فی ذلك، و خالفوه- لزم أنهم- و حاشاهم من ذلك- تصرفوا فی القرآن بالزیادة و النقصان، و وقعوا فیما أجمعوا هم و غیرهم علی ما لا یحل لأحد فعله، و لزم تطرق الشك إلی جمیع ما بین الدفتین؛ لأنه مهما جوزنا أن تكون فیه حروف ناقصة أو زائدة علی ما فی علم النبی صلی اللّه علیه و سلم و علی ما عنده، و أنها لیست بوحی، و لا من عند الله، و لا نعلمها بعینها- شككنا فی الجمیع. و إذا جوزنا للصحابی أن یزید فی كتابته حرفا لیس بوحی، لزمنا أن نجوز لصحابی آخر نقصان حرف من الوحی؛ إذ لا فرق بینهما؛ و حینئذ تنحل عروة الإسلام بالكلیة ...». و من أراد استیفاء كلام العلامة الشیخ الدباغ، فلیرجع إلی كتاب: «المدخل لدراسة القرآن الكریم» و كتاب «مناهل العرفان فی علوم القرآن».

رأی وسط

و هو أنه یجوز كتابة بعض المصاحف لعامة الناس علی الاصطلاحات المعروفة الشائعة؛ لأنه أبعد عن اللبس، و الخلط فی القرآن، و لكن یجب فی الوقت نفسه المحافظة علی الرسم العثمانی فی المصاحف الأمهات؛ لأنه أثر من الآثار الإسلامیة
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 75
النفیسة الموروثة عن السلف الصالح، فلا تهمل؛ مراعاة لحال الجاهلین، بل یجب أن تبقی؛ لأجل العلماء العارفین، الذین لا تخلو منهم الأرض، و إلی هذا الرأی ذهب الإمام عز الدین بن عبد السلام، و تابعه صاحب البرهان، قال صاحب التبیان:
«و أما كتابته- أی: المصحف علی ما أحدث الناس من الهجاء- فقد جری علیها أهل المشرق؛ بناء علی كونها أبعد عن اللبس، و تحاشاها أهل المغرب؛ بناء علی قول الإمام مالك، و قد سئل: هل یكتب المصحف علی ما أحدث الناس من الهجاء؟ فقال: «لا، إلا علی الكتابة الأولی»، قال فی البرهان: «قلت: و هذا كان فی الصدر الأول، و العلم حی غض، و أما الآن فقد یخشی الالتباس؛ و لذلك قال الشیخ عز الدین بن عبد السلام: لا تجوز كتابة المصحف إلا علی المرسوم الأول، باصطلاح الأئمة؛ لئلا یوقع فی تغییر من الجهال، و لكن لا ینبغی إجراء هذا علی إطلاقه؛ لئلا یؤدی إلی دروس العلم، و شی‌ء أحكمه القدماء لا یترك؛ مراعاة لجهل الجاهلین، و لن تخلو الأرض من قائم لله بالحجة».
و هذا الرأی وسط بین الرأیین الأولین؛ لأنه یقوم علی رعایة الاحتیاط للقرآن، و تنزیه ساحته عن التغییر و التبدیل، بالإبقاء علی الرسم العثمانی، الذی هو الأصل فی المصاحف الأمهات، و علیها یعول المسلمون فی كل قطر من جهة؛ و رعایة حال جمهور المسلمین الذین یتعذر علیهم قراءة القرآن من المصاحف المكتوبة علی الرسم العثمانی، و التیسیر علیهم من جهة أخری. و القائل بهذا الرأی الوسیط لیس رجلا مغمورا بین العلماء، أو مطعونا فی دین أو خلق، و إنما هو الضلیع، الآمر بالمعروف، و الناهی عن المنكر، و صاحب المواقف المشهورة مع الملوك و السلاطین و الأمراء، و الذی لقب بحق، بسلطان العلماء: العز بن عبد السلام.
و فی الحق: أن طلاب المعاهد و المدارس یجدون حرجا فی هذا؛ لأن معظمهم یتلقی القرآن من المصاحف، لا من أفواه المقرئین، كما هی السنة، بل كثیر من المدرسین- غیر العارفین بالرسم العثمانی- قد یتعذر علیه قراءته من المصحف قراءة صحیحة، و كثیرا ما نسمع فی هذا مضحكات مبكیات!!.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 76

شبه أثیرت حول كتابة القرآن و رسمه‌

من دأب القساوسة و المستشرقین أن یتلمسوا المطاعن فی القرآن الكریم، من ناحیة جمعه، أو من ناحیة كتابته و رسمه المجمع علیه فی المصاحف العثمانیة، التی نقل ما فیها بالتواتر المفید للقطع و الیقین. و الذی یعنینا فی هذا المقام: ما أوردوه من شبه حول كتابة القرآن و رسمه، و كل ما أوردوه یرجع إلی روایات باطلة مزورة، اختلقها أعداء الإسلام من قدیم، و نسبوها إلی السلف الصالح كذبا و زورا؛ كی تحظی بالقبول عند من لا یعلمون؛ و إما إلی اعتراضات أوردها المؤلفون فی علوم القرآن، و أجابوا عنها بما یقنع و یشفی، و یا لیتهم ما فعلوا؛ لأن المبشرین و المستشرقین اتخذوا منها مستندا للطعن فی القرآن، و كان همهم إیراد الشبه، و تعمد السكوت عن الجواب، بل صاروا ینفخون فی هذه الروایات، و یزیدون فیها، و یعیدون؛ لأنها صادفت هوی فی نفوسهم، حتی صیروا من الحبة قبة، و قد تابعهم بعض أبواقهم من المسلمین الذین لیس لهم من الثقافة الدینیة و المعارف القرآنیة، ما یحصنهم ضد هذه السموم التی نفثوها باسم العلم، و البحث الحر، و ما هی من العلم، و لا البحث النزیه فی شی‌ء، و قد قیض اللّه لهذه الشبه و السموم من علماء المسلمین من زیفها، و بیّن بطلانها، و لن یخلی اللّه الأرض من علماء یقومون بالحق، و یدافعون عن هذا الدین، و ینفون عنه تحریف الغالین، و انتحال المبطلین، و تأویل الجاهلین، و لا یتسع المقام لسرد كل هذه الشبه، و الرد علیها، و لكن سنكتفی بالإشارة إلی بعضها:
1- فمن ذلك: ما زعموا: أن سیدنا عثمان- رضی اللّه عنه- حین عرض علیه المصحف، قال: (أحسنتم، و أجملتم، إن فی القرآن لحنا، ستقیمه العرب بألسنتها)، و نسب هذا القول إلی عكرمة، و غرضهم بهذا: التشكیك فی الثقة بهذه المصاحف العثمانیة.
و الجواب: أن ما روی فی هذا ضعیف الإسناد، و فیه انقطاع فی السند، و غالبا یكون البلاء من المحذوف؛ للتمویه و الخداع، و عكرمة لم یسمع من عثمان أصلا.
ثم إن فیما روی اضطرابا و تناقضا نجلّ الخلیفة الثالث عنه، و صدر الكلام یناقض آخره، و كیف یجوز فی العقول أن یمدحهم علی وجود اللحن؟ ثم إن سیرة عثمان
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 77
فی العنایة بالمصحف، و طریقته فی التحوط البالغ عند كتابة المصاحف- ترد كل هذه الأباطیل، و لو فرضنا أن عثمان تساهل فی إصلاح اللحن، أ فیدعه جمهور المسلمین، دون أن یصححوه، و هم الذین لا یخشون فی الحق لومة لائم؟! و لقد كانوا ینكرون علی الخلفاء فیما دون هذا، فكیف یسكتون علی مثل هذا؟! الحق أنها روایات متهافتة، لا تعارض الثابت فی المصاحف، المنقول نقل الجماعة عن الجماعة، حتی وصل إلینا.
2- و من ذلك، ما قیل: إن سعید بن جبیر كان یقرأ: وَ الْمُقِیمِینَ الصَّلاةَ [النساء: 162]، و یقول: هو من لحن الكتاب.
و الجواب: أن هذه الروایة إن صحت عن سعید، فمراده باللحن اللغة، و هو أحد معانی اللحن؛ كما فی القاموس، و غیره: من كتب اللغة، و لو كان یرید باللحن الخطأ، لما قرأ به، و كیف یقرأ بحرف یری أنه خطأ؟! و قد قرئت هذه الكلمة بقراءتین سبعیتین: قرأ الجمهور بالنصب، و قرأ غیر الجمهور بالرفع، أما الرفع فظاهر؛ لأنه معطوف علی ما قبله، و أما النصب فعلی الاختصاص للمدح؛ لبیان فضل الصلاة و منزلتها من شرائع الدین، أی: أخص أو أمدح المقیمین الصلاة، و لهذا الأسلوب فی لغة العرب شواهد، لا یحصیها العد، و قد عقد له سیبویه فی «الكتاب» بابا، و یعجبنی فی هذا المقام، ما قاله إمام من أئمة العربیة و التفسیر، و هو الإمام الزمخشری، فی تفسیره قال: (و لا نلتفت إلی ما زعموا: من وقوعه لحنا فی خط المصحف، و ربما التفت إلیه من لم ینظر فی الكتاب، و لم یعرف مذاهب العرب، و ما لهم فی النصب علی الاختصاص، و خفی علیه أن السابقین الأولین الذین مثلهم فی التوراة و الإنجیل، كانوا أبعد همة فی الغیرة علی الإسلام، و ذب المطاعن عنه، من أن یتركوا فی كتاب اللّه ثلمة؛ لیسدها من بعدهم، و خرقا یرفوه من یلحق بهم. و نحو هذا ألفاظ أثیر حولها الطعون، و هی مخرجة علی لغات فصیحة من لغات العرب، و قد شاء اللّه أن یكون فی القرآن لغات من غیر لغة قریش؛ لأن القرآن للعرب جمیعا، لا لقریش فحسب.
3- قالوا: روی عن ابن عباس فی قوله تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُیُوتاً غَیْرَ بُیُوتِكُمْ حَتَّی تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلی أَهْلِها [النور: 27]، أنه قال: إن الكاتب أخطأ، إنما هو «تستأذنوا»، و قالوا: إن هذا یدل علی أن القرآن دخله بعض التحریف و التبدیل؛ بسبب الكتابة.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 78
و الجواب: أن القول مدسوس علی ابن عباس، دسه الملاحدة و الزنادقة، و لا یصح هذا عنه قط، و قد تنبه أئمة التفسیر إلی هذا، و زیفوه، منهم أبو حیان فی «البحر المحیط»، حیث قال: «إن من روی عن ابن عباس أنه قال ذلك، فهو طاعن فی الإسلام، ملحد فی الدین، و ابن عباس بری‌ء من هذا القول»؛ و الزمخشری فی تفسیره، حیث قال: «إنه لا یعول علی هذه الروایة». و قال القرطبی فی تفسیره:
«و هذا غیر صحیح، عن ابن عباس و غیره؛ فإن مصاحف الإسلام كلها قد ثبت فیها:
حَتَّی تَسْتَأْنِسُوا، و صح الإجماع فیها، لدی مدة عثمان؛ فهی التی لا یجوز خلافها، و إطلاق الخطأ و الوهم علی الكتاب فی لفظ أجمع الصحابة علیه قول لا یصح عن ابن عباس ...» و هذه الروایة الضعیفة رواها ابن جریر، و لا یخلو إسناده من مدلس أو مضعف، و لا یخلو تفسیره من الروایات الضعیفة، و الباطلة؛ و رواها الحاكم و صححها، و لكن تصحیح الحاكم غیر معتبر عند أئمة من المحدثین، و قد تعقبه الإمام الذهبی فی نحو مائة حدیث فی «مستدركه»، و هی موضوعة، فضلا عما فیه من الضعیف و الواهی الساقط عن الاحتجاج به.
و یرد هذه الروایة الضعیفة- الذی یغلب علی ظنی أنها مدسوسة علیه- أنه ورد عنه تفسیر «تستأنسوا» بقوله: «تستأذنوا ممن یملك الإذن من أصحابها»، فثبوت هذا یرد ما ألصق به، و لعل الراوی عن ابن عباس- إن صحت روایته- و هم و غلط، حیث فهم من تفسیر الاستئناس بالاستئذان أنه الصواب؛ فروی الخبر علی ما ظن، و هو غالط.
و قد أجمع القراء السبعة علی لفظ: «تستأنسوا»، و من المستبعد جدا أن یقرأ ابن عباس بقراءة یكون الإجماع علی خلافها، و لا سیما أنه أخذ القراءة عن زید بن ثابت، و هو عمدة الذین جمعوا القرآن فی المصاحف، بأمر سیدنا عثمان- رضی اللّه عنه- و أیضا فالقراءة المتواترة: «تستأنسوا» متمكنة فی باب الإعجاز، من القراءة المزعومة.
و أحب أن أنبه هنا: أن بعض الصحابة، كان یقرأ الكلمة علی وجه التفسیر و البیان؛ فیظن من لا یعرف الحقیقة أنها قراءة، و من هنا دخل الخلط فی بعض المرویات عنهم.
و كذلك كل ما روی عن ابن عباس، و غیره، فی مخالفة النص القرآنی الثابت
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 79
بالتواتر و المكتوب بإجماع من الصحابة- فاضرب به عرض الحائط، و ألقه دبر أذنیك، فحقیقة هذه المرویات أنها ضعیفة، أو موضوعة، و علی فرض التسلیم بصحة بعضها، فالصحیح الآحادی، مهما بلغ، لا یعارض المتواتر الذی نقله جمع كثیر، تحیل العادة تواطؤهم علی الكذب، و إفادة التواتر للیقین- قاعدة مقررة عند ذوی العقول، لا یختص بملة دون ملة.
و بحسبنا هذا القدر، و من أراد استیفاء لكل ما روی فی هذا، و رده ردا علمیا أصیلا- فلیرجع إلی كتاب: «المدخل لدراسة القرآن الكریم».
و بعد: فإن هذا القرآن الكریم، كما هو فی المصاحف العثمانیة، و كما هو فی مصاحفنا التی هی صورة حقیقیة لها- هو ما أنزله اللّه علی نبینا، و سیدنا محمد- صلوات اللّه و سلامه علیه- و أن كل ما یخالف هذا الذی أجمع علیه الصحابة مردود باطل، و سیبقی هذا القرآن العظیم قطب الإسلام التی تدور علیه الثقافة الإسلامیة الأصیلة، ما بقی مسلم علی وجه الأرض، و سیستمر مشغلة الفكر الإنسانی، و أعظم الأسس فی بناء الثقافة الإنسانیة الرفیعة، و قد ضمن له اللّه- سبحانه- البقاء و الخلود؛ مصداقا لقول الحق- تبارك، و تعالی-: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9] صدق اللّه العظیم، و بلغ رسوله الأمین «1».
______________________________
(1) ینظر بحوث قرآنیة المؤتمر السادس ص (147- 157).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 80

[الكلام حول المصنف و كتابه]

أولا- ترجمة المصنف:

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم‌

- اسمه و نسبه:

هو عبد الواحد بن محمد بن علی بن أبی السداد، أبو محمد المالكی الباهلی الأندلسی، الشهیر بالمالقی؛ نسبة إلی مدینة «مالقة» بالأندلس «1».
و إذا كانت كتب التراجم المختلفة قد ذكرت نسب مصنفنا فإنها أغفلت تماما تاریخ مولده، و سكتت عن أخبار نشأته الأولی، بید أن الراجح لدینا أنه ولد فی نهایة القرن السادس الهجری، یدلنا علی ذلك روایته لكتاب «التیسیر» لأبی عمرو الدانی- و الذی قام بشرحه فیما بعد- عن أبی الحجاج یوسف بن إبراهیم، و أبو الحجاج هذا توفی سنة 599 ه.

- تكوینه العلمی و ثناء العلماء علیه:

إن البیئة العلمیة الخصبة التی نشأ فیها عبد الواحد المالقی أتاحت له أن ینهل من ینابیع علمیة كثیرة، أسهمت فی بناء شخصیته العلمیة بناء متمیزا كان خلیقا أن یحمل المبرّزین من العلماء علی الشهادة له و الثناء علیه ثناء ینبئ عن مكانته العلمیة الممتازة فی الأندلس؛ فقال عنه أبو حیان «صاحبنا الأستاذ المقرئ النحوی» «2»، و قال عنه ابن الجزری: «أستاذ كبیر، شرح كتاب «التیسیر» شرحا حسنا أفاد فیه و أجاد» «3».

- أخلاقه:

شهد من ترجم للمالقی من العلماء بحسن الخلق و محاسن الشیم إلی جانب رسوخ قدمه فی العلوم التی اشتغل بها، و بحسبنا أن نذكر قول ابن الخطیب عنه:
«كان- رحمه الله- بعید المدی، منقطعا فی الدین المتین و الصلاح، و سكون النفس، و لین الجانب و التواضع، و حسن الخلق، إلی وسامة الصورة و ملاحة الشیبة
______________________________
(1) تنظر ترجمته فی: بغیة الوعاة (2/ 121، 122)، غایة النهایة فی طبقات القراء (1/ 477)، الإحاطة فی أخبار غرناطة (3/ 553، 554).
(2) ینظر بغیة الوعاة (2/ 122).
(3) ینظر غایة النهایة فی طبقات القراء (1/ 477).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 81
و طیب القراءة، مولی النعمة علی الطلبة من أهل بلده، أستاذا حافلا متفننا، مضطلعا، إماما فی القراءات، حائزا فضل السبق إتقانا، و أداء و معرفة، و روایة و تحقیقا، ماهرا فی صناعة النحو، فقیها أصولیّا، حسن التعلیم، مستمر القراءة ...» «1»

- شیوخه:

تلقی عبد الواحد المالقی العلم علی طائفة من شیوخ العصر المبرّزین و علمائه النابهین، نذكر منهم:
* أبا الحجاج یوسف بن إبراهیم بن یوسف الأنصاری بن أبی ریحانة المالكی الشهیر بالمیریلی، المتوفّی سنة 599 ه، و عنه روی كتاب «التیسیر» لأبی عمرو الدانی.
* محمد بن أحمد بن عبید الله بن العاصی أبا بكر التجیبی الإشبیلی المتوفی سنة 666 ه، و عنه روی المالقی كتاب «الكافی».
* أبا الولید إسماعیل بن یحیی بن إسماعیل الأزدی الغرناطی الشهیر بالعطار، المتوفی سنة 668 ه. و عنه روی المالقی كتاب «التبصرة» بالإجازة.
* القاضی الخطیب أبا علی الحسین بن عبد العزیز بن محمد بن أبی الأحوص، الأستاذ المجود أبا علی الجیانی الأندلسی الفهری المعروف بابن الناظر، قاضی «المریة» و «مالقة»، المتوفی سنة 680 ه، و عنه روی «الشاطبیة».
* القاسم بن أحمد بن حسن أبا القاسم الحجری الشهیر بالسكونی المتوفی سنة 690 ه.

- تلامیذه:

تلمذ لعبد الواحد المالقی عدد غیر قلیل من الطلاب النابهین، نذكر منهم:
* أحمد بن الحسن بن علی بن الزیات الكلاعی المالقی، و یعرف بالزیات أبی جعفر، و هو مقرئ أدیب خطیب متصوف. توفی سنة 728 ه، و من مؤلفاته «المقام المخزون فی الكلام الموزون»، و «العقیدة» المسماة ب «الشرف الأصفی فی المأرب الأوفی»، و «لذة السمع فی القراءات السبع».
______________________________
(1) ینظر الإحاطة فی أخبار غرناطة (3/ 553)، بغیة الوعاة (2/ 121).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 82
* محمد بن عبد الله بن منظور القیسی أبا بكر، أدیب ناظم ناثر، من آثاره:
«نفحات الشوك و عیون التبر المسبوك فی أشعار الخلفاء و الوزراء و الملوك»، «السحب الداكنة»، «إحصاء الأخلاق».

- كتبه و آثاره العلمیة:

تخبرنا كتب التراجم المختلفة أن للمالقی مصنفات أخری فی الفقه و القراءات و القرآن، غیر كتابه «الدر النثیر و العذب النمیر» بید أنها تكتفی بهذه الإشارة العارضة دون أن تذكر لنا أسماءها و عناوینها و ما تشتمل علیه، فمن ذلك مثلا ما قاله ابن الخطیب: شرح «التیسیر» فی القراءات، و له توالیف غیره فی القراءات و الفقه» «1»، و قال السیوطی: شرح «التیسیر» فی القراءات، و له غیر ذلك فی القراءات و الفقه» «2».
نستنبط مما سبق أن كتاب «الدر النثیر و العذب النمیر» هو الكتاب الوحید الذی نعرفه للمالقی.

- وفاته:

أجمعت كتب التراجم المختلفة التی ترجمت لابن أبی السداد المالقی أنه توفی سنة 705 ه.
______________________________
(1) ینظر: الإحاطة فی أخبار غرناطة (3/ 554).
(2) ینظر: بغیة الوعاة (2/ 121).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 83

أبو عمرو الدانی «1»

الإمام الحافظ، المجود المقرئ، الحاذق، عالم الأندلس، أبو عمرو، عثمان ابن سعید بن عثمان بن سعید بن عمر الأموی، مولاهم الأندلسی، القرطبی ثم الدانی، و یعرف قدیما بابن الصیرفی، مصنف «التیسیر» و «جامع البیان»، و غیر ذلك.
ذكر أن والده أخبره أن مولدی فی سنة إحدی و سبعین و ثلاثمائة، و قال عن طلبه للعلم: فابتدأت بطلب العلم فی أول سنة ست و ثمانین، و رحلت إلی المشرق سنة سبع و تسعین، فمكثت بالقیروان أربعة أشهر، ثم توجهت إلی مصر، فدخلتها فی شوال من السنة، فمكثت بها سنة و حججت.
قال: و رجعت إلی الأندلس فی ذی القعدة سنة تسع، و خرجت إلی الثغر فی سنة ثلاث و أربعمائة، فسكنت سرقسطة سبعة أعوام، ثم رجعت إلی قرطبة.
قال: و قدمت دانیة سنة سبع عشرة و أربعمائة.
قال الذهبی: فسكنها حتی مات.
سمع أبا مسلم محمد بن أحمد الكاتب، صاحب البغوی، و هو أكبر شیخ له، و أحمد بن فراس المكی، و عبد الرحمن بن عثمان القشیری الزاهد، و عبد العزیز ابن جعفر بن خواستی الفارسی، نزیل الأندلس، و خلف بن إبراهیم بن خاقان المصری، و تلا علیهما، و حاتم بن عبد الله البزاز، و أحمد بن فتح بن الرسّان، و محمد بن خلیفة بن عبد الجبار، و أحمد بن عمر بن محفوظ الجیزی، و سلمة ابن سعید الإمام، و سلمون بن داود القروی، و أبا محمد بن النحاس المصری، و علی بن محمد بن بشیر الربعی، و عبد الوهاب بن أحمد بن منیر، و محمد ابن عبد الله بن عیسی الأندلسی، و أبا عبد الله بن أبی زمنین، و أبا الحسن علی ابن محمد القابسی، و عدة.
و تلا أیضا علی أبی الحسن طاهر بن غلبون، و أبی الفتح فارس بن أحمد الضریر، و سمع سبعة ابن مجاهد من أبی مسلم الكاتب بسماعه منه، و صنف التصانیف المتقنة السائرة.
حدث عنه و قرأ علیه عدد كثیر، منهم: ولده أبو العباس، و أبو داود سلیمان ابن أبی القاسم نجاح، و أبو الحسن علی بن عبد الرحمن بن الدّش، و أبو الحسین یحیی ابن أبی زید بن البیاز، و أبو الذواد مفرج الإقبالی، و أبو بكر محمد بن المفرج
______________________________
(1) عن سیر أعلام النبلاء (18/ 77، 83)، و ینظر معرفة القراء الكبار (1/ 325)، و غایة النهایة (1/ 503).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 84
البطلیوسی، و أبو بكر بن الفصیح، و أبو عبد الله محمد بن مزاحم، و أبو علی الحسین بن محمد بن مبشر، و أبو القاسم خلف بن إبراهیم الطلیطلی، و أبو عبد الله محمد بن فرج المغامی، و أبو إسحاق إبراهیم بن علی، نزیل الإسكندریة، و أبو القاسم بن العربی، و أبو عبد الله محمد بن عیسی بن الفرج التجیبی المغامی، و أبو تمام غالب بن عبید الله القیسی، و محمد بن أحمد بن سعود الدانی، و خلف ابن محمد المریی بن العریبی، و خلق كثیر.
و روی عنه بالإجازة: أحمد بن محمد الخولانی، و أبو العباس أحمد بن عبد الملك بن أبی جمرة المرسی، خاتمة من روی عنه فی الدنیا، و عاش بعده سبعا و ثمانین سنة، و هذا نادر و لا سیما فی المغرب.
قال المغامی: كان أبو عمرو مجاب الدعوة، مالكی المذهب.
و قال الحمیدی: هو محدث مكثر، و مقرئ متقدم، سمع بالأندلس و المشرق.
قلت: المشرق فی عرف المغاربة مصر و ما بعدها من الشام و العراق، و غیر ذلك، كما أن المغرب فی عرف العجم و أهل العراق أیضا مصر، و ما تغرب عنها.
قال أبو القاسم بن بشكوال: كان أبو عمرو أحد الأئمة فی علم القرآن روایاته و تفسیره و معانیه، و طرقه و إعرابه، و جمع فی ذلك كله توالیف حسانا مفیدة، و له معرفة بالحدیث و طرقه، و أسماء رجاله و نقلته، و كان حسن الخط، جید الضبط، من أهل الذكاء و الحفظ، و التفنن فی العلم، دینا فاضلا، و رعا سنیا.
و فی فهرس ابن عبید الله الحجری قال: و الحافظ أبو عمرو الدانی، قال بعض الشیوخ: لم یكن فی عصره و لا بعد عصره أحد یضاهیه فی حفظه و تحقیقه، و كان یقول: ما رأیت شیئا قط إلا كتبته، و لا كتبته إلا و حفظته، و لا حفظته فنسیته. و كان یسأل عن المسألة مما یتعلق بالآثار و كلام السلف، فیوردها بجمیع ما فیها مسندة من شیوخه إلی قائلها.
قال الذهبی: إلی أبی عمرو المنتهی فی تحریر علم القراءات، و علم المصاحف، مع البراعة فی علم الحدیث و التفسیر و النحو، و غیر ذلك.
ألف كتاب «جامع البیان فی السبع» ثلاثة أسفار فی مشهورها و غریبها، و كتاب «التیسیر»، و كتاب «الاقتصاد» فی السبع، و «إیجاز البیان» فی قراءة ورش، و «التلخیص» فی قراءة ورش أیضا، و «المقنع» فی الرسم، و كتاب «المحتوی فی القراءات الشواذ»، فأدخل فیها قراءة یعقوب و أبی جعفر، و كتاب «طبقات القراء» فی
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 85
مجلدات، و «الأرجوزة فی أصول الدیانة»، و كتاب «الوقف و الابتداء»، و كتاب «العدد» و كتاب «التمهید فی حرف نافع» مجلدان، و كتاب «اللامات و الراءات» لورش، و كتاب «الفتن الكائنة»، مجلد یدل علی تبحره فی الحدیث، و كتاب «الهمزتین» مجلد، و كتاب «الیاءات» مجلد، و كتاب «الإمالة لابن العلاء» مجلد.
و له توالیف كثیرة صغار فی جزء و جزءین.
و قد كان بین أبی عمرو، و بین أبی محمد بن حزم وحشة و منافرة شدیدة، أفضت بهما إلی التهاجی، و هذا مذموم من الأقران، موفور الوجود. نسأل الله الصفح.
و أبو عمرو أقوم قیلا، و أتبع للسنة، و لكن أبا محمد أوسع دائرة فی العلوم.
بلغت توالیف أبی عمرو مائة و عشرین كتابا.
و هو القائل فی أرجوزته السائرة:
تدری أخی أین طریق الجنةطریقها القرآن ثم السنه
كلاهما ببلد الرسول‌و موطن الأصحاب خیر جیل
فاتّبعن جماعة المدینةفالعلم عن نبیهم یروونه
و هم فحجة علی سواهم‌فی النقل و القول و فی فتواهم
و اعتمدن علی الإمام مالك‌إذ قد حوی علی جمیع ذلك
فی الفقه و الفتوی إلیه المنتهی‌و صحة النقل و علم من مضی و منها:
و حكّ ما تجد للقیاس‌داود فی دفتر أو قرطاس
من قوله إذ خرق الإجماعاو فارق الأصحاب و الأتباعا
و اطرح الأهواء و المراءو كل قول ولد الآراء و منها:
و من عقود السنة الإیمان‌بكل ما جاء به القرآن
و بالحدیث المسند المروی‌عن الأئمة عن النبی
و أن ربنا قدیم لم یزل‌و هو دائم إلی غیر أجل و منها:
كلم موسی عبده تكلیماو لم یزل مدبرا حكیما
كلامه و قوله قدیم‌و هو فوق عرشه العظیم
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 86 و القول فی كتابه المفصل‌بأنه كلامه المنزل
علی رسوله النبی الصادق‌لیس بمخلوق و لا بخالق
من قال فیه: إنه مخلوق‌أو محدث فقوله مروق
و الوقف فیه بدعة مضله‌و مثل ذاك اللفظ عند الجلّه
كلا الفریقین من الجهمیةالواقفون فیه و اللفظیة
أهون بقول جهم الخسیس‌و واصل و بشر المریسی
ذی السخف و الجهل و ذی العنادمعمر و ابن أبی دؤاد
و ابن عبید شیخ الاعتزال‌و شارع البدعة و الضلال
و الجاحظ القادح فی الإسلام‌و جبت هذی الأمة النظّام
و الفاسق المعروف بالجبّائی‌و نجله السفیه ذی الخناء
و اللاحقی و أبی هذیل‌مؤیدی الكفر بكل ویل
و ذی العمی ضرار المرتاب‌و شبههم من أهل الارتیاب
و بعد فالإیمان قول و عمل‌و نیة عن ذاك لیس ینفصل
فتارة یزید بالتشمیرو تارة ینقص بالتقصیر
و حب أصحاب النبی فرض‌و مدحهم تزلف و فرض
و أفضل الصحابة الصدّیق‌و بعده المهذب الفاروق و منها:
و من صحیح ما أتی به الخبرو شاع فی الناس قدیما و انتشر
نزول ربنا بلا امتراءفی كل لیلة إلی السماء
من غیر ما حد و لا تكییف‌سبحانه من قادر لطیف
و رؤیة المهیمن الجبارو أننا نراه بالأبصار
یوم القیامة بلا ازدحام‌كرؤیة البدر بلا غمام
و ضغطة القبر علی المقبورو فتنة المنكر و النكیر
فالحمد لله الذی هدانالواضح السنة و اجتبانا و هی أرجوزة طویلة جدا.
مات أبو عمرو منتصف شوال سنة أربع و أربعین و أربعمائة، و دفن لیومه بعد العصر بمقبرة دانیة، و مشی سلطان البلد أمام نعشه، و شیعه خلق عظیم، رحمه الله تعالی.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 87

ثانیا- مصادر عبد الواحد المالقی فی شرحه «الدر النثیر»

[اولا المصادر الاولیة]

إن من یطالع ترجمة عبد الواحد المالقی فی مظانها یره عالما موسوعیا قد ضرب فی كل علم بسهم، و أخذ من كل فن بطرف، جاریا فی ذلك علی عادة العلماء الأقدمین من حیث كثافة التكوین العلمی و غزارة المحصول المعرفی، و حسبنا دلیلا علی تلك الموسوعیة ما خلفه من مصنفات فی الفقه و القراءات و القرآن- كما تذكر مصادر ترجمته- لم یصل إلینا منها سوی كتابه الذی بین أیدینا «الدر النثیر و العذب النمیر فی شرح كتاب التیسیر».
و من الأمور التی لا تحتاج إلی طویل جدال و منازعة أن یتأثر العالم بتكوینه الأول، و تظهر فی مؤلفاته آیات ثقافته و أمارات نشأته العلمیة إما ثراء و اتساعا، و إما فقرا و ضیقا، و لم یشذ شیخنا عبد الواحد المالقی فی كتابه عن هذا السنن العلمی الذی غدا بمثابة البدیهیة التی یعرفها كل مشتغل بالعلوم و الآداب، فلا غرو أن تنوعت مصادر ابن أبی السداد، و تعددت موارده التی بنی علیها شرحه و استقی منها مادته العلمیة، فهی تارة كتب للقراءات و تارة أخری كتب للنحو و اللغة.
و طبیعی أن تتفاوت قیمة هذه المصادر بالنسبة للمالقی، و تتباین مرتبتها لدیه تقدیما و تأخیرا، فیكثر اعتماده علی مصادر تكون من شرحه بمثابة الأصول أو الموارد الرئیسیة، فی حین یقل تعویله علی كتب أخری؛ لأنها تمثل لدیه مصادر ثانویة لیس معقولا أن یكثر رجوعه إلیها.
و یأتی فی مقدمة مصادره الرئیسیة أو الأصول:
1- القرآن الكریم، و هو أمر تقتضیه طبیعة العلم الذی یصنف فیه و هو علم القراءات.
2- أما كتب القراءات التی أكثر من الرجوع إلیها و الأخذ عنها فقد أشار إلیها فی مقدمته حیث یقول:
«فدونك زیّا من الدر النثیر، و ریا من العذب النمیر، فی شرح مشكلات و قید مهملات، و حل مغلقات، اشتمل علیها كتاب «التیسیر»، متبعا بالموافقة و المخالفة علی الأسلوب الوافی بین كتاب «التبصرة» و الكتاب «الكافی»».
إذن فثمة مصادر ثلاثة رئیسیة أكثر المالقی من الرجوع إلیها فی شرحه، و هی:
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 88
أ- كتاب «التیسیر» فی القراءات السبع لأبی عمرو عثمان بن سعید الدانی (المتوفی سنة 444 ه).
ب- كتاب «التبصرة» لأبی محمد مكی بن أبی طالب القیسی (المتوفی سنة 437 ه).
ج- كتاب «الكافی» لأبی عبد الله محمد بن شریح بن أحمد بن محمد بن شریح الرعینی (المتوفی سنة 476 ه).
و لا عجب أن یمثل كتاب التیسیر لأبی عمرو الدانی الأساس الأول لكتاب ابن أبی السداد؛ إذ هو شرح له و توضیح لمشكله و بیان لغامضه.
و ثمة كتب أخری لأبی عمرو الدانی رجع إلیها عبد الواحد المالقی فی شرحه و هی:
- كتاب «إیجاز البیان فی قراءة ورش».
- كتاب «جامع البیان».
- كتاب «المقنع فی معرفة رسم مصاحف الأمصار».
- كتاب «التحبیر».
أما كتاب «التبصرة» الذی استعان به المالقی فی شرحه «التیسیر» فهو فقد اعتمد به علی توضیح بعض مشكلات كتاب «التیسیر».
و أما كتاب «الكافی» فقد عول علیه فی توضیح بعض المسائل التی قد یصعب فهمها و استیعابها من كتاب «التیسیر»، مع عقد موازنة بینه و بین ما جاء فی كتابی «التیسیر» للدانی و «التبصرة» لمكی بن أبی طالب مع الترجیح و التعلیل.
3- و لم یغفل عبد الواحد المالقی الإفادة من كتب اللغة؛ إذ الرحم موصولة بینها و بین علم القراءات، و یعد كتاب سیبویه فی مقدمة الكتب اللغویة التی اعتمد علیها فی توضیح الظواهر اللغویة التی عالجها فی شرحه.
- و من الكتب اللغویة التی لجأ إلیها المالقی أیضا:
- كتاب «العین» للخلیل بن أحمد، و هو معجم كان یرجع إلیه لتفسیر الألفاظ و بیان معانیها و اشتقاقاتها.
- كتاب «معانی القرآن» لأبی زكریا یحیی الفراء.
- كتاب «الاقتضاب فی شرح أدب الكتاب» لابن السّید البطلیوسی.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 89

ثانیا- المصادر الثانویة:

و یقصد بها تلك المصادر التی لم یكثر المالقی من الرجوع إلیها و الإفادة منها، و هی مصادر تنتمی إلی علوم شتی:
- فمن المصادر الثانویة التی اعتمدها من كتب القراءات- و أكثرها للدانی-:
- «الإیضاح» لأبی عمرو الدانی.
- «التفصیل» لأبی عمرو الدانی.
- «التمهید لاختلاف قراءة نافع» لأبی عمرو الدانی.
- «الروضة» لأبی العباس محمد بن یعقوب المعروف بالمعدل (ت 330 ه).
- كتاب «شرح الهدایة» لأبی العباس أحمد بن عمار المهدوی (ت 430 ه).
و كذلك استعان المالقی ببعض كتب من علم الحدیث، منها: صحیح البخاری، سنن أبی داود، سنن الترمذی، المستدرك للحاكم.

ثالثا- المنهج المتبع:

اشارة

سبق أن أشرنا إلی أن ابن أبی السداد قد أفاد- فیما یتصل بمادة شرحه و مصادره العلمیة- من كتب القراءات الأخری- و هی لیست بالقلیلة- و ألمحنا إلی أهم هذه المصنفات التی اعتمد علیها، و أما فیما یتصل بالمنهج الذی احتذاه و بنی كتابه علی مثاله فهو ثمرة إدمان النظر فی هذه الكتب و التوسع فی درسها و فهمها.
و نظن أن ابن أبی السداد قد أراد من خلال انتقائه لكتاب «التیسیر» للدانی- لیقوم بشرحه- قد أراد أن ینزل هذا الكتاب منزله اللائق به بین كتب علم القراءات، و أن یتدارك النقص الذی لحقه فی شروح من سبقوه، و لعله أدرك أن علة النقص فی هذه الشروح تكمن فی المنهج الذی سلكه أصحابها، فرام المالقی أن یبتدع فی شرحه منهجا یتحاشی فیه مثالب المناهج السابقة علیه و عیوبها، و فی الوقت نفسه ینتفع بما عسی أن تشتمل علیه من مزایا و جوانب إیجابیة.

أ- تقسیم الكتاب و ترتیبه:

قام المالقی بتقسیم كتابه إلی أبواب- متبعا فی ذلك أبا عمرو الدانی فی «التیسیر»- علی النحو التالی: باب الاستعاذة، باب البسملة، باب الإدغام الكبیر، باب هاء الكنایة ... إلخ.
و قد أوضح المالقی فی فصل عقده لذلك أسماه «تهذیب ترتیب التبویب» قبل باب
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 90
«فرش الحروف»- السبب فی اتباع أبی عمرو هذا الترتیب.

ب- أسلوب المالقی فی الشرح و التفسیر:

* لا یختلف المالقی كثیرا فی طریقة شرحه عن كتّاب الشروح الآخرین؛ إذ نجده یبدأ بذكر النص المشروح من كتاب «التیسیر» ثم یشفعه بالشرح و التعلیق و التحلیل و الغالب ألا یكمل النقل عن «التیسیر» مكتفیا بقوله- مثلا-: إلخ كلامه.
* اتبع المالقی فی شرحه الأسلوب المقارن حیث یذكر من كلام مكی ابن أبی طالب صاحب كتاب «التبصرة» و من كلام ابن شریح صاحب كتاب «الكافی» ما یبرز أوجه الاختلاف و الاتفاق بین هذین الكتابین و بین كتاب «التیسیر» للحافظ أبی عمرو الدانی.
* اعتمد المالقی فی نقوله من كتاب «التیسیر» علی نسخ متعددة منه؛ حتی یضمن لشرحه الضبط و الدقة، من خلال تحقیق النص المنقول بمقارنته بالنسخ المختلفة.
* و مما یرتبط بحرصه علی تحقیق الدقة و الأمانة لشرحه، التزم المالقی فی الأعم الأغلب من شرحه بذكر أسماء اللغویین و النحویین و علماء القراءات الذین ینقل عنهم.
میز المالقی استدراكاته علی الدانی- أحیانا- حیث جعلها فی آخر الباب تحت عنوان «تنبیه» أو «تتمیم» ...، فلا غرو أن برزت شخصیته العلمیة قویة واضحة، لم تغب قسماتها خلف النقول الكثیرة التی ضمنها كتابه.
* اشتمل كتاب المالقی علی شواهد من القرآن الكریم، و الحدیث الشریف، و أشعار العرب و أمثالهم، و ذلك رغبة منه فی تأكید المادة العلمیة التی یوردها و توضیحها بالأمثلة الدالة.
و للمالقی طریقة مخصوصة فی الاستشهاد، فهو یستشهد بالقرآن الكریم لتوضیح أو تأكید الأحكام النحویة التی یوردها.
و كذلك فقد استشهد بالشعر لتأكید المسائل اللغویة و توثیقها، و سلك فی الاستشهاد به مسلك العلماء الأقدمین، فنراه یستشهد بأشعار الجاهلیین و المخضرمین و الإسلامیین الأوائل دون المولدین.
أما الأمثال و أقوال العرب المأثورة فیندر جدّا استشهاده بها فی كتابه، و حسبنا دلیلا أنه لم یستشهد سوی بمثل واحد فی كتابه كله.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 91

وصف النسخ‌

النسخة الأولی: محفوظة فی مكتبة الأزهر تحت رقم 22277 قراءات، و تقع فی مجلد واحد.
و عدد أوراقها (111) ورقة و مسطرتها (26) سطرا، و رمزنا لها بالرمز (أ).
النسخة الثانیة: محفوظة فی مكتبة دار الكتب المصریة، و تقع فی مجلد واحد تحت رقم 235 تفسیر تیمور، و عدد أوراقها (135) ورقة، و مسطرتها (23) سطرا، و رمزنا لها بالحرف (ب).
ثم قمنا فی التحقیق بعمل الآتی:
1- نسخ المخطوط.
2- مقابلة النسخ لضبط النص و إثبات فروق النسخ.
3- عزو الآیات القرآنیة و تخریج القراءات من كتبها و مظانها.
4- التعلیق علی بعض القراءات و توجیهها نحویا و صرفیا و بیان بعض عللها.
5- تخریج الأحادیث النبویة.
6- ترجمة للأعلام و القراء الواردین فی الكتاب.
7- عمل مقدمة و فهارس.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 93
صورة من المخطوط (أ)
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 94
صورة من المخطوط (ب)
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 95
صورة من المخطوط (ب)
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 96
صورة من المخطوط (ب)
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 97
صورة من المخطوط (ب)
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 99

[مقدمة المؤلف]

اشارة

قال الشیخ الإمام الفقیه الأجل الخطیب المقرئ المحقق الفاضل الأوحد، أبو محمد عبد الواحد بن محمد بن علی بن أبی السداد الأموی المالقی- رحمه الله و رضی عنه-:
بسم الله الرحمن الرحیم و به نستعین الحمد لله الحكیم الخبیر، العلیم القدیر، العلی الكبیر، المنفرد بجمیل التقدیر، فی جمیع التدبیر، غنی- بقدرته الغالبة و حكمته البالغة- عن معین و مشیر، الَّذِی أَعْطی كُلَّ شَیْ‌ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدی [طه: 50]، و خلق الإنسان فعلمه القرآن، و علمه بالقلم و علمه البیان، و لم یخلقه عبثا، و لا تركه سدی، و أمتعه بالسمع و البصر و الفؤاد لعله یتذكر و یتبع الهدی، و أفهمه و ألهمه لیعمل رشدا بما علمه رشدا فیحظی و یرضی بعیش قریر، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریك له مبدع التكوین و التلوین، و مبدئ الآباء و البنین فی رتب التطویر بخلع التصویر؛ فلا مساوی و لا مسامی و لا مساهم و لا مزاحم و لا مضاهی و لا نظیر، و لا مظاهر و لا ظهیر.
و أشهد أن خاتم النبیین و رحمة [الله] للعالمین هو نبینا محمد البشیر النذیر، السراج المنیر، المؤید بالنصر العزیز، و الرعب الهزیز، القائم بین یدی ربه- تبارك و تعالی- بالخشوع و الأزیز، فی ظلم الدیاجی، المفضل بالشفاعة الكبری فی مجمع الدار الأخری، فی الیوم العبوس القمطریر، صلی الله علیه و علی آله و أزواجه و ذریته ما ائتلف الإیمان و الأمان و اختلف الظلام و التنویر، و بارك و سلّم و شرّف و كرم.
و بعد هذا الوصف المنصوص، و القائم بالیقین و الخلوص، الشاهد علی العبودیة بالعموم و للربوبیة بالخصوص، أزهی من الزهر العطیر، و أنزه من الروض المطیر، فدونك زیّا من الدر النثیر، و ریّا من العذب النمیر، فی شرح مشكلات، و قید مهملات، و حل معقدات اشتمل علیها كتاب «التیسیر»، متبعا بالموافقة و المخالفة علی الأسلوب الوافی، فیما بینه و بین كتاب «التبصرة» و الكتاب «الكافی»، إلی كلام من غیرهما دعت إلیه ضرورة التفسیر، و قبل الحلول بهذا الناد، و الاعتماد علی طرق الإسناد، الموصل إلی هذه الكتب صدعا بالسداد و قطعا للنكیر، و لما أنعم المولی به و كمل، و أبلغ العبد منه المرتضی و الأمل- دفعت به إلی باب من إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْكَلِمُ
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 100
الطَّیِّبُ [فاطر: 10] یرفعه صالح العمل، و نادیت معترفا بالتقصیر:
وقفت بباب الله جل جلاله‌لأحظی بتوفیق ینیر هلاله
و قلت إلهی نجّنی و أحلّنی‌بمقعد صدق لا یخاف خلاله
بمنزل رضوان به كل مشتهی‌و للعین لذات ظلیل ظلاله
و أتمم علیّ الفضل بالنظر الذی‌تخصّ به من تستقیم خلاله
و عمّ جمیع المسلمین بمثله‌و ذا رحم حقّ عطیّ بلاله قائلا بلسان ناطق، و إیمان بتوفیق الله- تبارك و تعالی- صادق، و جنان علی ذلك موافق، و بإحسان الرحمن واثق: اللهم منك و إلیك، العبد بین یدیك، لا أحصی ثناء علیك، غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَیْكَ الْمَصِیرُ [البقرة: 285]. أستغفر الله العظیم لذنبی، كما أمرنی ربی، و أستغفره للمؤمنین و المؤمنات، الأحیاء منهم و الأموات، و جمیع من هو آت من كل ذنب صغیر أو كبیر. اللهم أوزعنا شكر العافیة و دوامها، و ذكر النعم و تمامها، و قنا عذاب النار و غرامها، و اجعلنا لزمر المتقین إمامها، یا نعم المولی و یا نعم النصیر، و الله سبحانه الموفق المعین للضارع المستعین، إنه بالإحسان جدیر، لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْ‌ءٌ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ [الشوری: 11].

الإسناد:

أما كتاب «التیسیر» فحدثنی به الشیخ أبو بكر محمد بن محمد بن أحمد الأنصاری البلنسی بن مشلیون إجازة، أخبرنا القاضی أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الملك ابن أبی جمرة المرسی عن أبیه عن الحافظ أبی عمرو عثمان بن سعید الدانی مؤلفه.
و سمعته من لفظ الأستاذ الجلیل أبی جعفر أحمد بن إبراهیم بن الزبیر الثقفی، و قال لی: قرأته علی أبی عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن إبراهیم الأنصاری ابن جوبر قال: قرأته علی القاضی أبی بكر بن أبی جمرة المذكور عن أبیه سماعا عن الحافظ أبی عمرو إجازة.
و قرأت جمیعه علی الخطیب أبی الحجاج یوسف بن إبراهیم بن یوسف الأنصاری ابن أبی ریحانة، و قال لی: قرأت بعضه و سمعت باقیه علی الحاج أبی بكر عتیق ابن علی بن خلف الأموی المربیطری، عن أبی الحسن بن النعمة قراءة، و عن أبی الحسن بن هذیل إجازة:
أما ابن النعمة فعن أبی عبد الله محمد بن باسة الزهری عن أبی القاسم خلف
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 101
ابن إبراهیم الطلیطلی عن أبی عمرو.
و أما ابن هذیل فعن أبی داود عن أبی عمرو.
و سمعت جمیعه بقراءة شیخنا أبی جعفر بن الزبیر علی الشیخ أبی عمر عبد الرحمن ابن الشیخ القاضی الراویة أبی عبد الله محمد بن داود بن سلیمان ابن حوط الله الأنصاری الحارثی.
و حدثنی به أبو عمر عن القاضی أبی بكر بن أبی جمرة بسنده إجازة، ثم عن القاضی أبی الخطاب أحمد بن محمد بن واجب قراءة، عن ابن هذیل قراءة، عن أبی داود عن أبی عمرو.
و سمعته علی الشیخ القاضی الخطیب أبی علی الحسن بن عبد العزیز بن محمد ابن أبی الأحوص الفهری، و قال لی: قرأته علی الخطیب أبی بكر محمد بن محمد ابن وضاح اللخمی، و علی القاضی أبی عامر نذیر بن وهب بن لب بن نذیر القمقی، كلاهما عن ابن هذیل عن أبی داود عن أبی عمرو.
و قرأت جمیعه علی الشیخ القاضی أبی القاسم قاسم بن أحمد بن حسن الحجری الشهیر بالسكوت، و قال لی: قرأته علی الشیخ المحدث أبی محمد عبد الله ابن عبد العظیم الزهری عن العالم أبی القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسن الخثعمی السهیلی عن أبی داود سلیمان بن یحیی بن سعید عن أبی داود سلیمان ابن نجاح عن أبی عمرو.
و حدثنی به- أیضا- أبو القاسم السكوت عن الأستاذ أبی بكر عبد الرحمن بن دخمان، سماعا عن عمه الأستاذ الكبیر أبی محمد القاسم بن دخمان عن أبی مروان ابن مجیر الضریر عن أبی عبد الله بن مزاحم الأنصاری عن أبی عمرو. و أما كتاب «التبصرة»: فحدثنی به الشیخ الراویة: أبو الولید إسماعیل بن یحیی بن إسماعیل الأزدی الغرناطی الشهیر بالعطار «1» إجازة، أخبرنا أبو بكر عبد الله بن [عبد الله] «2»
______________________________
(1) إسماعیل بن یحیی بن إسماعیل، أبو الولید الأزدی الغرناطی العطار، مقرئ مصدر، قرأ بالروایات علی ابن حسنون صاحب شریح، و علی أبی بكر عبد الله بن عطیة المحاربی، قرأ علیه أبو جعفر بن الزبیر، و روی عنه كتاب التبصرة و غیره بالإجازة: عبد الواحد بن محمد ابن أبی السداد، مات سنة ثمان و ستین و ستمائة.
ینظر: غایة النهایة (1/ 170).
(2) سقط فی ب.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 102
ابن عطیة المحاربی «1»، أخبرنا ابن عتاب «2» عن مؤلفه الشیخ أبی محمد مكی «3».
______________________________
(1) عبد الله بن عطیة، أبو بكر المحاربی، روی التبصرة، روی عن ابن عتاب، رواها عنه إسماعیل بن عثمان بن إسماعیل الأزدی.
ینظر: غایة النهایة (1/ 433).
(2) الشیخ العلامة، المحدث الصدوق، مسند الأندلس، أبو محمد، عبد الرحمن ابن المحدث محمد بن عتاب بن محسن القرطبی. ولد سنة 433 ه، سمع من أبیه فأكثر، و حاتم ابن محمد الطرابلسی، و طائفة.
و تلا بالسبع علی عبد الرحمن بن محمد بن شعیب المقرئ، و أجاز له مكی ابن أبی طالب، و محمد بن عبد الله بن عابد، و عبد الله بن سعید الشنتجالی، و أبو عمرو السفاقسی، و أبو عمر بن عبد البر، و أبو عمر بن الحذاء، و أبو حفص بن الزهراوی.
قال خلف بن بشكوال: هو آخر الشیوخ الجلة الأكابر بالأندلس فی علو الإسناد، و سعة الروایة. سمع معظم ما عند أبیه، و كان عارفا بالطرق، واقفا علی كثیر من التفسیر و الغریب و المعانی، مع حظ وافر من العربیة، و تفقه عند أبیه، و شوور فی الأحكام بقیة عمره، و كان صدرا فیمن یستفتی لسنه و تقدمه، و كان من أهل الفضل و الحلم و الوقار و التواضع، و جمع كتابا حفیلا فی الزهد و الرقائق، سماه شفاء الصدور، و كانت الرحلة إلیه فی وقته، و كان صابرا للطلبة، مواظبا علی الإسماع، یجلس لهم النهار كله، و بین العشاءین، سمع منه الآباء و الأبناء. مات فی جمادی الأولی سنة عشرین و خمسمائة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (19/ 514- 515)، و شذرات الذهب (4/ 161)، و هدیة العارفین (1/ 518).
(3) العلامة المقرئ، أبو محمد، مكی بن أبی طالب حموش بن محمد بن مختار، القیسی القیروانی، ثم القرطبی، صاحب التصانیف. ولد بالقیروان سنة خمس و خمسین و ثلاثمائة.
و أخذ عن: ابن أبی زید، و أبی الحسن القابسی.
و تلا بمصر علی أبی عدی ابن الإمام، و أبی الطیب بن غلبون، و ولد طاهر، و سمع من محمد بن علی الأدفوی، و أحمد بن فراس المكی، و عدة، تلا علیه خلق منهم: عبد الله ابن سهل، و محمد بن أحمد بن مطرف، و روی عنه بالإجازة: أبو محمد بن عتاب، و كان من أوعیة العلم مع الدین و السكینة و الفهم، ارتحل مرتین، الأولی فی سنة ست و سبعین.
و قال صاحبه أبو عمر أحمد بن مهدی المقرئ: أخبرنی مكی أنه سافر إلی مصر و له ثلاث عشرة سنة، و اشتغل، ثم رحل سنة ست و سبعین، و أنه جاور ثلاثة أعوام، و دخل الأندلس فی سنة ثلاث و تسعین، و أقرأ بجامع قرطبة، و عظم اسمه، و بعد صیته.
قال ابن بشكوال: قلده أبو الحزم جهور خطابة قرطبة بعد یونس بن عبد الله، و قد ناب عن یونس.
قال: و له ثمانون مصنفا، و كان خیرا متدینا، مشهورا بإجابة الدعوة، دعا علی رجل كان یؤذیه و یسخر به إذا خطب، فزمن الرجل. و توفی فی المحرم سنة سبع و ثلاثین و أربعمائة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (17/ 591- 593)، و معرفة القراء الكبار (1/ 316- 317)، و غایة النهایة (2/ 309- 310)، و شذرات الذهب (3/ 260).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 103
و قرأت جمیعه علی القاضی أبی علی بن أبی الأحوص «1» و قال لی: قرأته علی أبی عمران موسی بن عبد الرحمن بن یحیی بن العربی «2» عن ابن بشكوال «3»، عن
______________________________
(1) الحسین بن عبد العزیز بن محمد بن عبد العزیز بن محمد بن أبی الأحوص، الأستاذ المجود، أبو علی الجیانی الأندلسی الفهری، المعروف بابن الناظر، قاضی المریة و مالقة، قرأ الروایات علی أبی محمد بن الكواب، و أبی الحسن بن الدباج، و قرأ التیسیر و الشاطبیة علی أبی بكر محمد بن محمد بن وضاح اللخمی و أبی عامر یزید بن وهب الفهری بإجازتهما من ابن هذیل، و روی التبصرة عن موسی بن عبد الرحمن بن یحیی بن العربی، و تصدر للإقراء ب «مالقة»، و ألف كتابا كبیرا حسنا فی التجوید سماه «الترشید»، قال أبو حیان:
رحلت إلیه قصدا من غرناطة لأجل الإتقان و التجوید، و قرأت علیه القرآن من أوله إلی آخر سورة الحجر جمعا بالسبعة و الإدغام الكبیر لأبی عمرو بمضمن التیسیر، و التبصرة، و الكافی و الإقناع، قال: و قرأت علیه الحروف من كتب شتی، قال ابن الجزری: و قرأ علیه أیضا كتابه «الترشید» و هو الذی أدخله القاهرة، و قرأ علیه أیضا القراءات أبو الحسن علی القیجاطی، و عبد الواحد بن محمد بن علی المالقی، و روی عنه الشاطبیة قراءة: أبو محمد عبد الله بن علی بن محمد الغسانی. توفی فیما أظن سنة ثمانین و ستمائة. ینظر غایة النهایة، (1/ 242) (1106).
(2) هو موسی بن عبد الرحمن بن یحیی، أبو عمران الزناتی الغرناطی، یعرف ب «السخان»- بالخاء المعجمة- إمام متقن علامة، أخذ القراءة عن أبی عبد الله بن الورد صاحب أبی علی الأحدب، و لازم السهیلی زمانا، و روی عنه ابن الطباع. مات سنة ثمان و عشرین و ستمائة و قد قارب الثمانین.
ینظر غایة النهایة (2/ 320).
(3) هو الإمام العالم الحافظ، الناقد المجود، محدث الأندلس، أبو القاسم خلف بن عبد الملك ابن مسعود بن موسی بن بشكوال بن یوسف بن داحة الأنصاری، الأندلسی القرطبی، صاحب تاریخ الأندلس.
ولد سنة أربع و تسعین و أربعمائة.
و سمع أباه، و أبا محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب فأكثر عنه، و هو أعلی شیخ له، و أبا بحر سفیان بن العاص، و أبا الولید بن رشد الكبیر، و أجاز له أبو علی بن سكرة الصدفی، و أبو القاسم بن منظور، و طائفة.
و قد صنف معجما لنفسه.
قال أبو عبد الله الأبار: كان متسع الروایة، شدید العنایة بها، عارفا بوجوهها، حجة، مقدما علی أهل وقته، حافظا، حافلا، أخباریا، تاریخیا، ذاكرا لأخبار الأندلس، سمع العالی و النازل، و أسند عن مشایخه أزید من أربعمائة كتاب، من بین كبیر و صغیر.
و توفی إلی رحمة الله فی ثامن شهر رمضان سنة ثمان و سبعین و خمسمائة، و له أربع و ثمانون سنة، و دفن بمقبرة قرطبة بقرب قبر یحیی بن یحیی اللیثی الفقیه.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (21/ 139- 143)، و تذكرة الحفاظ (4/ 1339)، و الشذرات (4/ 261)، و العبر (4/ 234).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 104
ابن عتاب، عن مكی «1».
و سمعت جمیعه علی الأستاذ الشیخ: أبی عمر بن حوط الله «2»، و قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عیسی التادلی «3»، عن ابن عتاب، عن مكی.
و حدثنی أبو عمر أیضا «4» أنه قرأه علی الخطیب أبی جعفر أحمد بن محمد ابن یحیی الحمیری «5»، و قال: «سمعته علی الوزیر أبی عبد الله بن جعفر بن محمد
______________________________
(1) فی ب: مؤلفه.
(2) عبد الرحمن بن عبد الله بن سلیمان بن داود بن عبد الرحمن بن حوط الله، أبو عمر الأنصاری الحارثی، قرأ علی أبی الخطاب أحمد بن محمد بن واجب القیسی، و روی عنه التیسیر، و عن محمد بن سعید بن زرقون، قرأ علیه محمد بن أحمد الطنجالی و علی ابن سلیمان الأنصاری و إبراهیم بن وثیق.
ینظر غایة النهایة (1/ 372).
(3) هو عبد الله بن عیسی بن محمد التادلی القاضی الأدیب، أصله من تادلا، بفتح المهملة و اللام نسبة إلی تادلة، و هی من جبال البربر بالمغرب. روی عن ابن عتاب و أبی بحر الأسدی و أجاز له، و هو آخر من روی عنهما بمغرب العدوة، و دخل الأندلس فلقی ابن العربی و ابن بشكوال و اعتمد فی الروایة علی المذكورین قبل، و بسببهما أخذ عنه الناس كثیرا؛ لانفراده بهما أخیرا، ولی قضاء بسطة و غیرها و استوطن مكناسة، قال أبو الخطاب ابن خلیل: كتب لی بالإجازة من مراكش، كان من عدول القضاة، تؤثر عنه غرائب، و كان أدیبا شاعرا مفلقا.
و من شعره یخاطب ابن مضاء:
یا فارسا لی ثمار مجدسقیتها العذب من زلالك
أخاف من زهرها سقوطاإن لم یكن سقیها ببالك روی عنه ابن خلیل المتقدم و أبو عبد الله الأزدی و أبو الحسن الغافقی و غیرهم، كبر و اختل ذهنه أخیرا، توفی بمكناسة قبیل ستمائة.
ینظر: نیل الابتهاج (1/ 214)، لب اللباب (1/ 163).
(4) فی ب: و حدثنی أیضا أبی عمر.
(5) خطیب قرطبة و عالمها، أبو جعفر أحمد بن محمد بن إبراهیم بن یحیی الحمیری الكتامی القرطبی. ولد فی حدود سنة عشرین.
و روی عن یونس بن مغیث، و جعفر بن محمد بن مكی، و شریح بن محمد، و أبی عبد الله المازری إجازة، و سمع أبا عبد الله بن مكی، و أبا عبد الله بن نجاح، و حمل السبع عن عیاش ابن فرج و غیره، و تفرد، و تصدر للإقراء مدة، و كان إماما فی العربیة و غیرها.
روی عنه ابن مسدی بالإجازة، و یعرف بابن الوزغی.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (22/ 27) (22)، و غایة النهایة (1/ 99- 100)، و بغیة الوعاة (1/ 355).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 105
ابن مكی «1» عن أبیه، عن جده مكی.
و سمعته من لفظ الأستاذ أبی جعفر بن الزبیر «2» و حدثنی به عن الشیخ المسن الراویة أبی الحسین أحمد بن محمد الأنصاری بن السراج «3» إجازة عن ابن بشكوال،
______________________________
(1) جعفر بن محمد بن مكی، أبو محمد عبد الله، القرطبی اللغوی النحوی، روی عن أبیه محمد بن مكی، و لازم أبا مروان عبد الملك بن سراج الحافظ، و اختص به، و انتفع بصحبته، و أجاز له أبو علی الغسانی، و أخذ عن أبی القاسم خلف بن رزق الإمام و كان عالما بالآداب و اللغات، ذاكرا لهما، معتنیا بما قیده منهما، ضابطا لذلك، و عنی بهما العنایة التامة، و جمع من ذلك كتبا كثیرة. و هو من بیت علم و نباهة، و فضل و جلالة.
و سئل عن مولده فقال: بعد الخمسین و الأربعمائة بیسیر. و توفی یوم الخمیس لتسع بقین من محرم سنة خمس و ثلاثین و خمسمائة. ذكره ابن بشكوال.
ینظر: بغیة الوعاة (1/ 487) و الصلة لابن بشكوال (1/ 131)، تلخیص ابن مكتوم (47)، و طبقات ابن قاضی شهبة (1/ 288)، إنباه الرواة علی أنباه النحاة (1/ 302).
(2) أحمد بن إبراهیم بن الزبیر بن محمد بن إبراهیم بن الزبیر بن الحسن بن الحسین الثقفی العاصمی الجیانی المولد، الغرناطی المنشأ، الأستاذ أبو جعفر. ولد سنة سبع و عشرین و ستمائة، قال تلمیذه أبو حیان فی النضار: كان محدثا جلیلا، ناقدا، نحویّا، أصولیّا، أدیبا، فصیحا، مفوها، حسن الخط، مقرئا مفسرا مؤرخا. أقرأ القرآن و النحو و الحدیث بمالقة و غرناطة و غیرهما، و كان كثیر الإنصاف، ناصحا فی الإقراء، خرج من مالقة و من طلبته أربعة یقرءون كتاب سیبویه، ثم عرض له أن السلطان تغیر علیه، فجعل سجنه داره، و أذن له فی حضور الجمعة، فلما مات شیوخ غرناطة، و شغر البلد عن عالم رضی علیه، و قعد بالجامع یفید الناس.
و ولی الخطابة و الإمامة بالجامع الكبیر، و قضاء الأنكحة، و تخرج علیه جماعة، و به أبقی الله ما بأیدی الطلبة من العربیة و غیرها.
و كان محدث الأندلس بل المغرب فی زمانه، خیرا، صالحا، كثیر الصدقة، معظما عند الخاصة و العامة، متحریا، أمارا بالمعروف، نهاء عن المنكر، لا ینقل قدمه إلی أحد، جرت له فی ذلك أمور مع الملوك صبر فیها، و نطق بالحق بحیث أدی إلی التضییق علیه، و حبسه.
روی عن أبی الخطاب بن خلیل، و عبد الرحمن بن الفرس، و ابن فرتون، و أجاز له من المشرق أبو الیمن بن عساكر و غیره. صنف تعلیقا علی كتاب سیبویه، و الذیل علی صلة ابن بشكوال.
و مات یوم الثلاثاء ثامن ربیع الأول سنة ثمان و سبعمائة.
و من شعره:
ما لی و للتسآل لا أم لی‌إن سلت من یعزل أو من یلی
حسبی ذنوبی أثقلت كاهلی‌ما إن أری غماءها تنجلی ینظر بغیة الوعاة (1/ 291- 292).
(3) الشیخ العالم المحدث الثقة المعمر مسند المغرب، أبو الحسین أحمد بن محمد بن أحمد ابن عبد الله بن قاسم بن السراج، الأنصاری الإشبیلی، ولد سنة ستین و خمسمائة.-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 106
عن ابن عتاب، عن مكی. و قرأته علی الشیخ المقرئ الراویة أبی عبد الله محمد ابن عیاش «1» بن محمد الخزرجی الشهیر بالقرطبی.
و حدثنی به عن القاضی أبی القاسم أحمد بن یزید بن بقی «2» إجازة، عن الشریف
______________________________
- و سمع من خاله أبی بكر محمد بن خیر، و الحافظ أبی القاسم بن بشكوال، و عبد الحق ابن بونه، و أبی عبد الله بن زرقون، و حدث عنهم، و عن أبی بكر بن الجد، و أبی محمد ابن عبید الله، و أبی القاسم الشراط، و أبی زید السهیلی، و أكثر عن السهیلی، فسمع منه الموطأ و صحیح مسلم و الروض الأنف، و روی الكثیر، و تفرد، و صارت الرحلة إلیه بالمغرب، و حمل عنه الحفاظ.
قال ابن السراج فی برنامجه: لقیت ابن بشكوال بقرطبة، و سمعت منه عدة دواوین منها «تفسیر النسائی» بسماعه من أبی محمد بن عتاب، حدثنا حاتم بن محمد، عن القابسی عن حمزة الكنانی، عنه، و كتاب الصلة له، و أشیاء.
قال الذهبی: كان موثقا فاضلا. و من الرواة عنه: أبو الحسین یحیی بن الحاج المعافری، سمع منه الروض الأنف فسمعه منه فی سنة ثمانی عشرة و سبعمائة ابن جابر الوادیاشی.
توفی ابن السراج ببجانة، فی سابع صفر سنة سبع و خمسین و ستمائة، و له سبع و تسعون سنة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (23/ 331- 332)، و العبر (5/ 239)، و شذرات الذهب (5/ 289).
(1) محمد بن عیاش بن محمد بن أحمد بن خلف بن عیاش، أبو عبد الله الخزرجی القرطبی، قرأ علی والده أبی بكر، و قرأ علی قاسم بن محمد بن الطیلسان الأوسی، و قرأ علیه عبد الله ابن علی بن سلمون، و محمد بن یحیی الأشعری قاضی الجماعة.
ینظر: غایة النهایة (2/ 223).
(2) الإمام العلامة المحدث المسند قاضی الجماعة، أبو القاسم أحمد بن أبی الولید یزید ابن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن مخلد بن عبد الرحمن بن أحمد ابن شیخ الأندلس الحافظ بقی بن مخلد الأموی، مولاهم، البقوی القرطبی المالكی.
ولد سنة سبع و ثلاثین و خمسمائة.
قال أبو عبد الله الأبار: هو من رجالات الأندلس جلالا و كمالا، لا نعلم بیتا أعرق من بیته فی العلم و النباهة إلا بیت بنی مغیث بقرطبة، و بنی الباجی بإشبیلیة، و له التقدم علی هؤلاء، ولی قضاء الجماعة بمراكش مضافا إلی خطتی المظالم و الكتابة العلیا، فحمدت سیرته، و لم تزده الرفعة إلا تواضعا، ثم عزل، و أقام بطالا إلی أن قلد قضاء بلده، و ذهب إلیه، ثم عزل قبل موته، فازدحم الطلبة علیه، و كان لذلك أهلا.
و مات یوم الجمعة بعد الصلاة منتصف رمضان سنة خمس و عشرین و ستمائة بقرطبة، و قد تجاوز ثمانیا و ثمانین سنة رحمه الله.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (22/ 274- 277)، و بغیة الوعاة (1/ 399)، و العبر (5/ 103)، و شذرات الذهب (5/ 116- 117).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 107
أبی خالد یزید بن عبد الجبار القرشی «1» قراءة، و عن أبی بكر بن سمحون «2» سماعا، قالا: سمعناه علی ابن عتاب عن مكی.
و حدثنی أنه قرأه علی صهره أبی القاسم بن محمد بن أحمد الأنصاری، ثم الأوسی الشهیر بابن الطیلسان «3»، عن الخطیب أبی جعفر [أحمد] «4» بن محمد ابن یحیی الحمیری قراءة، عن الوزیر أبی عبد الله جعفر بن محمد بن مكی، عن أبیه، عن جده مكی كما تقدم.
و أما كتاب «الكافی» فسمعته علی الخطیب أبی بكر محمد بن أحمد بن عبید الله ابن العاصی اللخمی الإشبیلی «5»، و حدثنی به عن الشیخین الجلیلین: أبی العباس
______________________________
(1) یزید بن عبد الجبار، أبو خالد المروانی القرطبی، من أولاد ملوك الأندلس، أخذ القراءات عن أبی محمد بن عتاب و المقرئ عبد الجلیل بن عبد الجبار، و كان بصیرا بالقراءات و العربیة و له كتاب فی قراءة نافع، أخذ عنه أبو جعفر بن یحیی و أبو القاسم بن بقاء.
ینظر: غایة النهایة (2/ 381- 382).
(2) أبو بكر بن سلیمان بن سمحون، الأنصاری القرطبی النحوی، قال ابن الزبیر: أستاذ نحوی أدیب شاعر بلیغ، عارف بالحساب، أخذ عن ابن الطراوة و غیره، و روی عنه أبو القاسم ابن بقی و غیره.
مات بقرطبة سنة أربع و ستین و خمسمائة. و من نظمه:
أربعة تزید فی نور البصرإذا رنا فیها و تابع النظر
المصحف المتلو بالآی الكبرو الماء و الوجه الجمیل و الخضر ینظر: بغیة الوعاة (1/ 468).
(3) الحافظ المفید محدث الأندلسی، أبو القاسم، القاسم بن محمد بن أحمد الأنصاری القرطبی. ولد سنة خمس و سبعین و خمسمائة تقریبا.
و روی عن جده لأمه أبی القاسم بن الشراط، و أبی العباس بن مقدام، و عبد الحق الخزرجی، و أبی الحكم بن حجاج، و خلق، و صنف الكتب، و كان بصیرا بالقراءات و العربیة أیضا. ولی خطابة مالقة بعد ذهاب قرطبة و أقرأ بها، و حدث.
توفی سنة اثنتین و أربعین و ستمائة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (23/ 114- 115)، غایة النهایة (2/ 23)، و بغیة الوعاة (2/ 261)، و شذرات الذهب (5/ 215- 216).
(4) سقط فی أ.
(5) محمد بن أحمد بن عبید الله بن العاصی، أبو بكر التجیبی الإشبیلی، أستاذ مصدر، أخذ السبع عن أبی بكر عتیق، و أبی الحسین بن عظیمة، و الكافی علی أبی العباس بن مقدام، و أبی الحكم ابن نجاح عن أبی الحسن شریح، قرأ علیه أبو جعفر بن الزبیر الحافظ، و أثنی علیه، و جلس دهرا یقرئ الناس بمالقة، و روی عنه الكافی سماعا عبد الواحد بن محمد بن أبی السداد، مات سنة ست و ستین و ستمائة عن سبع و ثمانین سنة. ینظر: غایة النهایة (2/ 70).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 108
ابن مقدام «1»، و أبی الحكم بن نجاح «2» قراءة و سماعا، كلاهما عن الخطیب أبی الحسن شریح بن محمد بن شریح «3»، عن أبیه مؤلفه، رحمهما الله.
______________________________
(1) أحمد بن محمد بن أحمد بن مقدام، أبو العباس الرعینی الإشبیلی، الشیخ الصالح البارع، قرأ علی شریح و ابن عربی و أبی عمر بن صالح، قرأ علیه أبو الخطاب بن خلیل و أبو زكریا ابن أبی الغصن شیخ ابن الزبیر و أبو الحكم بن حجاج و إبراهیم بن وثیق، توفی بین العیدین سنة أربع و ستمائة عن ثمان و ثمانین سنة.
ینظر: غایة النهایة (1/ 104).
(2) ذكر هذا العلم عرضا فی سیر أعلام النبلاء للحافظ الذهبی (23/ 114) باسم أبی الحكم ابن حجاج، و ذكر أیضا فی غایة النهایة (2/ 70) بلفظ «أبی الحكم بن نجاح».
(3) شریح بن محمد بن شریح بن أحمد بن محمد بن شریح بن یوسف بن شریح، الشیخ الإمام الأوحد المعمر الخطیب، شیخ المقرئین و المحدثین، أبو الحسن الرعینی الإشبیلی المالكی، خطیب إشبیلیة.
ولد فی ربیع الأول سنة إحدی و خمسین و أربعمائة.
تلا علی والده العلامة أبی عبد الله كتابه الكافی فی السبع، و حمل عنه علما كثیرا، و أجاز له مرویاته أبو محمد بن حزم الظاهری.
و سمع صحیح البخاری من أبی عبد الله بن منظور صاحب أبی ذر الهروی، و سمع من علی بن محمد الباجی، و أبی محمد بن خزرج، و طائفة.
قال أبو الولید بن الدباغ: له إجازة من ابن حزم، أخبرنی بذلك ثقة نبیل من أصحابنا أنه أخبره بذلك، و لا أعلم فی شیوخنا أحدا عنده عن ابن حزم غیره، و قد سألته: هل أجاز له ابن حزم؟ فسكت، و أحسبه سكت عن ابن حزم؛ لمذهبه.
قال الحافظ خلف بن بشكوال: كان أبو الحسن من جلة المقرئین، معدودا فی الأدباء و المحدثین، خطیبا بلیغا، حافظا محسنا فاضلا، ملیح الخط، واسع الخلق، سمع منه الناس كثیرا، و رحلوا إلیه، و استقضی ببلده، ثم صرف عن القضاء، لقیته فی سنة ست عشرة، فأخذت عنه.
و قال الیسع بن حزم: هو إمام فی التجوید و الإتقان، علم من أعلام البیان، بذ فی صناعة الإقراء، و برّز فی العربیة مع علم الحدیث وفقه الشریعة، كان إذا صعد المنبر حن إلیه جذع الخطابة، و سمع له أنین الاستطابة، مع خشوع و دموع، رحلت إلیه عام أربعة و عشرین، فحملت عنه.
و تلا علیه بالسبع عدد كثیر، منهم أبو العباس أحمد بن محمد بن مقدام الرعینی، و محمد بن علی بن حسنون الكتامی، و ماتا فی سنة أربع و ستمائة، و محمد بن عبد الله ابن الغاسل، و آخر من روی عنه فی الدنیا بالإجازة: أبو القاسم أحمد بن یزید ابن عبد الرحمن بن بقی البقوی الباقی إلی سنة خمس و عشرین و ستمائة.
مات شریح فی الثالث و العشرین من جمادی الأولی سنة تسع و ثلاثین و خمسمائة، و كانت جنازته مشهودة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (20/ 142- 144)، و غایة النهایة (1/ 324- 325)،-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 109
و قرأته علی القاضی أبی علی بن أبی الأحوص، و حدثنی به عن القاضی أبی القاسم أحمد بن یزید بن بقی مناولة، عن أبی الحسن شریح، عن أبیه. «1»
و حدثنی- أیضا- القاضی أبو علی أنه قرأه علی الأستاذ أبی الحسن علی بن جابر «2»
______________________________
- و بغیة الوعاة (2/ 3)، و شذرات الذهب (4/ 122).
(1) الإمام شیخ القراء، أبو عبد الله، محمد بن شریح بن أحمد بن شریح بن یوسف الرعینی، الإشبیلی، مصنف كتاب الكافی.
ولد سنة اثنتین و تسعین و ثلاثمائة، و قیل: سنة ثمان و ثمانین. و هذا الذی تحرر فی نسبه. فأما ابن بشكوال، فأدخل فی نسبه «محمدا» بین أبیه و بین أحمد، و له كتاب التذكیر.
سمع عثمان بن أحمد أبا عمرو القیجاطی، و أجاز له مكی و أخذ عنه، و حج، فسمع من أبی ذر الصحیح و غیر ذلك.
و أخذ القراءات عن أحمد بن محمد القنطری المجاور، و تاج الأئمة أحمد بن علی، و أبی علی الحسن بن محمد بن إبراهیم صاحب الروضة فی سنة ثلاث و ثلاثین.
و سمع من أبی العباس بن نفیس، و محمد بن الطیب الكحال، و أحمد بن محمد ابن عبد العزیز الیحصبی.
و كان رأسا فی القراءات، بصیرا بالنحو و الصرف، فقیها كبیر القدر، حجة، ثقة.
روی عنه الكثیر ولده أبو الحسن شریح بن محمد، و أبو العباس بن عیشون، و طائفة.
مات فی رابع شوال سنة ست و سبعین و أربعمائة، عن أربعة و ثمانین عاما، و قیل: بل مات فی منتصف الشهر و تأسف الناس علیه- رحمه الله- و صلی علیه ابنه.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (18/ 554- 555)، و معرفة القراء الكبار (1/ 351)، و العبر (3/ 285)، و غایة النهایة (2/ 153).
(2) هو أبو الحسن علی بن جابر اللخمی الدباج، العلامة شیخ القراء و النحاة بالأندلس، أخذ القراءات عن أبی الحسن نجبة بن یحیی، و أبی بكر بن صاف، و أخذ العربیة عن أبی ذر ابن أبی ركب الخشنی، و ابن خروف، و تصدر للعلمین خمسین عاما.
قال الأبار: أم بجامع العدبّس. و هو أبو الحسن علی بن جابر بن علی الإشبیلی الدباج، من أهل الفضل و الصلاح. ولد سنة ست و ستین و خمسمائة، و توفی بإشبیلیة فی شعبان سنة ست و أربعین و ستمائة بعد دخول الروم- لعنهم الله- صلحا بأیام، فإنه تأسف، و هاله نطق النواقیس، و خرس الأذان؛ فاضطرب و ارتمض لذلك، إلی أن قضی نحبه، و قیل: بل مات یوم دخولهم.
و كان حجة فی النقل مسددا فی البحث، یقرئ كتاب سیبویه. أخذ عنه أبو الحسن ابن عصفور و غیره، تسلم صاحب قشتالة البلد بعد حصار سبعة عشر شهرا و استقل بها، و مات زمن الحصار الحافظ المحدث الأدیب الشاعر أبو محمد عبد الله بن القاسم اللخمی الإشبیلی الحریری كهلا، سمع صحیح البخاری من عبد الرحمن بن علی الزهری. و له كتاب فی النسب، و آخر فی تاریخ علماء الأندلس، و غیر ذلك.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (23/ 209)، و غایة النهایة (1/ 528)، و بغیة الوعاة (2/ 153)، و شذرات الذهب (5/ 235).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 110
اللخمی الدّباج «1» الإشبیلی، عن أبی بكر بن صاف «2» عن شریح عن أبیه، و حدثنی به الشیخ أبو الولید العطار إذنا، أخبرنا أبو بكر بن حسنون البیاسی «3»، عن شریح، عن أبیه رحم الله جمیعهم و رضی عنهم.
و بهذه الأسانید التی ذكرت أجمل بالإجازة جمیع ما ألفه هؤلاء الأئمة الثلاثة:
أبو عمرو الدانی، و أبو محمد مكی، و أبو عبد الله بن شریح.
و لنشرع- الآن- فی المقصود بحول الله- عز و جل- و عونه.
مسألة: یثبت فی كثیر من نسخ التیسیر بإثر البسملة، و التصلیة: «قال أبو عمرو عثمان بن سعید بن عثمان الدانی» و الذی رویته ترك ذلك و إثبات الخطبة بإثر البسملة، و التصلیة، و هو قوله: «الحمد لله المنفرد بالدوام».
مسألة: قوله فی صدر الكتاب بعد الخطبة: «یسهل علیكم متناوله» بضم المیم و فتح الواو: معناه التناول، و هو مصدر: تناول، و الأصل أن الفعل إذا زاد علی ثلاثة أحرف، فإن بناء المصدر منه، و ظرف المكان، و ظرف الزمان، و اسم المفعول سواء
______________________________
(1) فی ب: الزباج.
(2) محمد بن خلف بن محمد بن عبد الله بن صاف، أبو بكر اللخمی الإشبیلی المقرئ النحوی. قال الصفدی: كان عارفا بالقراءات و العربیة، متقدما فیهما، من كبار أصحاب شریح.
و قال ابن الزبیر: أخذ القراءات عن شریح، و روی عنه و عن أبی مروان الباجی، و كان له شأن فی منصبه و حسن هدیه و انقباضه عن أهل الدنیا، و إقباله علی ما یعنیه.
شرح الأشعار الستة، و فصیح ثعلب، و له أجوبة علی مسائل قرآنیة و نحویة أجاب بها أهل طنجة. روی عنه أبو الحسن بن جابر بن الدباج و أبو الخطاب بن خلیل.
مات سنة ست و ثمانین و خمسمائة. ینظر: بغیة الوعاة (1/ 100- 101).
(3) محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد العزیز بن زكریا بن حسنون، أبو بكر الكنانی الحمیری الأندلسی البیاسی الخطیب، مقرئ ماهر مشهور مجود حاذق ثقة، قرأ علی أبیه، و علی عبد الله بن خلف القیسی، و شریح بن محمد، و سمع منهم و من أبی بكر بن العربی، و أبی القاسم بن ورد، قرأ علیه عبد الله بن محمد الكواب و یوسف بن یحیی بن بقاء و یوسف ابن عبد العزیز الأبذی و أبو الولید إسماعیل العطار شیخ ابن الزبیر، و روی عنه بالإجازة ابن مسدی، و قال الذهبی: ولی قضاء بیاسة و خطابتها، و تصدر للإقراء و الحدیث و كان حاذقا بالصناعة مجودا ماهرا، و قال الأبار: مات فی رمضان سنة أربع و ستمائة عن نحو تسعین سنة و كان مقرئا جلیلا ماهرا، عمّر و أسن و ضعف، و قال ابن مسدی: مات سنة ثمان و ستمائة و قد قارب المائة.
ینظر: غایة النهایة (2/ 241)، و معرفة القراء الكبار (2/ 467).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 111
ف «متناول» صالح لهذه الأربعة، غیر أن المعنی هنا یقتضی أنه المصدر لا غیر، و الله- تبارك و تعالی- أعلم.
مسألة: قوله: «فذكرت عن كل واحد من القراء روایتین».
اعلم أن الروایات التی ذكر أربع عشرة، و الرواة ثلاثة عشر، و سبب ذلك:
أن أبا عمر الدوری «1» الذی یروی عن الیزیدی «2»، عن أبی عمرو
______________________________
(1) الإمام العالم الكبیر، شیخ المقرئین، أبو عمر حفص بن عمر بن عبد العزیز بن صهبان، و یقال: صهیب الأزدی، مولاهم الدوری الضریر، نزیل سامراء.
ولد سنة بضع و خمسین و مائة فی دولة المنصور.
و تلا علی إسماعیل بن جعفر، و سمع منه، و تلا علی الكسائی بحرفه، و علی یحیی الیزیدی بحرف أبی عمرو، و علی سلیم بحرف حمزة، و جمع القراءات و صنفها.
و حدث أیضا عن: أبی إسماعیل إبراهیم بن سلیمان المؤدب، و إبراهیم بن أبی یحیی، و إسماعیل بن عیاش، و سفیان بن عیینة، و أبی معاویة و طائفة.
روی عنه: الإمام أحمد، و هو من أقرانه، و نصر بن علی الجهضمی، و روی هو عنهما.
قال أبو حاتم: صدوق. توفی سنة ست و أربعین، و زاد بعضهم: فی شوال.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (11/ 541- 543)، الجرح و التعدیل (3/ 183- 184)، و تاریخ بغداد (8/ 203- 204)، و العبر (1/ 446)، و غایة النهایة فی طبقات القراء (1/ 255- 257)، و تهذیب التهذیب (2/ 408).
(2) هو شیخ القراء، أبو محمد، یحیی بن المبارك بن المغیرة العدوی البصری النحوی، و عرف بالیزیدی؛ لاتصاله بالأمیر یزید بن منصور خال المهدی، یؤدب ولده.
جود القرآن علی أبی عمرو المازنی، و حدث عنه، و عن ابن جریج.
تلا علیه خلق، منهم أبو عمر الدوری، و أبو شعیب السوسی.
و حدث عنه: ابنه محمد، و أبو عبید، و إسحاق الموصلی.
و روی عنه قراءة أبی عمرو: بنوه محمد، و عبد الله، و إبراهیم، و إسماعیل، و إسحاق، و حفیده أحمد بن محمد، و أبو حمدون الطیب، و عامر أوقیة، و سلیمان بن خلاد، و أحمد ابن جبیر، و محمد بن شجاع، و أبو أیوب الخیاط، و جعفر غلام سجادة، و محمد ابن سعدان، و محمد بن عمر الرومی.
و له اختیار فی القراءة، لم یخرج فیه عن السبع.
و قد أدب المأمون، و عظم حاله، و كان ثقة، عالما حجة فی القراءة، لا یدری ما الحدیث، لكنه أخباری، نحوی، علامة، بصیر بلسان العرب، أخذ العربیة عن أبی عمرو، و عن الخلیل.
و ألف كتاب النوادر، و كتاب المقصور و الممدود، و كتاب الشكل، و كتاب نوادر اللغة، و كتاب النحو.
و كان نظیرا للكسائی، یجلس للناس فی مسجد مع الكسائی للإفادة، فكان یؤدب المأمون، و كان الكسائی یؤدب الأمین.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 112
ابن العلاء «1» هو بعینه و اسمه الذی یروی عن الكسائی «2»، و یدل علی صحة
______________________________
- عاش أربعا و سبعین سنة، و توفی ببغداد سنة اثنتین و مائتین.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (9/ 562) (219)، بغیة الوعاة (2/ 340)، و شذرات الذهب (2/ 4)، و النجوم الزاهرة (2/ 173).
(1) أبو عمرو بن العلاء بن عمار، بن العریان التمیمی، ثم المازنی البصری شیخ القراء، و العربیة. و أمه من بنی حنیفة. اختلف فی اسمه علی أقوال: أشهرها زبان، و قیل: العریان.
ولد آخر سنة سبعین. حدث بالیسیر عن أنس بن مالك، و یحیی بن یعمر، و مجاهد، و أبی صالح السمان، و أبی رجاء العطاردی، و نافع العمری، و عطاء بن أبی رباح، و ابن شهاب. و قرأ القرآن علی سعید بن جبیر و مجاهد، و یحیی بن یعمر، و عكرمة، و ابن كثیر، و طائفة. و ورد أنه تلا علی أبی العالیة الریاحی. و قد كان معه بالبصرة.
برز فی الحروف، و فی النحو، و تصدر للإفادة مدة. و اشتهر بالفصاحة و الصدق وسعة العلم.
تلا علیه یحیی الیزیدی، و العباس بن الفضل، و عبد الوارث بن سعید، و شجاع البلخی، و حسین الجعفی، و معاذ بن معاذ، و یونس بن حبیب النحوی، و سهل بن یوسف، و أبو زید الأنصاری سعید بن أوس، و سلام الطویل و عدة.
و حدث عنه: شعبة، و حماد بن زید، و أبو أسامة، و الأصمعی، و شبابة بن سوار، و یعلی ابن عبید، و أبو عبیدة اللغوی، و آخرون. و انتصب للإقراء فی أیام الحسن البصری.
قال أبو عبیدة: كان أعلم الناس بالقراءات، و العربیة، و الشعر، و أیام العرب، و كانت دفاتره مل‌ء بیت إلی السقف، ثم تنسك فأحرقها.
و كان من أشراف العرب، مدحه الفرزدق و غیره.
قال یحیی بن معین: ثقة، و قال أبو حاتم: لیس به بأس. و قال أبو عمرو الشیبانی: ما رأیت مثل أبی عمرو.
قال أبو عبیدة: حدثنی عدة: أن أبا عمرو قرأ علی مجاهد و زاد بعضهم: و علی سعید ابن جبیر. و روینا أن أبا عمرو و أباه هربا من الحجاج و من عسفه، و حدیثه قلیل. ذكر غیر واحد أن وفاته كانت فی سنة أربع و خمسین و مائة.
قال الأصمعی: عاش أبو عمرو ستا و ثمانین سنة. و قال خلیفة بن خیاط وحده: مات أبو عمرو و أبو سفیان ابنا العلاء سنة سبع و خمسین و مائة. ینظر: سیر أعلام النبلاء (6/ 407- 410)، و وفیات الأعیان (3/ 466)، و تاریخ الإسلام (6/ 322)، و عبر الذهبی (1/ 223)، و فوات الوفیات (1/ 231)، و تهذیب التهذیب (12/ 178)، بغیة الوعاة (367)، و طبقات القراء لابن الجزری (1/ 288). شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات 112 الإسناد: ..... ص : 100
(2) الإمام، شیخ القراءة و العربیة، أبو الحسن علی بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فیروز الأسدی، مولاهم الكوفی، الملقب بالكسائی لكساء أحرم فیه.
تلا علی ابن أبی لیلی عرضا، و علی حمزة.
و حدث عن جعفر الصادق، و الأعمش، و سلیمان بن أرقم، و جماعة.
و تلا أیضا علی عیسی بن عمر المقرئ. و اختار قراءة اشتهرت، و صارت إحدی السبع.
و جالس فی النحو الخلیل، و سافر فی بادیة الحجاز مدة للعربیة، فقیل: قدم و قد كتب-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 113
ما قلته: قوله فی باب أسماء القراء و الناقلین عنهم بإثر ذكر أبی عمرو ابن العلاء ما نصه: «و أبو عمر هو حفص بن عمر بن عبد العزیز بن صهبان الأزدی الدوری النحوی».
ثم ذكر أبا شعیب «1».
ثم قال: «رویا القراءة عن أبی محمد یحیی بن المبارك العدوی المعروف
______________________________
- بخمس عشرة قنینة حبر. و أخذ عن یونس.
قال الشافعی: من أراد أن یتبحر فی النحو، فهو عیال علی الكسائی.
قال ابن الأنباری: اجتمع فیه أنه كان أعلم الناس بالنحو، و واحدهم فی الغریب، و أوحدهم فی علم القرآن، كانوا یكثرون علیه حتی لا یضبط علیهم، فكان یجمعهم، و یجلس علی كرسی، و یتلو و هم یضبطون عنه حتی الوقوف.
قال إسحاق بن إبراهیم: سمعت الكسائی یقرأ القرآن علی الناس مرتین.
و له عدة تصانیف منها: معانی القرآن، و كتاب فی القراءات، و كتاب النوادر الكبیر، و مختصر فی النحو، و غیر ذلك.
كان الكسائی ذا منزلة رفیعة عند الرشید، و أدب ولده الأمین، و نال جاها و أموالا.
سار مع الرشید، فمات بالری بقریة أرنبویة سنة تسع و ثمانین و مائة عن سبعین سنة، و فی تاریخ موته أقوال، هذا أصحها.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (9/ 131- 134)، و مراتب النحویین (74- 75)، و طبقات النحویین (138- 142)، و تاریخ بغداد (11/ 403)، و معجم الأدباء (13/ 167، 203)، و إنباه الرواة (2/ 256- 274)، و وفیات الأعیان (3/ 295)، و غایة النهایة (1/ 535)، و النجوم الزاهرة (2/ 130).
(1) الإمام المقرئ المحدث، شیخ الرقة، أبو شعیب، صالح بن زیاد بن عبد الله بن إسماعیل ابن إبراهیم بن الجارود بن مسرح، الرستبی السوسی الرقی.
ولد سنة نیف و سبعین و مائة.
وجود القرآن علی یحیی الیزیدی، و أحكم علیه حرف أبی عمرو و سمع سفیان بن عیینة، و عبد الله بن نمیر، و أسباط بن محمد، و جماعة.
تلا علیه طائفة، منهم: أبو عمران موسی بن جریر، و علی بن الحسین، و أبو عثمان النحوی، و أبو الحارث محمد بن أحمد الرقیون.
و أخذ عنه الحروف أبو عبد الرحمن النسائی، و جعفر بن سلیمان الخراسانی، و غیرهما.
و حدث عنه: أبو بكر بن أبی عاصم، و أبو عروبة الحرانی، و الحافظ أبو علی محمد ابن سعید.
قال أبو حاتم: صدوق.
مات فی أول سنة إحدی و ستین و مائتین، و قد قارب التسعین.
ینظر: السیر (12/ 380- 381) (164)، و غایة النهایة (1/ 332- 333)، و معرفة القراء ص (159)، و طبقات الحنابلة (1/ 176- 177)، و شذرات الذهب (2/ 143).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 114
بالیزیدی ثم قال بعد ما ذكر الكسائی: «و أبو عمر هو حفص بن عمر الدوری النحوی صاحب الیزیدی» فذكره فی الموضعین باسمه، و اسم أبیه، و اختص فی هذا الموضع «1» الثانی ذكر جده عبد العزیز بن صهبان؛ لأنه «2» قد تقدم.
و ذكره فی «جامع البیان» فی رواة الكسائی بمثل ما ذكره فی «التیسیر» بعد ذكر أبی عمرو فقال: «فأما الدوری فهو حفص بن [عمر بن] «3» عبد العزیز بن صهبان الضریر الأزدی النحوی صاحب سلیم «4»، و صاحب الیزیدی و یكنی أبا عمر».
و كذلك ذكره فی «المفردات» بعد الكسائی بمثل ما ذكره فی «التیسیر» بعد أبی عمرو.
و ذكر ابن فیرة «5» فی قصیدته أبا عمرو بن العلاء، ثم ذكر الیزیدی ثم قال:
______________________________
(1) فی أ: الوضع.
(2) فی أ: أنه.
(3) سقط فی أ.
(4) سلیم بن عیسی بن سلیم بن عامر، شیخ القراء، أبو عیسی، و أبو محمد الحنفی مولاهم الكوفی، تلمیذ حمزة، و أحذق أصحابه، و هو خلفه فی الإقراء.
تلا علیه: خلف البزار، و خلاد بن خالد، و أبو عمر الدوری، و أبو حمدون الطیب، و أحمد بن جبیر الأنطاكی، و خلق كثیر. و روی عن: حمزة، و الثوری.
روی عنه: ضرار بن صرد، و أحمد بن حمید.
قال الدوری: قال لی الكسائی: كنت أقرأ علی حمزة، فجاء سلیم، فتلكأت، فقال حمزة: تهابه و لا تهابنی؟ قلت: أیها الأستاذ، أنت إن أخطأت، قومتنی، و هذا إن أخطأت، عیرنی.
و قیل: إن سلیما تلا علی حمزة بن حبیب عشر ختم.
قال خلف و هارون بن حاتم: مات سلیم سنة ثمان و ثمانین و مائة، و قیل: سنة تسع و ثمانین.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (9/ 375- 376)، و التاریخ الكبیر (4/ 127)، و الضعفاء للعقیلی (171)، و الجرح و التعدیل (4/ 215)، و العبر (1/ 300)، و میزان الاعتدال (2/ 231)، و دول الإسلام (1/ 119)، و غایة النهایة (1/ 318)، و شذرات الذهب (1/ 320).
(5) الشیخ الإمام، العالم العامل، القدوة، سید القراء، أبو محمد، و أبو القاسم القاسم بن فیرة ابن خلف بن أحمد الرعینی، الأندلسی، الشاطبی، الضریر، ناظم الشاطبیة و الرائیة.
من كناه أبا القاسم كالسخاوی و غیره، لم یجعل له اسما سواها، و الأكثرون علی أنه أبو محمد القاسم.
ولد سنة ثمان و ثلاثین و خمسمائة.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 115 أبو عمر الدّوری و صالحهم أبوشعیب هو السّوسیّ عنه تقبّلا یعنی: عن الیزیدی.
ثم لما ذكر الكسائی قال:
روی لیثهم عنه أبو الحارث الرضاو حفص هو الدّوری و فی الذّكر قد خلا یرید: تقدم ذكره بعد ذكر الیزیدی.
و ذكر أبو جعفر بن الباذش «1» فی «الإقناع» أبا عمر الدوری بإثر ذكر أبی عمرو
______________________________
- و تلا ببلده بالسبع علی أبی عبد الله بن أبی العاص النفری، و رحل إلی بلنسیة، فقرأ القراءات علی أبی الحسن بن هذیل، و عرض علیه التیسیر، و سمع منه الكتب، و من أبی الحسن ابن النعمة، و أبی عبد الله بن سعادة، و أبی محمد بن عاشر، و أبی عبد الله ابن عبد الرحیم، و علیم بن عبد العزیز. و ارتحل للحج، فسمع من أبی طاهر السلفی، و غیره.
و كان یتوقد ذكاء. له الباع الأطول فی فن القراءات و الرسم و النحو و الفقه و الحدیث، و له النظم الرائق، مع الورع و التقوی و التأله و الوقار.
حدث عنه: أبو الحسن بن خیرة، و محمد بن یحیی الجنجالی، و أبو بكر بن وضاح، و أبو الحسن علی بن الجمیزی، و أبو محمد بن عبد الوارث قارئ مصحف الذهب.
و قرأ علیه بالسبع: أبو موسی عیسی بن یوسف المقدسی، و عبد الرحمن بن سعید الشافعی، و أبو عبد الله محمد بن عمر القرطبی.
قال الأبار: تصدر بمصر، فعظم شأنه، و بعد صیته، انتهت إلیه رئاسة الإقراء، و توفی بمصر فی الثامن و العشرین من جمادی الآخرة سنة تسعین و خمسمائة.
و له قصیدة دالیة نحو خمسمائة بیت، من قرأها، أحاط علما ب «التمهید» لابن عبد البر.
و كان إذا قرئ علیه الموطأ و الصحیحان، یصحح النسخ من حفظه، حتی كان یقال: إنه یحفظ وقر بعیر من العلوم.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (21/ 261- 264)، و العبر (4/ 273)، و دول الإسلام (2/ 76)، و السبكی فی الطبقات (7/ 270)، و الإسنوی فی طبقاته (2/ 113)، و ابن كثیر فی البدایة (13/ 10)، و الجزری فی غایة النهایة (2/ 20)، و السیوطی فی حسن المحاضرة (1/ 236)، و بغیة الوعاة (2/ 260)، و المقری فی نفح الطیب (1/ 339)، و ابن العماد فی الشذرات (4/ 301).
(1) أحمد بن علی بن أحمد بن خلف الأنصاری الغرناطی، أبو جعفر المعروف بابن الباذش النحوی ابن النحوی.
قال فی البلغة: إمام نحوی مقرئ نقاد.
و قال ابن الزبیر: عارف بالآداب و الإعراب، إمام نحوی متقدم، راویة مكثر، أخذ عن أبیه و أكثر الروایة عنه، و شاركه فی كثیر من شیوخه. و روی أیضا عن أبی علی الغسانی، و أبی علی الصدفی، و كان عارفا بالأسانید، نقادا لها، ألف الإقناع فی القراءات، لم یؤلف مثاله.
مولده فی ربیع الأول سنة إحدی و تسعین و أربعمائة، و مات فی جمادی الآخرة سنة-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 116
ابن العلاء فسماه بنص ما سماه به الحافظ فی «التیسیر» ثم ذكره بعد الكسائی فقال:
أبو عمر الدوری، و قد تقدم ذكره، فظهر من هذا كله أن أبا عمر الذی یروی عن الكسائی هو أبو عمر الذی یروی عن الیزیدی، عن أبی عمرو.
مسألة: قوله: «رغبة فی التیسیر علی المبتدئین» بهذه الكلمة یسمی كتاب «التیسیر» تفاؤلا، و الله- عز جلاله- أعلم.
و قد حكی أنه یسمی الكتاب «المیسر»، حدثنی به الشیخ أبو علی ابن أبی الأحوص.
مسألة: قوله: «فأول ما أفتتح به كتابی هذا بذكر أسماء القراء ...» إلی آخره.
«أول» هنا مبتدأ مضاف إلی «ما» بمعنی «الذی» بدلیل عودة الضمیر المجرور علیها.
و قوله: «بذكر أسماء القراء» هو الخبر، و كان ینبغی أن یسقط الباء و یرفع «ذكر أسماء القراء» فجری الكلام علی معناه، و لم یعتن بتصحیح اللفظ، فكأنه قال:
و أفتتح كتابی «بذكر أسماء القراء» و جعل «1» الباء زائدة علی غیر قیاس.
و لما كانت «أفعل» بعض ما تضاف إلیه، لزم من قوله: «أول ما أفتتح به كتابی» أن یكون لافتتاحه أول و آخر، و قد نص علی الأول، و لم یذكر ما آخره.
و لو قال: و أفتتح كتابی بكذا، بدل قوله: «أول ما أفتتح به» لاندفع الإشكال، و الله- سبحانه- أعلم.
مسألة: قوله: «لأن «قالون» بلسان الروم: جید».
ذكر الأستاذ أبو علی الزیدی- رحمه الله- روی أن علیّا «2»- رضی الله عنه-
______________________________
أربعین و خمسمائة.
ینظر: بغیة الوعاة (1/ 338)، غایة النهایة (1/ 83).
(1) فی أ: أو جعل.
(2) علی بن أبی طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم، الهاشمی، أبو الحسن، ابن عم النبی صلی اللّه علیه و سلم و ختنه علی بنته، أمیر المؤمنین، یكنی أبا تراب، و أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، و هی أول هاشمیة ولدت هاشمیّا. له خمسمائة حدیث و ستة و ثمانون حدیثا، اتفق البخاری و مسلم علی عشرین، و انفرد البخاری بتسعة، و مسلم بخمسة عشر، شهد بدرا و المشاهد كلها. روی عنه أولاده الحسن و الحسین و محمد و فاطمة و عمر و ابن عباس و الأحنف و أمم.
قال أبو جعفر: كان شدید الأدمة ربعة إلی القصر، و هو أول من أسلم من الصبیان؛ جمعا بین الأقوال. قال له النبی صلی اللّه علیه و سلم: «أنت منی بمنزلة هارون من موسی»، و فضائله كثیرة.-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 117
قال لشریح القاضی و قد تكلم فی مسألة فأصاب الغرض: «قالون قالون» یرید:
أحسنت أحسنت. «1»
و وقع فی كتاب «الروضة» للمعدل «2» قال: «كان رجل من العرب له جاریة یحبها و تكرهه، و كانت تكثر أن تقول له: أنت قالون یا سیدی، فخدعته بذلك حتی آنفت
______________________________
- استشهد لیلة الجمعة لإحدی عشرة لیلة بقیت أو خلت من رمضان سنة أربعین، و هو حینئذ أفضل من علی وجه الأرض.
ینظر: الخلاصة (2/ 250) (5001)، و تهذیب التهذیب (7/ 334) (565)، و تاریخ بغداد (1/ 133)، و أسماء الصحابة الرواة ت (10).
(1) ذكره ابن الأثیر فی النهایة (4/ 105)، و تمامه: أن علی بن أبی طالب سأل شریحا عن امرأة طلقت، فذكرت أنها حاضت ثلاث حیض فی شهر واحد، فقال شریح: إن شهد ثلاث نسوة من بطانة أهلها: إنها كانت تحیض قبل أن طلقت فی كل شهر كذلك، فالقول قولها؛ فقال له علی: «قالون»، هی كلمة بالرومیة معناها: أصبت.
(2) محمد بن یعقوب بن الحجاج بن معاویة بن الزبرقان بن صخر، أبو العباس التیمی من تیم الله بن ثعلبة البصری المعروف ب «المعدل» إمام ضابط مشهور، قرأ علی- المستنیر، و المبهج، و الكفایة، و الكامل- أبی بكر محمد بن وهب صاحب روح- و هو أكبر أصحابه و أشهرهم- و علی المستنیر و الكامل زید ابن أخی یعقوب فیما ذكره ابن سوار و غیره، و علی- الجامع و الكامل- أبی الزعراء بن عبدوس الدوری، و علی محمد بن الجهم اللؤلئی، و علی الكامل- أحمد بن علی الخزاز، و المبهج و الكفایة و الكامل- عمر ابن محمد بن برزة،- و الكامل- مدین بن شعیب و- الكامل- عبد الوهاب بن القضاعی، و روی عن أبی داود السجستانی، قرأ علیه- المستنیر، غایة أبی العلاء، المبهج، الكفایة الكبری للقلانسی، الكامل للهذلی- علی بن محمد بن خشنام المالكی، و- المستنیر- أبو أحمد بن عبد الله بن الحسین، و- المستنیر- محمد بن محمد بن فیروز و- المستنیر، جامع البیان- أبو بكر محمد بن عبد الله بن أشتة و- الكامل للهذلی- أحمد بن محمد ابن عیسی البصری و- الكامل- أبو الحسن علی بن حبشان و- جامع البیان- أبو بكر ابن مقسم العطار و- الكامل- ابن مینا و هبة الله بن جعفر و- المبهج، الكفایة الكبری، الكامل- المطوعی و- الكامل- ابن الكردی و- المستنیر- أبو العباس الكیال و- الكامل- زید بن علی و أبو المعلی عائذ بن إسحاق بن عواد سمع منه الحروف.
قال الدانی: انفرد بالإمامة فی عصره ببلده فلم ینازعه فی ذلك أحد من أقرانه مع ثقته و ضبطه و حسن معرفته، و قال ابن الجزری: و قد وهم فی تسمیته و تسمیة أبیه الشیخ أبو طاهر بن سوار فی كتابه المستنیر فقال: أحمد بن حرب المعدل، و الصواب محمد ابن یعقوب أبو العباس المعدل، و ذاك أحمد بن حرب أبو جعفر قدیم من أصحاب الدوری توفی سنة إحدی و ثلاثمائة، و هذا متأخر یروی عن أصحاب الدوری، و توفی بعد العشرین و ثلاثمائة قال ابن الجزری نعم الذی بلغنا أنه قرأ علیهما أبو العباس الحسن ابن سعید المطوعی، و هو محتمل.
ینظر غایة النهایة (2/ 282) (3542)، و معرفة القراء (1/ 230).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 118
منه فقال:
قد كنت أحسبنی قالون فانصرفت‌فالیوم أعلم أنی غیر قالون» «1» مسألة: من باب ذكر الإسناد.
ذكر الحافظ «2»- رحمه الله- [إسناد] «3» قراءة أبی بكر «4» عن عاصم «5» فقال فی
______________________________
(1) البیت لعبد الله بن عمر فی لسان العرب (قلن) و تاج العروس (قلن). و یروی (فانطلقت)، بدلا من: (فانصرفت).
(2) المراد: الإمام أبو عمرو الدانی.
(3) سقط فی أ.
(4) أبو بكر بن عیاش بن سالم الأسدی، مولاهم الكوفی الحناط- بالنون- المقرئ، الفقیه، المحدث، شیخ الإسلام، و بقیة الأعلام، مولی و اصل الأحدب.
و فی اسمه أقوال: أشهرها شعبة؛ فإن أبا هاشم الرفاعی، و حسین بن عبد الأول، سألاه عن اسمه، فقال: شعبة. و سأله یحیی بن آدم و غیره عن اسمه، فقال: اسمی كنیتی. و أما النسائی فقال: اسمه محمد.
قرأ أبو بكر القرآن، وجوده ثلاث مرات علی عاصم بن أبی النجود، و عرضه أیضا فیما بلغنا علی عطاء بن السائب، و أسلم المنقری.
و حدث عن عاصم، و أبی إسحاق السبیعی، و عبد الملك بن عمیر، و إسماعیل السدی، و تلا علیه جماعة، منهم: أبو الحسن الكسائی، و مات قبله، و یحیی العلیمی، و أبو یوسف الأعشی.
ذكره أحمد بن حنبل فقال: ثقة، ربما غلط، صاحب قرآن و خیر. و قال ابن المبارك: ما رأیت أحدا أسرع إلی السنة من أبی بكر بن عیاش.
قال یوسف بن یعقوب الصفار و غیره، و یحیی بن آدم، و أحمد بن حنبل: مات أبو بكر فی جمادی الأولی سنة ثلاث و تسعین و مائة. قلت: عاش ستّا و تسعین سنة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (8/ 495- 508)، المعرفة و التاریخ (1/ 150، 182، 183)، (2/ 172)، و حلیة الأولیاء (7/ 303)، و تذكرة الحفاظ (1/ 265)، و میزان الاعتدال: (4/ 494)، و العبر (1/ 304، 311، 312)، و معرفة القراء (1/ 110- 115)، و طبقات القراء (325- 327)، و تهذیب التهذیب (12/ 34)، و شذرات الذهب (1/ 334)، و تاریخ بغداد (14/ 371).
(5) الإمام الكبیر مقرئ العصر، أبو بكر الأسدی مولاهم الكوفی، و اسم أبیه بهدلة، و قیل:
بهدلة أمه، و لیس بشی‌ء، بل هو أبوه، مولده فی إمرة معاویة بن أبی سفیان.
و قرأ القرآن علی أبی عبد الرحمن السلمی، وزر بن حبیش الأسدی، و حدث عنهما، و عن أبی وائل، و مصعب بن سعد، و طائفة من كبار التابعین، و روی فیما قیل عن الحارث ابن حسان البكری، و رفاعة بن یثربی التمیمی أو التیمی، و لهما صحبة. و هو معدود فی صغار التابعین.
حدث عنه عطاء بن أبی رباح، و أبو صالح السمان، و هما من شیوخه، و سلیمان التیمی،-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 119
الروایة: «حدثنی یحیی بن آدم «1»، أخبرنا أبو بكر عن عاصم».
و قال فی القراءة لما ذكر الصریفینی «2»: «و قال: قرأت بها علی یحیی بن آدم، عن
______________________________
- و أبو عمرو بن العلاء، و شعبة، و الثوری، و حماد بن سلمة، و شیبان النحوی، و أبان بن یزید، و أبو عوانة، و أبو بكر بن عیاش، و سفیان بن عیینة و عدد كثیر.
و تصدر للإقراء مدة بالكوفة، فتلا علیه أبو بكر، و حفص بن سلیمان، و المفضل ابن محمد الضبی، و سلیمان الأعمش و خلق كثیر.
قال أبو عبید: كان من قراء أهل الكوفة: یحیی بن وثاب، و عاصم بن أبی النجود، و سلیمان الأعمش، و هم من موالی بنی أسد.
و قال أبو بكر بن عیاش: سمعت أبا إسحاق یقول: ما رأیت أحدا أقرأ من عاصم.
و قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبی عن عاصم بن بهدلة، فقال: رجل صالح خیر ثقة، قلت: أی القراءات أحب إلیك؟ قال: قراءة أهل المدینة، فإن لم یكن، فقراءة عاصم.
و قال أحمد العجلی: عاصم صاحب سنة و قراءة، كان رأسا فی القرآن، قدم البصرة فأقرأهم، قرأ علیه سلام أبو المنذر، و كان عثمانیا. قرأ علیه الأعمش فی حداثته، ثم قرأ بعده علی یحیی بن وثاب.
توفی عاصم فی آخر سنة سبع و عشرین و مائة. و قال إسماعیل بن مجالد: توفی فی سنة ثمان و عشرین و مائة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (5/ 256- 261)، و طبقات خلیفة (159)، و التاریخ الكبیر (6/ 487)، و التاریخ الصغیر (2/ 9)، الجرح و التعدیل (6/ 340)، وفیات الأعیان (3/ 9)، و تاریخ الإسلام (5/ 89)، و میزان الاعتدال (2/ 357)، و العبر (1/ 167)، و تهذیب التهذیب (5/ 38)، و تهذیب ابن عساكر (7/ 122، 124)، و طبقات القراء (1/ 346).
(1) یحیی بن آدم بن سلیمان، العلامة، الحافظ، المجود، أبو زكریا الأموی مولاهم، الكوفی، ولد بعد الثلاثین و مائة، صاحب التصانیف، من موالی خالد بن عقبة ابن أبی معیط و لم یدرك والده، كأنه توفی و هذا حمل. روی عن: عیسی بن طهمان، و مالك ابن مغول، و فطر بن خلیفة، و یونس بن أبی إسحاق، و مسعر بن كدام، و سفیان الثوری، و حمزة الزیات، وثقه یحیی بن معین و النسائی، و قال أبو حاتم: ثقة كان یتفقه. توفی غریبا ببلد فم الصلح، فی سنة ثلاث و مائتین فی شهر ربیع الأول فی النصف منه. ینظر: تاریخ ابن معین (936)، طبقات ابن سعد (6/ 402)، تاریخ خلیفة (471)، سیر أعلام النبلاء (9/ 225) (402)، و طبقات القراء (2/ 863) و تهذیب التهذیب (11/ 175).
(2) شعیب بن أیوب بن رزیق- بتقدیم الراء- أبو بكر، و یقال: أبو أیوب الصریفینی، مقرئ ضابط موثق عالم، أخذ القراءة عرضا و سماعا عن- التیسیر، المستنیر، المبهج، الكامل- یحیی بن آدم، أثبته الدانی، روی القراءة عنه- المبهج- محمد بن عمرو بن عون و- الكفایة و الكامل- أحمد بن یوسف القافلانی- و- التیسیر، المستنیر- یوسف بن یعقوب-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 120
أبی بكر عن عاصم».
قال لی الشیخ الأستاذ أبو جعفر بن الزبیر: «لم یقرأ یحیی علی أبی بكر [القرآن] «1» و إنما قرأ علیه الحروف».
قال العبد: و لما ذكر الحافظ فی «المفردات» اتصال قراءته بأبی بكر عن عاصم ذكر [عن] «2» كل شیخ بینه و بین أبی بكر أنه قرأ إلا یحیی فلم یقل: إنه قرأ علی أبی بكر، و إنما قال: قال یحیی: و سألت أبا بكر عن هذه الحروف- یعنی حروف عاصم- أربعین سنة، و قرأ أبو بكر علی عاصم.
و قال ابن شریح فی «الكافی»: و قرأ یحیی علی أبی بكر و هو وهم، و الله- عز و جل- أعلم.
فظهر أن هذا الطریق لم تتصل فیه التلاوة.
و أما قراءة ابن عامر «3» فقال: فی «التیسیر»:
______________________________
الواسطی و- الكامل- أحمد بن سعید الضریر. و سمع منه الحروف- الكامل- إبراهیم ابن عرفة نفطویه، مات بواسط سنة إحدی و ستین و مائتین. ینظر غایة النهایة (1/ 327) (1422)
(1) سقط فی أ.
(2) سقط فی أ.
(3) عبد الله بن عامر بن یزید بن تمیم الإمام الكبیر مقرئ الشام و أحد الأعلام أبو عمران الیحصبی الدمشقی، یقال ولد عام الفتح، و هذا بعید، و الصحیح ما قال تلمیذه یحیی ابن الحارث الذماری: أن مولده سنة إحدی و عشرین، قرأ علی أبی الدرداء، و الظاهر أنه قرأ علیه من القرآن.
و روی أنه سمع قراءة عثمان بن عفان، فلعل والده حج به فتهیأ له ذلك، و قیل: قرأ علیه نصف القرآن، و لم یصح.
و جاء أیضا أنه قرأ علی قاضی دمشق فضالة بن عبید الصحابی، و المشهور أنه تلا علی المغیرة بن أبی شهاب المخزومی صاحب عثمان.
و حدث عن معاویة، و النعمان بن بشیر، و فضالة بن عبید، و واثلة بن الأسقع، و عدة، حدث عنه ربیعة بن یزید القصیر، و الزبیدی، و یحیی الذماری، و عبد الرحمن بن یزید ابن جابر، و عبد الله بن العلاء و جماعة، و تلا علیه یحیی بن الحارث و غیره. وثقه النسائی و غیره، و هو قلیل الحدیث.
قال الهیثم بن عمران: كان ابن عامر رئیس أهل المسجد زمن الولید بن عبد الملك و بعده. خفیت علی ابن عامر سنة متواترة، فنقل سعید بن عبد العزیز قال: ضرب ابن عامر عطیة بن قیس حین رفع یدیه فی الصلاة، و قیل: إن عمر بن عبد العزیز لما بلغه ذلك، حجبه عن الدخول إلیه.
و فی كنیة ابن عامر أقوال تسعة، أقواها: أبو عمران، و الأصح أنه عربی ثابت النسب من-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 121
«و رواها الأخفش «1» عن ابن ذكوان». قال أبو جعفر بن الباذش: «قیل: قرأ علیه الحروف، و قیل: تلاوة».
و قال الحافظ فی «المفردات» فی أسانیده إلی الأخفش، عن ابن ذكوان: و فی بعضها قرأ علی ابن ذكوان، و لم یقل أحد من أصحاب الأخفش: إن الأخفش قال:
قرأت علی ابن ذكوان، و إنما قالوا عنه: حدثنا ابن ذكوان، إلا ابن عبد الرزاق «2»،
______________________________
- حمیر، قال یحیی الذماری: كان ابن عامر قاضی الجند، و كان علی بناء مسجد دمشق، و كان رئیس المسجد لا یری فیه بدعة إلا غیرها. قال: و مات یوم عاشوراء سنة ثمانی عشرة و مائة، و له سبع و تسعون سنة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (5/ 292- 293)، و طبقات خلیفة (235)، و التاریخ الصغیر (1/ 100، 164)، و تاریخ الإسلام (3/ 267)، و میزان الاعتدال (2/ 449)، و طبقات القراء (423)، و تهذیب التهذیب (5/ 274)، و غایة النهایة (5/ 292).
(1) هو إمام النحو، أبو الحسن، سعید بن مسعدة البلخی ثم البصری مولی بنی مجاشع. أخذ عن الخلیل بن أحمد، و لزم سیبویه حتی برع، و كان من أسنان سیبویه، بل أكبر.
قال أبو حاتم السجستانی: كان الأخفش قدریا رجل سوء، كتابه فی المعانی صویلح، و فیه أشیاء فی القدر، و قال أبو عثمان المازنی: كان الأخفش أعلم الناس بالكلام، و أحذقهم بالجدل.
قال الذهبی: أخذ عنه المازنی، و أبو حاتم، و سلمة، و طائفة.
و عنه قال: جاءنا الكسائی إلی البصرة، فسألنی أن أقرأ علیه كتاب سیبویه، ففعلت، فوجه إلی بخمسین دینارا.
و كان الأخفش یعلم ولد الكسائی.
و كان ثعلب یفضل الأخفش، و یقول: كان أوسع الناس علما.
و له كتب كثیرة فی النحو و العروض و معانی القرآن.
و جاء عنه قال: أتیت بغداد، فأتیت مسجد الكسائی، فإذا بین یدیه الفراء و الأحمر و ابن سعدان، فسألته عن مائة مسألة، فأجاب، فخطأته فی جمیعها، فهموا بی، فمنعهم، و قال: بالله أنت أبو الحسن؟ قلت: نعم، فقام و عانقنی، و أجلسنی إلی جنبه، و قال: أحب أن یتأدب أولادی بك، فأجبته. مات الأخفش سنة عشر و نیف و مائتین، و قیل: سنة عشرین. ینظر السیر (10/ 206- 208)، و نزهة الألباء (133- 135)، و معجم الأدباء (11/ 224- 230)، و إنباه الرواة (2/ 36- 43)، وفیات الأعیان (2/ 380)، و تاریخ أبی الفداء (2/ 29)، و مرآة الجنان (2/ 61)، و الوافی بالوفیات (13/ 86- 88)، و البدایة و النهایة (10/ 293)، و روضات الجنات (313- 314)، و المزهر (2/ 405- 419)، و بغیة الوعاة (1/ 590- 591)، و مفتاح السعادة (1/ 158- 159)، و شذرات الذهب (2/ 36).
(2) الإمام مقرئ الشام، أبو إسحاق، إبراهیم بن عبد الرزاق بن حسن، الأنطاكی، روی عن أبی أمیة الطرسوسی، و یزید بن عبد الصمد و علی بن عبد العزیز.
و تلا علی: هارون الأخفش، و قنبل، و عثمان بن خرزاذ، و إسحاق الخزاعی، و عدة،-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 122
و ابن مرشد «1».
ثم قال: و كل ذلك صحیح ثابت، و لم یذكر فی المفردات قراءة ابن ذكوان، و إنما قال: عن ابن ذكوان قال: «أنا «2» أیوب بن تمیم «3» قال: قرأت علی یحیی ابن الحارث الذماری «4»
______________________________
- و تلا شیخه عثمان علی قالون، و له مصنف فی القراءات الثمانی.
تلا علیه: محمد بن الحسن، و علی بن بشر الأنطاكیان، و عبد المنعم بن غلبون، و أبو علی بن حبش، و عدة.
و روی عنه: أبو أحمد الدهان، و أبو الحسین بن جمیع، و طائفة.
قال أبو عمرو الدانی: هو مقرئ ضابط، ثقة مأمون.
و قال علی بن بشر: مات شیخنا فی شعبان سنة تسع و ثلاثین و ثلاثمائة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (15/ 384- 385)، و معرفة القراء (1/ 230- 231)، و غایة النهایة (1/ 16- 17)، و شذرات الذهب (2/ 346).
(1) محمد بن أحمد بن مرشد بن الزرز، أبو بكر الدمشقی، مقرئ صالح، أخذ القراءة عرضا عن- جامع البیان- هارون الأخفش، روی القراءة عنه عرضا- جامع البیان- عبد الباقی ابن الحسن و قال: قرأت علیه ثلاثة ختمات متوالیات ب «دمشق» و كان من خیار المسلمین، و صابرا علی صیام الدهر و لزوم الجماعة، و أخبرنی أنه قرأ علی الأخفش بدمشق قبل سنة تسعین و مائتین.
ینظر: غایة النهایة (2/ 88) (2804).
(2) فی أ: أخبرنا.
(3) أیوب بن تمیم بن سلیمان بن أیوب، أبو سلیمان التمیمی الدمشقی، ضابط مشهور، ولد فی أول سنة عشرین و مائة، قرأ علیه یحیی بن الحارث الذماری، و هو الذی خلفه بالقیام فی القراءة ب «دمشق»، قرأ علیه عبد الله بن ذكوان، و روی القراءة عنه هشام و عرضا أیضا، و عبد الحمید بن بكار و الولید بن عتبة، و أبو مسهر عبد الأعلی بن مسهر الغسانی، قال ابن ذكوان: قلت له: أنت تقرأ بقراءة یحیی بن الحارث؟ قال: نعم أقرأ بحروفها كلها إلا قوله: «جبلا» فی «یس» فإنه رفع الجیم و أنا أكسرها، توفی سنة ثمان و تسع و مائة.
و قال القاضی أسد بن الحسین: سنة تسع عشرة و مائتین فی أیام المعتصم، و له تسع و تسعون سنة و شهران.
ینظر: غایة النهایة (1/ 172) (804).
(4) یحیی بن الحارث، الإمام الكبیر أبو عمرو الغسانی، الذماری ثم الدمشقی، إمام جامع دمشق، و شیخ المقرئین، و ذمار: قریة بالیمن.
ولد فی دولة معاویة، و قرأ علی ابن عامر، و بلغنا أیضا أنه قرأ علی واثلة بن الأسقع- رضی الله عنه- و حدث عنه، و عن سعید بن المسیب، و أبی سلام الأسود، و أبی الأشعث الصنعانی، و سالم بن عبد الله، و مكحول، و عدة. تلا علیه عراك بن خالد، و أیوب ابن تمیم، و مدرك بن أبی سعد، و الولید بن مسلم، و روی عنه: هم و الأوزاعی،-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 123
[بفتح الذال و كسرها] «1» و قرأ یحیی علی عبد الله بن عامر».
و ذكر الإمام أبو عبد الله بن شریح، و ابن الباذش، و غیرهما: أن ابن ذكوان قرأ علی أیوب، و كذلك ذكر الحافظ فی «المفردات» و الإمام فی «الكافی» أن هشاما «2»
______________________________
- و سعید بن عبد العزیز، و صدقة بن خالد، و صدقة السمین، و سوید بن عبد العزیز، و یحیی ابن حمزة و ابن شابور. قال أبو حاتم: صالح الحدیث. و قال ابن سعد: ثقة عالم بالقراءة فی دهره. مات سنة خمس و أربعین و مائة. قلیل الحدیث. و قال ابن معین: لیس به بأس.
قال أیوب بن تمیم: كان یقف خلف الأئمة یرد علیهم لا یستطیع أن یؤم من الكبر. قال ابن أبی حاتم: عاش تسعین سنة.
قال سوید بن عبد العزیز: سألت یحیی بن الحارث عن عدد آی القرآن، فعقد بیده:
سبعة آلاف و مائتان و ست و عشرون.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (6/ 189- 190)، و طبقات ابن سعد (7/ 168)، و تاریخ خلیفة (423)، و طبقات خلیفة (314)، و التاریخ الكبیر (8/ 267)، و الجرح و التعدیل (9/ 135)، و ثقات ابن حبان (3/ 289)، و مشاهیر علماء الأمصار (199)، و الكامل فی التاریخ (5/ 542)، و تهذیب التهذیب (11/ 193- 194).
(1) سقط فی ب.
(2) هشام بن عمار بن نصیر بن میسرة بن أبان، الإمام الحافظ العلامة المقرئ، عالم أهل الشام، أبو الولید السلمی، و یقال: الظفری، خطیب دمشق.
نقل عنه الباغندی، قال: ولدت سنة ثلاث و خمسین و مائة.
و سمع من: مالك، و تمت له معه قصة، و مسلم الزنجی، و عبد الرحمن بن أبی الرجال، و معاویة بن یحیی الأطرابلسی، و معروف أبی الخطاب صاحب واثلة بن الأسقع، و یحیی ابن حمزة، و هقل بن زیاد، و خلق كثیر.
تلا علی هشام طائفة، منهم: أحمد بن یزید الحلوانی، و أبو عبید، و مات قبله، و هارون الأخفش، و إسماعیل بن الحویرس، و أحمد بن محمد بن ماویة، و طائفة.
و روی عنه: أبو عبید القاسم بن سلام، و مات قبله بنیف و عشرین سنة، و محمد ابن سعد، و مات قبله ببضع عشرة سنة، و مؤمل بن الفضل الحرانی كذلك، و یحیی ابن معین كذلك.
و حدث عنه من كبار شیوخه: الولید بن مسلم، و محمد بن شعیب بن شابور. و حدث عنه من أصحاب الكتب: البخاری، و أبو داود، و النسائی، و ابن ماجة، و روی الترمذی عن رجل عنه، و لم یلقه مسلم، و لا ارتحل إلی الشام، و وهم من زعم أنه دخل دمشق.
وثقه یحیی بن معین، قال عبدان الأهوازی: كنا لا نصلی خلف هدبة بن خالد من طول صلاته، یسبح فی الركوع و السجود نیفا و ثلاثین تسبیحة، و كان من أشبه خلق الله بهشام ابن عمار لحیته و وجهه، و كل شی‌ء حتی فی صلاته.
قال البخاری و غیره: توفی هشام بن عمار فی آخر المحرم سنة خمس و أربعین و مائتین، و كان ولده أحمد ممن قرأ علیه القرآن، و عاش إلی سنة ست عشرة و ثلاثمائة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (11/ 420- 435)، و طبقات ابن سعد (7/ 473)، و التاریخ الكبیر (8/ 199)، و التاریخ الصغیر (2/ 382)، و الجرح و التعدیل (9/ 66، 67)، و تذكرة الحفاظ (2/ 451)، و العبر (1/ 445)، و میزان الاعتدال (4/ 302- 304)،-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 124
قرأ علی عراك «1». فحصل من هذا كله أن التلاوة متصلة فی جمیع الطرق إلا طریق أبی بكر المتقدم، و الله- عز و جل- أعلم.
مسألة: أسند الحافظ- رحمه الله- كل واحدة من القراءات فی «التیسیر» روایة و قراءة، و جعل سند الروایة غیر سند القراءة إلا فی قراءة حفص «2» فإنه جعل سند الروایة و القراءة واحدا عن شیخه أبی الحسن بن غلبون «3» عن
______________________________
- و معرفة القراء الكبار (1/ 160- 163)، و البدایة و النهایة (10/ 345)، و غایة النهایة فی طبقات القراء (2/ 354)، و تهذیب التهذیب (11/ 51- 54)، و النجوم الزاهرة (2/ 321)، و طبقات الحفاظ (197).
(1) عراك بن خالد بن یزید بن صالح بن صبیح بن جشم، أبو الضحاك المری الدمشقی، شیخ أهل دمشق فی عصره، أخذ القراءة عرضا عن یحیی بن الحارث الذماری، و عن أبیه، و روی عن إبراهیم بن أبی عبلة و عن- الكامل- نافع فیما ذكره الهذلی، و هو بعید جدّا، أخذ عنه القراءة عرضا هشام بن عمار، و- الكامل- الربیع بن تغلب، و روی عنه ابن ذكوان، و أحمد ابن عبد العزیز البزار الصوری، قال الدانی: لا بأس به، و هو أحد الذین خلفوا الذماری فی القراءة ب «الشام». مات قبیل المائتین فیما قاله الذهبی.
ینظر غایة النهایة (1/ 511) (113).
(2) حفص بن سلیمان بن المغیرة، أبو عمر بن أبی داود، الأسدی الكوفی الغافری البزاز، و یعرف بحفیص، أخذ القراءة عرضا و تلقینا عن عاصم، و كان ربیبه ابن زوجته، ولد سنة تسعین، قال الدانی: و هو الذی أخذ قراءة عاصم علی الناس تلاوة، و نزل بغداد فأقرأ بها، و جاور بمكة فأقرأ أیضا بها، و قال یحیی بن معین: الروایة الصحیحة التی رویت عن قراءة عاصم روایة أبی عمر حفص بن سلیمان. و قال أبو هشام الرفاعی: كان حفص أعلمهم بقراءة عاصم.
و قال الذهبی: أما القراءة فثقة ثبت ضابط لها، بخلاف حاله فی الحدیث. قال ابن الجزری:
یشیر إلی أنه تكلم فیه من جهة الحدیث، قال ابن المنادی: قرأ علی عاصم مرارا، و كان الأولون یعدونه فی الحفظ فوق أبی بكر بن عیاش، و یصفونه بضبط الحروف التی قرأ علی عاصم، و أقرأ الناس دهرا، و كانت القراءة التی أخذها عن عاصم ترتفع إلی علی، رضی الله عنه. توفی سنة ثمانین و مائة علی الصحیح، و قیل: بین الثمانین و التسعین.
ینظر: غایة النهایة (1/ 254، 255) (1158).
(3) طاهر بن عبد المنعم بن عبید الله بن غلبون بن المبارك، أبو الحسن الحلبی، نزیل مصر، أستاذ عارف و ثقة ضابط و حجة محرر، شیخ الدانی، و مؤلف التذكرة فی القراءات الثمانی، أخذ القراءات عرضا عن أبیه و عبد العزیز بن علی، ثم رحل إلی العراق، فقرأ بالبصرة علی محمد بن یوسف بن نهار الحرتكی و- التیسیر- علی بن محمد الهاشمی، و علی بن محمد ابن خشنام المالكی، و سمع الحروف مع أبیه من- جامع البیان- إبراهیم بن محمد ابن مروان، و عتیق بن ما شاء الله، و- جامع البیان- عبد الله بن المبارك و عبد الله ابن محمد بن المفسر، و أبی الفتح بن بدهن، و سمع سبعة ابن مجاهد من أبی الحسن علی ابن محمد بن إسحاق الحلبی المعدل عنه، روی القراءات عنه عرضا و سماعا الحافظ-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 125
الهاشمی «1» عن الأشنانی «2»، عن عبید الله بن الصباح «3» [عن حفص]
______________________________
- التیسیر- أبو عمرو عثمان بن سعید و إبراهیم بن ثابت الأقلیسی و أحمد بن بابشاذ الجوهری، و أبو الفضل عبد الرحمن الرازی، و أبو عبد الله محمد بن أحمد القزوینی، قال الدانی: لم یر فی وقته مثله فی فهمه و علمه مع فضله و صدق لهجته، كتبنا عنه كثیرا. و توفی بمصر لعشر مضین من شوال سنة تسع و تسعین و ثلاثمائة.
ینظر غایة النهایة (1/ 339) (1475).
(1) محمد بن عیسی، أبو موسی، و یقال: أبو علی، الهاشمی العباسی البغدادی، یعرف بالبیاضی، شیخ مشهور، روی الحروف سماعا من غیر عرض عن محمد بن یحیی القطعی و- المبهج- بشر بن هلال و- المبهج- نصر بن علی، روی عنه الحروف و- المبهج- أبو بكر بن مجاهد و- المبهج- أبو بكر بن مقسم و أبو الحسن بن شنبوذ، و علیه مدار قراءة ابن محیصن من طریق الشنبوذی.
ینظر غایة النهایة (2/ 225) (3347).
(2) الإمام، شیخ القراء ببغداد، أبو العباس، أحمد بن سهل بن الفیرزان الأشنانی، صاحب عبید ابن الصباح.
تلا علی عبید، ثم من بعده علی جماعة من تلامذة عمرو بن الصباح، و برع فی علم الأداء، و عمر دهرا، و حدث عن بشر بن الولید الكندی، و عبد الأعلی بن حماد النرسی، و طائفة.
تلا علیه خلق، منهم: أبو بكر بن مقسم، و عبد الواحد بن أبی هاشم، و علی بن محمد ابن صالح الهاشمی، و ابن زیاد النقاش، و الحسن بن سعید المطوعی، و إبراهیم بن أحمد الخرقی.
و ممن زعم أنه تلا علی الأشنانی: أبو أحمد السامری، و علی بن الحسین الغضائری، و عبد القدوس بن محمد، و أحمد بن محمد بن سوید المعلم، و ثلاثتهم انفرد بذكرهم أبو علی الأهوازی، فالله أعلم.
و قد حدث عنه عبد العزیز الخرقی، و محمد بن علی بن سوید. وثقه الدارقطنی.
قال ابن أبی هاشم: قرأت القرآن كله علی الأشنانی، و كان خیرا، فاضلا، ضابطا، و قال لی: قرأت علی عبید بن الصباح.
قال أبو علی الأهوازی: قطع الأشنانی الإقراء قبل موته بعشر سنین. هكذا قال الأهوازی: فإن صح ذلك فأین قول أبی أحمد و الغضائری: إنهم قرءوا علیه؟ فقبح الله الكذب و ذویه.
مات الأشنانی فی المحرم سنة سبع و ثلاثمائة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء و تاریخ بغداد (4/ 185)، و العبر (2/ 133- 134)، و طبقات القراء للذهبی (1/ 200- 201)، و الوافی بالوفیات (6/ 407)، و طبقات القراء للجزری (1/ 59- 60)، و شذرات الذهب (2/ 250).
(3) عبید بن الصباح بن أبی شریح بن صبیح أبو محمد النهشلی الكوفی ثم البغدادی مقرئ ضابط صالح، أخذ القراءة عرضا عن حفص عن عاصم، قال الحافظ أبو عمرو: و هو من أجل أصحابه و أضبطهم، روی القراءة عنه عرضا أحمد بن سهل الأشنانی و الكامل عبد الصمد-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 126
«1» عن عاصم.

باب الاستعاذة «2»

الاستعاذة: مصدر كالاستجارة و الاستعانة، تقول: استعاذ زید، إذا قال: أعوذ بالله من الشیطان الرجیم.
و معنی «أعوذ بالله»: أمتنع بالله «3».
______________________________
- ابن محمد العینونی و جامع البیان الحسن بن المبارك الأنماطی أیضا فیما ذكره الأهوازی عن شیخه الغضائری عن أبی هاشم الزعفرانی عنه، و كذا فی جامع البیان، و قال ابن شنبوذ: لم یرو عنه غیر الأشنانی و ما ذكر عنه فمن طریق الأداء لا من طریق الروایة، قال: و قد ذكر الأشنانی أنه لم یجد بین أصحاب عمرو الذین قرأ علیهم و عبید خلافا، و هذا دلیل الاختلال؛ لأنا نجد من طریق غیره عنهما خلافا، قال ابن الجزری: كلامه هذا آخر ینقض قوله أولا لم یرو عنه غیر الأشنانی، قال أبو علی الأهوازی: و لیس عمرو بن الصباح و عبید ابن الصباح بأخوین، و قال الحافظ أبو عمرو: هما أخوان و أبعد بعضهم و أغرب فقال: هما واحد، و قال أبو الحسن بن غلبون: حدثنا علی بن محمد حدثنا أحمد بن سهل قال قرأت علی أبی محمد عبید بن الصباح فكان ما علمته من الورعین المتقین و قال قرأت القرآن من أوله إلی آخره و أتقنته علی أبی عمر حفص لیس بینی و بینه أحد، قال الأهوازی: سمعت أحمد بن عبد الله بن الحسین یقول: سمعت محمد بن عبید الله بن الحسن یقول: مات عبید سنة خمس و ثلاثین و مائتین، قال ابن الجزری: و أنبأنی الثقات عن علی بن أحمد عن الكندی أنا أبو منصور بن خیرون أنا الحسن بن علی بن محمد الجوهری سنة أربع خمسین و أربعمائة أنا أبو القاسم الخرقی و أبو بكر أحمد بن محمد بن سوید قالا: أنبأنا أبو العباس الأشنانی قال مات عبید بن الصباح سنة تسع عشرة و مائتین و هذا أصح و الله أعلم.
ینظر: غایة النهایة (1/ 495، 496) (2061).
(1) سقط فی أ.
(2) اعلم أن الاستعاذة لیست من القرآن إجماعا؛ و إنما درج العلماء و المفسرون علی الابتداء بالحدیث عنها؛ لما ورد فی شأنها من قوله تعالی: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّیْطانِ الرَّجِیمِ [النحل: 98]؛ حیث قیل بوجوب الاستعاذة عند القراءة علی كل قارئ، و قیل بوجوبها علی النبی صلی اللّه علیه و سلم وحده، و قیل بأنها مندوبة، لا واجبة، و سیأتی تفصیل ذلك فی المسألة الرابعة من هذا الباب. و ینظر اللباب (1/ 79).
(3) العوذ له معنیان:
أحدهما: الالتجاء و الاستجارة.
و الثانی: الالتصاق، و یقال: (أطیب اللحم عوذه) و هو ما التصق بالعظم.
فعلی الأول: أعوذ بالله، أی: ألتجئ إلی رحمة الله، و منه العوذة: و هی ما یعاذ به من الشر.
و قیل للرقیة و التمیمة- و هی ما یعلق علی الصبی-: عوذة، و عوذة، بفتح العین و ضمها، و كل أنثی وضعت فهی عائذ إلی سبعة أیام.
و یقال: عاذ یعوذ عوذا، و عیاذا، و معاذا، فهو عائذ و معوذ، و منه قول الشاعر:-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 127
و اعلم أن الكلام فی الاستعاذة ینحصر فی أربع مسائل:
المسألة الأولی: فی لفظها.
المسألة الثانیة «1»: فی كیفیة اللفظ بها.
المسألة الثالثة «2»: فی محل استعمالها.
المسألة الرابعة «3»: فی حكمها من حیث الأمر الوارد بها «4».
المسألة الأولی: فی لفظها.
و اختلف الناس فیه، فحكی المصریون «5» عن ورش «6»: «أعوذ بالله العظیم من الشیطان الرجیم».
و قد حكی هذا عن قنبل «7» أیضا.
______________________________ - ألحق عذابك بالقوم الذین طغواو عائذا بك أن یعلوا فیطغونی قیل: عائذ- هنا- أصله اسم فاعل، و لكنه وقع موقع المصدر، كأنه قال: و عیاذا بك.
(1) فی ب. و الثانیة.
(2) فی ب: و الثالثة.
(3) فی ب: و الرابعة.
(4) فی أ. لها.
(5) هم: یونس بن عبد الأعلی، و عبد الله بن مالك، و أبو یعقوب الأزرق، و موسی بن سهل.
(6) شیخ الإقراء بالدیار المصریة، أبو سعید، و أبو عمرو، عثمان بن سعید بن عبد الله ابن عمرو، و قیل: اسم جده عدی بن غزوان القبطی الإفریقی مولی آل الزبیر.
قیل: ولد سنة عشر و مائة.
جود ختمات علی نافع، و لقبه نافع بورش لشدة بیاضه، و الورش یصنع، و قیل: لقبه بطائر اسمه ورشان، ثم خفف، فكان لا یكرهه و یقول: نافع أستاذی سمانی به.
و كان فی شبیبته رواسا، و كان أشقر أزرق، ربعة سمینا، قصیر الثیاب، ماهرا بالعربیة، انتهت إلیه رئاسة الإقراء.
تلا علیه: أحمد بن صالح الحافظ، و داود بن أبی طیبة، و یوسف الأزرق، و عبد الصمد ابن عبد الرحمن بن القاسم، و یونس بن عبد الأعلی، و عدد كثیر.
و كان ثقة فی الحروف حجة. قال یونس: كان جید القراءة، حسن الصوت، إذا قرأ یهمز، و یمد، و یشدد، و یبین الإعراب، لا یمله سامعه.
و یقال: إنه تلا علی نافع أربع ختمات فی شهر واحد، مات بمصر فی سنة سبع و تسعین و مائة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (9/ 295- 296)، و معجم الأدباء (12/ 116)، و العبر (1/ 324)، و معرفة القراء (1/ 126، 128)، و طبقات القراء (1/ 502)، و النجوم الزاهرة (2/ 155)، و حسن المحاضرة (1/ 485).
(7) إمام فی القراءة مشهور، و هو أبو عمر، محمد بن عبد الرحمن المخزومی مولاهم المكی؛-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 128
و روی عن نافع «1»، و ابن عامر و الكسائی: «أعوذ بالله من الشیطان الرجیم إن الله
______________________________
- عاش ستّا و تسعین سنة. و إنما لقب قنبلا؛ لأنه كان یكثر من استعمال دواء یعرف بالقنبل تلا علی أبی الحسن القواس و غیره.
أخذ عنه ابن شنبوذ، و ابن مجاهد، و ابن عبد الرزاق، و ابن شوذب الواسطی. یقال:
هرم و تغیر. مات سنة إحدی و تسعین و مائتین. ینظر: سیر أعلام النبلاء (14/ 84)، و معجم الأدباء (17/ 17- 18)، و وفیات الأعیان (3/ 42)، و العبر (2/ 89)، و طبقات القراء للذهبی (1/ 186- 187)، و دول الإسلام (1/ 176)، و الوافی بالوفیات (3/ 226- 227)، و البدایة و النهایة (11/ 99)، و العقد الثمین (2/ 109- 110)، و طبقات القراء للجزری (2/ 165- 166)، و النشر فی القراءات العشر (1/ 120- 121)، و شذرات الذهب (2/ 208).
(1) نافع بن عبد الرحمن بن أبی نعیم أبو رویم، و یقال: أبو نعیم و یقال: أبو الحسن و قیل:
أبو عبد الله و قیل: أبو عبد الرحمن اللیثی مولاهم، و هو مولی جعونة بن شعوب اللیثی حلیف حمزة بن عبد المطلب المدنی أحد القراء السبعة و الأعلام ثقة صالح، أصله من أصبهان، و كان أسود اللون حالكا صبیح الوجه حسن الخلق فیه دعابة، أخذ القراءة عرضا عن جماعة من تابعی أهل المدینة، قال أبو قرة موسی بن طارق: سمعته یقول: قرأت علی سبعین من التابعین. روی القراءة عنه عرضا و سماعا- المستنیر، و الغایة، و جامع البیان، و الكامل- إسماعیل بن جعفر و عیسی بن وردان، و سلیمان بن مسلم بن جماز و- الكامل- مالك بن أنس، و هم من أقرانه. و إسحاق بن محمد و- الكامل- أبو بكر و- الكامل- إسماعیل ابنا أبی أویس و- الكامل- یعقوب بن جعفر أخو إسماعیل، و عبد الرحمن ابن أبی الزناد و- الكامل- الزبیر بن عامر و خلف بن وضاح و أبو الذكر محمد بن یحیی و أبو العجلان و أبو غسان محمد بن یحیی بن علی و صفوان و محمد بن عبد الله بن إبراهیم ابن وهب، و هؤلاء من أهل المدینة. و- الكامل- موسی بن طارق أبو قرة الیمانی و- الكامل- عبد الملك بن قریب الأصمعی و خالد بن مخلد القطوانی و- الكامل- أبو عمرو ابن العلاء و أبو الربیع الزهرانی روی عنه حرفین و- الكامل- خارجة بن مصعب الخراسانی و خلف بن نزار الأسلمی. و أقرأ الناس دهرا طویلا نیفا عن سبعین سنة، و انتهت إلیه رئاسة القراءة بالمدینة، و صار الناس إلیها، و قال أبو عبید: و إلی نافع صارت قراءة أهل المدینة و بها تمسكوا إلی الیوم، و قال ابن مجاهد: و كان الإمام الذی قام بالقراءة بعد التابعین بمدینة رسول الله صلی اللّه علیه و سلم: نافعا قال: و كان عالما بوجوه القراءات متبعا لآثار الأئمة الماضین ببلده، و قال سعید بن منصور: سمعت مالك بن أنس یقول: قراءة أهل المدینة سنة، قیل له: قراءة نافع؟ قال نعم. و قال عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبی: أی القراءة أحب إلیك؟ قال قراءة أهل المدینة، قلت: فإن لم یكن؟ قال: قراءة عاصم، قرأت القرآن كله علی الإمام أبی عبد الله محمد بن عبد الرحمن التحقیق، و قرأه هو علی الصائغ التحقیق، و قرأ علی الكمال الضریر التحقیق، و قرأ علی الشاطبی التحقیق، و قرأ ابن هذیل التحقیق، و قرأ علی أبی داود التحقیق، و قرأ علی الدانی التحقیق، و قرأ علی فارس التحقیق، و قرأ علی عمر ابن عراك التحقیق، و قرأ علی حمدان بن عون التحقیق، و قرأ علی إسماعیل النحاس-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 129
هو السمیع العلیم» «1».
و روی عن حفص: «أعوذ بالله العظیم السمیع العلیم من الشیطان الرجیم» «2».
و عن حمزة: «أعوذ بالله السمیع العلیم من الشیطان الرجیم».
و عنه أیضا: «أعوذ بالسمیع العلیم من الشیطان الرجیم».
و عن بعضهم أنه اختار للجماعة: «أعوذ بالله القوی من الشیطان الغوی».
و حكی أن أبا بكر الصدیق «3»- رضی الله عنه- كان یتعوذ بهذا التعوذ الأخیر.
______________________________
- التحقیق. و قرأ علی الأزرق التحقیق، و قرأ علی ورش التحقیق، و قرأ علی نافع التحقیق، ح: و أخبرنی أبو محمد بن أبی بكر الحافظ عن عثمان بن محمد المالكی عن أبی إسحاق الإشبیلی عن أبی عبد الله الأندلسی عن أحمد بن محمد بن محمد عن أبی عمرو قال: حدثنا فارس بن أحمد، ثنا عمر بن محمد المقری، ثنا أبو محمد الحسن ابن أبی الحسن العسكری، ثنا محمد بن الحسن بن عمیر، ثنا عبد الرحمن بن داود ابن أبی طیبة قال قرأت علی أبی التحقیق، و أخبرنی أنه قرأ علی ورش التحقیق، و أخبره أنه قرأ علی نافع التحقیق، قال: و أخبرنی نافع أنه قرأ علی الخمسة التحقیق، و أخبرنی الخمسة أنهم قرءوا علی عبد الله بن عیاش بن أبی ربیعة التحقیق، و أخبرهم عبد الله أنه قرأ علی أبی بن كعب التحقیق، و أخبرنی أنه قرأ علی رسول الله- صلی الله علیه و سلم- التحقیق، قال: و قرأ النبی علی التحقیق. قال الحافظ أبو عمرو الدانی هذا الحدیث غریب، لا أعلمه یحفظ إلا من هذا الوجه، و هو مستقیم الإسناد.
ینظر غایة النهایة (2/ 330- 334).
(1) و بهذا قال الثوری و الأوزاعی، و هو قریب مما قاله أحمد بن حنبل، حیث قال- رضی الله عنه-: «الأولی: أن یقول: أعوذ بالله من الشیطان الرجیم، إنه هو السمیع العلیم» و وجّه ذلك بأن فی هذه الصیغة جمعا بین صیغة الأمر الوارد فی قوله تعالی: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّیْطانِ الرَّجِیمِ [النحل: 98] و الصیغة الواردة فی قوله- عز و جل- وَ إِمَّا یَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّیْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ [فصلت: 36]، كما أن الغرض من الاستعاذة الاحتراز من شر الوسوسة، و معلوم أن الوسوسة كأنها كلام خفی فی قلب الإنسان، و لا یطلع علیها أحد، فكأن العبد یقول: یا من هو یسمع كل مسموع، و یعلم كل سر خفی أنت تعلم وسوسة الشیطان، و تعلم غرضه منها، و أنت القادر علی دفعها عنی، فادفعها عنی بفضلك؛ فلهذا السبب كان ذكر السَّمِیعُ الْعَلِیمُ أولی بهذا الموضع من سائر الأذكار. ینظر اللباب (1/ 80، 81، 100).
(2) و هذا ما اختاره- أیضا- بعض الشافعیة، موجهین إیاه بما سبق عن أحمد بن حنبل من الجمع بین صیغتی الآیتین.
(3) عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد تیم، التیمی، أبو بكر بن أبی قحافة الصدیق، أول الرجال إسلاما و رفیق سید المرسلین صلی اللّه علیه و سلم فی هجرته. شهد المشاهد، و كان من أفضل الصحابة، و روی مائة و اثنین و أربعین حدیثا، اتفقا علی ستة، و انفرد البخاری بأحد عشر، و مسلم بحدیث. و عنه ولداه عبد الرحمن و عائشة و عمر و علی و خلق. و كان-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 130
و ذكر الحافظ فی «جامع البیان» أن الروایة فی الاستعاذة قبل القراءة وردت عن النبی صلی اللّه علیه و سلم بلفظین:
أحدهما: «أعوذ بالله من الشیطان الرجیم».
روی ذلك جبیر بن مطعم «1».
و الثانی: «أعوذ بالله السمیع العلیم من الشیطان الرجیم».
روی ذلك عنه أبو سعید الخدری «2».
قال: و روی أبو روق «3»
______________________________
- أبیض أشقر لطیفا مسترق الوركین، قال النبی صلی اللّه علیه و سلم: «سدوا كل خوخة إلا خوخة أبی بكر».
و قال عمر: أبو بكر خیرنا و سیدنا و أحبنا إلی رسول الله، صلی الله علیه و سلم. توفی سنة ثلاث عشرة، عن ثلاث و ستین سنة، و دفن بالحجرة النبویة.
ینظر: تهذیب التهذیب (5/ 315) (537)، و الإصابة (4/ 169)، و تهذیب الكمال (2/ 78).
(1) جبیر بن مطعم بن عدی بن نوفل بن عبد مناف، النوفلی، أبو محمد أو أبو عدی، المدنی، أسلم قبل حنین أو یوم الفتح، له ستون حدیثا، اتفقا علی ستة، و انفرد البخاری بحدیث، و مسلم بآخر، روی عنه ابناه محمد و نافع، و سلیمان بن صرد و ابن المسیب و طائفة. و كان حلیما وقورا عارفا بالنسب. و ذكر ابن إسحاق أن النبی صلی اللّه علیه و سلم أعطاه مائة من الإبل و توفی سنة تسع أو ثمان و خمسین بالمدینة. ینظر: الخلاصة (1/ 16) (1005)، تهذیب التهذیب (2/ 63).
و الحدیث أخرجه أحمد (4/ 82- 85)، و أبو داود (764، 765) و ابن ماجة (807)، و أبو یعلی (7398)، و ابن خزیمة (468- 469) و ابن الجارود (180)، و ابن حبان (1779) و الطبرانی (1568، 1569)، و الحاكم (1/ 235)، و البیهقی (2/ 35)
(2) سعد بن مالك بن سنان- بنونین- ابن عبد بن ثعلبة بن عبید بن خدرة- بضم المعجمة- الخدری، أبو سعید، بایع تحت الشجرة، و شهد ما بعد أحد، و كان من علماء الصحابة، له ألف و مائة حدیث و سبعون حدیثا، اتفقا علی ثلاثة و أربعین، و انفرد البخاری بستة و عشرین، و مسلم باثنین و خمسین و عنه طارق بن شهاب، و ابن المسیب، و الشعبی، و نافع و خلق، قال الواقدی: مات سنة أربع و سبعین.
ینظر: الخلاصة (1/ 371) (2397)، تهذیب التهذیب (3/ 479)، الإصابة (3/ 78)، و الوافی بالوفیات (15/ 200).
و الحدیث أخرجه أحمد (3/ 50، 69)، و أبو داود (1/ 265) كتاب الصلاة باب من رأی الاستفتاح بسبحانك اللهم و بحمدك (775) و الترمذی (1/ 282) كتاب الصلاة باب ما یقول عند افتتاح الصلاة (242) و ابن ماجة (1/ 102) كتاب إقامة الصلاة باب افتتاح الصلاة (804) و النسائی (2/ 132) كتاب الافتتاح باب نوع آخر من الذكر، و أبو یعلی (1108)، و ابن خزیمة (467) من حدیث أبی سعید الخدری.
(3) عطیة بن الحارث الهمدانی، أبو روق الكوفی. عن أنس و إبراهیم التیمی و الشعبی.
و عنه ابناه: یحیی و عمارة و الثوری. قال أبو حاتم: صدوق.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 131
عن الضحاك «1»، عن ابن عباس «2» أنه قال: «أول ما نزل جبریل علی النبی صلی اللّه علیه و سلم علمه الاستعاذة- قال: «یا محمد؛ قل: أعوذ بالله السمیع العلیم من الشیطان الرجیم» «3» ثم قال: «قل: بسم الله الرحمن الرحیم».
قال الحافظ: و علی استعمال هذین اللفظین عامة أهل الأداء من أهل الحرمین «4»، و العراقین، و الشام، فأما أهل مصر، و سائر أهل المغرب فاستعمال أكثر أهل الأداء منهم لفظ ثالث و هو: «أعوذ بالله العظیم من الشیطان الرجیم».
ثم رجح التعوذ الأول، و علیه عول رغبة فی «التیسیر» فقال: [اعلم أن المستعمل عند
______________________________
- ینظر: تهذیب التهذیب (7/ 224)، و تقریب التهذیب (2/ 24)، الخلاصة (2/ 233)، (4875)، و الثقات (7/ 277).
(1) الضحاك بن مزاحم الهلالی مولاهم، الخراسانی، یكنی أبا القاسم.
عن أبی هریرة، و ابن عباس، و أبی سعید و ابن عمر، و زید بن أرقم، و أنس. و عنه:
عبد الرحمن بن عوسجة و عبد العزیز بن أبی رواد و قرة بن خالد، و خلق.
قال سعید بن جبیر: لم یلق ابن عباس. و وثقه أحمد، و ابن معین، و أبو زرعة.
و قال ابن حبان: فی جمیع ما روی نظر؛ إنما اشتهر بالتفسیر.
قال أبو نعیم: مات سنة خمس و مائة.
ینظر: الخلاصة (2/ 5) (3146)، و تهذیب التهذیب (4/ 453)، و تقریب التهذیب (1/ 373)، و الثقات (6/ 480).
(2) عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، الهاشمی، أبو العباس المكی ثم المدنی ثم الطائفی، ابن عم النبی صلی اللّه علیه و سلم و صاحبه و حبر الأمة و فقیهها، و ترجمان القرآن روی ألفا و ستمائة و ستین حدیثا.
اتفقا علی خمسة و سبعین، و انفرد البخاری بثمانیة و عشرین، و مسلم بتسعة و أربعین.
و عنه: أبو الشعثاء، و أبو العالیة، و سعید بن جبیر، و ابن المسیب و عطاء بن یسار، و أمم.
قال موسی بن عبیدة: كان عمر یستشیر ابن عباس، و یقول: غواص.
و قال سعد: ما رأیت أحضر فهما، و لا ألب لبا، و لا أكثر علما، و لا أوسع حلما من ابن عباس، و لقد رأیت عمر یدعوه للمعضلات. و قال عكرمة: كان ابن عباس إذا مر فی الطریق قالت النساء: أمر المسك أو ابن عباس؟ و قال مسروق: كنت إذا رأیت ابن عباس قلت: أجمل الناس، و إذا نطق قلت: أفصح الناس، و إذا حدث قلت: أعلم الناس. مناقبه جمة.
قال أبو نعیم: مات سنة ثمان و ستین. قال ابن بكیر: بالطائف، و صلی علیه محمد ابن الحنفیة.
ینظر: الخلاصة (2/ 69- 70) (3589)، و تهذیب التهذیب (5/ 276)، و تقریب التهذیب (1/ 425)، و الثقات (33/ 207)، و أسد الغابة (3/ 290).
(3) أخرجه الطبری فی تفسیره (1/ 77) (137).
(4) هما: مكة، و المدینة علی ساكنها أفضل الصلاة و السلام.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 132
الحذّاق من أهل الأداء فی لفظها] «1»: «أعوذ بالله من الشیطان الرجیم» «2» دون غیره.
______________________________
(1) سقط فی أ.
(2) و هذه الصیغة اختارها أبو حنیفة- رضی الله عنه- لموافقتها ظاهر الآیة الكریمة: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّیْطانِ الرَّجِیمِ [النحل: 98].
و «أعوذ» فعل مضارع، و أصله: «أعوذ» بضم الواو، مثل: «أقتل، و أخرج أنا» و إنما نقلوا حركة الواو إلی الساكن قبلها؛ لأن الضمة ثقیلة، و هكذا كل مضارع من فعل عینه واو، نحو: «أقوم، و یقوم، و أجول، و یجول» و فاعله ضمیر المتكلم.
و هذا الفاعل لا یجوز بروزه؛ بل هو من المواضع السبعة التی یجب فیها استتار الضمیر علی خلاف فی السابع و لا بد من ذكرها؛ لعموم فائدتها، و كثرة دورها:
الأول: المضارع المسند للمتكلم وحده؛ نحو: «أفعل».
الثانی: المضارع المسند للمتكلم مع غیره، أو المعظم نفسه؛ نحو: «نفعل نحن».
الثالث: المضارع المسند للمخاطب، نحو: تفعل أنت، و یوحد المخاطب بقید الإفراد، و التذكیر؛ لأنه متی كان مثنی، أو مجموعا، أو مؤنثا- وجب بروزه؛ نحو، «تقومان- یقومون- تقومین».
الرابع: فعل الأمر المسند للمخاطب، نحو: «افعل أنت» و یوحد المخاطب أیضا بقید الإفراد، و التذكیر؛ لأنه متی كان مثنی، أو مجموعا، أو مؤنثا- وجب بروزه، نحو «افعلا- افعلوا- افعلی».
الخامس: اسم فعل الأمر مطلقا، سواء كان المأمور مفردا، أو مثنی، أو مجموعا، أو مؤنثا، نحو: «صه یا زید- یا زیدان- یا زیدون- یا هند- یا هندان- یا هندات».
بخلاف فعل الأمر؛ فإنه یبرز فیه ضمیر غیر المفرد المذكر، كما تقدم.
السادس: اسم الفعل المضارع؛ نحو: «أوه» أی: أتوجع، و «أف» أی: أتضجر، و «وی» أی: أعجب.
و هذه الستة لا یبرز فیها الضمیر؛ بلا خلاف.
و قولنا «اسم فعل الأمر، و اسم الفعل المضارع» احتراز عن اسم الفعل الماضی؛ فإنه لا یجب فیه الاستتار.
السابع: المصدر الواقع موقع الفعل بدلا من لفظه؛ نحو: «ضربا زیدا»؛ و قول الشاعر:
یمرون بالدهنا خفافا عیابهم‌و یرجعن من دارین بجر الحقائب
علی حین ألهی الناس جل أمورهم‌فندلا زریق المال ندل الثعالب و قوله تعالی: فَضَرْبَ الرِّقابِ [محمد: 4].
هذا إذا جعلنا فی (ضربا) ضمیرا مستترا، و أما من یقول من النحویین: إنه لا یتحمل ضمیرا البتة، فلا یكون من المسألة فی شی‌ء.
و الضابط فیما یجب استتاره، و إن عرف من تعداد الصور المتقدمة-: أن كل ضمیر لا یحل محله ظاهر، و لا ضمیر متصل، فهو واجب الاستتار كالمواضع المتقدمة، و ما جاز أن یحل محله أحدهما، فهو جائز الاستتار، نحو: (زید قام) فی (قام) ضمیر جائز الاستتار، و یحل محله الظاهر، نحو: (زید قام أبوه) أو الضمیر المنفصل، نحو: (زید ما قام إلا هو)-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 133
______________________________
- فإن وجد من لسانهم فی أحد المواضع المتقدمة الواجب فیها الاستتار، ضمیر منفصل، فلیعتقد كونه توكیدا للضمیر المستتر، كقوله تعالی: اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة: 35] ف (أنت) مؤكد لفاعل (اسكن).
و (بالله) جار و مجرور، و كذلك: (من الشیطان) و هما متعلقان ب (أعوذ).
و معنی الباء: الاستعانة، و (من): للتعلیل، أی: أعوذ مستعینا بالله من أجل الشیطان، و یجوز أن تكون (من) لابتداء الغایة.
و الشیطان: المتمرد من الجن، و قیل: الشیاطین أقوی من الجن، و المردة أقوی من الشیاطین، و العفریت أقوی من المردة، و العفاریت أقواها.
و قال أبو عبیدة- رحمه الله-: الشیطان اسم لكل عارم من الجن، و الإنس، و الحیوانات؛ لبعده من الرشاد، قال تبارك و تعالی: وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِیٍّ عَدُوًّا شَیاطِینَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِ [الأنعام: 112]، فجعل من الإنس شیاطین.
و ركب عمر- رضی الله تعالی عنه- برذونا، فطفق یتبختر فجعل یضربه فلا یزداد إلا تبخترا؛ فنزل عنه، و قال: (ما حملتمونی إلا علی شیطان).
و قد یطلق علی كل قوة ذمیمة فی الإنسان؛ قال- علیه الصلاة و السلام- (الحسد شیطان، و الغضب شیطان) و ذلك لأنهما ینشآن عنه.
و اختلف أهل اللغة فی اشتقاقه:
فقال جمهورهم: هو مشتق من: (شطن- یشطن) أی: بعد؛ لأنه بعید من رحمة الله تعالی، و أنشد:
نأت بسعاد عنك نوی شطون‌فبانت و الفؤاد بها رهین و قال آخر:
أیما شاطن عصاه عكاه‌ثم یلقی فی السجن و الأكبال و حكی سیبویه- رحمه الله-: (تشیطن) أی: فعل فعل الشیاطین؛ فهذا كله یدل علی أنه من (شطن)؛ لثبوت النون، و سقوط الألف فی تصاریف الكلمة، و وزنه علی هذا:
(فیعال).
و قیل: هو مشتق من (شاط- یشیط) أی: هاج، و احترق، و لا شك أن هذا المعنی موجود فیه، فأخذوا بذلك أنه مشتق من هذه المادة؛ لكن لم یسمع فی تصاریفه إلا ثابت النون، محذوف الألف؛ كما تقدم، و وزنه علی هذا: (فعلان)، و یترتب علی القولین: صرفه و عدم صرفه، إذا سمی به، و أما إذا لم یسم به، فإنه منصرف البتة؛ لأن من شرط امتناع (فعلان) الصفة: ألا یؤنث بالتاء، و هذا یؤنث بها؛ قالوا: (شیطانة).
قال ابن الخطیب: و (الشیطان) مبالغة فی الشیطنة؛ كما أن (الرحمن) مبالغة فی الرحمة.
و (الرجیم) فی حق الشیطان (فعیل) بمعنی: مفعول أی مرجوم.
و (الرجیم) نعت له علی الذم، و فائدة النعت: إما إزالة اشتراك عارض فی معرفة، نحو:
(رأیت زیدا العاقل)، و إما تخصیص نكرة، نحو: (رأیت رجلا تاجرا)، و إما لمجرد مدح،-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 134
______________________________
- أو ذم، أو ترحم، نحو: (مررت بزید المسكین)، و قد یأتی لمجرد التوكید، نحو قوله:
نَفْخَةٌ واحِدَةٌ [الحاقة: 13] و لا بد من ذكر قاعدة فی النعت، تعم فائدتها:
اعلم أن النعت إن كان مشتقّا بقیاس، و كان معناه لمتبوعه، لزم أن یوافقه فی أربعة من عشرة، أعنی فی واحد من ألقاب الإعراب: الرفع، و النصب، و الجر، و فی واحد من:
الإفراد، و التثنیة، و الجمع، و فی واحد من: التذكیر و التأنیث، و فی واحد من:
التعریف، و التنكیر.
و إن كان معناه لغیر متبوعه، وافقه فی اثنین من خمسة: فی واحد من ألقاب الإعراب، و فی واحد من التعریف و التنكیر، نحو: (مررت برجلین عاقلة أمهما)، فلم یتبعه فی تثنیة و لا تذكیر.
و إذا اختصرت ذلك كله، فقل: النعت یلزم أن یتبع منعوته فی اثنین من خمسة مطلقا:
فی واحد من ألقاب الإعراب، و فی واحد من التعریف و التنكیر، و فی الباقی كالفعل، یعنی:
أنك تضع موضع النعت فعلا، فمهما ظهر فی الفعل، ظهر فی النعت، مثاله ما تقدم فی:
(مررت برجلین عاقلة أمهما)؛ لأنك تقول: (مررت برجلین عقلت أمهما).
و (الرجیم) قد تبع موصوفه فی أربعة من عشرة؛ لما عرفت، و هو مشتق من (الرجم)، و الرجم أصله: الرمی بالرجام، و هی الحجارة، و یستعار الرجم للرمی بالظن و التوهم، قال زهیر:
و ما الحرب إلا ما علمتم و ذقتم‌و ما هو عنها بالحدیث المرجّم و یعبر به- أیضا- عن الشتم؛ قال تعالی: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ [مریم: 46] قیل:
أقول فیك قولا سیئا.
و المراجمة: المسابة الشدیدة استعارة كالمقاذفة، فالرجیم معناه: المرجوم، فهو (فعیل) بمعنی (مفعول) كقولهم: كف خضیب، أی: مخضوب، و رجل لعین، أی: ملعون، قال الراغب: و «الترجمان»: تفعلان، من ذلك، كأنه یعنی أنه یرمی بكلام من یترجم عنه إلی غیره. و الرّجمة: أحجار القبر، ثم عبر بها عنه؛ و فی الحدیث: (لا ترجموا قبری) أی: لا تضعوا علیه الرجمة.
و یجوز أن یكون بمعنی (فاعل)؛ لأنه یرجم غیره بالشر، و لكنه بمعنی (مفعول) أكثر، و إن كان غیر مقیس.
ثم فی كونه مرجوما وجهان:
الأول: أن معنی كونه مرجوما كونه ملعونا من قبل الله تعالی؛ قال الله- تعالی-:
فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِیمٌ [الحجر: 34] و اللعن یسمی رجما.
و حكی الله تعالی عن والد إبراهیم- علیه الصلاة و السلام- أنه قال: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ قیل: عنی بقوله الرجم بالقول.
و حكی الله- تعالی- عن قوم نوح- علیه السلام- أنهم قالوا: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ یا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِینَ [الشعراء: 116]، و فی سورة یس: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ [یس: 18].
و الوجه: أن الشیطان إنما وصف بكونه مرجوما؛ لأنه تعالی أمر الملائكة برمی الشیاطین-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 135
و هذا التعوذ هو المختار- أیضا- عند الشیخ أبی محمد مكی، و عند الإمام أبی عبد الله بن شریح.
و فی قول الحافظ: «دون غیره» إشعار بالخلاف المتقدم.
[و] «1» قوله: «و ذلك لموافقة الكتاب و السنة» تعلیل لاختیار هذا اللفظ دون غیره، ثم ذكر الآیة، و الحدیث.
و وجه الموافقة للآیة أنك تجعل «أعوذ» بدل «أستعیذ» و یبقی قولك: «بالله من الشیطان الرجیم» فی الاستعاذة كما هو فی الآیة من غیر تبدیل، و لا زیادة، و لا نقص.
و قد جاء التعوذ فی مواضع من القرآن، كقوله- تعالی-: وَ إِمَّا یَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّیْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ [الأعراف: 200].
و فی الآیة الأخری: إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ [فصلت: 36].
و فی آیة أخری: یَصِفُونَ وَ قُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّیاطِینِ وَ أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ یَحْضُرُونِ [المؤمنون: 97- 98].
و فی موضع آخر قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق: 1]، و: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس: 1] إلی آخر السورتین.
و فی موضع آخر: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِینَ [البقرة: 67]، قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّی [یوسف: 23].
و لیس فی جمیعها ما ورد عند قراءة القرآن إلا قوله- تعالی-: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّیْطانِ الرَّجِیمِ [النحل: 98] فهذا وجه ما ذكر من الموافقة للكتاب.
و أما السنة: فما رواه جبیر- كما ذكر- و لعله إنما رجح روایة جبیر علی روایة أبی سعید الخدری؛ لموافقة الآیة كما تقدم، فرأی أن ما «2» یوافق فیه الكتاب و السنة أولی فی الاستعمال مما اختص به أحدهما مع أن الأمر فی ذلك واسع، و الله- جل
______________________________
- بالشهب و الثواقب؛ طردا لهم من السموات، ثم وصف بذلك كل شریر متمرد.
ینظر اللباب (1/ 80، 95- 100).
(1) سقط فی ب.
(2) فی ب: أیما.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 136
و تعالی- أعلم.
و لسعة الأمر فیه قال ابن فیرة فی قصیدته لما ذكر التعوذ:
علی ما أتی فی النّحل یسرا و إن تردلربّك تنزیها فلست مجهّلا المسألة الثانیة: فی كیفیة اللفظ بها.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و لا أعلم خلافا بین أهل الأداء فی الجهر بها عند افتتاح القرآن، و عند الابتداء برءوس الأجزاء و غیرها فی مذهب الجماعة».
هذا الذی ذكر الحافظ من الجهر بالاستعاذة هو اختیار الشیخ أبی محمد مكی، و لم أجد للإمام أبی عبد الله بن شریح تعرضا للجهر، و لا للإخفاء «1»، لكنی قرأت بالجهر فی طریقه كالذی قرأت من طریق الحافظ و الشیخ، و لم یأمرنی أحد ممن قرأت علیه بطریقه بالإخفاء، و الله- تبارك و تعالی- أعلم «2».
قوله: «عند افتتاح القرآن»، یرید الابتداء بسورة الحمد، و «عند الابتداء برءوس الأجزاء» یرید الابتداء بحزب من أی سورة كان، أو بنصف حزب، أو ربعه.
قوله: «و غیرها» یرید الابتداء بأی سورة كانت، أو أی آیة كانت سواء وافقت جزءا، أو لم توافقه فحصل من هذا استعمال التعوذ عند كل ابتداء علی كل حال.
و هذا حاصل قول الشیخ، و الإمام.
قوله: «اتباعا للنص و اقتداء بالسنة».
یعنی بالنص: الآیة التی ذكر، و بالسنة: الحدیث الذی روی جبیر، و لیس یرجع قوله: «اتباعا للنص و اقتداء بالسنة» إلی الجهر، و إنما یرجع إلی استعمال التعوذ عند كل ابتداء حملا للآیة و الحدیث علی العموم، و الله- جل جلاله- أعلم.
قوله: «فأما الروایة بذلك فوردت عن أبی عمرو».
یعنی الروایة بالجهر، ثم ذكر الإخفاء روایة عن نافع و عن حمزة، و لیس فیما ذكر
______________________________
(1) فی أ: و للإخفاء.
(2) و أیهما فعل من الجهر أو الإخفاء، فهو جائز؛ فقد روی أن عبد الله بن عمر- رضی الله تعالی عنهما- لما قرأ أسر بالتعویذ.
و عن أبی هریرة- رضی الله تعالی عنه- أنه جهر به، ذكره الشافعی- رحمه الله تعالی- فی (الأم) ثم قال: فإن جهر به جاز، و إن أسر به جاز. ینظر اللباب (1/ 88).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 137
من الإخفاء المروی مناقضة لقوله: «و لا أعلم بین أهل الأداء خلافا فی الجهر بها»؛ إذ لا تعارض بین الروایة و الأداء، و نظیر هذه المسألة من الفقه یكون فیها قولان عن مالك «1» مثلا، فیستمر العمل بأحدهما كترك رفع الیدین عند الركوع حیث استمر العمل علیه مع وجود الروایة بالرفع. «2»
فإذا قال قائل و الحالة هذه: لا أعلم خلافا فی العمل بترك رفع الیدین عند «3» الركوع، ثم قال: و قد وردت الروایة عن مالك بالرفع- لم یتناقض قوله؛ لانصراف الاتفاق إلی العمل دون الروایة، و الله- سبحانه- أعلم.
______________________________
(1) مالك بن أنس بن مالك بن أبی عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحی، أبو عبد الله المدنی، أحد أعلام الإسلام، و إمام دار الهجرة.
عن نافع و المقبری و نعیم بن عبد الله و ابن المنكدر و محمد بن یحیی بن حبان و إسحاق ابن عبد الله بن أبی طلحة و أیوب و زید بن أسلم و خلق. و عنه من شیوخه: الزهری و یحیی الأنصاری.
و ممن مات قبله: ابن جریج و شعبة و الثوری و خلق، و ابن عیینة و القطان و ابن وهب و خلائق آخرهم موتا أبو حذافة السهمی.
قال الشافعی: مالك حجة الله تعالی علی خلقه. قال ابن مهدی: ما رأیت أحدا أتم عقلا و لا أشد تقوی من مالك. و قال ابن المدینی: له نحو ألف حدیث قال البخاری: أصح الأسانید: مالك عن نافع عن ابن عمر. ولد مالك سنة ثلاث و تسعین، و حمل به ثلاث سنین. و توفی سنة تسع و سبعین و مائة، و دفن بالبقیع.
ینظر: الخلاصة (3/ 3) (6796)، و تهذیب التهذیب (10/ 5)، و تقریب التهذیب (2/ 223)، و الجرح و التعدیل (1/ 11)، و سیر أعلام النبلاء (8/ 48).
(2) قال فی أسهل المدارك: (و هل یرفعهما عند الركوع و الرفع منه؟ خلاف) یعنی أن المصلی هل یرفع یدیه عند الركوع و عند رفعه منه أم لا؟ فالجواب أنه لا یرفع یدیه فی شی‌ء من ذلك إلا عند تكبیرة الإحرام فقط، قال مالك فی المدونة: لا أعرف رفع الیدین فی شی‌ء من تكبیر الصلاة لا فی خفض و لا فی رفع إلا فی افتتاح الصلاة یرفع یدیه شیئا خفیفا، و المرأة فی ذلك بمنزلة الرجل. ا ه. قال: كرفع یدیه مع إحرامه فقط، أی لا مع هویّه للركوع، و لا مع رفعه منه، و لا إثر قیامه من اثنتین. ا ه. قاله فی جواهر الإكلیل. و كذا فی الدردیر. و قال أبو الحسن فی كفایة الطالب: و ظاهر كلام الشیخ أن الرفع مختص بتكبیرة الإحرام، و هو كذلك علی المشهور، فلا یرفع عند الركوع، و لا عند الرفع منه، و لا فی القیام من اثنتین. ا ه.
قال الدسوقی: قوله: لا مع ركوعه و لا رفعه، أی و لا مع رفعه منه، و هذا هو أشهر الروایات عن مالك فی المواق عن الإكمال، و هو الذی علیه عمل أكثر الأصحاب. قال و فی التوضیح:
الظاهر أنه یرفع یدیه عند الإحرام و الركوع و الرفع منه و القیام من اثنتین؛ لورود الأحادیث الصحیحة بذلك. ا ه. ینظر: أسهل المدارك (1/ 133).
(3) فی ب: فی.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 138
قال العبد- رحمه الله تعالی-: و بعد أن قررت هذا التأویل الرافع للمنافرة بین الروایة و التلاوة وجدت الحافظ قد نقل مثله فقال فی كتاب «التمهید» فی سورة یوسف- علیه السلام-: «و اختلفوا فی سكون الیاء و فتحها من قوله: «مثوای» و «بشرای».
ثم نقل أقوال الرواة فی ذلك، ثم قال ما نصه: «و سألت شیخنا أبا الحسن عن هذه الأشیاء التی توجد مسطورة فی النصوص كیاء «هدای» و «بشرای» و «مثوای» و شبهه، و التلاوة بالنقل عن مسطّریها بخلاف ذلك، فقال لی: ذلك بمنزلة الآثار الواردة فی الكتب فی الأحكام و غیرها بنقل الثقات و العمل بخلافها؛ فكذلك ذلك، ثم قال الحافظ: «و هذا من لطیف التأویل و حسن الاستخراج».
و لما كان المعول علی الجهر لم أطول بما ورد فی الإخفاء من التفصیل و الخلاف و من أحب الوقوف علی ذلك فلینظره فی كتاب «الإقناع» لأبی جعفر بن الباذش- رحمه الله- فإنه قد أحكم القول فیه.
المسألة الثالثة: فی محل استعمال الاستعاذة.
و الخلاف فی التزام استعمالها قبل القراءة و قبل البسملة غیر أنا لو نزلنا الآیة، لاقتضی لفظها تقدیم القراءة علی التعوذ بدلیل أنك إذا قلت: إذا رأیت هلال رمضان فصم، و إذا رأیت هلال شوال فأفطر- لزم أن الصوم و الفطر لا یكونان مطلوبین إلا بعد حصول الرؤیة؛ فكذا قوله- تعالی-: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ [] یقتضی أن الاستعاذة لا تكون إلا بعد القراءة «1»، فلما وجدنا الاتفاق علی العمل بتقدیم التعوذ علی القراءة دل ذلك علی أن فی الآیة إضمارا، و أن المراد: فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ.
______________________________
(1) و بیان ذلك: أن قوله تعالی: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّیْطانِ الرَّجِیمِ [النحل:
98] یدل علی أن قراءة القرآن شرط، و ذكر الاستعاذة جزاء، و الجزاء متأخر عن الشرط؛ فوجب أن تكون الاستعاذة متأخرة عن القراءة.
و قد قیل فی تأیید ذلك: هذا موافق لما فی العقل؛ لأن من قرأ القرآن فقد استوجب الثواب العظیم، فربما یداخله العجب، فیسقط ذلك الثواب؛ لقوله- علیه الصلاة و السلام- «ثلاث مهلكات ...» و ذكر منها إعجاب المرء بنفسه؛ فلهذا السبب أمره الله تعالی بأن یستعیذ من الشیطان؛ لئلا یحمله الشیطان بعد القراءة علی عمل محبط ثواب تلك الطاعة.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 139
و هذا من باب المجاز الذی أقیم فیه المسبّب مقام السبب؛ لأن إرادة القراءة هی السبب فی حصول القراءة «1»، و نظیر هذه الآیة قوله- تعالی-: إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ... الآیة [المائدة: 6] إذا تأولنا أنه أراد القیام إلی الصلاة مطلقا فیكون المعنی: إذا أردتم القیام إلی الصلاة فاغسلوا.
و أما إن تأولنا أنه أراد: إذا قمتم من النوم إلی الصلاة- فلا یصح التنظیر بین الآیتین، و الله- جل جلاله- أعلم.
المسألة الرابعة: فی حكم الاستعاذة:
من حیث الأمر «2» الوارد بها فی قوله- تعالی-: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ
______________________________
- قالوا: و لا یجوز أن یكون المراد من قوله تعالی: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ أی:
إذا أردت قراءة القرآن؛ كما فی قوله تعالی: إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا [المائدة: 6].
و المعنی: إذا أردتم القیام فتوضئوا؛ لأنه لم یقل: فإذا صلیتم فاغسلوا؛ فیكون نظیر قوله: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ، و إن سلمنا كون هذه الآیة نظیر تلك، فنقول:
نعم، إذا قام یغسل عقیب قیامه إلی الصلاة؛ لأن الأمر إنما ورد بالغسل عقیب قیامه، و أیضا: فالإجماع دل علی ترك هذا الظاهر، و إذا ترك الظاهر فی موضع لدلیل، لا یوجب تركه فی سائر المواضع لغیر دلیل.
ینظر: اللباب (1/ 82- 83).
(1) و هذا ما علیه جمهور الفقهاء؛ فقد قالوا: إن قوله تعالی: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ یحتمل أن یكون المراد منه: إذا أردت، و إذا ثبت الاحتمال، وجب حمل اللفظ علیه توفیقا بین الآیة و بین الخبر المروی عن جبیر بن مطعم- رضی الله تعالی عنه- أن النبی صلی اللّه علیه و سلم حین افتتح الصلاة قال: «الله أكبر كبیرا: ثلاث مرات، و الحمد لله كثیرا: ثلاث مرات، و سبحان الله بكرة و أصیلا: ثلاث مرات» ثم قال: «أعوذ بالله من الشیطان الرجیم من همزه و نفخه و نفثه».
و مما یقوی ذلك من المناسبات العقلیة، أن المقصود من الاستعاذة نفی وساوس الشیطان عند القراءة؛ قال تعالی: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِیٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ [الحج: 52] فأمره الله تعالی بتقدیم الاستعاذة قبل القراءة؛ لهذا السبب.
قال ابن الخطیب- رحمه الله تعالی-: و أقول: هاهنا قول ثالث: و هو أن یقرأ الاستعاذة قبل القراءة؛ بمقتضی الخبر، و بعدها؛ بمقتضی القرآن؛ جمعا بین الدلائل بقدر الإمكان.
ینظر: اللباب (1/ 84- 86).
(2) الأمر منقسم إلی قسمین:
الأول: نفسی، و هو الطلب القائم بذاته- عز و جل- الذی هو أحد مدلول الكلام النفسی المتنوع إلی أمر و نهی، و خبر و استخبار، فالأمر النفسی نوع من أنواع هذا المدلول.
القسم الثانی: لفظی، و هو یتضمن اللفظ الوارد فی القرآن الكریم، و السنة النبویة-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 140
الشَّیْطانِ الرَّجِیمِ [النحل: 98]. و قد ثبت أن صیغة «افعل» تستعمل لمعان كالوجوب «1»،
______________________________
- المطهرة، الذی قام بتبلیغه الرسول صلی اللّه علیه و سلم و أما تعریف الأمر اللفظی اصطلاحا فهو الأمر اللفظی المركب من همزة و میم و راء:
أمر، المسمی بالأمر اللسانی، فمسمی اللفظ المركب من الحروف الثلاثة بهیئتها المتقدمة هو صیغة الأمر، مثل: وَ أَقِیمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ [المزمل: 20]، و أَتِمُّوا الْحَجَ [البقرة: 196]، اذهب، تعلّم، و نحو هذا من صیغ الأمر الدالة علی طلب الفعل؛ فإن صیغة أَقِیمُوا الصَّلاةَ و ما عطف علیها لم تخرج عن كونها أفعالا طالبة للصلاة، و الزكاة و الحج، و الذهاب و التعلم، هذا هو مسمی الأمر.
أما مسمی الصیغة، فهی دلالتها علی الوجوب، أو الندب.
و قد اختلفت الآراء فی مسمی الأمر اللسانی و معناه، إلی ثلاثة مذاهب:
الأول: مذهب الجمهور، فقد عرفوا الأمر بهیئته المذكورة المتقدمة- بأنه القول الطالب للفعل مطلقا، و تفسیر الإطلاق سواء أصدر الأمر من الأعلی للأدنی، كأوامر الله تعالی و أوامر الحاكم لشعبه؛ فإن الله- سبحانه- یعلو عن الخلق؛ لأنه خالق، و كذا الحاكم أعلی من شعبه، و هم المحكومون؛ و لهذا یقولون: الأمر الصادر من الحاكم برقم كذا، أم كان صادرا من الأدنی إلی الأعلی، أم كان صادرا من المساوی لمساویه، فكل هذا یسمی أمرا فی اللغة.
و أما إذا خص العرف الأمر الصادر من الأدنی إلی الأعلی بالسؤال، و خص المساوی بالالتماس- فهذا اصطلاح عرفی، و كلامنا فی مسمی الأمر اللغوی؛ فإنه أمر فی جمیع الأحوال؛ لأن علماء اللغة لم یفرقوا- فی وضع لفظ الأمر علی مسماه الذی هو صیغة «افعل»- بین صدوره من الأعلی رتبة، أو من الأدنی، أو من المساوی. و إلی هذا مال البیضاوی فی «المنهاج».
الثانی: یری فریق من المعتزلة، و طائفة كبیرة من الأشاعرة، أن الأمر هو القول الطالب للفعل بشرط صدوره ممن هو أعلی رتبة، لمن هو أدنی منها.
الثالث: یری الإمام الرازی، و ابن الحاجب، و الآمدی أنه هو القول الطالب للفعل بشرط الاستعلاء.
الأمر النفسی:
ماهیته: هو الطلب المتعلق بإیجاد الفعل علی سبیل الحتم و الإلزام؛ و لهذا یكون تعریفه: هو الخطاب الطالب للفعل طلبا جازما، هذا إذا قلنا: إن الأصل فی الأمر الإیجاب. و عرفه ابن الحاجب فی مختصر المنتهی بأنه اقتضاء فعل غیر كف. و لما رأی ابن الحاجب القیود المختلفة فی التعریف قال: علی سبیل الاستعلاء السعد و صاحب التیسیر: هذا تعریف الأمر النفسی. و قد عرفه الغزالی بأنه القول المقتضی طاعة المأمور بفعل المأمور به. و هذا التعریف لإمام الحرمین، و القاضی أبی بكر الباقلانی.
ینظر: البرهان (1/ 203)، و البحر المحیط (342)، و الإحكام فی أصول الأحكام (2/ 120)، و سلاسل الذهب ص (120).
(1) هو الفعل الذی طلبه الشارع طلبا جازما: كالصلاة المدلول علی طلبها طلبا جازما بقوله-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 141
و الندب «1»، و الإرشاد، و غیر ذلك مما أحكمه أهل أصول الفقه، و أنهوه إلی خمسة عشر معنی «2»، و لیس هذا موضع بسط تلك المعانی، و الذی یصح
______________________________
- تعالی: أَقِیمُوا الصَّلاةَ، و كالحج المدلول علی طلبه طلبا جازما بقوله تعالی: وَ لِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلًا و كالصیام المدلول علی وجوبه بقوله تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَیْكُمُ الصِّیامُ كَما كُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
ینظر: البحر المحیط للزركشی (1/ 176)، البرهان لإمام الحرمین (1/ 308)، سلاسل الذهب للزركشی (114)، الإحكام فی أصول الأحكام للآمدی (1/ 91)، التمهید للإسنوی (58)، نهایة السول له (1/ 37)، زوائد الأصول له 232، منهاج العقول للبدخشی (1/ 54)، غایة الوصول للشیخ زكریا الأنصاری (10)، التحصیل من المحصول للأرموی (1/ 172)، المستصفی للغزالی (1/ 27)، حاشیة البنانی (1/ 88)، الإبهاج لابن السبكی (1/ 51)، الآیات البینات لابن قاسم العبادی (1/ 135)، حاشیة العطار علی جمع الجوامع (1/ 111)، المعتمد لأبی الحسین (1/ 4)، التحریر لابن الهمام (217)، تیسیر التحریر لأمیر بادشاه (2/ 185)، حاشیة التفتازانی و الشریف علی مختصر المنتهی (1/ 225)، شرح التلویح علی التوضیح لسعد الدین مسعود بن عمر التفتازانی (2/ 123)، الموافقات للشاطبی (1/ 109- 113)، میزان الأصول للسمرقندی (1/ 128)، الكوكب المنیر للفتوحی (105).
(1) هو فی اللغة: المدعو لمهم، مأخوذ من الندب و هو الدعاء لذلك، و منه قول الشاعر:
لا یسألون أخاهم حین یندبهم‌فی النائبات علی ما قال برهانا و فی الاصطلاح: المطلوب فعله شرعا من غیر ذم علی تركه مطلقا. فالمطلوب فعله شرعا: احترز به عن: الحرام، و المكروه، و المباح، و غیره من الأحكام الثابتة بخطاب الوضع و الإخبار.
و نفی الذم علی الترك: احتراز عن الواجب المضیق، و مطلقا: احتراز عن المخیر و الموسع و الكفایة.
و قولهم: هو ما فعله خیر من تركه- مردود بالأكل قبل ورود الشرع؛ فإنه خیر من تركه؛ لما فیه من اللذة و استبقاء المهجة، و لیس مندوبا. و ما قیل: هو ما یمدح علی فعله، و لا یذم علی تركه- منقوض بأفعاله تعالی؛ فإنها كذلك و لیست مندوبة.
و من أسمائه: (المرغب فیه) أی: بالطاعة، و (المستحب) أی: من الله، و (النفل) أی:
الطاعة غیر الواجبة، و (التطوع) أی: الانقیاد فی قربة بلا احتم، و (السنة) أی: الطاعة غیر الواجبة؛ لأنها تذكر فی مقابلة الواجب.
ینظر: شرح المختصر (1/ 129)، البحر المحیط للزركشی (1/ 284)، البرهان لإمام الحرمین: (1/ 310)، سلاسل الذهب للزركشی ص (111)، الإحكام فی أصول الأحكام للآمدی (1/ 111)، نهایة السول للإسنوی (1/ 77)، زوائد الأصول له ص (168)، منهاج العقول للبدخشی (1/ 62)، غایة الوصول للشیخ زكریا الأنصاری ص (10).
(2) إن المستقرئ لنصوص القرآن و السنة یدرك أنه لا توجد آیة من آیات الأحكام- و حدیث من أحادیث الأحكام- تخلو غالبا من صیغ قول تدل علی طلب موجه إلی المكلف بأمر، أو بكف عنه.-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 142
هنا- إن شاء الله- الحمل علی الندب، و أن فعلها خیر من تركها، مع أنه لا حرج
______________________________
- و لطلب الفعل صیغ مختلفة نوردها فیما یلی:
1- فعل الأمر: و ذلك بصیغته المعروفة مثل قوله تعالی: وَ أَقِیمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ [الحج: 78].
2- صیغة المضارع المقترن ب (لام الأمر) مثل قوله تعالی: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ [البقرة: 185].
و مثل: وَ لْیُوفُوا نُذُورَهُمْ، وَ لْیَطَّوَّفُوا بِالْبَیْتِ الْعَتِیقِ [الحج: 29].
و مثل: لِیُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ [الطلاق: 7].
3- صیغة المصدر القائم مقام فعل الأمر، مثل قوله تعالی: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِینَ [المائدة: 89].
و مثل قوله تعالی: فَإِذا لَقِیتُمُ الَّذِینَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ [محمد: 4].
4- جملة خبریة یراد بها الطلب، مثل قوله تعالی: وَ الْوالِداتُ یُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَیْنِ كامِلَیْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ یُتِمَّ الرَّضاعَةَ [البقرة: 233].
إذ لیس المراد من هذا النص الإخبار عن حصول الإرضاع من الوالدات لأولادهن؛ و إنما المراد هو أمر الوالدات بإرضاع أولادهن، و طلب إیجاده منهن.
و مثل قوله تعالی: وَ لَنْ یَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِینَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ سَبِیلًا [النساء:
141].
فإن الظاهر من هذه الآیة أنها للخبر، و إنما المراد بها أمر المؤمنین ألا یمكنوا الكافرین من التجبر علیهم، و التكبر بأیة صفة كانت.
و مثل قوله صلی اللّه علیه و سلم فیما أخرجه الشیخان: (لا تنكح البكر حتی تستأذن).
و قد اتفق الأصولیون علی أن صیغة الأمر تستعمل فی مدلولات كثیرة، لكن لا تدل علی واحد من هذه المدلولات بعینه إلا بقرینة، و هذه المدلولات هی:
1- الإیجاب: نحو قوله تعالی: وَ أَقِیمُوا الصَّلاةَ [المزمل: 20].
2- الندب: مثل قوله تعالی: فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِیهِمْ خَیْراً [النور: 33].
و العلاقة بین الندب و الإیجاب مطلق الطلب؛ فهو الجامع بینهما.
3- الإرشاد: و هو مدلول من مدلولات صیغة الأمر المستعملة فیها مثل قوله تعالی فَاكْتُبُوهُ [البقرة: 282]، و ذلك فی الدین.
و مثل الأمر بالشهادة فی البیع كقوله تعالی: وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبایَعْتُمْ [البقرة: 282].
4- الإباحة: نحو قوله سبحانه: كُلُوا مِنَ الطَّیِّباتِ [المؤمنون: 51] فإن الأكل، من الطیب مباح.
5- التعجیز: نحو قوله تعالی: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة: 23]، فإن الإتیان بمثل آیة من القرآن، أو سورة مثل سورة مستحیل، خارج عن قدرة الخلق، فكان الأمر هنا للإعجاز، و أما القرینة، فهی التحدی.
6- الدعاء: نحو قوله سبحانه: وَ اعْفُ عَنَّا وَ اغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَی الْقَوْمِ الْكافِرِینَ [البقرة: 286].
7- الإهانة: نحو قوله عز و جل: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِیزُ الْكَرِیمُ [الدخان: 49].-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 143
فی تركها، و كذا قال الشیخ فی كتاب «الكشف»: [إن] «1» معناه الندب، و الإرشاد.
و لو قیل: إنها للوجوب، لكان وجها، و الأول أظهر، و الله- عز و جل- أعلم «2».
______________________________
- 8- التهدید: مثل قوله تعالی: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ [فصلت: 40]، و قوله: وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ [الإسراء: 64]، و منه الإنذار، نحو قوله تعالی: قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِیرَكُمْ إِلَی النَّارِ [إبراهیم: 30].
9- الإكرام: نحو قوله تعالی: ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِینَ [الحجر: 46]، و ذلك فی الجنة؛ فإن المقام مقام إكرام المؤمنین، و الذی دل علی الإكرام قوله تعالی: بِسَلامٍ آمِنِینَ [الحجر: 46]؛ فإنها قرینة علی ذلك.
10- الامتنان: مثل قوله تعالی: وَ كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ [المائدة: 88]، فإن الأمر بالأكل وارد للامتنان؛ لأننا محتاجون إلیه، و قد تفضل علینا بنعمه، و أباح لنا التمتع بها.
11- التسویة بین الأمرین و الشیئین: نحو قوله تعالی: فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا [الطور: 16].
12- التمنی: و هو طلب الشی‌ء البعید المستحیل حصوله، و منه قول امرئ القیس:
ألا أیها اللیل الطویل أ لا انجل‌بصبح و ما الإصباح منك بأمثل 13- التسخیر: كقوله تعالی: كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِینَ [البقرة: 65]، و التسخیر فی اللغة هو: التذلیل و الامتهان فی الفعل.
14- التحقیر: نحو قوله تعالی: قالَ لَهُمْ مُوسی أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ [الشعراء:
43]؛ و ذلك عند ما جمع السحرة، و تحداهم موسی- علیه السلام- و طلبوا إلیه أن یلقی عصاه، فقال لهم: بل ألقوا؛ و ذلك لعدم اكتراثه لهم؛ لأن ما یفعله السحرة من سحر أمام المعجزة أمر هین حقیر.
15- التكوین: مثل قوله تعالی: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ كُنْ فَیَكُونُ [یس: 82] فإن فی التكوین سرعة الانتقال من العدم إلی الوجود، و هو سبحانه الذی یقدر علی ذلك.
و فی أ: وجها.
(1) سقط فی ب.
(2) و قد وجد لكل من الوجهین من یحتج له؛ فقد قال عطاء- رحمه الله تعالی-: الاستعاذة واجبة لكل قراءة، سواء كانت فی الصلاة أو غیرها.
و قال ابن سیرین- رحمه الله تعالی- إذا تعوذ الرجل مرة واحدة فی عمره، فقد كفی فی إسقاط الوجوب، و قال الباقون: إنها غیر واجبة.
حجة الجمهور: أن النبی صلی اللّه علیه و سلم و شرف و كرم و بجل و عظم- لم یعلم الأعرابی الاستعاذة فی جملة أعمال الصلاة.
و لقائل أن یقول: إن ذلك الخبر غیر مشتمل علی بیان جملة واجبات الصلاة؛ فلم یلزم من عدم الاستعاذة فیه، عدم وجوبها.
و احتج عطاء علی وجوب الاستعاذة بوجوه:-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 144

باب التسمیة

اشارة

اعلم أن التسمیة مصدر: سمّی یسمی، كالتهنیة و التسلیة، ثم إن التسمیة تقال بمعنیین:
أحدهما: وضع الاسم علی المسمّی كقولك: سمیت ابنی محمدا، ترید جعلت هذه الكلمة اسما له، و علامة علیه یعرف بها، و حاصل هذا المعنی: إنشاء وضع الاسم علی المسمی.
و المعنی الثانی: ذكر الاسم الموضوع علی المسمی بعد استقرار الوضع كما یقول الرجل لصاحبه: إن فلانا یفعل كذا فاحذره و لا تسمنی، أی لا تذكر اسمی له، و علی هذا حدیث أبی «1»- رضی الله عنه- حین قال له النبی صلی اللّه علیه و سلم:
«إن الله أمرنی أن أقرأ علیك القرآن». فقال: آلله سمانی لك؟ قال: «الله سماك لی». «2»
______________________________
- الأول: أنه- علیه الصلاة و السلام- واظب علیه؛ فیكون واجبا- لقوله تعالی:
وَ اتَّبِعُوهُ [الأعراف: 158].
الثانی: أن قوله تعالی: فَاسْتَعِذْ أمر، و هو للوجوب، ثم إنه یجب القول بوجوبه عند كل قراءة؛ لأنه تعالی قال: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّیْطانِ الرَّجِیمِ [النحل:
98] و ذكر الحكم عقیب الوصف المناسب یدل علی التعلیل، و الحكم یتكرر بتكرّر العلة.
الثالث: أنه- تعالی- أمر بالاستعاذة؛ لدفع شر الشیطان، و هو واجب، و ما لا یتم الواجب إلا به، فهو واجب.
و التعوذ فی الصلاة مستحب قبل القراءة عند الأكثرین.
و قال مالك- رضی الله تعالی عنه-: لا یتعوذ فی المكتوبة، و یتعوذ فی قیام شهر رمضان للآیة و الخبر، و كلاهما یفید الوجوب، فإن لم یثبت الوجوب، فلا أقل من الندب.
ینظر: اللباب (1/ 86- 88).
(1) أبی بن كعب بن قیس بن عبیدة بن یزید بن معاویة بن عمرو بن مالك بن النجار، الأنصاری الخزرجی، أبو المنذر المدنی، سید القراء، كتب الوحی و شهد بدرا و ما بعدها، له مائة و أربعة و ستون حدیثا.
اتفق البخاری و مسلم علی ثلاثة، و انفرد البخاری بأربعة و مسلم بسبعة. و عنه: ابن عباس و أنس و سهل بن سعد و سوید بن علقمة و مسروق و خلق كثیر. كان ربعة نحیفا أبیض الرأس و اللحیة، و قد أمر الله- عز و جل- نبیه علیه الصلاة و السلام أن یقرأ علیه، رضی الله عنه. و كان ممن جمع القرآن، و له مناقب، رحمه الله تعالی. و توفی سنة عشرین أو اثنتین و عشرین أو اثنتین و ثلاثین أو ثلاث و ثلاثین. و قال بعضهم: صلی علیه عثمان، رضی الله عنه. ینظر: الخلاصة (1/ 62) (329)، و تهذیب التهذیب (1/ 187)، و تقریب التهذیب (1/ 48)، و الإصابة (1/ 16)، و الثقات (3/ 5).
(2) أخرجه البخاری (7/ 505) كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب أبی بن كعب (3809)-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 145
و علی هذا المعنی الثانی وقع تبویب الحافظ؛ لأنه یرید أن یبین مذاهب القراء فی المواطن التی یذكرون فیها اسم الله- تعالی- الذی قد ثبت و استقر أنه سمی به نفسه فقال: «بسم الله الرحمن الرحیم» و عبر الشیخ، و الإمام بالبسملة بدل التسمیة كما ورد یقال لمن قال: باسم الله-: بسمل، و هی لغة مولدة و قد جاءت فی الشعر، قال عمر بن أبی ربیعة «1»:
لقد بسملت لیلی غداة لقیتهافیا حبّذا ذاك الحبیب المبسمل «2»
______________________________
- و مسلم (2/ 550) كتاب صلاة المسافرین، باب استحباب قراءة القرآن علی أهل الفضل (245/ 799) و أحمد (3/ 130، 137، 185، 273) و عبد بن حمید (1193) و النسائی فی الكبری (6/ 520) كتاب التفسیر، باب سورة (البینة)، و الترمذی (6/ 128) كتاب المناقب، باب مناقب معاذ بن جبل و زید بن ثابت و أبی (3792) و أبو یعلی (2843) و (2995) و (3246) و الطحاوی فی شرح مشكل الآثار (5588) و ابن حبان (7144) و أبو نعیم فی الحلیة (1/ 251) و (9/ 59) و البیهقی فی الشعب (2203) و (2204) من طرق عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال النبی صلی اللّه علیه و سلم لأبی: «إن الله أمرنی أن أقرأ علیك لَمْ یَكُنِ الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ...» قال: و سمانی؟ قال: «نعم»؛ فبكی.
و له شاهد من حدیث أبی بن كعب:
أخرجه أحمد (5/ 122، 123) و البخاری فی خلق أفعال العباد (ص 67، 68) من طریق عبد الرحمن بن أبزی عنه قال: قال رسول الله صلی اللّه علیه و سلم: «إن الله- تبارك و تعالی- أمرنی أن أعرض القرآن علیك» قال: و سمانی لك ربی تبارك و تعالی؟ قال: (بفضل الله و رحمته فبذلك فلتفرحوا) هكذا قرأها أبی.
و أخرجه أحمد (5/ 131) و الترمذی (3793) و (3898) و عبد الله بن أحمد فی زوائده (5/ 132) من طریق زر بن حبیش عن أبی بن كعب أن رسول الله صلی اللّه علیه و سلم قال له: «إن الله أمرنی أن أقرأ علیك، فقرأ علیه: لَمْ یَكُنِ الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ...» فقرأ فیها ... الحدیث. شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات 145 باب التسمیة
و أخرجه النسائی فی الكبری (5/ 8) كتاب فضائل القرآن، باب ذكر قرّاء القرآن من طریق: أبی العالیة عن أبی قال: قال لی رسول الله صلی اللّه علیه و سلم: «أمرت أن أقرئك القرآن» قال: قلت: أو ذكرت هناك؟ قال: «نعم»؛ فبكی أبی، قال فلا أدری أ بشوق أو بخوف.
(1) عمر بن عبد الله بن أبی ربیعة المخزومی القرشی. أبو الخطاب: أرق شعراء عصره، من طبقة جریر و الفرزدق و لم یكن فی قریش أشعر منه. ولد سنة (23 ه) فی اللیلة التی توفی بها عمر بن الخطاب، فسمی باسمه، و كان یفد علی عبد الملك بن مروان فیكرمه و یقربه. و رفع إلی عمر بن عبد العزیز أنه یتعرض لنساء الحاج و یشبب بهن؛ فنفاه إلی «دهلك»، ثم غزا فی البحر فاحترقت السفینة به و بمن معه، فمات فیها غرقا سنة (93 ه).
ینظر: الأعلام (5/ 52)، و وفیات الأعیان (1/ 353)، و الأغانی (1/ 61).
(2) البیت بلا نسبة فی تذكرة النحاة (ص 24)، و الدرر (5/ 224)، و سمط اللآلی (ص 909)،-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 146
و المذكور عن أهل اللغة كما قال یعقوب بن السكیت «1» و المطرز «2»،
______________________________
- و لسان العرب (بسمل)، و همع الهوامع (2/ 89).
و یروی: (ألا حبذا) بدلا من (فیا حبذا).
(1) شیخ العربیة، أبو یوسف، یعقوب بن إسحاق بن السكیت البغدادی النحوی المؤدب، مؤلف كتاب إصلاح المنطق، دین خیر، حجة فی العربیة.
أخذ عن: أبی عمرو الشیبانی، و طائفة.
روی عنه: أبو عكرمة الضبی، و أحمد بن فرح المفسر، و جماعة، و كان أبوه مؤدبا، فتعلم یعقوب، و برع فی النحو و اللغة، و أدب أولاد الأمیر محمد بن عبد الله بن طاهر، ثم ارتفع محله، و أدب ولد المتوكل. و له من التصانیف نحو من عشرین كتابا. و روی أبو عمر عن ثعلب، قال: ما عرفنا لابن السكیت خربة قط.
و قیل: إنه أدب مع أبیه الصبیان. و روی عن الأصمعی، و أبی عبیدة، و الفراء، و كتبه صحیحة نافعة. مات سنة أربع و أربعین و مائتین.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (12/ 16- 19)، و طبقات النحویین و اللغویین (202- 204)، و الفهرست (79)، و تاریخ بغداد (14/ 273- 274)، و نزهة الألباء (122)، و معجم الأدباء (20/ 50- 52)، و وفیات الأعیان (6/ 395- 402)، و العبر (1/ 443)، و البدایة و النهایة (1/ 346)، و النجوم الزاهرة (2/ 317- 318)، و بغیة الوعاة (2/ 349).
(2) محمد بن عبد الواحد بن أبی هاشم، أبو عمر الزاهد المطرز اللغوی غلام ثعلب، ولد سنة إحدی و ستین و مائتین.
قال التنوخی: لم أر قط أحفظ منه، أملی من حفظه ثلاثین ألف ورقة، و لسعة حفظه نسب إلی الكذب.
و قال ابن برهان: لم یتكلم فی العربیة أحد من الأولین و الآخرین أعلم منه.
و قال الخطیب: كان أهل اللغة یطعنون علیه، و یقولون: لو طار طائر فی الجو قال:
حدثنا ثعلب، عن ابن الأعرابی، و یذكر فی ذلك سببا، و أما أهل الحدیث فیصدقونه و یوثقونه، قال: و ولی معز الدولة شرطة بغداد مملوكا یقال له خواجا، فبلغ أبا عمر و هو علی الیاقوتة، فقال: اكتبوا: «یاقوتة خواجا، الخواج فی اللغة: الجوع»، ثم فرع علیه بابا؛ فاستعظم الناس من كذبه و تتبعوه، فقال لی أبو علی الحاتمی: أخرجنا فی أمالی الحامض، عن ثعلب، عن ابن الأعرابی: الخواج: الجوع.
قال: و كان یؤدب ولد القاضی أبی عمر محمد بن یوسف، فأملی علیه یوما نحو ثلاثین مسألة فی اللغة، و ذكر غریبها، و ختمها ببیتین من الشعر.
و حضر ابن درید، و ابن الأنباری، و ابن مقسم عند القاضی، فعرض علیهم تلك المسائل، فما عرفوا منها شیئا، و أنكروا الشعر، فقال لهم القاضی: ما تقولون فیها؟
فقال ابن الأنباری: أنا مشغول بتصنیف مشكل القرآن، و لا أقول شیئا. و قال ابن مقسم كذلك، و قال: أنا مشغول بالقراءات. و قال ابن درید: هذه المسائل من مصنوعات-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 147
و الثعالبی «1»، و غیرهم من أهل اللغة: «بسمل الرجل» إذا قال:
باسم الله.
و یقال: «قد أكثر من البسملة» أی: من «باسم الله».
و البسملة: مصدر جمعت حروفه من «باسم الله» كالحوقلة من «لا حول و لا قوة.
إلا بالله»، «و الحسبلة» من حسبی الله، تقول فی الفعل: «بسمل» و معناه قل: «باسم الله»، و یجری فی تصاریفه مجری «دحرج»، و كذلك «حوقل» و «حسبل» و نحوهما [مثل: «هلل» إذا قال: لا إله إلا الله، و «حمدل» إذا قال: الحمد لله، و «حیعل» إذا قال: حی علی الصلاة، و «جعفل» إذا قال: جعلت فداك، و «طبقل» إذا قال:
أطال الله بقاءك، و «دمعز» إذا قال: أدام الله عزك «2»] «3» و اعلم أنه لما كانت التسمیة
______________________________
- أبی عمر، و لا أصل لها فی اللغة، فبلغه ذلك، فاجتمع بالقاضی و سأله إحضار دواوین جماعة من قدماء الشعراء، سماهم، ففتح القاضی خزانته، و أخرج له تلك الدواوین، فلم یزل أبو عمر یعمد إلی كل مسألة، و یخرج لها شاهدا من كلام العرب، و یعرضه علی القاضی، حتی استوفاها، ثم قال: و هذان البیتان أنشدهما ثعلب بحضرة القاضی، و كتبهما القاضی بخطه علی ظهر الكتاب الفلانی، فأحضر الكتاب، فوجد البیتین علی ظهره بخطه كما قال. فبلغ ابن درید ذلك؛ فما ذكره بلفظة حتی مات.
و كان الأشراف و الكتاب یحضرون عنده لیسمعوا منه، فجمع جزءا فی فضل معاویة، فكان لا یدع أحدا یقرأ علیه شیئا حتی یبتدئ بقراءة ذلك الجزء، و كان إبراهیم بن أیوب ابن ماسی ینفذ إلیه كفایته وقتا بعد وقت، فقطع عنه ذلك مدة، ثم أنفذ إلیه جملة رسمیة، و كتب إلیه یعتذر من تأخیره، فرده، و أمر أن یكتب علی رقعته: أكرمتنا فملكتنا، و أعرضت عنا فأرحتنا.
و له من التصانیف: الیواقیت، شرح الفصیح، فائت الفصیح، غریب مسند أحمد، المرجان، الموشح، تفسیر أسماء الشعراء، فائت الجمهرة، فائت العین، ما أنكره الأعراب علی أبی عبیدة، المداخل، و غیر ذلك.
مات سنة خمس و أربعین و ثلاثمائة ببغداد.
ینظر: بغیة الوعاة (1/ 164- 166).
(1) أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعیل النیسابوری، العلامة شیخ الأدب الشاعر، مصنف كتاب «یتیمة الدهر فی محاسن أهل العصر»، و له كتاب «فقه اللغة»، و كتاب «سحر البلاغة»، و كان رأسا فی النظم و النثر.
مات سنة ثلاثین و أربعمائة، و له ثمانون سنة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (17/ 437- 438)، و طبقات النحویین و اللغویین (387- 389)، و نزهة الألباء (365)، و وفیات الأعیان (3/ 178- 180)، و المختصر فی أخبار البشر (2/ 162)، و العبر (3/ 172)، و مرآة الجنان (3/ 53، 54).
(2) و هذا شبیه بباب النحت فی النسب، أی أنهم یأخذون اسمین، فینحتون منهما لفظا واحدا، فینسبون إلیه؛ كقولهم: (حضرمی، و عبقسی، و عبشمی) نسبة إلی (حضر موت، و عبد قیس، و عبد شمس) قال الشاعر:
و تضحك منی شیخة عبشمیّةكأن لم تری قبلی أسیرا یمانیا و هو غیر مقیس؛ فلا جرم أن بعضهم قال فی: (بسمل و هلل): إنهما لغة مولدة.
ینظر: اللباب (1/ 116- 117).
(3) ما بین المعقوفین سقط فی ب.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 148
منقولة فی المصحف بخط المصحف بلفظ «بسم الله الرحمن الرحیم» «1» و هو نص ما فی بطن سورة النمل أیضا؛ لذلك لم یقع فی لفظها اختلاف، و لم یحتج الحافظ و لا غیره أن یقول: المختار فی لفظها كذا بخلاف ما مر فی الاستعاذة.
______________________________
(1) (بسم الله): جار و مجرور، و الباء متعلق بمضمر، فنقول: هذا المضمر یحتمل أن یكون اسما، و أن یكون فعلا، و علی التقدیرین، فیجوز أن یكون متقدما و متأخرا، فهذه أقسام أربعة:
أما إذا كان متقدما، و كان فعلا، فكقولك: أبدأ ببسم الله.
و إن كان متقدما، و كان اسما، فكقولك: ابتدائی بسم الله.
و إن كان متأخرا و كان فعلا فكقولك: بسم الله أبدا.
و إن كان متأخرا، و كان اسما، فكقولك: بسم الله ابتدائی.
و أیهما أولی: التقدیم أم التأخیر؟
قال ابن الخطیب: كلاهما ورد فی القرآن الكریم، أما التقدیم، فكقوله: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَ مُرْساها [هود: 41] و أما التأخیر، فكقوله تعالی: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: 1]، و قال ابن عادل الحنبلی: التقدیم أولی؛ لأنه- تعالی- قدیم واجب الوجود لذاته، فیكون وجوده سابقا علی وجود غیره؛ لأن السبق بالذات یستحق السبق فی الذكر؛ قال تبارك و تعالی: هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ [الحدید: 3] و قال تعالی: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ [الروم: 4]، و قال تعالی: إِیَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِیَّاكَ نَسْتَعِینُ [الفاتحة: 5].
قال أبو بكر الرازی- رحمه الله تعالی-: إضمار الفعل أولی من إضمار الاسم؛ لأن نسق تلاوة القرآن یدل علی أن المضمر هو الفعل، و هو الأمر، لأنه- تبارك و تعالی- قال:
إِیَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِیَّاكَ نَسْتَعِینُ، فكذا قوله تعالی: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ، التقدیر:
قولوا: بسم الله.
قال ابن عادل الحنبلی: لقائل أن یقول: بل إضمار الاسم أولی؛ لأنا إذا قلنا: تقدیر الكلام: بسم الله ابتداء كل شی‌ء، كان هذا إخبارا عن كونه مبدأ فی ذاته لجمیع الحوادث، و مخالفا لجمیع الكائنات، سواء قاله قائل، أو لم یقله، و لا شك أن هذا الاحتمال أولی.
و فی الاسم خمس لغات: (اسم) بضم الهمزة و كسرها، و (سم) بكسر السین و ضمها، و قال أحمد بن یحیی: من قال: سم، بضم السین، أخذه من: سموت أسمو، و من قال بالكسر أخذه من: سمیت أسمی، و علی اللغتین قوله:
و عامنا أعجبنا مقدمه‌یدعی أبا السمح و قرضاب سمه مبتركا لكل عظم یلحمه ینشد بالوجهین.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 149
______________________________
- و أنشدوا علی الكسر:
باسم الذی فی كل سورة سمه فعلی هذا یكون فی لام (اسم) وجهان:
أحدهما: أنها واو.
و الثانی: أنها یاء، و هو غریب، و لكن أحمد بن یحیی- رحمه الله تعالی- جلیل القدر ثقة فیما ینقل.
و [اللغة الخامسة:] (سمی) مثل: هدی؛ و استدلوا علی ذلك بقول الشاعر:
و الله أسماك سما مباركاآثرك الله به إیثاركا و لا دلیل فی ذلك؛ لجواز أن یكون من لغة من یجعله منقوصا مضموم السین، و جاء به منصوبا، و إنما كان ینتهض دلیلا لو قیل: (سمی) حالة رفع أو جر.
و همزته همزة وصل، أی: تثبت ابتداء، و تحذف درجا، و قد تثبت ضرورة؛ كقوله:
و ما أنا بالمخسوس فی جذم مالك‌و لا من تسمی ثم یلتزم الاسما و هو أحد الأسماء العشرة التی ابتدئ فی أوائلها بهمزة الوصل و هی: اسم، و است، و ابن، و ابنم، و ابنة، و امرؤ، و امرأة، و اثنان، و اثنتان، و ایمن فی القسم.
و الأصل فی هذه الهمزة أن تثبت‌خطّا، كغیرها من همزات الوصل. و إنما حذفوها حین یضاف الاسم إلی الجلالة خاصة؛ لكثرة الاستعمال.
و قیل: لیوافق الخط اللفظ.
و قیل: لا حذف أصلا؛ و ذلك لأن الأصل: (سم) أو (سم) بكسر السین أو ضمها، فلما دخلت الیاء سكنت السین تخفیفا؛ لأنه وقع بعد الكسرة كسرة أو ضمة.
قال ابن الخطیب- رحمه الله تعالی-: إنما حذفوا ألف (اسم) فی قوله تعالی: (بسم الله) و أثبتوها فی قوله تعالی: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: 1] لوجهین:
الأول: أن كلمة (بسم الله) مذكورة فی أكثر الأوقات عند أكثر الأفعال؛ فلأجل التخفیف حذفوا الألف، بخلاف سائر المواضع، فإن ذكرها یقل.
الثانی: قال الخلیل- رحمه الله تعالی-: إنما حذفت الألف فی (بسم الله)؛ لأنها إنما دخلت بسبب أن الابتداء بالسین الساكنة غیر ممكن، فلما دخلت الباء علی الاسم نابت عن الألف، فسقطت فی الخط، و إنما لم تسقط فی اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ؛ لأن الباء لا تنوب عن الألف فی هذا الموضع، كما فی (بسم الله)؛ لأنه یمكن حذف الباء من اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ مع بقاء المعنی صحیحا؛ فإنك لو قلت: اقرأ اسم ربك، صح المعنی، أما لو حذفت الباء من (بسم الله) لم یصح المعنی؛ فظهر الفرق.
قال بعضهم: فلو أضیفت إلی غیر الجلالة ثبتت نحو: (باسم الرحمن)، هذا هو المشهور، و حكی عن الكسائی، و الأخفش- رحمة الله تعالی علیهما- جواز حذفها إذا أضیفت إلی غیر الجلالة من أسماء الباری تعالی، نحو: (بسم ربك) و (بسم الخالق).
و قد أطبق جمیع الخلق علی أن قولنا: (الله)، مخصوص بالله تبارك و تعالی، و كذلك قولنا: (الإله) مخصوص به سبحانه و تعالی.-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 150
______________________________
- و أما الذین كانوا یطلقون اسم الإله علی غیر الله- تعالی- فإنما كانوا یذكرونه بالإضافة كما یقال: (إله كذا)، أو ینكرونه كما قال- تبارك و تعالی- عن قوم موسی- علیه السلام-:
اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف: 138].
قال ابن الخطیب- رحمه الله تعالی-: اعلم أن هذا الاسم مخصوص بخواص لا توجد فی سائر أسماء الله تعالی.
فالأولی: أنك إذا حذفت الألف من قولك: (الله) بقی الباقی علی صورة (لله)، و هو مختص به سبحانه و تعالی، كما فی قوله تعالی: وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [آل عمران: 189]، و إن حذفت من هذه البقیة اللام الأولی بقیت البقیة علی صورة (له)، كما فی قوله تبارك و تعالی: لَهُ مَقالِیدُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [الشوری: 12]، و قوله تعالی: لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ [التغابن: 1]، و إن حذفت اللام الباقیة كانت البقیة (هو) و هو- أیضا- یدل علیه سبحانه و تعالی؛ كما فی قوله تعالی: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1]، و قوله: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [البقرة: 255] و الواو زائدة؛ بدلیل:
سقوطها فی التثنیة و الجمع فإنك تقول: هما، و هم، و لا تبقی الواو فیهما، فهذه الخاصیة موجودة فی لفظ (الله) تعالی غیر موجودة فی سائر الأسماء، و كما حصلت هذه الخاصیة بحسب اللفظ فقد حصلت- أیضا- بحسب المعنی؛ فإنك إذا دعوت الله- تبارك و تعالی- بالرحیم فقد وصفته بالرحمة، و ما وصفته بالقهر، و إذا دعوته بالعلیم، فقد وصفته بالعلم، و ما وصفته بالقدرة.
و أما إذا قلت: (یا الله)، فقد وصفته بجمیع الصفات؛ لأن الإله لا یكون إلها إلا إذا كان موصوفا بجمیع هذه الصفات؛ فثبت أن قولنا: (الله) قد حصلت له هذه الخاصیة التی لم تحصل لسائر الأسماء.
الخاصیة الثانیة: أن كلمة الشهادة: هی الكلمة التی بسببها ینتقل الكافر من الكفر إلی الإیمان، و لو لم یكن فیها هذا الاسم، لم یحصل الإیمان، فلو قال الكافر: أشهد أن لا إله إلا الرحیم، أو إلا الملك، أو إلا القدوس- لم یخرج من الكفر، و لم یدخل الإسلام.
أما إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فإنه یخرج من الكفر، و یدخل فی الإسلام، و ذلك یدل علی اختصاص هذا الاسم بهذه الخاصیة الشریفة.
قال ابن عادل الحنبلی: و فی هذا نظر؛ لأنا لا نسلم هذا فی الأسماء المختصة بالله- سبحانه و تعالی- مثل: القدوس و الرحمن.
و قد كتبوا لفظة (الله) بلامین، و كتبوا لفظة (الذی) بلام واحدة، مع استوائهما فی اللفظ، و فی أكثر الدوران علی الألسنة، و فی لزوم التعریف، و الفرق من وجوه:
الأول: أن قولنا: (الله) اسم معرب متصرف تصرف الأسماء، فأبقوا كتابته علی الأصل.
أما قولنا: (الذی) فهو مبنی من أجل أنه ناقص، مع أنه لا یفید إلا مع صلته، فهو كبعض الكلمة، و معلوم أن بعض الكلمة یكون مبنیّا؛ فأدخلوا فیه النقصان لهذا السبب، أ لا تری أنهم كتبوا قوله- تعالی- (اللذان) بلامین؛ لأن التثنیة أخرجته عن مشابهة الحروف؛ لأن-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 151
______________________________
- الحرف لا یثنی؟! الثانی: أن قولنا: (الله) لو كتب بلام واحدة لالتبس بقوله: (إله)، و هذا الالتباس غیر حاصل فی قولنا: (الذی).
الثالث: أن تفخیم ذكر الله- تعالی- فی اللفظ واجب، هكذا فی الخط، و الحذف ینافی التفخیم.
و أما قولنا: (الذی) فلا تفخیم له فی المعنی، فتركوا- أیضا- تفخیمه فی الخط.
قال ابن الخطیب- رحمة الله تعالی علیه-: (إنما حذفوا الألف قبل الهاء من قولنا:
(الله) فی الخط؛ لكراهة اجتماع الحروف المتشابهة فی الصورة، و هو مثل كراهتهم اجتماع الحروف المقابلة فی اللفظ عند القراءة).
و الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ [الفاتحة: 1] صفتان مشتقتان من الرحمة.
و قیل: الرحمن لیس مشتقا؛ لأن العرب لم تعرفه فی قولهم: وَ مَا الرَّحْمنُ [الفرقان:
60] و أجاب ابن العربی عنه: بأنهم إنما جهلوا الصفة دون الموصوف؛ و لذلك لم یقولوا:
و من الرحمن؟
و ذهب الأعلم الشنتمری إلی أن (الرحمن) بدل من اسم (الله) لا نعت له، و ذلك مبنی علی مذهبه من أن (الرحمن) عنده علم بالغلبة.
و استدل علی ذلك بأنه قد جاء غیر تابع لموصوف كقوله تعالی: الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن: 1- 2] و الرَّحْمنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوی [طه: 5].
و قد رد علیه السهیلی بأنه لو كان بدلا لكان مبینا لما قبله، و ما قبله و هو الجلالة الكریمة لا تفتقر إلی تبیین؛ لأنها أعرف الأعلام، أ لا تراهم قالوا: (و ما الرحمن) و لم یقولوا: و ما الله؟
و أما قوله: (جاء غیر تابع) فذلك لا یمنع كونه صفة؛ لأنه إذا علم الموصوف جاز حذفه، و بقاء صفته؛ كقوله تبارك و تعالی: وَ مِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ [فاطر: 28] أی: نوع مختلف ألوانه، و كقول الشاعر فی ذلك المعنی:
كناطح صخرة یوما لیفلقهافما وهاها و أوهی قرنه الوعل أی: كوعل ناطح. و هو كثیر.
و الرحمة لغة: الرقة و الانعطاف، و من اشتقاق الرحم، و هی البطن؛ لانعطافها علی الجنین، فعلی هذا یكون وصفه- تعالی- بالرحمة مجازا عن إنعامه علی عباده، كالملك إذا عطف علی رعیته أصابهم خیره، هذا معنی قول أبی القاسم الزمخشری- رحمه الله تعالی- و یكون علی هذا التقدیر صفة فعل، لا صفة ذات.
و قیل: الرحمة: إرادة الخیر لمن أراده الله بذلك، و وصفه بها علی هذا القول حقیقة، و هی حینئذ صفة ذات، و هذا القول هو الظاهر.
و قیل: الرحمة: رقة تقتضی الإحسان إلی المرحوم، و قد تستعمل تارة فی الرقة المجردة، و تارة فی الإحسان المجرد، و إذا وصف به البارئ- تعالی- فلیس یراد به إلا الإحسان المجرد دون الرقة، و علی هذا روی: (الرحمة من الله- تعالی- إنعام و إفضال، و من الآدمیین رقة و تعطف).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 152
______________________________
- و قال ابن عباس- رضی الله تعالی عنهما- (هما اسمان رقیقان أحدهما أرق من الآخر، أی: أكثر رحمة).
قال الخطابی: و هو مشكل؛ لأن الرقة لا مدخل لها فی صفاته.
و قال الحسین بن الفضل: هذا و هم من الراوی؛ لأن الرقة لیست من صفات الله- تعالی- فی شی‌ء، و إنما هما اسمان رفیقان أحدهما أرفق من الآخر، و الرفق من صفاته.
قال علیه الصلاة و السلام: «إن الله- تعالی- رفیق یحب الرفق، و یعطی علیه ما لا یعطی علی العنف» و یؤیده الحدیث الآخر. و أما الرحیم فهو الرفیق بالمؤمنین خاصة.
و اختلف أهل العلم فی أن (الرحمن الرحیم) بالنسبة إلی كونهما بمعنی واحد، أو مختلفین؟
فذهب بعضهم: إلی أنهما بمعنی واحد ك (ندمان و ندیم)، ثم اختلف هؤلاء علی قولین:
فمنهم من قال: یجمع بینهما تأكیدا.
و منهم من قال: لما تسمی مسیلمة- لعنه الله- ب (الرحمن)، قال الله تعالی لنفسه:
(الرحمن الرحیم)، فالجمع بین هاتین الصفتین لله- تعالی- فقط، و هذا ضعیف جدّا؛ فإن تسمیته بذلك غیر معتد بها البتة، و أیضا: فإن (بسم الله الرحمن الرحیم) قبل ظهور أمر مسیلمة.
و منهم من قال: لكل واحد فائدة غیر فائدة الآخر، و جعل ذلك بالنسبة إلی تغایر متعلقهما؛ إذ یقال: (رحمان الدنیا، و رحیم الآخرة)، و یروی ذلك عن النبی صلی اللّه علیه و سلم؛ و ذلك لأن رحمته فی الدنیا تعم المؤمن و الكافر، و فی الآخرة تخص المؤمنین فقط.
و یروی: (رحیم الدنیا و رحمن الآخرة) و فی المغایرة بینهما بهذا القدر وحده نظر لا یخفی.
و ذهب بعضهم إلی أنهما مختلفان، ثم اختلف هؤلاء أیضا:
فمنهم من قال: الرحمن أبلغ؛ و لذلك لا یطلق علی غیر البارئ- تعالی- و اختاره الزمخشری، و جعله من باب (غضبان) و (سكران) للممتلئ غضبا و سكرا؛ و لذلك یقال: (رحمن الدنیا و الآخرة، و رحیم الآخرة فقط).
قال الزمخشری: (فكان القیاس الترقی من الأدنی إلی الأعلی؛ كما یقال: (شجاع باسل)، و لا یقال: (باسل شجاع).
ثم أجاب: بأنه أردف (الرحمن) الذی یتناول جلائل النعم و أصولها ب (الرحیم) لیكون كالتتمة و الردیف؛ لیتناول ما دق منها و لطف.
و منهم من عكس: فجعل (الرحیم) أبلغ، و یؤیده روایة من قال: (رحیم الدنیا، و رحمان الآخرة)؛ لأنه فی الدنیا یرحم المؤمن و الكافر، و فی الآخرة لا یرحم إلا المؤمن.
قال ابن عادل الحنبلی: لكن الصحیح أن (الرحمن) أبلغ، و أما هذه الروایة فلیس فیها دلیل، بل هی دالة علی أن (الرحمن) أبلغ؛ و ذلك لأن القیامة فیها الرحمة أكثر بأضعاف، و أثرها فیها أظهر علی ما یروی (أنه خبأ لعباده تسعا و تسعین رحمة لیوم القیامة).
و الظاهر أن جهة المبالغة فیهما مختلفة: فمبالغة (فعلان) من حیث: الامتلاء و الغلبة،-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 153
و اعلم أن المواضع باعتبار البسملة فی مذهب الحافظ أربعة:- موضع تترك فیه باتفاق: و هو أول براءة سواء ابتدئ بها أو قرئت بعد غیرها.
و موضع تثبت فیه باتفاق: و هو أول كل سورة تبدأ بها إذا لم تقرأ قبلها غیرها سوی براءة.
______________________________
- و مبالغة (فعیل) من حیث التكرار و الوقوع بمحال الرحمة.
و قال أبو عبیدة: و بناء (فعلان) لیس كبناء (فعیل)؛ فإن بناء (فعلان) لا یقع إلا علی مبالغة الفعل نحو: (رجل غضبان) للممتلئ غضبا، و (فعیل) یكون بمعنی الفاعل، و المفعول، قال الشاعر:
فأما إذا عضت بك الحرب عضةفإنك معطوف علیك رحیم ف (الرحمن) خاص الاسم، عام الفعل، و (الرحیم) عام الاسم، خاص الفعل؛ و لذلك لا یتعدی (فعلان) و یتعدی (فعیل).
حكی ابن سیده: زید حفیظ علمك و علم غیرك.
و الألف و اللام فی (الرحمن) للغلبة كهی فی (الصّعق)، و لا یطلق علی غیر البارئ- تعالی- عند أكثر العلماء- رحمهم الله تعالی- لقوله تعالی: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الإسراء: 110] فعادل به ما لا شركة فیه، بخلاف (رحیم) فإنه یطلق علی غیره- تعالی- قال فی حقه- علیه الصلاة و السلام- بِالْمُؤْمِنِینَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ [التوبة:
128].
و أما قول الشاعر فی حق مسیلمة الكذاب- لعنه الله تعالی:
................و أنت غیث الوری لا زلت رحمانا فلا یلتفت إلی قوله؛ لفرط تعنتهم.
و لا یستعمل إلا معرفا بالألف و اللام أو مضافا، و لا یلتفت لقوله: (لا زلت رحمانا)؛ لشذوذه.
و من غریب ما نقل فیه أنه معرب، لیس بعربی الأصل، و أنه بالخاء المعجمة، قاله ثعلب، و المبرد، و أنشد قول القائل:
لن تتركوا المجد أو تشروا عباءتكم‌بالخز أو تجعلوا الینبوت ضمرانا
أو تتركون إلی القسّین هجرتكم‌و مسحكم صلبهم رحمن قربانا قال ابن الخطیب- رحمه الله تعالی-: إنما جاز حذف الألف قبل النون من لفظة (الرحمن) فی الخط علی سبیل التخفیف، و لو كتب بالألف حسن، و لا یجوز حذف الیاء من (الرحیم)؛ لأن حذف الألف من (الرحمن) لا یخل بالكلمة، و لا یحصل فی الكلمة التباس، بخلاف حذف الیاء من (الرحیم).
قال ابن الخطیب: أجمعوا علی أن إعراب (الرحمن الرحیم) هو الجر؛ لكونهما صفتین للمجرور، إلا أن الرفع و النصب جائزان فیهما بحسب الحال، أما الرفع فعلی تقدیر: بسم الله هو الرحمن.
و أما النصب فعلی تقدیر: بسم الله أعنی الرحمن الرحیم.
ینظر: اللباب (1/ 118- 119، 127- 129، 143- 150).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 154
و موضع یخیر فیه باتفاق: و هو الابتداء برءوس الأجزاء التی فی أثناء السور.
و موضع فیه خلاف: و هو ما بین السور، فأثبت البسملة فیه قالون، و ابن كثیر «1»، و عاصم و الكسائی، و تركها الباقون.
وافقه الشیخ و الإمام فی الموضع الأول علی الترك «2»، و فی الموضع الثانی علی الإثبات.
قال الإمام: «إلا لحمزة فإنه لا یبسمل له إلا فی أول فاتحة الكتاب خاصة» و خالفاه فی الموضع الثالث فقالا: «یتعوذ عند الابتداء برءوس الأجزاء لا غیر».
و أما الموضع الرابع: فاختار الإمام فیه الفصل بالتسمیة للجماعة سوی حمزة، و ذكر الشیخ: أنه قرأ علی أبی عدی لورش بالفصل، و علی أبی الطیب «3» بتركه،
______________________________
(1) عبد الله بن كثیر بن عمرو بن عبد الله بن زاذان بن فیروزان، بن هرمز، الإمام العلم مقرئ مكة، و أحد القراء السبعة، أبو معبد الكنانی الداری المكی، مولی عمرو بن علقمة الكنانی، و قیل: یكنی أبا عباد، و قیل: أبا بكر، فارسی الأصل. و كان داریّا، و هو العطار.
قیل: قرأ علی عبد الله بن السائب المخزومی، و ذلك محتمل، و المشهور تلاوته علی مجاهد و درباس مولی ابن عباس.
تلا علیه أبو عمرو بن العلاء، و معروف بن مشكان، و إسماعیل بن قسطنطین و عدة.
و قد حدث عن: ابن الزبیر، و أبی المنهال عبد الرحمن بن مطعم، و عكرمة، و مجاهد و غیرهم. و هو قلیل الحدیث.
روی عنه: أیوب، و ابن جریج، و إسماعیل بن أمیة، و زمعة بن صالح، و عمر بن حبیب المكی، و لیث بن أبی سلیم، و عبد الله بن عثمان بن خثیم، و جریر بن حازم، و حسین بن واقد، و عبد الله بن أبی نجیح، و حماد بن سلمة، و آخرون.
وثقه علی بن المدینی و غیره، قال ابن سعد: كان ابن كثیر المقرئ ثقة، له أحادیث صالحة، مات سنة اثنتین و عشرین و مائة.
قال ابن عیینة: لم یكن بمكة أحد أقرأ من حمید بن قیس، و عبد الله بن كثیر. و قال جریر بن حازم: رأیت عبد الله بن كثیر فصیحا بالقرآن. و ذكر الدانی أن ابن كثیر أخذ القراءة عن عبد الله بن السائب.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (5/ 318- 322)، و طبقات خلیفة (282)، و التاریخ الكبیر (5/ 181)، و التاریخ الصغیر (1/ 304- 305)، و الجرح و التعدیل (5/ 144)، و تاریخ الإسلام (4/ 268- 269)، و تهذیب التهذیب (5/ 367)، و طبقات القراء (1/ 433- 444).
(2) فی أ: التبرك.
(3) عبد المنعم بن عبید الله بن غلبون بن المبارك، أبو الطیب الحلبی، نزیل مصر، أستاذ ماهر كبیر كامل محرر ضابط ثقة خیر صالح دین، ولد لیلة الجمعة لاثنتی عشرة لیلة خلت من رجب سنة تسع و ثلاثمائة بحلب و انتقل إلی مصر. فسكنها و ألف كتابه الإرشاد فی السبع،-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 155
و أن اختیار الشیوخ «1» «ترك الفصل لأبی عمرو و ابن عامر»، و ذكر فی كتاب «الكشف» أن الذی اختاره لنفسه الفصل بین كل سورتین بالتسمیة و أرجع إلی لفظ الحافظ- رحمه الله- قوله: «اختلفوا فی التسمیة بین السور، فكان ابن كثیر و قالون و عاصم و الكسائی یبسملون بین كل سورتین فی جمیع القرآن».
و وجه هذا المذهب: اتباع الخط، و لا خلاف فی إثبات التسمیة فی جمیع المصاحف بین السور، و لما روی عن عائشة «2»- رضی الله عنها- أنها قالت:
______________________________
- روی القراءة عرضا و سماعا عن- الكامل- إبراهیم بن عبد الرزاق و إبراهیم بن محمد ابن مروان و- جامع البیان الكامل- أحمد بن محمد بن بلال و محمد بن أحمد بن إبراهیم البغدادی و أحمد بن الحسین النحوی و أحمد بن موسی و جعفر بن سلیمان و الحسین ابن خالویه و- الكامل- الحسن بن حبیب الحصائری و- الكامل- صالح بن إدریس و عبد الله بن أحمد بن الصقر و علی بن محمد المكی و عمر بن بشران و- جامع البیان، الكامل- محمد بن جعفر الفریابی و محمد بن علی العطوفی و یحیی بن بذی و نجم بن بدر و صالح بن إدریس و عبد الله بن أحمد بن الصقر و علی بن محمد المكی و- الكامل- نصر ابن یوسف و- جامع البیان، الكامل- نظیف بن عبد الله و- المستنیر- محمد بن سنان الشیزری فیما ذكره ابن سوار، و هو غلط، و الصواب: أنه قرأ علی إبراهیم بن عبد الرزاق عنه، عرض القراءات علیه ولده- جامع البیان- أبو الحسن طاهر و أحمد بن علی الربعی و أبو جعفر أحمد بن علی الأزدی و- الكامل- أحمد بن علی تاج الأئمة و أحمد بن نفیس و الحسن بن عبد الله الصقلی و خلف بن غصن و أبو عمر الطلمنكی و أبو القاسم عبد الرحمن ابن الحسن الأستاذ و أبو عبد الله محمد بن سفیان و أبو الحسین محمد بن قتیبة الصقلی و أبو عبد الله مسلم شیخ غالب بن عبد الله و مكی القیسی و أحمد بن أبی الربیع، قال أبو عمرو الحافظ: كان حافظا للقراءة ضابطا ذا عفاف و نسك و فضل و حسن تصنیف، و وجد بخطه علی بعض مؤلفاته:
صنفت ذا العلم أبغی الفوز مجتهدالكی أكون مع الأبرار و السعدا
فی جنة فی جوار الله خالقنافی ظل عیش مقیم دائم أبدا توفی- رحمه الله- بمصر فی جمادی الأولی سنة تسع و ثمانین و ثلاثمائة.
ینظر: غایة النهایة (1/ 470- 471).
(1) فی أ: الشیخ.
(2) عائشة بنت أبی بكر الصدیق- رضی الله عنهما- التیمیة، أم عبد الله الفقیهة أم المؤمنین الربانیة، حبیبة النبی صلی اللّه علیه و سلم لها ألفان و مائتان و عشرة أحادیث، اتفقا علی مائة و أربعة و سبعین، و انفرد البخاری بأربعة و خمسین و مسلم بثمانیة و ستین. و عنها مسروق و الأسود و ابن المسیب و عروة، و القاسم و خلق. قال علیه السلام: «فضل عائشة علی النساء كفضل الثرید علی سائر الطعام»، و قال عروة: ما رأیت أعلم بالشعر من عائشة. و قال القاسم: كانت تصوم الدهر، و قال هشام بن عروة: توفیت سنة سبع و خمسین، و دفعت بالبقیع.
ینظر: الخلاصة (3/ 387) (106)، تهذیب التهذیب (12/ 433)، و تقریب التهذیب-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 156
«اقرءوا ما فی المصحف».
قوله: «ما خلا الأنفال و براءة فإنه لا خلاف فی ترك التسمیة بینهما».
إنما لم یفصلوا هنا بالتسمیة اتباعا للخط؛ إذ لا خلاف فی تركها فی جمیع المصاحف بین الأنفال و براءة. و اختلف فی سبب ذلك:
فحكی الحافظ فی «إیجاز البیان» أن ابن عباس سأل علیّا- رضی الله عنهما:
«لم لم تكتب التسمیة فی أول براءة؟ فقال: لأن «بسم الله الرحمن الرحیم» أمان، و براءة نزلت بالسیف لیس فیها أمان» «1».
و حكی الشیخ فی كتاب «الكشف» عن مالك: إنما ترك من مضی أن یكتبوا فی أول براءة «بسم الله الرحمن الرحیم» لأنه سقط أولها- یعنی نسخ «2»، و حكی مثله
______________________________
- (2/ 606)، و أسماء الصحابة الرواة ت (4)، و الثقات (3/ 323).
(1) أخرجه أبو الشیخ و ابن مردویه كما فی الدر المنثور (3/ 377).
(2) النسخ فی الاصطلاح:
قال جماعة منهم القاضی أبو بكر الباقلانی، و الصیرفی، و الشیخ أبو إسحاق الشیرازی، و الغزالی، و الآمدی، و ابن الأنباری و غیرهم: هو الخطاب الدال علی ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم، علی وجه لولاه لكان ثابتا، مع تراخیه عنه. و إنما آثروا الخطاب علی النص؛ لیكون شاملا للفظ، و الفحوی؛ و المفهوم؛ فإنه یجوز جمیع ذلك.
و قالوا: الدال علی ارتفاع الحكم؛ لیتناول الأمر، و النهی، و الخبر، و جمیع أنواع الحكم.
و قالوا: بالخطاب المتقدم؛ لیخرج إیجاب العبادات ابتداء، فإنه یزیل حكم العقل ببراءة الذمة، و لا یسمی نسخا؛ لأنه لم یزل حكم خطاب.
و قالوا: علی وجه لولاه لكان ثابتا؛ لأن حقیقة النسخ: الرفع، و هو إنما یكون رافعا لو كان المتقدم بحیث لو لا طریانه لبقی.
و قالوا: مع تراخیه عنه؛ لأنه لو اتصل لكان بیانا لمدة العبادة لا نسخا.
و قد اعترض علی هذا الحد بوجوه:
الأول: أن النسخ هو نفس الارتفاع، و الخطاب إنما هو دال علی الارتفاع، و فرق بین الرافع و بین نفس الارتفاع.
الثانی: أن التقیید بالخطاب خطأ؛ لأن الناسخ قد یكون فعلا، كما یكون قولا.
الثالث: أن الأمة إذا اختلفت علی قولین، ثم أجمعت بعد ذلك علی أحدهما، فهذا الإجماع خطاب، مع أن الإجماع لا ینسخ به.
الرابع: أن الحكم الأول قد یثبت بفعل النبی صلی اللّه علیه و سلم، و لیس بخطاب.
قال الرازی فی المحصول: و الأولی أن یقال: الناسخ طریق شرعی، یدل علی أن مثل الحكم الذی كان ثابتا بطریق شرعی لا یوجد بعد ذلك، مع تراخیه عنه، علی وجه لولاه لكان ثابتا.-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 157
عن عثمان «1» رضی الله عنه.
و حكی عن ابن عجلان «2»: «بلغنی أن براءة كانت تعدل سورة البقرة أو قریبا
______________________________
- و فیه أن قوله: مثل الحكم الذی ... إلخ، یشمل ما كان مماثلا له فی وجه من الوجوه؛ فلا یتم النسخ لحكم إلا برفع جمیع المماثلات له فی شی‌ء مما یصح عنده إطلاق المماثلة علیه.
و قال الزركشی: المختار فی حده اصطلاحا: أنه رفع الحكم الشرعی بخطاب.
و فیه: أن الناسخ قد یكون فعلا لا خطابا، و فیه أیضا: أنه أهمل تقییده بالتراخی، و لا یكون نسخ إلا به.
و قال ابن الحاجب فی مختصر المنتهی: إنه فی الاصطلاح: رفع الحكم الشرعی بدلیل شرعی متأخر.
و اعترض علیه: بأن الحكم راجع إلی كلام الله- سبحانه- و هو قدیم، و القدیم لا یرفع و لا یزول.
و أجیب: بأن المرفوع تعلق الحكم بالمكلف لا ذاته، و لا تعلقه الذاتی.
و قال جماعة: هو فی الاصطلاح: الخطاب الدال علی انتهاء الحكم الشرعی، مع التأخیر عن موارده، و یرد علی قید الخطاب ما تقدم، فالأولی أن یقال: هو رفع حكم شرعی بمثله مع تراخیه عنه.
ینظر البرهان (2/ 1263)، و البحر المحیط (4/ 63)، و الإحكام فی أصول الأحكام (3/ 55)، و سلاسل الذهب ص (290)، و نهایة السول (2/ 548)، و حاشیة البنانی (2/ 74).
(1) أخرجه ابن أبی شیبة و أحمد و أبو داود و الترمذی و حسنه، و النسائی و ابن أبی داود فی المصاحف و ابن المنذر و النحاس فی ناسخه و ابن حبان و أبو الشیخ و الحاكم و صححه، و ابن مردویه و البیهقی فی الدلائل عن ابن عباس، قال: قلت لعثمان بن عفان ... فذكره مطولا بنحوه كما فی الدر المنثور للسیوطی (3/ 375).
و عثمان هو عثمان بن عفان بن أبی العاص بن أمیة بن عبد شمس الأموی، أبو عمرو المدنی، ذو النورین، و أمیر المؤمنین، و مجهز جیش العسرة، و أحد العشرة، و أحد الستة، هاجر الهجرتین، له مائة و ستة و أربعون حدیثا، اتفقا علی ثلاثة، و انفرد البخاری بثمانیة، و مسلم بخمسة، و عنه أبناؤه: أبان و سعید و عمرو، و أنس و مروان بن الحكم و خلق، غاب عن بدر لتمریض ابنة النبی صلی اللّه علیه و سلم، فضرب له النبی صلی اللّه علیه و سلم بسهم، قال ابن عمر: كنا نقول علی عهد النبی صلی اللّه علیه و سلم: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، و قال ابن سیرین: كان یحیی اللیل كله بركعة، قتل فی سابع ذی الحجة یوم الجمعة سنة خمس و ثلاثین، قال عبد الله بن سلام: لقد فتح الناس علی أنفسهم بقتل عثمان باب فتنة لا یغلق إلی یوم القیامة، رضی الله عنه.
ینظر: الخلاصة (2/ 219) (4771)، و تهذیب التهذیب (7/ 139)، و تقریب التهذیب (2/ 12)، و تاریخ البخاری الكبیر (6/ 208)، و تاریخ الثقات (1109).
(2) الإمام القدوة، الصادق، بقیة الأعلام، أبو عبد الله القرشی، المدنی، و كان عجلان مولی لفاطمة بنت الولید بن عتبة بن ربیعة بن عبد شمس بن عبد مناف. ولد فی خلافة عبد الملك-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 158
منها؛ فلذلك لم یكتب فی أولها: «بسم الله الرحمن الرحیم».
یرید ابن عجلان أنه نسخ منها ما نقص منها.
و حكی- أیضا- عن عثمان- رضی الله عنه- أنه قال: «لم یبین لنا رسول الله صلی اللّه علیه و سلم فی براءة شیئا، و كانت قصتها تشبه قصة الأنفال، و كانت من آخر ما نزل؛ فلذلك لم یكتب بینهما: «بسم الله الرحمن الرحیم».
و قال أبی- رضی الله عنه-: «كان رسول الله صلی اللّه علیه و سلم یأمرنا فی أول كل سورة ب «بسم الله الرحمن الرحیم»، و لم یأمرنا فی سورة براءة بشی‌ء؛ فلذلك ضمت إلی الأنفال فلم یكتب بینهما «بسم الله الرحمن الرحیم» و كانت أولی بها لشبهها بها».
و حكی عن ابن لهیعة «1» یقولون: إن براءة من الأنفال فلذلك لم یكتب فی أولها «بسم الله الرحمن الرحیم»، و مثله عن اللیث.
قوله: «و كان الباقون فیما قرأنا لهم لا یبسملون بین السور».
______________________________
- ابن مروان.
و حدث عن أبیه، و عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، و عمرو بن شعیب، و أبی حازم سلمان الأشجعی، و هو أقدم شیخ له، و رجاء بن حیوة، و نافع، و محمد بن كعب القرظی، و النعمان بن أبی عیاش الزرقی.
حدث عنه: إبراهیم بن أبی عبلة، و منصور بن المعتمر، و هو أكبر منه، و شعبة، و سفیان، و زید بن أبی أنیسة، و مات قبله بدهر.
و كان فقیها مفتیا، عابدا صدوقا، كبیر الشأن، له حلقة كبیرة فی مسجد رسول الله صلی اللّه علیه و سلم.
مات سنة ثمان و أربعین و مائة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (6/ 317- 322)، و طبقات خلیفة: (270)، و تاریخ البخاری (1/ 196)، و التاریخ الصغیر (1/ 219)، و الجرح و التعدیل (8/ 49)، و مشاهیر علماء الأمصار (140)، و الكامل فی التاریخ (5/ 552- 589)، و میزان الاعتدال (3/ 644- 647)، و الوافی بالوفیات (4/ 92).
(1) عبد الله بن لهیعة بن عقبة، الحضرمی الغافقی، أبو عبد الرحمن المصری قاضیها و عالمها و مسندها، عن: عطاء و الأعرج و عكرمة و خلق، و عنه: شعبة و عمرو بن الحارث و اللیث و ابن وهب و خلق. قال أحمد: احترقت كتبه و هو صحیح الكتاب، و من كتب عنه قدیما فسماعه صحیح، قال یحیی بن معین: لیس بالقوی، و قال مسلم: تركه وكیع و یحیی القطان و ابن مهدی، قال یحیی بن بكیر: مات سنة أربع و سبعین و مائة.
ینظر: الخلاصة (2/ 92) (3760)، و تهذیب التهذیب (5/ 373)، و تقریب التهذیب (1/ 444)، و میزان الاعتدال (2/ 475).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 159
وجه هذا المذهب: التنبیه علی «1» أن «بسم الله الرحمن الرحیم» لیست بآیة من أول كل سورة، خلافا لما حكی عن ابن المبارك «2»، و عن الشافعی «3» فی أحد قولیه: إنها آیة من أول كل سورة، و الجمهور علی خلافه أن «بسم الله الرحمن الرحیم» لم یثبت كونها من القرآن إلا فی بطن سورة النمل خاصة «4».
______________________________
(1) فی أ: إلی.
(2) عبد الله بن المبارك بن واضح، الحنظلی مولاهم، أبو عبد الرحمن المروزی، أحد الأئمة الأعلام و شیوخ الإسلام، ولد ابن المبارك سنة ثمانی عشرة و مائة، عن: حمید و إسماعیل ابن أبی خالد و حسین المعلم و سلیمان التیمی و عاصم الأحول و هشام بن عروة و خلق.
و عنه: السفیانان من شیوخه و معتمر و بقیة و ابن مهدی و سعید بن منصور و خلائق. قال ابن معین: ثقة صحیح الحدیث. و قال ابن مهدی: كان نسیج وحده، مات سنة إحدی و ثمانین و مائة.
ینظر: الخلاصة (2/ 93)، و تهذیب التهذیب (5/ 382)، و تقریب التهذیب (1/ 445)، و الكاشف (2/ 123)، و الثقات (7/ 8).
(3) محمد بن إدریس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبید بن عبد یزید المطلبی، أبو عبد الله، الشافعی الإمام العلم، عن: مالك و إبراهیم بن سعد و ابن عیینة و محمد بن علی ابن شافع و خلق، و عنه: أبو بكر الحمیدی و أحمد بن حنبل و البویطی و أبو ثور و حرملة و طائفة، حفظ القرآن و هو ابن سبع سنین، و الموطأ و هو ابن عشر سنین، قال الربیع: كان الشافعی یختم القرآن ستین مرة فی صلاة رمضان، و قال بحر بن نصر: كنا إذا أردنا أن نبكی قلنا بعضنا لبعض:
قوموا بنا إلی هذا الفتی المطلبی یقرأ القرآن، فإذا أتیناه استفتح القرآن حتی یتساقط الناس من بین یدیه و یكثر عجیجهم بالبكاء من حسن صوته، و قال ابن مهدی: كان الشافعی شابا ملهما. و قال أحمد: ستة أدعو لهم سحرا أحدهم الشافعی. و قال: إن الشافعی للناس كالشمس للعالم.
و قال أبو عبید: ما رأیت أعقل من الشافعی.
و قال قتیبة: الشافعی إمام ولد سنة خمسین و مائة و توفی فی آخر یوم من رجب سنة أربع و مائتین، رضی الله عنه.
ینظر: تهذیب التهذیب (9/ 25)، و تاریخ بغداد (2/ 56)، و الثقات (9/ 30)، و الخلاصة (2/ 377- 378) (6040)، و سیر أعلام النبلاء (10/ 5).
(4) و بیان هذا: أنه قد اختلف العلماء فی البسملة: هل هی آیة من كل سورة أم لا؟ علی ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها لیست بآیة من (الفاتحة)، و لا من غیرها، و هو قول مالك- رحمه الله- لأن القرآن لا یثبت بأخبار الآحاد، و إنما طریقه التواتر.
قال ابن العربی: (و یكفیك أنها لیست من القرآن الكریم اختلاف الناس فیها، و القرآن لا یختلف فیه)، و الأخبار الصحیحة دالة علی أن البسملة لیست بآیة من (الفاتحة)، و لا من غیرها، إلا فی (النمل)، و استدل بما روی مسلم- رحمه الله- عن النبی صلی اللّه علیه و سلم أنه قال:
«یقول الله تبارك و تعالی: قسمت الصلاة بین و بین عبدی نصفین ...» الحدیث.-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 160
______________________________
- الثانی: أنها آیة من كل سورة، و هو قول عبد الله بن المبارك.
الثالث: قال الشافعی- رضی الله عنه-: هی آیة فی الفاتحة، و تردد قوله فی غیرها، فمرة قال: هی آیة من كل سورة، و مرة قال: لیست بآیة إلا من (الفاتحة) وحدها.
و لا خلاف بینهم فی أنها آیة من القرآن فی سورة (النمل).
و احتج الشافعی: بما رواه الدارقطنی عن النبی صلی اللّه علیه و سلم أنه قال: «فاقرءوا: بسم الله الرحمن الرحیم، إنها أم القرآن، و أم الكتاب، و السبع المثانی، و بسم الله الرحمن الرحیم إحدی آیاتها».
و حجة ابن المبارك ما رواه مسلم أن رسول الله صلی اللّه علیه و سلم قال: «أنزلت علی آنفا سورة» فقرأ:
«بسم الله الرحمن الرحیم» إِنَّا أَعْطَیْناكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر: 1].
قال ابن الخطیب: (و المحققون من أصحابنا اتفقوا علی أن «بسم الله» قرآن من سائر السور، و جعلوا القولین فی أنها هل هی آیة تامة وحدها من كل سورة، أو هی مع ما بعدها آیة).
و قال بعض الحنفیة: إن الشافعی خالف الإجماع فی هذه المسألة؛ لأن أحدا ممن قبله لم یقل: إن «بسم الله» آیة من أوائل سائر السور.
و دلیلنا: أن «بسم الله» مكتوب فی أوائل السور بخط القرآن؛ فوجب كونه قرآنا، و احتج المخالف بما روی أبو هریرة- رضی الله تعالی عنه- أن النبی صلی اللّه علیه و سلم قال فی سورة (الملك):
إنها ثلاثون آیة، و فی سورة (الكوثر): إنها ثلاث آیات، ثم أجمعوا علی أن هذا العدد حاصل بدون التسمیة؛ فوجب ألا تكون التسمیة آیة من هذه السور.
و الجواب: أنا إذا قلنا: «بسم الله الرحمن الرحیم» مع ما بعدها آیة واحدة، فالإشكال زائل.
فإن قالوا: لما اعترفتم بأنها آیة تامة من أول الفاتحة، فكیف یمكنكم أن تقولوا: إنها بعض آیة من سائر السور؟
قلنا: هذا غیر بعید؛ أ لا تری أن قوله تعالی: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ آیة تامة، ثم صار مجموع قوله تعالی: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ [یونس: 10] آیة واحدة؟! فكذا هاهنا.
و أیضا فقوله: «سورة الكوثر ثلاث آیات» یعنی ما هو خاصیة هذه السورة ثلاث آیات، و أما التسمیة فهی كالشی‌ء المشترك فیه بین جمیع السور؛ فسقط هذا السؤال، و الله أعلم.
و قال الشافعی- رضی الله عنه-: التسمیة آیة من الفاتحة، و یجب قراءتها مع الفاتحة.
و قال مالك و الأوزاعی- رضی الله تعالی عنهما-: إنها لیست من القرآن إلا فی سورة (النمل)، و لا یجب قراءتها سرّا و لا جهرا، إلا فی قیام شهر رمضان؛ فإنه یقرؤها.
و أما أبو حنیفة- رحمه الله- فلم ینص علیها، و إنما قال: یقول: بسم الله الرحمن الرحیم، و یسر بها، و لم یقل: إنها آیة من أول السورة أم لا.
و سئل محمد بن الحسن- رحمه الله- عن (بسم الله الرحمن الرحیم) فقال: ما بین الدفتین كلام الله- عز و جل- القرآن.
و قال الكرخی- رحمه الله تعالی-: لا أعرف هذه المسألة بعینها لمتقدمی أصحابنا، إلا-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 161
______________________________
- أن أمرهم بإخفائها یدل علی أنها لیست من السورة.
و قال بعض الحنفیة- رحمهم الله-: تورع أبو حنیفة و أصحابه- رحمهم الله- عن الوقوع فی هذه المسألة؛ لأن الخوض فی أن التسمیة من القرآن أو لیست من القرآن أمر عظیم، فالأولی السكوت عنه.
و حجة من قال: إن التسمیة من الفاتحة، ما روی الشافعی عن مسلم عن ابن جریج عن ابن أبی ملیكة عن أم سلمة- رضی الله تعالی عنها- أنها قالت: قرأ رسول الله صلی اللّه علیه و سلم فاتحة الكتاب، فعد «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ» آیة منها، و «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ» آیة، «الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ» آیة، «مالِكِ یَوْمِ الدِّینِ» آیة، «إِیَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِیَّاكَ نَسْتَعِینُ» آیة، «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِیمَ» آیة، «صِراطَ الَّذِینَ أَنْعَمْتَ عَلَیْهِمْ غَیْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَیْهِمْ وَ لَا الضَّالِّینَ» آیة. و هذا نص صریح.
و روی الثعلبی فی تفسیره بإسناده عن أبی بریدة عن أبیه قال: قال رسول الله صلی اللّه علیه و سلم: «أ لا أخبرك بآیة لم تنزل علی أحد بعد سلیمان بن داود- علیهما السلام- غیری؟!» فقلت: بلی، قال: «بأی شی‌ء تفتتح القرآن إذا افتتحت الصلاة؟» قلت: ب «بسم الله الرحمن الرحیم» قال:
«هی هی» و هذا یدل علی أن التسمیة من القرآن.
و روی الثعلبی بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبیه عن جابر بن عبد الله- رضی الله تعالی عنهما- أن النبی صلی اللّه علیه و سلم قال له: «كیف تقول إذا قمت إلی الصلاة؟» قال: أقول:
الحمد لله رب العالمین، قال: قل: «بسم الله الرحمن الرحیم».
و روی أیضا بإسناده عن سعید بن جبیر عن ابن عباس- رضی الله عنهما- فی قوله تبارك و تعالی: وَ لَقَدْ آتَیْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِی وَ الْقُرْآنَ الْعَظِیمَ [الحجر: 87] قال: فاتحة الكتاب، فقیل للنابغة: أین السابعة؟ فقال: «بسم الله الرحمن الرحیم».
و بإسناده عن أبی هریرة- رضی الله عنه- قال: كنت مع النبی صلی اللّه علیه و سلم فی المسجد و النبی یحدث أصحابه، إذ دخل رجل یصلی، فافتتح الصلاة و تعوذ، ثم قال: الحمد لله رب العالمین، فسمع النبی صلی اللّه علیه و سلم ذلك فقال له رسول الله صلی اللّه علیه و سلم: «یا رجل، قطعت علی نفسك الصلاة، أما علمت أن «بسم الله الرحمن الرحیم» من الحمد؟! من تركها فقد ترك آیة منها، و من ترك آیة منها فقد قطع علیه صلاته؛ فإنه لا صلاة إلا بها».
و روی بإسناده عن طلحة بن عبید الله- رضی الله تعالی عنهما- قال: قال رسول الله صلی اللّه علیه و سلم: «من ترك «بسم الله الرحمن الرحیم»، فقد ترك آیة من كتاب الله تعالی».
و روی أن النبی صلی اللّه علیه و سلم قال لأبی بن كعب- رضی الله عنهما-: «ما أعظم آیة فی كتاب الله تعالی؟ فقال: بسم الله الرحمن الرحیم، فصدقه النبی صلی اللّه علیه و سلم».
و معلوم أنها لیست آیة تامة فی النمل؛ فتعین أن تكون آیة تامة فی أول الفاتحة.
و روی أن معاویة- رضی الله عنه- لما قدم المدینة، فصلی بالناس صلاة یجهر فیها، فقرأ أم القرآن، و لم یقرأ (بسم الله الرحمن الرحیم)، فلما قضی صلاته ناداه المهاجرون و الأنصار من كل ناحیة: أنسیت؟ أین «بسم الله الرحمن الرحیم» حین استفتحت القرآن؟
فأعاد معاویة الصلاة، و قرأ «بسم الله الرحمن الرحیم».
و هذا یدل علی إجماع الصحابة علی أنها من القرآن و من الفاتحة، و علی أن الأولی-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 162
فإن قیل: لم أثبتها هؤلاء فی الابتداء بأوائل السور؟
قیل: لقصد التبرك؛ لحدیث: «كل أمر ذی بال ...» كما كتبت فی أوائل السور لذلك.
و لم یعیدوا قراءتها بین السور لحصول التبرك فی أول السورة التی بدأ القارئ بها و الله- عز جلاله و جل كماله- أعلم.
قوله: «و أصحاب حمزة یصلون آخر السورة بأول الأخری».
ذكر الشیخ مثل هذا و لم أجد للإمام فیه قولا.
و ذكر أبو جعفر بن الباذش: أن من یأخذ له بوصل السورة بالسورة لا یلتزم الوصل البتة بل آخر السورة عنده كآخر آیة و أول السورة الأخری كأول آیة أخری فكما لا یلتزم له و لا لغیره وصل رأس آیة بأول آیة أخری، كذلك لا یلتزم له وصل السورة بالسورة حتما، قال أبو جعفر: «بین «1» لی هذا أبو الحسن شریح و قد خولف فیه».
قوله: «و یختار فی مذهب ورش، و أبی عمرو، و ابن عامر السكت بین السورتین من غیر قطع».
یرید بقوله: «من غیر قطع»: ألا یطول السكت بینهما بل یكون یسیرا، و قد فسر ذلك ابن فیرة فی قصیدته فقال:
و سكتهم المختار دون تنفّس ...
البیت، و المراد بهذا السكت: الإشعار بانفصال السورة من السورة.
و ذكر الشیخ السكت عن ورش، و أبی عمرو، و ابن عامر مطلقا، و لم یصفه بطول و لا قصر، و ذكره الإمام فی قراءة أبی عمرو خاصة فقال: «و البغدادیون یأخذون فی قراءة أبی عمرو بسكتة خفیفة بین السور».
و قد تقدم اختیار الشیخ و الإمام الفصل بالبسملة، و یظهر- و الله أعلم-: أنه لا یلزم أن یكون السكت بین السورتین یسیرا و لا بد، بل «2» یجوز ذلك، و یجوز- أیضا- أن یكون علی حد السكت فی الوقف «3»؛ إذ الكلام فی أواخر السور تام، و لا
______________________________
- الجهر بقراءتها. ینظر: اللباب (1/ 151- 152، 243- 248).
(1) فی أ: یبین.
(2) فی أ: و لا بدیل.
(3) فی أ: الوقت.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 163
تعلق «1» لآخر سورة بأول أخری فی حكم من أحكام الإعراب، إلا ما قیل فی آخر سورة الفیل و أول سورة قریش: إن لام الجر فی لِإِیلافِ قُرَیْشٍ [قریش: 1] متعلق بقوله- تعالی-: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفیل: 5] و هو بعید للفصل بینهما بالبسملة، و الله أعلم.
قوله: «و ابن مجاهد یری وصل السورة بالسورة و تبیین الإعراب، و یری السكت أیضا».
حكی الشیخ السكت عن ابن مجاهد و قد تقدمت فائدته، و أما الوصل ففائدته:
تبیین الإعراب فی آخر حرف من السورة.
و یظهر أن هذا السكت المذكور إنما یفعل علی إرادة الوصل، لكن من رآه قصد به الإشعار بانفصال سورة من أخری، و هو نظیر سكت حفص فی المواضع الأربعة المذكورة فی أول سورة الكهف، و علی هذا فمن أراد تمكین السكت بین السور لقصد الوقف فلا حرج كما تقدم فی الأخذ لحمزة، و الله- تبارك و تعالی- أعلم.
قوله: «و كان بعض أشیاخی یفصل فی مذهب هؤلاء بالتسمیة ... إلی آخره».
ذكر فی: «إیجاز البیان» أنه قرأ بالتسمیة بین هذه السور علی ابن خاقان «2» و علی ابن غلبون، و قرأ علی أبی الفتح بترك التسمیة.
و ذكر أنهم حكوا ما قرأ به علیهم عن أشیاخهم.
و وجه من فصل فی هذه المواضع الأربعة: أنه استثقل اتصال «لا» النافیة بقوله-
______________________________
(1) فی أ: تعلم.
(2) خلف بن إبراهیم بن محمد بن جعفر بن حمدان بن خاقان، أبو القاسم المصری الخاقانی، الأستاذ الضابط فی قراءة ورش و غیرها، قرأ علی- التیسیر- أحمد بن أسامة التجیبی و- جامع البیان- أحمد بن محمد بن أبی الرجاء و- جامع البیان- محمد بن عبد الله المعافری و- جامع البیان- محمد بن عبد الله الأنماطی و- جامع البیان- أحمد بن عبد الله الخیاط و- جامع البیان- أبی سلمة الحمراوی، و روی القراءة عن- جامع البیان- محمد بن عبد الله بن أشتة و- جامع البیان- أحمد بن محمد بن أحمد المكی و- التیسیر- الحسن بن رشیق و- جامع البیان- عبد العزیز بن علی، قرأ علیه- التیسیر- الحافظ أبو عمرو الدانی و علیه اعتمد فی قراءة ورش فی التیسیر و غیره، و قال عنه: كان ضابطا لقراءة ورش متقنا لها مجودا مشهورا بالفضل و النسك واسع الروایة صادق اللهجة كتبنا عنه الكثیر من القراءات و الحدیث و الفقه، مات بمصر سنة اثنتین و أربعمائة و هو فی عشر الثمانین.
ینظر: غایة النهایة (1/ 271) (1228).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 164
تعالی-: هُوَ أَهْلُ التَّقْوی وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ [المدثر: 56] و بقوله: فَادْخُلِی فِی عِبادِی وَ ادْخُلِی جَنَّتِی [الفجر: 29- 30] لما فی ذلك من إبهام النفی ب «لا» لما قبلها، و كذلك استثقلوا اتصال «ویل» بالاسم العظیم فی قوله: وَ الْأَمْرُ یَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار: 19] و بقوله: وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر: 3] ففصلوا بالتسمیة لیندفع هذا الاستثقال.
و هذا النظر ضعیف؛ لوجهین:
أحدهما: أنه كان یلزم أن یفصل بین التسمیة و أوائل هذه السور؛ إذ الاستثقال فی قولك: «بسم الله الرحمن الرحیم لا» مثل الاستثقال فی قولك: «هو أهل التقوی و أهل المغفرة لا»، و كذلك اتصال «ویل» بالتسمیة مثل ما فی اتصاله بآخر السورة قبله.
و الوجه الثانی: أنا نجد فی أثناء السور مثل هذا التركیب، و لا یلزم فیه الفصل، بل و قد لا یجوز فی بعض المواضع، كقوله- تعالی-: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَیُّ الْقَیُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ [البقرة: 255] فوقعت «لا» بعد اسم الله- تعالی- و بعد «الحی القیوم» و كقوله- تعالی-: وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ لا یَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقاتِلُوكُمْ فِی الدِّینِ [الممتحنة: 7- 8] فوقعت «لا» بعد «غفور رحیم». و كقوله- تعالی-: أُولئِكَ الَّذِینَ هَدَی اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَیْهِ أَجْراً [الأنعام: 90] فوقعت «لا» بعد فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ. و كقوله- تعالی-: إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ وَیْلٌ یَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِینَ [المرسلات: 44- 45] و لا یمنع أحد الوصل فی هذه المواضع و نحوها، و لو امتنع [فیها] «1» الوصل لم یحصل الخلاف فی قوله- تعالی-: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ فی الوصل، و قد استقرئ فی هذا الحرف أربع قراءات فی السبع كما هو مذكور فی موضعه من فرش الحروف، و الله- تبارك و تعالی- أعلم.
قوله: «و یسكت بینهن سكتة فی مذهب حمزة»؛ لما ثبت عن حمزة أنه كان یترك التسمیة بین السور فی جمیع القرآن و أنه قال: «القرآن كله عندی كسورة واحدة فإذا قرأت «بسم الله الرحمن الرحیم» فی أول فاتحة الكتاب أجزأنی» لذلك لم یفصلوا، له بالتسمیة؛ لئلا یخالفوه فیما ثبت عنه، و فصلوا له بالسكت، و كان یلزم علی هذا أن یفصلوا بالسكت بدل التسمیة فی قراءة ورش، و أبی عمرو، و ابن عامر، لا سیما
______________________________
(1) سقط فی ب.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 165
و قد حكی الحافظ فی «المفردات» أن الروایة ثبتت «1» بنقل اللفظ عن أبی عمرو أنه كان یترك التسمیة بین السور فی جمیع القرآن.
و ذكر فی «إیجاز البیان» أن عامة أهل الأداء من مشیخة المصریین رووا عن أسلافهم، عن أبی یعقوب «2»، عن ورش أنه كان یترك التسمیة بین كل سورتین فی جمیع القرآن.
قوله: «و لیس فی ذلك أثر یروی عنهم».
یرید لیس فی الفصل بین هذه السور الثمانی بالسكت لحمزة، و بالتسمیة لورش، و أبی عمرو، و ابن عامر- روایة عن حمزة و لا عن الآخرین.
قوله: «و لا خلاف فی التسمیة فی أول فاتحة الكتاب ...» إلی قوله: «أو من لم یفصل».
قد تقدم أن الإمام استثنی من ذلك قراءة حمزة، و أنه لا یبسمل له إلا فی أول الفاتحة خاصة.
و یرید الحافظ بقوله: «فی مذهب من فصل»: قالون، و ابن كثیر، و عاصما
______________________________
(1) فی أ: تثبت.
(2) یوسف بن عمرو بن یسار، و یقال: سیار، قال الدانی: و الصواب: یسار، و أخطأ من قال:
بشار، بالموحدة و المعجمة. أبو یعقوب المدنی ثم المصری المعروف بالأزرق، ثقة محقق ضابط، أخذ القراءة عرضا و سماعا عن ورش، و هو الذی خلفه فی القراءة و الإقراء بمصر، و عرض علی سقلاب و معلی بن دحیة، روی القراءة عنه عرضا فی التیسیر و المستنیر و الكامل- إسماعیل بن عبد الله النحاس و محمد بن سعید الأنماطی و- فی جامع البیان و الكامل- أبو بكر عبد الله بن مالك بن سیف و هو آخرهم موتا و مواس بن سهل، قال الذهبی: لزم ورشا مدة طویلة و أتقن عنه الأداء و جلس للإقراء، و انفرد عن ورش بتغلیظ اللامات و ترقیق الراءات، قال ابن الجزری: لم ینفرد بذلك عن ورش، بل روی ذلك عن ورش: یونس بن عبد الأعلی. و قال أبو الفضل الخزاعی: أدركت أهل مصر و المغرب علی روایة أبی یعقوب عن ورش لا یعرفون غیرها، و قال: أبو بكر بن سیف: سمعت الأزرق یقول: إن ورشا لما تعمق فی النحو اتخذ لنفسه مقرئا یسمی مقرئ ورش، فلما جئت لأقرأ علیه قلت له: یا أبا سعید، إنی أحب أن تقرئنی مقرأ نافع خالصا و تدعنی مما استحسنت لنفسك، قال: فقلدته مقرأ نافع، و كنت نازلا مع ورش فی الدار فقرأت علیه عشرین ختمة من حدر و تحقیق، فأما التحقیق فكنت أقرأ علیه فی الدار التی كنا نسكنها فی مسجد عبد الله، و أما الحدر فكنت أقرأ علیه إذا رابطت معه بالإسكندریة. توفی فی حدود الأربعین و مائتین.
ینظر: النهایة (2/ 402).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 166
و الكسائی؛ لأنهم الذین یفصلون بالتسمیة بین السور.
و یرید «بمن لم یفصل» الباقین.
قوله: «فأما الابتداء برءوس الأجزاء ...» إلی قوله: «فی مذهب الجمیع».
قد تقدم أن مذهب الشیخ و الإمام عند الابتداء بالأجزاء ترك التسمیة، و الاكتفاء بالتعوذ خاصة.
قوله: «و القطع علیها إذا وصلت بأواخر السور غیر جائز».
اعلم أن الممكن فی التسمیة باعتبار وصلها و فصلها من السورة التی قبلها و من السورة التی بعدها أربعة أوجه:
أحدها: فصل التسمیة من السورة التی قبلها و وصلها بالتی بعدها.
الثانی: وصلها بما قبلها و بما بعدها.
و لا خلاف فی جواز هذین الوجهین.
الثالث: وصلها بالسورة التی قبلها و فصلها من التی بعدها.
و لا خلاف فی منع هذا الوجه.
الرابع: «1» فصلها مما قبلها و مما بعدها «2».
قال الشیخ لما ذكر التكبیر فی آخر «التبصرة»: و لا یجوز الوقف علی التكبیر دون أن تصله بالبسملة ثم بالسورة المؤتنفة «3».
و قال فی كتاب «التذكرة»: «و لا تقف «4» علی التكبیر و لا علی البسملة».
و قال فی كتاب «الكشف» ما نصه: «إنه أتی بالتسمیة علی إرادة التبرك بذكر الله- تعالی- و صفاته فی أول الكلام، و لثباتها للاستفتاح فی المصحف فهی للابتداء بالسورة فلا یوقف علی التسمیة دون أن توصل بأول السورة».
و قال فی التكبیر من كتاب «الكشف» ما نصه: «و لیس لك أن تصل التكبیر بآخر السورة و تقف علیه، و لا لك أن تقف علی التسمیة دون أول السورة فی كل القرآن».
فحاصل هذه المقالات یقتضی أن مذهبه المنع.
______________________________
(1) فی ب: و الرابع.
(2) فی ب: و ما بعدها.
(3) فی أ: المؤتنف.
(4) فی أ: یقف.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 167
و أما الحافظ فنص هنا علی منع الوجه الثالث، و سكت عمّا عداه، و مفهومه یعطی جواز الوجهین الأولین و الرابع.
و قال فی «المفردات» فی روایة قالون خاصة ما نصه: «و الاختیار أن یقطع علی أواخر السور و یبتدئ بالبسملة موصولة بأوائل السور و لا یقطع علی البسملة البتة إلا إذا لم توصل بأواخر السور».
و هذا القول یعطی جواز الوجه الرابع كالوجهین الأولین.
و أما الإمام فنص فی «الكافی» علی الوجوه الثلاثة، و لم یتعرض لهذا الرابع، و قال فی «المفردات» فی فصل التكبیر عن البزی «1»: «و لا سبیل إلی الوقف علی البسملة و الابتداء بالسورة المبتدأة؛ لأن البسملة إنما وضعت فی أوائل السور و لم توضع فی خواتمها».
______________________________
(1) مقرئ مكة و مؤذنها، أبو الحسن، أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن أبی بزة، المخزومی مولاهم، الفارسی الأصل.
ولد سنة سبعین و مائة.
و تلا علی: عكرمة بن سلیمان، و أبی الإخریط و ابن زیاد عن تلاوتهم علی إسماعیل القسط، صاحب ابن كثیر.
و سمع من: ابن عیینة، و مالك بن سعید، و مؤمل بن إسماعیل و المقرئ، و طائفة.
و روی عنه: البخاری فی التاریخ، و مضر الأسدی، و الحسن بن الحباب، و یحیی ابن صاعد.
و تلا علیه خلق، منهم: أبو ربیعة محمد بن إسحاق، و إسحاق الخزاعی، و أحمد ابن فرح، و ابن الحباب، و اللهبیان، و آخرون. و صحح له الحاكم حدیث التكبیر و هو منكر.
و قد قال أبو حاتم: ضعیف الحدیث، لا أحدث عنه.
و قال العقیلی: منكر الحدیث، یوصل الأحادیث.
مات سنة خمسین و مائتین. و كان دینا عالما، صاحب سنة، رحمه الله.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (12/ 50- 51)، و الجرح و التعدیل (2/ 71)، و الأنساب (2/ 202)، و اللباب (1/ 149)، و میزان الاعتدال (1/ 144- 145)، و معرفة القراء الكبار للذهبی (1/ 143)، و العبر (1/ 455)، و تاریخ ابن كثیر (11/ 6)، و العقد الثمین (3/ 142- 143)، و غایة النهایة فی طبقات القراء (1/ 119- 120)، و لسان المیزان (1/ 139)، و شذرات الذهب (2/ 120- 121).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 168

سورة أم القرآن‌

مسألة: انفرد الحافظ عن خلاد «1» بإشمام الصاد الزای فی قوله- تعالی-:
الصِّراطَ الْمُسْتَقِیمَ [الفاتحة: 6] فی هذه السورة خاصة و هی قراءته علی أبی الفتح.
و نقل عنه الشیخ و الإمام بصاد خالصة فی هذا، و فی جمیع القرآن.
و كذلك قرأ الحافظ علی أبی الحسن «2».
مسألة: ذكر الحافظ هنا عن قالون ضم میم الجمع وصلتها كابن كثیر، و إسكانها كالجماعة، و ذكر عنه الشیخ الوجهین.
______________________________
(1) خلاد بن خالد، أبو عیسی و قیل: أبو عبد الله الشیبانی مولاهم، الصیرفی الكوفی، إمام فی القراءة، ثقة عارف محقق أستاذ، أخذ القراءة عرضا عن سلیم و هو من أضبط أصحابه و أجلهم، و روی القراءة عن حسین بن علی الجعفی عن أبی بكر و عن أبی بكر نفسه عن عاصم و عن أبی جعفر محمد بن الحسن الرواسی، روی القراءة عنه عرضا- جامع البیان و الكامل- أحمد بن یزید الحلوانی و- جامع البیان و الكامل- إبراهیم بن علی القصار و إبراهیم بن نصر الرازی و- الكامل- حمدون بن منصور. توفی سنة عشرین و مائتین.
ینظر: غایة النهایة (1/ 274).
(2) إشمام الصاد زاء هو لغة قیس. ینظر: حجة القراءات (80)، إعراب القراءات (1/ 49)، العنوان (67)، البحر المحیط (1/ 113)، إتحاف الفضلاء (1/ 365).
یقول ابن عادل الحنبلی: و قد تشم الصاد فی (الصراط) و نحوه: زاء، و قرأ به خلف، و حمزة حیث ورد، و خلاد: الأول فقط، و قد تقرأ زاء محضة، و لم ترسم فی المصحف إلا بالصاد، مع اختلاف فی قراءتهم فیها.
و (الصراط) یذكر و یؤنث: فالتذكیر لغة تمیم، و التأنیث لغة الحجاز، فإن استعمل مذكرا، جمع علی (أفعلة) فی القلة، و علی (فعل) فی الكثرة، نحو: (حمار)، و (أحمرة) و (حمر)، و إن استعمل مؤنثا، فقیاسه أن یجمع علی (أفعل): نحو: (ذراع) و (أذرع).
و (المستقیم) اسم فاعل من استقام، بمعنی المجرد، و معناه: السویّ من غیر اعوجاج، و أصله (مستقوم) ثم أعل كإعلال (نستعین).
و (الصراط المستقیم) قال ابن عباس، و جابر- رضی الله عنهما-: هو الإسلام، و هو قول مقاتل، و قال ابن مسعود- رضی الله تعالی عنه-: هو القرآن الكریم، و روی عن علی- رضی الله تعالی عنه- مرفوعا: الصراط المستقیم: كتاب الله تعالی.
و قال سعید بن جبیر- رضی الله تعالی عنه-: طریق الجنة.
و قال سهل بن عبد الله- رحمه الله تعالی-: و هو طریق السنة و الجماعة.
و قال بكر بن عبد الله المزنی: هو طریق رسول الله صلی اللّه علیه و سلم.
و قال أبو العالیة، و الحسن: رسول الله صلی اللّه علیه و سلم و صاحباه.
ینظر: اللباب (1/ 206- 208).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 169
و ذكر الإمام الإسكان خاصة.
تنبیه: قال «1» الحافظ فی هذه المسألة: «بخلاف عن قالون».
و قال فی «المفردات» فی روایة أبی نشیط «2» عن قالون ما نصه: «اعلم أن قالون كان یخیر «3» فی ضم میم الجمع و وصلها بواو فی إسكانها».
ثم أخبر أنه قرأ علی فارس عن قراءته بضم المیم، و علی أبی الحسن عن قراءته بإسكان المیم، و بین العبارتین بون یعرض منه للناظر إشكال.
و وجه البیان فی ذلك: ما نص علیه الشیخ فی «التبصرة» فقال ما نصه: «و خیّر قالون فی إسكانها وصلتها بواو».
و كذلك روی الحلوانی «4»، و أبو نشیط عنه: أنه خیر؛ فلا تبالی فی أی روایة
______________________________
(1) فی ب: و قال.
(2) محمد بن هارون، الإمام المقرئ المجود الحافظ الثقة، أبو نشیط، و أبو جعفر، الربعی المروزی ثم البغدادی الحربی.
ولد سنة نیف و ثمانین و مائة.
تلا علی: عیسی بن مینا بحرف نافع، و سمع من روح بن عبادة، و محمد بن یوسف الفریابی، و یحیی بن أبی بكر، و أبی المغیرة عبد القدوس الحمصی، و علی بن عیاش، و أبی الیمان، و عمرو بن الربیع المصری، و الولید بن عتبة المقرئ، و طائفة.
قرأ علیه: أبو حسان أحمد بن محمد بن أبی الأشعث العنزی، و اعتمد علی طریقه أبو عمرو فی تیسیره من طریق أبی الحسین بن بویان.
و حدث عنه: أبو بكر بن أبی الدنیا، و ابن ماجة فی التفسیر و البغوی، و ابن صاعد، و المحاملی، و ابن أبی حاتم، و ابن مخلد، و قاسم المطرز، و عبد الله بن ناجیة.
و قال أبو حاتم: صدوق.
و قال ابن مخلد: حدثنا أبو نشیط، و كان حافظا.
و قد وهم أبو عمرو الدانی، و قال: إن أبا نشیط توفی سنة ثلاثة و ستین و مائتین، و إنما المتوفی فی نحو هذه السنة: المحدث محمد بن أحمد بن هارون شیطا، و أصاب فی جعل أبی نشیط المروزی هو البغدادی الربعی، و بعض الناس یفرق بین الترجمتین، و هما واحد، هذا الراجح عندی، و أنه توفی سنة ثمان و خمسین، كما قاله تلمیذه ابن مخلد، و الله أعلم.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (12/ 324- 327)، و الجرح و التعدیل (8/ 117)، و تاریخ بغداد (3/ 352- 353)، و تهذیب الكمال (1280)، و غایة النهایة فی طبقات القراء (2/ 272- 273)، و تهذیب التهذیب (9/ 493- 494)، و المنتظم (5/ 15).
(3) فی أ: یجیز.
(4) أحمد بن یزید بن أزداذ- و یقال: یزداذ- الصفار الأستاذ، أبو الحسن الحلوانی، قال الدانی: یعرف بأزداذ، إمام كبیر عارف صدوق متقن ضابط خصوصا فی قالون و هشام، قرأ بمكة علی- جامع البیان- أحمد بن محمد القواس و بالمدینة علی- المستنیر، جامع-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 170
قرأت بالضم.
و اختار ابن مجاهد الإسكان، و الاختیار عند القراء ضم المیمات كلها للحلوانی، و إسكانها لأبی نشیط.
قال العبد: فعبارة التخییر یراعی فیها أصل الروایة عن قالون، و عبارة الخلاف یراعی فیها اختیار القراء من حیث خصوا الإسكان بطریق أبی نشیط، و خصوا الضم بطریق الحلوانی، فكأنهما روایتان مختلفتان عن قالون، و الله- تعالی- أعلم.
تنبیه: ذكر عن حمزة «علیهم» و «لدیهم» و «إلیهم» بضم الهاء فی الحالین أولا ثم ذكر ابن كثیر و قالون بخلاف صلة المیم، ثم أتبع بمذهب ورش، ثم رجع إلی مذهب حمزة، و الكسائی.
و هذا العمل له وجه من الترتیب حسن، و إن لم یكن بادیا من أول وهلة.
و بیانه: أن كلامه فی هذا الفصل فی معنی أن لو قال: میم الجمع إن كان من هذه الكلم الثلاث، فمذهب حمزة فیه ضم الهاء فی الحالین من غیر اعتبار بما بعد المیم من حركة أو سكون؛ و لهذا سوی بین الوقف و الوصل و إن كان من غیر هذه الكلم الثلاث فحینئذ یعتبر ما بعد المیم، فإن كان متحركا فابن كثیر و من وافقه یضم المیم فی الوصل و یصلها، و الباقون یسكنونها، و إن كان بعد المیم ساكن فحمزة، و الكسائی، و أبو عمرو یفعلون كذا بشرط أن تكون «1» المیم بعد الهاء، و تكون «2» قبل الهاء كسرة أو یاء ساكنة، و الباقون بخلاف ذلك «3».
______________________________
- البیان، الكفایة الكبری، الكامل- قالون، رحل إلیه مرتین، و إسماعیل و أبی بكر ابنی أبی أویس فیما ذكره الهذلی، و بالكوفة و العراق علی خلف و- التیسیر، الكامل- خلاد و جعفر بن محمد الخشكنی و- جامع البیان، الكفایة الكبری، الكامل- أبی شعیب القواس و حسین بن الأسود- المبهج، الكامل- الدوری.
توفی سنة نیف و خمسین و مائتین.
ینظر: غایة النهایة (1/ 149).
(1) فی ب: یكون.
(2) فی ب: یكون.
(3) اعلم أن یعقوب یضم كل هاء قبلها یاء ساكنة تثنیة و جمعا، إلا قوله تعالی: بَیْنَ أَیْدِیهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَ [الممتحنة: 12].
و الآخرون بكسرها.
فمن ضمها ردها إلی الأصل؛ لأنها مضمومة عند الانفراد.
و من كسرها، فالأصل الیاء الساكنة، و الیاء أخت الكسرة.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 171
و قوله فی آخره: «و حمزة علی أصله فی الكلم الثلاث» توكید لما تقدم، و أن كسر الهاء فی الوقف مختص بما عدا الكلم الثلاث و الله- عز و جل- أعلم.
تنبیه: اعلم أن میم الجمع لها أربع حالات:
حالة تحرك فیها بالضم و توصل ضمتها بواو بالاتفاق.
و حالة تحرك فیها من غیر صلة.
و حالة تسكن فیها.
و حالة فیها خلاف دائر بین الإسكان و التحریك مع الصلة.
فالحالة الأولی: إذا اتصل بها ضمیر، كقوله- تعالی-: أُورِثْتُمُوها [الأعراف:
43] و فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ [آل عمران: 183] و آذَیْتُمُونا [إبراهیم: 12].
و الحالة الثانیة: إذا وقع بعدها فی الوصل حرف ساكن.
و الحالة الثالثة: إذا وقفت «1» علیها.
و الحالة الرابعة: ما عدا ما تقدم.
______________________________
- و ضم ابن كثیر، و أبو جعفر كل میم جمع مشبعا فی الوصل، إذا لم یلقها ساكن، فإن لقیها ساكن فلا یشبع.
و نافع یخیر، و یضم ورش عند ألف القطع.
و إذا تلقته ألف الوصل، و قبل الهاء كسر، أو یاء ساكنة، ضم الهاء و المیم حمزة و الكسائی- رحمهما الله- و كسرهما أبو عمرو، و كذلك یعقوب إذا انكسر ما قبله.
و الآخرون: بضم المیم، و كسر الهاء؛ لأجل الیاء أو لكسر ما قبلها، و ضم المیم علی الأصل، و قرأ عمر بن الخطاب- رضی الله تعالی عنه-: (صراط من أنعمت علیهم).
إذا ثبت هذا فالأصل فی هاء الكنایة: الضم، فإن تقدمها یاء ساكنة، أو كسرة، كسرها غیر الحجازیین، نحو: علیهم و فیهم و بهم.
و المشهور فی میمها السكون قبل متحرك، و الكسر قبل ساكن، هذا إذا كسرت الهاء، أما إذا ضممت، فالكسر ممتنع إلا فی ضرورة؛ كقوله: (و فیهم الحكام) بكسر المیم، و فی (علیهم) عشر لغات قرئ ببعضها:
(علیهم) بكسر الهاء و ضمها، مع سكون المیم.
(علیهمی) بكسر الهاء، و زیادة الیاء، و بكسر المیم فقط.
(علیهمو) بضم المیم، و زیادة واو، أو الضم فقط.
(علیهمو) بكسر الهاء، و ضم المیم، بزیادة الواو.
(علیهمی) بضم الهاء و زیادة یاء بعد المیم. أو الكسر فقط (علیهم) بكسر الهاء، و ضم المیم، حكی ذلك ابن الأنباری.
ینظر: اللباب (1/ 214- 217).
(1) فی ب: وقف.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 172

باب بیان مذهب أبی عمرو فی الإدغام الكبیر

اشارة

اعلم أن الغرض من هذا الباب ینحصر فی قسمین:
القسم الأول: یشتمل علی سبعة فصول فی تمهید قواعد و تقریر أصول.
و القسم الثانی: یخص مقصود هذا الباب مرتبا بحسب ألفاظ الكتاب.

[القسم الأول]

الفصل الأول من القسم الأول فی معنی الإدغام لغة و اصطلاحا

أما الإدغام فی اللغة: فهو عبارة عن الإدخال یقال: أدغمت الفرس اللجام «1»:
إذا أدخلته فی فیه «2».
و قیل: إنه من الدغم و هو التغطیة یقال: أدغمت الشی‌ء إذا غطیته «3».
فإذا استعمل فی اصطلاح القراء و أهل العربیة فمعناه: إدخال الحرف فی الحرف و دفنه فیه حتی لا یقع بینهما فصل بوقف و لا بحركة، و لكنك تعمل العضو الناطق بهما إعمالا واحدا فیكون الحاصل منهما فی اللفظ حرفا واحدا مشددا.
و یحصل الفرق بین الحرف المدغم، و غیر المدغم، من وجهین:
أحدهما: أن المدغم مشدد و غیر المدغم مخفف، فعلی هذا كل حرف مشدد مدغم.
و الوجه الثانی: أن زمان النطق بالحرف المدغم أطول من زمان النطق بالحرف غیر المدغم بقدر ما فیه من التضعیف، كما أن زمان النطق بالحرفین المفككین أطول من زمان النطق بالحرف المدغم.
______________________________
(1) فی ب: أدغمت اللجام الفرس.
(2) قال ابن منظور فی لسان العرب (2/ 1391): الإدغام: إدخال حرف فی حرف، یقال:
أدغمت الحرف، و ادّغمته، علی «افتعلته». و الإدغام: إدخال اللجام فی أفواه الدواب.
و أدغم الفرس اللجام: أدخله فی فیه. و أدغم اللجام فی فمه: كذلك، قال ساعدة بن جؤیة:
بمقربات بأیدیهم أعنّتهاخوص إذا فزعوا أدغمن باللّجم قال الأزهری: و إدغام الحرف فی الحرف مأخوذ من هذا. قال بعضهم: و منه اشتقاق الإدغام فی الحروف. و قیل: بل اشتقاق هذا من إدغام الحروف.
(3) قال ابن منظور: (دغم الإناء، دغما: غطاه) ینظر: لسان العرب (2/ 1391).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 173
و قد نص الحافظ علی ما ذكرته فی المدغم فی كتاب «المفصح» فقال: «و یلتزم «1» اللسان موضعا واحدا» یعنی فی الإدغام.
ثم قال: «إلا أن احتباسه فی موضع الحرف المشدد لما زاد فیه من التضعیف أكثر من احتباسه فیه بالحرف الواحد المخفف» انتهی.
و فائدة الإدغام: تخفیف الكلمة إذ النطق بالحرف مرة واحدة و إن كان مشددا أخف من النطق به مرتین إذا فك؛ و لهذا شبه الخلیل «2» تكرار الحرف بمشی المقید إذا رفع رجله ثم وضعها- عادت حیث كانت، فكذلك تكرار النطق بالحرف الواحد؛ لأن العضو الناطق یعتمد فی المرة الثانیة علی ما اعتمد علیه فی المرة الأولی.
______________________________
(1) فی ب: و یلزم.
(2) الإمام، صاحب العربیة، و منشئ علم العروض، أبو عبد الرحمن، الخلیل بن أحمد الفراهیدی، البصری، أحد الأعلام. ولد سنة مائة.
حدث عن: أیوب السختیانی، و عاصم الأحول، و العوام بن حوشب، و غالب القطان.
أخذ عنه سیبویه النحو، و النضر بن شمیل، و هارون بن موسی النحوی، و وهب ابن جریر، و الأصمعی، و آخرون.
و كان رأسا فی لسان العرب، دینا، ورعا، قانعا، متواضعا، كبیر الشأن، یقال: إنه دعا الله أن یرزقه علما لا یسبق إلیه، ففتح له بالعروض، و له كتاب: العین، فی اللغة.
وثقه ابن حبان. و قیل: كان متقشفا متعبدا. قال النضر: أقام الخلیل فی خص له بالبصرة، لا یقدر علی فلسین، و تلامذته یكسبون بعلمه الأموال، و كان كثیرا ما ینشد:
و إذا افتقرت إلی الذخائر لم تجدذخرا یكون كصالح الأعمال مات سنة بضع و ستین و مائة، و قیل: بقی إلی سنة سبعین و مائة. ینظر: سیر أعلام النبلاء (7/ 429- 431)، التاریخ الكبیر (3/ 199- 200)، و طبقات النحویین للزبیدی (47- 51)، و معجم الأدباء (11/ 72- 77)، و الكامل لابن الأثیر (6/ 50)، و إنباه الرواة (1/ 341- 347)، و تهذیب الأسماء و اللغات (1/ 177- 178)، وفیات الأعیان (2/ 244- 248)، و عبر الذهبی (1/ 68)، و البدایة و النهایة (10/ 161- 162)، و طبقات القراء لابن الجزری (1/ 275)، و تهذیب التهذیب (3/ 163- 164)، و بغیة الوعاة (1/ 557- 560).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 174

الفصل الثانی‌

اعلم أن الحرف لا یدغم فی الحرف إلا إذا كانا مثلین و ذلك علی وجهین:
أحدهما: أن یكونا مثلین فی الأصل، كقوله- تعالی-: وَ لا یَغْتَبْ بَعْضُكُمْ [الحجرات: 12].
و الثانی: أن یكونا خلافین فی الأصل، فیبدل من الحرف الأول حرف من لفظ الحرف الثانی فیصیرا مثلین نحو قَدْ تَبَیَّنَ [البقرة: 256] تبدل من الدال تاء فیصیر «قتتبین» فآل إدغام الخلافین إلی إدغام المثلین، و هذا یطرد فی جمیع الحروف إلا إذا أدغمت الیاء فی الواو، فإنك «1» تبدل الثانی حرفا من جنس الأول نحو: «سید»، «میت» و الأصل: «سیود»، «میوت».
و هكذا الحاء إذا أردت: إدغامها فی الهاء أو فی العین أبدلت الثانی حرفا من جنس الأول فقلت:
«امدح حّلالا» و «اصفح حّنی» ترید «امدح هلالا»، «و اصفح عنی».
و اعلم أن الحرف لا یبدل [بالحرف] «2» لأجل الإدغام إلا إذا كانا متقاربین، و التقارب بین الحرفین یحصل بالاشتراك فی المخرج أو فی الصفات «3».
ثم لا بدّ من سكون الحرف الأول، و إلا لم یصح إدغامه، فعلی هذا إذا التقی المثلان و الأول ساكن لزم الإدغام، و إن تحرك لم یدغم إلا بعد أن یسكن فیكون فیه إذ ذاك تغییر واحد قبل الإدغام و هو الإسكان «4».
______________________________
(1) فی أ: فكأنك.
(2) سقط فی أ.
(3) أو فی مجموع المخرج و الصفات، كما نص علی ذلك النحاة؛ یقول ابن عصفور فی المقرب (1/ 320): (اعلم أن التقارب بین الحرفین یكون فی المخرج، أو فی الصفة، أو فی مجموعهما).
(4) إذا التقی المثلان فی كلمتین، فإما أن یكون الثانی ساكنا، أو متحركا، فإن كان ساكنا لم یجز الإدغام، بل لا بد من إظهارهما، نحو قولك: (اضرب ابنك).
و قد شذت العرب فی (علماء بنو فلان) و الأصل (علی الماء)، فحذفوا الألف لالتقاء الساكنین، ثم حذفوا أحد المثلین بعد ذلك تخفیفا، و إن كان متحركا.
فإن كانا صحیحین، فإما أن یكون الأول منهما ساكنا فتدغمه فی الثانی لیس إلا، نحو قولك: (اضرب بكرا)، و إما أن یكون متحركا فلا یخلو إذ ذاك من أن یكون ما قبله ساكنا أو متحركا، فإن كان متحركا، جاز الإظهار و حذف الحركة من المثل الأول، و إدغامه فی الثانی فتقول: (جعل لك)، و (جعلّك). و كلاهما حسن.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 175
و إذا التقی المتقاربان و كان الأول ساكنا- فلا إدغام إلا بعد إبدال الحرف الأول من جنس الثانی فیكون- أیضا- فیه تغییر واحد و هو الإبدال، و إن كان الأول متحركا- لم یدغم إلا بعد تغییرین و هما: الإبدال و الإسكان.
و أما إن تحرك الأول و سكن الثانی فلا إدغام نحو: رددناه «1».

الفصل الثالث فی ذكر الحروف و مخارجها

اعلم أن أصول الحروف «2» فی العربیة ثلاثون «3» حرفا، و أذكرها بعد بحول الله-
______________________________
- و الإظهار لغة أهل الحجاز.
و أقوی ما یكون الإدغام و أحسنه إذا أدی الإظهار إلی اجتماع خمسة أحرف متحركة فصاعدا.
و إن كان ما قبله ساكنا، فإن كان الساكن حرف علة، جاز الإظهار، و أن تحذف الحركة من المثل الأول و تدغمه فی الثانی، نحو: (دار راشد)، و (ثوب بكر)، و (جیب بشر).
و الإظهار فیه أحسن من الإظهار فی (جعل لك) و أشباهه.
و إن كان الساكن حرفا صحیحا لم یجز الإدغام نحو: اسم موسی، و ابن نوح، و إن كان المثلان حرفی علة، فإن كان الأول ساكنا:
فإما أن یكون حرف لین؛ فیلزم الإدغام نحو: (اخشی یاسرا)، أو حرف مد و لین، فلا یجوز الإدغام نحو: (یغزو واقدا)، و (اضربی یاسرا)، و إن كان الأول متحركا، فإما أن یكون ما قبله متحركا، فیجوز الإظهار و الإدغام نحو: (ولی یزید)، و (لقضو واقد).
و إما أن یكون ساكنا معتلا غیر مدغم، فیجوز الإظهار و الإدغام، نحو (واو واقد). و (آی یا سین).
و إما أن یكون ساكنا صحیحا، أو معتلّا مدغما، فلا یجوز الإدغام، نحو: (ولی یزید)، و (عدو واقد)، و (ظبی یزید)، و (غزو واقد).
ینظر: المقرب (1/ 318- 319).
(1) الحروف المتقاربة مخارجها إذا أدغمت فإن حالها حال الحرفین اللذین هما سواء فی حسن الإدغام، و فیما یزداد البیان فیه حسنا، و فیما لا یجوز فیه إلا الإخفاء وحده، و فیما یجوز فیه الإخفاء و الإسكان.
فالإظهار فی الحروف التی من مخرج واحد و لیست بأمثال سواء أحسن؛ لأنها قد اختلفت. و هو فی المختلفة المخارج أحسن؛ لأنها أشد تباعدا، و كذلك الإظهار كلما تباعدت المخارج ازداد حسنا.
ینظر: كتاب سیبویه (4/ 445- 446).
(2) قال ابن جنی فی سر الصناعة (1/ 15): الحرف حد منقطع الصوت و غایته و طرفه، كحرف الجبل و نحوه، و یجوز أن تكون سمیت حروفا- أی حروف المعجم- لأنها جهات للكلم و نواح كحروف الشی‌ء و جهاته المحدقة به، و كل اشتقاق المادة یدل علی هذا المعنی.
(3) ذكر غیر واحد من أئمة النحاة: أن أصل حروف العربیة تسعة و عشرون حرفا، فها هو ذا-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 176
عز و جل- موزعة علی المخارج.
______________________________
- سیبویه- إمام النحاة- یقول: حروف العربیة تسعة و عشرون حرفا: الهمزة، و الألف، و الهاء، و العین، و الحاء، و الغین، و الخاء، و الكاف، و القاف، و الضاد، و الجیم، و الشین، و الیاء، و اللام، و الراء، و النون، و الطاء، و الدال، و التاء، و الصاد، و الزای، و السین، و الطاء، و الذال، و الثاء، و الفاء، و الباء، و المیم، و الواو.
و تكون خمسة و ثلاثین حرفا بحروف هن فروع، و أصلها من التسعة و العشرین، و هی كثیرة یؤخذ بها و تستحسن فی قراءة القرآن الكریم و الأشعار، و هی:
النون الخفیفة، و الهمزة التی بین بین، و الألف التی تمال إمالة شدیدة، و الشین التی كالجیم، و الصاد التی تكون كالزای، و ألف التفخیم، یعنی بلغة أهل الحجاز، فی قولهم: الصلاة و الزكاة و الحیاة.
و تكون اثنین و أربعین حرفا بحروف غیر مستحسنة و لا كثیرة فی لغة من ترتضی عربیته، و لا تستحسن فی قراءة القرآن و لا فی الشعر، و هی: الكاف التی بین الجیم و الكاف، و الجیم التی [كالكاف، و الجیم التی] كالشین، و الضاد الضعیفة، و الصاد التی كالسین، و الطاء التی كالتاء، و الظاء التی كالثاء، و الباء التی كالفاء.
و هذه الحروف التی تممتها اثنین و أربعین جیدها و ردیئها أصلها التسعة و العشرون، لا تتبین إلا بالمشافهة، إلا أن الضاد الضعیفة تتكلف من الجانب الأیمن، و إن شئت تكلفتها من الجانب الأیسر و هو أخف؛ لأنها من حافة اللسان مطبقة؛ لأنك جمعت فی الضاد تكلف الإطباق مع إزالته عن موضعه. و إنما جاز هذا فیها؛ لأنك تحولها من الیسار إلی الموضع الذی فی الیمین. و هی أخف؛ لأنها من حافة اللسان، و أنها تخالط مخرج غیرها بعد خروجها، فتستطیل حین تخالط حروف اللسان، فسهل تحویلها إلی الأیسر؛ لأنها تصیر فی حافة اللسان فی الأیسر إلی مثل ما كانت فی الأیمن، ثم تنسل من الأیسر حتی تتصل بحروف اللسان، كما كانت كذلك فی الأیمن.
و یقول ابن عصفور: فحروف المعجم الأصول: تسعة و عشرون حرفا، أولها الألف و آخرها الیاء علی المشهور من ترتیب حروف المعجم.
و قد تبلغ خمسة و ثلاثین بفروع حسنة تلحقها، یؤخذ بها فی القرآن و فصیح الكلام، و هی:
النون الخفیفة، و أعنی بذلك: الساكنة، إذا وقع بعدها حرف من الحروف التی تخفی معها، و الشین التی كالجیم، نحو: «أجدق» فی «أشدق»، و الصاد التی كالزای، نحو: «مزدر» فی مصدر، و الهمزة المخففة، و هی المجعولة بینها و بین الحرف الذی منه حركتها، و ذلك جائز فی كل همزة متحركة تكون بعد ألف، أو بعد حركة ما لم تكن مفتوحة مكسورا ما قبلها، فتبدل یاء، أو مضموما فتبدل واوا. و ألف التفخیم، و ألف الإمالة.
و قد تبلغ أیضا الحروف ثلاثة و أربعین حرفا، بفروع غیر مستحسنة لا توجد إلا فی لغة ضعیفة، و هی الكاف التی كالجیم، نحو: «جمل»، فی «كمل»، و الجیم التی كالكاف، نحو: «ركل» فی «رجل». و الجیم التی كالشین نحو: «اشتمعوا»، فی «اجتمعوا»، و الطاء التی كالتاء، نحو: «تال»، فی «طال»، و الضاد الضعیفة، و هی الثاء المقربة من الضاد، یقولون: (اضر ذلك)، فی: إثر ذلك، و الصاد التی كالسین، نحو: (سابر)، فی:
صابر، و الباء التی كالفاء، و هی علی ضربین: أحدهما: لفظ الباء، أغلب علیه من لفظ الفاء.-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 177
و اعلم أن مخارج الحروف ستة عشر مخرجا:
منها من الحلق.
و منها من داخل الفم.
و منها من بین الشفتین.
و منها من الخیشوم.
أما الحلق فله ثلاثة مخارج «1»:- أحدها: من أقصاه مما یلی الصدر، و له من الحروف: الهمزة، و الهاء، و الألف الساكنة.
و الثانی: من وسط الحلق، و له من الحروف: الحاء، و العین المهملتان.
و الثالث: من أدنی الحلق إلی الفم، و له من الحروف: الخاء، و الغین المعجمتان.
و أما المخارج التی من داخل الفم فمتعلقة باللسان:
منها من أصله.
و منها من حافته.
و منها من وسطه.
و منها من طرفه.
فمن أصله مخرجان:
أحدهما: من أقصاه و ما فوقه من الحنك، و هو مخرج القاف.
و الثانی: أسفل منه قلیلا و ما «2» یلیه من الحنك، و هو مخرج الكاف.
و من وسط اللسان بینه «3» و بین وسط الحنك مخرج الجیم، و الشین، و الیاء.
و من حافة اللسان من بین أولها، و ما یلیه من الأضراس مخرج الضاد.
______________________________
- و الآخر: بالعكس، نحو: (بلج).
و الظاء، التی كالثاء، نحو (ثالم)، فی: ظالم.
ینظر: الكتاب (4/ 431- 433)، المقرب (1/ 320، 326).
(1) قال سیبویه: فأقصاها مخرجا: الهمزة، و الهاء، و الألف، و من أوسط الحلق مخرج العین و الحاء. و أدناه مخرجا من الفم: الغین و الخاء. ینظر الكتاب (4/ 433).
(2) فی أ: مما.
(3) فی أ: و بینه. شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات 178 الفصل الثالث فی ذكر الحروف و مخارجها ..... ص : 175
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 178
و أما طرف اللسان: فله ستة مخارج:
فمن حافة اللسان من أدناها إلی طرفه، ما بینها و بین ما یلیها من الحنك الأعلی مما فوق الضاحك و الناب و الرباعیة و الثنیة مخرج اللام.
و من طرف اللسان بینه و بین ما فوق الثنایا، مخرج النون.
و من مخرج النون غیر أنه أدخل فی ظهر اللسان قلیلا لانحرافه إلی اللام مخرج الراء.
و ما بین طرف اللسان و أصول الثنایا العلیا مخرج الطاء و الدال و التاء.
و ما بین طرف اللسان و فوق الثنایا أعنی السفلی مخرج الصاد و السین و الزای.
و ما بین طرف اللسان و أطراف الثنایا العلیا: مخرج الظاء، و الذال، و الثاء، المعجمات.
و أما الشفتان: فمن بین باطن الشفة السفلی و أطراف الثنایا العلیا مخرج الفاء.
و من بین الشفتین: مخرج الباء، و المیم، و الواو؛ لأن الشفتین تنطبقان بالباء و المیم و تنفتحان متقببتین بالواو.
و أما الخیشوم: فهو مخرج النون الخفیفة «1».
فهذه مخارج الحروف علی رأی سیبویه «2» رحمه الله.
______________________________
(1) فی أ: الخفیة.
(2) إمام النحو، حجة العرب، أبو بشر، عمرو بن عثمان بن قنبر، الفارسی، ثم البصری.
طلب الفقه و الحدیث مدة، ثم أقبل علی العربیة، فبرع و ساد أهل العصر، و ألف فیها كتابه الكبیر الذی لا یدرك شأوه فیه.
استملی علی حماد بن سلمة، و أخذ النحو عن عیسی بن عمر، و یونس بن حبیب، و الخلیل، و أبی الخطاب الأخفش الكبیر.
و قد جمع یحیی البرمكی ببغداد بینه و بین الكسائی للمناظرة، بحضور سعید الأخفش، و الفراء، و جرت مسألة الزنبور، و هی كذب: أظن الزنبور أشد لسعا من النحلة فإذا هو إیاها. فقال سیبویه: لیس المثل كذا، بل: فإذا هو هی. و تشاجرا طویلا، و تعصبوا للكسائی دونه، ثم وصله یحیی بعشرة آلاف، فسار إلی بلاد فارس، فاتفق موته بشیراز فیما قیل.
قال إبراهیم الحربی: سمی سیبویه؛ لأن وجنتیه كانتا كالتفاحتین، بدیع الحسن.
قال أبو زید الأنصاری: كان سیبویه یأتی مجلسی، و له ذؤابتان، فإذا قال: حدثنی من أثق به، فإنما یعنینی.
و قیل: عاش اثنتین و ثلاثین سنة، و قیل: نحو الأربعین. قیل: مات سنة ثمانین و مائة،-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 179
و اعلم أن سیبویه لما ذكر مخرج الضاد لم یبین هل هی من الحافة الیمنی، أو من الحافة الیسری، لكنه ذكر فی باب الإدغام فی حروف طرف اللسان و الثنایا إدغام الظاء و أختیها فی الضاد، فقال فی التعلیل: «لأنها- یعنی الضاد- اتصلت بمخرج اللام، و تطأطأت عن اللام حتی خالطت أصول ما اللام فوقه من الأسنان» «1».
______________________________
- و هو أصح، و قیل: سنة ثمان و ثمانین و مائة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (8/ 351- 352)، و طبقات النحویین (66- 74)، و الفهرست لابن الندیم (1/ 51- 52)، و تاریخ بغداد (12/ 195)، و معجم الأدباء (16/ 114- 127)، و إنباه الرواة للقفطی (2/ 346- 360)، و وفیات الأعیان (1/ 487- 488)، و العبر (1/ 350، 378، 448)، و مرآة الجنان للیافعی (1/ 445)، و البدایة و النهایة (1/ 176- 177)، و بغیة الوعاة (2/ 229)، و النجوم الزاهرة (2/ 88)، و مفتاح السعادة لطاش كبری زاده (1/ 128- 130).
و نص كلام سیبویه- كما فی الكتاب (4/ 433- 434)-:
و لحروف العربیة ستة عشر مخرجا:
فللحلق منها ثلاثة، فأقصاها مخرجا: الهمزة و الهاء و الألف. و من أوسط الحلق مخرج العین و الحاء. و أدناها مخرجا من الفم: الغین و الخاء.
و من أقصی اللسان و ما فوقه من الحنك الأعلی مخرج القاف.
و من أسفل موضع القاف من اللسان قلیلا و مما یلیه من الحنك [الأعلی] مخرج الكاف.
و من وسط اللسان بینه و بین وسط الحنك الأعلی مخرج الجیم و الشین و الیاء.
و من بین أول حافة اللسان و ما یلیها من الأضراس مخرج الضاد.
و من حافة اللسان من أدناها إلی منتهی طرف اللسان ما بینها و بین ما یلیها من الحنك الأعلی و ما فویق الثنایا مخرج النون.
و من مخرج النون غیر أنه أدخل فی ظهر اللسان قلیلا؛ لانحرافه إلی اللام: مخرج الراء.
و مما بین طرف اللسان و أصول الثنایا مخرج الطاء، و الدال، و التاء.
و مما بین طرف اللسان و فویق الثنایا مخرج الزای، و السین، و الصاد.
و مما بین طرف اللسان و أطراف الثنایا مخرج الظاء و الذال، و الثاء.
و من باطن الشفة السفلی و أطراف الثنایا العلا مخرج الفاء.
و مما بین الشفتین مخرج الباء، و المیم، و الواو.
و من الخیاشیم مخرج النون الخفیفة.
(1) و نص كلام سیبویه:
و قد تدغم الطاء و التاء و الدال فی الضاد؛ لأنها اتصلت بمخرج اللام و تطأطأت عن اللام حتی خالطت أصول ما اللام فوقه من الأسنان، و لم تقع من الثنیة موضع الطاء لانحرافها؛ لأنك تضع للطاء لسانك بین الثنیتین، و هی مع ذا مطبقة، فلما قاربت الطاء فیما ذكرت لك أدغموها كما أدغموها فی الصاد و أختیها، فلما صارت بتلك المنزلة أدغموا فیها التاء و الدال، كما أدغموهما فی الصاد؛ لأنهما من موضعها، و ذلك قولك: اضبضّرمة، و انعضّرمة.-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 180
یرید بقوله: «تطأطأت» مالت عن اللام حتی خالطت أصول الضاحك، و الناب، و الرباعیة، و الثنیة؛ لأن هذه الأضراس الأربعة هی التی ذكر سیبویه أن اللام فویقها.
و هذه الأربعة التی اللام فویقها إنما هی من الجهة الیمنی؛ فظهر من هذا أن الضاد عنده من الجهة الیمنی.
و أما الضاد الضعیفة: فقد نص لما ذكر عدة الحروف علی أنها تتكلف من الجهة الیمنی، و من الجهة الیسری، و الله- جل و علا- أعلم.

الفصل الرابع فی صفات الحروف‌

اعلم أن الحروف إنما تختبر صفاتها بأن ینطق بها سواكن بعد همزة الوصل نحو:
«اب» «اج» «اد»، فیكون الحرف إذ ذاك مجردا من شوائب التركیب فتبرز ذاته و تتمیز حقیقته و صفاته.
و اعلم أن جملة الصفات التی أقصد- الآن- ذكرها ست عشرة منها أربع تضاد كل واحدة منها صفة أخری؛ فتبلغ مع «1» أضدادها ثمانی صفات، و الثمانی الباقیة لا تضاد بینها.
أما المتضادات:
فمنها: الجهر: و معناه الظهور، قال الله- تعالی-: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [النساء:
153] أی: عیانا.
[و قال] «2»: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ [الإسراء: 110] أی: لا ترفع صوتك.
و ضد الجهر: الهمس، و معناه: الخفاء قال تعالی: فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً [طه:
108].
______________________________
- و سمعنا من یوثق بعربیته قال:
ثار فضجّضّجّة ركائبه فأدغم التاء فی الضاد.
ینظر: الكتاب (4/ 465).
(1) فی أ: من.
(2) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 181
قال الهروی «1»: «أی صوتا خفیّا من وطء أقدامهم إلی المحشر».
فالحرف الظاهر البین فی النطق: هو المجهور، و الحرف الضعیف: هو المهموس «2».
و جملة الحروف المهموسة عشرة یجمعها قولك: «سكت فحثه شخص» «3».
و الحروف المجهورة ما عداها.
و اعلم أن بعض المجهورة أقوی من بعض: فالطاء و الدال المهملتان أقوی من الظاء و الذال المعجمتین، و كذلك بعض الحروف المهموسة أضعف من بعض فالحاء و الهاء، و الثاء، و نحوها أهمس من الشین و الخاء.
و منها الشدة، و ضدها: الرخاوة.
و الحروف تنقسم إلی شدیدة، و رخوة، و متوسطة.
و جملة الحروف الشدیدة ثمانیة یجمعها قولك:
______________________________
(1) العلامة أبو عبید، أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن، الهروی الشافعی اللغوی المؤدب، صاحب الغریبین.
أخذ علم اللسان عن الأزهری و غیره.
و قد ذكره أبو عمرو بن الصلاح فی طبقات الشافعیة، فقال: روی الحدیث عن أحمد ابن محمد بن یاسین، و أبی إسحاق أحمد بن محمد بن یونس البزاز الحافظ. حدث عنه:
أبو عثمان الصابونی، و أبو عمر عبد الواحد بن أحمد الملیحی بكتاب الغریبین.
قلت: توفی فی سادس رجب، سنة إحدی و أربعمائة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (17/ 146- 147)، و معجم الأدباء (4/ 260- 261)، وفیات الأعیان (1/ 90- 96)، و العبر (3/ 75)، و الوافی بالوفیات (8/ 114- 115)، و طبقات السبكی (4/ 84)، و طبقات الإسنوی (2/ 518- 519)، و البدایة و النهایة (11/ 344- 345)، و النجوم الزاهرة (4/ 228)، و بغیة الوعاة (1/ 371).
(2) و فی بیان الجهر و الهمس یذكر سیبویه أن الحرف المجهور هو: حرف أشبع الاعتماد فی موضعه، و منع النفس أن یجری معه حتی ینقضی الاعتماد [علیه] و یجری الصوت. فهذه حال المجهورة فی الحلق و الفم، إلا أن النون و المیم قد یعتمد لهما فی الفم و الخیاشیم فتصیر فیهما غنة. و الدلیل علی ذلك أنك لو أمسكت بأنفك ثم تكلمت بهما لرأیت ذلك قد أخل بهما.
و أما المهموس فحرف أضعف الاعتماد فی موضعه حتی جری النفس معه، و أنت تعرف ذلك إذا اعتبرت فرددت الحرف مع جری النفس. و لو أردت ذلك فی المجهورة لم تقدر علیه. ینظر: الكتاب (4/ 434).
(3) و جمعها ابن عصفور فی المقرب (2/ 6) بقوله (ستشحثك خصفه).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 182
«أ تجد طبقك» «1».
و فسر [سیبویه] «2» الحرف الشدید بأنه الذی یمنع الصوت أن یجری فیه «3».
أ لا تری أنك لو قلت: «اج» لم یمكن مد الصوت فیه، و كذلك سائرها.
و اعلم أنه متی تحرك الحرف لم یمكن فیه مد الصوت سواء كان رخوا، أو شدیدا، و إنما یتمیز مد الصوت فی الحرف و امتناعه إذا سكن الحرف، و قد تقدم أن الحروف إنما تختبر إذا سكنت و عریت «4» عن التركیب.
و أما الرخوة: فجملتها [ثلاثة] «5» عشر حرفا و هی: الهاء «6»، و الحاء، و الغین، و الخاء، و الشین، و الصاد، و الضاد، و السین، و الزای، و الظاء، و الذال، و الثاء و الفاء. و كل واحد منها یمكن مد الصوت فیه إذا سكن «7».
و أما المتوسطة: فثمانیة أحرف و هی حروف العلة الثلاثة، و خمسة من حروف الصحة و تسمی المعتدلة یجمعها قولك: «لم یرو عنّا».
و وجه وصف هذه الحروف بأنها متوسطة:
أما العین فقال فیه سیبویه: «إنه بین الرخوة و الشدیدة تصیر إلی التردید فیها لشبهها بالحاء «8»». و قال فی اللام: إنه حرف شدید جری فیه الصوت لانحراف اللسان مع الصوت، و لم یعترض علی الصوت كاعتراض الشدیدة، و إن شئت مددت فیه الصوت، و لیس كالرخوة؛ لأن طرف اللسان لا یتجافی عن موضعه، و لیس یخرج الصوت من موضع اللام، و لكن من ناحیة مستدق اللسان فویق ذلك «9». انتهی.
______________________________
(1) و جمعها ابن عصفور أیضا فی المقرب (2/ 6) بقوله (أجدت طبقك).
(2) سقط فی أ.
(3) یقول سیبویه: و من الحروف: الشدید، و هو الذی یمنع الصوت أن یجری فیه. و هو:
الهمزة، و القاف، و الكاف، و الجیم، و الطاء، و التاء، و الدال، و الباء. و ذلك أنك لو قلت:
الحج، ثم مددت صوتك لم یجر ذلك. ینظر الكتاب (4/ 434).
(4) فی أ: و عربت.
(5) سقط فی أ.
(6) فی أ. الباء.
(7) و ذلك إذا قلت: الطّسّ و انقض، و أشباه ذلك أجریت الصوت فیه إن شئت. ینظر: الكتاب (4/ 435).
(8) ینظر: الكتاب (4/ 435) و فیه: (تصل)، بدل (تصیر).
(9) ینظر الكتاب (4/ 435). و فیه: (كاعتراض الحروف الشدیدة) بدلا من (كاعتراض الشدیدة)، و فیه- أیضا:- (ناحیتی)، بدلا من (ناحیة).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 183
قوله: «لأن طرف اللسان لا یتجافی عن موضعه».
تعلیل لصحة مد الصوت كما یكون ذلك فی الحروف الرخوة؛ إذ خاصیة الحرف الرخو صحة مد الصوت فیه مع أن العضو الناطق به لا یزول عن موضعه الذی اعتمد علیه عند ابتدائه بالنطق بذلك الحرف مع كون الصوت الممتد خارجا من موضع الحرف، و من خاصیة الحرف الشدید: أنه إذا نطق به العضو تجافی علی الفور عن موضعه الذی اعتمد علیه وقت النطق، و انقطع الصوت مع أن «1» صوت الحرف إنما یخرج من «2» موضعه.
و أما اللام فلما حصل فیها جواز مد الصوت مع بقاء اللسان فی موضعه من غیر تجاف أشبه بذلك الرخوة، و الصوت الممتد لیس یخرج من موضع اللام و إنما یخرج من ناحیتی مستدق اللسان، و هو طرفه، ففارق بذلك الحروف الرخوة؛ لأن الصوت الممتد بالحرف الرخو إنما یخرج من موضع الحرف كما تقدم.
و إنما موضع اللام الموضع الذی یلتقی من اللسان مع ما یلیه من الأضراس، و إذا لم تمد الصوت باللام الساكنة تجافی اللسان عن موضعه و خرج الحرف من الموضع الذی ذكرنا؛ فحصل من هذا أن نسبة الصوت الممتد خارجا من ناحیتی مستدق اللسان إلی ذات اللام، كنسبة الغنة الخارجة من الأنف إلی حرفی الغنة و هما المیم و النون.
قوله- رحمه الله-: «و لیس كالرخوة».
یرید به نفی المثلیة- أی: لیس رخوا- و لم یرد نفی الشبه «3»؛ لأن الشبه «4» حاصل بما فیه من مد الصوت مع لزوم اللسان لموضعه كما تقدم.
و أما النون و المیم:
فقال سیبویه فی النون: «إنه حرف شدید یجری مع الصوت غنة من الأنف، فإنما تخرجه من أنفك و اللسان لازم لموضع الحرف؛ لأنك لو أمسكت بأنفك لم یجر
______________________________
(1) فی أ: أنه.
(2) فی أ: عن.
(3) فی أ: المشبه.
(4) فی أ: المشبه.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 184
معه صوت» ثم قال: «و كذلك المیم» «1».
و أما الراء فقال: «إنه حرف شدید جری فیه الصوت لتكریره و انحرافه إلی اللام فتجافی الصوت كالرخوة، و لو لم یتكرر لم یجر الصوت فیه» «2» انتهی.
و ذلك أنك إذا نطقت بالراء تكیف الجزء الناطق بها من اللسان نوعا من التكیف حال النطق ثم انفلت من ذلك التكیف فینقطع الصوت الذی هو ذات الراء ثم یعود الجزء الناطق إلی ذلك التكیف فیعود النطق بذلك الحرف هكذا مرة بعد أخری فیحصل فی اللسان بحسب سرعة التكیف و الانفلات المتكررین صورة ترعید و تكریر للفظها، و كل قرعة منها راء مستقلة، لكنه قلما یقدر الناطق علی الاقتصار علی القرعة الواحدة من غیر تكریر إلا بعد التدرب «3» و الریاضة مع سلامة العضو الناطق، فمن حیث كان سریع التفلت و قطع الصوت كان شدیدا و من حیث عرض فیه التكرار السریع صار الصوت كأنه شی‌ء واحد ممتد لم ینقطع؛ فأشبه بذلك الرخوة، و لهذا قال سیبویه: «جری فیه الصوت بالتكریر و انحرافه إلی اللام» «4».
و قوله: «فتجافی الصوت».
یرید: تجافی بما فیه من الانحراف.
و أما حروف العلة الثلاثة، فإن مخارجها اتسعت لهواء الصوت أكثر من غیرها، و أوسعها مخرج الألف، ثم الیاء، ثم الواو، یعرف ذلك بضم الشفتین فی الواو، و برفع لسانك فی الیاء قبل الحنك، و لیس فی الألف شی‌ء من ذلك «5».
______________________________
(1) ینظر الكتاب (4/ 435) و عبارته: و منها: حرف شدید یجری معه الصوت؛ لأن ذلك الصوت [غنة] من الألف، فإنما تخرجه من أنفك و اللسان لازم لموضع الحرف؛ لأنك لو أمسكت بأنفك لم یجر معه الصوت، و هو النون، و كذلك المیم.
(2) ینظر: الكتاب (4/ 435)، و فیه: (فتجافی للصوت) بدلا من (فتجافی الصوت)، و فیه- أیضا-: (و لو لم یكرر) بدلا من (و لو لم یتكرر).
(3) فی ب: التدمن.
(4) ینظر: الكتاب (4/ 435)، و فیه: (یجری) بدلا من (جری)، و فیه أیضا: (لتكریره) بدلا من (بالتكریر).
(5) قال سیبویه: و منها اللینة، و هی الواو و الیاء؛ لأن مخرجهما یتسع لهواء الصوت أشد من اتساع غیرهما كقولك: و أی، و الواو، و إن شئت أجریت الصوت و مددت.
و منها الهاوی، و هو حرف اتسع لهواء الصوت مخرجه أشد من اتساع مخرج الیاء و الواو؛ لأنك قد تضم شفتیك فی الواو و ترفع فی الیاء لسانك قبل الحنك، و هی الألف.-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 185
فإن قیل: ادعیت فی هذه الحروف الثمانیة أنها متوسطة بین الشدیدة و الرخوة و لم یقل سیبویه ذلك إلا فی العین، و نص فی اللام، و الراء، و النون علی الشدة و كذلك المیم.
قیل: قد ذكر سیبویه قبل هذه الحروف الشدیدة التی منها الهمزة و جعلها قسما، و ذكر الرخوة و هی التی منها الخاء و جعلها قسما ثانیا، ثم ذكر هذه الأحرف الأخر علی حدة؛ فدل أن لها حكما ثالثا و هو التوسط.
و قد نص فی العین و وصف الأربعة بعدها بالشدة، و ذكر مع ذلك فیها وجها من الشبه بالرخوة و هو ما صحبها من مد الصوت كما تقدم، بخلاف القسم الذی منه الهمزة فبقدر ما فیها من شبه الرخوة سمیت متوسطة، و كذلك حروف العلة، لما اتسعت مخارجها حصل فیها من امتداد الصوت، و تعدیه مخرجه أكثر مما فی اللام و أخواتها؛ فأشبهت بذلك الرخوة، و الله- تعالی- أعلم.
و منها الانطباق، و ضده: الانفتاح.
فالأحرف المطبقة: الطاء، و الظاء، و الصاد، و الضاد «1» و سمیت بذلك لانطباق ظهر اللسان مع الحنك الأعلی عند النطق بها «2»؛ و لهذا كتب كل واحد منها من خطین متوازیین متصلی الطرفین إشعارا بمخرجها، و المنفتحة ما عداها؛ لانفراج ما بین ظهر اللسان، و الحنك الأعلی عند النطق بها و قد یوصف الباء و المیم بالانطباق لانطباق الشفتین بهما.
و منها الاستعلاء «3» و ضده: الاستفال «4».
فالحروف المستعلیة سبعة و هی: الخاء، و الغین، من أعلی الحلق، و القاف من
______________________________
- و هذه الثلاثة أخفی الحروف؛ لاتساع مخرجها. و أخفاهن و أوسعهن مخرجا: الألف، ثم الیاء، ثم الواو.
ینظر: الكتاب (4/ 435- 436).
(1) و هذه الحروف الأربعة إذا وضعت لسانك فی مواضعهن انطبق لسانك من مواضعهن إلی ما حاذی الحنك الأعلی من اللسان ترفعه إلی الحنك، فإذا وضعت لسانك فالصوت محصور فیما بین اللسان و الحنك إلی موضع الحروف. ینظر: الكتاب (4/ 436).
(2) و لو لا الإطباق لصارت الطاء دالا، و الصاد سینا، و الظاء ذالا، و لخرجت الضاد من الكلام؛ لأنه لیس شی‌ء من موضعها غیرها. ینظر: الكتاب (4/ 436).
(3) و هو تصعد اللسان إلی الحنك الأعلی، انطبق أو لم ینطبق. ینظر: المقرب (2/ 8).
(4) و یطلق علیه- أیضا-: الانخفاض. ینظر المقرب (2/ 8).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 186
أصل اللسان مستعلیا إلی الحنك كما تقدم، و الأربعة المطبقة التی من داخل الفم:
الطاء، و الظاء، و الصاد؛ و الضاد، إذ لم یحصل الانطباق فیها إلا بارتفاع ظهر اللسان إلی الحنك، و الحروف المستفلة ما عداها.
فهذه الصفات الثمانی التی حصل التضاد بین أربعة منها و أربعة.
و أما الصفات الثمانی الباقیة التی لا تضاد بینها فأولها:
الهوائیة: و هی صفة الألف الساكنة سمیت بذلك؛ لأنها صوت یجری فی الصدر، و لا یعتمد علی شی‌ء من الأعضاء الناطقة؛ و لذلك لا یمكن تحریكها.
و ثانیها: الاستطالة و هی صفة الضاد؛ لأن مخرجها یبدأ من أول حافة اللسان من أقصاه، و ینتهی إلی مخارج الطرف؛ فیستوعب طول حافته؛ فیسمی بذلك مستطیلا.
و ثالثها: التفشی، و معناه الظهور، و هی صفة الشین، و الفاء، و صفا بذلك لما یبدو علی ظاهر الفم من التكیف و التأثر عند النطق بهما «1».
و رابعها: الانحراف و معناه: المیل، و هو صفة اللام، و الراء، و انحرافهما إلی الجهة الیمنی، إلا أن انحراف اللام أقوی من انحراف الراء.
و خامسها: التكرار، و هی صفة الراء كما تقدم.
و سادسها: الصفیر، و هی صفة الصاد، و السین و الزای.
و سابعها: الغنة، و هی صفة النون، و المیم، و هو الصوت الخارج من الأنف، و قد تقدم ذكره.
و ثامنها: اللین، و هی صفة الیاء و الواو الساكنتین بعد الفتحة، فأما إن سكنتا، و كانت حركة ما قبلهما من جنسهما- فهما حرفا مد، كما أن الألف حرف مد أبدا؛ لما لزمها السكون «2» و كون حركة ما قبلها من جنسها و الله- تعالی- أعلم.
______________________________
(1) ذكر البعض أن التفشی صفة للشین فقط، و خطّأ من أضاف إلیها غیرها، و من هؤلاء النویری، حیث قال فی شرح الطیبة (1/ 297): حرف التفشی الشین فقط باتفاق؛ لأنه تفشی فی مخرجه حتی اتصل بمخرج الظاء و أضاف بعضهم إلیها حروفا أخر و لا یصح.
(2) فی ب: للسكون.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 187

الفصل الخامس‌

إذا عرفت ما تقدم فاعلم أن الحرفین إذا اشتركا فی المخرج، و جملة الصفات التی لكل واحد منهما فهما مثلان، و إن اختلفا بتعدد المخرج، أو استبد أحدهما بصفة لا تكون للآخر فهما مختلفان، ثم المختلفان، إن اشتركا فی المخرج، أو فی بعض الصفات فهما متقاربان، و بحسب تعدد وجوه الاشتراك یقوی التقارب و بحسب قلته یضعف، و مهما حصل التماثل لزم الإدغام إذا سكن الأول و مهما قوی التقارب حسن الإدغام، و مهما ضعف التقارب ضعف الإدغام، و إن فقد التقارب امتنع الإدغام، و الله- جل و علا- أعلم.

الفصل السادس‌

اعلم أن الحروف تنقسم إلی القوی، و الضعیف.
و أعنی هنا بالقوة أن یكون للحرف زیادة علی غیره، فیقال: إنه أقوی من ذلك الغیر، و تلك الزیادة تكون: الإطباق، و الاستعلاء، و الصفیر، و الاستطالة، و التفشی، و التكرار، و الغنة. و لا یدغم الأقوی فی الأضعف إلا علی ضعف؛ و ذلك لما یلزم من إبدال الحرف الأول بحرف من جنس الثانی فإذا كان الحرف الأول أقوی لزم من إبداله [لو أبدل] «1» إذهاب قوته، و العرب تأبی ذلك فی فصیح كلامها.
و إذا كان الأول أضعف- لزم من إبداله تقویته و هو القانون المستعمل و القیاس الجاری.
و من أصول الإدغام أنه لا یدغم حرف من حروف الحلق فی حرف من حروف الفم، و لا حرف من حروف الفم فی حرف من حروف الحلق.
و منها: أنه لا یدغم حرف صحیح فی حرف معتل سوی النون، و لا یدغم حرف معتل فی حرف صحیح أصلا.
و منها: أن إدغام الحرف الأدخل فی الحرف الأخرج أحسن من العكس، و قد یستعمل من هذا العكس فی حروف الفم ما لا یستعمل فی حروف الحلق، و استعمال الإدغام فی حروف الفم أكثر من استعماله فی حروف الحلق، و الإدغام فی حروف طرف اللسان و مقدم الفم أكثر منه فی «2» غیرها، و الله- عز و جل- أعلم.
______________________________
(1) سقط فی أ.
(2) فی أ: من.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 188

الفصل السابع‌

اعلم أن الحروف علی ضربین:
أحدهما: لا یقبل الإدغام بوجه و هو الألف الساكنة «1» امتنع أن یدغم فیها مثلها أو خلافها لما كان یلزم من تحریكها، و هی لا تقبل الحركة، و امتنع إدغامها فی خلافها لما كان یلزم من قلبها، و لیس فیما یقاربها ما یصلح لذلك.
الضرب الثانی: یقبل الإدغام و هو نوعان:
أحدهما: قد یوجد فیه إدغام المثلین، و لا یصح فیه إدغام المتقاربین.
و النوع الثانی: یصح فیه إدغام المثلین و المتقاربین.
فالنوع الأول: الهمزة، وجد فیها إدغام المثلین فی قولهم: سوّال، جمع:
سائل، «2» و لا یكون هذا فی الهمزة، إلا إذا كانت عین الكلمة.
و سبب ذلك أن العین إذا ضوعفت لا بدّ أن تكون بلفظ واحد؛ فلزم الإدغام لذلك، أما إذا لم تكن عینا و تكررت فلهم مندوحة عن الإدغام بتسهیل إحدی الهمزتین أو حذفها، و هو أخف من الإدغام، و لم تقع [الهمزة عینا] «3» مضاعفة فی القرآن.
و أما النوع الذی یقبل إدغام المثلین و إدغام المتقاربین فهو باقی الحروف، فإدغام المثلین نحو «استغفر رّبك» و «أكرم مّحمدا» و هو عام فی جملة الحروف الباقیة.
و أما إدغام المتقاربین فإن الحروف فیه علی ثلاثة أقسام:
القسم الأول: یدغم فی مقاربه و لا یدغم مقاربه فیه، و هو الهاء، و العین، و الباء یجمعها قولك: «بعه».
______________________________
(1) و قال ابن عصفور فی المقرب (2/ 9): (و أما الألف و الهمزة فلا یدغمان فی شی‌ء، و لا یدغم فیهما)
(2) قوله: (الهمزة وجد فیها ...) إلخ، یدل علی ندرة ذلك، و أنه لا یكاد یقع، و یتأید ذلك بما ذكرناه آنفا عن ابن عصفور، و كذلك بما ذكره سیبویه من عدم تجویز إدغام الهمزة فی مقاربها أو مثلها بقوله: و من الحروف ما لا یدغم فی مقاربه و لا یدغم فیه مقاربه كما لم یدغم فی مثله، و ذلك الحرف الهمزة؛ لأنها إنما أمرها فی الاستثقال التغییر و الحذف، و ذلك لازم لها وحدها كما یلزمها التحقیق؛ لأنها تستثقل وحدها، فإذا جاءت مع مثلها أو مع ما قرب منها أجریت علیه وحدها؛ لأن ذلك موضع استثقال [كما أن هذا موضع استثقال].
ینظر: الكتاب (4/ 446).
(3) فی أ. العین.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 189
أما الهاء و العین فیدغمان فی الحاء «1» نحو «وجه حجّتك» و لقد لقیت الهاء الحاء فی القرآن نحو قوله: إِنَّهُ حَكِیمٌ [الأنعام: 139] و وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً [المائدة: 50] و أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ [البقرة: 196] و أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا [الأنعام: 150] و وَ جاهِدُوا فِی اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ [الحج: 78] و نحو ذلك.
و لم یقرأ بإدغام شی‌ء منه.
و العین نحو «اسمع حدیثا» و لم تلق العین الحاء فی القرآن إلا فی كقوله- تعالی:
مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً [التوبة: 92] أو تكون العین منونة؛ كقوله- تعالی-: وَ كانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِیماً [النساء: 130] و قد تقدم أن الحاء لا تدغم فی العین و لا فی الهاء إلا بعد أن تبدل العین و الهاء حاء فتقول: «امدح حّلالا» و «امدح حّلیّا ترید: «امدح هلالا، و امدح علیّا».
و قولك: لو أدغمت الهاء فی العین، أو العین فی الهاء، لأبدلت كل واحد منهما حاء، فتقول: نزّح حّملك، و انفح حّلالا، ترید: نزّه عملك و انفع هلالا.
حكی سیبویه عن بنی تمیم: محّم، و محّاؤلاء، ترید: معهم، و مع هؤلاء «2».
______________________________
(1) أما الهاء فإذا اجتمعت مع الحاء، فإن تقدمت علیها جاز البیان و هو الأحسن، و قلب الهاء حاء و إدغامها فی الحاء، فتقول: اجبه حاتما، واجبه حاتما.
فإن تقدمت علیها الحاء فالبیان، و لا یجوز الإدغام حتی تحول الهاء حاء فتقول: (امدح حلالا)، ترید: امدح هلالا، و هو قلیل.
و إن اجتمعت مع العین فالبیان، تقدمت علیها أو تأخرت، و لا یجوز الإدغام إلا أن تقلبهما حاءین و تدغم إحداهما فی الأخری، فتقول: (اجبحّتبة)، ترید: اجبه عتبة.
و أما العین فإذا اجتمعت مع الحاء، فإذا تقدمت علیها كنت بالخیار إن شئت أدغمت فقلبت العین حاء.
و إن شئت لم تدغم. و إن تقدمت الحاء فالبیان، و لا یجوز الإدغام إلا أن تقلب العین حاء و تدغم الحاء فی الحاء فتقول: امدحتبة، ترید امدح عتبة.
ینظر: المقرب (2/ 9- 10).
(2) ذكره سیبویه فی الكتاب (4/ 449) و إلیك نصه كاملا؛ فإنه احتوی فوائد جمة، یقول سیبویه: الهاء مع الحاء كقولك: اجبه حملا، البیان أحسن؛ لاختلاف المخرجین، و لأن حروف الحلق لیست بأصل للإدغام لقلتها. و الإدغام فیها عربی حسن؛ لقرب المخرجین، و لأنهما مهموسان رخوان، فقد اجتمع فیهما قرب المخرجین و الهمس. و لا تدغم الحاء فی الهاء كما لم تدغم الفاء فی الباء؛ لأن ما كان أقرب إلی حروف الفم كان أقوی علی الإدغام. و مثل ذلك: امدح هلالا، فلا تدغم.
العین مع الهاء: كقولك اقطع هلالا، البیان أحسن. فإن أدغمت لقرب المخرجین-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 190
فأما قراءة أبی عمرو فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ [آل عمران: 185] بإدغام الحاء فی العین من غیر إبدال العین حاء فشذوذ «1»، و الله- تعالی جده- أعلم.
و أما الباء: فتدغم فی الفاء و المیم، كقوله- تعالی-: اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ «2» [الإسراء: 63] ارْكَبْ مَعَنا «3» [هود: 42].
و قرئ بالإدغام فیهما.
فأما قراءة الكسائی: إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ [سبأ: 9] بإدغام الفاء فی الباء،
______________________________
- حولت الهاء حاء و العین حاء، ثم أدغمت الحاء فی الحاء؛ لأن الأقرب إلی الفم لا یدغم فی الذی قبله، فأبدلت مكانها أشبه الحرفین بها، ثم أدغمته فیه؛ كی لا یكون الإدغام فی الذی فوقه، و لكن لیكون فی الذی هو من مخرجه. و لم یدغموها فی العین؛ إذ كانتا من حروف الحلق؛ لأنها خالفتها فی الهمس و الرخاوة، فوقع الإدغام لقرب المخرجین، و لم تقو علیها العین إذ خالفتها فیما ذكرت لك. و لم تكن حروف الحلق أصلا للإدغام. و مع هذا فإن التقاء الحاءین أخف فی الكلام من التقاء العینین؛ أ لا تری أن التقاءهما فی باب «رددت» أكثر.
و المهموس أخف من المجهور؟! فكل هذا یباعد العین من الإدغام؛ إذ كانت هی و الهاء من حروف الحلق. و مثل ذلك: اجبه عتبة فی الإدغام و البیان، و إذا أردت الإدغام حولت العین حاء، ثم أدغمت الهاء فیها فصارتا حاءین. و البیان أحسن.
و مما قالت العرب تصدیقا لهذا فی الإدغام قول بنی تمیم: محّم، یریدون: معهم، و محّاولاء، یریدون: مع هؤلاء.
و مما قالت العرب فی إدغام الهاء فی الحاء قوله:
كأنها بعد كلال الزاجرو مسحی مر عقاب كاسر ینظر: الكتاب (4/ 449- 450).
(1) أجاب العلامة السمین الحلبی عن هذا الطعن فی قراءة أبی عمرو بقوله: أدغم أبو عمرو الحاء من (زحزح) فی العین هنا خاصة، قالوا: لطول الكلمة و تكریر الحاء، دون قوله:
ذُبِحَ عَلَی النُّصُبِ و الْمَسِیحُ عِیسَی، و نقل عنه الإدغام مطلقا و عدمه مطلقا، و النحویون یمنعون ذلك، و لا یجیزونه إلا بعد أن یقلبوا العین حاء، و یدغمون الحاء فیها، قالوا: (لأن الأقوی لا یدغم فی الأضعف، و هذا عكس الإدغام؛ لأن الإدغام أن تقلب فیه الأول للثانی، إلا فی مسألتین:
إحداهما: هذه.
و الثانیة: الحاء فی الهاء، نحو: (امدح هذا) لا تقلب الهاء حاء أیضا؛ و لذلك طعن بعضهم علی قراءة أبی عمرو و لا یلتفت إلیه. ینظر: الدر المصون (2/ 277- 278).
(2) أدغم الباء فی الفاء هاهنا: أبو عمرو و الكسائی و حمزة فی روایة خلاد عنه. ینظر: الدر المصون (5/ 404).
(3) قرأ البزی و قالون و خلاد بإظهار باء ارْكَبْ قبل میم مَعَنا و الباقون بالإدغام. ینظر:
الدر المصون (4/ 101).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 191
فشذوذ «1»، و الله تبارك و تعالی أعلم و أحكم.
القسم الثانی: یدغم مقاربه فیه و لا یدغم هو فی مقاربه، و ذلك ستة أحرف:
الحاء، و الشین، و الضاد، و الراء، و الفاء، و المیم، یجمعها قولك: شرف محض.
أما الحاء: فقد تقدم ما یدغم فیها، و أنها لا تدغم فی غیرها إلا علی شرط إبدال ذلك الغیر بحاء مثلها، و لا تبدل هی بحرف مثل ذلك الغیر، و هذا [ما] عنیت بكونها لا تدغم فی غیرها.
و أما الشین: فیدغم فیه الجیم، و الطاء، و الدال، و التاء، و الذال، و الثاء، و اللام «2».
فالطاء نحو: «اغبط شّریفا».
و فی القرآن منه كلمة وَ أَغْطَشَ «3» [النازعات: 29] و الْبَطْشَةَ [الدخان: 16] و فی كلمتین: بِالْقِسْطِ شُهَداءَ [النساء: 135] و لم یقرأ بإدغامه.
و الظاء نحو: «الحظ شّرطه» و الذال نحو: «اشحذ شّفرتك» و لم یلتقیا مع الشین
______________________________
(1) أجاب العلامة ابن عادل الحنبلی فی اللباب (16/ 19) عن هذا الطعن، بقوله: و أدغم الكسائی الفاء فی الباء، و استضعفها الناس من حیث أدغم الأقوی فی الأضعف، قال الفارسی: و ذلك لا یجوز؛ لأن الباء أضعف فی الصوت من الفاء فلا یدغم فیها، و إن كانت الباء یدغم فیها نحو: اضرب فلانا، كما تدغم الباء فی المیم كقولك: اضرب مالكا، و إن كانت المیم لا تدغم فی الباء نحو: اضمم بكرا؛ لأن الباء انحطت عن المیم بفقد الغنة، و قال الزمخشری: و لیست بالقویة، و هذا لا ینبغی لأنها تواترت. ینظر: اللباب (16/ 19).
(2) قال ابن عصفور: و أما الشین فإنها لا تدغم فی شی‌ء، و تدغم فیها الجیم و الطاء و الظاء و الذال و التاء و الدال و الثاء و اللام. نحو قولك: لم یربط شبثا، و قد شاء، و أنبتت شیا و احفظ شنبا، و انبذ شرابا، و ابعث شافعا، و اجعل شیئا. و البیان فی جمیع ذلك عربی جید.
ینظر: المقرب (2/ 12).
(3) أی أظلم، بلغة أنمار و أشعر. یقال: غطش اللیل، و غطشته أنا، و أغطشته، قال:
عقرت لهم ناقتی موهنافلیلهم مدلهم غطش و لیل أغطش، و لیلة غطشاء.
قال الراغب: و أصله من الأغطش، و هو الذی فی عینه عمش، و منه: فلاة غطشی: لا یهتدی فیها.
و التغاطش: التعامی. انتهی.
و یقال: أغطش اللیل- قاصرا- كأظلم. و «أفعل» فیه متعدّ و لازم.
ینظر: الدر المصون (6/ 475).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 192
فی القرآن.
و اللام نحو: «اقبل شّهادته»، و قد جاءت اللام قبل الشین فی القرآن علی خمسة أضرب:
أحدها: لام التعریف و لا خلاف فی إدغامها نحو الشُّهَداءِ [البقرة: 282].
الثانی: اللام المشددة نحو كُلِّ شَیْ‌ءٍ [البقرة: 106].
الثالث: اللام المنونة نحو زِلْزالًا شَدِیداً [الأحزاب: 11] و رَسُولًا شاهِداً عَلَیْكُمْ [المزمل: 15].
الرابع: اللام المفتوحة بعد الألف نحو الرِّجالَ شَهْوَةً [الأعراف: 81] وَ قالَ شُرَكاؤُهُمْ [یونس: 28].
الخامس: لام الابتداء، و لام الجر نحو لَشَیْ‌ءٌ عُجابٌ [ص: 5] و لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ [الصافات: 36].
و لم یدغم شی‌ء من ذلك، و لیس فی القرآن لام بعدها شین فی كلمة واحدة.
و أما الجیم و الدال و التاء و الثاء فموجودة قبل الشین فی القرآن، و قرئ بإدغامها نحو: أَخْرَجَ شَطْأَهُ «1» [الفتح: 29] و قَدْ شَغَفَها «2» [یوسف: 30] و بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ [النور: 4] و ثَلاثِ شُعَبٍ [المرسلات: 30].
و أما الضاد: فیدغم فیه سبعة أحرف و هی: الطاء و الظاء، و التاء و الدال و الذال
______________________________
(1) أخرج شطأه، أی: فراخ الزرع، یقال: شطأ الزرع و أشطأ، أی: أخرج فراخه، و هل یختص ذلك بالحنطة فقط؟ أو بها و بالشعیر فقط أو لا یختص؟ خلاف مشهور، قال الشاعر:
أخرج الشطأ علی وجه الثری‌و من الأشجار أفنان الثمر ینظر: الدر المصون (6/ 167).
(2) بمعنی: حرق شغاف قلبها، و هو مأخوذ من الشغاف. و الشغاف: حجاب القلب، جلیدة رقیقة، و قیل: سویداء القلب، و قیل: داء یصل إلی القلب من أجل الحب، و قیل: جلیدة رقیقة یقال لها لسان القلب لیست محیطة به. و معنی «شغف قلبه» أی: خرق حجابه، أو أصابه فأحرقه بحرارة الحب، و هو من شغف البعیر بالهناء إذا طلوه بالقطران فأحرقه، و المشغوف: من وصل الحب لقلبه. قال الأعشی:
یعصی الوشاة و كان الحب آونةمما یزیّن للمشغوف ما صنعا و قال النابغة الذبیانی:
و قد حال همّ دون ذلك والج‌مكان الشغاف تبتغیه الأصابع ینظر الدر المصون (4/ 173).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 193
و الثاء و اللام، نحو: «أمط ضّیره» و «احفظ ضّأنك» و «انبذ ضّغنك» «1» «و الضغن هو الحقد و لم یقع فی القرآن منها شی‌ء و وجدت البواقی نحو فَقَدْ ضَلَ [البقرة:
108] و وَ الْعادِیاتِ ضَبْحاً «2» [العادیات: 1] و حَدِیثُ ضَیْفِ إِبْراهِیمَ
______________________________
(1) قال ابن عصفور: تدغم فی الضاد: الطاء و الدال و التاء و الظاء و الذال و الثاء و اللام، نحو قولك: هل ضّل زید، و ابعث ضرمة، و ضجت ضجة. قال:
ثار فضجت ضّجة ركائبه و (اضبط ضرمة)، و (احفظ ضّرمة)، و (خذ ضّرمة)، و البیان فی جمیع ذلك عربی جید.
ینظر: المقرب (2/ 12- 13).
(2) قوله: وَ الْعادِیاتِ جمع: عادیة، و هی الجاریة بسرعة من العدو: و هو المشی بسرعة، و الیاء منقلبة عن واو؛ لكسر ما قبلها، نحو: الغازیات، من: الغزو، و یقال: عدا یعدو عدوا، فهو عاد، و هی عادیة، و قوله (ضبحا) فیه أوجه:
أحدها: أنه مصدر مؤكد لاسم الفاعل؛ فإن الضبح نوع من السیر، و العدو كالضبح، یقال: ضبح الفرس أو ضبع، إذا عدا بشدة، أخذا من الضبع و هو الذراع؛ لأنه عدّة عند العدو. و كأن الحاء بدل من العین، و إلی هذا ذهب أبو عمدة و المبرد، قالا: الضبح من أضباعها فی السیر، و قال عنترة:
و الخیل تكدح حین تضبح فی حیاض الموت ضبحا الثانی: أنه مصدر فی موضع الحال، أی ضابحات، أی: ذوات ضبح، و الضبح:
صوت یسمع من صدور الخیل عند العدو، و لیس بصهیل.
و عن ابن عباس: أنه حكاه، فقال: أح أح. و نقل عنه أنه لم یضبح من الحیوان غیر الخیل و الكلب و الثعلب، و هذا ینبغی ألا یصح؛ عنه فإنه یروی عنه أنه قال: سئلت فیها ففسرتها بالخیل، و كان علی- رضی الله عنه- تحت سقایة زمزم، فسأله و ذكر له ما قلت، فدعانی فلما وقفت علی رأسه قال: تفتی الناس بغیر علم، إنها لأول غزاة فی الإسلام، و هی بدر، و لم یكن معنا إلا فرسان فرس المقداد و فرس الزبیر، و العادیات ضبحا: الإبل من عرفة إلی المزدلفة و من المزدلفة إلی منی. إلا أن الزمخشری قال بعد ذلك: فإن صحت الروایة فقد استعیر الضبح للإبل كما استعیر المشافر و الحافر للإنسان و الشفتان للمهر.
و نقل غیره أن الضبح یكون فی الإبل و الأسود من الحیات و البوم و الصدی و الأرنب و الثعلب و القوس، و أنشد أبو حنیفة فی صفة القوس:
حنانة من نشم أو تألب‌تضبح فی الكف ضباح الثعلب و عنه أن هذا من الاستعارة، و نقل أهل اللغة: (أن أصل الضبح فی الثعلب، و استعیر للخیل، و هو من «ضبحته النار» أی غیرت لونه و لم تبالغ فیه، و انضبح لونه: تغیر إلی سواد قلیلا.
الثالث من الأوجه: أن یكون منصوبا بفعل مقدر، أی: تضبح ضبحا، و هذا الفعل حال من (العادیات).
الرابع: أنه منصوب ب (لعادیات) و إن كان المراد به الصوت. قال الزمخشری: كأنه قیل:
و الضابحات؛ لأن الضبح یكون مع العدو.-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 194
[الذاریات: 24] و بَلْ ضَلُّوا [الأحقاف: 28].
و أما الراء: فیدغم فیها اللام و النون «1».
و قرئ به نحو: قُلْ رَبِّی [الكهف: 22] و مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران: 133].
و الإدغام لازم إذا كانا ساكنین، فإن تحركا ففی الإدغام الكبیر علی ما یأتی بحول الله تعالی.
و أما الفاء: فیدغم فیها الباء كما تقدم «2».
و أما المیم: فیدغم فیها الباء و قد تقدم، و النون نحو وَ مَنْ مَعَكَ [المؤمنون:
28] و إدغامه لازم إذا كان ساكنا.
القسم الثالث: الذی یدغم فی مقاربه و یدغم مقاربه فیه، و هو باقی الحروف و هی ثمانیة عشر حرفا یجمعها قولك:
ضن زكوت خلطسذج غیث قصد أما الخاء و الغین: فیدغم أحدهما فی الآخر نحو: «فرغ خّاطرك» و «ارسخ غّالبا» و لم یلتقیا فی القرآن «3».
و أما القاف و الكاف: فیدغم أحدهما فی الآخر «4» نحو خَلَقَكُمْ: [الأعراف:
______________________________
- ینظر: الدر المصون (6/ 557- 558).
(1) قال سیبویه: و الراء لا تدغم فی اللام و لا فی النون؛ لأنها مكررة، و هی تفشّی إذا كان معها غیرها، فكرهوا أن یجحفوا بها فتدغم مع ما لیس یتفشی فی الفم مثلها و لا یكرر. و یقوی هذا أن الطاء و هی مطبقة لا تجعل مع التاء تاء خالصة، لأنها أفضل منها بالإطباق، فهذه أجدر إلا تدغم؛ إذ كانت مكررة. و ذلك قولك: اجبر لبطة، و اختر نقلا. و قد تدغم هذه اللام و النون مع الراء؛ لأنك لا تخل بهما كما كنت مخلا بها لو أدغمتها فیهما، و لتقاربهن، و ذلك: هرّأیت، و مرّأیت.
ینظر: الكتاب (4/ 448).
(2) یقول ابن عصفور، و هو بصدد ذكر حروف اللسان فی الإدغام: ثم الفاء، و لا تدغم فی شی‌ء و تدغم فیها الباء. تقول: (اذهب فی ذلك). ثم الباء، و هی تدغم فی الفاء كما ذكرنا.
ینظر المقرب (2/ 16).
(3) یقول ابن عصفور: الغین مع الخاء یجوز فیهما البیان و الإدغام كیفما اجتمعتا فتقول: (اسلخ غنما) و (ادفع خلفا). و لا یجوز إدغام واحد من الحاء و الهاء و العین فی الغین و الخاء، و لا إدغامهما فیها.
ینظر المقرب (2/ 10).
(4) قال ابن عصفور: الكاف و القاف كل واحد منهما یدغم فی صاحبه، فتقول: (الحق كلدة) و (انهك قطنا).-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 195
189] و كَذلِكَ قالَ [مریم: 21] و قرئ به.
و أما الجیم: فتدغم فی الشین كما تقدم، و یدغم فیها فی قول غیر سیبویه «1»:
الدال، و الطاء، و التاء، و الظاء، و الذال، و الثاء نحو قَدْ جَعَلَ [مریم: 24] و نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ [النساء: 56] و إِذْ جَعَلَ [المائدة: 20] و قرئ به.
و أما البواقی نحو: «القط جّوهرا» و «احفظ جّارك» و «أثبت جّمالا» فلم یقع فی القرآن.
فأما قوله- تعالی-: ثَجَّاجاً [النبأ: 14] فلا یصح إدغام الثاء فی الجیم؛ إذ الجیم مشددة، و أیضا: فالثاء أول فی الابتداء و بعد ساكن فی الوصل.
و أما الیاء: فتدغم فی الواو بشرط: أن تقلب یاء نحو «سید» كما تقدم.
و تدغم فیها الواو، و النون «2» نحو «طویت طیّا» و «لویت لیّا» و «من یّؤمن» و كله فی القرآن.
و أما الواو فتدغم فی الیاء كما تقدم، و تدغم فیها الیاء كما تقدم، و النون «3» نحو
______________________________
- و إن شئت بینت إلا أن البیان فی (انهك قطنا) و أمثاله أحسن من الإدغام، و لا یجوز إدغام القاف و الكاف فی غیرهما، و لا إدغام غیرهما فیهما.
ینظر: المقرب (2/ 11).
(1) أما الجیم فإنها تدغم فی الشین خاصة فتقول: (أخرج شبثا)، و یجوز البیان، و كلاهما حسن. و تدغم فیها ستة أحرف: الطاء و الدال و التاء و الظاء و الذال و الثاء. نحو: (لم یربط جملا)، و (قد جعل)، و (وجبت جنوبها)، و (احفظ جابرا) و (انبذ جعفرا)، و (ابعث جامعا).
و البیان فی جمیع ذلك أحسن. و إذا أدغمت الطاء و الظاء فی الجیم فالأحسن أن تبقی الإطباق و یجوز إذهابه.
ینظر: المقرب (2/ 11).
(2) تدغم النون مع الیاء بغنة و بلا غنة؛ لأن الیاء أخت الواو، و قد تدغم فیها الواو فكأنهما من مخرج واحد، و لأنه لیس مخرج من طرف اللسان أقرب إلی مخرج الراء من الیاء؛ أ لا تری أن الألثغ بالراء یجعلها یاء، و كذلك الألثغ باللام؛ لأن الیاء أقرب الحروف من حیث ذكرت لك إلیهما.
ینظر الكتاب (4/ 453).
(3) تدغم النون مع الواو بغنة و بلا غنة؛ لأنها من مخرج ما أدغمت فیه النون، و إنما منعها أن تقلب مع الواو میما: أن الواو حرف لین تتجافی عنه الشفتان، و المیم كالیاء فی الشدة و إلزام الشفتین، فكرهوا أن یكون مكانها أشبه الحروف من موضع الواو بالنون، و لیس مثلها فی اللین و التجافی و المد؛ فاحتملت الإدغام كما احتملته اللام، و كرهوا البدل؛ لما ذكرت لك.-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 196
مِنْ والٍ [الرعد: 11].
و أما اللام: فتدغم فی ثلاثة عشر حرفا و هی: الطاء، و الدال، و الصاد، و السین، و الراء، معجمات، أو مهملات، و النون، و التاء، و الثاء.
فإن كانت اللام للتعریف لزم إدغامها فی هذه الحروف، و إن كانت لغیر التعریف جاز الإظهار و الإدغام، و كان متفاضلا فی الحسن و القبح علی ما هو مستوفی فی
______________________________
- ینظر الكتاب (4/ 453).
و اعلم أنه إذا كانت الواو قبلها ضمة و الیاء قبلها كسرة، فإن واحدة منهما لا تدغم إذا كان مثلها بعدها. و ذلك قولك: ظلموا واقدا، و اظلمی یاسرا، و یغزو واقد، و هذا قاضی یاسر، لا تدغم. و إنما تركوا المد علی حاله فی الانفصال كما قالوا: قد قوول، حیث لم تلزم الواو، و أرادوا أن تكون علی زنة «قاول»؛ فكذلك هذه؛ إذ لم تكن الواو لازمة لها، أرادوا أن یكون «ظلموا» علی زنة: ظلما واقدا، و قضی یاسرا، و لم تقو هذه الواو علیها كما لم یقو المنفصلان علی أن تحرك السین فی اسم موسی.
و إذا قلت و أنت تأمر: اخشی یاسرا، و اخشوا واقدا أدغمت؛ لأنهما لیسا بحرفی مد كالألف، و إنما هما بمنزلة قولك: احمد داود، و اذهب بنا. فهذا لا تصل فیه إلا إلی الإدغام؛ لأنك إنما ترفع لسانك من موضع هما فیه سواء، و لیس بینهما حاجز.
ینظر الكتاب (4/ 442).
و اعلم أیضا أنه لا تدغم الیاء و إن كان قبلها فتحة، و لا الواو و إن كان قبلها فتحة مع شی‌ء من المتقاربة، لأن فیهما لینا و مدا، فلم تقو علیهما الجیم و الباء، و لا ما لا یكون فیه مد و لا لین من الحروف، أن تجعلهما مدغمتین؛ لأنهما یخرجان ما فیه لین و مد إلی ما لیس فیه مد و لا لین، و سائر الحروف لا تزید فیها علی أن تذهب الحركة، فلم یقو الإدغام فی هذا كما لم یقو علی أن تحرك الراء فی: قرم موسی. و لو كانت مع هذه الیاء التی ما قبلها مفتوح و الواو التی ما قبلها مفتوح ما هو مثلهما سواء، لأدغمتهما و لم تستطع إلا ذلك؛ لأن الحرفین استویا فی الموضع و فی اللین، فصارت هذه الیاء و الواو مع المیم و الجیم نحوا من الألف مع المقاربة، لأن فیهما لینا و إن لم یبلغا الألف، و لكن فیهما شبه منها؛ أ لا تری أنه إذا كانت واحدة منهما فی القوافی لم یجز فی ذلك الموضع غیرها، إذا كانت قبل حرف الروی، فلم تقو المقاربة علیها لما ذكرت لك، و ذلك قولك: رأیت قاضی جابر، و رأیت دلو مالك، و رأیت غلامی جابر، و لا تدغم فی هذه الیاء الجیم و إن كانت لا تحرك؛ لأنك تدخل اللین فی غیر ما یكون فیه اللین. و ذلك قولك: أخرج یاسرا، فلا تدخل ما لا یكون فیه اللین علی ما یكون فیه اللین كما لم تفعل ذلك بالألف.
و إذا كانت الواو قبلها ضمة و الیاء قبلها كسرة فهو أبعد للإدغام؛ لأنهما حینئذ أشبه بالألف.
و هذا ما یقوی ترك الإدغام فیهما و ما قبلهما مفتوح؛ لأنهما یكونان كالألف فی المد و المطل، و ذلك قولك: ظلموا مالكا، و اظلمی جابرا.
ینظر الكتاب (4/ 446- 447).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 197
كتب العربیة «1».
و قد قرئ بإدغامها فی عشرة أحرف من هذه الثلاثة عشر، و هی ما عدا الشین المعجمة، و الدال و الصاد المهملتین نحو:
هَلْ تَعْلَمُ [مریم: 65]، هَلْ ثُوِّبَ [المطففین: 36]، بَلْ ظَنَنْتُمْ [الفتح: 12]، بَلْ زُیِّنَ [الرعد: 33]، بَلْ سَوَّلَتْ [یوسف: 18]، بَلْ نَحْنُ [القلم: 27]، و بَلْ طَبَعَ [النساء: 155]، و بَلْ ضَلُّوا [الأحقاف: 28]، و وَ قُلْ رَبِ [طه: 114]، و وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِكَ [البقرة: 231].
و هو شاذ، و تقدم حكمها مع الشین.
و مثال اللام مع الدال فی القرآن قوله تعالی: وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ [إبراهیم: 40].
______________________________
(1) قال ابن عصفور: (أما اللام فإنها تدغم فی ثلاثة عشر حرفا، و هی: التاء و الثاء و الدال و الذال و السین و الشین و الراء و الزای و الطاء و الظاء و الصاد و الضاد و النون، فإن كانت الام للتعریف التزم الإدغام، و إن كانت لغیر تعریف، جاز الإدغام، و البیان.
و الإدغام فی بعض هذه الحروف أحسن منه فی بعض، فإدغامها فی الراء نحو: (هل رأیت)، أحسن منه فی سائرها. و یلی ذلك فی الجودة إدغامها فی الطاء نحو: (قل طیبا)، و التاء (هل تعلم)، و الدال نحو: (هل دنا زید)، و الصاد نحو (هل صبر)، و السین نحو (هل سمعت)، و الزای نحو: (هل زال الشی‌ء).
و یلی ذلك فی الجودة إدغامها فی الثاء نحو: (هل ثوّب) و الذال نحو (هل ذریت الحب) و الظاء نحو: (هل ظلم).
و یلی ذلك فی الجودة إدغامها فی الضاد نحو (هل ضل) و فی الشین نحو قول طریف:
تقول إذا استهلكت مالا للذةفكیهة: هشّی‌ء بكیفك لائق یرید: هل شی‌ء.
و إدغامها فی النون دون ذلك كله نحو: (هل نری زیدا)، و البیان أحسن منه، و لا یدغم فیها إلا النون.
هذا و قد نبه ابن عصفور عند حدیثه عن الإدغام إلی أنه لا یدغم أحد المتقاربین فی الآخر فی جمیع ما تقدم ذكره إلا بشرط أن یكون الثانی منهما متحركا، فإن كان ساكنا لم یجز إلا الإظهار نحو قولك: (قد اتعظ زید)، و (من القوم).
و قد شذت العرب، فحذفت النون من (بنی) إذا اجتمعت مع لام التعریف فی أسماء القبائل بشرط أن تكون اللام ظاهرة فی اللفظ نحو: (بلحارث)، و (بلعنبر)، و (بلهجیم)، و (بلقین). و الأصل: بنو الحارث، و بنو العنبر، و بنو الهجیم، و بنو القین، فحذفت علامة الجمع؛ لالتقاء الساكنین، ثم حذفت النون تخفیفا لما كثر الاستعمال، فإن لم تكن اللام ظاهرة لم یجز حذف النون تخفیفا نحو: بنی النجار، لا یقال: بنجار.
ینظر: المقرب (2/ 13- 14، 16- 17).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 198
و ثَمانِینَ جَلْدَةً [النور: 4].
و مثال اللام مع الصاد: قُلْ صَدَقَ اللَّهُ [آل عمران: 95]، و كَمَثَلِ صَفْوانٍ [البقرة: 264]، و خَلَصُوا نَجِیًّا [یوسف: 80].
و لم یقرأ بإدغام شی‌ء منه.
و تدغم فیها النون لا غیر نحو: وَ لَمْ یَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص: 4].
و أما النون: فتدغم فی خمسة أحرف و هی المجموعة فی قولك: لم یرو، نحو:
وَ مَنْ لَمْ [الفتح: 13]، و مِنْ ماءٍ [المرسلات: 20]، و مَنْ یُؤْمِنُ [یونس: 40]، و مِنْ رَبِّكَ [القصص: 32]، و مِنْ والٍ [الرعد: 11].
و تدغم فیها لام التعریف لزوما، فإن كانت اللام لغیر التعریف ضعف إدغامها فیها و قد قرئ به، و قد تقدم جمیع ما ذكرته فی النون.
و أما الطاء، و الدال، و الثاء، و الظاء، و الذال، و الثاء: فیدغم كل واحد منها فی سائرها، و فی الشین، و فی حروف الصفیر، و فی الجیم أیضا فی قول غیر سیبویه كما تقدم.
و قد تقدم إدغامها فی الضاد، و یدغم فیها من غیرها اللام علی ما تقدم؛ فحصل من هذا أن كل واحد من هذه الحروف الستة التی أولها الطاء تدغم فی أحد عشر حرفا.
و اعلم أنه لیس فی القرآن حرف لقی جمیع ما ذكر أنه یدغم فیه سوی التاء.
و أما أخواتها، فإنما لقی كل واحد منها فی القرآن بعض ما ذكر أنه یدغم فیه علی ما أذكره لك الآن بحول الله تعالی.
أما الطاء: فلقیت حرفین و هما:
التاء نحو: أَحَطْتُ [النمل: 22]، و فَرَّطْتُ [الزمر: 56].
و الشین نحو: وَ أَغْطَشَ [النازعات: 29]. و قد ذكر.
و قد جاءت منونة قبل الذال فی قوله: باسِطٌ ذِراعَیْهِ [الكهف: 18].
و أما الدال: فلقیت عشرة أحرف و هی جملتها سوی الطاء.
فمنها التاء نحو: قَدْ تَبَیَّنَ [البقرة: 256]، فِی الْمَساجِدِ تِلْكَ [البقرة:
187]، و الظاء نحو فَقَدْ ظَلَمَ [البقرة: 231]، و یُرِیدُ ظُلْماً [آل عمران:
108]، و الذال نحو وَ لَقَدْ ذَرَأْنا [الأعراف: 179]، و الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 199
[البروج: 14- 15]، و الثاء نحو یُرِیدُ ثَوابَ [النساء: 134]، و الصاد نحو لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ [الفتح: 27]، و فِی مَقْعَدِ صِدْقٍ [القمر: 55]، و السین نحو قَدْ سَمِعَ اللَّهُ [المجادلة: 1]، و عَدَدَ سِنِینَ [المؤمنون: 112]، و الزای نحو لَقَدْ زَیَّنَّا [الملك: 5]، و یَكادُ زَیْتُها [النور: 35]، و الشین نحو قَدْ شَغَفَها [یوسف: 30]، و وَ شَهِدَ شاهِدٌ [یوسف: 26]، و الجیم نحو قَدْ جَعَلَ [الطلاق: 3]، و داوُدُ جالُوتَ [البقرة: 251]، و الضاد نحو: فَقَدْ ضَلَ [البقرة: 108].
و جاءت منونة قبل الطاء فی قوله تعالی: صَعِیداً طَیِّباً [المائدة: 6].
و أما التاء فقد تقدم أنها لقیت أحد عشر حرفا:
فمنها الطاء نحو: وَ قالَتْ طائِفَةٌ [آل عمران: 72]، و الْمَلائِكَةُ طَیِّبِینَ [النحل: 32].
و الدال نحو فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا [الأعراف: 189].
و الظاء نحو حُرِّمَتْ ظُهُورُها [الأنعام: 138].
و الذال نحو فَالتَّالِیاتِ ذِكْراً [الصافات: 3].
و الثاء نحو كَذَّبَتْ ثَمُودُ [الحاقة: 4].
و الضاد فی وَ الْعادِیاتِ ضَبْحاً [العادیات: 1].
و الصاد نحو لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ [الحج: 40].
و السین نحو أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ [البقرة: 261].
و الزای نحو فَالزَّاجِراتِ زَجْراً [الصافات: 2].
و الشین نحو بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ [النور: 4].
و الجیم نحو وَجَبَتْ جُنُوبُها [الحج: 36].
و أما الظاء: فلقیت التاء لا غیر نحو أَ وَعَظْتَ [الشعراء: 136]، مَوْعِظَةٌ [البقرة: 275].
و أما الذال فلقیت سبعة أحرف و هی: الدال نحو إِذْ دَخَلُوا [ص: 22].
و التاء نحو إِذْ تَبَرَّأَ [البقرة: 166].
و الظاء نحو إِذْ ظَلَمُوا [النساء: 64].
و الصاد نحو وَ إِذْ صَرَفْنا [الأحقاف: 29]، مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً [الجن: 3].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 200
و السین نحو إِذْ سَمِعْتُمُوهُ [النور: 12]، و فَاتَّخَذَ سَبِیلَهُ [الكهف: 61].
و الزای نحو وَ إِذْ زَیَّنَ لَهُمُ [الأنفال: 48].
و الجیم نحو إِذْ جاؤُكُمْ [الأحزاب: 10]، و إِذْ جَعَلَ [المائدة: 20].
و أما الثاء فلقیت خمسة أحرف و هی:
الثاء نحو أُورِثْتُمُوها [الأعراف: 43].
و الذال نحو یَلْهَثْ ذلِكَ [الأعراف: 176]، و الْحَرْثِ ذلِكَ [آل عمران:
14].
و السین نحو مِنْ حَیْثُ سَكَنْتُمْ [الطلاق: 6].
و الشین نحو حَیْثُ شِئْتُمْ [البقرة: 58].
و الضاد فی نحو قوله تعالی: حَدِیثُ ضَیْفِ إِبْراهِیمَ [الذاریات: 24].
و أما حروف الصفیر: فیدغم كل واحد منها فی أخویه، و تدغم فیها اللام، و الطاء، و الدال، و التاء، و الظاء، و الذال، و الثاء، كما تقدم.
و الذی التقی فی القرآن من حروف الصفیر بعضها مع بعض: السین، و الزای فی قوله- تعالی- وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ [التكویر: 7] لا غیر، و الله- جل و علا- أعلم.
و قد نجز الكلام فی القسم الأول بتمام هذا الفصل السابع و الكلام فیه مقرر «1» حسب فصیح كلام العرب، و لا ینكر من كلام العرب وجود الشواذ فی باب الإدغام و غیره، فلا یهولنك أن تجد فی هذا الباب ما شذ عما قررته لك، لكن علیك بمعرفة ما یشذ، و ما یطرد، و ردّ كل فرع إلی أصله، و الله المستعان.
______________________________
(1) فی ب: مقدر.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 201

[القسم الثانی]

اشارة

و أشرع- الآن- فی القسم الثانی، و هو مقصود الباب، و أرتب الكلام فیه بحسب ترتیب كلام الحافظ رحمه الله.
قوله: «باب ذكر مذهب أبی عمرو فی الإدغام الكبیر».
اعلم أنه إنما سمی هذا الإدغام كبیرا؛ لكثرة دورانه فی حروف القرآن فقد بلغت عدة ما یذكر منه فی هذا الباب ما بین متفق علیه و مختلف فیه ألف كلمة و ثلاثمائة كلمة و اثنتین و تسعین كلمة.
و یمكن أن یسمی: كثیرا؛ لكثرة ما فیه من العمل: و ذلك أنه مخصوص بما أصله التحریك- فیعرض فیه فی بعض المواضع أربع تغییرات، و ذلك فی إدغام المتقاربین إذا كان قبل الأول منهما ساكن:
أحدها: قلب الحرف الأول.
و الثانی: إسكانه.
و الثالث: إدغامه إن كان مفتوحا فی الأصل، أو إخفاؤه إذا كان أصله الضم أو الكسر، علی ما سیأتی تحقیق القول فی تسمیة هذا النوع من الإخفاء إدغاما بحول الله تعالی.
و الرابع: التقاء الساكنین إذا كان الأول مفتوحا فی الأصل كما تقدم، و كذلك إذا كان الأول متحركا بالضم أو بالكسر فی الأصل عند من لا یقول بالإخفاء و یجعله إدغاما [صحیحا] «1» و الله- جل جلاله- أعلم.
قوله: «اعلم أنی إنما أفرد مذهبه فی هذا الباب فی الحروف المتحركة التی تتماثل فی اللفظ و تتقارب فی المخرج».
ینبغی أن تعلم أولا أن الإدغام الكبیر لیس بلازم فی قراءة أبی عمرو و أن الحروف المذكورة فی هذا الباب قرأها أبو عمرو علی وجهین:
أحدهما: الإظهار كما قرأها غیره من القراء.
و الثانی: الإدغام كما یذكر هنا.
فلیس الإدغام الكبیر بأمر لا بد منه فی قراءة أبی عمرو، و إنما هو روایة من روایاته، و وجه من وجوه قراءاته، فمن شاء قرأ به و من شاء قرأ بالإظهار، و علی هذا
______________________________
(1) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 202
جری كلام الحافظ حیث أسند قراءة أبی شعیب فقال: «و قرأت بها القرآن كله بإظهار الأول من المثلین و المتقاربین و بإدغامه علی فارس» و الله- سبحانه- أعلم.
و لما كان لأبی عمرو مذهب فی الإدغام الصغیر، و لم یذكره فی هذا الباب و إنما یذكره بعد مع مذاهب القراء- فلذلك قال: «إنما أفرد مذهبه فی هذا الباب ...
كذا».
فإن قیل: لو قال بدل هذه العبارة: اعلم أنی إنما أفرد هذا الباب بمذهبه فی الحروف المتحركة، لكان أبین فی الإشعار من جهة دلیل الخطاب بأن له مذهبا فی الإدغام فی الحروف السواكن. فأما هذه العبارة التی عبر بها فقد تشعر بأن لغیره مذهبا فی هذه الحروف و لیس لغیره فیها إلا الإظهار؟
فالجواب: أن الاحتمال- أیضا- فی هذه العبارة قائم كما هو فی عبارته؛ إذ لا یبعد أن یفهم من هذه العبارة أن لغیره فی هذه الحروف مذهبا لم یذكر هنا.
و هذا الاحتمال فی العبارتین مبنی علی إعمال دلیل الخطاب، و لا یصح إعماله فی كل موضع، و الله- تعالی- أعلم.
و قوله: «فی الحروف المتحركة».
هذا فرق بین الإدغام الكبیر و الإدغام الصغیر؛ إذ لا بد أن یكون الحرف الأول فی هذا الباب متحركا قبل الإدغام و أما الإدغام الصغیر فلا یكون إلا فیما الحرف منه ساكن قبل الإدغام.
و من الفرق بین البابین: أن الإدغام الصغیر خاص بالمتقاربین و لا یكون فی المثلین، و الإدغام الكبیر یكون فی المثلین و فی المتقاربین.
و قوله: «التی تتماثل فی اللفظ و تتقارب فی المخرج».
كلام فیه حذف، و تصحیحه: فی الحروف التی تتماثل فی اللفظ، و فی الحروف التی تتقارب فی المخرج فحذف الموصول الثانی، و استغنی بفهم المعنی، كما حذف فی قولهم: «خذه بما عز و هان» «1» و تقدیره: بما عز و بما هان. و هذا التقدیر مبنی علی أن العزیز غیر الهین.
______________________________
(1) قال سیبویه: و تقول: خذه بما عز أو هان، كأنه قال: خذه بهذا أو بهذا، أی: لا یفوتنك علی كل حال، و من العرب من یقول: خذه بما عز و هان، أی: خذه بالعزیز و الهین، و كل واحدة منهما تجزئ عن أختها. ینظر الكتاب (3/ 184- 185).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 203
و یمكن أن یقال مثله فی قوله- تعالی-: وَ الَّذِی جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ [الزمر: 33] علی تفسیر من قال: إن المراد بالذی جاء بالصدق: محمد صلی اللّه علیه و سلم، و بالذی صدق به: أبو بكر «1»- رضی الله عنه- فیكون التقدیر: و الذی جاء بالصدق
______________________________
(1) و هذا قول أبی العالیة و الكلبی، و قال ابن عباس: و الذی جاء بالصدق رسول الله صلی اللّه علیه و سلم و صدق به محمد صلی اللّه علیه و سلم: تلقاه بالقبول. و قال قتادة: و الذی جاء بالصدق رسول الله صلی اللّه علیه و سلم، و صدق به:
هم المؤمنون؛ لقوله: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ [الأنفال: 4]. و قال عطاء و الذی جاء بالصدق: الأنبیاء، و صدق به: الأتباع، و حینئذ یكون (الذی) بمعنی (الذین) كقوله:
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِی اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ [البقرة: 17].
و قال الحسن: هم المؤمنون صدقوا به فی الدنیا و جاءوا به فی الآخرة.
و قال ابن عادل الحنبلی: و الذی جاء بالصدق لفظ مفرد، و معناه جمع؛ لأنه أرید به الجنس، و قیل: لأنه قصد به الجزاء، و ما كان كذلك كثر فیه وقوع: (الذی) موقع (الذین)؛ و لذلك روعی معناه فجمع فی قوله: (أولئك هم المتقون) كما روعی معنی (من) فی قوله: (للكافرین) فإن (الكافرین) ظاهر واقع موقع المضمر؛ إذ الأصل: مثوی لهم، و قیل: بل الأصل: و الذین جاء الصدق، فحذفت النون تخفیفا كقوله كَالَّذِی خاضُوا [التوبة: 69]. و هذا وهم؛ إذ لو قصد ذلك لجاء بعده ضمیر الجمع فكان یقال: و الذی جاءوا كقوله: (كالذی خاضوا). و یدل علیه أن نون التثنیة إذا حذفت عاد الضمیر مثنی كقوله:
أ بنی كلیب إن عمّیّ اللذاقتلا الملوك و فككا الأغلالا و لجاء كقوله:
[و] إن الذی حانت بفلج دماؤهم‌هم القوم كل القوم یا أم خالد و قرأ عبد الله: (و الذی جاءوا بالصدق و صدقوا به) و قیل: (الذی) صفة لموصوف محذوف بمعنی الجمع، تقدیره: و الفریق أو الفوج؛ و لذلك قال: (أولئك هم المتقون).
و قیل: المراد بالذی واحد بعینه و هو محمد صلی اللّه علیه و سلم، و لكن لما كان المراد هو و أتباعه اعتبر ذلك فجمع فقال: (أولئك هم) كقوله: وَ لَقَدْ آتَیْنا مُوسَی الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ یَهْتَدُونَ [المؤمنون: 49] قاله الزمخشری، و عبارته: هو رسول الله صلی اللّه علیه و سلم، أراد به إیاه و من تبعه كما أراد بموسی إیاه و قومه. و ناقشه أبو حیان فی إیقاع الضمیر المنفصل موقع المتصل، قال: و إصلاحه أن یقول: و أراده به كما أراده بموسی و قومه، قال شهاب الدین: و لا مناقشة؛ لأنه مع تقدیم (به) و (بموسی) لغرض من الأغراض استحال اتصال الضمیر، و هذا كالبحث فی قوله تعالی: وَ لَقَدْ وَصَّیْنَا الَّذِینَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ إِیَّاكُمْ [النساء: 131] و قوله: یُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِیَّاكُمْ [الممتحنة: 1] و هو أن بعض الناس زعم أنه یجوز الانفصال مع القدرة علی الاتصال. و قول الزمخشری: إن الضمیر فی: (لعلهم یهتدون) لموسی و قومه، فیه نظر، بل الظاهر خصوص الضمیر بقومه دونه؛ لأنهم هم المطلوب منهم الهدایة، و أما موسی- علیه الصلاة و السلام- فمهتد ثابت علی الهدایة، و قال الزمخشری أیضا: و یجوز أن یرید: و الفوج أو الفریق الذی جاء بالصدق و صدق به، و هم الرسول الذی جاء بالصدق و صحابته الذین صدقوا به.-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 204
و الذی صدق به، و منه قوله- تعالی-: یُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ یَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَ أَخَّرَ [القیامة: 13] أی بما قدم و ما أخر، و الله أعلم.
و قوله تعالی: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ [الانفطار: 5] و یكون هذا الحذف فی باب الموصولات نظیر الحذف فی باب الموصوفات، كقول امرئ القیس «1»:
... مجرّ جیوش غانمین و خیّب «2» أراد: جیوش خیب؛ إذ لا یصح أن یكون الغانمون هم الخیب.
______________________________
- قال أبو حیان: و فیه توزیع للصلة، و الفوج هو الموصول؛ فهو كقولك: جاء الفریق الذی شرف و شرف، و الاظهر عدم التوزیع، بل المعطوف علی الصلة صلة لمن له الصلة الأولی.
ینظر: اللباب (16/ 512- 515).
(1) امرؤ القیس بن حجر بن الحارث الكندی، من بنی آكل المرار: أشهر شعراء العرب علی الإطلاق. یمانی الأصل مولده بنجد، أو بمخلاف السكاسك بالیمن، اشتهر بلقبه، و اختلف المؤرخون فی اسمه، فقیل: حندج، و قیل: ملیكة، و قیل: عدی، و كان أبوه ملك أسد و غطفان، و أمه أخت المهلهل الشاعر، فلقنه المهلهل الشعر، فقاله و هو غلام. و جعل یشبب و یلهو و یعاشر صعالیك العرب، فبلغ ذلك أباه، فنهاه عن سیرته فلم ینته؛ فأبعده إلی دمون بحضر موت، موطن آبائه و عشیرته، و هو فی نحو العشرین من عمره، فأقام زهاء خمس سنین، ثم جعل یتنقل مع أصحابه فی أحیاء العرب، یشرب و یطرب و یغزو و یلهو، إلی أن ثار بنو أسد علی أبیه و قتلوه، فبلغ ذلك امرأ القیس و هو جالس للشراب فقال: رحم الله أبی، ضیعنی صغیرا و حملنی دمه كبیرا، لا صحو الیوم و لا سكر غدا، الیوم خمر و غدا أمر، و نهض من غده فلم یزل حتی ثأر لأبیه من بنی أسد، و قال فی ذلك شعرا كثیرا، و كانت حكومة فارس ساخطة علی بنی آكل المرار آباء امرئ القیس، فأوعزت إلی المنزر ملك العراق بطلب امرئ القیس فطلبه فابتعد، و تفرق عنه أنصاره، فطاف قبائل العرب حتی انتهی إلی السموأل، فأجاره، فمكث عنده مدة، ثم رأی أن یستعین بالروم علی الفرس، فقصد الحارث بن أبی شمر الغسانی- والی بادیة الشام- فسیره هذا إلی قیصر الروم جوستینیانس، فوعده و مطله، ثم ولاه إمرة فلسطین- البادیة- و لقبه فیلارق، أی: الوالی، فرحل یریدها، فلما كان بأنقرة ظهرت فی جسمه قروح، فأقام إلی أن مات فی أنقرة. و قد جمع بعض ما ینسب إلیه من الشعر فی دیوان صغیر، و كثر الاختلاف فیما كان یدین به، و لعل الصحیح أنه كان علی المزدكیة.
ینظر: الأعلام (2/ 1211)، و الأغانی (9/ 17)، و خزانة الأدب (3/ 609- 612).
(2) عجز بیت، و صدره:
بمحنیة قد آزر الضال نبتها ...
و البیت فی دیوانه ص (45)، و لسان العرب (أزر) و (حنا)، و أساس البلاغة (ضمم)، و تاج العروس (أزر) و (حنا)، و بلا نسبة فی لسان العرب (جرر)، و تهذیب اللغة (10/ 476) و (13/ 247) و تاج العروس (جرر).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 205
و إنما حملت كلامه علی هذا؛ لأن الحرفین المتماثلین لا بد أن یكونا من مخرج واحد؛ إذ حقیقتهما: أنهما حرف واحد مكرر كالباءین فی «سبب» و الصادین فی «القصص».
و أما المتقاربان فی المخرج فهما مختلفان، و لیسا بمثلین، و لا یصح إدغام أحدهما فی الآخر إلا بعد قلب المدغم إلی جنس ما یدغم فیه فیصیرا مثلین؛ إذ الحاصل من الإدغام فی ذلك: النطق بحرف واحد مشدد؛ فلا یمكن أن یبقی الأول مخالفا للثانی حال الإدغام؛ لما كان یلزم من وجود صوتین مختلفین فی الحرف الواحد المشدد، و لما كان یلزم من إعمال العضوین الناطقین بالحرفین المختلفین فی زمان واحد، و هذا أمر خارج عن قوی البشر، و الله- تبارك و تعالی- أعلم.
قوله- رحمه الله-: «و هی تأتی علی ضربین: متصلة فی كلمة و منفصلة فی كلمتین» یرید بقوله: «و هی تأتی»: الحروف المتماثلة و الحروف المتقاربة؛ فیكون الحاصل أربعة أقسام:
القسم الأول: المثلان فی كلمة.
[القسم] الثانی: المثلان من كلمتین.
[القسم] الثالث: المتقاربان فی كلمة.
[القسم] الرابع: المتقاربان من كلمتین.
القسم الأول- المثلان فی كلمة:
قال الحافظ- رحمه الله-: «اعلم أن أبا عمرو لم یدغم من المثلین فی كلمة إلا موضعین ...» إلی آخر كلامه.
اعلم أن قولهم: «المثلان فی كلمة» یكون حقیقة، و یكون مجازا:
أما الحقیقة: فنحو الباءین فی سَبَباً [الكهف: 84]، و الراءین فی بَرَرَةٍ [عبس: 16]، و القافین فی یُشاقِقِ [الأنفال: 13]، و الصادین فی الْقَصَصَ [الأعراف: 176].
أ لا تری أن المثلین فی جمیع ذلك فی كلمة واحدة، و أن «سببا» وزنه «فعل» فالباء الأولی عین الكلمة، و الثانیة لامها، و كذلك سائر ما ذكر معه.
و أما المجاز: فنحو الكافین فی سَلَكَكُمْ [المدثر: 42] و النونین فی یَعْبُدُونَنِی [النور: 55] و الهاءین فی وَجْهَهُ [البقرة: 112].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 206
أ لا تری أن الأول من المثلین فی هذه الأمثلة لام الكلمة أو من تمامها، و الثانی ضمیر متصل به، و لو فصلته منه لم تختل الكلمة نحو «سلك» و «یعبدون» [و] «وجه»، و كذلك بِبَیِّنَةٍ [الأعراف: 105] الباء الأولی حرف جر اتصلت بفاء الكلمة فأشبهت المثلین فی كلمة؟! فإذا تقرر هذا فاعلم أن أبا عمرو أدغم من ذلك مَناسِكَكُمْ فی البقرة [200] و ما سَلَكَكُمْ فی المدثر [42].
و وجه الإدغام فی ذلك: أنه استثقل اجتماع المثلین مع ما فی ذلك من الطول بلحاق ضمیر الجمع و تحریك ما قبل الكاف الأولی، مع أنه اتبع فی ذلك الروایة عن أئمته «1».
و زاد الإمام بِشِرْكِكُمْ فی فاطر [الآیة: 14] و قال «باختلاف عنه، و الإظهار أحسن؛ لاجتماع ساكنین لیس الأول منهما حرف مد و لین، و الإدغام روایة عباس «2» عنه». و زاد الإمام أیضا ما التقت فیه الهاءان، و الثانیة من ضمیر الجماعة، و قال: «باختلاف عنه، و الإظهار أكثر و أحسن، و بهما قرأت، و الإدغام روایة محمد
______________________________
(1) و قد قیل- أیضا- فی توجیه ذلك: شبه حركة الإعراب بحركة البناء فحذفها للإدغام، و أدغم أیضا (مناسككم) و لم یدغم ما یشبهه من نحو جِباهُهُمْ [التوبة: 35] و وُجُوهُهُمْ [آل عمران: 106]. ینظر اللباب (3/ 432).
(2) العباس بن الفضل بن عمرو بن عبید بن النضل بن حنظلة، أبو الفضل الواقفی الأنصاری البصری، قاضی الموصل، أستاذ حاذق ثقة، قال الحافظ أبو العلاء: و كان من أكابر أصحاب أبی عمرو فی القراءة، روی القراءة عرضا و سماعا عن أبی عمرو بن العلاء و ضبط عنه الإدغام، و روی القراءة أیضا عن خارجة بن مصعب عن نافع و أبی عمرو عن مطرف بن معقل الشقری عن ابن كثیر، و له اختیار فی القراءة رویناه فی الكامل، روی القراءة عنه: حمزة ابن القاسم و عامر بن عمر الموصلی و عبد الرحمن بن واقد و عبد الرحمن البیروتی و عبد الغفار بن عبد الله بن الزبیر و محمد بن عمر الرومی و أبو موسی الهروی و محمد بن عمر القصبی، و ناظر الكسائی فی الإمالة، و جاء عن أبی عمرو أنه قال لو لم یكن فی أصحابی إلا عباس لكفانی. قال الذهبی الحافظ: و إنما لم یشتهر؛ لأنه لم یجلس للإقراء، ولد سنة خمس و مائة، و توفی سنة ست و ثمانین و مائة، قال الحافظ أبو العلاء: و هو الصواب، و قال سبط الخیاط تبعا للأهوازی: سنة خمس و تسعین، و قال: كان عظیم القدر جلیل المنزلة فی العلم و الدین و الورع مقدما فی القرآن و الحدیث، من أجلاء أصحاب أبی عمرو، قدم العراق فلقی أبا عمرو فقرأ علیه، ثم ولی القضاء بالموصل فانتقل إلیها و أقام بها قاضیا إلی أن مات.
ینظر: غایة النهایة (1/ 353) (1514).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 207
ابن رومیّ «1»، عن الیزیدی عنه» انتهی.
و اعلم أن جملة ما فی القرآن منه تسعة و عشرون موضعا:
من ذلك وُجُوهُهُمْ فی موضعین من آل عمران [الآیتان: 106، 107] و موضعین من سورة یونس علیه السلام [26، 27] و فی الأنفال [50]، و [سورة] «2» إبراهیم علیه السلام [50] و الإسراء [97] و سورة الأنبیاء علیهم السلام [79]، و المؤمنون [104]، و الفرقان [34]، و النمل [90]، و الأحزاب [66]، و الزمر [60]، و القتال [محمد: 27]، و الفتح [29]، و القمر [48] و المطففین [24]، فی كل واحدة من الثلاث عشرة سورة موضع.
و منها أَفْواهِهِمْ فی موضعین من آل عمران [118، 167] و فی ثلاثة مواضع من التوبة [8، 30، 32]، و فی المائدة [41] و سورة إبراهیم علیه السلام [9] و الكهف [5]، و یس [65]، و الصف [8]، فی كل واحدة من السور الخمس موضع.
و منها جِباهُهُمْ فی التوبة [35].
و إِكْراهِهِنَ فی النور [33].
و زاد الإمام أیضا إِنَّ وَلِیِّیَ اللَّهُ فی الأعراف [196] و قال: «باختلاف عنه، و الإظهار أحسن و أكثر؛ للحذف الذی یقع فی الكلمة، و ذلك أنه یحذف الیاء التی هی لام الفعل و یدغم یاء «فعیل» فی یاء المتكلم».
فأما ما عدا ذلك مما التقی فیه المثلان فی كلمة، فلا إدغام فیه نحو یَعْبُدُونَنِی [النور: 55] و یَهْدُونَنا [التغابن: 6] و مَا اقْتَتَلُوا [البقرة: 253] و یَقْتَتِلانِ [القصص: 15]؛ لعدم الروایة، و لأن الإظهار هو الأصل فلا یفتقر إلی
______________________________
(1) هو محمد بن المحدث عمر بن المحدث عبد الله بن عبد الرحمن البصری، و یعرف عبد الله بالرومی. حدث محمد عن: شعبة، و شریك، و أبیه و غیرهم.
و عنه: إسماعیل بن موسی الفزاری، و البخاری، و یعقوب الفسوی، و أبو حاتم، و آخرون. ضعفه أبو داود.
و قال أبو زرعة: فیه لین. ینظر: سیر أعلام النبلاء (10/ 420- 421)، و التاریخ الكبیر (1/ 178- 179)، و الجرح و التعدیل (8/ 21- 22)، و میزان الاعتدال (3/ 668)، و المغنی فی الضعفاء (2/ 620)، و الكاشف (3/ 81)، و تهذیب التهذیب (9/ 165)، و خلاصة تهذیب الكمال (336).
(2) سقط فی ب.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 208
تعلیل، و الله- جل و علا- أعلم.
القسم الثانی المثلان من «1» كلمتین:
قال الحافظ: «فأما «2» المثلان إذا كانا من «3» كلمتین فإنه كان یدغم الأول فی الثانی منهما سواء سكن ما قبله أو تحرك فی جمیع القرآن».
اعلم أن المراد من هذا الفصل أن [یكون] «4» الحرف الواقع آخر الكلمة واقعا فی أول الكلمة التی بعدها و هما متحركان علی ما مر من شرط هذا الباب نحو الرَّحِیمِ مالِكِ [الفاتحة: 3- 4] و یَشْفَعُ عِنْدَهُ [البقرة: 255]، و إنما أدغم أبو عمرو ما أدغم من هذا الفصل اتباعا لروایته عن أئمته مع الهرب من ثقل التفكیك؛ لأن المثلین إذا التقیا باتصال الكلمتین كان ذلك أطول فی الكلام، و أثقل علی اللسان؛ فكان التخفیف بالإدغام أوكد منه فی الكلمة الواحدة «5».
و اعلم أن الحروف علی ضربین:
أحدهما: لقی مثله فی القرآن.
و [الضرب] «6» الثانی: لم یلق مثله.
فالضرب الذی لم یلق مثله من الحروف من كلمتین فی القرآن عشرة أحرف،
______________________________
(1) فی أ: فی.
(2) فی ب: و أما.
(3) فی أ: فی.
(4) سقط فی أ.
(5) و جملة ذلك: أن أبا عمرو یدغم كل حرفین من جنس واحد، أو مخرج واحد، أو كانا قریبی المخرج، سواء كان الحرف ساكنا أو متحركا، إلا أن یكون الحرف الأول مشددا، أو منونا، أو منقوصا أو مفتوحا، أو تاء الخطاب قبله ساكنا فی غیر المثلین؛ فإنه لا یدغمها، و إدغام المتحرك یكون فی الإدغام الكبیر، وافقه حمزة فی إدغام المتحرك فی قوله تعالی: بَیَّتَ طائِفَةٌ [النساء: 81]، وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فَالتَّالِیاتِ ذِكْراً [الصافات: 1- 3]، وَ الذَّارِیاتِ ذَرْواً [الذاریات: 1].
و أدغم التاء فیما بعدها من الحروف، وافقه حمزة بروایة رجاء و خلف و الكسائی فی إدغام الساكن و هو إدغام الساكن فی المتحرك إلا فی الراء عند اللام، و الدال عند الجیم، و كذلك لا یدغم حمزة الدال عند السین و الصاد و الزای، و لا إدغام لسائر القراء إلا فی أحرف معدودة.
ینظر اللباب (1/ 194- 195).
(6) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 209
و هی: الطاء، و الدال، و الصاد المهملات، و الخاء، و الضاد، و الشین، و الظاء، و الذال المعجمات، و الجیم و الزای.
و الضرب الذی لقی مثله من كلمتین باقی الحروف و هی ثمانیة عشر حرفا یجمعها قولك: «حسن فعلك أثبته غیر قوم».
و قد وقع فی تمثیل الحافظ منها ثلاثة عشر حرفا یجمعها قولك: «علم حسن ركبت فیه» و بقیت الهمزة، و الغین، و القاف، و الثاء، و الواو، و أقدم- الآن- الكلام فی الهمزة، ثم فی الحروف التی ذكر الحافظ علی حسب ترتیبها فی كلامه، ثم أتبعها بالأربعة الباقیة بحول الله عز و جل.
أما الهمزة فقد التقی المثلان منها فی القرآن فی مواضع كثیرة و تبلغ باعتبار اتفاقها فی الحركات و اختلافها ثمانیة أضرب نحو جاءَ أَجَلُهُمْ [الأعراف: 34] و هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ [البقرة: 31] و أَوْلِیاءُ أُولئِكَ [الأحقاف: 32] و شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ [البقرة: 133] و مِنْ وِعاءِ أَخِیهِ [یوسف: 76] و جاءَ أُمَّةً [المؤمنون: 44] و السُّفَهاءُ أَلا [البقرة: 13] و یَشاءُ إِلی [البقرة: 142] و لم یدغم شی‌ء من ذلك.
و وجه هذا أن من احتمل ثقل اجتماعهما من العرب أثبتهما، و علی ذلك قراءة الكوفیین «1» و من استثقلهما عدل إلی تسهیل إحداهما، و علیه قراءة أبی عمرو فاكتفی بتسهیل إحداهما عن الإدغام؛ لما فی إدغامها لو فعل من الثقل الذی لیس فی غیرها من الحروف.
و اعلم أن أبا عمرو إذا سهل إحدی الهمزتین حذف الأولی إن كانتا متفقتی الحركة؛ فیندفع بذلك اجتماع المثلین، و یسهل الثانیة بین الهمزة و الحرف الذی منه حركتها إن كانت الأولی مفتوحة و الثانیة مخالفة، و یبدلها حرفا خالصا من جنس حركة ما قبلها إن كانت مفتوحة و الأولی مخالفة.
فإذا جعلها بین بین، استغنی بذلك عن الإدغام، مع أن لفظ الأولی إذ ذاك مخالف للفظ الثانیة؛ فیندفع بذلك ثقل اجتماع المثلین.
فإن قلت: هما متقاربان و من أصله إدغام المتقاربین؟
______________________________
(1) فی أ: المكیین.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 210
فالجواب: أنه لا بد فی إدغام المتقاربین من إبدال الأول «1» إلی جنس الثانی، و لا بدّ من تسكینه فكان یلزم هنا تسهیل الهمزة الأولی بین بین، و جعلها مثل الثانیة و إسكانها، ثم إدغامها.
و هذا ممتنع من وجهین:
أحدهما: أن همزة بین بین لا تسكن عند الحذاق من النحویین و المقرئین.
و الثانی: أنك لو سهلت الأولی من شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ [البقرة: 133] فقیاسها أن تكون بین الهمزة و الألف، و قیاس الثانیة أن تكون بین الهمزة و الیاء و ذلك یمنع كونهما مثلین، و كذا قیاس سائرها.
و أما إذا أبدل الثانیة واوا خالصة أو یاء فیمتنع الإدغام أیضا؛ لما تقدم، و لأن أصل الواو و الیاء ألا یدغم فیهما غیرهما، و أیضا فالإدغام خلاف الأصل، و الله عز و جل أعلم.
فقد خرجت الهمزة عن باب الإدغام و بقیت سبعة عشر حرفا یقع فیها الإدغام.
و اعلم أنه یشترط فی كل حرف منه ألا یكون منونا، و لا مشددا، و یشترط فی التاء مع ذلك ألا تكون ضمیرا لمتكلم، و لا ضمیرا لمخاطب.

مطلب إدغام الهاء فی مثلها:

قال الحافظ- رحمه الله-: «نحو قوله- تعالی- فِیهِ هُدیً [البقرة: 2]».
اعلم أن الهاء یدغمها أبو عمرو فی مثلها إذا كانتا من كلمتین، سواء كانت الأولی ضمیرا أو غیر ضمیر، و سواء كان قبلها حرف متحرك أو ساكن، و إن كانت فی الإضمار موصولة حذف الصلة، ثم أسكنها فی جمیع ذلك، و أدغمها نحو:
فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِیُ [الشوری: 9]، فَفِی رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ [آل عمران: 107]، و أَخاهُ هارُونَ [مریم: 53]، و فِیهِ هُدیً، و فَاعْبُدُوهُ هذا [مریم: 36]، و جاوَزَهُ هُوَ [البقرة: 249]، و زادَتْهُ هذِهِ [التوبة: 124].
و جملته فی القرآن أربعة و تسعون حرفا:
منها حرف فی ثلاث و عشرین سورة:
ففی النساء: فَكُلُوهُ هَنِیئاً [4]، و فی الأنعام قُلْ إِنَّ هُدَی اللَّهِ هُوَ الْهُدی
______________________________
(1) فی ب: الأولی.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 211
[71]، و فی الأعراف لِأَخِیهِ هارُونَ [142]، و فی سورة یونس علیه السلام سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِیُ [68]، و فی سورة هود علیه السلام غَیْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ [61]، و فی المؤمنین وَ أَخاهُ هارُونَ [45]، و فی النمل كَأَنَّهُ هُوَ [42]، و فی العنكبوت إِنَّهُ هُوَ الْعَزِیزُ [26]، و فی «الم» السجدة وَ جَعَلْناهُ هُدیً [23]، و فی فاطر وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ [15]، و فی الصافات ذُرِّیَّتَهُ هُمُ الْباقِینَ [77]، و فی فصلت إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ [36]، و فی «ق» وَ قالَ قَرِینُهُ هذا [23]، و فی الطور إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ [28]، و فی الحدید فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِیُ [24]، و فی المجادلة فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ [22]، و فی الممتحنة فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِیُ [6]، و فی التحریم فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ [4]، و فی «قل أوحی» وَ لَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً [12]، و فی المزمل: عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَیْراً [20]، و فی المدثر: اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوی [56]، و فی البروج: إِنَّهُ هُوَ یُبْدِئُ [13]، و فی القارعة: فَأُمُّهُ هاوِیَةٌ [9].
و منها حرفان حرفان فی عشر سور:
ففی الأنفال: وَ تَوَكَّلْ عَلَی اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ [61]، فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِی أَیَّدَكَ [62].
و فی النحل وَ بِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ یَكْفُرُونَ [72]، إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَیْرٌ لَكُمْ [95].
و فی الإسراء إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ [1]، وَ جَعَلْناهُ هُدیً [2].
و فی الشعراء مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ یَنْصُرُونَكُمْ [93]، فِی السَّاجِدِینَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ [219- 220].
و فی غافر بِشَیْ‌ءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِیعُ [20]، بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ [56].
و فی الشوری إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ [5]، فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِیُ [9].
و فی الزخرف إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّی وَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا [64].
و فی الدخان إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ [6]، إِنَّهُ هُوَ الْعَزِیزُ [42].
و فی الجاثیة إِلهَهُ هَواهُ [23]، اتَّخَذْتُمْ آیاتِ اللَّهِ هُزُواً [35].
و فی الذاریات إِنَّهُ هُوَ الْحَكِیمُ [30]، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ [58].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 212
و منها ثلاثة ثلاثة فی سبع سور:
ففی آل عمران: فَاعْبُدُوهُ هذا [51]، فَفِی رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ [107] مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَیْراً لَهُمْ [180].
و فی «كهیعص» فَاعْبُدُوهُ هذا [36]، أَخاهُ هارُونَ [53]، لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ [65].
و فی النور عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ [13]، وَ تَحْسَبُونَهُ هَیِّناً [15]، وَ یَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُ [25].
و فی الفرقان فَجَعَلْناهُ هَباءً [23]، أَخاهُ هارُونَ [35]، إِلهَهُ هَواهُ [43]، و فی القصص إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ [16]، مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدی [49]، مِنْ قَبْلِهِ هُمْ [52].
و فی لقمان إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِیُ [26]، ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُ [30]، وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِیُ [30].
و فی الزمر: سُبْحانَهُ هُوَ [4]، جَمِیعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ [53]، لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِی [57].
و منها أربعة أربعة فی سورتین:
ففی سورة یوسف علیه السلام: كَیْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ [یوسف: 34]، بِهِمْ جَمِیعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِیمُ [یوسف: 83]، رَبِّی إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ [یوسف: 98]، لِما یَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِیمُ [یوسف: 100].
و فی النجم وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ [43]، وَ أَنَّهُ هُوَ أَماتَ [44]، وَ أَنَّهُ هُوَ أَغْنی [48]، وَ أَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْری [49].
و منها خمسة فی التوبة و هی: وَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِیَ الْعُلْیا [40]، وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ [104]، لِیَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ [118]، زادَتْهُ هذِهِ إِیماناً [124].
و منها ستة ستة فی ثلاث سور: شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات 212 مطلب إدغام الهاء فی مثلها: ..... ص : 210
ی البقرة: فِیهِ هُدیً [2]، فَتابَ عَلَیْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ [37]، فَتابَ عَلَیْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ [54]، هُدَی اللَّهِ هُوَ الْهُدی [120]، وَ لا تَتَّخِذُوا آیاتِ اللَّهِ هُزُواً [231]، جاوَزَهُ هُوَ [249].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 213
و فی العقود لَقَدْ كَفَرَ الَّذِینَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِیحُ [المائدة: 17]، الْإِنْجِیلَ فِیهِ هُدیً [46]، فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ [56]، قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِیحُ [72]، وَ اللَّهُ هُوَ السَّمِیعُ [76]، قالَ اللَّهُ هذا یَوْمُ یَنْفَعُ [119].
و فی الحج ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّهُ یُحْیِ الْمَوْتی [6]، ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِیُ [62]، حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ [78]، وَ اعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ [78].
و إنما جاز حذف صلة الضمیر هنا؛ لأنها زائدة لا تثبت فی الوقف، و بهذا القید الأخیر فارقت ألف «أنا»، و لأنها معتلة لا تقبل الحركة فی الوصل، و تحذف لالتقاء الساكنین، و بهذه القیود الثلاثة فارقت التنوین مع أن التنوین، جاء لمعنی و هو الفرق بین المنصرف و غیره فی الأمر العام؛ فكان أقوی من صلة الهاء، و إنما جی‌ء بصلة الهاء تقویة لحركتها؛ فلا حاجة إلیها فی الإدغام و الله تبارك و تعالی أعلم.

مطلب إدغام الیاء فی الیاء

قال الحافظ- رحمه الله-:
أَنْ یَأْتِیَ یَوْمٌ [البقرة: 254]، و مِنْ خِزْیِ یَوْمِئِذٍ [هود: 66].
اعلم أنه یدغم الیاء فی مثلها سواء سكن ما قبلها أو تحرك كالمثالین اللذین ذكرهما الحافظ هنا، و جملته فی القرآن ثمانیة مواضع:
منها: أَنْ یَأْتِیَ یَوْمٌ فی البقرة [254] و سورة إبراهیم علیه السلام [31] و الروم [43] و الشوری [47] وَ مِنْ خِزْیِ یَوْمِئِذٍ فی سورة هود علیه السلام [66]، وَ الْبَغْیِ یَعِظُكُمْ فی النحل [90]، و نُودِیَ یا مُوسی فی طه [11]، و فَهِیَ یَوْمَئِذٍ فی الحاقة [16].
فأما قوله تعالی وَ اللَّائِی یَئِسْنَ فی الطلاق [4] فسیأتی فیه بعد بحول الله تعالی عز و جل.

[مطلب إدغام الحاء فی الحاء]

قال الحافظ- رحمه الله-: لا أَبْرَحُ حَتَّی [الكهف: 60].
اعلم أنه لیس فی القرآن من هذا إلا موضعان: أحدهما فی البقرة:
عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّی یَبْلُغَ [235]، و الثانی فی الكهف لا أَبْرَحُ حَتَّی [60].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 214

مطلب إدغام العین فی العین‌

قال الحافظ رحمه الله: «و یشفع عّنده» [البقرة: 255].
اعلم أن جملته فی القرآن ثمانیة عشر موضعا منها فی البقرة: یَشْفَعُ عِنْدَهُ [255]، و فی آل عمران لا أُضِیعُ عَمَلَ عامِلٍ [195]، و فی المائدة تَطَّلِعُ عَلی خائِنَةٍ [13]، و فی الأعراف یَنْزِعُ عَنْهُما [27]، و قَدْ وَقَعَ عَلَیْكُمْ [71]، و نَطْبَعُ عَلی قُلُوبِهِمْ [100]، و لَمَّا وَقَعَ عَلَیْهِمُ [134].
و فی التوبة وَ طُبِعَ عَلی قُلُوبِهِمْ [87].
و فی سورة یونس علیه السلام نَطْبَعُ عَلی [74].
و فی الكهف تَطْلُعُ عَلی قَوْمٍ [90].
و فی طه وَ لِتُصْنَعَ عَلی عَیْنِی [39].
و فی الحج یُدافِعُ عَنِ [38]، أَنْ تَقَعَ عَلَی الْأَرْضِ [65].
و فی سبأ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ [23].
و فی المنافقین فَطُبِعَ عَلی قُلُوبِهِمْ [3].
و فی القیامة نَجْمَعَ عِظامَهُ [3].
و فی الهمزة تَطَّلِعُ عَلَی الْأَفْئِدَةِ [7].

مطلب إدغام اللام فی اللام‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و إِذا قِیلَ لَهُمْ [المنافقون: 5]».
اعلم أن اللام یدغمها فی مثلها علی كل حال، و جملته فی القرآن مائتا حرف و خمسة عشر حرفا سوی المختلف فیه، و هو:
یَخْلُ لَكُمْ فی یوسف علیه السلام [9]، و آلَ لُوطٍ فی موضعین من الحجر [59، 61]، و ثالث فی النمل [56]، و رابع فی القمر [34] و سیأتی الكلام فیها.
فمن المتفق علیه حرف حرف فی سبع عشرة سورة: ففی سورة إبراهیم علیه السلام الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ [25]. و فی الحجر قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ [33].
و فی الروم لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [30].
و فی فاطر فَلا مُرْسِلَ لَهُ [2].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 215
و فی الأحقاف وَ الَّذِی قالَ لِوالِدَیْهِ [17].
و فی القتال سَوَّلَ لَهُمْ [25].
و فی الذاریات إِذْ قِیلَ لَهُمْ [43].
و فی المجادلة إِذا قِیلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا [11].
و فی الحشر إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ [16].
و فی الجمعة مِنْ قَبْلُ لَفِی [2].
و فی المنافقین وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ [5].
و فی الحاقة الْأَقاوِیلِ لَأَخَذْنا [44- 45].
و فی سورة نوح علیه السلام جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ [19].
و فی «قل أوحی» أَمْ یَجْعَلُ لَهُ [25].
و فی المرسلات وَ إِذا قِیلَ لَهُمُ ارْكَعُوا [48].
و فی النبأ اللَّیْلَ لِباساً [10].
و فی الشمس فَقالَ لَهُمْ [13].
و منها حرفان حرفان فی اثنتی عشرة سورة:
ففی الأنفال قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ [1]، و قالَ لا غالِبَ لَكُمُ [48].
و فی التوبة إِذا قِیلَ لَكُمُ انْفِرُوا [38]، و إِذْ یَقُولُ لِصاحِبِهِ [40].
و فی الرعد الْمِحالِ لَهُ [13- 14]، و الْأَمْثالَ لِلَّذِینَ [17- 18].
و فی العنكبوت وَ إِبْراهِیمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ [16]، وَ لُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ [28].
و فی لقمان وَ إِذْ قالَ لُقْمانُ [13]، قِیلَ لَهُمُ [21].
و فی السجدة وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ [9]، وَ قِیلَ لَهُمْ [20].
و فی الأحزاب مِنْ قَبْلُ لا یُوَلُّونَ [15]، وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِی [37].
و فی ص قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ [24]، أَقُولُ لَأَمْلَأَنَ [84- 85].
و فی الشوری جَعَلَ لَكُمْ [11]، الْفَصْلِ لَقُضِیَ [21].
و فی الفتح سَیَقُولُ لَكَ [11]، فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ [20].
و فی الحجرات یَأْكُلَ لَحْمَ [12]، وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا [13].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 216
و فی الملك جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ [15]، وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ [23].
و منها ثلاثة ثلاثة فی ثمانی سور:
ففی الإسراء: وَ جَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا [99]، فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ [101]، قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ [102].
و فی سورة الأنبیاء علیهم السلام إِذْ قالَ لِأَبِیهِ [52]، قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ [54]، یُقالُ لَهُ إِبْراهِیمُ [60].
و فی النور وَ إِنْ قِیلَ لَكُمُ ارْجِعُوا [28]، الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ [35]، الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ [33].
و فی سبأ وَ نَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً، ثُمَّ یَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ [40]، وَ نَقُولُ لِلَّذِینَ [42].
و فی الصافات إِذا قِیلَ لَهُمْ [35]، إِذْ قالَ لِأَبِیهِ [85]، إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ [124].
و فی فصلت فَقالَ لَها [11]، ما یُقالُ لَكَ [43]، قِیلَ لِلرُّسُلِ [43].
و فی الزخرف جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ [10]، وَ جَعَلَ لَكُمْ فِیها [10]، وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ [12].
و فی ق قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَیَ [28]، الْقَوْلُ لَدَیَ [29]، نَقُولُ لِجَهَنَّمَ [30].
و منها أربعة أربعة فی أربع سور:
ففی العقود: قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ [المائدة: 27]، یا أَیُّهَا الرَّسُولُ لا یَحْزُنْكَ [41]، وَ ضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِیلِ لُعِنَ [77- 78]، وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ تَعالَوْا [104].
و فی سورة هود علیه السلام وَ لا أَقُولُ لَكُمْ [31]، وَ لا أَقُولُ لِلَّذِینَ [31]، قالَ لا عاصِمَ [43]، قالَ لَوْ أَنَّ لِی بِكُمْ قُوَّةً [80].
و فی الفرقان جَعَلَ لَكَ خَیْراً [10]، جَعَلَ لَكُمُ اللَّیْلَ لِباساً [47]، وَ إِذا قِیلَ لَهُمُ اسْجُدُوا [60].
و فی یس وَ إِذا قِیلَ لَهُمُ اتَّقُوا [45]، وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا [47]، جَعَلَ
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 217
لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ [80]، أَنْ یَقُولَ لَهُ كُنْ [82].
و منها خمسة خمسة فی سورتین:
ففی الأعراف: قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ [38]، وَ لُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ [80]، قالَ لَنْ تَرانِی [143]، قِیلَ لَهُمُ اسْكُنُوا [161]، غَیْرَ الَّذِی قِیلَ لَهُمْ [162].
و فی كهیعص فَتَمَثَّلَ لَها [17]، یَقُولُ لَهُ كُنْ [35]، إِذْ قالَ لِأَبِیهِ [42]، وَ قالَ لَأُوتَیَنَ [77]، سَیَجْعَلُ لَهُمُ [96].
و منها ستة [ستة] فی خمس سور:
ففی النساء: الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّی [42]، وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ تَعالَوْا [61]، الرَّسُولُ لَوَجَدُوا [64]، قِیلَ لَهُمْ كُفُّوا [77]، الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا [77]، وَ قالَ لَأَتَّخِذَنَ [118].
و فی سورة یوسف علیه السلام قالَ لا یَأْتِیكُما [37]، وَ قالَ لِلَّذِی [42]، فَلا كَیْلَ لَكُمْ [60]، وَ قالَ لِفِتْیانِهِ [62]، قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ [66]، قالَ لا تَثْرِیبَ [92].
و فی طه فَقالَ لِأَهْلِهِ [10]، قالَ لا تَخافا [46]، جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً [53]، قالَ لَهُمْ مُوسی [61]، وَ لَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ [90]، أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ [97].
و فی النمل لا قِبَلَ لَهُمْ [37]، قِیلَ لَهَا ادْخُلِی [44]، إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ [54]، وَ أَنْزَلَ لَكُمْ [60]، وَ جَعَلَ لَها رَواسِیَ [61]، اللَّیْلَ لِیَسْكُنُوا فِیهِ [86].
و فی الزمر وَ أَنْزَلَ لَكُمْ [6]، وَ جَعَلَ لِلَّهِ [8]، وَ قِیلَ لِلظَّالِمِینَ [24]، أَوْ تَقُولَ لَوْ [57]، وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ یَأْتِكُمْ [71]، وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَیْكُمْ [73].
و منها سبعة فی القصص، و هی: قالَ لَهُ مُوسی إِنَّكَ لَغَوِیٌ [18]، قالَ لا تَخَفْ [25]، قالَ لِأَهْلِهِ، وَ نَجْعَلُ لَكُما [35]، الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ [51]، وَ مِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ [73]، إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ [76].
و منها ثمانیة فی سورة یونس علیه السلام، و هی: مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا [5]، ثُمَ
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 218
نَقُولُ لِلَّذِینَ أَشْرَكُوا [28]، ثُمَّ قِیلَ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا [52]، لا تَبْدِیلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ [64]، جَعَلَ لَكُمُ اللَّیْلَ لِتَسْكُنُوا فِیهِ [71]، إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ [71]، قالَ لَهُمْ مُوسی [80].
و منها تسعة تسعة فی سورتین:
ففی آل عمران: فَإِنَّما یَقُولُ لَهُ كُنْ [47]، ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ [59]، ثُمَّ یَقُولَ لِلنَّاسِ [79]، إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِینَ [124]، وَ أَطِیعُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ [132]، مِنْ قَبْلُ لَفِی ضَلالٍ [164]، وَ قِیلَ لَهُمْ تَعالَوْا [167]، قالَ لَهُمُ النَّاسُ [173]، أَلَّا یَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا [176].
و فی الأنعام ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِینَ أَشْرَكُوا [22]، لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ [34]، لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِی [50]، وَ لا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّی مَلَكٌ [50]، قالَ لا أُحِبُ [76]، قالَ لَئِنْ لَمْ یَهْدِنِی [77]، جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ [97]، لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ [115]، فَصَّلَ لَكُمْ [119].
و منها عشرة فی غافر، و هی:
ذِی الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [3]، بِالْباطِلِ لِیُدْحِضُوا [5]، وَ یُنَزِّلُ لَكُمْ [13]، ما أَقُولُ لَكُمْ [44]، الَّذِی جَعَلَ لَكُمُ اللَّیْلَ لِتَسْكُنُوا فِیهِ [61]، جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ [64]، یَقُولُ لَهُ كُنْ [68]، ثُمَّ قِیلَ لَهُمْ [73]، جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ [79].
و منها أحد عشر فی النحل، و هی:
وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ [24]، وَ قِیلَ لِلَّذِینَ اتَّقَوْا [30]، أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ [40]، وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [72]، وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ [72]، وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ [78]، وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُیُوتِكُمْ [80]، وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ [80]، وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ [81]، وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ [81]، وَ جَعَلَ لَكُمْ سَرابِیلَ [81].
و منها اثنا عشر فی سورتین:
ففی الكهف: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ [27]، فَقالَ لِصاحِبِهِ [34]، قالَ لَهُ صاحِبُهُ [37]، نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً [48]، بِالْباطِلِ لِیُدْحِضُوا [56]، لَعَجَّلَ لَهُمُ [58]، قالَ لِفَتاهُ [62]، قالَ لَهُ مُوسی [66]، قالَ لا تُؤاخِذْنِی
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 219
[73]، قالَ لَوْ شِئْتَ [77]، وَ سَنَقُولُ لَهُ [88]، نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً [94].
و فی الشعراء قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ [25]، قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ [29]، قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ [34]، وَ قِیلَ لِلنَّاسِ [39]، قالَ لَهُمْ مُوسی [43]، إِذْ قالَ لِأَبِیهِ [70]، وَ قِیلَ لَهُمْ أَیْنَ ما [92]، إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ [106]، إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ [124]، إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ [142]، إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ [161]، إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَیْبٌ [177].
و منها ستة عشر فی البقرة، و هی:
وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا [11]، وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ آمِنُوا [13]، الَّذِی جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ [22]، قَوْلًا غَیْرَ الَّذِی قِیلَ لَهُمْ [59]، بَنِی إِسْرائِیلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ [83]، وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ [91]، فَإِنَّما یَقُولُ لَهُ كُنْ [117]، قالَ لا یَنالُ [124]، إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ [131]، إِذْ قالَ لِبَنِیهِ [133]، وَ إِذا قِیلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا [170]، وَ إِذا قِیلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ [206]، فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا [243]، وَ قالَ لَهُمْ نَبِیُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ [247]، وَ قالَ لَهُمْ نَبِیُّهُمْ إِنَّ آیَةَ مُلْكِهِ [248]، قالَ لَبِثْتُ یَوْماً [259].

مطلب إدغام النون فی النون‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و یَسْتَحْیُونَ نِساءَكُمْ [البقرة: 49]».
اعلم أن النون یدغمها فی مثلها تحرّك ما قبلها أو سكن، و جملته فی القرآن سبعون موضعا:
منها حرف حرف فی إحدی و عشرین سورة ففی العقود: یَقُولُونَ نَخْشی [المائدة: 52].
و فی الأنفال الْفِئَتانِ نَكَصَ [48].
و فی إبراهیم علیه السلام وَ یَسْتَحْیُونَ نِساءَكُمْ [6].
و فی الإسراء نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ [31].
و فی طه نَحْنُ نَرْزُقُكَ [132].
و فی سورة الأنبیاء علیهم السلام لا یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ [43].
و فی الحج كانَ نَكِیرِ [44].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 220
و فی المؤمنین وَ بَنِینَ نُسارِعُ [55- 56].
و فی الشعراء الْعالَمِینَ نَزَلَ [192- 193].
و فی القصص الْمُبِینِ نَتْلُوا [2- 3].
و فی الم السجدة الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا [12].
و فی سبأ كانَ نَكِیرِ [45].
و فی فاطر كانَ نَكِیرِ [26].
و فی الزخرف الرَّحْمنِ نُقَیِّضْ [36].
و فی ق نَحْنُ نُحْیِی [43].
و فی القمر أَمْ یَقُولُونَ نَحْنُ [44].
و فی سورة الرحمن عز و جل عَیْنانِ نَضَّاخَتانِ [66].
و فی المجادلة الَّذِینَ نُهُوا [8].
و فی الصف الْحَوارِیُّونَ نَحْنُ [14].
و فی الملك كانَ نَكِیرِ [18].
و فی الإنسان نَحْنُ نَزَّلْنا [23].
و منها حرفان حرفان فی تسع سور:
ففی آل عمران: الْحَوارِیُّونَ نَحْنُ [52]، الَّذِینَ نافَقُوا [167].
و فی الأنعام الْأُنْثَیَیْنِ نَبِّئُونِی [143]، نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ [151].
و فی سورة یوسف علیه السلام تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُ [2- 3].
و فی النحل لِما لا یَعْلَمُونَ نَصِیباً [56]، یَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ [83].
و فی النور لا یَجِدُونَ نِكاحاً [33]، لا یَرْجُونَ نِكاحاً [60].
و فی الفرقان لِلْعالَمِینَ نَذِیراً [1]، لا یَرْجُونَ نُشُوراً [40].
و فی یس نَحْنُ نُحْیِ [12]، لا یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَهُمْ [75].
و فی ص وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً [23]، سُلَیْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ [30].
و فی الحشر الَّذِینَ نافَقُوا [11]، كَالَّذِینَ نَسُوا اللَّهَ [19].
و منها ثلاثة ثلاثة فی ست سور:
ففی البقرة: وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ [30]، وَ یَسْتَحْیُونَ نِساءَكُمْ [49].
الْمُتَطَهِّرِینَ نِساؤُكُمْ [222- 223]، و فی الحجر إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا [9]،
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 221
لَنَحْنُ نُحْیِی [23]، بِمُخْرَجِینَ نَبِّئْ [48- 49].
و فی الكهف نَحْنُ نَقُصُ [13]، لِلظَّالِمِینَ ناراً [29]، لِلْكافِرِینَ نُزُلًا [102].
و فی «كهیعص» نَحْنُ نَرِثُ [40]، هارُونَ نَبِیًّا [53]، وَ أَحْسَنُ نَدِیًّا [73].
و فی «فصلت» تُوعَدُونَ نَحْنُ [30- 31]، تَدَّعُونَ نُزُلًا [31- 32]، مِنَ الشَّیْطانِ نَزْغٌ [36].
و فی الواقعة یَوْمَ الدِّینِ نَحْنُ خَلَقْناكُمْ [56- 57]، الْخالِقُونَ نَحْنُ [59- 60]، الْمُنْشِؤُنَ نَحْنُ [72- 73].
و منها أربعة فی التوبة، و هی:
الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [28]، وَ نَحْنُ نَتَرَبَّصُ [52]، نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ [101]، یُنْفِقُونَ نَفَقَةً [121].
و منها خمسة خمسة فی سورتین:
ففی النساء تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ [34]، الْمُؤْمِنِینَ نُوَلِّهِ [115]، وَ لا یُظْلَمُونَ نَقِیراً [124]، لِلْكافِرِینَ نَصِیبٌ [141]، وَ یَقُولُونَ نُؤْمِنُ [150].
و فی الأعراف الَّذِینَ نَسُوهُ [53]، أَنْ نَكُونَ نَحْنُ [115]، وَ یَسْتَحْیُونَ نِساءَكُمْ [141]، لا یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَكُمْ [197]، مِنَ الشَّیْطانِ نَزْغٌ [200].

إدغام الكاف فی الكاف‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و نُسَبِّحَكَ كَثِیراً [طه: 33]».
اعلم أن الكاف یدغمها فی مثلها سواء تحرك ما قبلها أو سكن، و جملته فی القرآن ستة و ثلاثون موضعا:
منها حرف حرف فی تسع سور:
ففی آل عمران وَ اذْكُرْ رَبَّكَ كَثِیراً [41]، و فی یونس علیه السلام كَذلِكَ كَذَّبَ [39]، و فی النحل أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ [33]، و فی الحج عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ [47]، و فی العنكبوت إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ [33]، و فی الروم (كذلك كّان) [55]، و فی المجادلة أُولئِكَ كَتَبَ [22]، و فی «قل أوحی» ذلِكَ كُنَّا
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 222
[11]، و فی الانفطار رَكَّبَكَ كَلَّا [8- 9].
و منها حرفان حرفان فی خمس سور:
ففی النساء كَذلِكَ كُنْتُمْ [94]، أَوْحَیْنا إِلَیْكَ كَما [163].
و فی الأنعام عَلَیْكَ كِتاباً [7]، كَذلِكَ كَذَّبَ [148].
و فی الأعراف أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ [179]، یَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ [187].
و فی الفرقان بَیْنَ ذلِكَ كَثِیراً [38]، إِلی رَبِّكَ كَیْفَ [45].
و فی الانشقاق إِنَّكَ كادِحٌ إِلی رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِیهِ [6].
و منها ثلاثة فی المائدة و هی: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا [32]، ذلِكَ كَفَّارَةُ أَیْمانِكُمْ [89]، وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ [100].
و منها أربعة أربعة فی سورتین:
ففی سورة یوسف علیه السلام لَكَ كَیْداً [5]، إِنَّكِ كُنْتِ [29]، ذلِكَ كَیْلٌ [65]، كَذلِكَ كِدْنا [76].
و فی طه نُسَبِّحَكَ كَثِیراً وَ نَذْكُرَكَ كَثِیراً إِنَّكَ كُنْتَ [33- 35]، و فی طه أُمِّكَ كَیْ [40].
و منها خمسة فی الإسراء، و هی:
اقْرَأْ كِتابَكَ كَفی [14]، فَأُولئِكَ كانَ [19]، كُلُّ ذلِكَ كانَ [38]، إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ [57]، إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَیْكَ كَبِیراً [87].
فهذه خمسة و ثلاثون موضعا، و الموضع السادس و الثلاثون فی غافر فی قوله تعالی: وَ إِنْ یَكُ كاذِباً [28].
و فیه خلاف؛ لأنه من المعتل، و سیأتی الكلام فیه و فی قوله تعالی: فَلا یَحْزُنْكَ كُفْرُهُ [لقمان: 23] بحول الله عز و جل.

إدغام السین فی السین‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و النَّاسَ سُكاری [الحج: 2]».
اعلم أن السین یدغمها فی مثلها، و جملتها فی القرآن ثلاثة مواضع:
ففی الحج النَّاسَ سُكاری [2]، لِلنَّاسِ سَواءً [25].
و فی سورة نوح علیه السلام الشَّمْسَ سِراجاً [16].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 223

إدغام التاء فی التاء

قال الحافظ- رحمه الله-: «و الشَّوْكَةِ تَكُونُ [الأنفال: 7]».
اعلم أن التاء یدغمها فی مثلها كیفما كانت حركتها سواء سكن ما قبلها أو تحرك، و سواء كانت متصلة بالاسم للتأنیث و تبدل فی الوقف هاء أو لم تكن كذلك، ما لم تكن ضمیر المتكلم أو المخاطب متصلا كان الضمیر أو منفصلا، علی ما نبین الضمیر بعد- بحول الله تعالی- و جملة ما ورد فی القرآن من التاءات المذكورة أربعة عشر موضعا:
منها فی المائدة الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما [106]، و فی الأنعام الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ [61]، و فی الأنفال الشَّوْكَةِ تَكُونُ [7].
و فی یوسف علیه السلام وَ الْآخِرَةِ تَوَفَّنِی [101]، و فی «كهیعص» النَّخْلَةِ تُساقِطْ [25]، و فی المؤمنین یَوْمَ الْقِیامَةِ تُبْعَثُونَ [16]، و فی الفرقان الْمَلائِكَةُ تَنْزِیلًا [25]، و فی النمل الْمَدِینَةِ تِسْعَةُ [48]، و فی العنكبوت إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهی [45]، و فی الأحزاب السَّاعَةَ تَكُونُ [63]، و فی الزمر وَ یَوْمَ الْقِیامَةِ تَرَی [60]، و فی النجم الْمَلائِكَةَ تَسْمِیَةَ [27]، و فی النازعات الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ [6- 7].

إدغام الراء فی الراء

قال الحافظ- رحمه الله تعالی-: و «شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِی [البقرة: 185]».
اعلم أن الراء یدغمها فی مثلها تحرك ما قبلها أو سكن، و جملته فی القرآن خمسة و ثلاثون موضعا:
منها حرف حرف فی ثمانی عشرة سورة: ففی البقرة شَهْرُ رَمَضانَ [185]، و فی المائدة أَوْ تَحْرِیرُ رَقَبَةٍ [89]، و فی النحل أَوْ یَأْتِیَ أَمْرُ رَبِّكَ [33]، و فی الإسراء أَمْرِ رَبِّی [85]، و فی الكهف أَمْرِ رَبِّهِ [50]، و فی سورة الأنبیاء- علیهم السلام-: عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ [42]، و فی الروم إِلی آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ [50]، و فی الزمر بِنُورِ رَبِّها [69]، و فی غافر لَنَنْصُرُ رُسُلَنا [51]، و فی الشوری وَ یَنْشُرُ رَحْمَتَهُ [28]، و فی الدخان الْبَحْرَ رَهْواً [24]، و فی الأحقاف بِأَمْرِ رَبِّها [25]، و فی الفتح أَشِدَّاءُ عَلَی الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَیْنَهُمْ [29]، و فی
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 224
الذاریات عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ [44]، و فی المجادلة فَتَحْرِیرُ رَقَبَةٍ [3]، و فی الممتحنة الْمَصِیرُ رَبَّنا [4- 5]، و فی الطلاق عَنْ أَمْرِ رَبِّها [8]، و فی «قل أوحی» عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ [17] و منها حرفان حرفان فی أربع سور:
ففی آل عمران فَقِنا عَذابَ النَّارِ رَبَّنا [191- 192]، مَعَ الْأَبْرارِ رَبَّنا [193- 194].
و فی سورة هود علیه السلام قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ [76]، لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ [101].
و فی سورة یوسف علیه السلام وَ الْقَمَرَ رَأَیْتُهُمْ [4]، ذِكْرَ رَبِّهِ [42].
و فی «كهیعص» ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ [2]، إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ [64].
و منها ثلاثة ثلاثة فی ثلاث سور:
ففی النساء فَتَحْرِیرُ رَقَبَةٍ [92]، فَتَحْرِیرُ رَقَبَةٍ [92]، وَ تَحْرِیرُ رَقَبَةٍ [92].
و فی الأعراف قُلْ أَمَرَ رَبِّی [29]، عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ [77]، أَ عَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ [150].
و فی ص فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ [24]، عَنْ ذِكْرِ رَبِّی [32]، الْقَهَّارُ رَبُّ السَّماواتِ [65- 66].

إدغام الفاء فی الفاء

قال الحافظ- رحمه الله-: «و وَ مَا اخْتَلَفَ فِیهِ [البقرة: 213]».
اعلم أن الفاء یدغمها فی مثلها، و جملته فی القرآن ثلاثة و عشرون موضعا:
منها حرف حرف فی أربع عشرة سورة:
ففی البقرة وَ مَا اخْتَلَفَ فِیهِ [213]، و فی سورة یونس علیه السلام خَلائِفَ فِی الْأَرْضِ [14]، و فی سورة هود علیه السلام فَاخْتُلِفَ فِیهِ [110]، و فی سورة إبراهیم علیه السلام كَیْفَ فَعَلْنا بِهِمْ [45]، و فی الإسراء كَیْفَ فَضَّلْنا [21]، و فی الكهف إِلَی الْكَهْفِ فَقالُوا [10]، و فی الأحزاب وَ قَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ [26]، و فی فاطر خَلائِفَ فِی الْأَرْضِ [39]، و فی «فصلت» فَاخْتُلِفَ فِیهِ [45]، و فی الحشر وَ قَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ [2]، و فی المطففین تَعْرِفُ فِی
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 225
وُجُوهِهِمْ [24]، و فی الفجر كَیْفَ فَعَلَ [6]، و فی الفیل كَیْفَ فَعَلَ [1]، و فی قریش وَ الصَّیْفِ فَلْیَعْبُدُوا [2- 3].
و منها حرفان حرفان فی سورتین:
ففی النساء بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا [6]، بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ [19].
و فی الحج الْعاكِفُ فِیهِ [25]، تَعْرِفُ فِی وُجُوهِ [72].
و منها خمسة فی سورة یوسف علیه السلام لِیُوسُفَ فِی الْأَرْضِ وَ لِنُعَلِّمَهُ [21]، لِیُوسُفَ فِی الْأَرْضِ یَتَبَوَّأُ مِنْها [56]، إِخْوَةُ یُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَیْهِ [58]، یُوسُفُ فِی نَفْسِهِ [77]، فِی یُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ [80].

إدغام المیم فی المیم‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و یَعْلَمُ ما [البقرة: 77]».
اعلم أن المیم یدغمها فی مثلها مطلقا، و جملتها فی القرآن مائة و تسعة و ثلاثون موضعا:
منها حرف حرف فی إحدی و عشرین سورة ففی أم القرآن الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ مالِكِ [3- 4]، و فی الأنفال الْیَوْمَ مِنَ النَّاسِ [48]، و فی یونس علیه السلام فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ [17]، و فی إبراهیم علیه السلام تَعْلَمُ ما نُخْفِی [38].
و فی الروم الْقَیِّمِ مِنْ قَبْلِ [43]، و فی لقمان وَ یَعْلَمُ ما فِی الْأَرْحامِ [34]، و فی الأحزاب یَعْلَمُ ما فِی قُلُوبِكُمْ [51]، و فی فاطر وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ [28]، و فی الصافات الْیَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ [26]، و فی «ص» جَهَنَّمَ مِنْكَ [85]، و فی غافر وَ یا قَوْمِ ما لِی [41]، و فی الشوری وَ یَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ [25]، و فی الجاثیة وَ إِذا عَلِمَ مِنْ آیاتِنا [9]، و فی الحجرات یَعْلَمُ ما فِی السَّماواتِ [16]، و فی «ق» وَ نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ [16]، و فی الذاریات الْعَقِیمَ ما تَذَرُ [41- 42]، و فی المجادلة یَعْلَمُ ما فِی السَّماواتِ [7]، و فی الصف وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری [7]، و فی الجمعة الْعَظِیمِ مَثَلُ [4- 5]، و فی التحریم لِمَ تُحَرِّمُ ما [1]، و فی الملك أَ لا یَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ [14].
و منها حرفان حرفان فی ثلاث عشرة سورة:
ففی آل عمران وَ یَعْلَمُ ما فِی السَّماواتِ [29]، وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِی السَّماواتِ [83].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 226
و فی النساء لا یَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ [40]، الرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ مِنْهُمْ [162].
و فی الإسراء فِی جَهَنَّمَ مَلُوماً [39]، الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ [107].
و فی الكهف فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری [15]، وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ [57].
و فی سورة الأنبیاء علیهم السلام یَعْلَمُ ما بَیْنَ أَیْدِیهِمْ [28]، وَ یَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ [110].
و فی «الم» السجدة جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ [13]، وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ [22].
و فی سبأ یَعْلَمُ ما یَلِجُ [2]، إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ یُؤْمِنُ [21].
و فی یس أَ نُطْعِمُ مَنْ [47]، نَعْلَمُ ما یُسِرُّونَ [76].
و فی الزخرف وَ الْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ [12]، ابْنُ مَرْیَمَ مَثَلًا [57].
و فی الأحقاف الْحَكِیمِ ما خَلَقْنَا [2- 3]، الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [35].
و فی القتال أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ [محمد: 16]، یَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ [19].
و فی الحدید یَعْلَمُ ما یَلِجُ [4]، الْعَظِیمِ ما أَصابَ [21- 22].
و فی التغابن یَعْلَمُ ما فِی السَّماواتِ [4]، وَ یَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ [4].
و منها ثلاثة ثلاثة فی ثمانی سور:
ففی سورة یوسف علیه السلام دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ [20]، وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ [86]، إِنِّی أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ [96].
و فی الرعد اللَّهُ یَعْلَمُ ما تَحْمِلُ [8]، مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ [37]، یَعْلَمُ ما تَكْسِبُ [42].
و فی «كهیعص» الْعَظْمُ مِنِّی [4]، نُكَلِّمُ مَنْ كانَ [29]، مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ [43].
و فی طه الْیَوْمَ مَنِ اسْتَعْلی [64]، یَعْلَمُ ما بَیْنَ أَیْدِیهِمْ [110]، إِلی آدَمَ مِنْ قَبْلُ [115].
و فی النور یَعْلَمُ ما تُبْدُونَ [29]، لِیُعْلَمَ ما یُخْفِینَ [31]، الْحُلُمَ مِنْكُمْ [58].
و فی القصص یَعْلَمُ ما تُكِنُ [69]، مِنْ قَوْمِ مُوسی [76]، أَعْلَمُ مَنْ جاءَ [85].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 227
و فی الزمر فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ [32]، فِی جَهَنَّمَ مَثْویً لِلْمُتَكَبِّرِینَ [60].
و فی الفتح ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ [2]، فَعَلِمَ ما فِی [18]، فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا [27].
و منها خمسة خمسة فی سورتین:
ففی الحج فِی الْأَرْحامِ ما نَشاءُ [5]، یَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ [5]، لِإِبْراهِیمَ مَكانَ الْبَیْتِ [26]، یَعْلَمُ ما فِی السَّماءِ [70]، یَعْلَمُ ما بَیْنَ أَیْدِیهِمْ [76].
و فی النمل وَ یَعْلَمُ ما تُخْفُونَ [25]، أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ [39]، الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها [42]، قُلْ لا یَعْلَمُ مَنْ فِی السَّماواتِ [65]، لَیَعْلَمُ ما تُكِنُ [74].
و منها ستة ستة فی سورتین:
ففی النحل وَ النُّجُومُ مُسَخَّراتٌ [12]، وَ اللَّهُ یَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ [19]، لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ ما یُسِرُّونَ [23]، السَّلَمَ ما كُنَّا [28]، مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ [59]، یَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ [91].
و فی العنكبوت وَ یَرْحَمُ مَنْ یَشاءُ [21]، یَعْلَمُ ما یَدْعُونَ [42]، یَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ [45]، یَعْلَمُ ما فِی السَّماواتِ [52]، أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری [68]، أَ لَیْسَ فِی جَهَنَّمَ مَثْویً [68].
و منها سبعة فی سورة هود علیه السلام، و هی: یَعْلَمُ ما یُسِرُّونَ [5]، وَ یَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها [6]، وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ [18]، وَ یا قَوْمِ مَنْ یَنْصُرُنِی [30]، الْیَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [43]، لَتَعْلَمُ ما نُرِیدُ [79]، جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ [119].
و منها ثمانیة فی سورة المائدة، و هی: یَحْكُمُ ما یُرِیدُ [1]، الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ [41]، ابْنِ مَرْیَمَ مُصَدِّقاً [46]، طَعامُ مَساكِینَ [95]، یَعْلَمُ ما فِی السَّماواتِ [97]، یَعْلَمُ ما تُبْدُونَ [99]، تَعْلَمُ ما فِی نَفْسِی وَ لا أَعْلَمُ ما فِی نَفْسِكَ [116].
و منها تسعة تسعة فی سورتین:
ففی الأنعام وَ یَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ [3]، وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری [21]، وَ یَعْلَمُ ما فِی الْبَرِّ [59]، وَ یَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ [60]، إِبْراهِیمَ مَلَكُوتَ [75]، وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری [93]، أَعْلَمُ مَنْ یَضِلُ [117]، فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری [144]، فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ [157].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 228
و فی الأعراف جَهَنَّمَ مِنْكُمْ [18]، فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری [37]، مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ [41]، وَ النُّجُومَ مُسَخَّراتٍ [54]، وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ [62]، تَنْقِمُ مِنَّا [126]، وَ اتَّخَذَ قَوْمُ مُوسی [148]، وَ مِنْ قَوْمِ مُوسی [159]، آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ [172].
و منها ثلاثة عشر فی البقرة، و هی: أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ [30]، وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ [33]، آدَمُ مِنْ رَبِّهِ [37]، یَعْلَمُ ما یُسِرُّونَ [77]، الْعَظِیمِ ما نَنْسَخْ [105- 106]، وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ [114]، مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ [120]، إِبْراهِیمَ مُصَلًّی [125]، وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ [140]، لِنَعْلَمَ مَنْ یَتَّبِعُ [143]، طَعامُ مِسْكِینٍ [184]، یَعْلَمُ ما فِی أَنْفُسِكُمْ [235]، یَعْلَمُ ما بَیْنَ أَیْدِیهِمْ [255].

إدغام الباء فی الباء

قال الحافظ- رحمه الله-: « [و] لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ [البقرة: 20]».
اعلم أن الباء یدغمها فی مثلها، و جملته فی القرآن سبعة و خمسون موضعا: منها حرف حرف فی أربع و عشرین سورة:
ففی العقود وَ أَنْزَلْنا إِلَیْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ [المائدة: 48]، و فی الأنفال الْعَذابَ بِما [35]، و فی یوسف علیه السلام نُصِیبُ بِرَحْمَتِنا [56]، و فی الرعد فَیُصِیبُ بِها [13]، و فی النحل فَوْقَ الْعَذابِ بِما [88]، و فی الإسراء إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا [59]، و فی الكهف الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ [58]، و فی «كهیعص» خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ [12]، و فی المؤمنین فَلا أَنْسابَ بَیْنَهُمْ [101]، و فی الفرقان لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ [11]، و فی النمل مِمَّنْ یُكَذِّبُ بِآیاتِنا [83]، و فی العنكبوت أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِ [68]، و فی الروم فَإِذا أَصابَ بِهِ [48]، و فی الشوری الْكِتابَ بِالْحَقِ [17]، و فی الأحقاف فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما [34]، و فی الحجرات بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ [11]، و فی سورة الرحمن عز و جل یُكَذِّبُ بِهَا [43]، و فی الحدید فَضُرِبَ بَیْنَهُمْ [13]، و فی «ن» وَ مَنْ یُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِیثِ [44]، و فی المدثر نُكَذِّبُ بِیَوْمِ [46]، و فی الإنسان عَیْناً یَشْرَبُ بِها [6]، و فی التكویر الْغَیْبِ بِضَنِینٍ [24]، و فی «اللیل إذا یغشی» وَ كَذَّبَ
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 229
بِالْحُسْنی [9]، و فی الماعون أَ رَأَیْتَ الَّذِی یُكَذِّبُ بِالدِّینِ [1].
و منها حرفان حرفان فی أربع سور:
ففی سورة یونس علیه السلام أَوْ كَذَّبَ بِآیاتِهِ [17]، یُصِیبُ بِهِ مَنْ یَشاءُ [107].
و فی الحج وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ [60].
و فی النور فَیُصِیبُ بِهِ مَنْ یَشاءُ [43]، و فی النور یَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ [43].
و فی المطففین وَ ما یُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا [12]، عَیْناً یَشْرَبُ بِهَا [28].
و منها ثلاثة ثلاثة فی أربع سور:
ففی آل عمران نَزَّلَ عَلَیْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ [3]، فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما [106]، الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا [151].
و فی النساء لِلْغَیْبِ بِما [34]، وَ الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ [36]، الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ [105].
و فی الأعراف أَوْ كَذَّبَ بِآیاتِهِ [37]، فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما [39]، أُصِیبُ بِهِ [156].
و فی الزمر الْكِتابَ بِالْحَقِ [2]، وَ كَذَّبَ بِالصِّدْقِ [32]، الْعَذابُ بَغْتَةً [55].
و منها ستة فی البقرة، و هی:
لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ [20]، الْكِتابَ بِأَیْدِیهِمْ [79]، أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آیَةٍ [145]، وَ الْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ [175]، نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِ [176]، الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِیَحْكُمَ [213].
و منها سبعة فی الأنعام، و هی:
أَوْ كَذَّبَ بِآیاتِهِ [21]، وَ لا نُكَذِّبَ بِآیاتِ رَبِّنا [27]، فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ [30]، یَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا یَفْسُقُونَ [49]، وَ كَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَ هُوَ الْحَقُ [66]، كَذَّبَ بِآیاتِ اللَّهِ وَ صَدَفَ [157]، سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا یَصْدِفُونَ [157].
قال الحافظ- رحمه الله-: «و ما كان مثله من سائر حروف المعجم حیث وقع» یرید و ما كان مثل ما ذكر، فأفرد الضمیر و ذكّره، و إن كان راجعا لجملة الأمثلة التی
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 230
تقدمت؛ لأنه فی معنی ما ذكر، و «سائر» معناه: باقی، من قولك: «سؤر الشراب» ترید باقیه، و الباقی من حروف المعجم التی التقی منها المثلان من كلمتین فی القرآن: الغین و القاف و الثاء و الواو، كما تقدم.

إدغام الغین فی الغین‌

أما الغین فلقیت مثلها فی آل عمران خاصة من قوله تعالی: وَ مَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الْإِسْلامِ [85].
و هو من المعتل، و سیأتی بحول الله العلی العظیم.

إدغام القاف فی القاف‌

و أما القاف فیدغمها فی مثلها، و جملته فی القرآن خمسة مواضع:
منها فی الأعراف وَ الطَّیِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ [32]، فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ [143]، و فی التوبة یُنْفِقُ قُرُباتٍ [99]، و فی سورة یونس علیه السلام حَتَّی إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ [90]، و فی «قل أوحی» طَرائِقَ قِدَداً [11].

[إدغام الثاء فی الثاء]

و أما الثاء فیدغمها فی مثلها، و جملته فی القرآن ثلاثة مواضع، و هی:
حَیْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ فی البقرة [191] و النساء [91]، ثالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة: 73].

إدغام الواو فی الواو

و أما الواو فیدغمها فی مثلها، و جملته فی القرآن ثمانیة عشر حرفا، و هی علی ضربین:
أحدهما: أن یسكن ما قبلها فلا خلاف فی إدغامه، و ذلك خمسة مواضع:
منها فی الأنعام وَ هُوَ وَلِیُّهُمْ [127]، و فی الأعراف خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ [199]، و فی النحل فَهُوَ وَلِیُّهُمُ [63]، و فی الشوری وَ هُوَ واقِعٌ بِهِمْ [22]، و فی الجمعة مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجارَةِ [11].
و الضرب الثانی: أن یضم ما قبلها، و هو باقی العدد:
منها فی البقرة هُوَ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ [249]، و فی آل عمران هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ [18]، و فی الأنعام إِلَّا هُوَ وَ إِنْ یَمْسَسْكَ [17]، إِلَّا هُوَ وَ یَعْلَمُ
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 231
[59]، إِلَّا هُوَ وَ أَعْرِضْ [106]، و فی الأعراف هُوَ وَ قَبِیلُهُ [27]، و فی سورة یونس علیه السلام إِلَّا هُوَ وَ إِنْ یُرِدْكَ [107]، و فی النحل هُوَ وَ مَنْ یَأْمُرُ [76]، و فی طه إِلَّا هُوَ وَسِعَ [98]، و فی النمل هُوَ وَ أُوتِینَا [42]، و فی القصص هُوَ وَ جُنُودُهُ [39]، و فی التغابن إِلَّا هُوَ وَ عَلَی [13]، و فی المدثر إِلَّا هُوَ وَ ما [31].
فهذه ثلاثة عشر موضعا، و فیها خلاف یأتی بعد بحول الله تعالی.
قال الحافظ- رحمه الله-: «إلا قوله تبارك و تعالی فی لقمان فَلا یَحْزُنْكَ كُفْرُهُ [23] فإنه لا یدغمه»؛ و ذكر الإمام فیه اختلافا عن أبی عمرو و أن الإظهار أحسن، و ذكر أن الإدغام روایة أبی زید الأنصاری «1» عنه.
و ذكر الحافظ فی «التفصیل»: أن إدغامه روایة القاسم بن عبد الوارث «2» عن أبی عمرو، و اعتمد الحافظ علی الإظهار- كما تری هنا- و علل بكون النون ساكنة
______________________________
(1) الإمام العلامة، حجة العرب، أبو زید، سعید بن أوس بن ثابت بن بشیر بن صاحب رسول الله صلی اللّه علیه و سلم أبی زید الأنصاری، البصری، النحوی، صاحب التصانیف. ولد سنة نیف و عشرین و مائة، و حدث عن: سلیمان التیمی، و عوف الأعرابی، و ابن عون، و محمد ابن عمرو ابن علقمة، و رؤبة بن العجاج، و أبی عمرو بن العلاء، و حدث عنه: خلف ابن هشام البزاز، و تلا علیه، و أبو عبید القاسم.
قال المبرد: الأصمعی، و أبو عبیدة، و أبو زید، أعلم الثلاثة بالنحو: أبو زید، و كانت له حلقة بالبصرة.
مات أبو زید سنة خمس عشرة و مائتین. و قال أبو حاتم: عاش ثلاثا و تسعین سنة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (9/ 494- 496)، و تاریخ خلیفة (97)، و الجرح و التعدیل (4/ 4)، و تاریخ بغداد (9/ 77)، و إنباه الرواة 15)./ 30)، و وفیات الأعیان 15)./ 378)، و العبر (1/ 367)، و میزان الاعتدال 15)./ 126)، و مرآة الجنان 15)./ 58)، و البدایة و النهایة (10/ 269)، و طبقات القراء (1/ 305)، و تهذیب التهذیب (4/ 3)، و النجوم الزاهرة 15)./ 210)، و بغیة الوعاة (1/ 582)، و طبقات المفسرین (1/ 179).
(2) القاسم بن عبد الوارث، أبو نصر البغدادی، أخذ القراءة عن- المبهج و الجامع و الكامل- أبی عمر الدوری و هو من قدماء أصحابه، و- جامع البیان- إسماعیل بن أبی محمد الیزیدی، روی عنه القراءة محمد بن قریش الأعرابی و- المبهج و الكامل- محمد بن أحمد ابن شنبوذ و أبو بكر بن مجاهد و- المبهج- محمد بن أحمد الحلبی و أحمد الحكیمی و الكامل- أحمد بن نصر الشذائی فیما ذكره الهذلی، و هو وهم فسقط بینهما ابن شنبوذ، و الله أعلم.
ینظر: غایة النهایة (2/ 19).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 232
قبل الكاف، فهی تخفی عندها، و حاصل هذا التعلیل أن الإدغام هنا إجحاف بالكلمة من جهة أن الحرف المدغم مدفون فیما أدغم فیه، فقد ذهب لفظه و حركته، و النون الخفیفة فی حكم الذاهب أیضا؛ فكأنه قد ذهب من الكلمة حرفان؛ و لهذا قال الإمام: فكأنك أدغمت حرفین و ذلك ردی‌ء جدّا. و لا یعلل هذا الموضع بكون الإدغام فیه یؤدی إلی التقاء الساكنین؛ لأنه لم یتحاش من الإدغام بعد الساكن، و إن كان الساكن صحیحا نحو وَ مِنْ خِزْیِ یَوْمِئِذٍ و شَهْرُ رَمَضانَ و مِنْ قَبْلُ لَفِی فإن قیل لا یصح الإدغام فی هذه الأمثلة التی ذكرت، و لا فیما أشبهها عند الحذاق من النحویین و المقرئین، و إنما هو إخفاء للحركة و هو الذی یعبر عنه بالروم «1»، و حقیقته: النطق ببعض الحركة، و هو مستعمل فی الضمة و الكسرة، و لا فرق بین النطق ببعض الحركة و النطق بجملتها علی التمام فی تفكیك الحروف و منع الإدغام؛ فیندفع بذلك التقاء الساكنین.
فالجواب: أنه قد ثبتت الروایة عنه بإدغام الحرف المفتوح و قبله حرف ساكن صحیح فی عشرة مواضع من القرآن، مع أن الفتحة لا ترام عند القراء:
منها فی آل عمران سَنُلْقِی فِی قُلُوبِ الَّذِینَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا [151]،
______________________________
(1) رام الشی‌ء، یرومه، روما و مراما: طلبه، و منه روم الحركة فی الوقف علی المرفوع و المجرور، قال سیبویه: أما الذین راموا الحركة فإنه دعاهم إلی ذلك الحرص علی أن یخرجوها من حال ما لزمه إسكان علی كل حال، و أن یعلموا أن حالها عندهم لیس كحال ما سكن علی كل حال، و ذلك أراد الذین أشموا، إلا أن هؤلاء أشد توكیدا.
قال الجوهری: روم الحركة الذی ذكره سیبویه حركة مختلسة مخفاة لضرب من التخفیف، و هی أكثر من الإشمام؛ لأنها تسمع، و هی بزنة الحركة و إن كانت مختلسة مثل همزة بین بین، كلما قال:
أأن زم أجمال و فارق جیرةو صاح غراب البین أنت حزین قوله أأن زم: تقطیعه فعولن، و لا یجوز تسكین العین، و كذلك قوله تعالی: شَهْرُ رَمَضانَ، فیمن أخفی، إنما هو بحركة مختلسة، و لا یجوز أن تكون الراء الأولی ساكنة؛ لأن الهاء قبلها ساكن، فیؤدی إلی الجمع بین الساكنین فی الوصل من غیر أن یكون قبلها حرف لین، قال: و هذا غیر موجود فی شی‌ء من لغات العرب، قال:
و كذلك قوله تعالی: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ و أَمَّنْ لا یَهِدِّی و یَخِصِّمُونَ، و أشباه ذلك، قال: و لا معتبر بقول القراء: إن هذا و نحوه مدغم؛ لأنهم لا یحصلون هذا الباب، و من جمع بین الساكنین فی موضع لا یصح فیه اختلاس الحركة فهو مخطئ كقراءة حمزة فی قوله تعالی: فَمَا اسْطاعُوا لأن سین «الاستفعال» لا یجوز تحریكها بوجه من الوجوه. ینظر: اللسان (3/ 1782) (روم).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 233
و فی الأنعام وَ هُوَ وَلِیُّهُمْ [127]، و فی الأعراف أَ عَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ [150]، خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ [199]، و فی سورة یوسف علیه السلام فَأَنْساهُ الشَّیْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ [42]، و فی النحل فَهُوَ وَلِیُّهُمُ الْیَوْمَ [63]، بَعْدَ تَوْكِیدِها [91]، و فی النمل وَ أُوتِینَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها [42]، و فی الشوری وَ هُوَ واقِعٌ بِهِمْ [22]، و فی الدخان وَ اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً [24]، و فی الحاقة فَهِیَ یَوْمَئِذٍ واهِیَةٌ [16]، و فی سورة نوح علیه السلام وَ جَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً [16] و لا فرق بین هذه المواضع و بین قوله تعالی: فَلا یَحْزُنْكَ كُفْرُهُ [لقمان: 23]، و لا من حیث إن النون تخفی كما ذكر الحافظ و سائر الحروف السواكن فی هذه المواضع التی ذكرت لا تخفی، و الله عز جلاله و جل كماله أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله- «و إذا كان الأول من المثلین مشددا» إلی قوله: «لم یدغمه أیضا». قد تقدم ذكر هذه الشروط الثلاثة، و إنما لم یجز إدغام المشدد؛ لأنه قد حصل فیه الإدغام إذ كل مشدد فهو من حرفین فی التقدیر، و الأول مدغم فی الثانی فلو قدر إدغامه فی حرف آخر لكان فی ذلك تقدیر للنطق بثلاثة أحرف معا، و لم یظهر لها أثر زائد علی ما كان علیه قبل؛ لأنه قد كان مشددا فاقتضی حاله أنه یكون مشددا كما كان، و لا أثر للحرف الثالث؛ فكان حاصل هذا أن نطق بالحرف المشدد علی ما كان علیه. و حذف الحرف الآخر، و هذا بخلاف إدغام الحرف الواحد فی الثانی؛ لأنه قبل الإدغام مخفف، فظهر عند الإدغام أثر و هو التشدید.
و لو ساغ تجویز إدغام الحرف المشدد فی حرف آخر حتی یصیر الإدغام فی ثلاثة أحرف لساغ تقدیر إدغامه فی حرف رابع ثم خامس، و هذا هذیان «1».
______________________________
(1) و هذا لا ریب فیه؛ إذ لیس كل موضع یحسن فیه الإدغام؛ فمن الإدغام ما هو مستحسن و منه ما هو مستهجن.
فأحسن ما یكون الإدغام فی الحرفین المتحركین اللذین هما سواء إذا كانا منفصلین، أن تتوالی خمسة أحرف متحركة بهما فصاعدا. أ لا تری أن بنات الخمسة و ما كانت عدته خمسة لا تتوالی حروفها متحركة؛ استثقالا للمتحركات مع هذه العدة، و لا بد من ساكن. و قد تتوالی الأربعة متحركة فی مثل «علبط»؛ و لا یكون ذلك فی غیر المحذوف.
و مما یدلك علی أن الإدغام فیما ذكرت لك أحسن: أنه لا یتوالی فی تألیف الشعر خمسة أحرف متحركة، و ذلك نحو قولك: جعل لك و فعل لبید. و البیان فی كل هذا عربی جید حجازی.-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 234
______________________________
- و لم یكن هذا بمنزلة «قدّ» و «احمرّ» و نحو ذلك؛ لأن الحرف المنفصل لا یلزمه أن یكون بعده الذی هو مثله سواء. فإن كان قبل الحرف المتحرك الذی وقع بعده حرف مثله حرف متحرك لیس إلا، و كان بعد الذی هو مثله [حرف] ساكن- حسن الإدغام، و ذلك نحو قولك: ید دّاود؛ لأن قصد أن یقع المتحرك بین ساكنین و اعتدال منه.
و كلما توالت الحركات أكثر كان الإدغام أحسن، و إن شئت بینت.
و إذا التقی الحرفان المثلان اللذان هما سواء متحركین، و قبل الأول حرف مد، فإن الإدغام حسن؛ لأن حرف المد بمنزلة متحرك فی الإدغام.
أ لا تراهم فی غیر الانفصال قالوا: رادّ، و تمودّ الثوب. و ذلك قولك: إن المال لّك، و هم یظلمونّی، و هما یظلمانّی، و أنت تظلمینی. و البیان هاهنا یزداد حسنا؛ لسكون ما قبله.
و مما یدلك علی أن حرف المد بمنزلة متحرك أنهم إذا حذفوا فی بعض القوافی لم یجز أن یكون ما قبل المحذوف [إذا حذف الآخر] إلا حرف مد [و لین]، كأنه یعوض ذلك؛ لأنه حرف ممطول.
و إذا كان قبل الحرف المتحرك الذی بعده حرف مثله سواء، حرف ساكن، لم یجز أن یسكن، و لكنك إن شئت أخفیت، و كان بزنته متحركا من قبل أن التضعیف لا یلزم فی المنفصل كما یلزم فی «مدقّ» و نحوه مما التضعیف فیه غیر منفصل، أ لا تری أنه قد جاز ذلك و حسن أن تبین فیما ذكرنا من نحو (جعل لك)، فلما كان التضعیف لا یلزم لم یقو عندهم أن یغیر له البناء. و ذلك قولك: ابن نوح، و اسم موسی، لا تدغم هذا، فلو أنهم كانوا یحركون لحذفوا الألف؛ لأنهم قد استغنوا عنها، كما قالوا: قتّلوا و خطف، فلم یقو هذا علی تغییر البناء كما لم یقو علی ألا یجوز البیان فیما ذكرت لك.
و مما یدلك علی أنه یخفی و یكون بزنة المتحرك، قول الشاعر:
و إنی بما قد كلفتنی عشیرتی‌و قن الذب عن أعراضها لحقیق و قال غیلان بن حریث:
و امتاح منی حلبات الهاجم‌شأو مدلّ سابق اللّهامم و قال أیضا:
و غیر سفع مثّل یحامم فلو أسكن فی هذه الأشیاء لانكسر الشعر، و لكنا سمعناهم یخفون.
و لو قال: إنی ما قد كلفتنی، فأسكن الیاء و أدغمها فی المیم فی الكلام- لجاز؛ لحرف المد. فأما «اللهامم» فإنه لا یجوز فیها الإسكان، و لا فی «القرادد»؛ لأن «قرددا»: فعلل، و لهمما: فعلل، و لا یدغم، فیكره أن یجی‌ء جمعه علی جمع ما هو مدغم واحده، و لیس ذلك فی «إنی بما». و لكنك إن شئت قلت: قرادد، فأخفیت، كما قالوا: متعفف، فیخفی.
و لا یكون فی هذا إدغام، و قد ذكرنا العلة.
و أما قول بعضهم فی القراءة: (إن الله نعمّا یعظكم به) فحرك العین فلیس علی لغة من قال: نعم فأسكن العین، و لكنه علی لغة من قال: نعم، فحرك العین.
یقول سیبویه: و حدثنا أبو الخطاب أنها لغة هذیل، و كسروا كما قالوا لعب، و قال طرفة:-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 235
و لم یجز إدغام النون؛ لأن التنوین حرف فاصل بین الحرفین و لا یكون إلا بعد حركة؛ فیكون الفصل بین الحرفین بالحركة و بالتنوین، و قد مر أن من شرط الإدغام ألا یفصل بین الحرف المدغم و المدغم فیه بحركة و لا بحرف و لا بسكت، و قد تقدم عند ذكر الهاء لتنبیه علی الفرق بین التنوین و صلة الهاء من حیث جاز حذف الصلة و لم یجز حذف التنوین، و الله تبارك و تعالی أعلم.
و لم یجز إدغام تاء المتكلم و المخاطب؛ لأنها اسم، و هی مع ذلك علی حرف واحد فعزموا علی إبرازها بالتفكیك و تقویتها بالتحریك احتراما لمزیتها علی تاء
______________________________ - ما أقلّت قدم ناعلهانعم الساعون فی الحیّ الشّطر و أما قوله عز و جل: فَلا تَتَناجَوْا فإن شئت أسكنت الأول للمد، و إن شئت أخفیت و كان بزنته متحركا. و زعموا أن أهل مكة لا یبینون التاءین.
و نقول: هذا ثوب بكر، البیان فی هذا أحسن منه فی الألف؛ لأن حركة ما قبله لیس منه فیكون بمنزلة الألف.
و كذلك: هذا جیب بكر؛ أ لا تری أنك تقول: اخشو واقدا- فتدغم- و أخشی یاسرا، و تجریه مجری غیر الواو و الیاء.
و لا یجوز فی القوافی المحذوفة. و ذلك أن كل شعر حذفت من أتم بنائه حرفا متحركا أو زنة حرف متحرك فلا بد فیه من حرف لین للرّدف، نحو:
و ما كلّ ذی لبّ بمؤتیك نصحه‌فما كلّ مؤت نصحه بلبیب فالیاء التی بین الیاءین ردف.
و إن شئت أخفیت فی «ثوب بكر» و كان بزنته متحركا.
و إن أسكنت جاز؛ لأن فیهما مدا و لینا، و إن لم یبلغا الألف.
كما قالوا ذلك فی غیر المنفصل نحو قولهم (أصیم) فیاء التحقیر لا تحرك؛ لأنها نظیرة الألف فی «مفاعل» و «مفاعیل»؛ لأن التحقیر علیهما یجری إذا جاوز الثلاثة، فلما كانوا یصلون إلی إسكان الحرفین فی الوقف من سواهما، احتمل هذا فی الكلام؛ لما فیهما مما ذكرت لك.
و تقول: هذا دلو واقد، و ظبی یاسر، فتجری الواوین و الیاءین هاهنا مجری المیمین فی قولك: اسم موسی، فلا تدغم.
و إذا قلت: مررت بولی یزید و عدو ولید، فإن شئت أخفیت و إن شئت بینت، و لا تسكن؛ لأنك حیث أدغمت الواو فی «عدو» و الیاء فی «ولی» فرفعت لسانك رفعة واحدة ذهب المد، و صارتا بمنزلة ما یدغم من غیر المعتل. فالواو الأولی فی «عدو) 9 بمنزلة اللام فی «دلو»، و الیاء الأولی «فی ولی» بمنزلة الیاء فی «ظبی». و الدلیل علی ذلك أنه یجوز فی القوافی لیّا مع قولك: ظبییا، و «دوا» مع قولك: غزوا.
ینظر: الكتاب (4/ 437- 442).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 236
التأنیث فی نحو: قامت هند، فلو أدغمت لذهبت قوتها بالإسكان، و استتر وجودها بالإدغام؛ فكان ذلك توهینا لها و تسویة بینها و بین حرف التأنیث «1» فی نحو: كانَتْ تَأْتِیهِمْ [غافر: 22] و قد عزموا علی التفرقة بینهما حیث أسكنوا حرف التأنیث و حركوا الضمیر فكان من تمام هذا الاحترام إبقاء حركتها عند لقیها مثلها.
فإن قیل: هذا بیّن فی قوله تعالی: وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا [العنكبوت: 48] و نحوه مما الضمیر فیه التاء وحدها.
فأما إذا كان الضمیر أكثر من حرف واحد نحو أَنْتَ تَحْكُمُ [الزمر: 46] فإن الضمیر هنا الهمزة و النون، و إنما التاء علامة تدل علی أن الضمیر لمفرد مذكر إذا فتحت التاء كما یدل علی أن الضمیر المؤنث إذا كسرت، و كما یدل فی «أنتما» علی أنه ضمیر اثنین و فی «أنتم» و «أنتن» علی الجمع؛ فلم امتنع الإدغام فی «أنت» و التاء حرف «2».
فالجواب: أنهم أجروا هذه التاء و إن كانت حرفا مجری التاء التی هی ضمیر؛ إذ لا یتبین معنی الضمیر إلا بهذه التاء مع حركتها أ لا تری أنك لو قلت مخاطبا أنت و وقفت بالسكون لم یعلم السامع أنك قصدت مذكرا أو مؤنثا: فصارت التاء فی «أنت»، بمنزلة التاء فی «فعلت» و مع هذا فإن قبل هذه التاء نونا ساكنة، فلو أدغمتها
______________________________
(1) أی: التاء التی تلحق الفعل؛ دلالة علی تأنیث فاعله، لزوما فی مواضع، و جوازا فی مواضع، علی تفصیل مذكور فی كتب النحو. و لا تلحق إلا الماضی، و تتصل به متصرفا، و غیر متصرف، ما لم یلزم تذكیر فاعله، ك (أفعل) فی التعجب، و (خلا، و عدا، و حاشا) فی الاستثناء، و حكم هذه التاء السكون؛ و لذلك لما عرض تحریكها، فی نحو: رمتا، لأجل الضمیر، لم ترد الألف التی هی بدل اللام، إلا فی لغة ردیئة، یقول أهلها: رماتا.
قال المرادی: قال بعض النحویین: و قد لحقت تاء التأنیث ثلاثة أحرف، و هی: (ربت، و ثمت، و لات) و قال المرادی: و لها رابع، و هو (لعلت).
ینظر الجنی الدانی (57- 58).
(2) اعلم أن فی هذا خلافا بین اللغویین: حیث ذهب البعض إلی هذا الذی ذكره المصنف من أن التاء اللاحقة للضمیر المرفوع المنفصل، نحو: أنت و أنت هی حرف خطاب و (أن) هو الضمیر. هذا مذهب الجمهور، و علی هذا لو سمیت ب (أنت) حكیته؛ لأنه مركب من حرف و اسم.
و ذهب الفراء إلی أن المجموع هو الضمیر.
و ذهب ابن كیسان إلی أن التاء هی الاسم، و هی التی فی (فعلت) لكنها كثرت ب (أن).
و الله أعلم.
ینظر: الجنی الدانی (58).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 237
للزم فیها ما لزم فی إدغام فَلا یَحْزُنْكَ كُفْرُهُ كما تقدم.
و اعلم أن فی قوله تعالی: كُنْتُ تُراباً [النبأ: 40] وَ ما كُنْتَ تَرْجُوا [القصص: 86] و نحوهما علة أخری سوی ما تقدم، و هو أن أصله «كونت» مثل «كرمت»، فنقلت ضمة العین إلی الفاء و حذفت العین، ثم إن النون ساكنة فكثر الإعلال، و فی كِدْتَ تَرْكَنُ [الإسراء: 74] من الإعلال مثل ما فی «كنت»؛ إذ أصلها «كیدت» «1» مثل ما علمت، و أیضا فإن التاء مشددة، فامتنع إدغامها لذلك أیضا.
و اعلم أن الذی فی القرآن من التاء التی لقیت مثلها من كلمتین، و الأولی ضمیر المتكلم موضع واحد و هو قوله تعالی: كُنْتُ تُراباً [النبأ: 40] فی النبأ لا غیر، و فیه من ضمیر المخاطب ثلاث عشرة تاء منها فی سورة یونس علیه السلام.
أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ [42]، أَ فَأَنْتَ تَهْدِی [43]، أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ [99].
و فی سورة هود علیه السلام ما كُنْتَ تَعْلَمُها [49].
و فی الإسراء كِدْتَ تَرْكَنُ [74].
و فی كهیعص إِنْ كُنْتَ تَقِیًّا [18].
و فی الفرقان أَ فَأَنْتَ تَكُونُ [43].
و فی القصص وَ ما كُنْتَ تَرْجُوا [86].
و فی العنكبوت وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا [48].
و فی الزمر أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ [19]، أَنْتَ تَحْكُمُ [46].
و فی الشوری ما كُنْتَ تَدْرِی [52].
و فی الزخرف أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ [40]، و الله تعالی أعلم.
______________________________
(1) قال ابن سیده: و حكی سیبویه أن ناسا من العرب یقولون: كید زید یفعل كذا، و قال أبو الخطاب: و ما زیل یفعل كذا، یریدون كاد و زال، فنقلوا الكسر إلی الكاف فی «فعل» كما نقلوا فی: فعلت، و قد روی بیت أبی خراش:
و كید ضباع القفّ یأكلن جثّتی‌و كید خراش یوم ذلك ییتم قال سیبویه: و قد قالوا: كدت تكاد، فاعتلت من: فعل یفعل؛ كما اعتلت «متّ تموت» عن «فعل یفعل»، و لم یجئ «تموت» علی ما كثر فی «فعل». قال: و قوله عز و جل: (أكاد أخفیها) قال الأخفش: معناه: أخفیها.
ینظر: لسان العرب: (5/ 3965).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 238

مطلب المعتل المختلف فی إدغامه‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «فإن كان معتلا نحو قوله- تعالی-: وَ مَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الْإِسْلامِ [آل عمران: 85] و یَخْلُ لَكُمْ [یوسف: 9] و وَ إِنْ یَكُ كاذِباً [غافر: 28] و شبهه، فأهل الأداء مختلفون فیه».
اعلم أنه یرید هنا بالمعتل أن الكلمة الأولی حذف من آخرها حرف، فصار الحرف الذی كان قبل المحذوف آخرا فی اللفظ، و لقی مثله من أول الكلمة الثانیة، فقوله- تعالی-: وَ مَنْ یَبْتَغِ كان أصله: «یبتغی» بیاء بعد الغین مثل «یرتضی» فحذفت الیاء للجزم، و كذلك یَخْلُ لَكُمْ أصله «یخلو» بواو بعد اللام مثل «یبدو» فحذفت الواو للجزم، و كذلك وَ إِنْ یَكُ كاذِباً أصله «یكون» فحذفت الواو و النون للجزم علی التدریج المذكور فی النحو «1».
ثم لقیت الغین من «یبتغ» و اللام من «یخل» و الكاف من «یك» أمثالها، فمن أخذ بالإظهار راعی أن هذا الالتقاء عارض فلم یعتد به، و رأی أن للمثلین فی هذه المواضع حكم المفصول بینهما بالحرف الأصلی الذی حذف للجزم مع ما فی الإدغام من الإجحاف بالكلمة؛ إذ قد ذهب منها حرف الجزم و یذهب الثانی بالإدغام.
و من أخذ بالإدغام راعی التقاء المثلین فی اللفظ و اعتد بالحذف و إن كان عارضا و راعی ثقل الكسرة فی «یبتغ» و الضمة فی «یخل» و «یك» ثم له أن یأخذ بالروم فیندفع به الإجحاف؛ إذ لا یكون الروم إلا مع ثبوت الحرف الأول، فترجع المسألة إلی إخفاء الحركة لا إلی الإدغام الصحیح، كما سیأتی بحول الله تبارك و تعالی.
______________________________
(1) قال الجوهری: لم «یك» أصله: یكون، فلما دخلت علیها «لم» جزمتها، فالتقی ساكنان؛ فحذفت الواو، فبقی: لم یكن، فلما كثر استعماله حذفوا النون تخفیفا، فإذا تحركت أثبتوها، قالوا: لم یكن الرجل، و أجاز یونس حذفها مع الحركة، و أنشد:
إذا لم تك الحاجات من همة الفتی‌فلیس بمغن عنك عقد الرتائم و مثله ما حكاه قطرب: أن یونس أجاز: لم یك الرجل منطلقا، و أنشد بیت الحسن ابن عرفطة:
لم یك الحق سوی أنه هاج‌رسم دار قد تعفّی بالسّرر و فیه یقول ابن منظور: إنما أراد: لم یكن الحق، فحذف النون لالتقاء الساكنین، و كان حكمه، إذا وقعت النون موقعا تحرك فیه فتقوی بالحركة، ألا یحذفها، لأنها بحركتها قد فارقت شبه حروف اللین، إذ كن لا یكن إلا سواكن. ینظر اللسان (5/ 3959).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 239
و ذكر الإمام الخلاف فی هذه الأحرف الثلاثة، و رجح الإظهار فی یَخْلُ لَكُمْ لسكون الخاء، و فی وَ إِنْ یَكُ كاذِباً لكثرة «1» الحذف؛ إذ قد حذفت منه الواو و النون، و الله جل جلاله أعلم.
فإن قیل: اشتمل هذا الكلام علی أن حذف أواخر هذه الكلم وجب للجزم، و هذا بین فی یَبْتَغِ و یَخْلُ لأن المحذوف منهما حرف علة خاصة، و أما «یكون» فما وجه حذف النون منه للجزم و هو حرف صحیح، و حكم الحرف الصحیح فی الجزم السكون دون الحذف؟
فالجواب أن العرب تستعمل فی جزم «یكون» وجهین فصیحین:
أحدهما: إسكان النون كسائر الأفعال التی أواخرها حروف صحاح، و علیه جاء قوله- تعالی-: وَ لَمْ یَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص: 4] وَ لَمْ یَكُنْ لَهُ شَرِیكٌ فِی الْمُلْكِ [الإسراء: 111] و نحوهما.
و الوجه الثانی: حذف النون للجزم؛ تشبیها لها بحروف العلة.
و ینبغی أن یعتقد فی هذا الحذف أنه علی التدریج الذی تقتضیه صنعة العربیة.
و بیانه: أنه لما دخل الجازم سكنت النون، فذهبت الواو؛ لئلا یلتقی ساكنان فصار «لم یكن»، ثم حذفت النون للشبه بحروف العلة كما تقدم.
و وجه الشبه: أن النون لها غنة، كما أن حروف العلة لها لین، و كلتا الصفتین زیادة فی الحرف، و أن مخرج النون قریب من مخرج الیاء و الواو؛ و لهذا كله جاز إدغام النون فی الیاء و الواو، و إبدال الألف منها فی الوقف «2»، و لم یفعل [ذلك] «3» فی غیرها من الحروف الصحاح، و علی هذا الحذف جاء قوله- تعالی-: وَ إِنْ یَكُ كاذِباً فَعَلَیْهِ كَذِبُهُ وَ إِنْ یَكُ صادِقاً یُصِبْكُمْ [غافر: 28] و قوله- تعالی-:
قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّینَ وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِینَ [المدثر: 43- 44] و قوله- عز و جل:
وَ لَمْ أَكُ بَغِیًّا [مریم: 20] و قوله- جل و علا-: وَ لا تَكُ فِی ضَیْقٍ مِمَّا یَمْكُرُونَ [النحل: 137] و هذا فی القرآن كثیر، و إنما جاز هذا فی مضارع «كان»؛ لكثرة استعمالها إذ هی أم الأفعال كلها؛ بدلیل جواز الجواب بها عن كل فعل تسأل
______________________________
(1) فی أ: بكثرة.
(2) فی أ: الوقت.
(3) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 240
عنه، فیقال: هل قام زید؟ فتقول: كان ذلك، ترید: حصل القیام، أو تقول: لم یكن ذلك، ترید: لم یقم، و إنما صح هذا فی «كان»؛ لأنها عبارة عن أصل الوجود؛ لأن الكون هو الوجود و لهذا لو أجیب «1» بغیرها من الأفعال- و إن كان یشبهها فی اللفظ- لم یجز؛ نحو: صان، و هان، و خان، و لا یقال فی مضارع هذه الأفعال: لم یص، و لا: لم یه، و لا: لم یخ، بل لا بد من إثبات النون فیها؛ إذ لم یكثر استعمالها؛ لكونها لیست مثل «كان» فی أنها أم الأفعال، و عبارة عن أصل الوجود، و الله عز و جل أعلم.
و قول الحافظ- رحمه الله-: «و شبهه» بإثر قوله: وَ إِنْ یَكُ كاذِباً یقتضی أن فی القرآن من هذا المعتل المختلف فیه زیادة علی هذه المواضع الثلاثة التی «2» ذكرها، التقت فیه المثلان، و لیس كذلك.
فأما قوله- تعالی-: وَ یا قَوْمِ مَنْ یَنْصُرُنِی فی سورة هود- علیه السلام- [30] و وَ یا قَوْمِ ما لِی فی غافر [الآیة: 41] فقد نص علی أنه لا خلاف فی إدغامها؛ فعلی هذا یبقی قوله: «و شبهه» لا یحرز شیئا.
و اعلم أن الحافظ- رحمه الله- قلما یترك هذه العبارة فی أكثر المسائل، أن یقول بعد ذكر المثال: «و ما أشبه ذلك» أو «و شبهه»، سواء كان لما ذكر من الأمثلة نظیر أو لم یكن. و مقصوده بذلك الإشعار بإطلاق القیاس فیما ذكر، و فی نظائره إن وجدت له نظائر، و قد وجدت فی بعض تآلیفه «3» هذه العبارة، یقول: «أو نحوها» أو «ما أشبهه إن وجد» و لكن هذه العبارة تحدث علی الطالب حیرة، إذا لم یكن قوی الذكر لألفاظ القرآن، فقد یطلب نظیرا لما ذكر الحافظ إذا وجده یقول: «و ما أشبهه» فلا یجده فیرمی نفسه بالتقصیر؛ فلهذا مهما أجد عبارة الحافظ فی مثل هذا، و أعرف أنه لیس لما ذكر نظیر أنبه علیه [إن] «4» ألهمنی الله- تعالی- لأزیل تحیر الطالب، و قد أبدیت عذر الحافظ، و مقصوده فی ذلك- رحمه الله و رضی عنه- و الله- جل و علا- أعلم.
______________________________
(1) فی ب: أجبت.
(2) فی ب: الذی.
(3) فی أ: توالیفه.
(4) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 241
قال الحافظ- رحمه الله-: «و لا أعلم خلافا فی الإدغام فی قوله: وَ یا قَوْمِ مَنْ و وَ یا قَوْمِ ما لِی و هو من المعتل.
یرید أن الأصل «قومی» «1» بیاء بعد المیم، و تلك الیاء هی ضمیر المتكلم، اتصلت بالمنادی لأجل الإضافة، ثم حذفت و اجتزئ عنها بالكسرة؛ فأشبه هذا الحذف الحذف فیما تقدم فسماه معتلّا لذلك.
و اعلم أنه یمكن أن یكون الحافظ أورد هذا الفصل إعلاما بنفی الخلاف خاصة، و هو الظاهر، و یمكن أن [یكون] قصد به معارضة ابن مجاهد و أصحابه حیث أظهروا هناك و أدغموا هنا مع أن الكل معتل، فإن كان أراد هذا- فلابن مجاهد أن یفرق بین الموضعین بأن المحذوف هناك أصلی فی الكلمة؛ لأنه لام الفعل، و المحذوف هنا غیر أصلی؛ لأنه ضمیر المتكلم أضیف إلیه المنادی، و لا شك أن المضاف غیر المضاف إلیه؛ فاتصاله عارض فقوی الاعتداد بحذفه، هذا مع أنهم جعلوا الكسرة كأنها عوض من المحذوف.
فإذا تقرر هذا- فإن قرئ بالإدغام الخالص لم یلزم النقض؛ لحصول الفرق بین
______________________________
(1) و بیان ذلك- كما یقول سیبویه فی الكتاب-:
أن یاء الإضافة لا تثبت مع النداء، كما لم یثبت التنوین فی المفرد؛ لأن یاء الإضافة فی الاسم بمنزلة التنوین؛ لأنها بدل من التنوین، و لأنه لا یكون كلاما حتی یكون فی الاسم، كما أن التنوین إذا لم یكن فیه لا یكون كلاما، فحذف و ترك آخر الاسم جرا لیفصل بین الإضافة و غیرها، و صار حذفها هنا لكثرة النداء فی كلامهم، حیث استغنوا بالكسرة عن الیاء. و لم یكونوا لیثبتوا حذفها إلا فی النداء، و لم یكن لبس فی كلامهم لحذفها و كانت الیاء حقیقة بذلك لما ذكرت لك؛ إذ حذفوا ما هو أقل اعتلالا فی النداء، و ذلك قولك:
یا قوم لا بأس علیكم، و قال الله جل ثناؤه: یا عِبادِ فَاتَّقُونِ [].
و بعض العرب یقول: یا رب اغفر لی، و یا قوم لا تفعلوا. و ثبات الیاء فیما زعم یونس فی الأسماء.
و اعلم أن بقیان الیاء لغة فی النداء فی الوقف و الوصل، تقول: یا غلامی أقبل. و كذلك إذا وقفوا.
و كان أبو عمرو یقول: (یا عبادی فاتقون)، و قال الراجز- و هو عبد الله بن عبد الأعلی القرشی:
و كنت إذ كنت إلهی وحدكالم یك شی‌ء یا إلهی قبلكا و قد یبدلون مكان الیاء الألف؛ لأنها أخف، و ذلك قولك: یا ربا تجاوز عنا، و یا غلاما لا تفعل. فإذا وقفت قلت: یا غلاماه. و إنما ألحقت الهاء لیكون أوضح للألف؛ لأنها خفیة. و علی هذا النحو یجوز: یا أباه، و یا أماه.
ینظر: الكتاب (2/ 209- 210).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 242
الحذفین كما تقدم، و إن قرئ بالروم، فالأمر سهل؛ فإن الحركة التی أقیمت مقام المحذوف لم تذهب رأسا، و لكن ضعف الصوت بها، كما یأتی فی حقیقة معنی الروم بحول الله- عز و جل- و قوته.
و مذهب الإمام فی هذین الحرفین الإدغام كمذهب الحافظ، و الله- تبارك و تعالی- أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله-: «فأما آلَ لُوطٍ حیث وقع ...» إلی آخره.
اعلم أن هذا اللفظ ورد فی القرآن فی أربعة مواضع: منها موضعان فی الحجر [59، 61]، و ثالث فی النمل [56]، و رابع فی القمر [34].
و ذكر الحافظ هنا إظهاره عن عامة البغدادیین و عن ابن مجاهد، و قال فی «المفصح»: «و لا أعلمه جاء من طریق الیزیدی، و إنما رواه معاذ بن معاذ العنبری» «1».
______________________________
(1) معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان بن الحر بن مالك بن الخشخاش، التمیمی القاضی، الإمام الحافظ، أبو المثنی العنبری البصری.
حدث عن: سلیمان التیمی، و أشعث بن عبد الملك، و عوف الأعرابی، و محمد ابن عمرو، و أبی كعب صاحب الحریر.
و عنه: أحمد، و إسحاق، و یحیی، و علی، و بندار، و محمد بن مثنی، و إسحاق ابن موسی الخطمی، و أبو بكر بن أبی شیبة، و محمد بن حاتم السمین، و عبد الوهاب ابن الحكم الوراق، و أبو خیثمة، و عمرو الفلاس، و محمد بن یحیی بن سعید القطان، و أحمد بن سنان القطان، و عبد الله بن هاشم الطوسی، و ابناه المثنی و عبید الله، و سعدان بن نصر، و خلق كثیر.
و قد روی أیضا عنه عبد الرحمن بن أبی الزناد، و هو أكبر منه. قال أحمد بن حنبل: معاذ ابن معاذ إلیه المنتهی فی التثبت بالبصرة، و قال: هو قرة عین فی الحدیث، و قال النسائی:
معاذ ثقة ثبت.
قال الفلاس: سمعت یحیی القطان یقول: ولدت سنة عشرین و مائة فی أولها، و ولد معاذ بن معاذ فی سنة تسع عشرة و مائة فی آخرها، كان أكبر منی بشهرین. و توفی بالبصرة فی ربیع الآخر سنة ست و تسعین و مائة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (9/ 54- 57)، و تاریخ ابن معین (572)، و طبقات ابن سعد (7/ 293)، و طبقات خلیفة ت (1917)، و تاریخ خلیفة (466)، و التاریخ الكبیر (7/ 365)، و التاریخ الصغیر (2/ 278)، و المعارف (512)، و الجرح و التعدیل (8/ 248)، و مشاهیر علماء الأمصار ت (1270)، و تاریخ بغداد (13/ 131)، و العبر (1/ 320)، و تذكرة الحفاظ (1/ 324)، و الكاشف (3/ 154)، و دول الإسلام (1/ 124)، و تهذیب التهذیب (10/ 194)، و طبقات الحفاظ (136).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 243
ثم قال هنا: «و كان غیره یأخذ بالإدغام و به قرأت».
و ذكر فی «المفصح»: أن عصمة بن عروة الفقیمی «1» روی إدغامه عن أبی عمرو، و أنه اختیار ابن شاذان و عامة أهل الأداء من أصحاب عبد الرحمن و أبی شعیب و ابن سعدان «2» عن الیزیدی.
و ذكر الإمام الخلاف، و قال: «و الإظهار أكثر».
و ذكر الحافظ هنا ترجیح ابن مجاهد الإظهار بقلة حروف «آل»، ثم نقض علیه بإجماعهم علی إدغام لَكَ كَیْداً [یوسف: 5] إذ هو أقل حروفا منه، ثم وجه الإظهار بوجه آخر و هو اعتلال عین الكلمة، و هذا التوجیه فی تصریف «آل» هو قول أكثر النحویین.
______________________________
(1) عصمة بن عروة، أبو نجیح الفقیمی البصری، روی القراءة عن أبی عمرو بن العلاء و عاصم ابن أبی النجود، و روی أیضا حروفا عن أبی بكر بن عیاش و الأعمش و معرور بن موسی، و روی عنه الحروف: یعقوب بن إسحاق الحضرمی و العباس بن الفضل و محمد بن یحیی القطعی و إسماعیل بن عمارة، و هو المنفرد عن أبی بكر بروایة «مستطر» بتشدید الراء، لم یروه غیره، سئل عنه أبو حاتم فقال: مجهول.
ینظر: غایة النهایة (1/ 512) (2119).
(2) محمد بن سعدان، أبو جعفر الضریر الكوفی النحوی إمام كامل، مؤلف الجامع و المجرد و غیرهما، و له اختیار لم یخالف فیه المشهور، ثقة عدل، قال أبو عبد الله الحافظ: صنف فی العربیة و القراءات، وثقه الخطیب و غیره، أخذ القراءة عرضا عن- المستنیر، جامع البیان- سلیم عن حمزة و عن- المستنیر، جامع البیان، الكفایة الكبری- یحیی بن المبارك الیزیدی و عن- المستنیر، جامع البیان، الكفایة الكبری، الكامل- إسحاق بن محمد المسیبی، و روی الحروف سماعا عن عبید بن عقیل عن شبل و عن- جامع البیان- محمد بن المنذر عن یحیی بن آدم و عن معلی بن منصور عن أبی بكر، قال الدانی: و كان ربما دلس باسم الكسائی فقال: حدثنا أبو هارون الكوفی، روی القراءة عنه عرضا و سماعا- المستنیر، جامع البیان، الكامل- محمد بن أحمد بن واصل، كذا قالوا و إنما هو أحمد بن محمد ابن واصل، و هو أجل أصحابه و أثبتهم فیه، و- المستنیر، جامع البیان، الكامل- جعفر ابن محمد الأدمی و عبد الله بن محمد بن هاشم الزعفرانی و- المستنیر، الكفایة الكبری- محمد بن جعفر بن الهیثم و- الكامل- سعید بن عمران بن موسی و سلیمان بن یحیی الضبی و- جامع البیان- محمد بن یحیی المروزی و- جامع البیان- عبید بن محمد المكتب و المستنیر- أبو عمرو الضریر، و حدث عنه عبد الله بن أحمد بن حنبل، مات یوم الأحد من سنة إحدی و ثلاثین و مائتین.
ینظر: غایة النهایة (2/ 143) (3019).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 244
قالوا: «أصل هذه الكلمة «أهل»، و عینها هاء؛ بدلیل قولك فی التصغیر:
«أهیل»، و فی الفعل «تأهلت»؛ فأبدلت الهاء همزة لقرب المخرج أو لاتحاده فصار:
«أأل»، فالتقی فی الكلمة همزتان الأولی متحركة و الثانیة ساكنة، فأبدلت الثانیة حرفا من جنس ما قبلها، كما هو القیاس فی «آمن» و نحوه، فصار: «آل».
و ذهب الكسائی إلی أن أصله: «أول»، من قولك: «آل یئول»، إذا رجع، فتحركت الواو بعد فتحة فانقلبت ألفا علی قیاس «باب» و «دار».
و حكی فی التصغیر: «أویل»، حكاه [عنه] «1» ابن السید فی «الاقتضاب»، و علی تقدیر ذلك لا یكون «تأهلت» و لا «أهیل» من «آل» فی اللفظ و لا فی المعنی «2»، و الله- جل و علا- أعلم.
______________________________
(1) سقط فی أ.
(2) و یقول ابن منظور فی بیان أصل كلمة «آل»: أصلها «أهل»، ثم أبدلت الهاء همزة فصارت فی التقدیر: أأل، فلما توالت الهمزتان أبدلوا الثانیة ألفا، كما قالوا: آدم و آخر، و فی الفعل:
آمن و آزر.
فإن قیل: و لم زعمت أنهم قلبوا الهاء همزة ثم قلبوها فیما بعد، و ما أنكرت من أن یكون قلبوا الهاء ألفا فی أول الحال؟
فالجواب: أن الهاء لم تقلب ألفا فی غیر هذا الموضع فیقاس هذا علیه؛ فعلی هذا أبدلت الهاء همزة، ثم أبدلت الهمزة ألفا.
و أیضا: فإن الألف لو كانت منقلبة عن غیر الهمزة المنقلبة عن الهاء- كما قدمناه- لجاز أن یستعمل «آل» فی كل موضع یستعمل فیه «أهل»، و لو كانت ألف «آل» بدلا من «أهل»، لقیل: انصرف إلی «آلك»، كما یقال: انصرف إلی أهلك، و آلك و اللیل، كما یقال: أهلك و اللیل، فلما كانوا یخصون ب «الآل»: الأشرف الأخص دون الشائع الأعم حتی لا یقال إلا فی نحو قولهم: القراء آل الله، و قولهم: اللهم صلّ علی محمد و علی آل محمد، وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، و كذلك ما أنشده أبو العباس للفرزدق:
نجوت و لم یمنن علیك طلاقةسوی ربّة التقریب من آل أعوجا لأن أعوج فیهم فرس مشهور عند العرب؛ فلذلك قال: (آل أعوجا) كما یقال: أهل الإسكاف- دل علی أن الألف لیست فیه بدلا من الأصل، و إنما هی بدل من بدل الأصل فجرت فی ذلك مجری التاء فی القسم؛ لأنها بدل من الواو فیه، و الواو فیه بدل من الباء، فلما كانت التاء فیه بدلا من بدل و كانت فرع الفرع اختصت بأشرف الأسماء و أشهرها، و هو اسم الله؛ فلذلك لم یقل: تزید، و لا: تالبیت، كما لم یقل: آل الإسكاف، و لا: آل الخیاط.
فإن قلت: فقد قال بشر:
لعمرك: ما یطلبن من آل نعمةو لكنما یطلبن قیسا و یشكرا فقد أضافه إلی «نعمة» و هی نكرة غیر مخصوصة و لا مشرفة.-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 245
______________________________
- فإن هذا بیت شاذ، قال ابن سیده: هذا كله قول ابن جنی، قال: و الذی العمل علیه ما قدمناه و هو رأی الأخفش.
قال: فإن قال: أ لست تزعم أن الواو فی «و الله» بدل من الباء فی «بالله»، و أنت لو أضمرت لم تقل: و ه، كما تقول به لأفعلن، فقد تجد أیضا بعض البدل لا یقع موقع المبدل منه فی كل موضع، فما ننكر أیضا أن تكون الألف فی «آل» بدلا من الهاء و إن كان لا یقع جمیع مواقع «أهل»؟
فالجواب: أن الفرق بینهما أن الواو لم یمتنع من وقوعها فی جمیع مواقع الباء من حیث امتنع من وقوع «آل» فی جمیع مواقع «أهل»؛ و ذلك أن الإضمار یرد الأسماء إلی أصولها فی كثیر من المواضع؛ أ لا تری أن من قال: أعطیتكم درهما، قد حذف الواو التی كانت بعد المیم و أسكن المیم، فإنه إذا أضمر للدرهم قال: أعطیتكموه، فرد الواو لأجل اتصال الكلمة بالمضمر؟! فأما ما حكاه یونس من قول بعضهم: أعطیتكمه، فشاذ لا یقاس علیه عند عامة أصحابنا؛ فلذلك جاز أن تقول: بهم لأقعدن و بك لأنطلقن، و لم یجز أن تقول: «وك» و لا «وه»، بل كان هذا فی الواو أحری؛ لأنها حرف منفرد فضعفت عن القوة و عن تصرف الباء التی هی أصل، أنشدنا أبو علی قال: أنشدنا أبو زید:
رأی برقا فأوضع فوق بكرفلا بك ما أسال و لا أغاما قال: و أنشدنا أیضا عنه:
ألا نادت أمامة باحتمال‌لیحزننی فلا بك ما أبالی قال: و أنت ممتنع من استعمال «الآل» فی غیر الأشهر الأخص، و سواء فی ذلك أضفته إلی مظهر أو أضفته إلی مضمر.
قال ابن سیده: فإن قیل: أ لست تزعم أن التاء فی «تولج» بدل من واو، و أن أصله:
و ولج؛ لأنه «فوعل» من الولوج، ثم إنك مع ذلك قد تجدهم أبدلوا الدال من هذه التاء فقالوا: دولج، و أنت مع ذلك قد تقول: دولج، فی جمیع هذه المواضع التی تقول فیها: تولج، و إن كانت الدال مع ذلك بدلا من التاء التی هی بدل من الواو؟
فالجواب عن ذلك: أن هذه مغالطة من السائل؛ و ذلك أنه إنما كان یطرد هذا له لو كانوا یقولون: و ولج و دولج، و یستعملون «دولجا» فی جمیع أماكن «و ولج»، فهذا لو كان كذا لكان له به تعلق، و كانت تحتسب زیادة، فأما و هم لا یقولون و ولج، البتة؛ كراهیة اجتماع الواوین فی أول الكلمة، و إنما قالوا: تولج، ثم أبدلوا الدال من التاء المبدلة من الواو فقالوا: دولج، فإنما استعملوا الدال مكان التاء التی هی فی المرتبة قبلها تلیها، و لم یستعملوا الدال موضع الواو التی هی الأصل؛ فصار إبدال الدال من التاء فی هذا الموضع كإبدال الهمزة من الواو فی نحو: أقتت، و أجوه؛ لقربها منها، و لأنه لا منزلة بینهما واسطة، و كذلك لو عارض معارض ب «هنیهة» تصغیر «هنة» فقال: أ لست تزعم أن أصلها: هنیوة، ثم صارت: هنیّة، ثم صارت هنیهة، و أنت قد تقول: هنیهة، فی كل موضع قد تقول فیه هنیة؟
كان الجواب واحدا كالذی قبله؛ أ لا تری أن «هینوة» الذی هو أصل لا ینطق به و لا یستعمل البتة، فجری ذلك مجری «و ولج» فی رفضه و ترك استعماله؟! فهذا كله یؤكد-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 246
قال الحافظ- رحمه الله-: «و اختلف أهل الأداء أیضا فی الواو من «هو» إذا انضمت الهاء قبلها ...» إلی آخر كلامه.
قد تقدم فی حرف «1» الواو أن جملة ما فی القرآن من الواو التی قبلها ضمة، و لقیت مثلها ثلاثة عشر موضعا، أولها فی البقرة جاوَزَهُ هُوَ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ [الآیة: 249] و آخرها فی المدثر إِلَّا هُوَ وَ ما هِیَ إِلَّا [المدثر: 31] فذكر عن بن مجاهد و أصحابه أنهم لا یرون الإدغام؛ لأن الواو إذا سكنت بعد ضمة صارت حرف مد فأشبهت «2» واو آمَنُوا و نحوه، و أنه لا خلاف أن واو آمَنُوا لا تدغم.
و حكی عن ابن شنبود «3» و أصحاب أبی عبد الرحمن، و ابن سعدان و أبی شعیب
______________________________
- عندك أن امتناعه من استعمال «آل» فی جمیع مواقع «أهل» إنما هو لأن فیه بدلا من بدل، كما كانت التاء فی القسم بدلا من بدل.
ینظر: لسان العرب (1/ 164- 165).
(1) فی ب: حذف.
(2) فی ب: و أشبهت.
(3) شیخ المقرئین، أبو الحسن، محمد بن أحمد بن أیوب بن الصلت بن شنبوذ، المقرئ، أكثر الترحال فی الطلب.
و تلا علی: هارون بن موسی الأخفش، و قنبل المكی، و إسحاق الخزاعی، و إدریس الحداد، و الحسن بن العباس الرازی، و إسماعیل النحاس، و محمد بن شاذان الجوهری، و عدد كثیر.
و سمع الحدیث من: عبد الرحمن كربزان، و محمد بن الحسین الحنینی، و إسحاق ابن إبراهیم الدبری، و طائفة.
و كان إماما صدوقا أمینا متصونا، كبیر القدر.
تلا علیه: أحمد بن نصر الشذائی، و أبو الفرج الشنبوذی تلمیذه، و أبو أحمد السامری، و المعافی الجریری، و ابن فورك القباب، و إدریس بن علی المؤدب، و أبو العباس المطوعی، و غزوان بن القاسم، و خلق.
و حدث عنه: أبو طاهر بن أبی هاشم، و أبو الشیخ، و أبو بكر بن شاذان، و اعتمده أبو عمرو الدانی، و الكبار؛ وثوقا بنقله و إتقانه، لكنه كان به رأی فی القراءة بالشواذ التی تخالف رسم الإمام، فنقموا علیه لذلك. و بالغوا و عزروه. و المسألة مختلف فیها فی الجملة. و ما عارضوه أصلا فیما أقرأ به لیعقوب، و لا لأبی جعفر، بل فیما خرج عن المصحف العثمانی.
قال أبو شامة: كان الرفق بابن شنبوذ أولی، و كان اعتقاله و إغلاظ القول له كافیا.
و لیس- كان- بمصیب فیما ذهب إلیه، لكن أخطاؤه فی واقعة لا تسقط حقه من حرمة أهل القرآن و العلم.
مات فی صفر سنة ثمان و عشرین و ثلاثمائة، و هو فی عشر الثمانین أو جاوزه.-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 247
أنهم یرون الإدغام؛ قیاسا علی الیاء المكسور ما قبلها، نحو: یَأْتِیَ یَوْمٌ [البقرة: 254]؛ إذ لا فرق بین البابین.
و قد تقدم أن أصل الیاء فی یَأْتِیَ یَوْمٌ التحریك، و أن السكون عارض لأجل الإدغام؛ فكذلك الواو هنا، بخلاف واو آمَنُوا؛ فإن سكونه أصل كسكون یاء الَّذِی یَدُعُّ الْیَتِیمَ [الماعون: 2] قال: علی بن محمد بن سعدان، و محمد ابن عمر الرومی، و أبو عبد الرحمن، و ابن جبر «1»، رووا عن الیزیدی عن أبی عمرو
______________________________
- ینظر: سیر أعلام النبلاء (15/ 264- 266)، و الفهرست (47- 48)، و تاریخ بغداد (1/ 280- 281)، و وفیات الأعیان (4/ 299- 301)، و العبر (2/ 195- 196)، و الوافی بالوفیات (2/ 37- 38)، و مرآة الجنان (2/ 286- 290)، و البدایة و النهایة (11/ 194- 195)، و غایة النهایة (2/ 52- 56)، و النجوم الزاهرة (2/ 267)، و شذرات الذهب (2/ 313- 314).
(1) هو مجاهد بن جبر، الإمام، شیخ القراء و المفسرین، أبو الحجاج المكی، الأسود، مولی السائب بن أبی السائب المخزومی، و یقال: مولی عبد الله بن السائب القارئ، و یقال:
مولی قیس بن الحارث المخزومی.
روی عن ابن عباس، فأكثر و أطاب، و عنه أخذ القرآن، و التفسیر، و الفقه، و عن أبی هریرة، و عائشة، و سعد بن أبی وقاص، و عبد الله بن عمرو، و ابن عمر و خلق.
و تلا علیه جماعة: منهم ابن كثیر الداری، و أبو عمرو بن العلاء، و ابن محیصن.
و حدث عنه: عكرمة، و طاوس، و عطاء، و هم من أقرانه، و خلق.
قال سفیان الثوری: خذوا التفسیر من أربعة: مجاهد، و سعید بن جبیر، و عكرمة، و الضحاك.
و قال خصیف: كان مجاهد أعلمهم بالتفسیر. و قال قتادة: أعلم من بقی بالتفسیر مجاهد.
و قال أبو نعیم: مات مجاهد و هو ساجد سنة اثنتین و مائة، و كذا أرخه الهیثم بن عدی، و المدائنی، و جماعة.
و قال حماد الخیاط، و أبو عبید، و جماعة: مات سنة ثلاثة و مائة، و قال ابن المدینی و غیره: سنة أربع و مائة، و جاء عن ابن المدینی: سنة ثمان و مائة، رواه عنه ابنه عبد الله، و عنه سنة سبع و مائة.
و روی محمد بن عمر الواقدی، عن ابن جریج، قال: بلغ مجاهد ثلاثا و ثمانین سنة، و قال یحیی القطان و غیره: مات سنة أربع و مائة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (4/ 449- 457)، و طبقات ابن سعد (5/ 466)، طبقات خلیفة ت (2535)، و تاریخ البخاری (7/ 411)، و المعارف (444)، و المعرفة و التاریخ (1/ 711)، و الحلیة (3/ 279)، و طبقات الفقهاء للشیرازی (69)، و تاریخ الإسلام (4/ 190)، و تذكرة الحفاظ (1/ 86)، و العبر (1/ 125)، و البدایة و النهایة (9/ 224)، و العقد الثمین (7/ 132)، و غایة النهایة ت (2659)، و تهذیب التهذیب (10/ 42)،-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 248
الإدغام فی ذلك نصّا، قال: «و به قرأت و به آخذ».
هذا كله كلامه فی «المفصح» و هو موافق لما ذكر فی «التیسیر».
و ذكر الإمام الخلاف عند ذكر الحرف الذی فی البقرة، ثم قال: «و الإظهار أحسن و أكثر».
و قول الحافظ: «و لا فرق بین البابین» یرید باب الیاء المكسور ما قبلها، و باب الواو المضموم ما قبلها فی أن كل واحد منهما إذا سكن صار حرف مد، فكما وافق علی إدغام الیاء بعد الكسرة، فینبغی أن یوافق علی إدغام الواو بعد الضمة.
و قد یقع فی بعض النسخ: «و لا فرق بین الیاءین» تثنیة «یاء» التی باثنتین من أسفل، و هو تصحیف «1»، و الله- جل جلاله- أعلم.
______________________________
- و طبقات الحفاظ للسیوطی ص (35).
(1) التصحیف: هو تغییر اللفظ حتی یتغیر المعنی المراد، و أصله: الخطأ، یقال: صحفه فتصحف، أی: غیّره فتغیر حتی التبس.
و التصحیف فی الاصطلاح اختلف فیه علی قولین:
قیل هو: كل تغییر فی الكلمة، سواء بسبب اختلاف النقط أو الشكل أو بتبدیل حرف بحرف أو كلمة بكلمة، و هذا الذی جری علیه اصطلاح أغلب المحدثین قبل ابن حجر، منهم: الخطیب فی الكفایة، و الحاكم فی معرفة علوم الحدیث، و النووی فی التقریب، و ابن الصلاح و غیرهم. و هو بهذا المعنی قریب من التحریف، إلا أن التحریف أشمل؛ إذ یدخل فیه تغییر المعنی مع بقاء اللفظ علی حاله.
فیكون التصحیف هو التحریف فی نقط الكلمة أو شكلها أو حروفها. و ما سوی ذلك فهو التحریف فی المعنی.
أما ابن حجر و من تابعه فقد ذهبوا إلی أن التصحیف خاص بتبدیل الكلمة بكلمة أخری تشابهها فی الخط و تخالفها فی النقط، و هو اصطلاح العسكری فی كتابه (شرح التصحیف و التحریف)، و ذلك كتبدیل الغدر بالعذر، و الخطب بالحطب.
و إنما سمی هذا النوع من التحریف تصحیفا؛ لأن الآخذ عن الصحیفة قد لا یمكنه التفریق بین الكلمة المرادة و الكلمة التی تلتبس بها لمشابهتها فی الصورة، بخلاف الآخذ من أفواه أهل العلم. و كان هذا الالتباس كثیرا قبل اختراع النقط فی القرن الثانی الهجری، و قل بعده، إلا أنه لم ینعدم حتی عند من یلتزم به؛ لأن النقط قد تسقط، و قد تنتقل عن مكانها، فیحصل الالتباس.
ینظر: المصباح المنیر (صحف)، و تصحیفات المحدثین للعسكری (ص 40)، و لقط الدرر علی شرح نخبة الفكر (83)، و التقیید و الإیضاح (282)، و الكفایة فی أصول الروایة (146)، و ترتیب الراوی (384).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 249
و قد تقدم تعدید مواضع الیاء فی القرآن.
فأما الذی وقع منها بعد كسرة فلفظان:
أحدهما: یَأْتِیَ یَوْمٌ فی البقرة [الآیة: 254] و فی سورة إبراهیم- علیه السلام- [31] و الروم [43] و الشوری [47].
و الثانی: نُودِیَ یا مُوسی فی طه [الآیة: 11] لا غیر.
و اعلم أن هذه المعارضة التی أوردها الحافظ حسنة، و ینبغی أن یقال لابن مجاهد: إن العرب لا تدغم حرف المد الذی استقر بنفسه حرف مد، و استعمل فی الكلام كذلك كالواو فی قوله- تعالی-: اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ [آل عمران: 200]، و كذلك قوله- تعالی-: آمَنُوا وَ الَّذِینَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا [البقرة: 218]، و كالیاء فی قوله- تعالی-: الَّذِی یَدُعُ [الماعون: 2] و الَّذِی یُؤْمِنُ [الأعراف: 158] و الَّذِی یَراكَ [الشعراء: 218] و فِی یَوْمَیْنِ [البقرة: 203].
فأما ما نحن فیه فلیس كذلك؛ إذ لیست الواو فی «هو» و لا الیاء فی «نودی یا موسی» و نحوهما حرفی مد فی أنفسهما، و لا یستعملان مدّا إلا لعارض الوقف خاصة.
فقولنا فی الإدغام: إنهما أسكنا فصارا حرفی مد ثم أدغما، حكم تقدیری غیر منطوق به، و إنما ینطق بهما فی الكلام علی أحد وجهین: إما حرفین مفككین مما «1» بعدهما متحركین، و إما مدغمین فیما بعدهما.
فیكون الحاصل فی اللفظ إذ ذاك حرفا واحدا مشددا، و الله- تعالی- أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله-: «فإن سكنت الهاء ...» إلی آخره، ثم قال: «و ما كان مثله».
اعلم أنه لیس فی القرآن غیر هذه الألفاظ الأربعة، إلا أن قوله- تعالی-: وَ هُوَ وَلِیُّهُمْ وقع فی الأنعام [127]، و فی النحل [63]؛ فیبقی قوله: «و ما كان مثله» لا یحرز شیئا، و قد تقدم الاعتذار عنه، و الله- تعالی مجده- أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و أما «2» قوله- تعالی-: وَ اللَّائِی یَئِسْنَ فی الطلاق
______________________________
(1) فی ب: فما.
(2) فی ب: فأما.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 250
[الآیة: 4] ...» إلی آخره.
عزم الحافظ فی هذا الحرف علی منع الإدغام، و اعتل بأن أصله «الآئی» بیاء بعد الهمزة، كما فی قراءة الكوفیین، ثم حذفت الیاء تخفیفا، فبقیت الهمزة طرفا، كما فی قراءة قالون، ثم أسكنت الهمزة و أبدل منها یاء ساكنة علی غیر قیاس؛ إذ قیاسها أن تكون بین بین، فإذا ثبت هذا امتنع الإدغام؛ لوجهین:
أحدهما: كثرة التغییر و الإجحاف بالكلمة.
و الوجه الثانی: أن هذه الیاء لما كانت بدلا من الهمزة روعی أصلها فلم تدغم؛ إذ لا تدغم الهمزة فی غیرها.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و من قال: إن الهمزة حذفت، و إن الیاء باقیة من الأصل؛ فهو دعوی بلا دلیل».
و اعلم أن هذا الذی قاله الحافظ من منع الإدغام فی هذا الحرف قد نوزع فیه؛ لأنه قد حصل فی اللفظ التقاء المثلین، و الأول منهما ساكن فلزم الإدغام، و لا یحتج لترك الإدغام بعد النص علیه؛ إذ لا یحتاج إلی التنصیص علی ما جری علی مقتضی الأصول، و لا مدخل لهذه الكلمة فی الإدغام الكبیر؛ إذ الأول فی قراءة أبی عمرو «1» ساكن فی أخذه بالإدغام كما هو فی أخذه بالإظهار كقراءة البزی، و باب الإدغام الكبیر مخصوص بما الأول فیه متحرك فی قراءة الإظهار، فقد خرج هذا الحرف فی قراءته عن باب الإدغام الكبیر و لحق بباب وَ لا یَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [الحجرات: 12] و فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ [الأنبیاء: 15] و وَ مَنْ یُكْرِهْهُنَ [النور: 33] حیث الإدغام الصغیر و إِذْ ذَهَبَ [الأنبیاء: 87] مما التقی فیه المثلان و أولهما ساكن.
فأما ما ذكر الإمام فی آخر الزخرف من قوله- تعالی-: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ [الآیة: 89] فزائد علی مقتضی باب الإدغام الكبیر لأن الحاء ساكنة، و كان ینبغی للحافظ أن یبین كیف یصنع القارئ بهذا الحرف علی قراءة أبی عمرو و البزی، هل شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات 250 مطلب المعتل المختلف فی إدغامه ..... ص : 238
____________________________________________________________
(1) أبو عمرو یقول هنا: وَ اللَّائِی یَئِسْنَ بالإظهار، و قاعدته فی مثله الإدغام، إلا أن الیاء لما كانت عنده عارضة؛ لكونها بدلا من همزة فكأنه لم یجتمع مثلان، و أیضا فإن سكونها عارض فكأن یاء «اللائی» متحركة، و الحرف ما دام متحركا لا یدغم فی غیره.
ینظر: الدر المصون (6/ 330).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 251
یفصل بسكت خفیف، أو یشبع مد الصوت؟ أو كیف یكون وجه العمل مع ما فیه من التقاء الساكنین فی الوصل إذ قبل الیاء ألف؟ و قد ذكر أبو جعفر بن الباذش هذه المسألة فی صدر باب الإدغام فی «1» كتاب «الإقناع» و ذكر عن أبیه أنها مما یلزم فیه الإدغام، بخلاف قول الحافظ، و الله- عز و جل- أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله-: «ذكر الحرفین المتقاربین فی كلمة و فی كلمتین».
اعلم أنه لم یدغم أیضا من المتقاربین فی كلمة إلا القاف فی الكاف ... «2» إلی
______________________________
(1) فی أ: من.
(2) اعلم أن إدغام أحد المتقاربین فی الآخر إذا اجتمعا فی كلمة واحدة، إنما هو أمر شدید الندرة، و فی ذلك یقول ابن عصفور فی 15)./ 150- 152): فإذا اجتمع المتقاربان فی كلمة واحدة لم یجز إدغام أحدهما فی الآخر؛ لما فی ذلك من الالتباس بإدغام المثلین؛ أ لا تری أنك لو قلت فی: أنملة: أمّلة، لم یدر هل الأصل أنملة أو أمملة، إلا أن یكون المتقاربان الیاء و الواو، و قد سبقت إحداهما بالسكون؛ فإنك تدغم إحداهما فی الأخری، إلا أن الواو هی التی تقلب یاء تقدمت أو تأخرت، نحو: میّت، أصله: میوت، و شقی، أصله: شقیو، ما لم یمنع من ذلك مانع، أو یكون بناء الكلمة مبینا أن الإدغام لا یمكن أن یكون من قبیل إدغام المثلین، و ذلك نحو: «انفعل» من «المحو»، تقول فیه (امّحی)؛ لأنه قد علم أنه «انمحی» فی الأصل؛ إذ لیس فی كلامهم: افّعل، أو یكون أحد المتقاربین تاء «افّعل» أو «تفاعل» أو «تفعل»، و ذلك نحو: تطیر، و تدارأ، و اختصم.
فأما «تفعل» و «تفاعل» فتقلب فیهما التاء حرفا من جنس ما بعدها و تسكنه بسبب الإدغام، و تجتلب همزة الوصل؛ إذ لا یمكن الابتداء بساكن فتقول: اطّیر، و ادّارأ، و فی المضارع: یطیر، و یدارأ، و فی اسم الفاعل: مطّیر، و مدّارئ، و فی المصدر: اطیر، و ادارأ.
و أما «افتعل» فتقلب فیه التاء من جنس ما بعدها و تسكنها بنقل حركتها إلی ما قبلها، ثم تدغم فتقول: خصم، و إن شئت حذفت الحركة و لم تنقلها، ثم تكسر فاء «افتعل» لالتقاء الساكنین، فتقول: خصم، بكسر الخاء، و إن شئت كسرت عین «افتعل» اتباعا لفائها، فتقول: خصم، بكسر الخاء و الصاد. و تذهب ألف الوصل فی جمیع ذلك لتحرك الفاء، و تقول علی اللغة الأولی فی المضارع: یخصم، و فی اسم الفاعل: مخصم، بكسر الصاد فیهما، و فی اسم المصدر: مخصم، بفتح الخاء و الصاد.
و تقول علی اللغة الثانیة فی المضارع: یخصم، و فی اسم الفاعل: مخصم، بكسر الخاء و الصاد فیهما. و فی المصدر: مخصم، بكسر الخاء و فتح الصاد. و منهم من یكسر حرف المضارعة فی هذا الوجه اتباعا للخاء، و تضم الخاء فی اسم الفاعل، و اسم المصدر فتقول:
یخصم، و مخصم، و مخصم، و تفعل فی الفعل المضارع و اسم الفاعل علی اللغة الثالثة مثل ما فعلت فیهما علی اللغة الثانیة. و أما اسم المصدر فتقول فیه: مخصّم، و مخصّم، كما فعلت فی اسم الفاعل علی اللغة الثانیة، و اسم المفعول إن كان الفعل متعدیا بمنزلة المصدر فی جمیع ما ذكر، و المسموع فی مصدره «فعّل» خاصة تقول: خطّف خطّفا،-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 252
آخر كلامه، هذا هو القسم الثالث المتقدم الذكر.
ذكر الحافظ هنا إدغام القاف فی الكاف بشرطین:
أحدهما: تحریك ما قبل الكاف.
و الثانی: أن یقع [بعد] «1» الكاف میم الجمع.
و إنما شرط هذین الشرطین؛ لأن الكلمة تطول بالمیم و تثقل بالحركة؛ فیحسن التخفیف بالإدغام.
و اعلم أن الذی أوجب التقارب بین القاف و الكاف، اشتراكهما [فی] «2» الشدة، و اتصال مخرجیهما «3».

مطلب «خلقكم» و مثله‌

و اعلم أن جملة ما ورد فی القرآن من هذا النوع، تسع كلمات، تكرر بعضها فبلغت سبعة و ثلاثین موضعا:
إحداها «4» خَلَقَكُمْ فی البقرة [21]، و النساء [1]، و الأنعام [2]، و الأعراف [189]، و النحل [70]، و الشعراء [184].
و فی ثلاثة مواضع من الروم [20، 40، 54]، و فاطر [11]، و الصافات [96]،
______________________________
- و خصّم خصّما، و قرأ الحسن: (إلا من خطّف الخطفة) فزاد فی المصدر هاء، و القیاس یقتضی أن تقول فی المصدر: خصّاما، بكسر الخاء و فتح الصاد علی اللغة الأولی و الثانیة، و قیاسه علی اللغة الثالثة: خصم، بكسر الخاء و الصاد.
و ما عدا ما ذكر لا یجوز فیه إدغام المتقاربین، إلا ألفاظا شذت تحفظ و لا یقاس علیها، و هی: ستّ و ودّ، و عدّان، و الأصل: سدس، و وتد، و عتدان ینظر: 15)./ 150- 152).
(1) سقط فی ب.
(2) سقط فی ب.
(3) جاء فی لسان العرب: القاف و الكاف لهویتان، و قال أبو عبد الرحمن: تألیفهما معقوم فی بناء العربیة لقرب مخرجیهما، إلا أن تجی‌ء كلمة من كلام العجم معربة، و القاف أحد الحروف المجهورة، و مخرج الجیم و القاف و الكاف بین عكدة اللسان و بین اللهاة فی أقصی الفم، و القاف و الجیم كیف قلبتا لم یحسن تألیفهما إلا بفصل لازم، و قد جاءت كلمات معربات فی العربیة لیست منها، و العین و القاف لا تدخلان علی بناء إلا حسنتاه؛ لأنهما أطلق الحروف، أما العین فأنصع الحروف جرسا و ألذها سماعا، و أم القاف فأمتن الحروف و أصحها جرسا، فإذا كانتا أو إحداهما فی بناء حسن؛ لنصاعتهما، فإن كان البناء اسما لزمته السین و الدال مع لزوم العین و القاف.
ینظر: لسان العرب (5/ 3506).
(4) فی ب: أحدها.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 253
و الزمر [6]، و غافر [67]، و فصلت [21]، و التغابن [2]، و سورة نوح علیه السلام [14].
الثانیة رَزَقَكُمُ فی العقود [المائدة: 88]، و الأنعام [142]، و الأعراف [160]، و الأنفال [26].
و فی موضعین من النحل [72، 114]، و فی الروم [40]، و یس [47]، و غافر [64].
و الثالثة یَرْزُقُكُمْ فی سورة یونس علیه السلام [31]، و فی النمل [64]، و سبأ [24]، و فاطر [3]، و الملك [21].
و الرابعة سَبَقَكُمْ فی الأعراف [80]، و العنكبوت [28].
و الخامسة صَدَقَكُمُ فی آل عمران [152].
و السادسة واثَقَكُمْ فی العقود [المائدة: 7].
السابعة نَرْزُقُكُمْ فی الأنعام [151].
الثامنة فَیُغْرِقَكُمْ فی الإسراء [69].
التاسعة یَخْلُقُكُمْ الزمر [6].
و اعلم أن قولنا فی هذا: متقاربان فی كلمة، من باب المجاز كما تقدم فی قولنا:
مثلان فی كلمة.
وافق الإمام الحافظ علی الإدغام فی جمیع ما تقدم، و زاد أربعة مواضع مما قبل الكاف ساكن:
أحدهما بِوَرِقِكُمْ فی الكهف [19].
الثانی ما خَلْقُكُمْ فی لقمان [28].
الثالث وَ فِی خَلْقِكُمْ فی الجاثیة [4].
الرابع رِزْقُكُمْ فی الذاریات [22].
فذكر الإدغام فیها باختلاف، و إدغامها روایة أحمد بن موسی، و عباس ابن الفضل، و یسوغه فی بِوَرِقِكُمْ و فِی خَلْقِكُمْ صحة روح الحركة فی القاف، و فی الموضعین الباقیین جواز الروم و الإشمام، و الإظهار أحسن فی أربعتها من أجل الساكن قبل القاف.
و نص الحافظ علی أنه یظهر ما قبل القاف فیه ساكن، یقتضی الإظهار فی هذه
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 254
الأربعة التی زاد الإمام، و فی مِیثاقَكُمْ [البقرة: 63]، و بِخَلاقِكُمْ [التوبة: 69]، و أَوْ صَدِیقِكُمْ [النور: 61]، و فَوْقَكُمُ [البقرة: 63]، و كذلك إذا لم یكن بعد الكاف میم، و هو قوله تعالی: إِلی عُنُقِكَ فی الإسراء [29]، و خَلَقَكَ فی الكهف [37]، و الانفطار [7]. و نَرْزُقُكَ فی طه [132] و لیس فی القرآن غیرها.
و قوله: «و شبهه» یحرز بعض الأمثلة التی قبل القاف فیها ساكن، أو لیس بعد الكاف فیها میم مما تقدم، فتأمله، و الله تعالی جده أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و اختلف أهل الأداء فی قوله تعالی: إِنْ طَلَّقَكُنَ ...» إلی آخر كلامه.
و ذكر الإمام أن الیزیدی روی فیه الإظهار، و روی عباس الإدغام، و هو أكثر.
قال الحافظ هنا عن ابن مجاهد، و أصحابه بالإظهار، و قال: «و قرأته أنا بالإدغام و هو القیاس؛ لثقل الجمع و التأنیث».
و قال فی «التفصیل»: «و بالوجهین قرأته أنا». و اختار فیه الإدغام، و علله بالثقل كما تقدم.
ثم قال: «و كان من أثر الإظهار [أنه] إنما كره أن تجتمع فی الكلمة ثلاثة أحرف مضاعفة؛ لما فیه من الكلفة و الثقل».
قال الحافظ: «و ألزم الیزیدی أبا عمرو بإدغامه».
و فی بعض النسخ: «أبا عمر» بضم العین و بفتح المیم و هو اسم الدوری و هو تصحیف، و الصحیح: أبا عمرو، بفتح العین و إسكان المیم، و هو اسم الإمام ابن العلاء.
و یدل علی صحة ذلك قوله: «فدل علی أنه یرویه عنه بالإظهار» یرید: فدل هذا الإلزام علی أن الیزیدی یرویه عن أبی عمرو بالإظهار، و تصحیح «1» هذا الاستدلال یتوقف علی بیان وجه الإلزام.
و بیانه أن الیزیدی یقول لشیخه ابن العلاء: «قد اجتمع فی هذا الحرف الشروط التی تعتبر فی إدغام القاف فی الكاف إذا كانا فی كلمة، و ذلك: تحریك ما قبل القاف، و وقوع حرف الجمع بعد الكاف، فالنون هنا بعد الكاف تدل علی جماعة
______________________________
(1) فی أ: یصحح.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 255
المؤنث، كما أن المیم فی «رزقكم» و أخواته تدل علی جماعة المذكرین، مع أن التأنیث أثقل من التذكیر، فلیكن الإدغام هنا أوكد، فهذا وجه الإلزام «1».
و أما تصحیح الاستدلال علی ما قلته فهو أنك إنما تقول: ألزمت فلانا كذا، إذا كان قائلا بخلاف ما ألزمته، و یكون مع ذلك من أصول مذهبه ما یقتضی القول بما ألزمته، و هذه الشروط موجودة فی مسألتنا علی ما تقرر فی وجه الإلزام؛ و لهذا قال الحافظ: «فدل علی أنه كان یرویه عنه بالإظهار» یرید: لو كان الیزیدی یرویه عن ابن العلاء بالإدغام لم یكن لإطلاق لفظ الإلزام معنی، فهذا وجه صحة ثبوت «أبا عمرو» اسم الشیخ، فأما «أبا عمر» اسم الدوری فلا وجه لثبوته هنا؛ لأنه إذا ألزم الیزیدی أبا عمر الدوری إدغام هذا الحرف فمعناه أنه قال له: اقرأه بالإدغام واروه عنی بالإدغام، و إذا كان كذلك بطل أن یرویه الدوری عن الیزیدی بالإظهار، و لم یعقل أن یستدل بهذا علی أن الیزیدی یرویه عن ابن العلاء بالإظهار، فتأمل هذا كله، و الله- جل و علا- أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله-: «فأما ما كان من المتقاربین من كلمتین»، هذا هو القسم الرابع المتقدم الذكر.
قال الحافظ: «أدغم من ذلك ستة عشر حرفا لا غیر، و هی ...» كذا، و ذكر أنه جمعها فی قوله: «سنشد حجتك بذل رض قثم».
و قد جمعتها أنا فی قولك:
لذ ضحك بشرقنت ثم سجد و اعلم أن الإمام وافقه علی إدغام هذه الحروف، و زاد العین فی قوله- تعالی-:
وَ اسْمَعْ غَیْرَ مُسْمَعٍ فی النساء [46]، و قال: «باختلاف عنه، و الإدغام ردی‌ء جدّا، [و] «2» هو روایة محمد بن رومیّ، عن خالد «3» بن جبلة «4»، عن أبی عمرو فی هذا الحرف وحده، و قیاسه: یَبْتَغِ غَیْرَ [آل عمران: 85]» انتهی.
______________________________
(1) یقول السمین الحلبی فی الدر المصون (6/ 337): (أدغم أبو عمرو القاف فی الكاف علی رأی بعضهم، و هو أولی من یَرْزُقُكُمْ و نحوه؛ لثقل التأنیث).
(2) سقط فی أ.
(3) خالد بن جبلة، أبو الولید الیشكری المدنی، روی القراءة عن أبی عمرو بن العلاء، روی القراءة عنه حماد بن شعیب البزاز.
ینظر: غایة النهایة (1/ 269) (1214).
(4) فی ب: جفلة.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 256
قال الحافظ فی «التفصیل»، «إن الیزیدی قرأهما بالإظهار» قال: «و بذلك قرأتهما». و اعلم أنه قد تقرر أن الأصل فی هذا الباب أن یكون الحرف الأول متحركا قبل الإدغام بخلاف هذین الحرفین، فلو كان أبو عمرو یختار إدغامهما لما خصهما بالإدغام الكبیر، و الله عز و جل أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله- «ما لم یكن الأول منونا أو مشددا أو تاء الخطاب أو معتلّا»، و ذكر مثالا من كل واحد من هذه الأصناف الأربعة، و جملة ما فی القرآن من تاء الخطاب فی هذا الفصل اثنا عشر موضعا، و هی:
لِمَنْ خَلَقْتَ طِیناً [الإسراء: 61]، و وَ ما كُنْتَ ثاوِیاً [القصص: 45]، و وَ إِذا رَأَیْتَ ثَمَ [الإنسان: 20]، و إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآیَةٍ [الأعراف: 106]، و فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا [هود: 32]، و وَ لَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ [الكهف: 39]، و قَدْ أُوتِیتَ سُؤْلَكَ [طه: 36]، و أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ [الأنبیاء: 87]، و فَلَبِثْتَ سِنِینَ [طه: 40]، و لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً نُكْراً [الكهف: 74]، و لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً إِمْراً [الكهف: 71]، و لَقَدْ جِئْتِ شَیْئاً فَرِیًّا [مریم: 27] و سیأتی الخلاف فی هذا الأخیر.
و أما المعتل فجاء منه فی القرآن ثلاثة ألفاظ:
أحدها: وَ لَمْ یُؤْتَ سَعَةً فی البقرة [247] و لا خلاف فی إظهاره.
و الثانی: وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ فی النساء [102].
و الثالث: وَ آتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ فی الإسراء [26]، و الروم [38]، و فیهما خلاف نذكره بعد. و قد تقدم فی القسم الثانی وجه منع هذه الأصناف؛ فأغنی عن إعادته هنا، و الله عز و جل أعلم.

إدغام الحاء فی العین «1»

قال الحافظ- رحمه الله-: «فأما الحاء فأدغمها فی العین فی قوله: فَمَنْ
______________________________
(1) ذهب النحاة إلی أنه إذا اجتمعت العین مع الحاء، لم یخل الأمر عن حالین:
أحدهما: أن تتقدم العین.
و الثانی: أن تتأخر.
فإن تقدمت العین علی الحاء، كنت بالخیار: إن شئت أدغمت، فقلبت العین حاء، و إن شئت لم تدغم. و إن تأخرت العین و تقدمت الحاء، فالبیان، و لا یجوز الإدغام، إلا أن-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 257
زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ [آل عمران: 85] لا غیر»، ثم قال: «و أظهرها فیما عدا هذا الموضع ...» إلی آخر كلامه.
اعلم أن جملة ما فی القرآن من الحاء عند العین ثمانیة ألفاظ، تكرر بعضها فبلغ الجمیع خمسة و عشرین موضعا:
فأحد هذه الألفاظ جُناحَ عَلَیْهِ فی ستة مواضع من البقرة [158، 198، 229، 230، 233، 234]، و فی أربعة مواضع من النساء [23، 24، 51، 128]، و فی موضعین من الأحزاب [5، 51] و فی موضع من الممتحنة [10].
الثانی: الْمَسِیحُ عِیسَی فی موضع من آل عمران [45]، و موضعین من النساء [157، 170].
و الثالث: زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ فی آل عمران [85].
الرابع: ذُبِحَ عَلَی فی المائدة [3].
الخامس: لا یُصْلِحُ عَمَلَ فی سورة یونس علیه السلام [81].
السادس: لَنْ نَبْرَحَ عَلَیْهِ فی طه [91].
السابع: الرِّیحَ عاصِفَةً فی الأنبیاء علیهم السلام [81].
الثامن: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ فی الزخرف [89] غیر أن هذا الحرف الأخیر ساكن الحاء و هو خلاف أصل هذا الباب كما تقدم.
فمذهب الحافظ الإدغام فی قوله- تعالی-: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ [آل عمران: 185] خاصة.
و ذكر الإمام فیه اختلافا، و أنه قرأه بالوجهین و قال: «و كان أبو عمرو یكره إدغام
______________________________
- تقلب العین حاء، و تدغم الحاء فی الحاء.
ذكره ابن عصفور فی 15)./ 9، 10).
و قال سیبویه: و العین مع الحاء كقولك: اقطع حملا، الإدغام حسن و البیان حسن؛ لأنهما من مخرج واحد.
و لم تدغم الحاء فی العین فی قولك: امدح عرفة؛ لأن الحاء قد یفرون إلیها إذا وقعت الهاء مع العین، و هی مثلها فی الهمس و الرخاوة مع قرب المخرجین، فأجریت مجری المیم مع الباء فجعلتها بمنزلة الهاء، كما جعلت المیم بمنزلة النون مع الباء. و لم تقو العین علی الحاء إذ كانت هذه قصتها، و هما من المخرج الثانی من الحلق، و لیست حروف الحلق بأصل للإدغام. و لكنك لو قلبت العین حاء فقلت فی «امدح عرفة»: امد حرفة، جاز ینظر الكتاب (4/ 451).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 258
الحاء فی العین، و قوم من العرب یدغمونها فیها و الإدغام روایة أبی عبد الرحمن ابن الیزیدی «1»، عن أبیه عنه «2».
و ذكر الإمام أیضا فی سائر الألفاظ الباقیة الوجهین، و أن الإظهار أحسن، و أن الإدغام فی وَ لا جُناحَ عَلَیْكُمْ [النساء: 102] و الْمَسِیحَ عِیسَی [النساء: 157] روایة القاسم بن عبد الوارث، عن الدوری، عن الیزیدی، عن أبی عمرو و أن إدغام فَاصْفَحْ عَنْهُمْ [الزخرف: 89] روایة شجاع «3».
فأما قوله تعالی: الرِّیحَ عاصِفَةً فی سورة الأنبیاء- علیهم السلام- [81] فلم یذكره فی الإدغام، و قیاس من أدغم الْمَسِیحَ عِیسَی [النساء: 157] الأول من سورة النساء أن یدغم الرِّیحَ عاصِفَةً [الأنبیاء: 81]؛ إذ الحاء فیهما منصوبة بعد یاء المد،
______________________________
(1) عبد الله بن یحیی بن المبارك، أبو عبد الرحمن بن أبی محمد الیزیدی البغدادی، مشهور ثقة، أخذ القراءة عرضا و سماعا عن- الغایة، جامع البیان، الكفایة الكبری، الكامل- أبیه عن أبی عمرو، و له عنه نسخة، قال الحافظ الدانی: و هو من أجل الناقلین عنه، و له كتاب حسن فی غریب القرآن، روی عنه القراءة ابنا أخیه العباس و عبد الله ابنا محمد ابن أبی محمد، و أحمد بن إبراهیم وراق خلف، و- الغایة الجامع، الكفایة، الكامل- جعفر بن محمد الأدمی و- الكفایة الكبری- بكران بن أحمد.
ینظر: غایة النهایة (1/ 463) (1929).
(2) جاء فی اللباب فی علوم الكتاب: قوله: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ أدغم أبو عمرو الحاء فی العین، قالوا: لطول الكلمة، و تكریر الحاء، دون قوله: ذُبِحَ عَلَی النُّصُبِ [المائدة: 3] و قوله: الْمَسِیحُ عِیسَی [آل عمران: 45]، و نقل عنه الإدغام مطلقا، و عدمه مطلقا، و النحویون یمنعون ذلك، و لا یجیزونه إلا بعد أن یقلبوا العین حاء و یدغموا الحاء فیها، قالوا: لأن الأقوی لا یدغم فی الأضعف، و هذا عكس الإدغام: أن تقلب فیه الأول للثانی إلا فی مسألتین: إحداهما: هذه، و الثانیة: الحاء فی الهاء، نحو: امدح حلالا- بقلب الهاء حاء أیضا- و لذلك طعن بعضهم علی قراءة أبی عمرو، و لا یلتفت إلیه. و معنی الكلام فَمَنْ زُحْزِحَ أی: نحی و أزیل عن النار و أدخل الجنة فقد فاز.
ینظر اللباب: (6/ 99).
(3) شجاع بن أبی نصر، أبو نعیم البلخی ثم البغدادی الزاهد، ثقة كبیر، سئل عنه الإمام أحمد فقال: بخ بخ، و أین مثله الیوم؟! ولد سنة عشرین و مائة ببلخ، و عرض علی- جامع البیان، الكفایة الكبری، الكامل- أبی عمرو بن العلاء و هو من جلة أصحابه، و سمع من عیسی ابن عمرو صالح المری، روی القراءة عنه- جامع البیان، الكامل- أبو عبید القاسم ابن سلام و- جامع البیان، الكفایة الكبری، الكامل- محمد بن غالب- جامع البیان- أبو نصر القاسم بن علی و أبو عمر الدوری، مات ببغداد سنة تسعین و مائة و له سبعون سنة.
ینظر: غایة النهایة (1/ 324) (1416).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 259
و الله- جل و علا- أعلم.
و وجه التقارب بین الحاء و العین: اتحاد المخرج، و لم یفترقا إلا فی وجه واحد و هو البحاح الذی فی الحاء، فلو زال صارت عینا مجهورة، كما أنه لو زال الجهر عن العین صارت حاء ببحة «1»، و الله- سبحانه- أعلم.
و قد تقدم أن هذا الإدغام شذوذ؛ فإنه یقلب الحاء عینا، و تقدم أن المستعمل فی مثل هذا قلب العین حاء، و الله- سبحانه- أعلم.

إدغام القاف فی الكاف «2»

قال الحافظ: «و أما القاف فكان یدغمها فی الكاف إذا تحرك ما قبلها».
اعلم أن جملة ما فی القرآن من هذا النوع ستة ألفاظ، تكرر بعضها فبلغ الجمیع أحد عشر موضعا:
______________________________
(1) قال الخلیل: الحاء: حرف مخرجه من الحلق، و لو لا بحة فیه لأشبه العین. قال: و بعد الحاء الهاء و لم یأتلفا فی كلمة واحدة أصلیة الحروف. و قبح ذلك علی ألسنة العرب؛ لقرب مخرجیهما؛ لأن الحاء فی الحلق بلزق العین. و كذلك الحاء و الهاء، و لكنهما یجتمعان فی كلمتین، لكل واحدة معنی علی حدة، كقول لبید:
یتمادی فی الذی قلت له‌و لقد یسمع قولی: حی هل! ینظر لسان العرب (2/ 741).
و حكی الأزهری عن اللیث بن المظفر قال: لما أراد الخلیل بن أحمد الابتداء فی كتاب العین أعمل فكره فیه، فلم یمكنه أن یبتدی من أول: ا ب ت ث؛ لأن الألف حرف معتل، فلما فاته أول الحروف كره أن یجعل الثانی أولا، و هو الباء، إلا بحجة، و بعد استقصاء تدبر و نظر إلی الحروف كلها، و ذاقها، فوجد مخرج الكلام كله من الحلق، فصیّر أولاها بالابتداء به أدخلها فی الحلق. و كان إذا أراد أن یذوق الحرف فتح فاه بألف، ثم أظهر الحرف، نحو:
أب، أت، أح، أع، فوجد العین أقصاها فی الحلق و ادخلها، فجعل أول الكتاب: العین، ثم ما قرب مخرجه منها بعد العین، الأرفع فالأرفع، حتی أتی علی آخر الحروف، و أقصی الحروف كلها: العین، و أرفع منها الحاء، و لو لا بحة فی الحاء لأشبهت العین؛ لقرب مخرج الحاء من العین، ثم الهاء، و لو لا هتّة فی الهاء- و قال مرة: ههة فی الهاء- لأشبهت الحاء؛ لقرب مخرج الهاء من الحاء، فهذه الثلاثة فی حیز واحد، فالعین و الحاء و الهاء و الخاء و الغین حلقیة، فاعلم ذلك.
قال الخلیل: العین و الحاء لا یأتلفان فی كلمة واحدة أصلیة الحروف؛ لقرب مخرجیهما إلا أن یؤلف فعل من جمع بین كلمتین، مثل حیّ علی، فیقال منه: حیعل، و الله أعلم.
ینظر لسان العرب (4/ 2772).
(2) قال سیبویه: القاف مع الكاف كقولك: الحق كلدة، الإدغام حسن و البیان حسن. و إنما أدغمت لقرب المخرجین، و أنهما من حروف اللسان، و هما متفقان فی الشدة.
ینظر الكتاب (4/ 252).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 260
أحد الألفاظ وَ خَلَقَ كُلَّ شَیْ‌ءٍ فی الأنعام [101]، و النور [45]، و الفرقان [2].
الثانی خَلَقَ كُلَّ شَیْ‌ءٍ فی الأنعام [102]، و الرعد [16]، و الزمر [62]، و غافر [62].
الثالث: یَخْلُقُ كَمَنْ فی النحل [17].
الرابع: یُنْفِقُ كَیْفَ فی العقود [المائدة: 64].
الخامس: أَنْطَقَ كُلَّ شَیْ‌ءٍ فی فصلت: [21].
السادس: فِیها یُفْرَقُ كُلُ فی الدخان [4].
قال الحافظ- رحمه الله-: «فإن سكن ما قبلها لم یدغمها نحو: وَ فَوْقَ كُلِّ ذِی عِلْمٍ عَلِیمٌ [یوسف: 76] و شبهه».
اعلم أنه لیس فی القرآن من هذا غیر هذه الكلمة، و الله تبارك و تعالی أعلم.
وافقه الإمام علی ما تقدم فی القاف.
و قد تقدم وجه التقارب بین القاف و الكاف، فأغنی عن إعادته.

إدغام الكاف فی القاف «1»

قال الحافظ رحمه الله: «و أما الكاف فأدغمها أیضا فی القاف، إذا تحرك ما قبلها».
اعلم أن جملة الوارد من هذا فی القرآن اثنان و ثلاثون موضعا:
منها فی البقرة: وَ نُقَدِّسُ لَكَ قالَ [30]، كَذلِكَ قالَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ [113]، كَذلِكَ قالَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ [118]، فَلَنُوَلِّیَنَّكَ قِبْلَةً [144]، مَنْ یُعْجِبُكَ قَوْلُهُ [204].
و فی النساء: مِنْ عِنْدِكَ قُلْ [78]، عَلی ذلِكَ قَدِیراً [133]، یَسْتَفْتُونَكَ قُلِ [176].
و فی الأعراف: إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ [12]، وَ آلِهَتَكَ قالَ [127].
و فی الأنفال: فِی مَنامِكَ قَلِیلًا [43].
و فی التوبة: ذلِكَ قَوْلُهُمْ [30].
______________________________
(1) قال سیبویه: و الكاف مع القاف: انهك قطنا، البیان أحسن و الإدغام حسن، و إنما كان البیان أحسن؛ لأن مخرجهما أقرب مخارج اللسان إلی الحلق، فشبهت بالخاء مع الغین كما شبه أقرب مخارج الحلق إلی اللسان بحروف اللسان فیما ذكرنا من البیان و الإدغام.
ینظر: الكتاب (4/ 452).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 261
و فی سورة یوسف علیه السلام: هَیْتَ لَكَ قالَ [23].
و فی الإسراء: أَنْ نُهْلِكَ قَرْیَةً [16].
و فی الكهف: جَنَّتَكَ قُلْتَ [39].
و فی كهیعص: كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ [9]، كَذلِكِ قالَ [21].
و فی طه: بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ [130].
و فی الفرقان: لَكَ قُصُوراً [10]، وَ كانَ رَبُّكَ قَدِیراً [54]، وَ كانَ بَیْنَ ذلِكَ قَواماً [67].
و فی النمل: عَرْشُكِ قالَتْ [42]، وَ بِمَنْ مَعَكَ قالَ [47].
و فی الزمر: بِكُفْرِكَ قَلِیلًا [8].
و فی غافر: هَلَكَ قُلْتُمْ [34].
و فی الزخرف: رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ [77].
و فی القتال: مِنْ عِنْدِكَ قالُوا [محمد: 16].
و فی ق: بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ [39].
و فی الذاریات: مَنْ أُفِكَ قُتِلَ [9- 10]، كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ [30].
و فی الفجر: هَلْ فِی ذلِكَ قَسَمٌ [5].
قال الحافظ- رحمه الله-: «فإن سكن ما قبل الكاف لم یدغمها».
اعلم أن من جملة ما ورد من هذا فی القرآن ستة مواضع:
منها:
أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْكَ قالَ [143]، إِنَّا هُدْنا إِلَیْكَ قالَ [156] فی الأعراف.
وَ لا یَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ فی سورة یونس علیه السلام [65]، و یس [76].
و وَ تَرَكُوكَ قائِماً فی الجمعة [11].
و عَلَیْكَ قَوْلًا فی المزمل [5].
وافقه الإمام علی كل ما تقدم فی الكاف إلا فی قوله تعالی: وَ تَرَكُوكَ قائِماً [الجمعة: 11] فإنه ذكر فیه الإدغام بخلاف، و إنما لم یدغم إذا سكن ما قبل الكاف؛ استغناء بخفة الساكن عن تخفیف الإدغام، و الله جل جلاله أعلم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 262

إدغام الجیم فی الشین‌

«1» قال الحافظ- رحمه الله-: «و أما الجیم فإدغامها فی الشین فی قوله تعالی:
أَخْرَجَ شَطْأَهُ [الفتح: 29] و فی التاء فی «2» قوله تعالی: ذِی الْمَعارِجِ تَعْرُجُ [المعارج: 3- 4] لا غیر».
اعلم أن الجیم لم تلق الشین و التاء من كلمتین فی غیر هذین الموضعین.
و ذكر الإمام خلافا فی ذِی الْمَعارِجِ تَعْرُجُ، و أن الإدغام روایة أبی عبد الرحمن عن أبیه، عن أبی عمرو «3»، و لم یذكر فی إدغام الحرف الأول خلافا، و التقارب الذی بین الجیم و الشین هو باتحاد «4» المخرج، و أما مقاربة الجیم للتاء، فإنهما مشتركان فی الشدة.
و علل الحافظ جواز إدغام الجیم فی التاء، و إن لم تكن من مخرجها، بأن الشین من مخرج الجیم و الشین تتصل بما فیها من التفشی بمخرج التاء.
و هذا التعلیل یقتضی أن یكون إدغام الشین فی التاء أولی، لكن منع من ذلك ما كان یؤدی إلیه الإدغام من إذهاب التفشی، و هو زیادة فی الشین من غیر أن یخلفه شی‌ء، و قد مر فی مقدمة الباب أن الشین یدغم فیه مقاربه، و لا یدغم هو فی
______________________________
(1) قال سیبویه: الجیم مع الشین، كقولك: ابعج شبثا، الإدغام و البیان حسنان؛ لأنهما من مخرج واحد، و هما من حروف وسط اللسان.
ینظر: الكتاب (4/ 452).
(2) فی ب: من.
(3) قال السمین الحلبی: أدغم أبو عمرو الجیم فی التاء، و استضعفها بعضهم من حیث إن مخرج الجیم بعید من مخرج التاء، و أجیب عن ذلك بأنها قریبة من الشین؛ لأن النفس الذی فی الشین یقربها من مخرج التاء، و الجیم تدغم فی الشین؛ لما بینهما من التقارب فی المخرج و الصفة، فحمل الإدغام فی التاء علی الإدغام فی الشین؛ لما بین الشین و التاء من التقارب.
و أجیب أیضا بأن الإدغام أیضا یكون لمجرد الصفات، و إن لم یتقاربا فی المخرج، و الجیم تشارك التاء فی الاستفال و الانفتاح و الشدة.
ینظر: الدر المصون (6/ 374).
(4) قال ابن منظور: و الجیم و الشین و الضاد ثلاثة فی حیز واحد، و هی من الحروف الشجریة، و الشجر: مفرج الفم، و مخرج الجیم و القاف و الكاف بین عكدة اللسان، و بین اللهاة فی أقصی الفم.
ینظر: اللسان (1/ 527).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 263
مقاربه «1»، و قد لقیت الشین التاء فی مواضع من القرآن فی كلمة واحدة، و ذلك فی بناء «افتعل» و ما تصرف منه نحو اشْتَری [التوبة: 111] و اشْتَدَّتْ [إبراهیم: 18] و اشْتَمَلَتْ [الأنعام: 143] وَ اشْتَعَلَ [مریم: 4] و یَشْتَهُونَ [سبأ: 54] و مُشْتَرِكُونَ [الصافات: 33] و لم یدغم شی‌ء من ذلك، و الله- جل و علا- أعلم.
و قوله: «لا غیر» یعطی حصر الإدغام فی هذین المثالین خاصة، و لیس فیه دلالة علی أنه لیس فی القرآن غیرهما.
و یمكن أن یكون قوله: «لا غیر» حصرا لإدغام «2» الجیم فی الشین و التاء دون غیرهما من الحروف، و المفهوم الأول أظهر، و الله- سبحانه- أعلم.

إدغام الشین فی السین‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و أما الشین فأدغمها فی السین فی قوله- تعالی-:
إِلی ذِی الْعَرْشِ سَبِیلًا [الإسراء: 43] لا غیر».
اعلم أن الحافظ ذكر فی «التفصیل» خلافا فی هذا الحرف، و كذلك ذكر الإمام أن الإظهار أرجح؛ لما فی الإدغام من إذهاب التفشی و التقاء الساكنین، و الأول حرف صحیح.
و وجه جواز الإدغام: أن إذهاب التفشی یخلفه الصفیر، و تخف الكلمة بزوال الكسرة.
و هذان التعلیلان إنما یصحان إذا حمل الإدغام علی ظاهره، فأما إن أخذ بمعنی الإخفاء و روم الحركة فلا یصح التعلیل بما تقدم.
______________________________
(1) قال سیبویه: و من الحروف حروف لا تدغم فی المقاربة و تدغم المقاربة فیها. و تلك الحروف: المیم، و الراء، و الفاء، و الشین ...
و الشین لا تدغم فی الجیم؛ لأن الشین استطال مخرجها لرخاوتها حتی اتصل بمخرج الطاء، فصارت منزلتها منها نحوا من منزلة الفاء مع الباء، فاجتمع هذا فیها و التفشی؛ فكرهوا أن یدغموها فی الجیم كما كرهوا أن یدغموا الراء فیما ذكرت لك، و ذلك قولك: افرش جبلة. و قد تدغم الجیم فیها كما أدغمت ما ذكرت لك فی الراء، و ذلك:
أخر شّبثا.
ینظر الكتاب (4/ 447- 448- 449).
(2) فی ب: إدغام.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 264
و لا شك أن الإخفاء أولی هربا من التقاء الساكنین، و لما تقدم من أن الشین لا تدغم فی مقاربها، و یحمل الإدغام إن ثبت علی أنه شاذ؛ إذ القوانین التی «1» تقدم تقریرها إنما هی مبنیة علی فصیح الكلام، و قد تقدم ذكر هذا.
و اعلم أنه لم تلق الشین المعجمة السین المهملة من كلمتین فی غیر هذا الموضع من القرآن إلا فی عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوی فی طه [الآیة: 5]، و منع إدغامه سكون الثانی منهما.
و وجه التقارب بین الشین و السین: اتفاقهما فی الهمس و الرخاوة و الاستفال، و أن فی الشین التفشی و فی السین الصفیر، و كلاهما زیادة فی الحرف، و أن مخرج الشین من وسط اللسان و مخرج السین من طرفه فلحقه «2» الشین بما فیه من التفشی، و الله [تبارك] «3» و تعالی أعلم.

إدغام الضاد فی الشین‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و أما الضاد فأدغمها فی الشین فی قوله- تعالی-:
لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ [النور: 62] لا غیر».
اعلم أن الضاد لقیت الشین فی القرآن من كلمتین فی ثلاثة مواضع:
أحدها: لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فی النور [62]، نص الحافظ علی إدغامه، و ذكر الإمام فیه خلافا «4».
______________________________
(1) فی ب: الذی.
(2) فی ب: فیلحقه.
(3) سقط فی ب.
(4) أظهر العامة الضاد عند الشین. و أدغمها أبو عمرو فیها؛ لما بینهما من التقارب: لأن الضاد من أقصی حافة اللسان، و الشین من وسطه. و قد استضعفت جماعة من النحویین هذه الروایة، و استبعدوها عن أبی عمرو- رأس الصناعة- من حیث إن الضاد أقوی من الشین، و لا یدغم الأقوی فی الأضعف، و أساء الزمخشری علی راویها السوسی. و قد أجاب الناس عنه، فقیل: وجه الإدغام: أن الشین أشد استطالة من الضاد، و فیها تفشی لیس فی الضاد، و فقد صارت الضاد أنقص منها، و إدغام الأنقص فی الأزید جائز، قال: و یؤید هذا أن سیبویه حكی عن بعض العرب: (اطجع) فی (اضطجع)، و إذا جاز إدغامها فی الطاء فإدغامها فی الشین أولی.
و الخصم لا یسلم جمیع ما ذكر، و مستند المنع واضح.
ینظر اللباب (14/ 464- 465).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 265
الثانی: وَ الْأَرْضِ شَیْئاً فی النحل [الآیة: 73]، قال الحافظ فی «التفصیل» لما ذكر الحرف الذی فی النور: «و قیاسه قوله- تعالی- فی النحل: وَ الْأَرْضِ شَیْئاً» ثم قال: «و لا أعلم خلافا بین أهل الأداء فی إظهاره».
و لا فرق بینهما إلا إرادة الجمع بین اللغتین، و ذكر الإمام فیه- أیضا- الخلاف كالحرف الذی فی النور، و أن الإدغام فیهما روایة أبی شعیب عن الیزیدی.
الثالث: الْأَرْضَ شَقًّا فی عبس [26]، و لا خلاف فی إظهاره؛ لخفة فتحة الضاد.
و اعلم أن الإدغام فیما ذكر ردی‌ء؛ لما فیه من التقاء الساكنین و الأول حرف صحیح، مع أن الضاد من الحروف التی لا تدغم فی مقاربها كما تقدم إلا فیما شذ؛ لما فی إدغامها من إذهاب الجهر و الإطباق.
و لا مقاربة بین الضاد و الشین، غیر أنها لاستطالتها تتصل بمخرج الشین، و الله [سبحانه] «1» أعلم.
فإن قیل: نص الحافظ علی أنه لا یعلم خلافا فی حرف النحل أنه مظهر، و نص الإمام علی أن الإدغام فیه روایة أبی شعیب فكیف هذا؟
فالجواب: أنه یمكن الجمع بینهما، بأن الروایة خلاف التلاوة، كما تقرر فی باب البسملة. أو بلغ أحدهما ما لم یبلغ الآخر، و هذا التوجیه الثانی أظهر؛ لقول الحافظ: «و لا فرق بینهما إلا إرادة الجمع بین اللغتین» فظهر أن الحافظ لم یبلغه ما بلغ الإمام، و الله [عز و جل] «2» أعلم.

[إدغام الضاد فی الذال]

و ذكر الإمام إدغام الضاد فی الذال، و جملته فی القرآن خمسة مواضع:
منها فی آل عمران: مِلْ‌ءُ الْأَرْضِ ذَهَباً [الآیة: 91].
و فی المائدة: مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ [الآیة: 33] و بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ [الآیة: 49].
و فی الملك: الْأَرْضَ ذَلُولًا [الآیة: 15].
و فی الطارق: وَ الْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ [الآیة: 12].
______________________________
(1) سقط فی ب.
(2) سقط فی ب.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 266
و ذكر الإمام الخلاف فی حرف آل عمران، و حرف الملك، و المفهوم عنه أنه أراد الخلاف فی جملتها، و نص علی أن الإظهار أكثر، و أن الإدغام روایة قاسم ابن عبد الوارث عن الدوری، عن الیزیدی، و مذهب الحافظ الإظهار فی جمیعها؛ إذ فی الإدغام إذهاب الاستعلاء و الاستطالة و التقاء الساكنین مع أن الأول حرف صحیح.
قال الحافظ: «و إنما سوغ إدغام الضاد فی الشین أن التفشی قام مقام الاستطالة».
و اعلم أنه لا تقارب بین الضاد و الذال، غیر أن الضاد لاستطالتها تلحق بطرف اللسان، و الذال من الطرف، كما تقدم فی المخارج، الله [تبارك و تعالی] «1» أعلم.

إدغام السین فی الزای و الشین «2»

قال الحافظ- رحمه الله-: «و أما السین فأدغمها فی الزای فی قوله تعالی وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ [التكویر: 7] لا غیر، و فی الشین بخلاف عنه فی قوله- تعالی:
الرَّأْسُ شَیْباً «3» [مریم: 4]».
______________________________
(1) سقط فی ب.
(2) قال ابن عصفور: و السین و الزای، كل واحدة تدغم فی الأخری، و سواء كان الأول متحركا أو ساكنا، و الإدغام أحسن من البیان، إلا أن الإدغام إذا كان الأول ساكنا أحسن منه إذا كان متحركا، نحو قولك: و (لم یحبس زید)، و (حبس زید)، و (لم یوجز سّلمة)، و (أوجز سلمة).
ثم الفاء، و لا تدغم فی شی‌ء، و تدغم فیها الباء، بقول: اذهب فی ذلك ثم الباء، و هی تدغم فی الفاء، كما ذكرنا.
ینظر: المقرب (15- 16).
(3) و قد نص علی إدغام أبی عمرو السین فی الشین هاهنا ابن عادل الحنبلی، حیث قال: قوله:
وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَیْباً أی: ابیض شعر الرأس شیبا.
و فی نصب (شیبا) ثلاثة أوجه:
أحدها:- و هو المشهور- أنه تمییز منقول من الفاعلیة؛ إذ الأصل: اشتعل شیب الرأس، قال الزمخشری: (شبه الشیب بشواظ النار فی بیاضه، و انتشاره فی الشعر، و فشوّه فیه، و أخذه منه كل مأخذ باشتعال النار، ثم أخرجه مخرج الاستعارة، ثم أسند الاشتعال إلی مكان الشعر و منبته، و هو الرأس، و أخرج الشیب ممیزا، و لم یضف الرأس؛ اكتفاء بعلم المخاطب: أنه رأس زكریا، فمن ثمّ، فصحت هذه الجملة، و شهد لها بالبلاغة).
انتهی، و هذا من استعارة محسوس لمحسوس، و وجه الجمع: الانبساط و الانتشار.
و الثانی: أنه مصدر علی غیر الصدر، فإن (اشتعل الرأس) معناه: (شاب).
الثالث: أنه مصدر واقع موقع الحال، أی: شائبا، أو ذا شیب.
و أدغم السین فی الشین أبو عمرو.
ینظر اللباب (13/ 7- 8).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 267
اعلم أنه لم تلق السین الزای فی القرآن علی وجه یقبل الإدغام إلا فی هذا الموضع خاصة و لا عبرة بسكون الواو؛ لأنه حرف مد فلا یمنع الإدغام، فأما قوله- تعالی- فی الكهف نَفْساً زَكِیَّةً [الكهف: 74] فالسین منونة، و قد تقدم أن التنوین یمنع الإدغام.
و وجه مقاربة السین الزای «1»: اشتراكهما فی المخرج، و الرخاوة، و الصفیر.
و أما الرَّأْسُ شَیْباً ففیه خلاف.
و قال الإمام: «خیر فیه أبو عمرو، و الإدغام أحسن؛ لثقل الضمة و الضم ثقیل، و أیضا فالإشمام ممكن فیه»، كذا قال الإمام.
و اعلم أن ما استحسن الإمام هنا من الإدغام لا یستثبت له إلا إذا سهل الهمزة فأبدلها ألفا، و هو الذی علیه جمهور الناس فی الإدغام الكبیر، فأما إن أجاز تحقیق الهمزة كما حكی أبو جعفر بن الباذش عن شریح فیقبح الإدغام؛ لما فیه إذ ذاك من التقاء الساكنین و الله [جل ذكره] «2» أعلم.
فأما إن أخذ فیه بالروم فیندفع الإدغام الصحیح و ترجع المسألة إلی باب الإخفاء كما تقرر و یأتی بحول الله عز و جل.
و حیث یؤخذ فیه بالإدغام الصحیح، فیقوم التفشی عوض الصفیر.
و وجه المقاربة بین الشین و السین قد تقدم فأغنی عن إعادته، و الله [جل جلاله] أعلم.
فأما قوله تعالی فی سورة یونس- علیه السلام-: لا یَظْلِمُ النَّاسَ شَیْئاً [الآیة:
44] فلا خلاف فی الإظهار؛ لخفة الفتحة و كذلك بَأْسٌ شَدِیدٌ [الحدید: 25] لا خلاف فی إظهاره حیث ورد؛ لأجل التنوین، و الله [تعالی جده] «3» أعلم.
______________________________
(1) قال ابن منظور: الصاد و السین و الزای أسلیة؛ لأن مبدأها من أسلة اللسان، و هی مستدق طرف اللسان، و هذه الثلاثة فی حیز واحد، و السین من الحروف المهموسة، و مخرج السین بین مخرجی الصاد و الزای، قال الأزهری: لا تأتلف الصاد مع السین و لا مع الزای فی شی‌ء من كلام العرب.
ینظر: اللسان (3/ 1904).
(2) فی ب: تعالی.
(3) سقط فی ب.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 268

إدغام الدال فی خمسة أحرف «1»

قال الحافظ- رحمه الله-: «و أما الدال فأدغمها إذا تحرك ما قبلها فی خمسة أحرف».
اعلم أن مجموع الحروف التی تدغم فیها الدال من هذا الباب عشرة، و هی أوائل كلمات «2» البیت:
شطّت سعاد زمانا ثمّ تیّمهاذكری صدیق جزته ظلمها ضررا و هذه الحروف تنقسم قسمین: قسم لقیته الدال بعد سكون خاصة، و قسم لقیته تارة بعد الحركة، و تارة بعد السكون.
القسم الأول: خمسة أحرف و هی: الضاد، و الجیم، و الزای، و الظاء، و الثاء، فیدغم الدال فی هذه الأحرف الخمسة بشرط أن تكون حركة الدال ضمة أو كسرة.
أما الضاد: فلقیتها الدال علی الشرط المذكور فی ثلاثة مواضع لا غیر، منها مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ فی سورة یونس- علیه السلام- [الآیة: 21] و فصلت [50] و مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ فی الروم [الآیة: 54] اتفق الحافظ و الإمام علی الإدغام.
و أما الجیم فلقیتها الدال علی ما تقدم من الشرط فی موضعین:
أحدهما: فی البقرة داوُدُ جالُوتَ [الآیة: 251].
و الثانی: فی فصلت دارُ الْخُلْدِ جَزاءً [الآیة: 28].
اتفق الحافظ و الإمام علی الإدغام.
و أما الزای فلقیتها الدال علی الشرط المتقدم فی موضعین:
أحدهما: فی الكهف: تُرِیدُ زِینَةَ [الآیة: 28].
و الثانی: فی النور: یَكادُ زَیْتُها [الآیة: 35].
اتفق الحافظ و الإمام علی الإدغام.
______________________________
(1) قال ابن عصفور: الطاء و الدال و التاء و الظاء و الذال و الثاء، كل واحد منها یدغم فی الخمسة الباقیة، و تدغم الخمسة فیه، و تدغم أیضا الستة فی الصاد و الجیم و الشین و الضاد و الزای و السین، إلا أن الإدغام فی جمیع ذلك إذا كان الأول ساكنا، أحسن منه إذا كان متحركا.
و الإدغام علی كل حال أحسن من البیان.
ینظر: 15)./ 15).
(2) فی ب: كلم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 269
و أما قوله- تعالی-: داوُدَ زَبُوراً فی النساء [163]، و فی الإسراء [55].
فمذهب الحافظ الإظهار فیهما؛ لأن الدال مفتوحة.
و ذكر الإمام فیهما الوجهین و أن الإدغام روایة قاسم عن الدوری، عن الیزیدی، عن أبی عمرو، و أن الإظهار [أحسن و أكثر] «1».
و أما الظاء فلقیتها الدال علی ما تقدم فی ثلاثة مواضع، منها یُرِیدُ ظُلْماً فی آل عمران [الآیة: 108]، و غافر [الآیة: 31] و مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ فی المائدة [الآیة: 39].
اتفق الحافظ و الإمام علی الإدغام.
و أما الثاء [فلقیتها] «2» الدال علی الشرط فی موضعین:
أحدهما: یُرِیدُ ثَوابَ فی النساء [134].
و الثانی: لِمَنْ نُرِیدُ ثُمَ فی الإسراء [18].
اتفق «3» الحافظ و الإمام علی الإدغام فیهما.
القسم الثانی: الذی لقیته الدال بعد حركة و بعد سكون الخمسة الباقیة، و هی:
الشین، و التاء، و الصاد، و السین، و الذال، و یشترط إذا سكن ما قبل الدال و لقیت واحدا من هذه الأحرف أن تكون حركة الدال ضمة أو كسرة علی ما تقدم، إلا إذا لقیت التاء فإنه یدغمها فیها، سواء كانت محركة بالفتح، أو بالكسر «4» أو بالضم، و كذلك یصنع «5» إذا تحرك ما قبل الدال.
فأما الشین فلقیتها الدال بعد حركة فی موضعین و هما: وَ شَهِدَ شاهِدٌ فی سورة یوسف- علیه السلام- [الآیة: 26] و الأحقاف [الآیة: 10].
اتفق الحافظ و الإمام [علی الإدغام] «6» فیهما؛ لتحرك ما قبل الدال.
و لقیتها بعد سكون فی موضعین أیضا:
أحدهما: أَوْ أَرادَ شُكُوراً فی الفرقان [الآیة: 62].
______________________________
(1) فی ب: أكثر و أحسن.
(2) سقط فی أ.
(3) فی أ: و اتفق.
(4) فی أ: و بالكسر.
(5) فی أ: یضع.
(6) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 270
و الثانی: داوُدَ شُكْراً فی سبأ [الآیة: 13].
مذهب الحافظ الإظهار فیهما؛ لخفة الفتحة و سكون ما قبلها، و ذكر الإمام الوجهین، و أن الإظهار أحسن و أكثر.
و أما التاء: فلقیتها الدال بعد الحركة فی قوله- تعالی-: فِی الْمَساجِدِ تِلْكَ فی البقرة خاصة [187]، و لقیتها بعد السكون فی أربعة مواضع:
أحدها: فی المائدة: مِنَ الصَّیْدِ تَنالُهُ [الآیة: 94].
الثانی «1»: فی التوبة: (كاد تّزیغ) «2» [الآیة: 117].
______________________________
(1) فی أ: و الثانی.
(2) هی قراءة غیر حمزة و حفص عن عاصم، قال السمین الحلبی فی الدر المصون:
قوله: (كادَ یَزِیغُ) قرأ حمزة، و حفص عن عاصم (یزیغ) بالیاء من تحت، و الباقون بالتاء من فوق. فالقراءة الأولی یحتمل أن یكون اسم (كاد) ضمیر شأن، و (قلوب) مرفوع ب (یزیغ)، و الجملة فی محل نصب خبرا لها، و أن یكون اسمها ضمیر (القوم)، أو (الجمع) الذی دل علیه ذكر (المهاجرین و الأنصار)؛ و لذلك قدره أبو البقاء، و ابن عطیة: (من بعد ما كاد القوم).
و قال الشیخ- أی أبو حیان- فی هذه القراءة: (فتعین أن یكون فی (كاد) ضمیر الشأن، و ارتفاع (قلوب) ب (یزیغ)؛ لامتناع أن یكون (قلوب) اسم (كاد)، و (یزیغ) فی موضع الخبر؛ لأن النیة به التأخیر، و لا یجوز: من بعد ما كاد قلوب یزیغ، بالیاء).
قلت: لا یتعین ما ذكر فی هذه القراءة؛ لأنه یجوز أن یكون اسم (كاد) ضمیرا عائدا علی (الجمع)، و (القوم)، و الجملة الفعلیة خبرها، و لا محذور یمنع ذلك من ذلك. و قوله:
لامتناع أن یكون (قلوب) اسم (كاد)، یعنی أنا لو جعلنا (قلوب) اسم (كاد) لزم أن یكون (یزیغ) خبرا مقدما؛ فیلزم أن یرفع ضمیرا عائدا علی (قلوب)، و لو كان كذلك للزم تأنیث الفعل؛ لأنه حینئذ مسند إلی ضمیر مؤنث مجازی؛ لأن جمع التكسیر یجری مجری المؤنث مجازا.
و أما قراءة التاء من فوق فیحتمل أن یكون فی (كاد) ضمیر الشأن، كما تقدم، و (قلوب) مرفوع ب (تزیغ)، و أنث لتأنیث الجمع، و أن یكون (قلوب) اسمها، و (تزیغ) خبر مقدم، و لا محذور فی ذلك؛ لأن الفعل قد أنث.
قال الشیخ: و علی كل واحد من هذه الاعاریب الثلاثة إشكال، علی ما تقرر فی علم النحو من أن خبر أفعال المقاربة لا یكون إلا مضارعا رافعا ضمیر اسمها، فبعضهم أطلق، و بعضهم قید بغیر (عسی) من أفعال المقاربة، و ألا یكون سببا، و ذلك بخلاف (كان)؛ فإن خبرها یرفع الضمیر و السببی لاسم (كان)، فإذا قدرنا فیها ضمیر الشأن كانت الجملة فی موضع نصب علی الخبر، و المرفوع لیس ضمیرا یعود علی اسم (كاد)، بل و لا سببا له.
و هذا یلزم فی قراءة الیاء أیضا. و أما توسط الخبر فهو مبنی علی جواز مثل هذا التركیب فی مثل: كان یقوم زید، و فیه خلاف، و الصحیح: المنع و أما الوجه الأخیر فضعیف-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 271
الثالث: فی النحل بَعْدَ تَوْكِیدِها [الآیة: 94].
الرابع «1»: فی الملك: تَكادُ تَمَیَّزُ [الآیة: 8].
اتفق الحافظ و الإمام علی الإدغام فی المواضع الخمسة، و ذكر الإمام الإدغام فی كادَ یَزِیغُ و بَعْدَ تَوْكِیدِها من روایة أبی عبد الرحمن، عن أبیه عن أبی عمرو، و من روایة عبد الوارث عنه.
و قال: «و كان یجب ألا یدغم؛ لأن الدال مفتوحة، و قد شرط ألا یدغم الحرف المفتوح بعد الساكن فی مقاربه إلا قالَ رَبِ [مریم: 10] حیث وقع» ثم قال:
«و الإدغام فی كادَ یَزِیغُ أحسن منه فی بَعْدَ تَوْكِیدِها إذ الساكن فی (كاد) حرف مد فجاز لقیه للساكن، و الساكن فی (بعد) حرف صحیح.
ثم اتفق الحافظ و الإمام علی أن الذی سوغ الإدغام فیهما اتحاد المخرج، و الله أعلم.
و أما الصاد: فلقیتها الدال بعد الحركة فی موضعین:
أحدهما: نَفْقِدُ صُواعَ فی سورة یوسف علیه السلام [الآیة: 72].
______________________________
- جدا، من حیث أضمر فی (كاد) ضمیرا، لیس له علی من یعود إلا بتوهم، و من حیث یكون خبر (كاد) رافعا سببیا.
قلت: كیف یقول: و الصحیح المنع؟! و هذا التركیب موجود فی القرآن، كقوله تعالی:
ما كانَ یَصْنَعُ فِرْعَوْنُ، و كانَ یَقُولُ سَفِیهُنا، و فی قول امرئ القیس:
و إن تك قد ساءتك منی خلیقة.... فهذا التركیب واقع لا محالة. و إنما اختلفوا فی تقدیره: هل من باب تقدیم الخبر، أم لا؟ فمن منع؛ لأنه كباب المبتدأ و الخبر الصریح، و الخبر الصریح متی كان كذلك امتنع تقدیمه علی المبتدأ؛ لئلا یلتبس بباب الفاعل، فكذلك بعد نسخه، و من أجاز فلأمن اللبس.
ثم قال الشیخ: و یخلص من هذه الإشكالات اعتقاد كون (كاد) زائدة، و معناها مراد، و لا عمل لها إذ ذاك فی اسم و لا خبر، فتكون مثل (كان) إذا زیدت، یراد معناها، (و لا عمل لها)، و یؤید هذا التأویل قراءة ابن مسعود (من بعد ما زاغت) بإسقاط (كاد)، و قد ذهب الكوفیون إلی زیادتها فی قوله تعالی: (لم یكد یراها) مع تأثرها بالعامل، و عملها فیما بعدها، فأحری أن یدعی زیادتها، و هی لیست عاملة و لا معمولة.
قلت: زیادتها أباه الجمهور، و قال به من البصریین الأخفش، و جعل منه (أكاد أخفیها).
و قرأ الأعمش، و الجحدری: (تزیغ) بضم التاء، و كأنه جعل (أزاغ)، (و زاغ)، بمعنی.
و قرأ أبی: (كادت) بتاء التأنیث.
ینظر الدر المصون (3/ 509- 510).
(1) فی أ: و الرابع.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 272
و الثانی: فی مَقْعَدِ صِدْقٍ فی القمر [الآیة: 55].
و لقیتها بعد السكون فی موضعین:
أحدهما: فِی الْمَهْدِ صَبِیًّا فی كهیعص [مریم: 29].
و الثانی: وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ فی النور [الآیة: 58].
اتفق الحافظ و الإمام علی الإدغام فی الأربعة.
و أما السین: فلقیتها بعد الحركة فی موضع واحد و هو عَدَدَ سِنِینَ فی المؤمنین [الآیة: 112]، و لقیتها بعد السكون فی ثلاثة مواضع و هی: فِی الْأَصْفادِ سَرابِیلُهُمْ فی سورة إبراهیم صلی اللّه علیه و سلم [الآیتان: 49- 50] و كَیْدُ ساحِرٍ فی طه [الآیة: 69] و یَكادُ سَنا بَرْقِهِ [النور: 43].
و أغفل الحافظ فی «التیسیر» الحرف الذی فی طه، و ذكره فی «التفصیل».
اتفق الحافظ و الإمام فی المواضع الأربعة، و زاد الإمام موضعا خامسا و هو قوله- تعالی-: لِداوُدَ سُلَیْمانَ فی ص [الآیة: 30] فأخذ فیه بالإدغام و مذهب الحافظ الإظهار؛ لأن الدال مفتوحة.
و أما الذال: فلقیتها الدال بعد الحركة فی موضع واحد و هو قوله- تعالی-:
وَ الْقَلائِدَ ذلِكَ فی المائدة [الآیة: 97]، و لقیتها بعد السكون فی خمسة عشر موضعا منها: مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فی ثلاثة مواضع من البقرة: [الآیات: 52، 64، 74] و فی موضعین من آل عمران [94، 95] و سورة یوسف- علیه السلام- [47، 48] و النور [5، 55] و فی موضع [واحد] «1» من المائدة [43]، و التوبة [27] و النحل [119].
و منها الْمَرْفُودُ ذلِكَ فی سورة هود صلی اللّه علیه و سلم [99، 100].
و مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ فی الفتح [الآیة: 29] و الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ فی البروج [الآیتان: 14، 15].
اتفق الحافظ و الإمام علی الإدغام فی هذه المواضع الخمسة عشر، و زاد الإمام موضعا آخر و هو قوله تعالی-: داوُدَ ذَا الْأَیْدِ فی ص [الآیة: 17] فذكر فیه الخلاف، و أن الإدغام روایة أبی عبد الرحمن، عن أبیه عن أبی عمرو، و روایة قاسم ابن عبد الوارث، عن أبی عمرو، و الله أعلم.
______________________________
(1) سقط فی ب.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 273
و قول الحافظ فی هذا الفصل بإثر الأمثلة: «لا غیر» یقتضی حصر الإدغام فیما ذكر من الأمثلة، و لیس یقتضی نفی نظائر تلك الأمثلة من القرآن مع أنه لیس فی القرآن غیر ما ذكر، و الله تعالی أعلم.
و لو قال بإثر تلك الأمثلة: «و لیس فی القرآن غیرها» بدل قوله: «لا غیر»، لكان أتم فی إفادة الحصر.
و قوله فی الثانی: «قوله: مِنَ الصَّیْدِ تَنالُهُ [المائدة: 94] و تَكادُ تَمَیَّزُ [الملك: 8] لا غیر»، لا ینتقض بقوله فی آخر الفصل كادَ یَزِیغُ [التوبة: 117] و بَعْدَ تَوْكِیدِها [النحل: 91]؛ لأنه تكلم أولا فیما إذا كان الدال مضموما أو مكسورا فصح قوله: «لا غیر» بعد المثالین.
و قوله فی السین: فِی الْأَصْفادِ سَرابِیلُهُمْ [إبراهیم: 49، 50] و یَكادُ سَنا بَرْقِهِ [النور: 43]، ثم قال: «لا غیر».
قد تقدم أنه أغفل موضعا ثالثا و هو: كَیْدُ ساحِرٍ [طه: 69] و أثبته فی «التفصیل». و قوله: «و كان ابن مجاهد لا یری الإدغام فی الحرف الثانی» یعنی به دارُ الْخُلْدِ جَزاءً [فصلت: 28]، و سماه ثانیا؛ لأن قبله داوُدُ جالُوتَ [البقرة: 251] و ظاهر هذا القول تخصیص هذا الحكم بهذا الحرف، و لا معنی له؛ و إنما مراده- و الله أعلم- أنه لا یری الإدغام فی هذا الحرف، و ما كان مثله مما قبل الدال فیه حرف ساكن صحیح فینسحب الحكم علی قوله- تعالی- بعد: مِنْ بَعْدِ ذلِكَ [آل عمران: 89] و مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ [المائدة: 39] و فِی الْمَهْدِ صَبِیًّا [مریم: 29] و وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ [النور: 58] و مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ [فصلت: 50] و مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ [الروم: 54]؛ إذ الساكن فی جمیعها قبل الدال حرف صحیح، و هذا المعنی من العموم لهذه الأمثلة قصده الحافظ بقوله: «و هذا و ما أشبهه عند النحویین و الحذاق من المقرئین إخفاء».
یرید بالإخفاء: تضعیف الصوت بالحركة حتی ینتقل عن التحقیق إلی الروم؛ فلا یكون الإدغام صحیحا؛ لأن بقاء بعض الحركة فی منع الإدغام، كتحقیق الحركة، و یندفع بذلك التقاء الساكنین؛ فیكون تسمیته إدغاما علی وجه المسامحة لشبهه «1»
______________________________
(1) فی ب: لتشبهه.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 274
بالإدغام، و الله- تعالی- أعلم.
و یبقی «1» علی الحافظ ما إذا كان الحرف محركا بالفتح و قبله حرف ساكن صحیح؛ فإنه لا یصح فیه الروم عند القراء، فلا بد أن یكون الإدغام صحیحا، فیلزم التقاء الساكنین، و الله تبارك و تعالی أعلم.

إدغام التاء فی عشرة أحرف «2»

قال الحافظ- رحمه الله-: «و أما التاء فأدغمها ما لم تكن اسم المخاطب فی عشرة أحرف».
______________________________
(1) فی أ: ینبغی.
(2) تعرض سیبویه لإدغام التاء عند حدیثه فی باب الإدغام فی حروف طرف اللسان و الثنایا، فقال: هذا باب الإدغام فی حروف طرف اللسان و الثنایا:
الطاء مع الدال كقولك: اضبدّ لما؛ لأنهما مع موضع واحد، و هی مثلها فی الشدة إلا أنك قد تدع الإطباق علی حاله فلا تذهبه؛ لأن الدال لیس فیها إطباق، فإنما تغلب علی الطاء؛ لأنها من موضعها، و لأنها حصرت الصوت من موضعها كما حصرته الدال. فأما الإطباق فلیست منه فی شی‌ء، و المطبق أفشی فی السمع، و رأوا إجحافا أن تغلب الدال علی الإطباق و لیست كالطاء فی السمع. و مثل ذلك إدغامهم النون فیما تدغم فیه بغنة.
و بعض العرب یذهب الإطباق حتی یجعلها كالدال سواء، أرادوا ألا تخالفها إذ آثروا أن یقلبوها دالا، كما أنهم أدغموا النون بلا غنة.
و كذلك الطاء مع التاء. إلا أن إذهاب الإطباق مع الدال أمثل قلیلا؛ لأن الدال كالطاء فی الجهر و التاء مهموسة. و كلّ عربی. و ذلك انقتّوءما، تدغم.
و تصیر الدال مع الطاء طاء، و ذلك: انقطّالبا. و كذلك التاء، و هو قولك: انعطّالبا؛ لأنك لا تجحف بهما فی الإطباق و لا فی غیره.
و كذلك التاء مع الدال، و الدال مع التاء؛ لأنه لیس بینهما إلا الهمس و الجهر، لیس فی واحد منهما إطباق و لا استطالة و لا تكریر.
و مما أخلصت فیه الطاء تاء سماعا من العرب، قولهم: حتّهم، یریدون: حطتهم.
و التاء و الدال سواء كل واحدة منهما تدغم فی صاحبتها حتی تصیر التاء دالا و الدال تاء؛ لأنهما من موضع واحد، و هما شدیدتان لیس بینهما شی‌ء إلا الجهر و الهمس، و ذلك قولك: انعدّلاما، و انقتلك، فتدغم.
و لو بینت، فقلت: اضبط دلاما، و اضبط تلك، و انقد تلك، و انعت دلاما- لجاز. و هو یثقل التكلم به؛ لشدتهن، و للزوم اللسان موضعهن لا یتجافی عنه.
فإن قلت: أقول: اصحب مطرا، و هما شدیدتان، و البیان فیهما أحسن؟ فإنما ذلك لاستعانة المیم بصوت الخیاشیم، فضارعت النون. و لو أمسكت بأنفك لرأیتها بمنزلة ما قبلها.
ینظر الكتاب (4/ 460- 461).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 275
قد تقدم أن التاء لقیت فی القرآن أحد عشر حرفا، و ذكر منها [هنا] «1» عشرة، و ترك الدال؛ لأنها لم تلقها الدال من كلمتین إلا و التاء ساكنة نحو فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا [الأعراف: 189] علی ما أذكره فی باب الإدغام الصغیر بحول الله عز و جل.
و اعلم أن الحروف التی تدغم فیها التاء فی هذا الباب عشرة و هی: الظاء، و جملة الحروف التی تدغم فیها الدال سوی التاء، و قد ذكرت المواضع التی لقیت التاء فیها شیئا من هذه الحروف، و هی ضمیر المتكلم فأغنی عن إعادته.
ثم إن التاء التی تدغم فی هذا الباب إنما هی أبدا تاء التأنیث، إما فی المفرد نحو وَ الْآخِرَةُ [الأعلی: 17] و إما فی الجمع المؤنث السالم نحو الصَّالِحاتِ [البقرة: 25] إلا فی موضعین، فإن التاء فیهما لام الكلمة:
أحدهما: الْمَماتِ فی الإسراء [الآیة: 75].
و الثانی: الْمَوْتِ فی العنكبوت [الآیة: 57].
و إلا ثلاثة مواضع فإن التاء فیها عین الكلمة و هی: وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ فی النساء [الآیة: 102]، و وَ آتِ ذَا الْقُرْبی فی الإسراء [الآیة: 26]، و الروم [الآیة: 38].
و هذه المواضع الثلاثة من المعتل؛ لأنه حذفت لام الكلمة من وَ آتِ لبناء الأمر، و حذفت من وَ لْتَأْتِ للجزم، و الله- تبارك اسمه- أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله- «فی الطاء».
اعلم أن التاء لقیت الطاء فی القرآن فی أربعة مواضع و هی الصَّلاةَ طَرَفَیِ فی سورة هود- علیه السلام- [114] و الصَّالِحاتِ طُوبی فی الرعد [29] و الْمَلائِكَةُ طَیِّبِینَ فی النحل [32].
اتفق الحافظ و الإمام علی الإدغام فی هذه الثلاثة.
و الرابع وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ فی النساء [الآیة: 102] ذكره الإمام بالإدغام، و ذكره الحافظ بالوجهین.
و ذكر فی «التفصیل» أن ابن مجاهد كان یدغم، ثم رجع إلی الإظهار فی آخر عمره.
و وجه الإدغام الهرب من ثقل الكسر، مع أن أبا عمرو لم یستثنه، كذا قال الحافظ.
و وجه الإظهار: الاستغناء بحذف لامها عن تخفیف الإدغام، و الله- جل
______________________________
(1) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 276
و علا- أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله- «و فی الذال».
اعلم أن التاء لقیت الذال فی أحد عشر موضعا، منها فی آل عمران الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ [الآیة: 112]، و فی سورة هود- علیه السلام- الْآخِرَةِ ذلِكَ [الآیة: 103]، و السَّیِّئاتِ ذلِكَ [114]، و فی الحج وَ الْآخِرَةَ ذلِكَ [11]، و فی الصافات فَالتَّالِیاتِ ذِكْراً [الآیة: 3]، و فی غافر رَفِیعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ [الآیة: 15]، و مِنَ الطَّیِّباتِ ذلِكُمُ [الآیة: 64]، و فی الذاریات وَ الذَّارِیاتِ ذَرْواً [الآیة: 1] و فی المرسلات فَالْمُلْقِیاتِ ذِكْراً [الآیة: 5] اتفق الحافظ و الإمام علی الإدغام فی جمیع ما تقدم.
فأما قوله- تعالی-: وَ آتِ ذَا الْقُرْبی فی الإسراء [الآیة: 26] و الروم [الآیة: 38]- ففیه الوجهان.
قال الإمام: «و الإظهار أحسن؛ لقلة حروف الكلمة، و وجه الإدغام كسر التاء، و ذكر الحافظ أنه قرأه بالوجهین.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و فی الثاء».
اعلم أن التاء لقیت الثاء فی ستة عشر موضعا:
منها فی البقرة: بِالْبَیِّناتِ ثُمَ [92].
و فی آل عمران: الْقِیامَةِ ثُمَ فی موضعین [55، 161] و النُّبُوَّةَ ثُمَ [79]، و الْآخِرَةَ ثُمَ [152].
و فی المائدة: بِالْبَیِّناتِ ثُمَ [32]، و الْآیاتِ ثُمَ [75]، و الصَّالِحاتِ ثُمَ [93].
و فی الأنعام: الْآیاتِ ثُمَ [46]، و فی الأعراف: السَّیِّئاتِ ثُمَ [153]، و فی الإسراء: الْمَماتِ ثُمَ [75]، و فی النور: الْمُحْصَناتِ ثُمَ [4]، و فی العنكبوت: الْمَوْتِ ثُمَ [57]، و فی الأحزاب [49]، و فی البروج [1]: الْمُؤْمِناتِ ثُمَ.
قال الحافظ: «و فی الضاد فی قوله: وَ الْعادِیاتِ ضَبْحاً [العادیات: 1] لا غیر».
و هذا كالذی قبله لیس فی القرآن غیره.
قال الحافظ: «و فی الشین».
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 277
اعلم أن التاء لقیت الشین فی قوله تعالی:
فی الحج: السَّاعَةِ شَیْ‌ءٌ عَظِیمٌ [1] و فی النور بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فی موضعین [4، 13].
و اتفق الحافظ و الإمام علی الإدغام.
فأما قوله- تعالی-: لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً إِمْراً [الكهف: 71] ففیه الوجهان من طریق الحافظ و الإمام، و الإظهار أكثر؛ لذهاب عین الكلمة، و وجه الإدغام: ثقل الكسر، و لا یصح إلا مع تسهیل الهمزة، أو روم الحركة علی قول من أجاز تحقیق الهمزة، و لم یثبت إدغام التاء التی هی ضمیر إلا فی هذا الموضع الواحد، فأما فی الموضعین من الكهف [الآیتان: 71، 74] فلا خلاف فی الإظهار فیهما؛ لخفة فتحة التاء، و الله- عز و جل- أعلم.
قال الحافظ: «و فی الجیم».
اعلم أن التاء لقیت الجیم فی سبعة عشر موضعا منها فی المائدة: الصَّالِحاتِ جُناحٌ [الآیة: 93]، و فی التوبة [72]، و الفتح [5] وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ.
و فی سورة یونس علیه السلام السَّیِّئاتِ جَزاءُ [27]، و فی الرعد الثَّمَراتِ جَعَلَ [3]، و فی سورة إبراهیم علیه السلام [23]، و القتال [12]، و موضعین من الحج [14، 23] الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ، و فی الإسراء الْآخِرَةِ جِئْنا [104]، و فی النور مِائَةَ جَلْدَةٍ [2]، و فی الشعراء مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِیمِ [85]، و فی فاطر الْعِزَّةُ جَمِیعاً [10]، و فی الزمر الشَّفاعَةُ جَمِیعاً [44]، و فی غافر لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ [49]، و فی الواقعة وَ تَصْلِیَةُ جَحِیمٍ [94]، و فی «لم یكن» الْبَرِیَّةِ جَزاؤُهُمْ [البینة: 7، 8].
اتفق الحافظ و الإمام علی الإدغام فی جمیعها.
قال الحافظ: «و فی السین»:
اعلم أن التاء لقیت السین فی أربعة عشر موضعا:
منها فی النساء الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ فی موضعین [57، 122].
و فی الأعراف [12]، و الشعراء [46] السَّحَرَةُ ساجِدِینَ، و فی التوبة أَلا فِی الْفِتْنَةِ سَقَطُوا [49]، و فی النحل الْبَناتِ سُبْحانَهُ [57]، و فی «كهیعص» الصَّالِحاتِ سَیَجْعَلُ [مریم: 96]، و فی طه السَّحَرَةُ سُجَّداً [70]، و فی
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 278
الفرقان: بِالسَّاعَةِ سَعِیراً [11]، و فی القصص الْخِیَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ [68]، و فی الجاثیة الصَّالِحاتِ سَواءً [21]، و فی النازعات وَ السَّابِحاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً [3، 4].
اتفق الحافظ و الإمام علی الإدغام فی جمیع ما ذكر.
و الخامس عشر: الزَّكاةَ ثُمَ فی البقرة [83].
و السادس عشر: التَّوْراةَ ثُمَ فی الجمعة [5].
قال الحافظ: «فابن مجاهد لا یری إدغامه؛ لخفة الفتحة، و قرأته بالوجهین» فأفرد الضمیر و هو یعنی الحرفین، و كأنه أعاد الضمیر علی ما ذكر، و لو ثناه فی الموضعین لكان أحسن.
و ذكر الإمام الخلاف فی حرف البقرة و أن الإظهار أحسن؛ لأن التاء مفتوحة و لا تقدر علی الإشمام «1» فیها، ثم قال: و الإدغام فیها جائز؛ لأن الساكن الأول فیها حرف مد و لین، ثم ذكر أن الإدغام روایة ابن جبیر، و محمد بن عمرو بن رومیّ، عن الیزیدی، عن أبی عمرو، و روایة قاسم بن عبد الوارث، عن أبی عمر، عن الیزیدی، عن أبی عمرو.
______________________________
(1) الإشمام: روم الحرف الساكن بحركة خفیّة لا یعتد بها و لا تكسر وزنا؛ أ لا تری أن سیبویه حین أنشد:
متی أنام لا یؤرّقنی الكری مجزوم القاف، قال بعد ذلك: و سمعت بعض العرب یشمها الرفع، كأنه قال: متی أنام غیر مؤرّق؟.
التهذیب: و الإشمام أن یشم الحرف الساكن حرفا كقولك فی الضمة: هذا العمل، و تسكت، فتجد فی فیك إشماما للام لم یبلغ أن یكون واوا، و لا تحریكا یعتد به، و لكن شمة من ضمة خفیفة، و یجوز ذلك فی الكسر و الفتح أیضا.
الجوهری: و إشمام الحرف أن تشمه الضمة أو الكسرة، و هو أقل من روم الحركة؛ لأنه لا یسمع، و إنما یتبین بحركة الشفة؛ قال: و لا یعتد بها حركة لضعفها، و الحرف الذی فیه الإشمام ساكن أو كالساكن مثل قول الشاعر:
متی أنام لا یؤرقنی الكری‌لیلا و لا أسمع أجراس المطی قال سیبویه: العرب تشم القاف شیئا من الضمة، و لو اعتددت بحركة الإشمام لانكسر البیت، و صار تقطیع: رقنی الكری، متفاعلن، و لا یكون ذلك إلا فی الكامل، و هذا البیت من الرجز.
ینظر اللسان (4/ 2333- 2334).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 279
قال الحافظ- رحمه الله-: «و فی الظاء فی قوله تعالی الْمَلائِكَةُ ظالِمِی فی النساء [97]، و النحل [28] لا غیر».
اعلم أن التاء إنما لقیت الظاء فی هذین الموضعین خاصة، و قوله: «لا غیر» ظاهر فی حصر الإدغام فی هذین الموضعین دون نفی النظائر علی ما تقدم، و الله جل علاه أعلم.
و فی التكویر الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ [8].
اتفق الحافظ و الإمام علی الإدغام فی جمیعها، فأما قوله تعالی وَ لَمْ یُؤْتَ سَعَةً [البقرة: 247] فلا خلاف فی إظهاره؛ لنقص الكلمة، و خفة الفتحة، و قد تقدم ذكره و الله [لا إله غیره] «1» أعلم.
قال الحافظ: «و فی الصاد»، و ذكر ثلاثة مواضع:
الأول: فی الصافات «2» [1].
و الثانی: فی النساء [90].
و الثالث: فی العادیات [3] «3»، و لیس فی القرآن غیرها.
قال الحافظ: «و فی الزای»، و ذكر ثلاثة مواضع:
الأول: فی النمل [4].
و الثانی: فی الصافات [2] «4».
و الثالث: فی الزمر [73]، و لیس فی القرآن غیرها، و الله [جل و علا] «5» أعلم.
و اتفق الحافظ و الإمام علی إدغامها.
قال الحافظ: «و أما الذال فأدغمها فی السین فی قوله: فَاتَّخَذَ سَبِیلَهُ فی موضعین» یعنی فی الكهف [الآیتان: 61، 63]، «و فی الصاد: فی قوله: مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً» یعنی فی «قل أوحی» [الجن: 3].
اتفق الحافظ و الإمام علی الإدغام فی الثلاثة، و لیس فی القرآن غیرها.
______________________________
(1) سقط فی ب.
(2) فی ب: و الصافات.
(3) فی ب: و العادیات.
(4) فی ب: و الصافات.
(5) فی ب: تعالی.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 280
قال الحافظ: «و أما الثاء فأدغمها فی خمسة أحرف».
[هذه الخمسة] «1» هی الأوائل من قولك: «ذهب ضر تائب سجد شكرا».
قال: «فی الذال «2» من قوله- تعالی-: وَ الْحَرْثِ ذلِكَ» هو فی آل عمران [الآیة: 14]، و لیس فی القرآن غیره.
قال: «و فی التاء من قوله- تعالی-: حَیْثُ تُؤْمَرُونَ» هو فی الحجر [الآیة: 65] «و الْحَدِیثِ تَعْجَبُونَ فی و «النجم» [الآیة: 59] و لیس فی القرآن غیرهما».
قال: «و فی الشین».
اعلم أن الثاء «3» لقیت الشین «4» فی خمسة مواضع منها: حَیْثُ شِئْتُما و حَیْثُ شِئْتُمْ البقرة [35، 58] و الأعراف [19، 161] و الخامس: ثَلاثِ شُعَبٍ فی المرسلات [الآیة: 30].
قال: «و فی السین».
اعلم أن التاء لقیت السین فی أربعة مواضع منها فی النمل وَ وَرِثَ سُلَیْمانُ [الآیة: 16]، و فی الطلاق مِنْ حَیْثُ سَكَنْتُمْ [الآیة: 6] و فی «ن» الْحَدِیثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ [الآیة: 44]، و فی المعارج مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً [الآیة: 43].
قال: «و فی الضاد فی قوله- تعالی-: حَدِیثُ ضَیْفِ إِبْراهِیمَ فی الذاریات [الآیة: 24]، و لیس فی القرآن غیره».
اتفق الحافظ و الإمام علی إدغام الثاء فی جمیع ما تقدم، و الله- جل و علا- أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و أما الراء فأدغمها فی اللام».
______________________________
(1) سقط فی أ.
(2) قال سیبویه فی بیان إدغام الثاء فی الذال: و الذال و الثاء كل واحدة منهما من صاحبتها منزلة الدال و التاء، و ذلك قولك: خثّابتا و ابعذّلك، أی: خذ ثابتا، و ابعث ذلك- و البیان فیهن أمثل منه فی الصاد و السین و الزای. لأن رخاوتهن أشد من رخاوتهن لانحراف طرف اللسان إلی طرف الثنایا و لم یكن له رد. و الإدغام فیهن أكثر و أجود؛ لأن أصل الإدغام لحروف اللسان و الفم، و أكثر حروف اللسان من طرف اللسان و ما یخالط طرف اللسان، و هی أكثر من حروف الثنایا.
ینظر الكتاب (4/ 462).
(3) فی أ: التاء.
(4) فی أ: السین.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 281
اعلم أنه إنما یدغم الراء فی اللام علی تفصیل «1»، و هو أنها إن تحرك ما قبلها فیدغمها فی اللام سواء كانت هی متحركة بالفتح أو بالكسر أو بالضم، فأما إن سكن ما قبلها فلا یدغمها إلا أن تكون هی متحركة بالضم أو بالكسر خاصة.
أما القسم الأول: فجملته فی القرآن سبعة و خمسون موضعا:
منها: یَغْفِرُ لِمَنْ یَشاءُ فی آل عمران [129]، و وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ [آل عمران:
159]، و لِیَغْفِرَ لَهُمْ فی موضعین من النساء [37، 168]، و یَغْفِرُ لِمَنْ فی موضعین من المائدة [18، 40]، و سَیُغْفَرُ لَنا فی الأعراف [169]، و أَطْهَرُ لَكُمْ فی سورة هود علیه السلام [78]، و أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ فی سورة یوسف علیه السلام [98]، و الْكُفَّارُ لِمَنْ فی الرعد [42]، و لِیَغْفِرَ لَكُمْ.
و سَخَّرَ لَكُمُ فی أربعة مواضع من سورة إبراهیم علیه السلام [32، 33]، و سَخَّرَ لَكُمُ، و أَكْبَرُ لَوْ، و الْعُمُرِ لِكَیْ فی النحل [12، 41، 70]، و تَفْجُرَ لَنا فی الإسراء [90]، و سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ فی كهیعص [47]، و لِیَغْفِرَ لَنا فی طه [73]، و الْعُمُرِ لِكَیْلا، و سَخَّرَ لَكُمْ فی الحج [5، 65]، و آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ فی المؤمنین [117].
و أَنْ یَغْفِرَ لَنا، و أَنْ یَغْفِرَ لِی فی الشعراء [51، 82].
و یَشْكُرُ لِنَفْسِهِ، و وَ حُشِرَ لِسُلَیْمانَ فی النمل [40، 17].
و فَغَفَرَ لَهُ، و بَصائِرَ لِلنَّاسِ، و وَ یَقْدِرُ لَوْ لا، و آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فی القصص [16، 43، 82، 88].
و وَ الْقَمَرَ لَیَقُولُنَ، و یَقْدِرُ لَهُ فی العنكبوت [61، 62].
و یَشْكُرُ لِنَفْسِهِ، و سَخَّرَ لَكُمْ فی لقمان [12، 20].
و الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ فی «الم» السجدة [21].
و أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ فی الأحزاب [53].
و وَ یَقْدِرُ لَهُ فی سبأ [39].
______________________________
(1) قال ابن عصفور: و أما الراء فلا تدغم فی شی‌ء، و قد حكی إدغامها فی اللام نحو: (یغفر لّكم) إلا أن ذلك شاذ، و لا یدغم فیها إلا اللام و النون.
ینظر: 15)./ 14- 15).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 282
و مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا فی فاطر [12].
و غَفَرَ لِی فی یس [27].
و أَكْبَرُ لَوْ فی الزمر [26].
و وَ الْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا فی فصلت [37].
و سَخَّرَ لَنا فی الزخرف [13].
و سَخَّرَ لَكُمُ فی موضعین، و بَصائِرُ لِلنَّاسِ فی الجاثیة [12، 13، 20].
و فَلا ناصِرَ لَهُمْ فی القتال [محمد: 13].
و لِیَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ، و یَغْفِرُ لِمَنْ فی الفتح [2، 14].
و الْمُصَوِّرُ لَهُ فی الحشر [24].
و أَكْبَرُ لَوْ فی «ن» [33].
و لا یُؤَخَّرُ لَوْ، و لِتَغْفِرَ لَهُمْ فی سورة نوح علیه السلام [4، 7].
و ما سَقَرُ لا تُبْقِی وَ لا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ ... [لِلْبَشَرِ] لِمَنْ فی المدثر [27- 29، 36- 37].
أما القسم الثانی: فجملته فی القرآن ثمانیة و عشرون موضعا:
منها: فی البقرة: الْأَنْهارُ لَهُ [266]، الْمَصِیرُ لا یُكَلِّفُ [285- 286].
و فی آل عمران الْغُرُورِ لَتُبْلَوُنَ [185- 186]، و النَّهارِ لَآیاتٍ [190].
و فی سورة یونس علیه السلام بِالْخَیْرِ لَقُضِیَ [11].
و فی سورة هود علیه السلام النَّارِ لَهُمْ [106].
و فی الرعد بِالنَّهارِ لَهُ [10- 11].
و فی سورة إبراهیم علیه السلام النَّارُ لِیَجْزِیَ [50- 51].
و فی النحل الْأَنْهارُ لَهُمْ [31].
و فی الإسراء فِی الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا [66].
و فی طه النَّهارِ لَعَلَّكَ [130].
و فی النور وَ الْأَبْصارُ لِیَجْزِیَهُمُ [37- 38].
و فی القصص مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ [29].
و فی الزمر مَنْ فِی النَّارِ لكِنِ [19- 20].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 283
و فی غافر الْغَفَّارِ لا جَرَمَ [42- 43]، و فِی النَّارِ لِخَزَنَةِ [49]، و الْبَصِیرُ لَخَلْقُ [56- 57].
و فی فصلت النَّارُ لَهُمْ [28]، و بِالذِّكْرِ لَمَّا [41].
و فی الشوری الْبَصِیرُ لَهُ [11- 12].
و فی الحجرات مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ [7].
و فی الممتحنة إِلَی الْكُفَّارِ لا هُنَ [10].
و فی الإنسان مِنَ الدَّهْرِ لَمْ یَكُنْ [1].
و فی المطففین الفُجَّارِ لَفِی [7]، و الْأَبْرارِ لَفِی [18]. شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات 283 إدغام التاء فی عشرة أحرف ..... ص : 274
فی القدر الْقَدْرِ لَیْلَةُ [2- 3].
و الْفَجْرِ لَمْ یَكُنِ [القدر: 5- البینة: 1].
و فی العادیات الْخَیْرِ لَشَدِیدٌ [8].
اتفق الحافظ و الإمام علی إدغام الراء فی كل ما تقدم.
و قوله: «و الإمالة باقیة مع الإدغام».
یرید إمالة الألف و الفتحة قبل الراء المخفوضة مع إدغامها فی اللام كما قال مع الإظهار.
و قوله: «لكونه عارضا».
یرید: لكون الإدغام عارضا، و تمام هذا التعلیل، هو أن العارض فی هذا الباب لا یعتد به؛ فكأن الكسرة باقیة فی الراء، و هی سبب الإمالة للألف و الفتحة التی قبل الراء، كما یأتی فی بابه بحول الله- عز و جل- و لم أر للإمام فی هذا شیئا.
و اعلم أن هذا التعلیل إنما یحتاج إلیه إذا حقق الإدغام، فأما إن قرئ بالروم فلا یكون الإدغام صحیحا، و لا تكون الكسرة زائلة بل یضعف الصوت بها و لا تذهب رأسا.
و اعلم أن ما ذكر هنا من إبقاء «1» الإمالة حال الإدغام لا یختص بهذا الفصل؛ بل یطرد- أیضا- فی إدغام الراء فی مثلها إذا كانت الأولی مكسورة و قبلها ألف نحو
______________________________
(1) فی أ: بقاء.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 284
وَ تَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ رَبَّنا [آل عمران: 193- 194] و فَقِنا عَذابَ النَّارِ رَبَّنا [آل عمران: 191- 192].
و كذلك السین علی روایة الإمالة فی قوله- تعالی- لِلنَّاسِ سَواءً [الحج: 25] و الله تعالی جده أعلم.

إدغام اللام فی الراء «1»

قال الحافظ- رحمه الله-: «و أما اللام فأدغمها فی الراء».
اعلم أنه یدغم اللام فی الراء علی تفصیل أیضا، و بیانه أنه إما أن یتحرك ما قبلها أو یسكن، فإن تحرك ما قبلها- أدغمها كیفما كانت حركتها.
و إن سكن ما قبلها- نظر إلی حركتها: فإن كانت ضمة أو كسرة أدغمها، و إن كانت فتحة لم یدغمها إلا فی أصل واحد و هو أن تكون اللام من «قال» و الراء من «رب» مضافا كان أو غیر مضافا؛ فحصل من هذا أن اللام المدغمة فی الراء ثلاثة أقسام:
القسم الأول: اللام المتحرك ما قبلها، و جملته فی القرآن ستة عشر موضعا:
منها فی آل عمران: كَمَثَلِ رِیحٍ [117]، و فی الأنعام یَجْعَلُ رِسالَتَهُ [124]، و فی الأعراف رُسُلُ رَبِّنا، فی موضعین [43، 53]، و فی التوبة أَرْسَلَ رَسُولَهُ [33]، و فی سورة هود علیه السلام رُسُلُ رَبِّكَ [81]، و فی النحل أَنْزَلَ رَبُّكُمْ فی موضعین [24، 30]، و سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا [69]، و فی كهیعص جَعَلَ رَبُّكِ [24]، و فی العنكبوت لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا [60]، و فی الشوری أَوْ یُرْسِلَ رَسُولًا [51]، و فی الفتح [28] و الصف [9] أَرْسَلَ رَسُولَهُ، و فی الفجر [6] و الفیل [1] فَعَلَ رَبُّكَ.
القسم الثانی: اللام المتحركة بالضم أو الكسر بعد الساكن، و جملته فی القرآن عشرون موضعا:
منها فی البقرة: وَ إِسْماعِیلُ رَبَّنا [127]، و مَنْ یَقُولُ رَبَّنا فی موضعین
______________________________
(1) و قد علل سیبویه إدغام اللام فی الراء بقرب المخرجین، و لأن فیهما انحرافا نحو اللام قلیلا، و قاربتها فی طرف اللسان. و هما فی الشدة و جری الصوت سواء، و لیس بین مخرجیهما مخرج. و الإدغام أحسن.
ینظر: الكتاب (4/ 452).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 285
[200، 201]، و فی النساء وَ إِلَی الرَّسُولِ رَأَیْتَ [61]، و فی الأنعام اللَّیْلُ رَأی [76]، و فی سورة یوسف علیه السلام تَأْوِیلُ رُءْیایَ [100]، و فی النحل إِلی سَبِیلِ رَبِّكَ [125]، و فی كهیعص رَسُولُ رَبِّكِ [19]، و فی النور وَ الْآصالِ رِجالٌ [36- 37]، و فی الشعراء رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِینَ [16]، و لَتَنْزِیلُ رَبِّ الْعالَمِینَ [192]، و فی النمل مِنْ فَضْلِ رَبِّی [40]، و فی القصص الْقَوْلُ رَبَّنا [63]، و فی الصافات قَوْلُ رَبِّنا [31]، و فی الزخرف رَسُولُ رَبِ [46]، و فی القتال الْقِتالُ رَأَیْتَ [محمد: 20]، و فی الحاقة [40] و التكویر [19]: لَقَوْلُ رَسُولٍ، و فی الفجر فَیَقُولُ رَبِّی فی موضعین [15، 16].
القسم الثالث:
لام «قال»، و جملته فی القرآن ثمانیة و أربعون موضعا:
منها: قالَ رَبُّكَ فی البقرة [30] و الحجر [28] و ص [71] و الذاریات [30]، و فی موضعین فی كهیعص [9، 21].
و قالَ رَبُّكُمْ فی الشعراء [26] و سبأ [23] و غافر [59].
و قالَ رَبُّنَا فی طه [50].
و قالَ رَبِ فی المائدة [25] و سورة یوسف علیه السلام [33] و النمل [19] و العنكبوت [30] و الأحقاف [15] و سورة نوح علیه السلام [5].
و منها موضعان موضعان فی سورة هود علیه السلام [45، 47] و الحجر [36، 39] و طه [25، 125] و «ص» [35، 79].
و ثلاثة ثلاثة فی آل عمران [40، 41، 47] و الأعراف [43، 150، 155] و كهیعص [4، 8، 10] و المؤمنین [26، 39، 99].
و خمسة خمسة فی الشعراء [22، 24، 28، 117، 188] و القصص [16، 17، 21، 24، 44].
و منها: قالَ رَجُلانِ فی المائدة [23]، و قالَ رَجُلٌ فی غافر [28].
إلا أن كلام الحافظ فی «التفصیل» یقتضی أن النص إنما جاء عن الیزیدی فی إدغام قالَ رَبِ مضافا أو غیر مضاف، قال: «و قیاس ذلك قالَ رَجُلانِ و قالَ رَجُلٌ و لا فرق».
قال: «و بالإدغام قرأته طردا للقیاس» و هذا حاصل قوله أیضا فی «التیسیر»، و ذكر
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 286
الإمام جمیع ذلك فی الإدغام، و لم یتعرض لنص و لا قیاس، و الله تبارك اسمه أعلم.

إدغام النون فی اللام و الراء «1»

قال الحافظ- رحمه الله-: «و أما النون فأدغمها إذا تحرك ما قبلها فی اللام و الراء».
اعلم أن جملة المواضع التی أدغم فیها النون فی الراء خمسة، منها تَأَذَّنَ رَبُّكَ فی الأعراف [167] و تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ فی سورة إبراهیم علیه السلام [7] و خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّی فی الإسراء [100] و «ص» [9] و خَزائِنُ رَبِّكَ فی الطور [37].
و أما إدغام النون فی اللام فلا یخلو أن یسكن ما قبل النون أو یتحرك: فإن سكن ما قبلها لم یدغم منها إلا ما كان من لفظ: «نحن» خاصة، و جملته فی القرآن عشرة مواضع:
منها نَحْنُ لَهُ فی أربعة مواضع من البقرة [133، 136، 138، 139].
و موضع موضع فی آل عمران [84] و المؤمنین [38] و العنكبوت [46].
و نَحْنُ لَكَ فی الأعراف [132] و سورة هود علیه السلام [53].
و نَحْنُ لَكُما فی سورة یونس علیه السلام [78].
فأما إذا تحرك ما قبلها فإنه یدغمها و جملته فی القرآن إحدی و ستون موضعا:
منها فی البقرة لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ [55] نُبَیِّنُ لَهُمُ [109] یُبَیِّنُ اللَّهُ [187] زُیِّنَ لِلَّذِینَ [212] فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُ [259].
و فی آل عمران زُیِّنَ لِلنَّاسِ [14] نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ [183].
و فی النساء لِیُبَیِّنَ لَكُمْ [26] تَبَیَّنَ لَهُ [115].
و فی المائدة یُبَیِّنُ لَكُمْ فی موضعین [19، 89] نُبَیِّنُ لَهُمُ [75].
و فی الأنعام وَ زَیَّنَ لَهُمُ [43] زُیِّنَ لِلْكافِرِینَ [122] زَیَّنَ لِكَثِیرٍ مِنَ الْمُشْرِكِینَ [137].
و فی الأعراف آذَنَ لَكُمْ [23].
______________________________
(1) علل سیبویه إدغام النون فی اللام بأنها قریبة منها علی طرف اللسان، و ذلك قولك: من لك.
فإن شئت كان إدغاما بلا غنة فتكون بمنزلة حروف اللسان، و إن شئت أدغمت بغنة؛ لأن لها صوتا من الخیاشیم فترك علی حاله؛ لأن الصوت الذی بعده لیس له فی الخیاشیم نصیب، فیغلب علیه الاتفاق. ینظر: الكتاب (4/ 452).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 287
و فی الأنفال زَیَّنَ لَهُمُ [48].
و فی التوبة زُیِّنَ لَهُمْ [37] یَتَبَیَّنَ لَكَ [43] وَ یُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِینَ [61] لِیُؤْذَنَ لَهُمْ [90] لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ [94] تَبَیَّنَ لَهُمْ [113] تَبَیَّنَ لَهُ [114] یُبَیِّنَ لَهُمْ [115].
و فی سورة یونس علیه السلام زُیِّنَ لِلْمُسْرِفِینَ [12] أَذِنَ لَكُمْ [59] آمَنَ لِمُوسی [83] و فی سورة یوسف علیه السلام یَأْذَنَ لِی [80].
و فی الرعد زُیِّنَ لِلَّذِینَ [33].
و فی سورة إبراهیم علیه السلام لِیُبَیِّنَ لَهُمْ [4] و تَبَیَّنَ لَكُمْ [45].
و فی النحل لِیُبَیِّنَ لَهُمُ [39]، و لِتُبَیِّنَ لِلنَّاسِ [44] فَزَیَّنَ لَهُمُ [63] لِتُبَیِّنَ لَهُمُ [64]، لا یُؤْذَنُ لِلَّذِینَ [84].
و فی الإسراء لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ [90] لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِیِّكَ [93].
و فی طه آذَنَ لَكُمْ [71] أَذِنَ لَهُ [109].
و فی الحج لِنُبَیِّنَ لَكُمْ [5] أُذِنَ لِلَّذِینَ [39].
و فی المؤمنین أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَیْنِ [47].
و فی النور یُؤْذَنَ لَكُمْ [28].
و فی الشعراء آذَنَ لَكُمْ [49] أَ نُؤْمِنُ لَكَ [111].
و فی النمل وَ زَیَّنَ لَهُمُ [24].
و فی القصص وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ [6].
و فی العنكبوت فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ [26] تَبَیَّنَ لَكُمْ [38] وَ زَیَّنَ لَهُمُ [38].
و فی الأحزاب یُؤْذَنَ لَكُمْ [53].
و فی سبأ أَذِنَ لَهُ [23].
و فی فاطر زُیِّنَ لَهُ [8].
و فی غافر زُیِّنَ لِفِرْعَوْنَ [37].
و فی فصلت یَتَبَیَّنَ لَهُمْ [53].
و فی الزخرف وَ لِأُبَیِّنَ لَكُمْ [63].
و فی القتال زُیِّنَ لَهُ [14]، و فی القتال تَبَیَّنَ لَهُمُ [25].
و فی المرسلات یُؤْذَنُ لَهُمْ [36].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 288
و فی النبأ أَذِنَ لَهُ [38].
اتفق الحافظ و الإمام علی الإدغام فی جمیع ما تقدم.

إخفاء المیم فی الباء

قال الحافظ- رحمه الله-: «و أما المیم فأخفاها عند الباء إذا تحرك ما قبلها».
اعلم أن جملة هذا النوع فی القرآن تسعة و سبعون موضعا:
منها فی البقرة: فَاللَّهُ یَحْكُمُ بَیْنَهُمْ [113] و لِیَحْكُمَ بَیْنَ النَّاسِ [213].
و فی آل عمران لِیَحْكُمَ بَیْنَهُمْ [23] و أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ [36] فَأَحْكُمُ بَیْنَكُمْ [55] أَعْلَمُ بِما یَكْتُمُونَ [167].
و فی النساء أَعْلَمُ بِإِیمانِكُمْ [25] أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ [45] لِتَحْكُمَ بَیْنَ النَّاسِ [105] فَاللَّهُ یَحْكُمُ بَیْنَكُمْ [141]، عَلی مَرْیَمَ بُهْتاناً [156].
و فی المائدة آدَمَ بِالْحَقِ [27] یَحْكُمُ بِهَا [44] أَعْلَمُ بِما كانُوا یَكْتُمُونَ [61] یَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ [95].
و فی الأنعام بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِینَ [53] أَعْلَمُ بِالظَّالِمِینَ [58] أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِینَ [117] أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِینَ [119].
و فی سورة یونس علیه السلام أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِینَ [40].
و فی سورة هود علیه السلام أَعْلَمُ بِما فِی أَنْفُسِهِمْ [31].
و فی سورة یوسف علیه السلام أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ [77].
و فی الرعد أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتی [31].
و فی النحل أَعْلَمُ بِما یُنَزِّلُ [101] وَ إِنَّ رَبَّكَ لَیَحْكُمُ بَیْنَهُمْ [124] أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَ [125] أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِینَ [125].
و فی الإسراء رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِی نُفُوسِكُمْ [25] نَحْنُ أَعْلَمُ بِما یَسْتَمِعُونَ [47]، رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ [54] وَ رَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِی السَّماواتِ [55] أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدی [84].
و فی الكهف أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ [الكهف: 19] رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ [21] رَبِّی أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ [22] أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا [26] جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا [106].
و فی كهیعص أَعْلَمُ بِالَّذِینَ [70].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 289
و فی طه نَحْنُ أَعْلَمُ بِما یَقُولُونَ [104] و فی الحج الْمُلْكُ یَوْمَئِذٍ لِلَّهِ یَحْكُمُ بَیْنَهُمْ [56] فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ [68] اللَّهُ یَحْكُمُ بَیْنَكُمْ [69].
و فی المؤمنین نَحْنُ أَعْلَمُ بِما یَصِفُونَ [96].
و فی النور لِیَحْكُمَ بَیْنَهُمْ إِذا فَرِیقٌ [48] لِیَحْكُمَ بَیْنَهُمْ أَنْ یَقُولُوا [51].
و فی الشعراء قالَ رَبِّی أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ [188].
و فی القصص رَبِّی أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدی [37] أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِینَ [56].
و فی العنكبوت بِأَعْلَمَ بِما فِی صُدُورِ الْعالَمِینَ [10] نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِیها [32].
و فی الروم فَهُوَ یَتَكَلَّمُ بِما [35].
و فی الزمر یَحْكُمُ بَیْنَهُمْ [3] أَنْتَ تَحْكُمُ بَیْنَ عِبادِكَ [46] هُوَ أَعْلَمُ بِما یَفْعَلُونَ [70].
و فی غافر قَدْ حَكَمَ بَیْنَ الْعِبادِ [48].
و فی الأحقاف هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِیضُونَ فِیهِ [8].
و فی ق نَحْنُ أَعْلَمُ بِما یَقُولُونَ [45].
و فی النجم أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَ [30] أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدی [30] أَعْلَمُ بِكُمْ [32] أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقی [32].
و فی الواقعة فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ [75].
و فی الممتحنة وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَیْتُمْ [1] أَعْلَمُ بِإِیمانِهِنَ [10] یَحْكُمُ بَیْنَكُمْ [10].
و فی «ن» أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَ [7] أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِینَ [7].
و فی الحاقة فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ [38].
و فی المعارج فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ [40].
و فی القیامة لا أُقْسِمُ بِیَوْمِ الْقِیامَةِ وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ [1- 2].
و فی التكویر فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ [15].
و فی الانشقاق فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ [الآیة: 16] و أَعْلَمُ بِما یُوعُونَ [الآیة:
23].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 290
و فی البلد: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ [الآیة: 1].
و فی العلق: الَّذِی عَلَّمَ بِالْقَلَمِ [الآیة: 4].
اتفق الحافظ و الإمام علی إخفاء المیم فی جمیع ذلك، و علی أن تسمیته إدغاما تجوّز من القراء.
و قوله: «لامتناع «1» القلب فیه».
یرید: لا تقلب المیم فی هذه المواضع باء؛ لما فی ذلك من الثقل، و لما كان یلزم من إذهاب الغنة، فعبر عن هذا بالامتناع، فیرید أنهم امتنعوا منه لثقله، و الله- جل و علا- أعلم.

إدغام الباء فی المیم «2»

اشارة

قال الحافظ- رحمه الله-: «و أما الباء فأدغمها فی المیم فی قوله- تعالی-:
وَ یُعَذِّبُ مَنْ یَشاءُ [البقرة: 284] حیث وقع لا غیر».
اعلم أن جملته «3» فی القرآن خمسة مواضع، و ذلك فی آل عمران [129] و فی المائدة [18، 40] موضعان و فی العنكبوت موضع [21]، و فی الفتح موضع [6].
فأما [الحرف] «4» الذی فی آخر البقرة فلیس من هذا الباب، و لكنه من الإدغام الصغیر؛ لأن الباء فیه «5» ساكنة.
______________________________
(1) فی أ: الامتناع.
(2) ذكر ابن عصفور أن الباء تدغم فی الفاء؛ كما فی قولك (اذهب فّی ذلك) و تدغم فی المیم نحو (اصحب مّطرا)، و لا یدغم فیها شی‌ء.
ینظر: 15)./ 16).
(3) فی ب: جملة ما.
(4) سقط فی ب.
(5) الذی علیه النحاة فی الكلام أن جمیع ما أدغمته من المتقاربین و هو ساكن: یجوز لك فیه الإدغام إذا كان متحركا، كما تفعل ذلك فی المثلین. و حاله فیما یحسن و یقبح فیه الإدغام و ما یكون فیه أحسن، و ما یكون خفیا و هو بزنته متحركا قبل أن یخفی- كحال المثلین.
ینظر الكتاب (4/ 466).
ثم اعلم أن قول المصنف: (فأما الحرف الذی فی آخر البقرة ...) إلی قوله: (لأن الباء فیه ساكنة)- یرید به قوله تعالی: فَیَغْفِرُ لِمَنْ یَشاءُ وَ یُعَذِّبُ مَنْ یَشاءُ [البقرة: 284]، و قد جزم المصنف بسكون الباء فیه، و الحق أنه قرئ بالرفع و النصب و السكون، فقد قرأ ابن عامر-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 291
و علل الحافظ إدغام المواضع الخمسة بالحمل علی حرف البقرة؛ لأنه من لفظه و هو مجمع علیه عند أكثر القراء لم یظهره إلا ورش، و فیه خلاف عن ابن كثیر «1»، فأجری أبو عمرو الكل علی طریقة واحدة، و لأنه لما ولی هذه الكلمة و اتصل بها ما هو مدغم عن أبی عمرو باتفاق و هو قوله- تعالی «2»-: فَیَغْفِرُ لِمَنْ یَشاءُ وَ یُعَذِّبُ
______________________________
- و عاصم برفع (یغفر) و (یعذب)، و الباقون من السبعة بالجزم، و قرأ ابن عباس و الأعرج و أبو حیوة: (فیغفر) بالنصب، و هی قراءة شاذة غیر متواترة و إن صحت لغة.
فأما الرفع: فیجوز أن یكون رفعه علی الاستئناف، و فیه احتمالان:
أحدهما: أن یكون خبر مبتدأ محذوف، أی: فهو یغفر.
و الثانی: أن هذه جملة فعلیة من فعل و فاعل، عطفت علی ما قبلها.
و أما الجزم فللعطف علی الجزاء المجزوم.
و أما النصب: فبإضمار (أن)، و تكون هی و ما فی حیزها بتأویل مصدر معطوف علی المصدر المتوهم من الفعل قبل ذلك، تقدیره: تكن محاسبة، فغفران، و عذاب. و قد روی قول النابغة بالأوجه الثلاثة، و هو:
فإن یهلك أبو قابوس یهلك‌ربیع الناس و البلد الحرام
و نأخذ بعده بذناب عیش‌أجبّ الظهر لیس له سنام بجزم: (نأخذ) عطفا علی (یهلك ربیع) و نصبه و رفعه، علی ما ذكر فی (فیغفر)، و هذه قاعدة مطردة، و هی أنه إذا وقع بعد جزاء الشرط فعل بعد فاء أو واو جاز فیه هذه الأوجه الثلاثة، و إن توسط بین الشرط و الجزاء، جاز جزمه و نصبه و امتنع رفعه، نحو: إن تأتنی فتزرنی أو فتزورنی، أو تزرنی أو تزورنی.
ینظر اللباب (4/ 519/ 520).
(1) أظهر الباء قبل المیم فی قوله تعالی: یُعَذِّبُ مَنْ یَشاءُ [البقرة: 284]، ابن كثیر بخلاف عنه و ورش عن نافع و الباقون بالإدغام.
ینظر: اللباب فی علوم الكتاب (4/ 521)، إتحاف فضلاء البشر (1/ 461)، الدر المصون (1/ 691).
(2) قرأ أبو عمرو بإدغام الراء فی اللام، و الباقون بإظهارها، و قد طعن قوم علی قراءة أبی عمرو؛ لأن إدغام الراء فی اللام عندهم ضعیف.
قال الزمخشری: (فإن قلت: كیف یقرأ الجازم؟ قلت: یظهر الراء، و یدغم الباء، و مدغم الراء فی اللام لاحن مخطئ خطأ فاحشا، و راویه عن أبی عمرو مخطئ مرتین؛ لأنه یلحن و ینسب إلی أعلم الناس بالعربیة ما یؤذن بجهل عظیم، و السبب فی هذه الروایات قلة ضبط الرواة، و سبب قلة الضبط قلة الدرایة، و لا یضبط نحو هذا إلا أهل النحو).
قال شهاب الدین: و هذا من أبی القاسم غیر مرض؛ إذ القراء معتنون بهذا الشأن؛ لأنهم تلقوا عن شیوخهم الحرف [بعد الحرف]، فكیف یقل ضبطهم؟ و هو أمر یدرك بالحس السمعی، و المانع من إدغام الراء فی اللام و النون هو تكریر الراء و قوتها، و الأقوی لا یدغم فی الأضعف، و هذا مذهب البصریین: الخلیل و سیبویه و من تبعهما، و أجاز ذلك-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 292
مَنْ یَشاءُ أتبعه وَ یُعَذِّبُ مَنْ یَشاءُ كما فعل فی الأنعام حیث ثقّل قوله- تعالی-:
عَلی أَنْ یُنَزِّلَ آیَةً [الأنعام: 37] اتباعا لما تقدم من قوله- تعالی-: لَوْ لا نُزِّلَ [الأنعام: 37] لیأتی ذلك علی لفظ واحد و طریقة واحدة.
قال الحافظ- رحمه الله-: «فأما قول الیزیدی: إنما أدغم من أجل كسرة الذال» فلا یصح؛ إذ كان قد أظهر ضُرِبَ مَثَلٌ [الحج: 73] و وَ كُذِّبَ مُوسی [الحج: 44] و إِلَی الطَّیِّبِ مِنَ الْقَوْلِ [الحج: 24] و فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ [البقرة: 249].
وافق الإمام الحافظ علی الإدغام فیما ذكر و زاد إدغام الباء فی الفاء و ذلك فیما جاء من لفظ لا رَیْبَ فِیهِ [البقرة: 2] و لا رَیْبَ فِیها [الكهف: 21] [الحج: 7] خاصة، فذكر فیه الإدغام بخلاف و أن الإظهار أكثر و أحسن، و الإدغام روایة عباس بن الفضل، و عبد الوارث، و جملته فی القرآن أربعة عشر موضعا:
منها لا رَیْبَ فِیها أربعة مواضع و هی فی الكهف [21] و الحج [7] و غافر [59]، و الجاثیة [32]، و باقیها لا رَیْبَ فِیهِ و ذلك موضعان فی آل عمران [9، 25] و موضع موضع فی البقرة [2] [و] «1» النساء [87] و الأنعام [12]، و سورة یونس علیه السلام [37] و الإسراء [99]، «و الم» السجدة [2]، و الشوری [7]، و الجاثیة [26].
و مذهب الحافظ الإظهار فی جمیعها.
و قول الحافظ: «لا غیر» ظاهره حصر المثال، و هو وَ یُعَذِّبُ مَنْ یَشاءُ، و یمكن أن یصرف إلی حصر الحرف المدغم فیه و هو المیم، و الأول أظهر، و الله جل و علا أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله-: «فهذه أصول الإدغام ملخصة یقاس علیها ما یرد من
______________________________
- الفراء و الكسائی و الرؤاسی و یعقوب الحضرمی و رأس البصریین أبو عمرو، و لیس قوله: (إن هذه الروایة غلط علیه) بمسلّم، ثم ذكر أبو حیان نقولا عن القراء كثیرة، و هی منصوصة فی كتبهم، فلم أر لذكرها هنا فائدة؛ فإن مجموعها ملخص فیما ذكرته، [و كیف] یقال: إن الراوی ذلك عن أبی عمرو مخطئ مرتین، و من جملة رواته الیزیدی إمام النحو اللغة، و كان ینازع الكسائی رئاسته، و محله مشهور بین أهل هذا الشأن.
ینظر اللباب (4/ 521).
(1) زاد فی أ: موضع فی.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 293
أمثالها و أشكالها، قد ذكرت فی كل حرف جمیع ما ورد منه حتی لم یشذ منها شی‌ء فیما أری بحول الله تعالی جده «1»».
قال الحافظ- رحمه الله-: «و قد حصلنا جمیع ما أدغمه أبو عمرو من الحروف المتحركة فوجدناه كذا».
إنما قید بالمتحركة؛ لیخص الحصر بهذا الباب دون ما أدغم من الحروف السواكن، و هو باب الإدغام الصغیر، و ما ذكر من العدد یحققه الاستقراء مما ذكرته فی كل حرف منها، و تزید روایة الإمام علی روایة الحافظ، علی ما مر من الاتفاق و الاختلاف بسبعة و ثمانین حرفا، فجملة الحروف علی ما ذكره الإمام ألف و ثلاثمائة و اثنان و تسعون حرفا، و الله- عز و علا- أعلم.

فصل‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «اعلم «2» أن الیزیدی روی عن أبی عمرو أنه كان إذا أدغم الحرف الأول من الحرفین فی مثله أو مقاربه، و سواء سكن ما قبله أو تحرك ... إلی آخر كلامه».
اعلم أنك إذا أدغمت الحرف فی مثله، فإن كان مرفوعا أشیر إلی حركته بالروم أو بالإشمام، و إن كان مخفوضا أشیر إلی حركته بالروم، و یمتنع الإشمام فی المخفوض كما یمتنع عند القراء الروم فی المنصوب، و سواء فی ذلك أن یكون قبل الحرف المدغم متحرك أو ساكن.
و الروم عبارة عن النطق ببعض الحركة.
و الإشمام عبارة عن الإشارة بالشفتین إلی الحركة من غیر أن یكون فی النطق شی‌ء من أثرها، فلما كانت الضمة من الشفتین، أمكن فی المرفوع الإشارة إلی الحركة بالروم و هو مسموع و بالإشمام و هو مبصر، و لما كانت الكسرة من وسط اللسان أمكن فی المجرور الإشارة بالروم؛ لأنه مسموع و لم یمكن «3» الإشارة بالإشمام؛ لأن العضو الذی منه الحركة غائب فی داخل الفم؛ لأنه وسط اللسان كما تقدم.
و لما كانت الفتحة خفیفة امتنع فیها الروم عند القراء؛ لأنك لو رمت النطق
______________________________
(1) فی ب: بحول الله تعالی، و الله أعلم.
(2) فی أ: و اعلم.
(3) فی ب: و لم تمكن.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 294
ببعضها لحصل النطق بجمیعها لخفتها و امتنع الإشمام؛ لأن الفتحة من مخرج الألف، و منتهاه أسفل الحلق، فلا أثر له فی البصر كما لا أثر له فی السمع.
و اعلم أنك إذا أشرت بالإشمام كان الإدغام صحیحا؛ لأنك تنطق إذ ذاك بالحرف مشددا، و تشیر بالشفتین حال التشدید من غیر أن تبقی فی ذات الحرف شیئا من لفظ الحركة، فیكون الحرف الأول إذ ذاك مدفونا فی الثانی و هو الإدغام الصحیح.
فأما إذا أشرت بالروم فلا یكون الإدغام صحیحا؛ لأنك تبقی من لفظ الحركة بقیة، و لا تكون الحركة إلا فی ذات الحرف الأول.
فبقدر ما فیه من الحركة یبرز فی اللفظ، و إذا كان كذلك لم تحصل حقیقة الإدغام و لكنه یكون إخفاء.
قال الحافظ- رحمه الله-: «لأن الحرف إذا أشیر إلی حركته لم تذهب حركته رأسا، بل یضعف الصوت تضعیفا، و هی مع ذلك فی زنة المتحرك التام الصوت الممطط اللفظ».
قال: «و إلی هذا ذهب عامة أهل الأداء: ابن مجاهد و سائر أصحابه و أبو الطاهر ابن أبی هاشم «1»،
______________________________
(1) إمام المقرئین، أبو طاهر، عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبی هاشم البغدادی، صاحب جامع البیان.
روی عن: محمد بن جعفر القتات، و أحمد بن فرح، و إسحاق بن أحمد الخزاعی، و عبد الله بن الصقر السكری، و الحسن بن الحباب، و أحمد بن سهل الأشنانی، و تلا علیه و علی سعید بن عبد الرحیم الضریر، و أبی بكر بن مجاهد.
قرأ علیه: أبو القاسم عبد العزیز بن جعفر الفارسی، و علی بن أحمد بن الحمامی، و علی بن محمد الجوهری، و أبو الحسن علی بن العلاف الكبیر، و عبید الله المصاحفی، و أبو الحسین أحمد بن عبد الله السوسنجردی، و آخرون.
و قد طول أبو عمرو الدانی ترجمته، و عظمه، و قال: لم یكن بعد ابن مجاهد مثل ابن أبی هاشم فی علمه و فهمه، مع صدق لهجته، و استقامة طریقته. و كان ینتحل مذهب الكوفیین، و لما توفی ابن مجاهد أجمعوا علی تقدیم أبی طاهر، و أن یقرئ موضعه، فقصده الأكابر، و تحلقوا عنده، و كان قد خالف جمیع أصحابه فی إمالة الناس لأبی عمرو، و كان القراء ینكرون ذلك علیه.
مولده سنة ثمانین و مائتین، و مات فی شوال سنة تسع و أربعین و ثلاثمائة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (16/ 21- 22)، تاریخ بغداد (11/ 7- 8)، و إنباه الرواة (2/ 215)، و طبقات القراء للذهبی (1/ 251- 252)، و العبر (2/ 282)، و البدایة و النهایة (11/ 237)، و غایة النهایة فی طبقات القراء (1/ 475- 477)، و النشر فی القراءات-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 295
و أبو بكر الشذائی «1»، و أبو القاسم بن أبی بلال «2»، و أبو الفرج الشنبوذی «3» و غیرهم، و هو اختیار شیخینا أبی الفتح و أبی الحسن.
______________________________
- العشر (1/ 123)، و النجوم الزاهرة (3/ 325)، و بغیة الوعاة (2/ 121)، و شذرات الذهب (2/ 380).
(1) أحمد بن نصر بن منصور بن عبد المجید بن عبد المنعم، أبو بكر الشذائی البصری، إمام مشهور، قرأ علی- المبهج- عمر بن محمد بن نصر الكاغدی و- المبهج- الحسن ابن بشار بن العلاف صاحبی الدوری و ابن مجاهد و- الكامل- ابن الأخرم و- الكامل- محمد بن جعفر الحربی و- المستنیر، و الغایة، و المبهج، و الكفایة الكبری، و الكامل- ابن شنبوذ و- المبهج و الكامل- نفطویه، و غیرهم، و قرأ علیه- الكامل- أبو الفضل الخزاعی و- الكامل- أحمد بن عثمان بن جعفر المؤدب و- الكامل- أبو عمرو بن سعید البصری و- الكامل- الحسن بن علی الشاموخی و- الكامل- محمد بن أبی شیخ و محمد عمر بن زلال و- الكفایة- محمد بن القاسم التكریتی و- الكامل- علی بن محمد البرزندی و- الكامل- أبو عاصم عبد الواحد بن إبراهیم و محمد بن الحسین الكارزینی و علی بن جعفر السعیدی و- الكامل- علی بن أحمد الجوردكی. و غیرهم قال الدانی:
توفی بالبصرة سنة سبعین و ثلاثمائة، و قال الذهبی: سنة ثلاث و سبعین، و هو الصحیح فی ذی القعدة و قیل: سنة ست.
ینظر: غایة النهایة (1/ 144- 145) (673).
(2) زید بن علی بن أحمد بن محمد بن عمران بن أبی بلال، أبو القاسم العجلی الكوفی شیخ العراق، إمام حاذق ثقة، قرأ علی- المستنیر، و الغایة، و جامع البیان، و الكفایة الكبری، و الكامل- أحمد بن فرح و- المستنیر و الكامل- عبد الله بن عبد الجبار و- الكامل- الحسن بن العباس و- المستنیر، و الكفایة، و جامع البیان، و الغایة- عبد الله بن جعفر السواق و- المستنیر، و الغایة، و الكفایة- محمد بن أحمد الداجونی و- المستنیر- أبی بكر بن مجاهد و- جامع البیان و الكامل- أبی علی الحسن النقار و- جامع البیان- أحمد بن إبراهیم القصبانی و- التیسیر- أحمد بن الحسن بن البطی و- جامع البیان و الكامل- محمد بن الحسن بن یونس النحوی و- الكامل- أحمد بن محمد بن الهیثم الشعرانی و- المستنیر و الكامل- أبی مزاحم الخاقانی و علی بن الحسین الرازی و- الكامل- عبد الله بن القاسم الخیاط و- الكامل- حماد بن أحمد و- الكامل- أحمد ابن محمد بن سعید و- الكامل- محمد بن الحسن بن یوسف، فیما ذكره الهذلی، و الكامل- علی بن أحمد بن قربة و- الكامل- عبد الله بن زیدان و- الكامل- الحسین ابن جعفر اللحیانی و- الكامل- محمد بن إسماعیل بن فورك و- الكامل- القاسم ابن أحمد الخیاط، قرأ علیه- المستنیر و الكفایة- بكر بن شاذان و- المستنیر و الغایة، و الكفایة- أبو الحسن الحمامی و غیرهم. توفی زید ببغداد سنة ثمان و خمسین و ثلاثمائة.
ینظر: غایة النهایة (1/ 298- 299) (1308).
(3) محمد بن أحمد بن إبراهیم بن یوسف بن العباس بن میمون، أبو الفرج الشنبوذی الشطوی البغدادی، أستاذ من أئمة هذا الشأن، رحل و لقی الشیوخ و أكثر و تبحر فی التفسیر، ولد سنة ثلاثمائة، أخذ القراءة عرضا عن- المستنیر، و المبهج، و الكفایة- ابن مجاهد و- المبهج- أبی بكر النقاش و- المبهج و الكامل- أبی بكر أحمد بن حماد المنقی و- المبهج--
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 296
قال الحافظ- رحمه الله-: «و لقد كنت فی حین قراءتی بالإدغام علی شیخنا أبی الفتح- نضر الله وجهه- أشیر بالعضو إلی حركة الحرف المدغم فلا یقرع سمعه، و كان ضریرا فیرده علی حتی أسمعه صوت الحركة فیستحسن ذلك و یرضاه، و كان ربما لفظ ذلك كذلك و وقفنی علیه».
و اعلم أن ما ذكرته من الروم و الإشمام جار فی جملة الحروف إلا الباء و المیم إذا وقع بعد حركة كل واحد منهما باء أو میم نحو آدَمُ مِنْ رَبِّهِ [البقرة: 37] و مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ [البقرة: 120] و أَعْلَمُ بِما [الإسراء: 25] و یُكَذِّبُ بِالدِّینِ [الماعون: 1] و الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ [النساء: 36] و وَ یُعَذِّبُ مَنْ یَشاءُ.
و لیس فی القرآن میم مخفوضة قبل الباء و لا باء مخفوضة قبل المیم- أعنی مما یقع فیه الإدغام، و إنما امتنع الروم و الإشمام فیما ذكر هنا لانطباق الشفتین، نص الحافظ علی جمیع ذلك، و كذلك قال الإمام و قال: «إن ترك الروم و الإشمام فی المیم و الباء روایة شجاع، و عبد الوارث، و الیزیدی عنه قال: «و روی عباس عنه أنه كان یشم الباء عند الباء، و المیم عند المیم كسائر الحروف».
قال: «و الإشمام هنا إشارة إلی حركة الحرف المرفوع و المخفوض، و ذلك یتعذر
______________________________
- أبی الحسن بن الأخرم و- المبهج- إبراهیم بن محمد الماوردی و- المبهج- محمد ابن جعفر الحربی و- الكفایة- أحمد بن محمد بن إسماعیل الأدمی و محمد بن هارون التمار و- المستنیر، و المبهج، و الكفایة، و الكامل- أبی الحسن بن شنبوذ؛ و إلیه نسب لكثرة ملازمته له و- الغایة- محمد بن موسی الزینبی و- المستنیر و المبهج- موسی ابن عبید الله الخاقانی و- الغایة، و الكامل- الحسن بن علی بن بشار و أحمد بن عبد الله، كذا وقع فی المبهج و قال: لم ینسبه الكارزینی. قلت: و الصواب أنه- المبهج- أحمد ابن محمد بن عثمان بن شبیب و- المبهج- أبی بكر محمد بن الحسن بن مقسم و محمد ابن أحمد بن هارون الرازی و- المبهج- أبی بكر محمد بن الحسن الأنصاری، قرأ علیه أبو علی الأهوازی و أبو طاهر محمد بن یاسین الحلبی و الهیثم بن أحمد الصباغ و أبو العلاء محمد بن علی الواسطی و محمد بن الحسین الكارزینی و عبد الله بن محمد بن مكی السواق و علی بن القاسم الخیاط و أبو علی الرهاوی و عبد الملك بن عبدویه و منصور بن أحمد العراقی و عثمان بن علی الدلال و علی بن محمد الجوزدانی و أحمد بن محمد بن محمد ابن سیار و أحمد بن عبد الله بن الفضل السلمی. و اشتهر اسمه و طال عمره مع علمه بالتفسیر و علل القراءات، وثقه الحافظ أبو العلاء الهمذانی و أثنی علیه، و لا نعلمه ادعی القراءة علی الأشنانی، و قال التنوخی: مات أبو الفرج الشنبوذی فی صفر سنة ثمان و ثمانین و ثلاثمائة.
ینظر: غایة النهایة (2/ 50- 51) (2701).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 297
فی المیم عند المیم، و الباء عند الباء؛ لانطباق الشفتین معهما».
قال: «و أما المیم عند الباء فإنها «1» تسكن عندها و لا تدغم، و إن كان بعض القراء یسمونه إدغاما، و هو خطأ، و الشفتان تنطبقان معهما أیضا».
و قول الإمام: «و الإشمام هنا إشارة إلی حركة الحرف المرفوع و المخفوض»، أراد بالإشمام الروم- و الله تعالی [جده] «2» أعلم- و لذلك جعله فی المرفوع و المخفوض، و لو أراد مجرد الإشارة بالشفتین دون حقیقة الروم، لم یذكر المخفوض علی ما تقدم.
قال الإمام: و اختار قوم لأبی عمرو فی هذه الروایة ألا یشم المرفوع إذا كان قبله واو أو ضمة نحو یَقُولُ لَهُ [البقرة: 117]، و لا یرام المدغم المكسور إذا كان قبله یاء أو كسرة نحو الْحَدِیثِ تَعْجَبُونَ [النجم: 59] و ذلك أنه إنما أدغم لیخف، فلو أشم هذین الجنسین لكان قد جمع بین ضمتین و واو، و بین كسرتین و یاء و ذلك ثقیل.
قال الإمام: «و نعم الاختیار هذا».
قال الحافظ- رحمه الله-: «و الروم آكد؛ لما فیه من البیان».
یرید: أنه آكد من الإشمام.
قال: «غیر أن الإدغام الصحیح یمتنع معه». قد تقدم هذا و یلزم علی الأخذ بالروم ألا یبقی إدغام إلا فی المنصوب خاصة، و ما عداه فإنما یكون إخفاء لا غیر.
قال: «و یصح مع الإشمام»، یرید أن الإشمام لا یكون فیه شی‌ء من صوت الحركة فیصح الإدغام؛ لعدم الفاصل بین الحرفین، و باقی كلامه بین.
و قد أتیت علی جمیع ما ظهر لی فی الباب، و الحمد لله الذی وحده أحاط بكل شی‌ء علما، و لا نعلم إلا ما علمنا، و كان فضل الله علینا عظیما.
______________________________
(1) فی أ: فإنهما.
(2) سقط فی ب.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 298

باب [ذكر] «1» هاء الكنایة

یرید الهاء التی هی علامة إضمار الواحد المذكر نحو «رأیته» و «منه» و «عنه» و «له» و ما أشبه ذلك.
و اعلم أن هذه الهاء إن وقف علیها فلها مثل ما لسائر الحروف من الإسكان، و الروم، و الإشمام، كما سیأتی «2» فی بابه بحول الله عز و جل.
فإن وصلت هذه الهاء- فهی ثلاثة أقسام:
قسم اتفق القراء علی صلة حركته.
و قسم اتفقوا علی ترك صلة حركته.
و قسم اختلفوا فیه.
و ضابط ذلك أن ینظر إلی الحرف الواقع بعدها، فإن كان ساكنا فهی من المتفق علی ترك صلته سواء تحرك ما قبلها أو سكن، و إن كان الحرف الواقع بعدها متحركا فهنا: یعتبر ما قبلها، فإن كان متحركا فهی من المتفق علی صلته، و إن كان ساكنا فهی من المختلف فیه: یصلها ابن كثیر، و یختلس حركتها الباقون، و بهذا القسم بدأ الحافظ، فقال: «كان ابن كثیر یصل هاء الكنایة عن الواحد المذكر ...»
إلی آخر كلامه.
و قوله: «عن الواحد» متعلق بالكنایة.
و قوله: «بواو» متعلق ب «یصل».
و قوله: «فإذا وقف حذف تلك الصلة».
یرید: و الحركة التی فی الهاء، و كذلك یفعل غیره، أعنی یحذفون الحركة فی الوقف إلا من یروم؛ فلا بد أن یبقی بعض الحركة فی الوقف.
و قوله: «لأنها زیادة» تعلیل للحذف، و یدلك علی أنها زیادة: اتصال الضمیر؛ إذ كل ضمیر متصل فهو حرف واحد، فإن كان كنایة عن مفرد، بقی علی حاله، و إن كنی به عن مثنی أو مجموع؛ لحقته علامات تدل علی أن المكنی عنه مثنی أو مجموع نحو «إنهما» و «إنهم» و «إنهن» الألف، فالمیم و الألف و النون زوائد علی
______________________________
(1) سقط فی ب.
(2) فی ب: یأتی.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 299
الهاء، كما أنها زوائد علی التاء فی «فعلتما» و «فعلتم» و «فعلتن»، و أصل علامة الإضمار التاء و الهاء، و لكون هذه الصلة زائدة علی الضمیر، جاز حذفها فی الإدغام الكبیر إذا لقیت مثلها، علی ما تقدم.
و لو كانت من نفس الضمیر لكان حذفها نقصا من الكلمة، و لكان ذلك یلحقها بباب «1» المعتل المختلف فی إدغامه، و لا خلاف فی إدغام الهاء فی مثلها كما تقدم.
و إنما زیدت هذه الصلة لبیان الحركة، و احتیج «2» لذلك لما كانت الهاء حرفا ضعیفا مهموسا مهتوتا حتی صار عند بعض العرب لا یعتد به فاصلا، كما یبین بعد بحول الله تعالی.
و اعلم أن هذه الصلة إنما تكون من جنس حركة الهاء، و الأصل أن تحرك بالضم بدلیل أنك لا تكسرها إلا لسبب و هو: أن تقع بعد كسرة أو یاء ساكنة [كما] «3» فی قوله- تعالی-: یَوْمَ یَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِیهِ وَ أُمِّهِ وَ أَبِیهِ وَ صاحِبَتِهِ وَ بَنِیهِ [عبس: 34- 36] و «علیه» و [ «إلیه» و «لدیه»] «4»، و إنما كسرت مع الكسرة و الیاء، و لم تضم علی الأصل؛ لئلا یخرج من الكسرة إلی الضمة و الیاء الساكنة بمنزلة الكسرة؛ إذ الهاء لضعفها كأنها غیر موجودة؛ فكأنك لم تفصل بین الكسرة و الضمة.
و یدل أیضا علی أن الأصل فی تحریكها الضم قراءة حمزة «5» لِأَهْلِهِ امْكُثُوا بضم الهاء فی طه [الآیة: 10]، و القصص [الآیة: 29] و قراءة حفص وَ ما أَنْسانِیهُ إِلَّا الشَّیْطانُ [الكهف: 63] وَ مَنْ أَوْفی بِما عاهَدَ عَلَیْهُ اللَّهَ فی الفتح [الآیة: 10] بضم
______________________________
(1) فی أ: بیان.
(2) فی أ: احتج.
(3) سقط فی أ.
(4) فی ب: لدیه و إلیه.
(5) قرأ حمزة و هی قراءة ابن سعدان: (لأهله امكثوا) بضم الهاء، و الباقون یكسرون الهاء فیهما.
انظر السبعة: (417)، و حجة من ضم الهاء: أنه أتی بالهاء علی أصلها موصولة بالواو للتقویة، فلقیت الواو و هی ساكنة المیم من (امكثوا) و هی ساكنة: فحذفت الواو لالتقاء السّاكنین، و بقیت الضمة تدل علیها. و حجة من كسر الهاء أنه أبدل من ضمة الهاء كسرة:
للكسرة التی قبلها، فانقلبت الواو یاء ثم حذفت الیاء لسكونها و سكون المیم بعدها، و بقیت الكسرة تدل علیها. انظر الكشف (2/ 95).
ینظر اللباب (13/ 183).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 300
الهاء «1» فیهما حیث لم یبال بثقل الضمة بعد الكسرة و الیاء، و أبقی الهاء علی أصلها من التحریك بالضم، فلولا أن الضم هو الأصل فیها عند العرب «2» لم یكن لهذه القراءات وجه، و الله [عز وجهه] «3» أعلم.
و إنما اختاروا أن یكون الأصل فی تحریك هذه الهاء الضم تنویها بضمیر المذكر؛ إذ الضم فی الإعراب علامة إعراب المذكر، فله مزیة علی غیره؛ فجعل لضمیر المذكر الذی له مزیة علی ضمیر المؤنث، و جعلت الفتحة للمؤنث طلبا للتخفیف، و الله- تعالی- أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و هذا إذا لم تلق الهاء ساكنا».
قد تقدم أن الهاء إذا سكن ما بعدها، فابن كثیر یوافق الجماعة علی ترك الصلة إلا فی قوله- تعالی-: عَنْهُ تَلَهَّی [عبس: 10] فی قراءة البزی حیث شدد التاء و أبقی صلة الهاء «4».
______________________________
(1) قوله: وَ ما أَنْسانِیهُ قرأ حفص بضم الهاء، و كذا قوله: عَلَیْهُ اللَّهَ فی سورة الفتح، قیل: لأن الیاء- هنا- أصلها الفتح، و الهاء بعد الفتحة مضمومة، فنظر هنا إلی الأصل، و أما فی سورة الفتح؛ فلأن الیاء عارضة؛ إذ أصلها الألف و الهاء بعد الألف مضمومة، فنظر إلی الأصل أیضا، و الباقون بالكسرة؛ نظرا إلی اللفظ؛ فإنها بعد یاء ساكنة، و قد جمع حفص فی قراءته بین اللغات فی هاء الكنایة؛ فإنه ضم الهاء فی (أنسانیه) من غیر صلة، و وصلها بیاء فی قوله: (فیه).
ینظر الدر المصون (4/ 471).
(2) الأصل فی هاء الكنایة: الضم، فإن تقدمها یاء ساكنة، أو كسرة، كسرها غیر الحجازیین، نحو: علیهم و فیهم و بهم.
و المشهور فی میمها السكون قبل متحرك، و الكسر قبل ساكن، هذا إذا كسرت الهاء، أما إذا ضمت، فالكسر ممتنع إلا فی ضرورة؛ كقوله: (و فیهم الحكام) بكسر المیم.
ینظر اللباب (1/ 214).
(3) سقط فی ب.
(4) قال السمین الحلبی: قرأ ابن كثیر فی روایة البزی عنه: (عنهو تلهی) بواو و هی صلة لهاء الكنایة، و تشدید التاء، و الأصل: تتلهی، فأدغم، و جاز الجمع بین ساكنین؛ لوجود حرف علة و إدغام، و لیس لهذه الآیة نظیر. و هو أنه إذا لقی صلة هاء الكنایة ساكن آخر ثبتت الصلة بل یجب الحذف.
و قرأ أبو جعفر: شاذا فی غیر المتواتر عنه (تلهی) بضم التاء مبنیا للمفعول. أی: یلهیك شأن الصنادید. و قرأ طلحة (تتلهی) بتاءین و هی الأصل، و عنه بتاء واحدة و سكون اللام.
ینظر الدر المصون (6/ 479).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 301
و قد تقدم فی صدر باب الإدغام: أن الحرف المشدد [یتكون] من حرفین أولهما ساكن، لكن لما كان هذا التشدید عارضا كما قال الحافظ لم یعتد به؛ فلم تحذف الصلة لذلك، بل یجب أن یزاد فی مدها علی ما یأتی بعد، بحول الله عز و جل.
فإن قیل: و كیف یكون التشدید عارضا و الأصل «تتلهی» بتاءین «1»، بل التخفیف هو العارض؛ لما فیه من حذف إحدی التاءین هربا من توالی المثلین. فأما التشدید ففیه إثبات التاءین و هو الأصل، غیر أنه لما «2» استثقل ذلك أسكنت الأولی، و أدغمت فی الثانیة طلبا للتخفیف، فكیف یكون التشدید عارضا و فیه إبقاء الأصل؟
فالجواب: أن الأصل كما قلت: أن یكون بتاءین، ثم إن العرب منهم من یتكلم بالأصل و لا یبالی بالثقل، و منهم من یستثقل فیخفف بالحذف «3»، و یطرد ذلك فی الوصل و الابتداء، و یلتزم هذا حتی یصیر كأنه الأصل و لا یعرج علی ما كان قبل ذلك، و هذا المعنی ملحوظ عندهم و إلیه أشار قائلهم: [من الطویل].
إذا انصرفت نفسی عن الأمر لم تكدإلیه بوجه آخر الدهر ترجع «4» فلما صار هذا الحذف كأنه أصل فی الكلام، حكم للتشدید المنبه علی الأصل بحكم العارض «5»؛ كما قالوا: اجتمعت أهل الیمامة «6»، بإثبات التاء فی الفعل، لما
______________________________
(1) قال السمین الحلبی قوله: تَلَهَّی، أصله: تتلهی، من: لهی یلهی بكذا، أی: اشتغل، و لیس هو من اللهو فی شی‌ء.
و یمكن أن یكون منه؛ لأن ما یبنی علی فعل من ذوات الواو تنقلب واوه لانكسار ما قبلها. نحو شقی یشقی. فإن كان مصدره جاء بالیاء فیكون من مادة غیر مادة اللهو.
قال السمین: الناس إنما لم یجعلوه من اللهو؛ لأجل أنه مسند إلی ضمیر النبی صلی اللّه علیه و سلم، و لا یلیق بمنصبه الكریم أن ینسب الله إلیه «التفعّل» من اللهو. بخلاف الاشتغال؛ فإنه یجوز أن یصدر منه فی بعض الأحیان، و لا ینبغی أن یعتقد غیر هذا.
ینظر: الدر المصون (6/ 479).
(2) فی أ: كما.
(3) فی ب: بالحرف.
(4) البیت بلا نسبة فی شرح التصریح علی التوضیح (1/ 214).
(5) فی أ: عارض.
(6) واحدة: الیمام، و هو طائر. و هو بلد كبیر، فیه قری و حصون و عیون و نخل، و كان اسمها أولا: جوّا.
و الیمامة: هی الزرقاء التی یضرب بها المثل فی النظر البعید، قلع تبع عینیها و صلبها علی-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 302
كان الذی كثر فی كلامهم و اشتهر أن یقولوا: اجتمعت الیمامة و یحذفون «الأهل» حتی صار كالمتروك فی الأصل، و إن كان إثباته هو الأصل، فإذا لفظ به یوما ما فقیل: اجتمعت أهل الیمامة، أبقوا التاء، و حكموا [علی] «الأهل» بحكم المقحم «1» الزائد حتی صار «اجتمع أهل الیمامة»، بحذف التاء قلیلا فی كلامهم.
و یقوی كون هذا التشدید فی حكم العارض: اختصاصه بالوصل دون الابتداء؛ إذ لا یجوز الابتداء بهذه التاء فی هذه الكلمة و سائر أخواتها إلا بالتخفیف كما هو مذكور فی موضعه من فرش الحروف، و لا یجوز إدخال همزة الوصل و لا النطق بتاءین مفككتین.
و إن شئت قلت: إن الذی ذهب من العرب إلی التشدید، لم یرتكبه بعد استقرار الحذف لینبه علی الأصل، و لكنه لما استثقل اجتماع المثلین متحركین، سكّن الأول و أدغمه فی الثانی و اكتفی بهذا القدر من التخفیف.
و علی هذا أیضا لا یخرج التشدید عن كونه عارضا؛ إذ الأصل التفكیك و التحریك.
و اعلم أن السؤال [وارد] «2» علی كل واحد من المذهبین:
أما المذهب الثانی فیرد علیه عدم الاطراد؛ لأنه یسكن و یدغم فی الوصل و یحذف الحرف بحركته فی الابتداء.
و أما المذهب الأول فیرد علیه أنه لما شدد لینبه علی الأصل عرض فیه الرجوع إلی ما قد كان رفض.
فإن قیل: لا ینكر الرجوع إلی الأصل فی كلام العرب؛ كما قال الشاعر [من الرجز]:
فإنه أهل لأن یؤكرما «3»
______________________________
- باب جو؛ فسمیت بها.
ینظر: مراصد الاطلاع (3/ 1483).
(1) فی أ: المفخم.
(2) سقط فی أ.
(3) الرجز بلا نسبة فی لسان العرب (رنب، كرم) و الإنصاف ص (11)، و أوضح المسالك (4/ 406)، و خزانة الأدب (2/ 316)، و الخصائص (1/ 144)، و الدرر (6/ 319) و شرح الأشمونی (3/ 887)، و شرح شافیة ابن الحاجب (1/ 139)، و شرح شواهد الشافیة ص (58)، و المقاصد النحویة (4/ 578)، و المقتضب (2/ 98)، و المنصف (1/ 37، 192)-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 303
فأثبت الهمزة.
و قال الآخر [من البسیط]:
................أنی أجود لأقوام و إن ضننوا «1» بتفكیك النونین.
و منه صرف ما لا ینصرف.
قیل: هذا كله صحیح و لكن بابه الشعر، و یقل وجوده فی الكلام «2»، و الله- لا
______________________________
- و تاج العروس (رنب، كرم).
(1) عجز بیت، و صدره:
فهلا أعاذل قد جربت من خلقی.... و هو لقعنب بن أم صاحب فی الخصائص (1/ 160، 257)، و سمط اللآلی ص (576)، و شرح أبیات سیبویه (1/ 318)، و الكتاب (1/ 29)، (3/ 535)، و اللسان (ظلل، و ضفن)، و المنصف (1/ 339، 2/ 303)، و نوادر أبی زید ص (44)، و بلا نسبة فی خزانة الأدب (1/ 150، 245)، و شرح شافیة ابن الحاجب (3/ 241)، و شرح المفصل (3/ 12)، و اللسان (حمم).
(2) اعلم أنه یجوز فی الشعر و ما أشبهه من الكلام المسجوع ما لا یجوز فی الكلام غیر المسجوع، من رد فرع إلی أصل، أو تشبیه غیر جائز بجائز، اضطر إلی ذلك أو لم یضطر إلیه؛ لأنه موضع قد ألفت فیه الضرائر.
و أنواعها منحصرة فی: الزیادة، و النقص، و التقدیم، و التأخیر، و البدل، فالزیادة تنحصر فی زیادة حرف، نحو تنوین الاسم غیر المنصرف، إذا لم یكن آخره ألفا، رد إلی أصله من الانصراف، نحو قوله تعالی: قَوارِیرَا قَوارِیرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِیراً، فی قراءة من صرف الأول منهما، و نحو قول أمیة بن أبی الصلت:
فأتاها أحیمر كأخی السهم بعضب فقال كونی عقیرا فإن كان آخره ألفا نحو: حبلی، لم یصرف.
و زیادة حركة، نحو تحریك العین الساكنة؛ اتباعا لما قبلها و تشبیها بتحریكها، إذا نقلت إلیها الحركة مما بعدها، فی الوقف نحو قولك: (قام عمرو)، و من ذلك قوله:
إذا تحرك نوح قامتا معه‌ضربا ألیما یلعج الجلدا یرید: الجلد.
و زیادة كلمة نحو زیادة «أن» بعد كاف التشبیه تشبیها لها بزیادتها بعد «لما»، نحو قوله:
و یوما توافینا بوجه مقسّم‌كأن ظبیة تعطو إلی وارق السلم أی: كظبیة.
و النقص منحصر فی نقص حرف، نحو حذف صلة هاء الضمیر فی الوصل؛ إجراء له مجری الوقف، و من ذلك قوله:
أو معبر الظهر [ینبی] عن ولیته‌ما حج ربّه فی الدنیا و لا اعتمرا و الأحسن إذا حذفت الصلة، أن تسكن الهاء حتی تكون قد أجریت الوصل مجری-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 304
إله غیره- أعلم.
و مراد الحافظ بقوله: «و هذا إذا لم تلق الهاء ساكنا نحو ...» كذا.
یرید أن ابن كثیر یترك الصلة إذا لقیت الساكن، و لم یحتج إلی التنصیص علی هذا؛ لأنه مفهوم من قوة كلامه.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و الباقون یختلسون الضمة و الكسرة فی حال الوصل فیما «1» تقدم».
یرید بالاختلاس: النطق بالحركة مجردة من الصلة، و الاختلاس: سرعة
______________________________
الوقف، إجراء كاملا نحو قوله:
و أشرب الماء ما بی نحوه عطش‌إلا لأن عیونه سیل وادیها و نقص حركة نحو حذف حركة الباء من: (أشرب)، فی قوله:
فالیوم أشرب غیر مستحقب‌إثما من الله و لا واغل تشبیها للمنفصل بالمتصل؛ أ لا تری أن (ربغ) بمنزلة «عضد»، فكما تسكن الضاد من:
عضد، فكذلك سكنت الباء؟! و نقص كلمة نحو حذف المضاف و إقامة المضاف إلیه مقامه، و لیس فی الكلام ما یدل علیه نحو قوله:
عشیة فر الحارثیون، بعد ماقضی نحبه فی ملتقی القوم هوبر یرید: ابن هوبر.
و التقدیم و التأخیر منحصر فی تقدیم حرف علی حرف نحو: شواعی، فی: شوائع.
و فی تقدیم بعض الكلام علی بعض، و إن كان لا یجوز ذلك فی الكلام؛ تشبیها بما یجوز ذلك فیه، نحو قوله:
لها مقلتا أدماء طلّ خمیلةمن الوحش ما تنفك ترعی عرارها التقدیر: لها مقلتا أدماء من الوحش ما تنفك ترعی خمیلة طلّ عرارها.
و البدل منحصر فی إبدال حرف من حرف، نحو إبدال الیاء من الباء فی: أرانب جمع، أرنب؛ تشبیها لها بالحروف التی یجوز ذلك فیها.
و فی إبدال حركة من حركة، نحو إبدال الكسرة التی قبل یا المتكلم فی غیر النداء؛ تشبیها بالنداء، نحو قوله:
أطوف ما أطوف ثم آوی‌إلی أمّا و یروینی النقیع یرید: إلی أمی.
و إبدال كلمة من كلمة، نحو قوله:
و ذات هدم عار نواشرهاتصمت بالماء تولبا جدعا فأوقع «التولب»- و هو ولد الحمار- علی الطفل؛ تشبیها له به.
ینظر 15)./ 202- 206).
(1) فی ب: كما.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 305
الحركة «1»، و بهذا المعنی یستعمله القراء، و الله تبارك و تعالی أعلم.
و یرید «بما تقدم» حیث یثبت ابن كثیر الصلة، إلا أن حفصا وافق ابن كثیر علی إثبات الصلة للهاء فی قوله- تعالی-: وَ یَخْلُدْ فِیهِ مُهاناً [الفرقان: 69].
كما نص علیه الحافظ فی سورة الفرقان، و لو ذكره هنا، لكان حسنا، كما ذكر عَنْهُ تَلَهَّی [عبس: 10] فی قراءة البزی.
وجه قراءة الجماعة بترك الصلة إذا سكن ما قبل الهاء: أن الهاء عندهم لضعفها و وهنها فی حكم العدم، فلو وصلوها لكانوا كأنهم قد جمعوا بین ساكنین؛ فتركوا الصلة لذلك.
و لا ینكر كون الحرف الضعیف قد یحكم له بحكم المعدوم.
أ لا تری أن سیبویه قال فی «اسطاع»: إنما هی «أطاع»، زادوا السین عوضا من ذهاب حركة العین «2».
یرید: من أجل ذهاب حركة العین من العین؛ إذ الحركة لم تذهب من الكلمة رأسا، و إنما هی فی الطاء، فإن أصل الكلمة: «أطوع» مثل «أكرم»، فلما نقلت الحركة، و قلبت الواو ألفا، صارت الألف عرضة للحذف عند سكون ما بعدها،
______________________________
(1) مأخوذ من الخلس: و هو الأخذ فی نهزة و مخاتلة؛ خلسه یخلسه خلسا، و خلسه إیاه، فهو خالس و خلّاس؛ قال الهذلی:
یا می إن تفقدی قوما ولدتهم‌أو تخلسیهم فإن الدهر خلاس الجوهری: خلست الشی‌ء، و اختلسته، و تخلسته: إذا استلبته. و التخالس: التسالب.
و الاختلاس كالخلس، و قیل: الاختلاس أوحی من الخلس و أخص.
ینظر لسان العرب (2/ 1226).
(2) و نص كلام سیبویه: و أما «هرقت» و «هرحت» فأبدلوا مكان الهمزة الهاء، كما تحذف؛ استثقالا لها، فلما جاء حرف أخف من الهمزة لم یحذف فی شی‌ء و لزم لزوم الألف فی «ضارب»، و أجری مجری ما ینبغی لألف «أفعل» أن تكون علیه فی الأصل. و أما الذین قالوا: أهرقت، فإنما جعلوها عوضا من حذفهم العین و إسكانهم إیاها، كما جعلوا یاء «أینق» و ألف «یمان» عوضا.
و جعلوا الهاء العوض؛ لأن الهاء تزاد.
و نظیر هذا قولهم: اسطاع یسطیع، جعلوا العوض السین؛ لأنه فعل، فلما كانت السین تزاد فی الفعل زیدت فی العوض؛ لأنها من حروف الزوائد التی تزاد فی الفعل، و جعلوا الهاء بمنزلتها؛ لأنها تلحق الفعل فی قولهم: ارمه، و عه، و نحوهما.
ینظر الكتاب (4/ 285).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 306
نحو: «أطعت»، فلما توهنت الواو بالإسكان و القلب عوض منها السین، و إن كانت الألف تحرز مكانها، و لم یكن ذلك من الجمع بین العوض و المعوض منه؛ لكون الألف فی حكم المعدوم لضعفها و تعرضها للحذف كما تقدم.
و وجه قراءة ابن كثیر اعتبار الأصل؛ إذ الهاء حرف متحرك، فقد فصل بحركته بین الساكنین، مع أن الهاء و إن كانت ضعیفة فإنها تحرز فی حكم اللفظ ما یحرزه الضاد باستطالته و الشین بتفشیه و القاف بقلقلته، و تصحیح ذلك یظهر فی أوزان الشعر؛ إذ هو معیار لتحقیق ذلك، و لا فرق بین الهاء و غیرها من الحروف فی حكم الوزن، و الله أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و كلهم یصل ...» إلی أخره، هذا هو القسم المتفق علی صلته كما تقدم.
و اعلم أنما ذكرته فی هذا الباب فی جمیع القرآن إلا أحرفا خرجت عن ذلك فلم یجر بعض القراء فیها علی أصل واحد، و هی ستة عشر موضعا:
منها فی آل عمران: یُؤَدِّهِ إِلَیْكَ [75]، و لا یُؤَدِّهِ إِلَیْكَ [75]، و نُؤْتِهِ مِنْها فی موضعین [145].
و فی النساء نُوَلِّهِ ما تَوَلَّی وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ [115]، و فی الأعراف أَرْجِهْ وَ أَخاهُ [111]، و فی طه وَ مَنْ یَأْتِهِ مُؤْمِناً [75]، و فی النور وَ یَتَّقْهِ فَأُولئِكَ [52]، و فی الشعراء أَرْجِهْ وَ أَخاهُ [36]، و فی النمل فَأَلْقِهْ إِلَیْهِمْ [28]، و فی الزمر یَرْضَهُ لَكُمْ [7]، و فی الشوری نُؤْتِهِ مِنْها [20]، و فی البلد أَنْ لَمْ یَرَهُ أَحَدٌ [7]، و فی «إذا زلزلت» خَیْراً یَرَهُ [7]، و شَرًّا یَرَهُ [8].
اعلم أن الحرف الذی یلی الهاء من قبلها فی جمیع هذه المواضع حرف متحرك.
فی اللفظ و حرف ساكن فی التقدیر لكن حذف ذلك الساكن، إما علامة علی بناء الفعل، و ذلك فی أَرْجِهْ [الأعراف: 111] علی قراءة من لم یهمز «1»، ...
______________________________
(1) فی قوله تعالی (أرجه) فی سورتی الأعراف و الشعراء ست قراءات فی المشهور المتواتر، قال السمین الحلبی: و لا التفات إلی ما أنكر بعضها، و لا لمن أنكر علی راویها. و ضبط ذلك أن یقال: ثلاث مع الهمز، و ثلاث مع عدمه.
فأما الثلاث التی مع الهمز فأولها:
قراءة ابن كثیر و هشام عن ابن عامر: (أرجئهو) بهمزة ساكنة و هاء متصلة بواو.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 307
______________________________
- و الثانیة: قراءة أبی عمرو (أرجئه) كما تقدم، إلا أنه لم یصلها بواو.
و الثالثة: قراءة ابن ذكوان عن ابن عامر: (أرجئه) بهمزة ساكنة و هاء مكسورة من غیر صلة.
و أما الثلاث التی مع غیر الهمزة فأولها:
قراءة حمزة و الكسائی (أرجه) بكسر الجیم و سكون الهاء وصلا و وقفا.
الثانیة: قراءة الكسائی و ورش عن نافع: (أرجهی) بهاء متصلة بیاء.
الثالثة: قراءة قالون بهاء مكسورة دون یاء.
فأما ضم الهاء و كسرها فقد عرف مما تقدم.
و أما الهمز و عدمه فلغتان مشهورتان، یقال: أرجأته و أرجیته، أی: أخرته، و قد قرئ قوله تعالی: تُرْجِی مَنْ تَشاءُ بالهمز و عدمه، و هذا كقولهم: توضأت، و توضیت.
و هل هما مادتان أصلیتان أم المبدل فرع الهمز؟ احتمالان.
و قد طعن قوم علی قراءة ابن ذكوان، فقال الفارسی: (ضم الهاء مع الهمز لا یجوز غیره، و روایة ابن ذكوان عن ابن عامر غلط).
و قال ابن مجاهد: (و هذا لا یجوز؛ لأن الهاء لا تكسر إلا بعد كسرة أو یاء ساكنة).
و قال الحوفی: (و من القراء من یكسر مع الهمز، و لیس بجید).
و قال أبو البقاء: (و یقرأ بكسر الهاء مع الهمز، و هو ضعیف؛ لأن الهمزة حرف صحیح ساكن، فلیس قبل الهاء ما یقتضی الكسر).
قال السمین الحلبی: و قد اعتذر الناس عن هذه القراءة علی سبیل التنازل بوجهین:
أحدهما: أن الهمزة ساكنة، و الساكن حاجز غیر حصین، و له شواهد مذكورة فی موضعها، فكأن الهاء ولیت الجیم المكسورة؛ فلذلك كسرت.
الثانی: أن الهمزة كثیرا ما یطرأ علیها التغییر، و هی هنا فی معرض أن تبدل یاء ساكنة؛ لسكونها بعد كسرة، فكأنها ولیت یاء ساكنة؛ فلذلك كسرت.
و قد اعترض أبو شامة علی هذین الجوابین بثلاثة أوجه:
الأول: أن الهمز معتد به حاجزا بإجماع فی (أنبئهم)، و الحكم واحد فی ضمیر الجمع و المفرد فیما یرجع إلی الكسر و الضم.
الثانی: أنه كان یلزمه صلة الهاء؛ إذ هی فی حكمه، كأنها قد ولیت الجیم.
الثالث: أن الهمز لو قلب یاء لكان الوجه المختار ضم الهاء مع صریح الیاء؛ نظرا إلی أن أصلها همزة، فما الظن بمن یكسر الهاء مع صریح الهمزة؟! فضم الهاء مع الهمز هو الوجه.
و قد استضعف أبو البقاء قراءة ابن كثیر و هشام؛ فإنه قال: (و أرجئه) یقرأ بالهمز و ضم الهاء من غیر إشباع و هو الجید، و بالإشباع و هو ضعیف؛ لأن الهاء خفیة، فكأن الواو التی بعدها تتلو الهمزة، و هو قریب من الجمع بین الساكنین، و من هاهنا ضعف قولهم: علیهی مال، بالإشباع.
قال السمین الحلبی: و هذا التضعیف لیس بشی‌ء؛ لأنها لغة ثابتة عن العرب، أعنی:
إشباع حركة الهاء بعد ساكن مطلقا، و قد تقدم أن هذا أصل لابن كثیر، لیس مختصا
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 308
و فی فَأَلْقِهْ [النمل: 28] «1» لأنها من صیغ الأمر.
و إما علامة علی الجزم و ذلك فی البواقی.
ثم إن القراء اتفقوا علی ضم الهاء و صلتها بواو فی حرف البلد و اختلفوا فیما عداه فإن ابن كثیر، و الكسائی، و ورشا، و ابن ذكوان متفقون علی التحریك و الصلة فی جمیعها إلا یَرْضَهُ «2» فی الزمر [الآیة: 7] لورش، و إلا أَرْجِهْ فی الموضعین لابن ذكوان؛ فإنهما تركا الصلة.
و الباقون مختلفون فی إسكان الهاء و تحریكها موصولة، أو مختلسة فی بعض المواضع دون بعض، حسبما هو مذكور فی فرش الحروف و الله- عز جلاله- أعلم.
وافق الشیخ، و الإمام، الحافظ علی جمیع ما تقدم فی الباب.
______________________________
- بهذه اللفظة، بل قاعدته: كل هاء كنایة بعد ساكن أن تشبع حركتها حتی یتولد منها حرف مد، نحو: منهو، و عنهو، و أرجیهو، إلا قبل ساكن؛ فإن المد یحذف لالتقاء الساكنین، إلا فی موضع واحد رواه عنه البزی، و هو: (عنهو تّلهی) بتشدید التاء؛ و لذلك استضعف الزجاج قراءة الأخوین، قال بعد ما أنشد قوله:
لما رأی أن لا دعه و لا شبع‌مال إلی أرطأة حقف فاضطجع (هذا شعر لا یعرف قائله، و لا هو بشی‌ء، و لو قاله شاعر مذكور لقیل له: أخطأت؛ لأن الشاعر یجوز أن یخطئ، و هذا مذهب لا یعرج علیه).
ینظر الدر المصون (3/ 317- 319).
(1) قوله: (فألقه)، قرأ أبو عمرو و حمزة و عاصم بإسكان الهاء، و قالون بكسرها فقط من غیر صلة بلا خلاف عنه، و هشام عنه وجهان: القصر و الصلة، و الباقون بالصلة بلا خلاف، و قرأ شاذا مسلم بن جندب بضم الهاء موصولة بواو (فألقهو إلیهم)، و قد تقدم أن الضم الأصل.
ینظر اللباب (15/ 150).
(2) قرأ ابن كثیر و الكسائی و ابن ذكوان یرضهو بالصلة. و هی الأصل من غیر خلاف، و هی قراءة واضحة. قال الواحدی: من أشبع الهاء حتی ألحق فیها واو؛ لأن ما قبل الهاء متحرك فصار بمنزلة: ضربه.
و قرأ: (یرضه) بضم الهاء من غیر صلة بلا خلاف، نافع و عاصم و حمزة.
و قرأ (یرضه) بإسكانها وصلا من غیر خلاف، السوسی عن أبی عمرو.
و قرأ بالوجهین- أعنی الإسكان و الصلة- الدوری عن أبی عمرو.
و قرأ بالإسكان و التحریك من غیر صلة هشام عن ابن عامر.
ینظر اللباب (16/ 478- 479).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 309

باب ذكر المد و القصر

اشارة

اعلم أن المد مخصوص بأحرف المد، و هی ثلاثة: الألف، و الواو الساكنة بعد الضمة، و الیاء الساكنة بعد الكسرة، نحو دار، و نور، و طیب، و قد اجتمعت فی الكلمة الأولی من قوله: آتُونِی أُفْرِغْ [الكهف: 96]، و فی قوله تعالی: أُوذِینا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِیَنا [الأعراف: 129] و نحو ذلك.
و اعلم أن الأصل فی المد الألف؛ إذ لا تتحرك أبدا، و لا تكون حركة ما قبلها إلا من جنسها، بخلاف الواو، و الیاء؛ فإنهما قد یتحركان، و یكونان بعد الفتحة، فإذا سكنا بعد حركة مجانسة، أشبها الألف، فحینئذ یكونان حرفی مد، و الله [تبارك اسمه] «1» أعلم.
فأما الواو و الیاء الساكنتان بعد الفتحة، فهما حرفا اللین نحن: «قوم» و «بیت» و قد اجتمعا فی آخر كلمة من قوله- تعالی-: خَلَقَ الْأَرْضَ فِی یَوْمَیْنِ [فصلت: 9] و یدخلهما من المد بحسب ما فیهما من اللین حملا علی أحرف المد.
و اعلم أن أحرف المد فی أنفسهن مدات تابعات للحركات المجانسة لهن، فإذا قلت: «قال» مكنت الصوت بین فتحة القاف و اللام بقدر ما لو نطقت بینهما بحرف متحرك ممكن الحركة مثل «قفل» «2» و «قتل»، و هكذا الواو و الیاء.
ثم اعلم أنه قد یعرض لهذه الأحرف ما یوجب الزیادة فی مدّهنّ، و التمكین لصوتهن أكثر مما كان یجب لهن عند انفرادهن عن ذلك العارض، و الذی یوجب ذلك شیئان:
أحدهما: الهمزة.
و الثانی: الحرف الساكن.
إذا وقع كل واحد منهما بعد حرف من أحرف المد.
و تكلم الحافظ فی هذا الباب علی الهمزة دون الساكن، و ذكر الساكن و الهمزة فی غیر هذا الكتاب من سائر تآلیفه، «كجامع البیان» و غیره.
و أقدم- الآن- الكلام علی الهمزة مرتّبا علی كلام الحافظ، ثم أتبعه بالكلام
______________________________
(1) سقط فی ب.
(2) فی أ: فعل.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 310
علی الساكن بحول من لا حول و لا قوة إلا به و هو العلی العظیم.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و اعلم أن الهمزة إذا كانت مع حرف المد و اللین فی كلمة الفصل».
اعلم أن الهمزة إذا وقعت بعد حرف المد، فإما أن تكون مع حرف المد فی كلمة واحدة: و یسمی [المد] «1» المتصل، و إما أن تكون الهمزة أول كلمة و حرف المد آخر الكلمة التی قبلها: و یسمی المد المنفصل.
و قدم الحافظ الكلام علی المتصل؛ لأنه ألزم لحرف المد من المنفصل.
ثم اعلم أن الهمزة إذا اتصلت بحرف المد فی كلمة فإنها تأتی علی وجهین:
متطرفة، و متوسطة.
و أعنی بالمتطرفة ما لا یثبت بعدها فی الوقف شی‌ء من الحروف.
و أعنی بالمتوسطة ما یثبت بعدها فی الوقف، و لو حرف واحد.
فمثال الهمزة المتطرفة بعد الألف «السماء» و «الماء» و «الأنبیاء» و «جاء» و «شاء» و هو كثیر فی القرآن.
و مثالها بعد الواو: ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة: 228] و وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ [آل عمران: 30] و لَتَنُوأُ [القصص: 76] و (تبوأ) [المائدة: 29] و لَیْسُوا علی خلاف فی هذا الأخیر و هو فی الإسراء [الآیة: 7] و لیس فی القرآن غیر هذه الألفاظ.
و مثالها بعد الیاء: (بری) [الأنعام: 19] و الْمُسِی‌ءُ [غافر: 58] و النَّسِی‌ءُ [التوبة: 37] علی قراءة غیر ورش و (النبی‌ء) [الأحزاب: 28] علی قراءة نافع، و یُضِی‌ءُ [النور: 35] و (و جای) [الزمر: 69] و سِی‌ءَ [هود: 77] و حَتَّی تَفِی‌ءَ [الحجرات: 9] و لیس فی القرآن غیرها.
و مثال الهمزة المتوسطة بعد الألف:
أُولئِكَ [الحجرات: 7] و الْمَلائِكَةَ [آل عمران: 80] و وَ رَبائِبُكُمُ [النساء:
23] و طائِفٌ [القلم: 19] و لِلطَّائِفِینَ [الحج: 26] و سائِلٌ [المعارج: 1]
______________________________
(1) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 311
و وَ السَّائِلِینَ [البقرة: 177] و قائِلٌ [الصافات: 51] و قائِلُونَ [الأعراف: 4] و هو كثیر.
و مثالها بعد الواو:
السُّوای [10] فی الروم و لِیَسُوؤُا فی الإسراء [7] علی خلاف كما تقدم لا غیر.
و مثالها بعد الیاء:
بَرِیئُونَ [یونس: 41] و (النبیئون) [البقرة: 136] علی قراءة نافع و هَنِیئاً مَرِیئاً فی النساء [4] و سِیئَتْ فی الملك [27] لا غیر.
فأما المنفصل:
فمثال الهمزة بعد الألف بِما أُنْزِلَ [البقرة: 4] وَ ما أَعْجَلَكَ [طه: 83] وَ إِذا أَظْلَمَ [البقرة: 20] وَ الْأُنْثی إِنَّ سَعْیَكُمْ [اللیل: 3- 4].
و مثالها بعد الواو قُولُوا آمَنَّا [البقرة: 136] و قُوا أَنْفُسَكُمْ [التحریم: 6] و وَ جاؤُ أَباهُمْ [یوسف: 16] و قالُوا أُوذِینا [الأعراف: 129] و رُدُّوا إِلَی اللَّهِ [الأنعام: 62].
و مثالها بعد الیاء: فِی آیاتِنا [الحج: 51] و وَ لا تَفْتِنِّی أَلا [التوبة: 49] و آتُونِی أُفْرِغْ [الكهف: 96] و وَ أَوْفُوا بِعَهْدِی أُوفِ بِعَهْدِكُمْ [البقرة: 40] و ما أشبه ذلك. و ارجع إلی لفظ الباب.
قال الحافظ- رحمه الله-: «اعلم أن الهمزة إذا كانت مع حرف المد و اللین فی كلمة ...».
قد بینت حروف المد، و القراء یسمونها حروف المد و اللین.
و قوله: «سواء توسطت أو تطرفت بعد الهمزة» قد ذكرت أمثلتها متوسطة و متطرفة.
و قوله: «فلا خلاف بینهم فی تمكین حرف المد زیادة ...» إنما اتفق القراء علی الزیادة فی المد المنفصل بالهمزة فی كلمة للزوم الهمزة لحرف المد، إلا أنهم اختلفوا فی مقدار الزیادة علی خمس مراتب تذكر بعد بحول الله عز و جل.
قال: «فإذا كانت الهمزة أول كلمة و حرف المد آخر كلمة أخری فإنهم یختلفون»
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 312
و إنما اختلفوا هنا؛ لكون اتصال الهمزة بحرف المد عارضا إذ یجوز الفصل بینهما بالوقف، و لوقوع تلك الكلمة غیر مجاورة للهمزة فی غیر ذلك الموضع: فمن راعی اتصالها فی اللفظ، أجراها مجری المتصلة فی الكلمة، فزاد فی تمكین حرف المد كما یزید فی المتصل، و من راعی كونها عارضة و لم یعتد بالعارض، لم یزد فی حرف المد علی القدر الذی یستحقه بنفسه، و الحافظ و غیره من القراء قد یعبرون عمن یمد المنفصل، بأنه یمد حرفا لحرف، و معناه أنه یمد حرف المد فی آخر الكلمة الأولی من أجل الهمزة فی أول الكلمة الثانیة، و الحرف هنا عبارة عن الكلمة؛ فكأنه قال:
یمد كلمة لكلمة، فینسب المد إلی الكلمة و إن كان فی حرف منها.
و إنما أولت هذا التأویل و لم أحمله علی أنه یرید بالحرف حرف المد و الهمزة؛ لأنهم یقولون عمن لا یمد المنفصل: إنه لا یمد حرفا لحرف مع أنه لا خلاف فی مد المتصل «1»، فكان یلزم أن یكون السوسی، و ابن كثیر لا یمدان الألف فی «جاء» من أجل الهمزة فتأمله، و الله- جل جلاله- أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: «فابن كثیر و قالون بخلاف عنه، و أبو شعیب و غیره عن الیزیدی یقصرون حرف المد ...» إلی آخره.
لا خلاف عن ابن كثیر و أبی شعیب فی ترك الزیادة فی المد المنفصل، و لا خلاف عن ورش، و ابن عامر، و الكوفیین فی إثبات الزیادة.
و اختلف عن قالون، و عن الدوری عن الیزیدی، فذكر الحافظ فی «المفردات» أنه قرأ لقالون من طریق أبی نشیط عن أبی الفتح بترك الزیادة و علی أبی الحسن بالزیادة، و لعله إلی هذا أشار بقوله فی «التیسیر»: «و قالون بخلاف عنه».
و ذكر عن الدوری: أنه قرأ علی أبی القاسم، و علی أبی الحسن بالزیادة، و علی أبی الفتح بتركها، و یظهر أن مذهبه فی «التیسیر» اختیار زیادة المد للدوری؛ إذ لو اختار له القصر، لذكر أبا عمرو مع ابن كثیر بدل ذكره أبا شعیب، و لو أراد الوجهین عن الدوری، لقال: «و أبو عمرو بخلاف من طریق أهل العراق» علی عادته، و ستری بعد هذا الباب ما یدل علی أن تعویله إنما هو علی الأخذ بالزیادة، هذا مع أنه أسند قراءته فی «التیسیر» من طریق أبی القاسم المذكور، و الله- جل و علا- أعلم.
______________________________
(1) فی أ: المنفصل.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 313
و أما الإمام فذكر الوجهین عن قالون و الدوری.
و أما الشیخ فذكر ترك الزیادة عن قالون من طریق الحلوانی، و ذكر عنه من طریق أبی نشیط و عن الدوری الزیادة لا غیر.
و قوله: «فلا یزیدونه تمكینا علی ما فیه من المد الذی لا یوصل إلیه إلا به».
یرید: لا یزیدونه علی القدر الذی یستحقه إذا انفرد بنفسه، و لم یكن هناك سبب یوجب له الزیادة، و احتاج إلی هذا الكلام؛ لیبین به أن قوله: «یقصرون حرف المد»، إنما أراد به ترك الزیادة علی ما یستحق بنفسه و لم یرد إذهاب المد رأسا؛ إذ كان قوله: «یقصرون حرف المد»، قد یفهم منه ذلك، فأزال هذا التوهم، و إن كان ضعیفا، و الله- عز و جل- أعلم.
و قوله: «و هؤلاء أقصر مدا فی الضرب الأول المتفق علیه».
یعنی: أن ابن كثیر و من ذكر معه [أقل] «1» زیادة فی المد المتصل من غیرهم.
و قوله: «و الباقون یطولون فی ذلك زیادة».
یرید بالباقین: ورشا، و الدوری عن الیزیدی، و ابن عامر و الكوفیین كما تقدم.
و أشار بذلك إلی المد المنفصل.
و قوله: «و أطولهم مدّا فی الضربین ...» إلی آخره.
یرید بالضربین: المتصل، و المنفصل.
و اعلم أنه یتعلق بهذا الكلام خمسة أمور:
أحدها: أن طبقات الزیادة فی المد المتصل خمس، و فی المنفصل أربع.
الثانی: أن كل من زاد فی المنفصل، فإنه یسوی بینه و بین المتصل، و كل من لم یزد فیه فإنه یفرق بینهما، و یتبین ذلك بالمثال، و هو أن قوله- تعالی-: كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ [البقرة: 20] ألف كُلَّما منفصلة من الهمزة التی بعدها و ألف أَضاءَ متصلة بالهمزة التی بعدها، فیكون مد ورش و حمزة للألفین علی حد واحد، و كذلك مد عاصم فیهما سواء، إلا أنه دون مد ورش و حمزة، و كذلك مد ابن عامر، و الكسائی فی الألفین سواء، إلا أنه دون مد عاصم، و كذلك مد قالون و الدوری، إلا أنه دون مد من ذكر.
______________________________
(1) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 314
فأما أبو شعیب، و ابن كثیر فیلفظون بألف كُلَّما دون زیادة كما یلفظون بها فی قوله- تعالی-: أَ وَ كُلَّما عاهَدُوا [البقرة: 100] و غیره من الألفات التی لا همزة بعدها، و یلفظون بألف أَضاءَ بزیادة فی المد علی ألف كُلَّما إلا أنها دون زیادة قالون و الدوری، و كذلك هؤُلاءِ و كذلك یا بَنِی إِسْرائِیلَ [البقرة: 40] یلفظون بالیاء من «بنی» مثل الیاء من قِیلَ و فِیهِ و مثل الألف من كُلَّما كما تقدم، و یلفظون بالألف التی بعد الراء مثل ألف أَضاءَ و هكذا سائر ما یأتی من هذا الباب.
الثالث: أن قوله: «و دونهما أبو عمرو من طریق أهل العراق» دلیل علی ما قدمته من أن اعتماده فی هذا الكتاب علی الأخذ للدوری عن الیزیدی بالزیادة فی المنفصل، و إلی هذا الموضع أشرت قبل.
الرابع: أنه لم یذكر هنا ابن كثیر، و أبا شعیب؛ لأنهما أقل القراء مدّا حیث یمدان، و هذا الفصل ذكر فیه من یزید مده علی مد غیره؛ و لهذا قال: «و أطولهم مدّا فلان ...» إلی آخره؛ و لیس فی القراء من یكون مده دون مد ابن كثیر، و أبی شعیب.
الخامس: أن قوله: «و أطولهم مدا فی الضربین» ظاهر فی المفاضلة فی نفس الزیادة علی المقدار الذی یستحقه حرف المد بنفسه لا فی أصل المد.
و إذا كان الأمر كذلك فكان ینبغی ألا یذكر أبا عمرو، و قالون، و أن یقطع التفضیل عند «1» ذكر ابن عامر، و الكسائی؛ إذ زیادة ابن عامر و الكسائی تفضل زیادة قالون و أبی عمرو من طریق أهل العراق فی الضربین، و لیس تفضل زیادة قالون و أبی عمرو فی الضربین زیادة غیرهما.
فأما ابن كثیر، و أبو شعیب، فإنما یزیدان فی الضرب المتصل خاصة لا فی الضربین، و مبنی كلامه فی التفضیل إنما وقع علی الزیادة فی الضربین، فلو قال:
فأما أبو عمرو من طریق أهل العراق و قالون فأطول مدا من ابن كثیر و أبی شعیب فی المتصل خاصة؛ إذ لا یزیدان فی المد المنفصل، أو یكتفی عن ذلك بقوله قبل هذا:
«و هؤلاء أقصر مدّا فی الضرب الأول»- لاندفع الإشكال، لكن یتوجه ذكر أبی
______________________________
(1) فی ب: عن.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 315
عمرو و قالون هنا علی ثلاثة أوجه:
أحدها: أن یرید أطولهم مدّا فی الضربین علی الإطلاق كیفما وجد متفقا فیهما، أو فی أحدهما.
الثانی: أن [یرید] «1» «بأطول» مجموع المد الذی یستوعبه القدر المشترك بین ما یستحقه حرف المد بنفسه، و بین الزیادة الحاصلة عن السبب، و إن كان الطول الذی ینبغی أن ینبه علی التفاضل فیه خاصّا بالزیادة دون القدر المستحق لحرف المد بانفراده.
الثالث: أن یرید بالطول مجرد الزیادة، لكن لما اشترك المتصل و المنفصل فی الزیادة فی مذاهب أكثر القراء كما تقدم- أدرج «2» موضع اختصاص أحدهما مع ذكر مواضع اتفاقهما علی ما جاء فی قوله- تعالی-: نَسِیا حُوتَهُما [الكهف: 61]، و إنما الناسی الفتی دون موسی «3»- علیه السلام- و كما قال- تعالی-: یَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ [الرحمن: 22] و إن كان الإخراج من أحد البحرین، و الله عز و جل أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و هذا كله علی التقریب من غیر إفراط».
یرید بهذا كله ما ذكر من كون بعضهم یزید علی بعض فی تطویل المد، یقول:
لیس بین مد حمزة و ورش، و مد عاصم إلا مقدار یسیر، و كذلك زیادة مد عاصم
______________________________
(1) سقط فی أ.
(2) درج الشی‌ء فی الشی‌ء، یدرجه درجا، و أدرجه: طواه و أدخله. و یقال لما طویته: أدرجته؛ لأنه یطوی علی وجهه. و أدرجت الكتاب: طویته.
و رجل مدراج: كثیر الإدراج للثیاب.
و الدّرج: الذی یكتب فیه، و كذلك الدرج بالتحریك. یقال: أنفذته فی درج الكتاب، أی: فی طیه. و أدرج الكتاب فی الكتاب: أدخله و جعله فی درجه، أی: فی طیه.
و درج الكتاب: طیه و داخله، و فی درج الكتاب كذا و كذا. و أدرج المیت فی الكفن و القبر: أدخله.
ینظر: اللسان (2/ 1353).
(3) قوله: (نسیا)، الظاهر نسبة النسیان إلی موسی و فتاه، یعنی: نسیا تفقد أمره، فإنه كان علامة لهما علی ما یطلبانه.
و قیل: نسی موسی أن یأمره بالإتیان به، و نسی یوشع أن یفكره بأمره.
و قیل: الناسی یوشع فقط، و هو علی حذف مضاف، أی: نسی أحدهما، كقوله تعالی یَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ.
ینظر: الدر المصون (4/ 470).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 316
علی مد الكسائی و ابن عامر بمقدار یسیر، و هكذا سائرها.
و المعتبر فی ذلك أن القرآن إنما أنزل بلسان عربی مبین؛ فإذا كان كذلك فالمحصّل یمیز بعقله المقدار الذی یمكن استعماله فی المخاطبات عند قصد البیان، و التثبیت فی الخطاب من الصبر و التبیین لآحاد الكلمات بحیث لا یخرج الكلام معه عن المعتاد إلی ما تنفر عنه الطباع، و ما یستعمل أیضا من الحدر «1» و الإسراع الذی لا یخل بالحروف، و لا یمیتها.
فتعلم أن التلاوة ینبغی أن تكون دائرة بین هذین الطرفین «2»، و هذا معنی قوله:
«و إنما ذلك علی مقدار مذاهبهم فی التحقیق و الحدر» یرید بالتحقیق: تمكین الحروف و الصبر علی حركاتها و التثبیت فی بیانها، و یرید بالحدر: الإسراع و الهذّ.
و مذاهب القراء فی ذلك لا بد أن تكون موافقة لما علیه كلام العرب الذی نزل
______________________________
(1) الحدر: هو الإسراع فی القراءة، قال ابن سیده: حدر الشی‌ء، یحدره و یحدره، حدرا و حدورا، فانحدر: حطه من علو إلی سفل.
الأزهری: و كل شی‌ء أرسلته إلی أسفل، فقد حدرته حدرا و حدورا، قال: و لم أسمعه بالألف: أحدرت، قال: و منه سمیت القراءة السریعة: الحدر؛ لأن صاحبها یحدرها حدرا.
و حدرت السفینة: أرسلتها إلی أسفل، و لا یقال: أحدرتها، و حدر السفینة فی الماء، و المتاع، یحدرهما حدرا، و كذلك حدر القرآن و القراءة.
الجوهری: و حدر فی قراءته و فی أذانه، حدرا، أی: أسرع. و فی حدیث الأذان: «إذا أذنت فترسل، و إذا أقمت فاحدر»، أی: أسرع. و هو من الحدور ضد الصعود، یتعدی و لا یتعدی.
ینظر: اللسان (2/ 802).
و فی ب: الهمز.
(2) السنة أن یقرأ القرآن مرتلا؛ لقوله تبارك و تعالی: وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِیلًا [المزمل: 4].
و الترتیل: هو أن یذكر الحروف مبینة ظاهرة، و الفائدة فیه: أنه إذا وقعت القراءة علی هذا الوجه، فهم من نفسه معانی تلك الألفاظ، و أفهم غیره تلك المعانی، و إذا قرأها سردا، لم یفهم و لم یفهم؛ فكان الترتیل أولی.
روی أبو داود- رحمه الله تعالی- بإسناده عن ابن عمر- رضی الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّی اللّه علیه و سلّم: «یقال للقارئ: اقرأ و ارق، و رتل كما كنت ترتل فی الدنیا؛ فإن منزلتك عند آخر آیة تقرؤها».
قال أبو سلیمان الخطابی- رحمه الله-: جاء فی الأثر أن عدد آی القرآن علی عدد درج الجنة، یقال للقارئ: اقرأ و ارق فی الدرج علی عدد ما كنت تقرأ من القرآن، فمن استوفی، فقرأ جمیع آی القرآن استولی علی أقصی الجنة ینظر: اللباب (1/ 90- 91).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 317
القرآن به: فمن مذهبه من القراء الأخذ بالصبر و التمكین فإنه یزید فی المد من تلك النسبة، و من مذهبه الحدر و الإسراع، فإنه یمد بتلك النسبة، و من توسط فعلی حسب ذلك.
و حینئذ یتناسب المد و التحریك، و لو أن المسرع بالحركات أطال المد و الممكن للحركات قصر المد، لأدی ذلك إلی تشتت اللفظ، و تنافر الحروف، و الله أعلم.
السبب الثانی الموجب للزیادة فی حرف المد: و هو الحرف الساكن إذا وقع بعد حرف المد.
و كان ینبغی للحافظ أن یذكره فی هذا الباب كما ذكره فی غیر هذا الكتاب.
و اعلم أن الأصل فی كلام العرب ألا یلتقی ساكنان «1» إلا فی الوقف.
______________________________
(1) و قد تعددت الطرق التی لجأ إلیها العرب لمنع التقاء الساكنین، فمنها:
أولا: حذف التنوین أو تحریكه إذا جاء بعده حرف ساكن، و من أمثلته ما جاء فی قول سیبویه: هذا باب ما یذهب التنوین فیه من الأسماء لغیر إضافة و لا دخول الألف و اللام، و لا لأنه لا ینصرف، و كان القیاس أن یثبت التنوین فیه، و ذلك كل اسم غالب وصف ب «ابن»، ثم أضیف إلی اسم غالب، أو كنیة، أو أم. و ذلك قولك: هذا زید بن عمرو.
و إنما حذفوا التنوین من هذا النحو حیث كثر فی كلامهم؛ لأن التنوین حرف ساكن وقع بعده حرف ساكن، و من كلامهم أن یحذفوا الأول إذا التقی ساكنان، و ذلك قولك: اضرب ابن زید، و أنت ترید الخفیفة. و قولهم: لد الصلاة، فی «لدن» حیث كثر كلامهم.
و ما یذهب منه الأول أكثر من ذلك، نحو: قل، و خف.
و سائر تنوین الأسماء یحرك إذا كانت بعده ألف موصولة؛ لأنهما ساكنان یلتقیان فیحرك الأول كما یحرك المسكن فی الأمر و النهی، و ذلك قولك: هذه هند امرأة زید، و هذا زید امرؤ عمرو، و هذا عمرو الطویل، إلا أن الأول حذف منه التنوین لما ذكرت لك، و هم مما یحذفون الأكثر فی كلامهم.
و إذا اضطر الشاعر فی الأول أیضا أجراه علی القیاس. سمعنا فصحاء العرب أنشدوا هذا البیت:
هی ابنتكم و أختكم زعمتم‌لثعلبة بن نوفل بن جسر و قال الأغلب:
جاریة من قیس ابن ثعلبه و تقول: هذا أبو عمرو بن العلاء؛ لأن الكنیة كالاسم الغالب. أ لا تری أنك تقول: هذا زید بن أبی عمرو، فتذهب التنوین كما تذهبه فی قولك: هذا زید بن عمرو؛ لأنه اسم غالب. و تصدیق ذلك قول العرب: هذا رجل من بنی أبی بكر بن كلاب. شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات 317 باب ذكر المد و القصر ..... ص : 309
ثانیا: تحریك آخر الكلمة، و من أمثلته ما جاء فی قول سیبویه: هذا باب اختلاف العرب-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 318
______________________________
- فی تحریك الآخر؛ لأنه لا یستقیم أن یسكن هو و الأول من غیر أهل الحجاز:
اعلم أن منهم من یحرك الآخر كتحریك ما قبله، فإن كان مفتوحا فتحوه، و إن كان مضموما ضموه، و إن كان مكسورا كسروه، و ذلك قولك: ردّ و عضّ و فرّ یا فتی، و اقشعر و اطمئنّ و استعد، و اجترّ و احمرّ و ضارّ؛ لأن قبلها فتحة و ألفا؛ فهی أجدر أن تفتح، و ردّنا و لا یشلّكم الله، و عضّنا و مدّنی إلیك و لا یشلّك الله، و لیعضّكم. فإن جاءت الهاء و الألف فتحوا أبدا.
و سألت الخلیل: لم ذاك؟ فقال: لأن الهاء خفیة، فكأنهم قالوا: ردا و أمدا و غلّا، إذا قالوا: ردها و غلها [و أمدها]. فإذا كانت الهاء مضمومة ضموا، كأنهم قالوا: مدوا و عضوا، إذا قالوا: مدّه و عضّه. فإن جئت بالألف و اللام و بالألف الخفیفة كسرت الأول كله؛ لأنه كان فی الأصل مجزوما؛ لأن الفعل إذا كان مجزوما فحرك لالتقاء الساكنین كسر. و ذلك قولك: اضرب الرجل و اضرب ابنك، فلما جاءت الألف و اللام و الألف الخفیفة رددته إلی أصله؛ لأن أصله أن یكون مسكنا علی لغة أهل الحجاز، كما أن نظائره من غیر المضاعف علی ذلك جری.
و مثل ذلك: مذ و ذهبتم، فیمن أسكن، تقول: مذ الیوم، و ذهبتم الیوم؛ لأنك لم تبن المیم علی أن أصله السكون، و لكنه حذف كیاء «قاض» و نحوها.
و منهم من یفتح إذا التقی ساكنان علی كل حال، إلا فی الألف و اللام و الألف الخفیفة.
فزعم الخلیل أنهم شبهوه ب «أین و كیف و سوف» و أشباه ذلك، و فعلوا به إذ جاءوا بالألف و اللام و الألف الخفیفة ما فعل الأولون، و هم بنو أسد و غیرهم من بنی تمیم. و سمعناه ممن ترضی عربیته. و لم یتبعوا الآخر الأول كما قالوا: امرؤ و امرئ و امرأ، فأتبعوا الآخر الأول، و كما قالوا: بنم، و ابنم، و ابنما.
و منهم من یدعه إذا جاء بالألف و اللام علی حاله مفتوحا، یجعله فی جمیع الأشیاء ك «أین». و زعم یونس أنه سمعهم یقولون:
غض الطرف إنك من نمیر و لا یكسر «هلم» البتة من قال: هلما و هلمی، و لكن یجعلها فی الفعل تجری مجراها فی لغة أهل الحجاز بمنزلة «روید».
و من العرب من یكسر ذا أجمع علی كل حال، فیجعله بمنزلة: اضرب الرجل، و اضرب ابنك، و إن لم تجئ بالألف و اللام؛ لأنه فعل حرك لالتقاء الساكنین، و كذلك اضرب ابنك، و اضرب الرجل، و لا یقولها فی «هلم»، لا یقول: هلمّ یا فتی، من یقول: هلموا، فیجعلها بمنزلة «روید». و لا یكسر «هلم» أحد؛ لأنها لم تصرف تصرف الفعل و لم تقو قوته.
و من یكسر «كعب» و «غنیّ».
و أهل الحجاز و غیرهم، مجتمعون علی أنهم یقولون للنساء: ازددن؛ و ذلك لأن الدال لم تسكن هاهنا لأمر و لا نهی. و كذلك كل حرف قبل نون النساء لا یسكن لأمر و لا لحرف یجزم؛ أ لا تری أن السكون لازم له فی حال النصب و الرفع، و ذلك قولك: رددن، و هن یرددن، و علیّ أن یرددن. و كذلك یجری غیر المضاعف قبل نون النساء، لا یحرك فی حال. و ذلك قولك: ضربن و یضربن و یذهبن. فلما كان هذا الحرف یلزمه السكون فی-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 319
______________________________
- كل موضع، و كان السكون حاجزا عنه ما سواه من الإعراب، و تمكن فیه ما لم یتمكن فی غیره من الفعل- كرهوا أن یجعلوه بمنزلة ما یجزم لأمر أو لحرف الجزم؛ فلم یلزمه السكون كلزوم هذا الذی هو غیر مضاعف. و مثل ذلك قولهم: رددت و مددت؛ لأن الحرف بنی علی هذه التاء كما بنی علی النون و صار السكون فیه بمنزلته فیما فیه نون النساء. یدلك علی ذلك أنه فی موضع فتح.
و زعم الخلیل أن ناسا من بكر بن وائل یقولون: ردّن و مدّن و ردّت، جعلوه بمنزلة: رد و مد. و كذلك جمیع المضاعف یجری كما ذكرت لك فی لغة أهل الحجاز و غیرهم و البكریین. و أما ردّد و یردّد، فلم یدغموه؛ لأنه لا یجوز أن یسكن حرفان فیلتقیا، و لم یكونوا لیحركوا العین الأولی: لأنهم لو فعلوا ذلك لم ینجوا من أن یرفعوا ألسنتهم مرتین، فلما كان ذلك لا ینجیهم أجروه علی الأصل و لم یجز غیره.
و اعلم أن الشعراء إذا اضطروا إلی ما یجتمع أهل الحجاز و غیرهم علی إدغامه أجروه علی الأصل، قال الشاعر، و هو قعنب بن أم صاحب:
مهلا أعاذل قد جربت من خلقی‌أنی أجود لأقوام و إن ضننوا و قال:
تشكو الوجی من أظلل و أظلل و هذا النحو فی الشعر كثیر.
ینظر: الكتاب (3/ 532- 535).
ثالثا: و یقول سیبویه أیضا: هذا باب یحرك فیه الحرف الذی یلیه المحذوف؛ لأنه لا یلتقی ساكنان:
و هو قولك فی رجل اسمه رادّ: یا راد أقبل. و إنما كانت الكسرة أولی الحركات به؛ لأنه لو لم یدغم كان مكسورا، فلما احتجت إلی تحریكه كان أولی الأشیاء به ما كان لازما له لو لم یدغم. و أما «مفرّ» فإذا حذفت منه و هو اسم رجل، لم تحرك الراء؛ لأن ما قبلها متحرك.
و إن حذفت من اسم «محمارّ» أو «مضارّ»، قلت: یا محمار و یا مضار، تجی‌ء بالحركة التی هی له فی الأصل، كأنك حذفت من محمارر، حیث لم یجز لك أن تسكن الراء الأولی؛ أ لا تری أنك إذا احتجت إلی تحریكها و الراء الآخرة ثابتة لم تحرك إلا علی الأصلی، و ذلك قولك: لم یحمارر؟! فقد احتجت إلی تحریكها فی الترخیم كما احتجت إلیه هنا حین جزمت الراء الآخرة.
و إن سمیته ب «مضارّ» و أنت ترید المفعول قلت: یا مضار أقبل، كأنك حذفت من مضارر.
و أما «محمرّ» إذا كان اسم رجل فإنك إذا رخمته تركت الراء الأولی مجزومة؛ لأن ما قبلها متحرك فلا تحتاج إلی حركتها. و من زعم أن الراء الأولی زائدة كزیادة الواو و الیاء و الألف، فهو لا ینبغی له أن یحذفها مع الراء الآخرة، من قبل أن هذا الحرف لیس من حروف الزیادة، و إنما یزاد فی التضعیف؛ فأشبه عندهم المضاعف الذی لا زیادة فیه، نحو مرتد و ممتد، حین جری مجراه، و لم یجئ زائدا غیر مضاعف؛ لأنه لیس عندهم من حروف الزیادة، و إنما جاء زائدا فی التضعیف؛ لأنه إذا ضوعف جری مجری-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 320
______________________________
- المضاعف الذی لیس فیه زیادة.
و لو جعلت هذا الحرف بمنزلة الیاء و الألف و الواو لثبت فی التحقیر و الجمع الذی یكون ثالثه ألفا؛ أ لا تری أنه صار بمنزلة اسم علی خمسة أحرف لیس فیه زیادة، نحو: جردحل، و ما أشبه ذلك.
و أما [رجل اسمه] أسحارّ، فإنك إذا حذفت الراء الآخرة لم یكن لك بد من أن تحرك الراء الساكنة؛ لأنه لا یلتقی حرفان ساكنان و حركته الفتحة؛ لأنه یلی الحرف الذی منه الفتحة، و هو الألف؛ أ لا تری أن المضاعف إذا أدغم فی موضع الجزم حرك آخر الحرفین؛ لأنه لا یلتقی ساكنان، و جعل حركته كحركة أقرب المتحركات منه، و ذلك قولك: لم یردّ و لم یرتدّ و لم یفرّ [و لم یعضّ]. فإذا كان أقرب من المتحرك إلیه الحرف الذی منه الحركة المفتوحة و لا یكون ما قبله إلا مفتوحا، كان أجدر أن تكون حركته مفتوحة؛ لأنه حیث قرب من الحرف الذی منه الفتحة و إن كان بینهما حرف كان مفتوحا، فإذا قرب منه هو كان أجدر أن تفتحه، و ذلك: لم یضارّ.
و كذلك تقول: یا أسحارّ، أقبل، فعلت بهذه الراء ما كنت فاعلا بالراء الآخرة لو ثبت الراءان و لم تكن الآخرة حرف الإعراب، فجری علیها ما كان جاریا علی تلك كما جری علی میم «مدّ» ما كان بعد الدال الساكنة، و امدد هو الأصل. و إن شئت فتحت اللام إذا أسكنت [علی فتحة] «انطلق»، و «لم یلد» إذا جزموا اللام. و زعم الخلیل- رحمه الله- أنه سمع العرب یقولون، و هو قول رجل من أزد السّراة:
ألا رب مولود و لیس له أب‌و ذی ولد لم یلده أبوان جعلوا حركته كحركة أقرب المتحركات منه. فهذا ك «أین و كیف». و إنما منع «أسحارا» أن یكون بمنزلة «محمار» أن أصل محمار: محمارر، یدلك علی ذلك فعله إذا قلت: لم یحمارر. و أما «إسحار» فإنما هو اسم وقع مدغما آخره، و لیس لرائه الأولی فی كلامهم نصیب فی الحركة، و لا تقع إلا ساكنة، كما أن المیم الأولی من الحمر، و الراء الأولی من شراب لا یقعان إلا ساكنین، لیستا عندهم إلا علی الإسكان فی الكلام و فی الأصل.
ینظر الكتاب (2/ 263- 267).
رابعا: و قال سیبویه: هذا باب تحرك أواخر الكلم الساكنة، إذا حذفت ألف الوصل؛ لالتقاء الساكنین:
و إنما حذفوا ألف الوصل هاهنا بعد الساكن؛ لأن من كلامهم أن یحذف و هو بعد غیر الساكن، فلما كان ذلك من كلامهم حذفوها هاهنا، و جعلوا التحرك للساكنة الأولی؛ حیث لم یكن لیلتقی ساكنان. و جعلوا هذا سبیلها لیفرقوا بینها و بین الألف المقطوعة. فجملة هذا الباب فی التحرك أن یكون الساكن الأول مكسورا، و ذلك قولك: اضرب ابنك، و أكرم الرجل، و اذهب اذهب، و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ [الإخلاص: 1- 2]؛ لأن التنوین ساكن وقع بعده حرف ساكن، فصار بمنزلة باء «اضرب» و نحو ذلك.
و من ذلك: إن الله عافانی فعلت، و عن الرجل، و قط الرجل، و لو استطعنا.
و نظیر الكسر هاهنا قولهم: حذار، و بداد، و نظار، ألزموها الكسر فی كلامهم فجعلوا سبیل هذا الكسر فی كلامهم، فاستقام هذا الضرب علی هذا ما لم یكن اسما نحو: حذام؛-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 321
______________________________
- لئلا یلتقی ساكنان. و نحوه: جیر یا فتی، و غاق غاق، كسروا هذا إذا كان من كلامهم أن یكسروا إذا التقی الساكنان.
و قال الله- تبارك و تعالی-: قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [یونس: 101]، فضموا الساكن حیث حركوه كما ضموا الألف فی الابتداء. و كرهوا الكسر هاهنا كما كرهوه فی الألف، فخالفت سائر السواكن كما خالفت [الألف] سائر الألفات، یعنی ألفات الوصل.
و قد كسر قوم فقالوا: (قل انظروا) و أجروه علی الباب الأول، و لم یجعلوا كالألف، و لكنهم جعلوها كآخر «جیر».
و أما الذین یضمون فإنهم یضمون فی كل ساكن یكسر فی غیر الألف المضمومة، فمن ذلك قوله عز و جل: وَ قالَتِ اخْرُجْ عَلَیْهِنَ [یوسف: 31] وَ عَذابٍ. ارْكُضْ بِرِجْلِكَ [ص: 42]. و منه: أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِیلًا [المزمل: 3]، و هذا كله عربی قد قرئ.
و من قال: قُلِ انْظُرُوا [یونس: 101]، كسر جمیع هذا.
و الفتح فی حرفین:
أحدهما قوله عز و جل: الم. اللَّهُ، لما كان من كلامهم أن یفتحوا لالتقاء الساكنین فتحوا هذا، و فرقوا بینه و بین ما لیس بهجاء.
و نظیر ذلك قولهم: من الله، و من الرسول، و من المؤمنین، لما كثرت فی كلامهم و لم تكن فعلا و كان الفتح أخف علیهم فتحوا، و شبهوها ب «أین و كیف».
و زعموا أن ناسا من العرب یقولون: من الله، فیكسرونه و یجرونه علی القیاس.
فأما (الم) فلا یكسر؛ لأنهم لم یجعلوه فی ألف الوصل بمنزلة غیره، و لكنهم جعلوه كبعض ما یتحرك لالتقاء الساكنین. و نحو ذلك: لم یلده. و اعلمن ذلك؛ لأن للهجاء حالا قد تبین.
و قد اختلفت العرب فی «من» إذا كان بعدها ألف وصل غیر ألف اللام، فكسره قوم علی القیاس، و هی أكثر فی كلامهم، و هی الجیدة. و لم یكسروا فی ألف اللام؛ لأنها مع ألف اللام أكثر؛ لأن الألف و اللام كثیرة فی الكلام تدخل فی كل اسم، ففتحوا استخفافا، فصار «من الله» بمنزلة الشاذ.
و ذلك قولك: من ابنك، و من امرئ. و قد فتح قوم فصحاء فقالوا: من ابنك، فأجروها مجری «من المسلمین».
ینظر: الكتاب (152- 155).
خامسا- قال سیبویه: هذا باب ما یضم من السواكن إذا حذفت بعد ألف الوصل:
و ذلك الحرف: الواو التی هی علامة الإضمار، إذا كان ما قبلها مفتوحا، و ذلك قوله عز و جل: وَ لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَیْنَكُمْ [البقرة: 237]، و رموا ابنك، و اخشوا الله.
فزعم الخلیل أنهم جعلوا حركة الواو منها لیفصل بینها و بین الواو التی من نفس الحرف، نحو واو «لو» و «أو».
و قد قال قوم: (و لا تنسوا الفضل بینكم)، جعلوها بمنزلة ما كسروا من السواكن، و هی قلیلة. و قد قال قوم: (لو استطعنا) شبهوها بواو: اخشوا الرجل، و نحوها، حیث كانت
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 322
______________________________
- ساكنة مفتوحا ما قبلها. و هی فی القلة بمنزلة: (و لا تنسوا الفضل بینكم).
و أما الیاء التی هی علامة الإضمار و قبلها حرف مفتوح، فهی مكسورة فی ألف الوصل.
و ذلك: اخشی الرجل، للمرأة؛ لأنهم لما جعلوا حركة الواو من الواو جعلوا حركة الیاء من الیاء، فصارت تجری هاهنا كما تجری الواو ثمّ. و إن أجریتها مجری (و لا تنسوا الفضل بینكم) كسرت، فهی علی كل حال مكسورة.
و مثل هذه الواو واو «مصطفون»؛ لأنها واو زائدة لحقت للجمع كما لحقت واو «اخشوا» لعلامة الجمع، و حذفت من الاسم ما حذفت واو «اخشوا»، فهذه فی الاسم كتلك فی الفعل. و الیاء فی «مصطفین» مثلها فی «اخشی»، و ذلك مصطفو الله، و من مصطفی الله. ینظر الكتاب (4/ 155- 156).
سادسا: قال سیبویه: هذا باب ما یحذف من السواكن إذا وقع بعدها ساكن:
و ذلك ثلاثة أحرف: الألف، و الیاء التی قبلها حرف مكسور، و الواو التی قبلها حرف مضموم.
فأما حذف الألف فقولك: رمی الرجل، و أنت ترید: رمی، و لم یخف. و إنما كرهوا تحریكها؛ لأنها إذا حركت صارت یاء أو واوا، فكرهوا أن تصیر إلی ما یستثقلون فحذفوا الألف حیث لم یخافوا التباسا.
و مثل ذلك: هذه حبلی الرجل، و معزی القوم، و أنت ترید: المعزی و الحبلی، كرهوا أن یصیروا إلی ما هو أثقل من الألف، فحذفوا حیث لم یخافوا التباسا.
و مثل ذلك قولهم: رمت. و قالوا: رمیا، فجاءوا بالیاء، و قالوا: غزوا، فجاءوا بالواو؛ لئلا یلتبس الاثنان بالواحد. ذفریان؛ لأنهم لو حذفوا لالتبس بما لیس فی آخره ألف التأنیث من الأسماء. و أنت إذا قلت: هذه حبلی الرجل، و من حبلی الرجل، علم أن فی آخرها ألفا.
فإن قلت: قد تقول: رأیت حبلی الرجل، فیوافق اللفظ لفظ ما لیست فی آخره ألف التأنیث؟ فإن هذا لا یلزمه فی كل موضع. و أنت لو قلت: حبلان، لم تجد موضعا إلا و الألف منه ساقطة، و لفظ الاسم حینئذ و لفظ ما لیست فیه الألف سواء.
و أما حذف الیاء التی قبلها كسرة فقولك: هو یرمی الرجل، و یقضی الحق، و أنت ترید:
یقضی و یرمی، كرهوا الكسر كما كرهوا الجر فی «قاض»، و الضم فیه كما كرهوا الرفع فیه، و لم یكونوا لیفتحوا فیلتبس بالنصب؛ لأن سبیل هذا أن یكسر، فحذفوا حیث لم یخافوا التباسا.
و أما حذف الواو التی قبلها حرف مضموم فقولك: یغزو القوم، و یدعو الناس. و كرهوا الكسر كما كرهوا الضم هناك، و كرهوا الضم هنا كما كرهوا الكسر فی «یرمی». و أما «اخشوا القوم» و «رموا الرجل» و «اخشی الرجل»، فإنهم لو حذفوا لالتبس الواحد بالجمیع، و الأنثی بالذكر. و لیس هنا موضع التباس. و مع هذا أن قبل هذه الواو أخف الحركات. و كذلك یاء «اخشی»، و ما قبل الیاء منها فی «یقضی» و نحوه، و ما قبل الواو منها فی «یدعو» و نحوه. فاجتمع أنه أثقل و أنه لا یخاف الالتباس؛ فحذف. فأجریت هذه السواكن التی حركوا ما قبلها منها مجری واحدا.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 323
فأما الوصل فلا یجوز فیه ذلك فی فصیح الكلام إلا أن یكون الأول حرف مد «1»، و الثانی مدغما، فمثاله فی الوقف- قوله تعالی-:
مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر: 3] و مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر: 5] و لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ [الروم: 4] و دارُ الْخُلْدِ [فصلت: 28] و بِالْقِسْطِ [المائدة: 42] لا خلاف فی جواز إسكان هذه الكلمات و ما أشبهها فی الوقف.
و مثالها فی الوصل بالشرطین المتقدمین:
دَابَّةٍ [البقرة: 164] و الصَّاخَّةُ [عبس: 33] و الطَّامَّةُ [النازعات: 34] و وَ ما هُمْ بِضارِّینَ [البقرة: 102] و وَ لَا الضَّالِّینَ [الفاتحة: 7] و أَ تُحاجُّونِّی [الأنعام: 80] و ما أشبهه.
فإن تخلف أحد الشرطین قبح التقاء الساكنین إذا ذاك؛ و لهذا استضعفوا قراءة ورش فی:
أَ أَنْذَرْتَهُمْ [البقرة: 6] و أَ أَسْجُدُ راء: 61] و أَ أَشْفَقْتُمْ [المجادلة: 13] و نحوه بإبدال الهمزة الثانیة ألفا؛ لأنه لیس فیه إذ ذاك إلا شرط واحد و هو كون الساكن الأول حرف مد، و كذلك قراءة نافع وَ مَحْیایَ [الأنعام: 162] بسكون الیاء فی الوصل، و قراءة البزی، و أبی عمرو اللَّائِی فی الأحزاب [الآیة: 4] [و المجادلة] «2» [2] و الطلاق [الآیة: 4] بسكون الیاء، و كذلك استقبحوا الإدغام الصحیح فی نحو الْخُلْدِ جَزاءً [فصلت: 28] و مِنْ بَعْدِ ذلِكَ [البقرة: 52] و مِنْ قَبْلُ لَفِی [آل عمران: 164] علی ما تقدم فی الإدغام الكبیر، و جعلوه من باب الإخفاء، و راموا الحركة؛ لأنه إن أدغم لم یكن فیه إلا شرط واحد و هو كون الساكن الثانی مدغما خاصة «3».
______________________________
- و مثل ذلك: لم یبع و لم یقل، و لو لم یكن ذلك فیها من الاستثقال لأجریت مجری «لم یخف»؛ لأنه لیس لاستثقال لما بعدها حذفت، و ذلك یاء «یهاب» و واو «یخاف».
ینظر الكتاب (4/ 156- 157).
(1) و من أمثلة ذلك ما جاء فی قول سیبویه: و لیس حرف ساكن فی هذه الصفة إلا بعد ألف أو حرف لین كالألف، و ذلك نحو: تمودّ الثوب و تضربینّی، ترید المرأة. و تكون فی یاء أصیمّ، و لیس مثل هذه الواو و الیاء؛ لأن حركة ما قبلهن منهن، كما أن ما قبل الألف مفتوح. و قد أجازوه فی مثل یاء «أصیمّ» لأنه حرف لین. ینظر الكتاب (3/ 525).
(2) سقط فی أ.
(3) فی أ: خاصّا.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 324
فأما ما حكی من قول بعض العرب «التقت حلقتا البطان» «1» بالمد بعد التاء، فشاذ.
فإذا تقرر هذا فاعلم أنه إذا كان الساكن الأول حرف مد، و الثانی مدغما علی ما تقدم أنه المختار من الكلام نحو «الدابة» أو غیر مدغم علی الوجه الضعیف كما تقدم- فإنه لا بد من الزیادة فی تمكین حرف المد إذ ذاك.
و سبب ذلك أن تمكین حرف المد عندهم یجری مجری الحركة؛ فیكون كأنه لم یلتق ساكنان، و كأنك إنما أوقعت الساكن الثانی بعد حركة، فعلی هذا یكون تطویل المد من أجل لقی الساكن أوكد و ألزم من التطویل من أجل لقی الهمزة، و إنما یطول المد عند لقی الهمزة؛ لأن الهمزة حرف ثقیل بعید المخرج؛ فیحتاج النطق بها إلی تكلف، فإذا وقع حرف المد قبلها مكنوا مده حتی ینتهی الصوت إلی موضع الهمزة؛ فیكون الناطق بها إذ ذاك متمكنا منها و معانا علی تحقیقها، و الله- سبحانه- أعلم.
و اعلم أن القراء فی تمكین حرف المد عند لقیه الساكن علی طبقاتهم الخمس التی تقدمت فی المد المتصل: فأطولهم مدا ورش، و حمزة، ثم عاصم، ثم من ذكر بعده علی ذلك الترتیب، و أقلهم زیادة ابن كثیر، و أبو شعیب، مع أنهما یزیدان فی تمكینه علی ما یستحقه إذا لم یقع بعده ساكن، فعلی هذا من قرأ أَ تُحاجُّونِّی [الأنعام: 80] بتشدید النون، فإنه یزید فی هذا الواو مثل ما یزید فی مد الألف.
و من قرأ بتخفیفها، فإنه یزید فی مد الألف، و لا یزید فی مد الواو، و علی هذا فقس.
و مما جرت به عادة القراء فی هذا الباب أن یذكروا حروف التهجی التی فی أوائل السور و مجموعها أربعة عشر شكلا، و هی «2»:
______________________________
(1) یضرب مثلا للأمر یبلغ الغایة فی الشدة و الصعوبة، و أصله: أن یحوج الفارس إلی النجاء مخافة العدو فینجو، فیضطرب حزام دابته، حتی یمس الحقب، و لا یمكنه أن ینزل فیصلحه. و البطان: حزام الرحل، و أكثر ما یستعمل للقتب. و الحقب: النسعة التی تشد فی حقو البعیر، و یشد علی حقیبته، و الحقیبة: الرفادة تشد فی مؤخر القنب. و كل شی‌ء شددته فی مؤخر قتبك أو رحلك فقد احتقبته، ثم كثر ذلك حتی قیل لمن اكتسب خیرا أو شرا: قد احتقبه.
ینظر جمهرة الأمثال (1/ 153).
(2) روی ابن عباس- رضی الله عنهما- فی الحروف المقطعة، مثل: الم، المص، المر،
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 325
______________________________
- و غیرها- ثلاثة أقوال:
أحدها: أن قول الله عز و جل: الم: أقسم بهذه الحروف إن هذا الكتاب الذی أنزل علی محمد صلی اللّه علیه و سلم هو الكتاب الذی من عند الله- عز و جل- لا شك فیه، قال هذا فی قوله تعالی: الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَیْبَ فِیهِ [البقرة: 1- 2].
و القول الثانی عنه: أن (الر، حم، ن)، اسم الرحمن مقطع فی اللفظ، موصول فی المعنی.
و القول الثالث عنه: أنه قال: الم ذلِكَ الْكِتابُ، قال: (الم) معناه: أنا الله أعلم و أری.
و روی عكرمة فی قوله: الم ذلِكَ الْكِتابُ قال: الم قسم.
و روی عن السدی قال: بلغنی عن ابن عباس أنه قال: الم اسم من أسماء الله، و هو الاسم الأعظم.
و روی عكرمة عن ابن عباس: الر، و الم، و حم، حروف معرّفة، أی: بنیت معرفة. قال أبی: فحدثت به الأعمش، فقال: عند مثل هذا و لا تحدثنا به؟
و روی عن قتادة قال: الم اسم من أسماء القرآن، و كذلك حم و یس، و جمیع ما فی القرآن من حروف الهجاء فی أوائل السور.
و سئل عامر عن فواتح القرآن، نحو حم و نحو ص و الم و الر، قال:
هی اسم من أسماء الله مقطعة بالهجاء، إذا وصلتها كانت اسما من أسماء الله.
ثم قال عامر، (الرحمن) قال: هذه فاتحة ثلاث سور، إذا جمعتهن كانت اسما من أسماء الله تعالی.
و روی أبو بكر بن أبی مریم عن ضمرة بن حبیب، و حكیم بن عمیر، و راشد بن سعد قالوا:
المر و المص و الم و أشباه ذلك، و هی ثلاثة عشر حرفا، إن فیها اسم الله الأعظم.
و روی عن أبی العالیة فی قوله: الم قال: هذه الأحرف الثلاثة من التسعة و العشرین حرفا لیس فیها حرف إلا و هو مفتاح اسم من أسماء الله، و لیس فیها حرف إلا و هو فی آلائه و بلائه، و لیس فیها حرف إلا و هو فی مدة قوم و آجالهم.
قال: و قال عیسی بن عمر: أعجب أنهم ینطقون بأسمائه و یعیشون فی رزقه كیف یكفرون به! فالألف مفتاح اسمه: الله، و لام مفتاح اسمه: لطیف، و میم مفتاح اسمه:
مجید. فالألف آلاء الله، و اللام لطف الله، و المیم مجد الله، و الألف واحد، و اللام ثلاثون، و المیم أربعون.
و روی عن أبی عبد الرحمن السلمی قال: الم آیة، و حم آیة.
و روی عن أبی عبیدة أنه قال: هذه الحروف المقطعة حروف الهجاء، و هی افتتاح كلام و نحو ذلك.
قال الأخفش: و دلیل ذلك أن الكلام الذی ذكر قبل السورة قد تم.
و روی سعید بن جبیر عن ابن عباس أنه قال فی كهیعص: هو كاف، هاد، یمین، عزیز، صادق، جعل اسم الیمین مشتقا من الیمن.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 326
______________________________
- و زعم قطرب أن الر و المص و الم و كهیعص و ص و ق و یس و ن، حروف المعجم؛ لتدل أن هذا القرآن مؤلف من هذه الحروف المقطعة التی هی: حروف: ا ب ت ث، فجاء بعضها مقطعا، و جاء تمامها مؤلفا؛ لیدل القوم الذین نزل علیهم القرآن، أنه- بحروفهم التی یعقلونها- لا ریب فیه.
قال: و لقطرب وجه آخر فی الم زعم أنه یجوز أن یكون لما لغا القوم فی القرآن فلم یتفهموه حین قالوا: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَ الْغَوْا فِیهِ [فصلت: 26]، أنزل علیهم ذكر هذه الحروف؛ لأنهم لم یعتادوا الخطاب بتقطیع الحروف، فسكتوا لما سمعوا الحروف طمعا فی الظفر بما یحبون، لیفهموا بعد الحروف القرآن و ما فیه، فتكون الحجة علیهم أثبت، إذا جحدوا بعد تفهم و تعلم.
و قال أبو إسحاق الزجاج: المختار من هذه الأقاویل ما روی عن ابن عباس، و هو: أن معنی الم أنا الله أعلم، و أن كل حرف منها له تفسیر.
قال: و الدلیل علی ذلك أن العرب تنطق بالحرف الواحد تدل به علی الكلمة التی هو منها، و أنشد:
قلت لها قفی فقالت ق فنطق بقاف فقط، ترید: أقف. و أنشد أیضا:
نادیتهم أن ألجموا أ لا تاقالوا جمیعا كلهم: ألا فا قال تفسیره: نادوهم أن ألجموا أ لا تركبون؟ قالوا جمیعا: ألا فاركبوا، فإنما نطق بتاء و فاء كما نطق الأول بقاف.
و قال: و هذا الذی اختاروه فی معنی هذه الحروف، و الله أعلم بحقیقتها.
و روی عن الشعبی أنه قال: لله- عز و جل- فی كل كتاب سر، و سره فی القرآن حروف الهجاء المذكورة فی أوائل السور.
و أجمع النحویون أن حروف التهجی، و هی الألف و الباء و التاء و الثاء و سائر ما فی القرآن منها، أنها مبنیة علی الوقف، و أنها لا تعرب. و معنی الوقف أنك تقدر أن تسكت علی كل حرف منها فالنطق بها: الم.
و الدلیل علی أن حروف الهجاء مبنیة علی السكت، كما بنی العدد علی السكت، أنك تقول فیها بالوقوف، مع الجمع بین ساكنین، كما تقول إذا عددت: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، فتقطع ألف «اثنین»، و ألف «اثنین» ألف وصل، و تذكر الهاء فی ثلاثة و أربعة، و لو لا أنك تقدر السكت لقلت: ثلاثة، كما تقول: ثلاثة یا هذا، و حقها من الإعراب أن تكون سواكن الأواخر.
و شرح هذه الحروف و تفسیرها: أن هذه الحروف لیست تجری مجری الأسماء المتمكنة و الأفعال المضارعة التی یجب لها الإعراب، فإنما هی تقطیع الاسم المؤلف الذی لا یجب الإعراب إلا مع كماله. فقولك: (جعفر) لا یجب أن تعرب منه الجیم و لا العین و لا الفاء و لا الراء دون تكمیل الاسم، و إنما هی حكایات وضعت علی هذه الحروف، فإن أجریتها مجری الأسماء و حدثت عنها قلت: هذه كاف حسنة، و هذا كاف حسن، و كذلك سائر حروف المعجم. فمن قال: هذه كاف، أنث بمعنی الكلمة، و من ذكر فلمعنی الحرف،
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 327
الم [البقرة: 1] و المص [الأعراف: 1] و الر [یونس: 1] و المر [الرعد: 1] و كهیعص [مریم: 1] و طه [طه: 1] و طسم [الشعراء: 1] و طس [النمل: 1] و یس [یس: 1] و حم [غافر: 1] و عسق [الشوری:
______________________________
- و الإعراب وقع فیها؛ لأنك تخرجها من باب الحكایة قال الشاعر:
كافا و میمین و سینا طاسما و قال آخر:
كما بیّنت كاف تلوح و میمها فذكر طاسما؛ لأنه جعله صفة للسین، و جعل السین فی معنی الحرف، و قال: (كاف تلوح) فأنث الكاف؛ لأنه ذهب بها إلی الكلمة. و إذا عطفت هذه الحروف بعضها علی بعض أعربتها فقلت: ألف و باء و تاء و ثاء ... إلی آخرها، و الله أعلم.
و قال أبو حاتم: قالت العامة فی جمع حم و طس: طواسین و حواسم. قال:
و الصواب: ذوات طس، و ذوات حم، و ذوات الم. و قوله تعالی یس كقوله عز و جل:
الم و حم، و أوائل السور.
و قال عكرمة: معناه: یا إنسان؛ لأنه قال: إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِینَ [البقرة: 252].
و قال ابن سیده: الألف و الألیف حرف هجاء. و قال الأخفش: هی من حروف المعجم، مؤنثة، و كذلك سائر الحروف. و قال: و هذا كلام العرب، و إذا ذكرت جاز.
و قال سیبویه: حروف المعجم كلها تذكر و تؤنث، كما أن الإنسان یذكر و یؤنث.
قال: و قوله عز و جل: الم و المص و المر، قال الزجاج: الذی اخترنا فی تفسیرها قول ابن عباس: إن الم: أنا الله أعلم، و المص: أنا الله أعلم و أفصل، و المر: أنا الله أعلم و أری.
قال بعض النحویین: موضع هذه الحروف رفع بما بعدها، قال: المص كِتابٌ [الأعراف: 1، 2]، و «كتاب» مرتفع ب «المص»، و كأن معناه (المص): حروف كتاب أنزل إلیك. قال: و هذا لو كان كما وصف لكان بعد هذه الحروف أبدا ذكر الكتاب، فقوله: الم اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَیُّ الْقَیُّومُ [آل عمران: 1، 2] یدل علی أن الم مرافع لها علی قوله، و قوله: حم، وَ الْكِتابِ الْمُبِینِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ [الدخان: 1، 3]، فهذه الأشیاء تدل علی أن الأمر علی غیر ما ذكر. قال: و لو كان كذلك أیضا لما كان الم و حم مكررین.
قال: و قد أجمع النحویون علی أن قوله عز و جل: كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَیْكَ [الأعراف: 2] مرفوع بغیر هذه الحروف؛ فالمعنی: هذا كتاب أنزل إلیك.
و روی عكرمة عن ابن عباس قال: (طسم) عجزت العلماء عن علم تفسیرها. و روی علی بن أبی طلحة الوالبی عن ابن عباس أنه قسم، و هو من أسماء الله تعالی. و قال قتادة: اسم من أسماء القرآن. و قال مجاهد اسم للسورة. و قال محمد بن كعب القرظی: قسم بطوله و سناه و ملكه.
ینظر: لسان العرب (1/ 14- 16)، اللباب (15/ 3).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 328
2] و ص [ص: 1] و ق [ق: 1] و ن [القلم: 1].
أصولها من غیر تكرار أربعة عشر حرفا، و هی التی انتظم منها النصف الثانی من هذا البیت:
یأیها المثبت ما سطره‌إن علیك مقسطا حصبه و هذه الحروف تنقسم قسمین:
القسم الأول: مركب من حرفین و هو خمسة یجمعها قولك: «یطرحه».
فإذا قلت: طه [طه: 1]، فإنما نطقت بطاء و ألف [و هاء و ألف] «1»، و كذلك الهاء و الیاء من كهیعص [مریم: 1]، و الراء و الحاء من الر [هود: 1] و حم [الأحقاف: 1].
فالثانی أبدا من جمیع هذه الأحرف الخمسة حرف مد و هو الألف، و لیس بعده ساكن فیعطی من النطق قدر ما یستحقه الحرف وحده من غیر زیادة.
و القسم الثانی: التسعة الباقیة، و كل واحد منها مركب من ثلاثة أحرف.
و تنقسم إلی:
متحرك الوسط، و هو ألف فلا یدخله المد.
و إلی ساكن الوسط و هو البواقی، و تنقسم إلی:
ما وسطه حرف لین و هو: «عین» فی السورتین.
و إلی ما وسطه حرف مد و هو السبعة البواقی.
و تنقسم إلی ما وسطه واو و هو: «نون».
و إلی ما وسطه یاء و هو: «میم».
و إلی ما وسطه ألف و هو: «لام» و «كاف» و «صاد» و «قاف»، و لا خلاف بین القراء فی زیادة مد كل حرف من هذه السبعة التی وسطها حرف مد؛ لأنه قد وقع بعده ساكن [و هم] «2» فی مده علی الطبقات الخمس.
و إنما [جاز] «3» فی هذه الحروف التقاء الساكنین، و الثانی غیر مدغم؛ لأنها فی
______________________________
(1) سقط فی أ.
(2) سقط فی أ.
(3) سقط فی: ب.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 329
حكم الموقوف علیه، و قد تقدم أنه یجوز اجتماع الساكنین فی الوقف، و یترتب علی هذه الأحرف السبعة فرعان «1»:
أحدهما: أن ما أدغم آخره منها، هل یكون تمكین المد فیه مثل ما لم یدغم آخره أو یزاد فی تمكین مده؟
و قد ذكروا فیه الوجهین.
و رجح الشیخ و الإمام الزیادة، و سوی الحافظ بینهما، و مثاله الم ذلِكَ الْكِتابُ [البقرة: 1- 2]:
من قال بالتسویة بین المدغم و غیره یمد ألف «لام» بمقدار مد یاء «میم».
و من رجح الزیادة فی المدغم یمد ألف «لام» أزید من یاء «میم».
و كذلك طسم [الشعراء: 1] فی قراءة غیر حمزة «2»:
من سوی بین المدغم و غیره یمد یاء «میم» مثل مد یاء «سین».
و من رجح الزیادة فی المدغم یمد یاء «سین» أكثر من «میم»، و كذلك ما جری مجراه.
الفرع الثانی: أن ما تحرك من أواخر هذه الحروف فی الوصل بحركة عارضة هل یبقی علیه من المد مثل ما یستحقه إذا لم یتحرك آخره؛ لأن حركته عارضة فلا یعتد بها أو ینقص من مده؛ لأنه قد زال بتلك الحركة وقوع الساكن بعد حرف المد؟
و فیه أیضا الوجهان، و الأرجح عندهم الزیادة فی المد بناء علی ترك الاعتداد بالعارض، و ذلك فی الم اللَّهُ [آل عمران: 1- 2] فی قراءة الجمیع، و الم أَ حَسِبَ النَّاسُ [العنكبوت: 1، 2] فی قراءة ورش وحده، فأما «عین» فی السورتین فقال الإمام: «لا یمكنه أحد إلا ورش باختلاف عنه، و الباقون یلفظون به ك «بین» فی الوقف».
______________________________
(1) فی أ: نوعان.
(2) أظهر حمزة نون (سین) قبل المیم، كأنه ناو الوقف، و إلا فإدغام مثله واجب و الباقون یدغمون و فی مصحف عبد الله (ط س م) مقطوعة من بعضها. قیل: و هی قراءة أبی جعفر، یعنون أنه یقف علی كل حرف وقفة یمیز بها كل حرف، و إلا لم یتصور أن یلفظ بها علی صورتها فی هذا الرسم.
و قرأ عیسی- و تروی عن نافع- فی غیر المتواتر عنه بكسر المیم هنا و فی القصص علی البناء. و أمال الطاء الأخوان و أبو بكر. ینظر: الباب (15/ 3)
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 330
و قال الشیخ: «من القراء من یمدها أقل من مد غیرها؛ لأن الأوسط حرف لین، و منهم من یمده كغیره، و منهم من یمده لورش وحده، و مده عندی لجمیعهم أشبه و أقیس؛ لأن المد إنما وجب لالتقاء الساكنین فحرف اللین فیه كحرف المد.
و إنما یتمكن المد فی حروف المد و اللین أكثر من حروف اللین مع الهمزات، فأما مع التقاء الساكنین فالحكم سواء».
ثم ذكر أنه یأخذ بترك إشباع المد من أجل الروایة و یختار التمكین؛ لقوته فی القیاس.
و ذكر الحافظ المذهبین و صححهما.
و اعلم أن الحافظ قد نبه علی الزیادة فی حرف المد لأجل الساكن فی ثلاثة مواضع من فرش الحروف فی «التیسیر»:
منها قوله فی البقرة لما ذكر تاءات البزی ثم قال: «و إن كان قبلهن حرف مد زید فی تمكینه».
و قوله فی النساء حین ذكر مذهب ابن كثیر فی: الَّذانِ [النساء: 16]، و نحوه فقال: «بتشدید النون و تمكین الألف».
و منها قوله فی الأحزاب حین ذكر الاختلاف فی اللَّائِی «1» [الأحزاب: 4] فقال: «و من همز و من لم یهمز یشبع التمكین للألف فی الحالین ... إلی آخر كلامه».
و هذا الإطلاق یشمل قراءة أبی عمرو و البزی، و هما یسكنان الیاء بعد الألف، و الله [عز وجهه الكریم] «2» أعلم.
و جمیع ما ذكرته من أحكام المد عند الساكن قد ذكره الحافظ فی جامع البیان و غیره.
فصل: قال الحافظ: «و إذا أتت الهمزة قبل حرف المد ...» إلی آخره.
اعلم أن الهمزة إذا وقع بعدها حرف مد، فإنها تأتی فی قراءة ورش علی وجهین:
محققة و مغیرة، مثال المحققة قوله- تعالی-: فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ [العنكبوت: 26]
______________________________
(1) فی أ: النبی.
(2) سقط فی ب.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 331
و وَ أُوحِیَ إِلَیَّ هذَا الْقُرْآنُ [الأنعام: 19] و وَ إِیتاءِ الزَّكاةِ [النور: 37].
و أما المغیرة فثلاثة أقسام:
أحدها: التغییر بالتسهیل بین بین، و الذی ورد منه فی القرآن آمَنْتُمْ فی الأعراف [الآیة: 76] و طه [الآیة: 71] و الشعراء [الآیة: 49]، و أَ آلِهَتُنا فی الزخرف [الآیة: 58]، و جاءَ آلَ لُوطٍ فی الحجر [الآیة: 61] و جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ فی القمر [الآیة: 41] فی الوصل لا غیر أعنی مما بعد الهمزة المغیرة فیه حرف مد.
الثانی: التغییر بالبدل، و الذی ورد منه فی القرآن لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً فی الأنبیاء [الآیة: 99] و مِنَ السَّماءِ آیَةً فی الشعراء [الآیة: 4] إذا وصل أبدل الهمزة الثانیة یاء فیهما، و لیس فی القرآن غیرهما.
الثالث: التغییر بالنقل إلی الساكن، نحو مَنْ آمَنَ [آل عمران: 99] و قُلْ إِی وَ رَبِّی [یونس: 53] و هو كثیر، و سیأتی القول فی باب النقل «1» بحول الله [العلی] «2» العظیم.
فإذا تقرر هذا- فاعلم أن ورشا یزید فی تمكین حرف المد بعد الهمزة المحققة، و بعد الهمزة المغیرة بالبدل أو بالنقل.
فأما إذا كان حرف المد بعد الهمزة الملینة؛ فلم أر لهم فیه شیئا، و الله عز وجهه و جل ذكره أعلم، و سیأتی بعد ما یستثنی من ذلك، و ارجع إلی لفظه.
قال الحافظ- رحمه الله-: «سواء كانت محققة أو ألقی حركتها علی الساكن قبلها أو أبدلت»، فذكر هنا نوعین من التغییر.
فإن قیل: لعله إنما لم یذكر الوجه الثالث؛ لأنه لا یری تمكین المد فیه؛ إذ لو جاز فیه تمكین المد، لكان كأنه قد جمع بین أربع ألفات و هی: الهمزة المحققة، و الهمزة الملینة، و الألف، فلو مكن مدها «3» لكانت كأنها ألفان، فكان ذلك یشبه اجتماع أربع ألفات، و بهذا علل تركهم إدخال الألف بین الهمزة المحققة و الملینة، كما سیأتی فی موضعه.
______________________________
(1) فی أ: الفعل.
(2) سقط فی ب.
(3) فی ب: بعدها.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 332
فهذا وجه من النظر إلا أنه یعارضه نظر آخر و هو أن یقال: لو كان كما تزعم لذكره مع المستثنیات بعد.
و یمكن أن یجاب عن هذه المعارضة بأن یقال: إنها غیر لازمة؛ لأنه إنما استثنی ما هو من جنس ما قرر.
و بیان ذلك: أنه إنما نص علی التمكین بعد الهمزة المحققة، و المغیرة بالنقل، أو بالبدل خاصة، ثم استثنی ما بعد الهمزة المحققة؛ فهو استثناء من الجنس.
أما لو نص علی استثناء ما بعد الهمزة الملینة، لكان استثناء من غیر الجنس؛ فلم یلزمه ذلك.
فإن قیل: فقد نص فی الاستثناء علی ما بعد الهمزة المجتلبة [للابتداء] «1»؟.
فالجواب: أنك إذا قلت مبتدئا ائْتِ بِقُرْآنٍ [یونس: 15] اؤْتُمِنَ [البقرة: 283] فقد حصل فی اللفظ حرف مد بعد همزة محققة؛ فكان استثناؤه من الجنس؛ فلزم لذلك.
و بالجملة فالأمر محتمل، و لو بین لنا حكمه لكان أحسن، ثم ذكر الأمثلة و هی بینة، و همزة لِإِیلافِ [قریش: 1] من المحققة، و همزة إِیلافِهِمْ [قریش: 2] فی الوصل من المغیر بالنقل، و هؤُلاءِ آلِهَةً [الأنبیاء: 99] من المغیر بالبدل فی الوصل، و قد تقدم.
ثم ذكر عن المصریین أنهم یزیدون فی حرف المد زیادة متوسطة.
اعلم أن الناس اختلفوا هنا.
فمنهم من یشبع المد، كما لو تقدم حرف المد علی الهمزة، فیسوی بین المد قبل الهمزة و بعدها نحو جاؤُ [آل عمران: 184] و جاءَنا [المائدة: 19] و (النبیئین) [البقرة: 213] و بَرِیئُونَ [یونس: 41].
و هو ظاهر قول الإمام، و أنكره الحافظ و أطال فی الرد علی أصحاب هذا المذهب فی «إیجاز البیان» و «التمهید» و غیرهما «2».
و منهم من لم یزد علی القدر الذی یستحقه حرف المد بنفسه، كما رواه
______________________________
(1) سقط فی أ.
(2) فی أ: غیرها.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 333
البغدادیون عن ورش، و به قرأ الحافظ علی أبی الحسن.
و منهم من أخذ فیه بتمكین وسط، و هو دون المد الذی قبل الهمزة و هو مذهبه فی «التیسیر» و غیره، و قرأته علی أبی القاسم، و أبی الفتح.
و أما الشیخ فقال فی «التبصرة»: قرأ ورش بتمكین المد فیما روی المصریون عنه، و قرأ الباقون بمد وسط كما یخرج من اللفظ. انتهی.
فسمی المد الذی یستحقه الحرف بنفسه مدّا وسطا.
و قال فی مد ورش: بالتمكین، و لیس فیه بیان عن مقدار الزیادة.
و قال فی كتاب «التنبیه» لما ذكر لِیَسُوؤُا [الإسراء: 7] و وَ باؤُ [البقرة:
61] و إِسْرائِیلَ [البقرة: 40] و شبهه؛ ما نصه: «و المدة الأولی فی هذا هی أشبع مدّا من الثانیة».
و قال فی الكشف: «و المد فی حرف المد و اللین إذا كانت الهمزة بعده أمكن من مده إذا كانت قبله؛ لتمكن خفاء حرف المد و اللین إذا كانت الهمزة بعده» فظهر من هذا موافقته للحافظ، و الله عز وجهه الكریم أعلم.
و قوله: «علی مقدار التحقیق» یرید: علی نسبة تحقیقه للحروف و الصبر علی الحركات و إن لم یبلغ أن یكون بمنزلة المد الذی قبل الهمزة.
فإن قیل: و لعله لا یرید هنا الزیادة فی المد، و إنما یرید أنه یصبر علی حروف المد بقدر ما یناسب الصبر علی الحركات؛ لیحصل التناسب، و یزول التشتت، و التنافر؛ فیكون موافقا لمذهب شیخه أبی الحسن علی ما تقدم؟
قیل: لو أراد هذا لما اقتصر علی ما بعد الهمزة، و لا خص ورشا دون حمزة، و یعضد ما ذكرته استثناؤه لما یذكر بعد؛ إذ لا بد من إبقاء حروف المد فی اللفظ فی كل ما یستثنی علی وجه یناسب النطق بالحركات.
أ لا تری إلی قوله: «و استثنوا من ذلك إِسْرائِیلَ [البقرة: 40] فلم یزیدوا فی تمكین الیاء فیه»؟! و أنت تعلم أنه لا یرید إسقاط الیاء رأسا؛ إذ لو أراد ذلك لقال: فلم یثبتوا الیاء فیه، و إنما قال: «فلم یزیدوا فی تمكین الیاء»؛ فحصل أنه أراد فلم «1» یزیدوا علی
______________________________
(1) فی: لم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 334
المقدار الذی یستحقه الحرف بنفسه، و إذا كان كذلك دل علی أن مراده فی أصل الفصل الزیادة علی ذلك المقدار.
و اعلم أن استثناء إِسْرائِیلَ [البقرة: 40] مما اختص به الحافظ دون الشیخ، و الإمام.
قوله: «و أجمعوا علی ترك الزیادة إذا سكن ما قبل الهمزة، و كان الساكن غیر حرف مد و لین».
اعلم أن الحرف الساكن إذا تقدم علی الهمزة، و كان بعدها حرف مد- فإن ذلك الساكن یأتی علی ثلاثة أقسام:
أحدها: أن یكون حرفا صحیحا.
الثانی: أن یكون حرف مد و لین.
الثالث: أن یكون حرف لین.
أما الأول: فلیس فی القرآن منه إلا: مَسْؤُلًا [الإسراء: 34] و مَذْؤُماً [الأعراف: 18] و الْقُرْآنُ [البقرة: 185] و الظَّمْآنُ [النور: 39]، و مَسْؤُلُونَ [الصافات: 24].
و هذا الأخیر یحرز قول الحافظ: «و شبهه»، و اتفق الإمام، و الشیخ، و الحافظ علی ترك التمكین فی حروف المد فی هذا القسم.
القسم الثانی: أن یكون الساكن قبل الهمزة حرف مد نحو جاؤُ [آل عمران: 184] و السُّوای [الروم: 10] و بَرِیئُونَ [یونس: 41] فلا خلاف بینهم فی تمكین المد بعد الهمزة علی ما تقدم إلا إِسْرائِیلَ فی قول الحافظ.
القسم الثالث: أن یكون الساكن قبل الهمزة حرف لین، و الذی فی القرآن منه (الموءودة) [التكویر: 8]، و (سوءتكم) [الأعراف: 26] و (سوءتهما) [الأعراف:
20] لا غیر.
نص الحافظ فی «إیجاز البیان» علی أن التمكین فیه مطرد «1»، و سوّی بینه و بین ما إذا كان قبل الهمزة حرف مد و كذلك مذهب الشیخ، فأما الإمام فكلامه مثل كلام
______________________________
(1) فی أ: مطرود.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 335
الحافظ فی التیسیر، و ذلك أنه قال: «إن كان الساكن قبل الهمزة غیر حرف مد و لین- فلیس أحد من القراء یمده».
و هذا یقتضی التسویة بین حرف اللین و الحرف الصحیح.
ثم لم یذكر فی التمثیل إلا الْقُرْآنُ و الظَّمْآنُ و مَسْؤُلًا و مَذْؤُماً كما فعل الحافظ، لكن لا یلزم أن یكون التمثیل محیطا بجمیع ما فی الباب؛ فمقتضی ذلك أن الواو الثانیة فی (الموءودة) و الألف فی «سوآت» لا یزاد فی مدهما علی ما یستحقان بأنفسهما، إلا أن الحافظ نص فی «إیجاز البیان» علی التمكین الزائد فی (الموءودة) [التكویر: 8]، و «سوآت» و كذلك نص الإمام علی الزیادة فی ألف «سوآت» فبقی (الموءودة) غیر مستثنی؛ فالظاهر أنه بغیر زیادة عنده مثل مَذْؤُماً [الأعراف: 18] و مَسْؤُلًا [الإسراء: 34] و الله أعلم بما أراد.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و كذلك إن كانت الهمزة مجتلبة للابتداء».
اعلم أن الذی ورد من هذا فی القرآن ثلاثة ألفاظ و هی: اؤْتُمِنَ فی البقرة [283] و ائْذَنْ لِی فی التوبة [49] و ائْتِ حیث ورد، نحو ائْتِ بِقُرْآنٍ [یونس: 15]، ائْتُوا صَفًّا [طه: 64] فَأْتُوا بِكِتابٍ [القصص: 49]، مذهب الحافظ فی هذا كله ترك الزیادة، و ذكر الشیخ، و الإمام الوجهین و قال الشیخ: «و كلا الوجهین حسن و ترك المد أقیس»

«مسألة»

قال الحافظ فی المفردات ما نصه: «و كلهم لم یزد فی تمكین الألف فی قوله تعالی: لا یُؤاخِذُكُمُ [البقرة: 225] و لا تُؤاخِذْنا [البقرة: 286] و بابه.
و زاد بعضهم (آلئن) فی موضعین من یونس [الآیتان: 91، 51]، عاداً الْأُولی، فی «و النجم» [الآیة: 50] فلم یزیدوا فی تمكین الألف و الواو فیهن».
وافق الإمام [الحافظ علی] ترك الزیادة فی هذه الألفاظ.
و كذلك الشیخ إلا فی (آلئن) فی الموضعین، فلم أر للشیخ فیه شیئا.
و اعلم أن الألف التی تقصر من (آلئن) [یونس: 51] هی التی بعد اللام دون التی بعد الهمزة، نص علیه الإمام فی الكافی.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 336
و من ذلك الألف المبدلة من التنوین فی الوقف «1» نحو ماءً [العنكبوت: 63] و غُثاءً [المؤمنون: 41] و (سوآ) [النساء: 110]، ذكر الحافظ فی جامع البیان و غیره ترك الزیادة، و وافقه الشیخ، و الإمام.
______________________________
(1) و تسمی هذه الألف: ألف العوض. ینظر اللسان (1/ 1) باب الهمزة، و فیه أن للنحویین ألقابا لألفات غیرها تعرف بها، فمنها الألف الفاصلة، و هی فی موضعین:
أحدهما: الألف التی تثبتها الكتبة بعد واو الجمع؛ لیفصل بها بین واو الجمع و بین ما بعدها، مثل: كفروا و شكروا، و كذلك الألف التی فی مثل: یغزوا و یدعوا، و إذا استغنی عنها لاتصال المكنی بالفعل لم تثبت هذه الألف الفاصلة.
و الأخری: الألف التی فصلت بین النون التی هی علامة الإناث و بین النون الثقیلة؛ كراهة اجتماع ثلاث نونات فی مثل قولك للنساء فی الأمر: افعلنانّ، بكسر النون و زیادة الألف بین النونین.
و منها: ألف العبارة؛ لأنها تعبر عن المتكلم، مثل قولك: أنا أفعل كذا، و أنا أستغفر الله، و تسمی: العاملة.
و منها: الألف المجهولة، مثل ألف «فاعل» و «فاعول» و ما أشبهها، و هی ألف تدخل فی الأفعال و الأسماء مما لا أصل لها؛ إنما تأتی لإشباع الفتحة فی الفعل و الاسم، و هی إذا لزمتها الحركة كقولك: خاتم و خواتم، صارت واوا لما لزمتها الحركة بسكون الألف بعدها، و الألف التی بعدها هی ألف الجمع، و هی مجهولة أیضا.
و منها: ألف الصلة، و هی ألف توصل بها فتحة القافیة، فمثله قوله:
بانت سعاد و أمسی حبلها انقطعا و تسمی ألف الفاصلة، فوصل ألف العین بألف بعدها، و منه قوله عز و جل: وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا [الأحزاب: 10] الألف التی بعد النون الأخیرة هی صلة لفتحة النون، و لها أخوات فی فواصل الآیات كقوله عز و جل: قَوارِیرَا [الإنسان: 15] سَلْسَبِیلًا [الإنسان: 18]، و أما فتحة «ها» المؤنث فقولك ضربتها و مررت بها.
و الفرق بین ألف الوصل و ألف الصلة: أن ألف الوصل إنما اجتلبت فی أوائل الأسماء و الأفعال، و ألف الصلة فی أواخر الأسماء كما تری.
و منها: ألف النون الخفیفة كقوله عز و جل لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِیَةِ [العلق: 15]، و كقوله عز و جل: وَ لَیَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِینَ [یوسف: 32]، الوقوف علی لَنَسْفَعاً و علی وَ لَیَكُوناً بالألف، و هذه الألف خلف من النون، و النون الخفیفة أصلها الثقیلة إلا أنها خففت، من ذلك قول الأعشی:
و لا تحمد المثرین و الله فاحمدا أراد: فاحمدن، بالنون الخفیفة، فوقف علی الألف.
و قال آخر:
و قمیر بدا ابن خمس و عشرین فقالت له الفتاتان: قوما أراد: قومن، فوقف بالألف.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 337
______________________________
و مثله قوله:
یحسبه الجاهل ما لم یعلما شیخا علی كرسیه معمما فنصب (یعلم)؛ لأنه أراد: ما لم یعلمن، بالنون الخفیفة، فوقف بالألف.
و قال أبو عكرمة الضبی فی قول امرئ القیس:
قفا نبك من ذكری حبیب و منزل قال: أراد: قفن، فأبدل الألف من النون الخفیفة، كقوله: قوما، أراد: قومن.
قال أبو بكر: و كذلك قوله عز و جل: أَلْقِیا فِی جَهَنَّمَ [ق: 24]، أكثر الروایة أن الخطاب لمالك خازن جهنم وحده، فبناه علی ما وصفناه، و قیل: هو خطاب لمالك و ملك معه، و الله أعلم.
و منها: ألف الجمع، مثل: مساجد و جبال و فرسان و فواعل.
و منها: التفضیل و التصغیر، كقوله: فلان أكرم منك و ألأم منك، و فلان أجهل الناس.
و منها: ألف النداء، كقولك: أزید، ترید: یا زید.
و منها: ألف الندبة، كقولك: وا زیداه! أعنی الألف التی بعد الدال، و یشاكلها ألف الاستنكار إذا قال رجل: جاء أبو عمرو، فیجیب المجیب: أبو عمراه؟! زیدت الهاء علی المدة فی الاستنكار، كما زیدت فی: وا فلاناه، فی الندبة.
و منها: ألف التأنیث، نحو مدة: حمراء و بیضاء و نفساء.
و منها: ألف سكری و حبلی.
و منها: ألف التعایی، و هو أن یقول الرجل: إن عمر، ثم یرتج علیه كلامه فیقف علی «عمر» و یقول: إن عمرا، فیمدها مستمدا لما یفتح له من الكلام، فیقول: منطلق، المعنی:
أن عمر منطلق، إذا لم یتعای، و یفعلون ذلك فی الترخیم كما یقول: یا عما، و هو یرید:
یا عمر، فیمد فتحة المیم بالألف لیمتد الصوت.
و منها: ألفات المدات، كقول العرب للكلكل: الكلكال، و یقولون للخاتم: خاتام، و للدانق: داناق.
قال أبو بكر: العرب تصل الفتحة بالألف، و الضمة بالواو، و الكسرة بالیاء. فمن وصلهم الفتحة بالألف قول الراجز:
قلت و قد خرت علی الكلكال:
یا ناقتی ما جلت عن مجالی أراد: علی الكلكل، فوصل فتحة الكاف بالألف، و قال آخر:
لها متنتان خظاتا كما أراد: خظتا.
و من وصلهم الضمة بالواو ما أنشده الفراء:
لو أن عمرا هم أن یرقودا فانهض فشد المئزر المعقودا أراد: أن یرقد، فوصل ضمة القاف بالواو، و أنشد أیضا:-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 338
______________________________
- الله یعلم أنا فی تلفتنا* یوم الفراق إلی إخواننا صور
و أننی حیثما یثنی الهوی بصری‌من حیثما سلكوا أدنو فأنظور أراد: فأنظر.
و أنشد فی وصل الكسرة بالیاء:
لا عهد لی بنیضال أصبحت كالشن البالی أراد: بنضال، و قال:
علی عجل منی أطأطئ شیمالی أرا: شمالی، فوصل الكسرة بالیاء، و قال عنترة:
ینباع من ذفری غضوب جسرة أراد: ینبع.
قال: و هذا قول أكثر أهل اللغة، و قال بعضهم: ینباع: ینفعل، من: باع یبوع، و الأول:
یفعل، من: نبع ینبع.
و منها: الألف المحوّلة، و هی كل ألف أصلها الیاء و الواو المتحركتان، كقولك: قال و باع و قضی و غزا، و ما أشبهها.
و منها: ألف التثنیة، كقولك: یجلسان و یذهبان.
و منها: ألف التثنیة فی الأسماء، كقولك: الزیدان و العمران.
و قال أبو زید: سمعتهم یقولون: أیا أباه أقبل، وزنه: عیا عیاه.
و قال أبو بكر ابن الأنباری: ألف القطع فی أوائل الأسماء علی وجهین:
أحدهما: أن تكون فی أوائل الأسماء المنفردة.
و الوجه الآخر: أن تكون فی أوائل الجمع.
فالتی فی أوائل الأسماء تعرفها بثباتها فی التصغیر، بأن تمتحن الألف فلا تجدها فاء و لا عینا و لا لاما، و كذلك فَحَیُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها [النساء: 86].
و الفرق بین ألف القطع و ألف الوصل: أن ألف الوصل فاء من الفعل، و ألف القطع لیست فاء و لا عینا و لا لاما، و أما ألف القطع فی الجمع فمثل ألف: ألوان و أزواج، و كذلك ألف الجمع فی الستة، و أما ألفات الوصل فی أوائل الأسماء فهی تسعة: ألف ابن، و ابنة، و ابنین، و ابنتین، و امرئ، و امرأة، و اسم، و است. فهذه ثمانیة تكسر الألف فی الابتداء و تحذف فی الوصل، و التاسعة: الألف التی تدخل مع اللام للتعریف، و هی مفتوحة فی الابتداء ساقطة فی الوصل، كقولك الرحمن، القارعة، الحاقة، تسقط هذه الألفات فی الوصل و تنفتح فی الابتداء.
ینظر لسان العرب (1/ 1- 3).
و روی الأزهری عن أبی العباس أحمد بن یحیی و محمد بن یزید أنهما قالا: أصول الألفات ثلاثة و یتبعها الباقیات: ألف أصلیة، و هی فی الثلاثی من الأسماء، و ألف قطعیة، و هی فی الرباعی، و ألف وصلیة، و هی فیما جاوز الرباعی. قالا: فالأصلیة مثل-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 339
فأما الوقف علی «رأی» من قوله- تعالی-: رَأَی الْقَمَرَ [الأنعام: 77]، و نحوه و تَراءَا الْجَمْعانِ [الشعراء: 61] فبالزیادة فی المد، ذكره الحافظ فی «إیجاز البیان» و فی «التمهید» و غیرهما و الشیخ فی كتاب «الكشف».
و أما الوقوف علی نحو الْكِتابُ [البقرة: 2] و الْغَفُورُ [یونس: 107]، و الْعَلِیمُ [البقرة: 32] فإن كان بالروم لم یزد فی المد، و إن كان بالسكون أو بالإشمام فحكی الحافظ ثلاثة أوجه:
أحدها: ترك الزیادة؛ إذ السكون عارض فی الوقف؛ فلا یعتد به، قال الإمام:
«و هو القیاس».
الثانی: التمكین الطویل اعتدادا بالتقاء الساكنین «1»، و اعتدادا بالعارض.
الثالث: التوسط فی الزیادة، و به قرأ الحافظ علی أبی الفتح و أبی الحسن، و هو مقتضی قول الشیخ و الله أعلم.
قال الحافظ: «و الباقون لا یزیدون ...» إلی آخره.
یرید: من عدا ورشا لا یزیدون فی حرف المد بعد الهمزة مطلقا علی القدر الذی یستحقه بنفسه.
و اعلم أن العلة فی زیادة التمكین فی مذهب ورش كون حرف المد خفیا، فإذا وقع بعد الهمزة خیف علیه أن یزید خفاء، فبین بتمكین المد.
______________________________
- ألف ألف و إلف و ألف، و ما أشبهه، و القطعیة مثل: ألف أحمد و أحمر و ما أشبهه، و الوصلیة مثل ألف: استنباط و استخراج، و هی فی الأفعال إذا كانت أصلیة مثل ألف: أكل، و فی الرباعی إذا كانت قطعیة مثل ألف: أحسن، و فیما زاد علیه مثل ألف: استكبر و استدرج، إذا كانت وصلیة.
قالا: و معنی ألف الاستفهام ثلاثة: تكون بین الآدمیین یقولها بعضهم لبعض استفهاما، و تكون من الجبار لولیه تقریرا، و لعدوه توبیخا، فالتقریر كقوله عز و جل للمسیح: أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ [المائدة: 116] قال أحمد بن یحیی: و إنما وقع التقریر لعیسی- علیه السلام- لأن خصومه كانوا حضورا، فأراد الله عز و جل من عیسی أن یكذبهم بما ادعوا علیه، و أما التوبیخ لعدوه فكقوله عز و جل: أَصْطَفَی الْبَناتِ عَلَی الْبَنِینَ [الصافات: 153] و قوله:
أَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة: 140]، أَ أَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها [الواقعة: 72]، و قال أبو منصور: فهذه أصول الألفات.
ینظر: لسان العرب (1/ 1).
(1) سبق لنا الحدیث بالتفصیل عن التقاء الساكنین، كما سبق بیان معانی كل من الروم و الإشمام قبل ذلك.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 340
و العلة لمذهب الجماعة فی ترك الزیادة أن خفاء حرف المد إنما یعرض إذا تأخرت الهمزة؛ فلذلك مكنوا الزیادة هناك.
فأما إذا تقدمت الهمزة فقلما یخفی إذ ذاك فلا یحتاج عندهم إلی الزیادة.
و معنی كون حرف المد یخفی إذا تأخرت الهمزة: أن حرف المد لما كان مجرد صوت یهوی فی الصدر، و لا یعتمد علی شی‌ء من الأعضاء الناطقة بالحروف حتی لم یمكن تعلق شی‌ء من الحركات به ما دام حرف مد، و كانت الهمزة حرفا جلدا ثقیلا ممكنا فی المخرج إلی الصدر، و كان الناطق بها لا یكاد یخلو من تكلف و تعمل- فإذا التقیا خیف أن یتأهب المتكلم للنطق بالهمزة قبل توفیة حرف المد حقه؛ فیكون ذلك سببا إلی الإجحاف به، حتی ربما ذهب معظمه أو كاد؛ فعزموا علی بیانه و تقویته بالصبر علیه، و الزیادة فی مده، و حصل عند ذلك انتهاء الصوت إلی موضع الهمزة؛ فكان ذلك أعون علی النطق بها كما تقدم، و الله- سبحانه- أعلم.
فأما ما استثناه ورش، فمنه ما یرجع إلی ترك الاعتداد بالعارض، و ذلك فی الألف المبدلة من التنوین فی الوقف، و فی حرف المد بعد همزة الوصل، و منه ما یرجع إلی باب الجمع بین اللغتین، و قصد التنبیه علی رعی الوجهین، و ذلك فی مَسْؤُلًا [الإسراء: 34] و أخواته، و إِسْرائِیلَ [البقرة: 40] عند من یقصر «1» یاءه.
فأما یُؤاخِذُ [النحل: 61] و بابه، فإن قدرت واوه مبدلة من همزة فهو من هذا القبیل و هو قول الإمام، و إن قدرت أصلیة علی لغة من قال: «و اخذ»، فلا مدخل له فی التمكین، كالألف فی قوله- تعالی-: وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا [البقرة: 235].
و هذا الوجه الثانی قاله الحافظ فی «إیجاز البیان» و الشیخ فی كتاب «الكشف»، و الله أعلم.

باب الهمزتین المتلاصقتین فی كلمة

اعلم أن الهمزة فی القرآن علی ضربین:
همزة مفردة، و ستأتی بعد بحول الله جل و علا.
______________________________
(1) فی ب: قصر.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 341
و همزتان متلاصقتان و هما:
إما فی كلمة واحدة، كما یذكر فی هذا الباب.
و إما فی كلمتین كما یذكر فی الباب بعده.
و اعلم أن كل ما ذكر فی هذا الباب من الهمزتین فی كلمة، فإنه فی الحقیقة من كلمتین و بیان ذلك:
أن الهمزة الأولی من كل ما ذكر فی هذا الباب همزة استفهام، و هی حرف من حروف المعانی «1» دخلت علی كلمة أولها همزة فالتقت همزتان، و لیس فی القرآن همزتان ملتقیتان فی كلمة إلا فی لفظة واحدة و هی (أئمة)، وقعت فی القرآن فی خمسة مواضع:
الأول: فی براءة [12].
و الثانی: فی سورة الأنبیاء علیهم السلام [73].
و الثالث: و الرابع: فی سورة القصص [5، 41].
و الخامس: فی الم السجدة [24].
و أصلها: أأممة، «جمع إمام، مثل: لسان و ألسنة، و سلاح و أسلحة، فلما التقت همزتان و الثانیة ساكنة وجب إبدال الثانیة حرفا من جنس حركة ما قبلها علی القیاس؛ فصار «ءاممة» بهمزة و ألف بعدها، ثم استثقلوا تحریك المیمین، فسكنت الأولی و أدغمت فی الثانیة بعد سلب حركة ما قبلها فصادفت الألف، و هی لا تقبل الحركة فقلبت یاء بسبب الكسرة، و علی هذا قراءة الحرمیّین، و أبی عمرو.
و منهم من همزها لما تحركت؛ إذ أصلها الهمز، و إنما قلبت ألفا لما سكنت،
______________________________
(1) یقصد بحروف المعانی: تلك الحروف التی تدل علی معنی فی الكلام، لولاها لما وجد؛ تفریقا بینها و بین حروف المبانی التی هی مجرد جزء من الكلمة لا یدل علی جزء معناها كالذال فی (ذهب) و نحوه، و قد ذكر بعض النحویین للحرف نحوا من خمسین معنی. و هذه المعانی، المشار إلیها، یرجع غالبها إلی خمسة أقسام: معنی فی الاسم خاصة، كالتعریف.
و معنی فی الفعل خاصة، كالتنفیس. و معنی فی الجملة، كالنفی و التوكید. و ربط بین مفردین، كالعطف فی نحو: جاء زید و عمرو و ربط بین جملتین كالعطف فی نحو: جاء زید و ذهب عمرو. و إنما قلت (یرجع غالبها) لأن منها ما هو خارج عن هذه الأقسام، كالكف، و التهیئة، و الإنكار، و التذكار، و غیر ذلك. ینظر: الجنی الدانی (25) ینظر: الجنی الدانی (ص 25).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 342
و علی هذا قراءة الكوفیین، و ابن عامر «1».
فأما التعبیر عن الهمزتین فی هذا الباب بأنهما من كلمة- فمجاز.
و الذی سوغ ذلك التحام إحدی الهمزتین بالأخری فی حكم الخط و اللفظ و المعنی.
فأما الخط فإنه قد اطرد فی كل حرف من حروف المعانی إذا كان من حرف واحد من حروف التهجی أن یكتب موصولا بما بعده إذا كان مما یقبل الوصل: كباء الجر، و فاء العطف، و لام الابتداء و نحو ذلك، فحكم همزة الاستفهام وصلها بما بعدها فی الخط؛ إذ كانت مما یقبل ذلك.
و أما حكم اللفظ فمن حیث إن همزة الاستفهام حرف واحد من حروف التهجی لم یكن لها حكم الكلمة المستقلة؛ إذ الكلمة المستقلة لا بد لها من مطلع و مقطع، فمطلعها أولها، و لا بد من تحریكه؛ لیصح الابتداء به، و مقطعها آخرها، و الأصل تسكینه فی الوقف، و أقل ما تحصل هذه الحقیقة بحرفین من حروف التهجی نحو «قد» و «هل».
فأما الحرف الواحد فلا؛ فلزم لذلك أن تتصل فی اللفظ بما بعدها.
______________________________
(1) قال الأزهری: أكثر القراء قرءوا: أَئِمَّةَ الْكُفْرِ [التوبة: 12]، بهمزة واحدة، و قرأ بعضهم أَئِمَّةً، بهمزتین، قال: و كل ذلك جائز.
قال ابن سیده: و كذلك قوله تعالی: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً یَدْعُونَ إِلَی النَّارِ [القصص: 41]، أی: من تبعهم فهو فی النار یوم القیامة، قلبت الهمزة یاء؛ لثقلها لأنها حرف سفل فی الحلق و بعد عن الحروف و حصل طرفا فكان النطق به تكلفا، فإذا كرهت الهمزة الواحدة، فهم باستكراه الثنتین و رفضهما- لا سیما إذا كانتا مصطحبتین غیر مفرّقتین فاء و عینا أو عینا و لاما- أحری؛ فلهذا لم یأت فی الكلام لفظة توالت فیها همزتان أصلا البتة، فأما ما حكاه أبو زید من قولهم: دریئة و درائی، و خطیئة و خطائی، فشاذ لا یقاس علیه، و لیست الهمزتان أصلین، بل الأولی منهما زائدة، و كذلك قراءة أهل الكوفة: أَئِمَّةً، بهمزتین.
قال الجوهری: الإمام الذی یقتدی به، و جمعه: أیمة، و أصله: أأممة، علی أفعلة، مثل: إناء و آنیة، و إله و آلهة، فأدغمت المیم، فنقلت حركتها إلی ما قبلها، فلما حركوها بالكسر جعلوها یاء، و هی قراءة نافع و ابن كثیر و أبی عمرو.
قال الأخفش: جعلت الهمزة یاء؛ لأنها فی موضع كسر و ما قبلها مفتوح فلم یهمزوا لاجتماع الهمزتین، قال: و من كان من رأیه جمع الهمزتین همز، قال: و تصغیرها:
أویمة، لما تحركت الهمزة بالفتحة قلبها واوا، و قال المازنی: أییمة، و لم یقلب.
ینظر اللسان (1/ 133).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 343
و هذا هو السبب فی الاتصال فی اللفظ.
و أما حكم المعنی فهو أن الحرف إنما جی‌ء به لیدل علی معنی فی غیره «1»،
______________________________
(1) ذكر النحاة عدة تعریفات للحرف، و من أحسنها قول بعضهم: الحرف: كلمة تدل علی معنی، فی غیرها، فقط.
فقوله (كلمة) جنس یشمل الاسم و الفعل و الحرف، و علم من تصدیر الحد به أن ما لیس بكلمة فلیس بحرف: كهمزتی النقل و الوصل، و یاء التصغیر. فهذه من حروف الهجاء لا من حروف المعانی؛ فإنها لیست بكلمات بل هی أبعاض كلمات. و هذا أولی من تصدیر الحد ب (ما)؛ لإبهامها.
و اعترض بأن تصدیر حد الحرف بالكلمة لا یصح، من جهة أنه یخرج عنه، من الحروف، ما هو أكثر من كلمة واحدة، نحو: إنما و كأنما.
و الجواب: أنه لیس فی الحروف ما هو أكثر من كلمة واحدة. و أما نحو: إنما و كأنما، مما هو كلمتان، فهو حرفان، لا حرف واحد، بخلاف نحو (كأن) مما صیره التركیب كلمة واحدة، فهو حرف واحد.
و قوله: (تدل علی معنی فی غیرها) فصل، یخرج به الفعل، و أكثر الأسماء؛ لأن الفعل لا یدل علی معنی فی غیره. و كذلك أكثر الأسماء.
و قوله: (فقط) فصل ثان، یخرج به من الأسماء، ما یدل علی معنی فی غیره، و معنی فی نفسه؛ فإن الأسماء قسمان:
قسم یدل علی معنی فی نفسه، و لا یدل علی معنی فی غیره، و هو الأكثر.
و قسم یدل علی معنیین: معنی فی نفسه، و معنی فی غیره: كأسماء الاستفهام، و الشرط، فإن كل واحد منها یدل، بسبب تضمنه معنی الحرف، علی معنی فی غیره، مع دلالته علی المعنی الذی وضع له. فإذا قلت مثلا: من یقم أقم معه، فقد دلت (من) علی شخص عاقل بالوضع، و دلت مع ذلك علی ارتباط جملة الجزاء بجملة الشرط؛ لتضمنها معنی (إن) الشرطیة؛ فلذلك زید فی الحد (فقط)؛ لیخرج به هذا القسم.
و اعترض الفارسی قول من حد الحرف (بأنه ما دل علی معنی فی غیره) بالحروف الزائدة، نحو (ما) فی قولهم: إنك ما و خیرا؛ لأنها لا تدل علی معنی فی غیرها.
و أجیب بأن الحروف الزائدة تفید فضل تأكید و بیان، للكثرة؛ بسبب تكثیر اللفظ بها، و قوة اللفظ مؤذنة بقوة المعنی، و هذا معنی لا یتحصل إلا مع كلام.
فإن قیل: ما معنی قولهم: (الحرف یدل علی معنی فی غیره).
فالجواب: معنی ذلك أن دلالة الحرف علی معناه الإفرادی متوقفة علی ذكر متعلّقه، بخلاف الاسم و الفعل؛ فإن دلالة كل منهما علی معناه الإفرادی، غیر متوقفة علی ذكر متعلق؛ أ لا تری أنك إذا قلت: (الغلام) فهم منه التعریف. و لو قلت: أل- مفردة- لم یفهم منه معنی، فإذا قرن بالاسم أفاد التعریف.
و كذلك باء الجر؛ فإنها لا تدل علی الإلصاق، حتی تضاف إلی الاسم الذی بعدها، لا أنه یتحصل منها مفردة. و كذلك القول فی سائر الحروف.
و قال السیرافی: المراد من قولنا فی الاسم و الفعل: (إنه یدل علی معنی فی نفسه) أن-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 344
و همزة الاستفهام إنما تدل علی معنی الاستفهام فیما بعدها، فلما كان معناها لا یظهر إلا فیما بعدها- صارت كأنها جزء منه؛ لأن معناها إنما یحصل بحصول اللفظ بمجموعهما، كما أن معنی الكلمة التی تدل علی معنی فی نفسها إنما یحصل بمجموع أجزائها، و الله تبارك و تعالی أعلم.
______________________________
تصور معناه فی الذهن غیر متوقف علی خارج عنه؛ أ لا تری أنك إذا قلت: ما الإنسان؟ فقیل لك: حتی ناطق، و إذا قلت: ما معنی (ضرب)؟ فقیل لك: ضرب فی زمان ماض، أدركت المعنیین باللفظ المذكور فی التفسیر؟! و قولنا فی الحرف: (یدل علی معنی فی غیره)، نعنی به أن تصور معناه متوقف علی خارج عنه؛ أ لا تری أنك إذا قلت: ما معنی (من)؟ فقیل لك: التبعیض، و خلیت و هذا، لم تفهم معنی (من) إلا بعد تقدم معرفتك بالجزء و الكل؛ لأن التبعیض أخذ جزء من كل.
و قد قیل غیر ذلك.
و قد اختلف النحویون فی علة تسمیته حرفا:
فقیل: سمی بذلك؛ لأنه طرف فی الكلام، و فضلة، و الحرف، فی اللغة، هو الطرف، و منه قولهم: (حرف الجبل) أی: طرفه، و هو أعلاه المحدد.
فإن قیل: فإن الحرف قد یقع حشوا، نحو: مررت بزید؛ فلیست الباء فی هذا بطرف.
فالجواب أن الحرف طرف فی المعنی؛ لأنه لا یكون عمدة، و إن كان متوسطا.
و قیل: لأنه یأتی علی وجه واحد، و الحرف- فی اللغة-: هو الوجه الواحد، و منه قوله تعالی: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَعْبُدُ اللَّهَ عَلی حَرْفٍ [الحج: 11] أی: علی وجه واحد، و هو أن یعبده علی السراء دون الضراء، أی: یؤمن بالله، ما دامت حاله حسنة، فإن غیرها الله و امتحنه كفر به؛ و ذلك لشكه و عدم طمأنینته.
فإن قیل: فإن الحرف الواحد قد یرد لمعان كثیرة.
فالجواب: أن الأصل فی الحرف أن یوضع لمعنی واحد، و قد یتوسع فیه، فیستعمل فی غیره، قاله بعضهم.
و أجاب غیره بأن الاسم قد یدل، فی حالة واحدة، علی معنیین، مثل أن یكون فاعلا و مفعولا، فی وقت واحد: كقولك: رأیت ضارب زید، ف (ضارب زید) فی هذه الحالة فاعل و مفعول.
و الفعل أیضا یدل علی معنیین: الحدث و الزمان.
و الحرف إنما یدل، فی حالة واحدة، علی معنی واحد.
و الظاهر أنه إنما سمی حرفا؛ لأنه طرف فی الكلام، كما تقدم. و أما قوله تعالی: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَعْبُدُ اللَّهَ عَلی حَرْفٍ [الحج: 11] فهو راجع إلی هذا المعنی؛ لأن الشاك كأنه علی طرف من الاعتقاد، و ناحیة منه. و إلی ذلك ترجع معانی الحروف كلها، كقولهم للناقة الضامرة الصلبة: حرف؛ تشبیها لها بحرف السیف.
و قیل: هی الضخمة؛ تشبیها لها بحرف الجبل. و كان الأصمعی یقول: الحرف: الناقة المهزولة. ینظر: الجنی الدانی (20- 25).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 345
قال الحافظ- رحمه الله-: «اعلم أنهما إذا اتفقتا بالفتح» «1».
لما كانت الهمزة الأولی فی هذا الباب حرف استفهام، و هی لا تكون أبدا إلا مفتوحة، و اتفق دخولها علی كلمة مهموزة الأول متحركة، و كانت «2» الحركات ثلاثا- حصل من ذلك أن أضرب الهمزتین فی هذا الباب ثلاثة: مفتوحتان، و مفتوحة و مكسورة، و مفتوحة و مضمومة.
قال الحافظ- رحمه الله-: نحو أَ أَنْذَرْتَهُمْ [البقرة: 6].
اعلم أن مجموع الوارد فی القرآن من هذا النوع علی ضربین: ضرب متفق علیه، و ضرب مختلف فیه.
الضرب الأول: المتفق علیه ثمانیة عشر موضعا:
منها فی البقرة أَ أَنْذَرْتَهُمْ [الآیة: 6]، [و] قُلْ أَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ [الآیة: 140] و فی آل عمران أَ أَسْلَمْتُمْ [الآیة: 20]. و أَ أَقْرَرْتُمْ [الآیة: 81]. و فی المائدة أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ [الآیة: 116]. و فی سورة هود علیه السلام أَ أَلِدُ [الآیة: 72]. و فی
______________________________
(1) إذا دخلت ألف الاستفهام علی ألف مفتوحة، ففیها ثلاث لغات: منهم من یهمزهما همزتین مقصورتین، و منهم من یدخل ألفا بین الهمزتین؛ استثقالا للجمع بینهما، و منهم [من] یهمز همزة واحدة مطولة، و تقدیر ذلك: أن تدخل بین الهمزتین ألفا، فتصیر الهمزة الأولی مع الألف همزة بمد، تلین الهمزة الثانیة، و تترك نبرتها و تشم حركتها بلا نبرة، و منه قوله تعالی (آنذرتهم) [یس: 10]، (آسلمتم) [آل عمران: 20]، (آرباب متفرقون) [یوسف:
39] و نحوه و قد قرئ علی هذه الوجوه كلها.
قال الأعشی:
أأن رأت رجلا أعشی أضربه‌ریب المنون و دهر متبل خبل و قال ذو الرمة:
فیا ظبیة الوعساء بین جلاجل‌و بین النقا آأنت أم أم سالم و قال مزرد أخو الشماخ:
تضاللت فاستشرفته فعرفته‌فقلت له آأنت زید الأراقم فإن كان بعد همزة القطع ألف همزت همزة واحدة مطولة، و لم تدخل بین الهمزتین ألفا، و لم تشم الفتحة، و ذلك كقولك: آمنت بفلان، و آثرت فلانا، و منه قوله سبحانه:
قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ [الأعراف: 123]، وَ قالُوا أَ آلِهَتُنا خَیْرٌ أَمْ هُوَ [الزخرف:
58]، و الفرق بین هذا و بین ما قبله: أن ألف القطع فی «آمن» و نحوه ألف أبدلت من فاء الفعل، فلو أدخلوا بین ألف الاستفهام و بین ألف «افعل» ألفا كما فعلوا فی «آنذرتهم» و نحوه لاجتمع أربع ألفات، و ذلك خروج عن كلام العرب.
ینظر مصابیح المغانی ص (67- 69).
(2) فی أ: فكانت.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 346
سورة یوسف علیه السلام أَ أَرْبابٌ [39]. و فی الإسراء أَ أَسْجُدُ [61]. و فی سورة الأنبیاء علیهم السلام أَ أَنْتَ فَعَلْتَ [62]. و فی الفرقان أَ أَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ [17]. و فی النمل أَ أَشْكُرُ [40]. و فی یس أَ أَنْذَرْتَهُمْ [10] و أَ أَتَّخِذُ [23].
و فی الواقعة أَ أَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ [59]، و أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ [64]، و أَ أَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ [69]، و أَ أَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ [72]. و فی المجادلة أَ أَشْفَقْتُمْ [13]. و فی الملك أَ أَمِنْتُمْ [16]. و فی النازعات أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً [27].
قال الحافظ: «فإن الحرمیین و أبا عمرو و هشاما یسهلون الثانیة منهما».
اعلم أن التسهیل یستعمل مطلقا و مقیدا، فإذا أطلق فالمراد به جعل الهمزة بین بین أی: بین الهمزة و الحرف الذی منه حركتها:
فإن كانت محركة بالفتح؛ جعلت بین الهمزة و الألف، و معناه: أن یلفظ بها نوعا من اللفظ یكون فیه شبه من لفظ الهمزة و لا یكون همزة خالصة، و شبه من لفظ الألف و لا یكون ألفا خالصة.
و كذلك إن كانت محركة بالكسر جعلت بین الهمزة و الیاء علی التفسیر المتقدم «1».
و إن كانت مضمومة جعلت بین الهمزة و الواو علی ما تقدم.
و هذا كله تحكمه المشافهة.
و یقال فی ذلك كله: تسهیل و تلیین.
و یقال: تسهیل علی مذاق الهمز.
و یقال: همزة بین بین، و المراد ما تقدم.
فإن قید التسهیل- فالمراد به إذ ذاك المعنی الذی یقتضیه التقیید.
______________________________
(1) إذا دخلت ألف الاستفهام علی همزة مكسورة ففیها أربع لغات:
منهم من یهمزهما جمیعا همزتین مقصورتین، كقولك: (أ إنك ذاهب).
و منهم من یقول: (آئنك) بهمزتین و مدة بینهما.
و منهم من یقلب ألف القطع یاء مكسورة بترك نبرتها و تلیینها، و یشمها مع قصر الهمزة و مدها، و منه قوله تعالی: أَ إِذا مِتْنا [ق: 3] أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [الواقعة: 47] و قد قرئ ذلك بالوجوه كلها.
و أنشد أبو زید:
حزقّ إذا ما القوم أبدوا فكاهةتفكر آئیاه یعنون أم قردا ینظر مصابیح المغانی ص (70)
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 347
فیقال: تسهیل بالبدل.
و تسهیل بالنقل.
و تسهیل بالحذف.
و التسهیل الذی بالبدل قد یكون معه الإدغام، و قد لا یكون، فهذه جمیع ألقاب «1» التسهیل، و هذا كله فی المتحركة.
فأما الساكنة فتسهیلها أبدا بالبدل نحو «آمن» و «بیر» و «مومن» تبدل حرفا من جنس حركة ما قبلها، و سیأتی ذلك كله مفصلا فی مواضعه بحول الله العلی العظیم.
فإذا تقرر هذا- فقول الحافظ: «یسهلون»، یرید التسهیل المطلق، و هو جعل الهمزة بین الألف و الهمزة؛ لأنها مفتوحة، و استثنی ورشا، فبین أن روایته البدل:
هذه روایة المصریین عن ورش.
فأما [عامة] «2» البغدادیین و الشامیین فرووا عن ورش جعلها بین بین، ذكره الحافظ فی «إیجاز البیان» و غیره.
و قوله: «و القیاس أن تكون «3» بین بین».
یرید بخلاف ما فعل ورش حیث أبدلها ألفا خالصة، و إنما كان القیاس ما ذكر؛ لأن البدل فی الهمزة غیر المتطرفة إنما یكون فی الهمزة الساكنة و فی المفتوحة بعد «4» الكسرة أو بعد «5» الضمة، و هذه بخلاف ذلك.
ثم إنه یلزم قراءة ورش التقاء الساكنین من غیر أن یكون الثانی مدغما إلا فی موضعین:
أحدهما: أَ أَلِدُ فی سورة هود علیه السلام.
و الثانی: أَ أَمِنْتُمْ فی الملك [16]، فلیس فیهما التقاء ساكنین.
و ذكر عن ابن كثیر أنه لا یدخل قبلهما ألفا، فعلی هذا تتلاصق الهمزة الملینة مع المخففة.
______________________________
(1) فی أ: ألفات.
(2) سقط فی أ.
(3) فی أ: یكون.
(4) فی ب: بعده.
(5) فی ب: بعده.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 348
قال: «و قالون و هشام و أبو عمرو یدخلونها»؛ فعلی هذا یلزم المد بین المخففة و الملینة إلا أن مد هشام أطول، و مد السوسی أقصر، و مد قالون و الدوری أوسط، و كله من قبیل المد المتصل، و الله- عز و جل- أعلم «1».
قال الحافظ: «و الباقون یحققون الهمزتین» یرید من غیر فصل بینهما.
و اعلم أن الخلاف الذی وقع بینهم فی هذا الباب إنما هو فی الهمزة الثانیة، فأما الهمزة الأولی فلا خلاف بینهم فی تحقیقها فی الابتداء، و الوصل إلا إذا وقع قبلها ساكن غیر حرف مد، فإن ورشا وحده ینقل حركتها فی الوصل إلی ذلك الساكن علی أصله، و الذی ورد منه فی القرآن فی هذا الفصل موضعان:
أحدهما: قُلْ أَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ فی البقرة [الآیة: 140].
و الثانی: رَحِیمٌ أَ أَشْفَقْتُمْ فی المجادلة [12- 13]، و قد حصل فی هذا الفصل أربع قراءات، و تقدم ضعف قراءة البدل، و كذلك تحقیق الهمزتین ضعیف.
قال سیبویه- رحمه الله- فی باب الهمزة: «فلیس فی كلام العرب أن تلتقی همزتان فتحققا» «2».
یرید لیس فی كلامها الفصیح، و لم یرد النفی مطلقا؛ إذ لو كان كذلك لم یجز أن یقرأ بالتحقیق، و إنما كان تحقیق الهمزتین ضعیفا؛ لثقلهما، و یدل علی أن سیبویه لم یرد نفی التقاء الهمزتین فی كلام العرب علی الإطلاق، و إنما أراد أن ذلك لا یكون فی فصیح الكلام- قوله فی باب الإدغام: و زعموا أن ابن أبی إسحاق «3» كان یحقق
______________________________
(1) إن الإدخال بین الهمزتین لكل ما ذكر لا یزید فیما قرأنا به عن مقدار الحركتین.
(2) و نص كلام سیبویه: و اعلم أن الهمزتین إذا التقتا، و كانت كل واحدة منهما من كلمة من كلمة- فإن أهل التحقیق یخففون إحداهما و یستثقلون تحقیقهما؛ لما ذكرت لك، كما استثقل أهل الحجاز تحقیق الواحدة. فلیس من كلام العرب أن تلتقی همزتان فتحقّقا، و من كلام العرب تخفیف الأولی و تحقیق الآخرة، و هو قول أبی عمرو. و ذلك قولك: فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها [محمد: 18]، و یا زَكَرِیَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ [مریم: 7]. و منهم من یحقق الأولی و یخفف الآخرة، سمعنا ذلك من العرب، و هو قولك: فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها، و یا زَكَرِیَّا إِنَّا [مریم: 7]. و قال:
كل غراء اذا ما برزت‌ترهب العین علیها و الحسد سمعنا من یوثق به من العرب ینشده هكذا.
ینظر: الكتاب (3/ 548- 549).
(3) عبد العزیز بن محمد بن إبراهیم بن الواثق بالله هارون، أبو علی الهاشمی بن أبی إسحاق
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 349
الهمزتین و ناسا معه، و قد تكلم ببعضه العرب، و هو ردی‌ء؛ فیجوز الإدغام فی قول هؤلاء و هو ردی‌ء «1». انتهی.
قوله- رحمه الله-: «و قد أغلظ المهدوی «2» فی القول علی سیبویه فی هذه المسألة حتی تكلم فی أَئِمَّةَ فی سورة التوبة [الآیة: 12] فی «شرح الهدایة» فقال ما نصه: «و قد عاب سیبویه و الخلیل تحقیق الهمزتین، و جعلا ذلك من الشذوذ الذی لا یعول علیه، و القراء أحذق بنقل هذه الأشیاء من النحویین، و أعلم بالآثار و لا یلتفت إلی قول من قال: إن تحقیق الهمزتین فی لغة العرب شاذ قلیل؛ لأن لغة العرب أوسع من أن یحیط بها قائل هذا القول، و قد أجمع علی تحقیق الهمزتین أكثر القراء، و هم أهل الكوفة، و أهل الشام، و جماعة من أهل البصرة، و ببعضهم تقوم
______________________________
- المعتصم بالله بن هارون الرشید بن محمد المهدی بن عبد الله المنصور بن محمد بن علی ابن عبد الله بن العباس، أبو علی الهاشمی البغدادی، شیخ مقرئ مشهور، أخذ القراءة عرضا عن- المستنیر، و الغایة، و الكفایة- أبی أیوب الضبی بقراءة حمزة، روی عنه القراءة عرضا- المستنیر، و الغایة، و الكفایة- علی بن عمر بن الحمامی و- المستنیر- إبراهیم بن أحمد الطبری و- المستنیر- أبو الحسن بن العلاف، قال الحافظ أبو عمرو: توفی ببغداد قبل سنة خمسین و ثلاثمائة.
ینظر: غایة النهایة (1/ 395- 396) (1683).
(1) و نص كلام سیبویه: و أما الهمزتان فلیس فیهما إدغام فی مثل قولك: قرأ أبوك، و أقرئ أباك؛ لأنك لا یجوز لك أن تقول: قرأ أبوك، فتحققهما فتصیر كأنك إنما أدغمت ما یجوز فیه البیان؛ لأن المنفصلین یجوز فیهما البیان أبدا، فلا یجریان مجری ذلك، و كذلك قالته العرب و هو قول الخلیل و یونس.
و زعموا أن ابن أبی إسحاق كان یحقق الهمزتین و أناس معه، و قد تكلم ببعضه العرب و هو ردی‌ء؛ فیجوز الإدغام فی قول هؤلاء، و هو ردی‌ء.
ینظر الكتاب (4/ 443).
(2) أحمد بن عمار بن أبی العباس، الإمام أبو العباس المهدوی؛ نسبه إلی المهدیة بالمغرب، أستاذ مشهور، رحل و قرأ علی محمد بن سفیان و علی جده لأمه مهدی بن إبراهیم و أبی الحسن أحمد بن محمد القنطری بمكة، و ذكر الحافظ أبو عبد الله الذهبی أنه قرأ علی أبی بكر أحمد بن محمد البراثی، و ألف التوالیف منها التفسیر المشهور و الهدایة فی القراءات السبع، و قد قرأت بها و شرحها فی شرح لطیف و هو الذی ذكره الشاطبی فی باب الاستعاذة، قرأ علیه غانم بن الولید و أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مطرف الطرفی و موسی بن سلیمان اللخمی و یحیی بن إبراهیم البیاز و محمد بن إبراهیم بن إلیاس و محمد بن عیسی بن فرج المغامی، قال الذهبی: توفی بعد الثلاثین و أربعمائة.
ینظر: غایة النهایة (1/ 92).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 350
الحجة». انتهی.
و هذه النهضة التی قام بها المهدوی فیها نظر؛ فإن سیبویه اعتمد علی ما استقر عنده من أحكام اللغة، و المهدوی یعتمد علی ما نقل إلیه من القراءات، و لا یستثبت له ما قال إلا إذا لزم أن كل ما اشتهر من القراءات فهو الجاری علی فصیح اللغة، و أنه لا یجوز اشتهار القراءة الجاریة علی لغة ضعیفة أو شاذة، و الظاهر أن الأمر لیس كذلك؛ بدلیل أن القراءات السبع علی الجملة قد طبقت الأرض، و هی مع ذلك تشتمل علی الفصیح و غیره، و الله- جل ذكره- أعلم.
فأما قراءة ابن كثیر فحسنت لما زال لفظ الهمزة الثانیة عن نبرتها من التحقیق؛ فاندفع بذلك اجتماع همزتین محققتین.
و أما قالون و صاحباه، فإنهم رأوا أن الثانیة، و إن كانت ملینة فإنها بما فیها من مذاق الهمز لم تتجرد من الثقل بالجملة ففصلوا بینهما بالألف؛ لیندفع ثقل اجتماعهما إذ الملینة تشبه المحققة.
وافق الشیخ، و الإمام الحافظ علی ما ذكر من القراءات، و زاد الإمام عن ورش بین بین مثل ابن كثیر، و الله جل ذكره أعلم.
الضرب الثانی: المختلف فیه:
اعلم أن الوارد منه فی القرآن خمسة مواضع:
أحدها: أَنْ یُؤْتی أَحَدٌ فی آل عمران [الآیة: 73]، قراءة ابن كثیر وحده بالاستفهام بهمزة محققة، و أخری ملینة بین الهمزة و الألف علی أصله المتقدم «1»،
______________________________
(1) جاء فی الدر المصون: قرأ ابن كثیر: (أأن یؤتی) بهمزة استفهام، و هو علی قاعدته فی كونه یسهل الثانیة بین بین من غیر مد بینهما. و خرجت هذه القراءة علی أوجه:
أحدها: أن یكون (أن یؤتی) علی حذف حرف الجر و هو لام العلة و المعلل محذوف، تقدیره لأن یؤتی أحد مثل ما أوتیتم قلتم ذلك و دبرتموه.
الثانی: أن (أن یؤتی) فی محل رفع بالابتداء و الخبر محذوف، تقدیره: أأن یؤتی أحد یا معشر الیهود مثل ما أوتیتم من الكتاب و العلم تصدقون به أو تعترفون به أو تذكرونه لغیركم أو تشیعونه فی الناس، و نحو ذلك مما یحسن تقدیره، و هذا علی قول من یقول: (أزید ضربته) و هو وجه مرجوح، كذا قدره الواحدی تبعا للفارسی، و أحسن من هذا التقدیر؛ لأنه الأصل: إتیان أحد مثل ما أوتیتم ممكن أو مصدّق به.
الثالث: أن یكون منصوبا بفعل مقدر یفسره هذا الفعل المضمر، و تكون المسألة من باب الاشتغال، و التقدیر: أ تذكرون أن یؤتی أحد تذكرونه، ف «تذكرونه» مفسر ل «تذكرون» الأول-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 351
و هو قول الحافظ فی «الإیضاح» و غیره، و قول الإمام فی «الكافی».
و عبر الحافظ فی «التیسیر» بالمد و مراده ما تقدم، و كذلك عبر الشیخ فی «التبصرة» و غیرها.
و إنما یعبرون بالمد عن همزة بین بین؛ لما فیها من شبه المد، و یدلك علی صحة هذا من قول الشیخ أنه لما ذكر أَ أَنْذَرْتَهُمْ [البقرة: 6] فی «التبصرة» قال: «فقرأ الحرمیان، و أبو عمرو، و هشام فی ذلك بتحقیق الأولی و تسهیل الثانیة، فیمدون حینئذ غیر أن مد ابن كثیر أنقص قلیلا» «1»، ثم فسر فقال: «أما أبو عمرو و قالون و هشام فإنهم یحققون الأولی و یجعلون الثانیة بین الهمزة و الألف و یدخلون بینهما ألفا، ثم قال: «و كذلك یفعل ابن كثیر غیر أنه لا یدخل بین الهمزتین ألفا». انتهی فحصل منه أنه سمی همزة بین بین مدّا، و سیأتی- أیضا- من كلام الحافظ فی «التیسیر» التعبیر بالمد [عن همزة بین بین، بحول الله تبارك و تعالی.
و قرأ الباقون بهمزة] «2» واحدة علی الخبر.
و الثانی: آمَنْتُمْ فی الأعراف [76]، و طه [71]، و الشعراء [49] قرأها حفص بهمزة واحدة علی الخبر، وافقه قنبل فی طه.
و قرأ الباقون بالاستفهام: فحقق الهمزتین أبو بكر، و حمزة، و الكسائی، و حقق الباقون الأولی و سهلوا الثانیة.
______________________________
- علی حد: (أ زیدا ضربته)، ثم حذف الفعل الأخیر المفسر؛ لدلالة الكلام علیه، و كأنه منطوق به، و لكونه فی قوة المنطوق به صح له أن یفسر مضمرا، و هذه المسألة منصوص علیها. و هذا أرجح من الوجه قبله؛ لأنه مثل: أ زیدا ضربته، و هو راجح لأجل الطالب للفعل، و مثل حذف هذا الفعل المقدر لدلالة ما قبل الاستفهام علیه حذف الفعل فی قوله: آلْآنَ وَ قَدْ عَصَیْتَ [یونس: 91] قیل: تقدیره: آلآن آمنت و رجعت و تبت، و نحو ذلك.
قال الواحدی: (فإن قیل: كیف وجد دخول (أحد) فی هذه القراءة و قد انقطع من النفی و الاستفهام، و إذا انقطع الكلام إیجابا و تقریرا فلا یجوز دخول (أحد)؟
قیل: یجوز أن یكون (أحد) فی هذا الموضع (أحدا) الذی فی نحو: أحد و عشرین، و هذا یقع فی الإیجاب؛ أ لا تری أنه بمعنی: واحد؟! و قال أبو العباس: (إن «أحدا» و «واحدا»: بمعنی).
ینظر الدر المصون (2/ 138- 139).
(1) تسهیل ابن كثیر تسهیل الهمزتین بین بین فقط و هو المراد بقوله أنقص قلیلا.
(2) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 352
و وافقهم قنبل فی الأعراف و الشعراء، و أبدل الأولی فی الأعراف واوا فی الوصل.
الثالث: أَعْجَمِیٌ فی فصلت [44]:
قرأ هشام وحده علی الخبر بهمزة واحدة.
و قرأ الباقون بالاستفهام: فحقق الهمزتین أبو بكر، و حمزة، و الكسائی علی أصولهم، و الباقون یحققون الأولی و یسهلون الثانیة بین بین كما تقدم.
نص علیه الحافظ فی «الإیضاح» و عبر فی «التیسیر» فقال: «و الباقون بهمزة و مدة».
ثم قال: و قالون، و أبو عمرو یشبعانها؛ لأن من قولهما: «إدخال ألف بین الهمزة المحققة و الملینة» ثم ذكر عن ورش: أنه علی أصله فی البدل.
و ذكر عن ابن كثیر أنه یجعلها بین بین من غیر فصل، و كذلك حفص و ابن ذكوان؛ فهذا الموضع نص فی أن الحافظ یطلق المد و هو یرید به الهمزة الملینة بین بین كما تقدم من قول الشیخ، و كذلك قال الشیخ هنا: «و الباقون بهمزة و مدة، علی ما تقدم من أصولهم فی التسهیل».
و اعلم أن الشیخ، و الإمام وافقا الحافظ فی جمیع ما ذكر من القراءات فی هذا الحرف إلا فی قراءة ابن ذكوان؛ فإنهما جعلاه كقالون و أبی عمرو یفصلان بالألف بین المحققة و الملینة، و الحافظ جعله كابن كثیر لا یفصل بینهما.
الرابع: أَذْهَبْتُمْ فی الأحقاف [20] قراءة ابن كثیر و ابن عامر بالاستفهام فابن ذكوان یحقق الهمزتین علی أصله، و ابن كثیر یلین «1» الثانیة من غیر فصل علی أصله، و هشام یلینها و یفصلها علی أصله أیضا، و قراءة الباقین علی الخبر.
وافق الشیخ و الإمام الحافظ فی هذا الحرف.
و فی لفظ الإمام هنا فی «الكافی» نحو مما تقدم؛ لأنه أطلق المد و هو یرید التسهیل بین بین، و كذلك الشیخ و كلامه صریح فی هذا المعنی فانظره فی «التبصرة».
الخامس: أَنْ كانَ ذا مالٍ فی «ن و القلم» [14]:
قرأه «2» حمزة، و أبو بكر، و ابن عامر بالاستفهام، فحقق الهمزتین أبو بكر،
______________________________
(1) فی أ: یبین.
(2) فی أ: قراءة.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 353
و حمزة، و سهل ابن عامر الثانیة، و فصل هشام بینهما بألف، و كذلك قال الشیخ، و الإمام عن ابن ذكوان، و قال الحافظ عنه بغیر فصل، علی ما تقدم فی «فصلت».
و قرأ الباقون بهمزة واحدة علی الخبر، و یأتی القول فی همزة الاستفهام الداخلة علی ألف الوصل فی الأنعام، و كذلك (هأنتم) فی آل عمران [104]، و آمَنْتُمْ فی الأعراف [16] بحول الله تعالی [و قوته وحده لا شریك له] «1».
قال الحافظ- رحمه الله-: «فإذا اختلفتا بالفتح و الكسر ...».
اعلم أن الهمزتین المختلفتین بالفتح و الكسر فی القرآن أربعة أضرب:
أحدها: ألا تكون الهمزة الأولی للاستفهام و لكنها لبناء «2» الجمع و ذلك ما جاء من لفظ أَئِمَّةَ [التوبة: 12].
و قد تقدم أنه فی خمسة مواضع، و هو مذكور فی براءة [12].
الثانی: ما اجتمع فیه استفهامان، و ذلك أحد عشر موضعا تذكر فی الرعد.
الثالث: لم یجتمع فیه استفهامان، و اتفق علی الاستفهام، و هو المقصود هنا، و جملته فی القرآن أربعة عشر موضعا:
منها أَ إِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ فی الأنعام [19]، و أَ إِنَّ لَنا لَأَجْراً فی الشعراء [41]، و أَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ [النمل: 55]، و أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ فی خمس مواضع فی النمل [60- 64]، و أَ إِنْ ذُكِّرْتُمْ فی یس [19]، و أَ إِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا، و أَ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِینَ، و أَ إِفْكاً فی الصافات [36، 52، 86]، و قُلْ أَ إِنَّكُمْ فی فصلت [9]، و أَ إِذا مِتْنا فی «ق» [3].
قال الحافظ: «فالحرمیان و أبو عمرو یسهلون الثانیة».
یرید: یجعلونها بین الهمزة و الیاء، و هو قیاس تسهیل الهمزة المكسورة، و ورش هنا یوافق علی هذا التسهیل، و لا خلاف فی تحقیق الأولی إلا إذا وقع قبلها ساكن فإن ورشا ینقل حركتها فی الوصل كما تقدم.
قال: «و الباقون یحققون الهمزتین».
وافق هنا هشام علی تحقیق الهمزتین فی جمیع القرآن، و ذكر عن هشام الفصل بالألف فی جمیع القرآن و هی قراءته علی أبی الفتح عن قراءته علی عبد الباقی
______________________________
(1) سقط فی ب. شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات 353 باب الهمزتین المتلاصقتین فی كلمة ..... ص : 340
(2) فی أ: البناء.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 354
ابن الحسن «1»، ثم ذكر عنه الفصل فی المواضع السبعة مع تسهیل الهمزة الثانیة فی «فصلت» خاصة، و هی قراءة الحافظ علی أبی الحسن، و علی أبی الفتح أیضا عن قراءته علی عبد الله بن الحسین البغدادی «2» كذا قال فی «المفردات».
______________________________
(1) عبد الباقی بن الحسن بن أحمد بن محمد بن عبد العزیز بن السقا، أبو الحسن الخراسانی الأصل، الدمشقی المولد، الأستاذ الحاذق الضابط الثقة، رحل الأمصار، ولد بدمشق و أخذ القرآن عرضا عن- جامع البیان- إبراهیم بن أحمد بن إبراهیم و- جامع البیان- إبراهیم ابن الحسن و- التیسیر- إبراهیم بن عمر و إبراهیم بن عبد العزیز و- جامع البیان- إبراهیم ابن عبد الله بن محمد و- الجامع- أحمد بن عبد الله بن الخشف و- الجامع- أحمد ابن صالح و- الجامع- أحمد بن عبد الرحمن و الحسین بن عبد الله و- التیسیر- زید ابن أبی بلال و صالح بن أحمد و- الجامع- عبد الرحمن بن عمر البغدادی و عبد الله ابن علی و- الجامع- عبید الله بن إبراهیم و- الجامع- علی بن عبد الله بن محمد و علی ابن محمد بن جعفر القلانسی و- الجامع- نظیف بن عبد الله و- الجامع- محمد ابن إبراهیم البلخی و محمد بن أحمد بن هارون و محمد بن زریق و- الجامع- محمد ابن الحسین الدیبلی و- الجامع- محمد بن سلیمان و محمد بن شعبون و محمد بن صالح و- الجامع- محمد بن عبد الرحمن بن عبید بن إبراهیم و- الجامع- محمد بن أحمد ابن مرشد و- التیسیر- محمد بن علی بن الجلندا و محمد بن النضر بن الأخرم و الجامع- أحمد بن عبید الله بن حمدان و- الجامع- مسلم بن عبد العزیز و- الجامع- موسی ابن عبد الرحمن، أخذ القراءة عنه عرضا- التیسیر- فارس بن أحمد و أكثر عنه، و قال:
قال لنا: أدركت أبا إسحاق إبراهیم بن عبد الرزاق بأنطاكیة، و جلست معه فی مجلسه و هو یقرئ فی سنة أربع و ثلاثین و ثلاثمائة و لم أقرأ علیه، و لما حصل الروایات و رجع إلی دمشق یقرئ بها حصل بینه و بین شیوخها اختلاف، فتعصب له قوم و تعصب آخرون علیه حتی تطاول بعضهم إلی بعض؛ فخرج منها إلی الدیار المصریة، قال الدانی: كان خیرا فاضلا ثقة مأمونا إماما فی القراءات عالما بالعربیة بصیرا بالمعانی، سمعت عبد الرحمن بن عبد الله یقول: كان عبد الباقی سمع معنا ببغداد علی أبی بكر الأبهری و كتب عنه كتبه فی الشرح، ثم قدم مصر فقامت له بها رئاسة عظیمة، و كنا لا نظنه هناك إذ كان ببغداد، توفی بعد سنة ثمانین و ثلاثمائة بالإسكندریة أو بمصر.
ینظر: غایة النهایة (1/ 356- 357).
و فی أ: الحسین.
(2) شیخ القراء، أبو أحمد، عبد الله بن الحسین بن حسنون السامری البغدادی.
زعم أنه قرأ لحفص علی الأشنانی، و قرأ للسوسی علی موسی بن جریر، و أبی عثمان النحوی، و قرأ لقالون علی ابن شنبوذ، و للدوری علی ابن مجاهد، فأما تلاوته علی هذین فمعروفة.
و زعم أنه سمع من أبی العلاء محمد بن أحمد الوكیعی، و القدماء، فافتضح. و لكن كان نافق السوق بین القراء.
ولد سنة خمس و تسعین و مائتین.
تلا علیه: أبو الفضل الخزاعی، و أبو الفتح فارس، و عبد الساتر بن الذرب اللاذقی،
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 355
و هذا هو مذهب الشیخ و الإمام، أعنی اختصاص الفصل بالمواضع السبعة مع التسهیل فی «فصلت» دون غیرها.
و ذكر الحافظ فی المواضع السبعة حرفی الأعراف [81، 113]، و الحرف الذی فی «كهیعص» [66] و هی من الضرب الرابع.
و جملته فی القرآن خمسة مواضع: و هی الثلاثة المذكورة، و فی سورة یوسف علیه السلام: أَ إِنَّكَ لَأَنْتَ یُوسُفُ [الآیة: 90]، و فی الواقعة: إِنَّا لَمُغْرَمُونَ [الآیة: 66] اختلف القراء فیها:
فقرأ نافع و حفص حرفی الأعراف علی الخبر بهمزة واحدة مكسورة، و وافقهما ابن كثیر فی الثانی منهما، و قرأها الباقون بالاستفهام، [و] وافقهم ابن كثیر فی الأول منهما.
و قرأ ابن كثیر فی سورة یوسف علیه السلام علی الخبر و الباقون علی الاستفهام.
و قرأ ابن ذكوان فی «كهیعص» علی الخبر و الباقون علی الاستفهام.
و ذكر عنه الحافظ الوجهین.
و قرأ أبو بكر فی الواقعة [علی الاستفهام] «1».
______________________________
و عبد الجبار الطرسوسی، و أبو العباس بن نفیس، و آخرون.
قال الذهبی: استوعبت ترجمته فی طبقات القراء؛ و ودی لو أنه ثقة، فإنی قرأت من طریقه عالیا.
قال الصوری: قال لی أبو القاسم العنابی: كنت عند أبی أحمد المقرئ، فحدثنا عن الوكیعی، فاجتمعت بعبد الغنی فأخبرته، فاستعظم ذلك، و قال: سله متی سمع منه؟
فقال: بمكة سنة ثلاثمائة، فأخبرت عبد الغنی، فقال: مات أبو العلاء عندنا فی أول سنة ثلاثمائة، و ترك السلام علیه، و قال: لا أسلم علی من یكذب فی الحدیث.
و فی كتاب العنوان أن أبا أحمد قرأ علی محمد بن یحیی الكسائی، و هذا وهم قد سقط من بینهما ابن شنبوذ أو ابن مجاهد.
و قال یحیی بن الطحان: ذكر أبو أحمد أنه یروی عن ابن المعتز. قلت: بدون هذا یهدر الراوی. مات فی المحرم سنة ست و ثمانین و ثلاثمائة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (16/ 515- 516)، و تاریخ بغداد (9/ 442- 443)، و الإكمال لابن ماكولا (2/ 376)، و العبر (3/ 32- 33)، و طبقات القراء للذهبی (1/ 264- 267)، و میزان الاعتدال (2/ 408- 409)، و غایة النهایة (1/ 415- 417)، و لسان المیزان (3/ 273- 274)، و النجوم الزاهرة (4/ 175)، و حسن المحاضرة (1/ 489)، و شذرات الذهب (3/ 119- 120).
(1) فی أ: بالاستفهام.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 356
و الباقون علی الخبر، و الله جل جلاله و عز كماله أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و إذا اختلفتا بالفتح و الضم».
اعلم أن هذا النوع ضرب واحد و هو من المواضع الثلاثة التی ذكر الحافظ، و حاصل كلامه أن أبا عمرو یسهل الثانیة، و لا یدخل بینهما ألفا كورش، و ابن كثیر و هی قراءة الشیخ علی أبی الطیب.
و زاد أیضا أنه قرأ علی غیر أبی الطیب فی روایة أبی شعیب بالفصل.
و كذلك حصل من قول الإمام الوجهان فی قراءة أبی شعیب.
و أما هشام فقرأ فی آل عمران مثل الكوفیین بتحقیق الهمزتین من غیر فصل.
و زاد عنه الحافظ وجها آخر: و هو الفصل بالألف مع التحقیق.
و قرأ فی «ص» و القمر بتسهیل الثانیة و الفصل بینهما بالألف.
و زاد عنه الإمام وجها ثانیا: و هو تحقیق الهمزتین من غیر فصل.
و زاد عنه الحافظ وجها ثالثا: و هو تحقیق الهمزتین مع الفصل.
و وافق الشیخ و الإمام الحافظ فی سائر القراءات التی ذكرها.
و أما «1» قوله- تعالی- فی الزخرف: أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ [الآیة: 19] فلا خلاف أنه قرأ بالاستفهام إلا أن نافعا أدخل الاستفهام علی فعل أوله همزة مضمومة، و الباقون أدخلوا الاستفهام علی فعل لیس فی أوله همزة فعلی قراءة نافع وحده تلحق بهذا النوع الذی تقدم.
و ذكر الحافظ عن قالون فی هذا الحرف إدخال الألف و ترك إدخالها، و عن الشیخ و الإمام ترك إدخالها لا غیر، [و الله تبارك اسمه و تعالی جده و لا إله غیره أعلم و أحكم] «2».

باب ذكر الهمزتین من كلمتین‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «اعلم أنهما إذا اتفقتا «3» بالكسر».
اعلم أن الهمزتین فی هذا الباب تنقسمان إلی: متفقتی الحركة، و مختلفتی الحركة.
______________________________
(1) فی ب: فأما.
(2) بدل ما بین المعقوفین فی ب: و الله تعالی أعلم.
(3) فی أ: اتفقا.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 357
فالأول ثلاثة أقسام:
مفتوحتان.
و مكسورتان.
و مضمومتان.
و الثانی: خمسة أقسام: و ذلك أن تكون الأولی مفتوحة و بعدها مكسورة أو مضمومة فهذان قسمان، أو تكون الثانیة مفتوحة و قبلها مكسورة أو مضمومة فهذان قسمان أیضا، و الخامس: أن تكون الأولی مضمومة و الثانیة مكسورة، و لیس فی القرآن عكسه.
فذكر الحافظ أولا المكسورتین، و الذی فی القرآن من هذا القسم ثمانیة عشر موضعا منها ثلاثة بخلاف، و الباقی بغیر خلاف.
أما الذی لا خلاف فیه، فمنها فی البقرة: هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ [الآیة: 31] و فی النساء مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ [الآیة: 22] وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ [الآیة: 24] و فی هود علیه السلام وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ یَعْقُوبَ [هود: 71]. و فی یوسف علیه السلام بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّی [53]. و فی الإسراء ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ [102]. و فی النور عَلَی الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ [33]. و فی الشعراء كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ [187]. و فی «الم» السجدة مِنَ السَّماءِ إِلَی الْأَرْضِ [5]. و فی الأحزاب مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَیْتُنَ [32]. و وَ لا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَ [55].
و فی سبأ مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِی ذلِكَ لَآیَةً [9]، و أَ هؤُلاءِ إِیَّاكُمْ [40].
و فی ص وَ ما یَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَیْحَةً [15]. و فی الزخرف وَ هُوَ الَّذِی فِی السَّماءِ إِلهٌ [84].
و أما الثلاثة المختلف فیهن:
فأولها فی البقرة مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما [282] قراءة حمزة بكسر الهمزتین، و الباقون بكسر الأولی و فتح الثانیة «1».
______________________________
(1) قوله: (أن تضل) قرأ حمزة بكسر (إن) علی أنها شرطیة، و الباقون بفتحها، علی أنها المصدریة الناصبة، فأما القراءة الأولی، فجواب الشرط فیها قوله: (فتذكر)، و ذلك أن حمزة- رحمه الله- یقرأ: (فتذكر) بتشدید الكاف و رفع الراء؛ فصح أن تكون الفاء و ما فی
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 358
______________________________
- حیزها جوابا للشرط، و رفع الفعل؛ لأنه علی إضمار مبتدأ، أی: فهی تذكر، و علی هذه القراءة فجملة الشرط و الجزاء: هل لها محل من الإعراب أم لا؟
قال ابن عطیة: إن محلها الرفع صفة (لامرأتین)، و قوله: (ممن ترضون) صفة لقوله:
(فرجل و امرأتان).
قال أبو حیان- رحمه الله-: (فصار نظیر: جاءنی رجل و امرأتان عقلاء حبلیان)، و فی جواز مثل هذا التركیب نظر، بل الذی تقتضیه الأقیسة تقدیم (حبلیان) علی (عقلاء)، و أما إذا قیل بأن (ممن ترضون) بدل من «رجالكم»، أو متعلق ب «استشهدوا»، فیتعذر جعله صفة لامرأتین؛ للزوم الفصل بین الصفة و الموصوف بأجنبی.
قال شهاب الدین- رحمه الله-: و ابن عطیة لم یبتدع هذا الإعراب، بل سبقه إلیه الواحدی فإنه قال: و موضع الشرط و جوابه رفع بكونهما وصفا للمذكورین و هما (امرأتان) فی قوله: (فرجل و امرأتان)؛ لأن الشرط و الجزاء یوصف بهما، كما یوصف بهما فی قوله الَّذِینَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِی الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ [الحج: 41].
و الظاهر: أن هذه الجملة الشرطیة مستأنفة للإخبار بهذا الحكم، و هی جواب لسؤال مقدر، كأن قائلا قال: ما بال امرأتین جعلتا بمنزلة رجل؟ فأجیب بهذه الجملة.
و أما القراءة الثانیة: ف (أن) فیها مصدریة ناصبة للفعل بعدها، و الفتحة فیه حركة إعراب، بخلافها فی قراءة حمزة؛ فإنها فتحة التقاء ساكنین؛ إذ اللام الأولی ساكنة للإدغام فی الثانیة، مسكنة للجزم، و لا یمكن إدغام فی ساكن؛ فحركنا الثانیة بالفتحة هربا من التقائهما، و كانت الحركة فتحة؛ لأنها أخف الحركات، و «أن» و ما فی حیزها فی محل نصب، أو جر بعد حذف حرف الجر، و هی لام العلة، و التقدیر: لأن تضل، أو إرادة أن تضل.
و فی متعلّق هذا الجار ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه فعل مضمر دل علیه الكلام السابق؛ إذ التقدیر: فاستشهدوا رجلا و امرأتین؛ لئلا تضل إحداهما، و دل علی هذا الفعل قوله: (فإن لم یكونا رجلین، فرجل و امرأتان) قاله الواحدی و لا حاجة إلیه؛ لأن الرافع ل «رجل» و «امرأتین» مغن عن تقدیر شی‌ء آخر، و كذلك الخبر المقدر لقولك: (فرجل و امرأتان)؛ إذ تقدیر الأول: فلیشهد رجل، و تقدیر الثانی: فرجل و امرأتان یشهدون؛ لأن تضل. و هذان التقدیران هما الوجه الثانی و الثالث من الثلاثة المذكورة.
فإن قیل: هل جعل ضلال إحداهما علة لتطلب الإشهاد، أو مراد الله تعالی علی حسب التقدیرین المذكورین أولا؟
و قد أجاب سیبویه- رحمه الله- و غیره بأن الضلال لما كان سببا للإذكار، و الإذكار مسبّبا عنه، و هم ینزلون كل واحد من السبب و المسبب منزلة الآخر لالتباسهما، و اتصالهما- كانت إرادة الضلال المسبب عنه الإذكار: إرادة للإذكار. فكأنه قیل: إرادة أن تذكر إحداهما الأخری إن ضلت، و نظیره قولهم: أعددت الخشبة أن یمیل الحائط فأدعمه، و أعددت السلاح أن یجی‌ء عدو فأدفعه، فلیس إعدادك الخشبة؛ لأن یمیل الحائط، و لا إعدادك السلاح لأن یجی‌ء العدو، و إنما للإدغام إذا مال، و للدفع إذا جاء العدو، و هذا
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 359
______________________________
مما یعود إلیه المعنی و یهجر فیه جانب اللفظ.
و قد ذهب الجرجانی فی هذه الآیة الكریمة إلی أن التقدیر: مخافة أن تضل، و أنشد قول عمرو:
................فعجلنا القری أن تشتمونا أی: (مخافة أن تشتمونا)، و هذا صحیح لو اقتصر علیه من غیر أن یعطف علیه قوله:
(فتذكر)؛ لأنه كان التقدیر: فاستشهدوا رجلا و امرأتین، مخافة أن تضل إحداهما، و لكن عطف قوله: (فتذكر) یفسده؛ إذ یصیر التقدیر: مخافة أن تذكر إحداهما الأخری، و إذكار إحداهما الأخری لیس مخوفا منه، بل هو المقصود.
و قال أبو جعفر: (سمعت علی بن سلیمان یحكی عن أبی العباس أن التقدیر: كراهة أن تضل).
قال أبو جعفر- رحمه الله تعالی-: (و هو غلط؛ إذ یصیر المعنی: كراهة أن تذكر احداها الأخری).
و ذهب الفراء إلی أن تقدیر الآیة الكریمة: (كی تذكر إحداها الأخری إن ضلت)، فلما قدم الجزاء اتصل بما قبله ففتحت (أن).
قال: و مثله من الكلام: (إنه لیعجبنی أن یسأل السائل فیعطی) معناه: إنه لیعجبنی أن یعطی السائل إن سأل؛ لأنه إنما یعجب الإعطاء لا السؤال، فلما قدموا السؤال علی العطیة أصحبوه «أن» المفتوحة لینكشف المعنی، فعنده (أن) فی (أن تضل) للجزاء، إلا أنه قدم و فتح، و أصله التأخیر.
ورد البصریون هذا القول أبلغ رد:
قال الزجاج: (لست أدری لم صار الجزاء إذا تقدم و هو فی مكانه و غیر مكانه یوجب فتح (أن).
و قال الفارسی: ما ذكره الفراء دعوی لا دلالة علیها، و القیاس یفسدها؛ أ لا تری أنا نجد الحرف العامل إذا تغیرت حركته، لم یوجب ذلك تغیرا فی عمله و لا معناه، كما روی أبو الحسن من فتح اللام الجارة مع المظهر عن یونس، و أبی عبیدة، و خلف الأحمر؟! فكما أن هذه اللام لما فتحت لم یتغیر من عملها و معناها شی‌ء، كذلك: (إن) الجزائیة ینبغی إذا فتحت ألا یتغیر عملها و لا معناها، و مما یبعده أیضا أنا نجد الحرف العامل لا یتغیر عمله بالتقدیم و لا بالتأخیر، تقول (مررت بزید)، و تقول: (بزید مررت)، فلم یتغیر عمل الباء بتقدیمها من تأخیر.
و أجاب ابن الخطیب فقال: هاهنا غرضان:
أحدهما: حصول الإشهاد، و هذا لا یتأتی إلا بتذكیر إحدی المرأتین.
و الثانی: بیان تفضیل الرجل علی المرأة حتی یبین أن إقامة المرأتین مقام الرجل الواحد هو العدل فی القضیة، و ذلك لا یتأتی إلا بضلال إحدی المرأتین، و إذا كان كل واحد من هذین- أعنی الإشهاد، و بیان فضل الرجل علی المرأة- مقصودا؛ فلا سبیل إلی ذلك إلا بإضلال إحداهما و تذكّر الأخری، لا جرم صار هذان الأمران مطلوبین.
اللباب (4/ 489- 492).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 360
و الثانی و الثالث فی الأحزاب:
لِلنَّبِیِّ إِنْ أَرادَ [50] و بُیُوتَ النَّبِیِّ إِلَّا [53].
قرأهما ورش بهمز «النبی» فتلتقی همزتان مكسورتان، و الباقون بیاء مشددة.
قال الحافظ: «فقنبل و ورش یجعلان الثانیة كالیاء الساكنة ...» إلی آخر كلامه.
و مراده أنهما یجعلانها بین الهمزة و الیاء، و كذا قوله عن قالون و البزی: «یجعلان الأولی كالیاء المكسورة».
یرید بین الهمزة و الیاء، و كذا نص فی كتاب «الإیضاح» فقال ما نصه: «فقرأ ابن كثیر فی روایة قنبل، و نافع فی روایة ورش بتحقیق الهمزة الأولی و تسهیل الثانیة؛ فتكون فی اللفظ كأنها یاء ساكنة و هی فی الحقیقة بین الهمزة و الیاء الساكنة».
و یدل علی أنه أراد هذا قوله فی «التیسیر»: «كالیاء» فجاء بكاف التشبیه؛ لأن الهمزة المسهلة إذا كانت مكسورة ففیها شبه من الیاء، و لیست یاء خالصة، و یدل علیه أیضا قوله آخر الباب: «و حكم تسهیل الهمزة فی البابین أن تجعل بین الهمزة و بین الحرف الذی منه حركتها ...» إلی آخر كلامه.
یعنی بالبابین: هذا الباب و الباب الذی قبله.
و قوله فی الهمزة الثانیة: «كالیاء الساكنة». لا ینبغی أن یفهم منه أن همزة بین بین تكون ساكنة بل لا بد من تحریكها، و إنما أراد أنها تجعل بین الهمزة و الیاء التی هی حرف مد، كما أن المضمومة إذا سهلت تجعل بین الهمزة و الواو التی هی حرف مد، فالساكنة هنا وصف للیاء المشبهة بها لا للهمزة الملینة، و یدل علی صحة ذلك أن أصل هذه الهمزة الكسر، فإذا سهلت بین بین فقد غیرت تغییرا یخصها فی ذاتها، فلو سكنت لكان إسكانها تغییرا ثانیا یلحقها فی صفتها العارضة لها و هو غیر التغییر الأول، و لا تلازم بین هذین التغییرین، و إذا كان كذلك لم یلزم من حصول أحدهما حصول الآخر، فلو أرادهما معا لنص علیهما، و هو لم یرد إلا التغییر الأول خاصة، و یدل علی صحة هذا أیضا أن همزة بین بین لا تسكن عند الحذاق من النحویین و جلة المقرئین، و هذا موجود فی كلام الحافظ و غیره؛ و لهذا لم تسهل قط الهمزة التی أصلها السكون بین بین، و إنما تسهل بالبدل الخالص، و أیضا فلو سكنت مع التسهیل؛ لأدی ذلك إلی التقاء الساكنین فی كل موضع یكون بعد الهمزة الثانیة حرف
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 361
ساكن نحو هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ [البقرة: 31] و وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ [هود: 71] و وَ لا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَ [الأحزاب: 55] و هو قبیح إذا لم یكن الأول حرف مد و الثانی مدغما كما تقدم فی باب الإدغام الكبیر.
فإن قیل: فقد ذكر عن ورش و قنبل إبدال هذه الهمزة یاء خالصة ساكنة و فیه التقاء الساكنین؟
فالجواب: أنه أیضا ضعیف، و هو مع ذلك أشبه إذا كان الساكن الأول حرف مد.
فأما إذا كان الساكن الأول همزة مسهلة لو جوزنا إسكانها فلیست بحرف مد، و كذلك إذا وقعت الهمزة طرفا، فإنه لا یوقف علیها إذا سهلت بین بین إلا بالروم، نحو یَشاءُ [البقرة: 90] و مِنَ الْماءِ [الأنبیاء: 30] و لا یجوز ذلك فی حروف المد، و لا یصح الاحتجاج علی أنها حرف مد بامتناع العرب من الابتداء بها، و بامتناع وقوعها مفتوحة بعد كسرة أو ضمة نحو إِنَّ شانِئَكَ [الكوثر: 3] و یُؤَلِّفُ [النور: 43] و لكن العرب حكمت لها فی هذه المواضع بحكم حرف المد؛ لما فیها من شبه حرف المد.
و أیضا فقد نص الحافظ و غیره علی أن الهمزة المسهلة بزنة المحققة و هو قول سیبویه، و لو كانت مدّا لكان زمان النطق بها أطول من زمان النطق بالمحققة. قال سیبویه: «و المخففة فیما ذكر بمنزلتها محققة فی الزنة، یدلك علی ذلك قول الأعشی: [من البسیط]
أأن رأت رجلا أعشی أضرّ به‌ریب المنون و دهر متبل خبل «1» فلو لم تكن بزنتها محققة لانكسر البیت». ثم قال بعد كلام: «و المخففة بزنتها محققة، و لو لا ذلك لكان هذا البیت منكسرا إذا خففت الأولی أو الآخرة: [من الرمل]
كل غراء إذا ما برزت................
انتهی كلامه.
و تمام هذا البیت:
..............ترهب العین علیها و الحسد
______________________________
(1) البیت فی دیوانه ص (107) و مقاییس اللغة (1/ 363) و مجمل اللغة (1/ 344) و بلا نسبة فی كتاب العین (8/ 124).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 362
فإن قیل: هذا كله بین إلا أمرا واحدا و هو سبب الإشكال فی كلام الحافظ، و هو تفریقه فی العبارة بین الهمزة الأولی و الثانیة، فقال فی تسهیل الأولی: «كالیاء المكسورة»، و قال فی الثانیة: «كالیاء الساكنة»؟.
فالجواب: أن عبارته وقعت كما تری لیشعر بحال كل واحدة منهما فی مقدار حركتها، و ذلك أن الأولی إذا سهلت مكنت حركتها؛ لأنها بعد حرف مد و إلا أشبه التقاء الساكنین. و أما الثانیة فإذا سهلت اختلست حركتها أو أخفیت هربا من الثقل؛ لأن قبلها همزة محركة، فلو مكنت حركتها مع أنها «1» كانت مسهلة تشبه المحققة، لكان فیه شبه من اجتماع محققتین محركتین و الله أعلم.
و قول الحافظ: «فقنبل، و ورش [یجعلان] «2» الثانیة كالیاء الساكنة» یقتضی أن ورشا یفعل ذلك فی جمیع ما ورد منه فی القرآن.
و قوله: «و أخذ علی ابن خاقان» یقتضی فی هذین الموضعین خاصة أحد أمرین:
إما أن یقرأ لورش بالیاء المكسورة قولا واحدا؛ فیكون فی حكم الاستثناء المطلق من جمیع الفصل.
و إما أن یقرأ لورش بالوجهین، أعنی یسهل بین بین كسائر الفصل و بالبدل أیضا؛ فیكون فی حكم الاستثناء المخصوص بروایة ابن خاقان، فینبغی أن یبحث عن تحقیق مذهبه فی كتاب «التیسیر»: فاعلم أنه إنما أسند قراءته بروایة ورش فی «التیسیر» عن ابن خاقان لا غیر، و ابن خاقان هو الذی استثنی له هذین الموضعین، فعلی هذا لیس فی «التیسیر» فی هذین الموضعین فی قراءة ورش إلا البدل.
و ذكر فی «المفردات» أنه قرأ هكذا علی ابن غلبون، و ابن خاقان، و أبی الفتح بجعل الثانیة یاء مكسورة بدلا من الهمزة فی هذین الموضعین، و حاصل قوله فی «التمهید» أنه قرأ علی هؤلاء الأشیاخ الثلاثة بالوجهین، أعنی بجعل الهمزة الثانیة كالیاء المكسورة فی الموضعین، و بجعلها بین بین.
و قال: «و بهما آخذ» إلا أن فی عبارته فی «التمهید» مسامحة؛ فإنه قال فیه: «كالیاء المكسورة» و هو یعنی یاء مكسورة؛ فكان ینبغی ألا یأتی بكاف التشبیه؛ لأن الكاف لا تعطی تحقیق البدل و إنما تعطی تسهیل الهمزة بین بین، فتأمله.
______________________________
(1) زاد فی ب: و إن.
(2) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 363
و ظاهر مذهبه فی «التیسیر» الأخذ بجعلها یاء مكسورة فی الموضعین، و الله أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله-: «فإذا اتفقتا بالفتح».
اعلم أن الذی ورد فی هذا النوع فی القرآن تسعة و عشرون موضعا: منها فی النساء وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ [5] أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ [43]، و فی المائدة أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ [6] و فی الأنعام حَتَّی إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [61] و فی الأعراف فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ [34] و تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ [47] و فی سورة یونس صلی الله علیه و سلم إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ [49] و فی سورة هود صلی الله علیه و سلم حَتَّی إِذا جاءَ أَمْرُنا [40] و وَ لَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّیْنا هُوداً [58] و فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّیْنا صالِحاً [66] و قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ [76] فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا [82] و وَ لَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّیْنا شُعَیْباً [94] و لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ [101] و فی الحجر فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ [61] و وَ جاءَ أَهْلُ الْمَدِینَةِ [67] و فی النحل فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ [61] و فی الحج وَ یُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ [65] و فی «قد أفلح» فَإِذا جاءَ أَمْرُنا [المؤمنون: 27] [و] حَتَّی إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ [99] و فی الفرقان إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ یَتَّخِذَ [57] و فی الأحزاب إِنْ شاءَ أَوْ یَتُوبَ [24] و فی فاطر فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ [45] و فی غافر فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ [78] و فی القتال فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها [محمد: 18] و فی القمر وَ لَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ [41] و فی الحدید حَتَّی جاءَ أَمْرُ اللَّهِ [14] و فی المنافقین إِذا جاءَ أَجَلُها [11] و فی «عبس» إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ [22].
و ذكر الحافظ المتفقتین بالضم و هو موضع واحد كما ذكر، و ذكر القراءات، و حاصلها فی جمیع ما تقدم أن الكوفیین و ابن عامر یحققون الهمزتین فی جمیع الأنواع الثلاثة، و ورشا و قنبلا یسهلان الثانیة بجعلها بین الهمزة و الحرف الذی منه حركتها فتكون المكسورة بین الهمزة و الیاء، و المفتوحة بین الهمزة و الألف، و المضمومة بین الهمزة و الواو.
و قد تقدم القول فی حرفی البقرة و النور، و هما قوله تعالی فی سورة البقرة هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ [الآیة: 31]، و فی سورة النور قوله- تعالی-: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَیاتِكُمْ عَلَی الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً «1» [الآیة: 33] یعنی: أن ورشا روی عنه أنه كان یبدل
______________________________
(1) قال ابن منظور فی لسان العرب: (و أما الهمزتان إذا كانتا مكسورتین نحو قوله: عَلَی الْبِغاءِ-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 364
الهمزة الثانیة فی هذین اللفظین یاء مكسورة.
و أبو عمرو یسقط الهمزة الأولی فی الأنواع الثلاثة، و قالون و البزی یسقطان الأولی فی المفتوحتین خاصة و یسهلان الأولی من المكسورتین بین الهمزة و الیاء، و الأولی من المضمومتین بین الهمزة و الواو.
وافق الشیخ، و الإمام علی كل ما تقدم فی الباب، إلا ما رواه عن ابن خاقان فی الحرفین من جعل الثانیة یاء مكسورة.
و زاد عن ورش و قنبل إبدال الثانیة حرفا ساكنا من جنس حركة الأولی، و رجح الإمام التسهیل.
و رجح الشیخ البدل لورش و التسهیل لقنبل.
و قد ذكر الحافظ فی «التمهید» و غیره البدل عن ورش فی الباب كله، غیر أنه لم یعول علیه فی «التیسیر» و الله- تعالی- أعلم.
و اعلم أنك إذا وقفت علی الكلمة الأولی فلا خلاف بین الحرمیّین و أبی عمرو فی إثبات همزتها محققة، كما أنك إذا بدأت بالثانیة فلا خلاف أیضا بین الجماعة فی تحقیق همزتها، و إنما یكون التسهیل الذی ذكر أو الحذف فی الوصل.
و لیس فی القرآن عن أحد من القراء همزة تسقط أو تسهل فی الوصل و تثبت محققة فی الوقف إلا ما ذكر فی هذا الباب عن أبی عمرو، و عن قالون، و البزی، و الله أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و متی سهلت الهمزة الأولی ...» إلی آخره.
یرید أن ما وجب [لحرف] «1» المد من الزیادة من أجل الهمزة لا یزول بزوال
______________________________
- إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً [النور: 33]، و إذا كانتا مضمومتین نحو قوله: (أولیاء أولئك)- فإن أبا عمرو یخفف الهمزة الأولی منهما، فیقول: «علی البغا إن»، و «أولیا أولئك»، فیجعل الهمزة الأولی فی «البغاء» بین الهمزة و الیاء و یكسرها، و یجعل الهمزة فی قوله: «أولیاء أولئك»، الأولی بین الواو و الهمزة و یضمها.
قال: و جملة ما قاله فی مثل هذه ثلاثة أقوال: أحدها- و هو مذهب الخلیل- أن یجعل مكان الهمزة الثانیة همزة بین بین، فإذا كان مضموما جعل الهمزة بین الواو و الهمزة. قال:
«أولیاء أولئك»، «علی البغاء إن».
و أما أبو عمرو فیقرأ علی ما ذكرنا، و أما ابن أبی إسحاق و جماعة من القراء فإنهم یجمعون بین الهمزتین.
لسان العرب (1/ 22- 23).
(1) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 365
الهمزة فی مذهب من أسقطها، و لا بتسهیلها فی مذهب من سهلها؛ لأن زوالها فی الوصل بالحذف، أو بالتسهیل عارض فلا یعتد به.
و قوله: «و یجوز أن تقصر الألف؛ لعدم الهمزة لفظا».
یرید علی رأی من یعتد بالعارض.
و قوله: «و الأول أوجه».
یرید إبقاء التمكین و ترك الاعتداد بالعارض.
قال الحافظ- رحمه الله-: «فإذا اختلفتا علی أی حال كان».
قد تقدم أن الذی وجد فی القرآن من الهمزتین المختلفتی الحركة من هذا الباب خمسة أقسام، و أذكرها لك الآن بحول الله علی التفصیل:
القسم الأول: مفتوحة و مضمومة، و هو موضع واحد فی القرآن، و هو «1» جاءَ أُمَّةً فی «قد أفلح» [المؤمنون: 44].
القسم الثانی: مفتوحة و مكسورة و جملته فی القرآن تسعة عشر موضعا:
منها موضعان بخلاف و هما: زَكَرِیَّا إِذْ نادی فی «كهیعص» [1- 2] و فی سورة الأنبیاء علیهم السلام [89]: قرأ حفص و حمزة و الكسائی زَكَرِیَّا بغیر همز و الباقون بالهمز.
و باقی المواضع متفق علیها:
منها فی البقرة: شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ [133]. و فی المائدة وَ الْبَغْضاءَ إِلی یَوْمِ الْقِیامَةِ وَ سَوْفَ یُنَبِّئُهُمُ [14]، و وَ الْبَغْضاءَ إِلی یَوْمِ الْقِیامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا [64]، و عَنْ أَشْیاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ [101]. و فی الأنعام شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ [144]. و فی التوبة أَوْلِیاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا [23]، و مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ حَكِیمٌ [28]. و فی سورة یونس علیه السلام شُرَكاءَ إِنْ یَتَّبِعُونَ [66]. و فی سورة یوسف علیه السلام وَ الْفَحْشاءَ إِنَّهُ [24]، و وَ جاءَ إِخْوَةُ [58]. و فی الكهف أَوْلِیاءَ إِنَّا أَعْتَدْنا [102]. و فی سورة الأنبیاء علیهم السلام الدُّعاءَ إِذا ما یُنْذَرُونَ [45]. و فی الشعراء نَبَأَ إِبْراهِیمَ [69]. و فی النمل الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا [80]. و فی الروم الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا [52]. و فی «الم» السجدة الْماءَ إِلَی الْأَرْضِ [27]. و فی
______________________________
(1) زاد فی ب: موضع.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 366
الحجرات حَتَّی تَفِی‌ءَ إِلی أَمْرِ اللَّهِ [9].
القسم الثالث: مضمومة و مفتوحة، و جملته فی القرآن ثلاثة عشر موضعا.
منها موضعان فی قراءة نافع وحده و هما فی الأحزاب:
النَّبِیُّ أَوْلی بِالْمُؤْمِنِینَ [6]، و إِنْ أَرادَ النَّبِیُّ أَنْ یَسْتَنْكِحَها [50].
و باقی المواضع متفق علیها:
منها فی البقرة:
السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ [13]، و فی الأعراف لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ [100]، و وَ تَهْدِی مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِیُّنا [155]، و فی التوبة زُیِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ [37]، و فی سورة هود علیه السلام وَ یا سَماءُ أَقْلِعِی [44]، و فی سورة یوسف علیه السلام یا أَیُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِی [43]، و فی سورة إبراهیم علیه السلام وَ یَفْعَلُ اللَّهُ ما یَشاءُ أَ لَمْ تَرَ [27- 28]، و فی النمل یا أَیُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِی [32] و یا أَیُّهَا الْمَلَؤُا أَیُّكُمْ یَأْتِینِی [38]، و فی «فصلت» جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ [28]، و فی الممتحنة وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً [4].
القسم الرابع: مكسورة و مفتوحة، و جملته فی القرآن ستة عشر موضعا منها موضع واحد بخلاف و هو فی البقرة مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَ [282]، قرأه حمزة بكسر الهمزة الثانیة و قد تقدم، و قرأه الباقون بفتحها.
و البواقی متفق علیها:
منها فی البقرة: مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ [235]، و فی النساء هؤُلاءِ أَهْدی [51]، و فی الأعراف لا یَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَ تَقُولُونَ [28]، و هؤُلاءِ أَضَلُّونا [38]. و مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا [50]. و فی الأنفال مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا [32]، و فی سورة یوسف علیه السلام قَبْلَ وِعاءِ أَخِیهِ [76] و مِنْ وِعاءِ أَخِیهِ [76]، و فی سورة الأنبیاء علیهم السلام لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً [99]، و فی الفرقان هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا [17] و مَطَرَ السَّوْءِ أَ فَلَمْ [40]، و فی الشعراء مِنَ السَّماءِ آیَةً [4]، و فی الأحزاب وَ لا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَ [55]، و فی الملك فِی السَّماءِ أَنْ یَخْسِفَ [16]. و مَنْ فِی السَّماءِ أَنْ یُرْسِلَ [17].
القسم الخامس: مضمومة و مكسورة، و جملته فی القرآن سبعة و عشرون موضعا:
منها خمسة بخلاف:
أولها: یا زَكَرِیَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ فی «كهیعص» [مریم: 7]، قرأ حفص و حمزة
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 367
و الكسائی یا زَكَرِیَّا بغیر همز، و الباقون بالهمز.
و الثانی: یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ، و الثالث: یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ فی الأحزاب [45، 50].
و الرابع یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ فی الممتحنة [12].
و الخامس یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا طَلَّقْتُمُ فی الطلاق [1] قرأ نافع (النبی‌ء) بالهمز، و الباقون بغیر همز.
و البواقی متفق علیها:
منها فی البقرة: مَنْ یَشاءُ إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ [142] و كذلك مَنْ یَشاءُ إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ أَمْ حَسِبْتُمْ [213- 214]. و وَ لا یَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا [282].
و فی آل عمران مَنْ یَشاءُ إِنَّ فِی ذلِكَ [13] و یَخْلُقُ ما یَشاءُ إِذا قَضی أَمْراً [47].
و فی الأنعام مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِیمٌ عَلِیمٌ [83]، و فی الأعراف وَ ما مَسَّنِیَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِیرٌ [188]، و فی سورة یونس علیه السلام وَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ [25]، و فی سورة هود علیه السلام ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِیمُ [87]، و فی سورة یوسف علیه السلام لِما یَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِیمُ [100]، و فی الحج ما نَشاءُ إِلی أَجَلٍ [5]، و فی النور شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ [6] و ما یَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلی كُلِّ شَیْ‌ءٍ قَدِیرٌ [45] و مَنْ یَشاءُ إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ [46]، و فی النمل یا أَیُّهَا الْمَلَأُ إِنِّی أُلْقِیَ [29]، و فی فاطر یَزِیدُ فِی الْخَلْقِ ما یَشاءُ إِنَّ اللَّهَ [1] و أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَی اللَّهِ [15] و الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ غَفُورٌ [28] و السَّیِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [43]، و فی الشوری بِقَدَرٍ ما یَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِیرٌ [الآیة: 27]، لِمَنْ یَشاءُ إِناثاً [الآیة: 49]، ما یَشاءُ إِنَّهُ عَلِیٌّ حَكِیمٌ [الآیة: 51].
و لیس فی القرآن همزة مكسورة بعدها مضمومة.
و اتفق الكوفیون و ابن عامر علی تحقیق الهمزتین فی هذه الأقسام الخمسة «1».
______________________________
(1) أجمل ابن منظور القول فی هذه الأقسام الخمسة، فقال: و أما اختلاف الهمزتین نحو قوله تعالی: كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا [البقرة: 13]، فأكثر القراء علی تحقیق الهمزتین، و أما أبو عمرو فإنه یحقق الهمزة الثانیة فی روایة سیبویه، و یخفف الأولی فیجعلها بین الواو و الهمزة، فیقول: «السفهاء ألا»، و یقرأ مَنْ فِی السَّماءِ أَنْ [الملك: 16]، فیحقق الثانیة،
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 368
و اتفق الحرمیان، و أبو عمرو علی تحقیق الأولی، و تسهیل الثانیة فتجعل فی القسم الأول بین الهمزة و الواو، و فی الثانی بین الهمزة و الیاء، و تبدل فی الثالث واوا خالصة، و تبدل فی الرابع یاء خالصة، و منعوا فی هذین القسمین أن تكون بین الهمزة و الألف علی حركتها؛ لأنها إذا كانت بین الهمزة و الألف تجری فی هذا الحكم مجری الألف الخالصة فكما أن الألف الخالصة، لا تقع بعد كسرة و لا بعد ضمة، فكذلك التزموا فیما أشبه الألف؛ فلذلك عدلوا إلی البدل الخالص إذ لا یمتنع وقوع الیاء الخالصة بعد الكسرة، و لا وقوع الواو الخالصة بعد الضمة.
و أما القسم الخامس: فیسهل بین الهمزة و الیاء.
قال الحافظ: «و هو مذهب النحویین و هو أقیس».
و زاد الإمام و الحافظ «أنها تبدل واوا علی حركة ما قبلها».
قال الحافظ: «و هو مذهب القراء و هو آثر».
یعنی: أنه أكثر استعمالا عند القراء، و ذكر الإمام أن بعضهم یجعلها بین الهمزة و الواو.
و قال «و الأول أحسن» یعنی: جعلها بین الهمزة و الیاء.
و لم یذكر الشیخ إلا جعلها بین الهمزة و الیاء خاصة، و الله [سبحانه أعلی] «1» و أعلم.
و قول الحافظ: «و التسهیل لإحدی الهمزتین فی هذا الباب إنما یكون فی حال الوصل».
یرید: إذا وقفت علی الكلمة الأولی، و بدأت بالثانیة حققت الأولی لكل من سهلها فی الوصل أو حققها، إلا لحمزة و هشام فإنهما یسهلانها فی الوقف.
و أما الهمزة الثانیة فلا خلاف فی تحقیقها فی الابتداء.
و قوله: «لكون التلاصق فیه».
«الكون» هنا بمعنی الوجود و الحصول، و عند حصول الهمزتین المتلاصقتین فی
______________________________
- و أما سیبویه و الخلیل فیقولان: السفهاء، و لا یجعلان الهمزة الثانیة واوا خالصة، و فی قوله تعالی: أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِی السَّماءِ [الملك: 16]، یاء خالصة، و الله أعلم.
ینظر لسان العرب (1/ 23).
(1) سقط فی ب.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 369
اللفظ یتضاعف الثقل؛ فاحتیج إلی التسهیل طلبا للتخفیف.
و قوله: «و حكم تسهیل الهمزة فی البابین».
یرید فی هذا الباب، و الباب الذی قبله- أن تجعل بین الهمزة، و بین الحرف الذی منه حركتها».
هذا القول یقتضی أن یكون فی أَ أَنْذَرْتَهُمْ [البقرة: 6] و بابه، فی قراءة ورش بین الهمزة و الألف؛ لأنها مفتوحة بعد فتحة، و قد تقدم القول فیه.
و قوله: «ما لم ینفتح أو ینكسر ما قبلها».
یرید نحو مِنَ الْماءِ أَوْ [الأعراف: 50] و هو القسم الرابع.
قال: «أو ینضم».
یرید نحو السُّفَهاءُ أَلا [البقرة: 13] و هو القسم الثالث.
و كلامه إلی آخر الباب بین، و قد مر بیان مقتضاه، و الله تعالی أعلم.

باب ذكر الهمزة المفردة

اشارة

اعلم أن مذاهب القراء فی الهمزة المفردة علی الجملة أربعة:
الأول: تحقیق الهمزات كلها فی الوصل و تسهیلها فی الوقف، و هو مذهب حمزة، و یوافقه هشام فی الهمزة المتطرفة، علی ما یأتی بحول الله تعالی.
الثانی: تحقیق بعض الهمزات فی الحالین و تسهیل بعضها فی الحالین، و هو مذهب ورش، و أبی عمرو فی بعض الهمزات السواكن.
الثالث: تحقیق بعض الهمزات المتحركات فی الابتداء، و تسهیلها فی الوصل، و هو مذهب اختص به ورش.
الرابع: تحقیق جمیع الهمزات فی الحالین، و هو مذهب الباقین من القراء، إلا مواضع قلیلة یسهلها بعضهم، حسبما هو مذكور فی فرش الحروف.
قال الحافظ- رحمه الله- «اعلم أن ورشا كان یسهل الهمزة المفردة سواء سكنت أو تحركت إذا كانت فی موضع الفاء من الفعل».
اعلم أن الهمزة المفردة تنقسم إلی متحركة و ساكنة.
أما الساكنة فتكون فاء و عینا و لاما.
فإذا كانت فاء فورش یسهلها فی جمیع القرآن إلا فی أصل واحد و هو ما تصرف
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 370
من لفظ «المأوی» نحو مَأْواكُمُ و مَأْواهُمُ و فَأْوُوا و وَ تُؤْوِی و تُؤْوِیهِ حیث وقع، فإنه یحقق همزه و ما عدا هذا الأصل فإنه یبدله بعد الفتحة ألفا نحو تَأْلَمُونَ و یَأْلَمُونَ و مَأْمَنَهُ و اسْتَأْذَنَكَ و یَسْتَأْخِرُونَ و الْمُسْتَأْخِرِینَ و وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ، و یاء بعد الكسرة نحو (الذی ایتمن) و أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ و واوا بعد الضمة نحو یُؤْمِنَ و یُؤْثِرُونَ و الْمُؤْتُونَ و كذلك اؤْتُمِنَ إذا ابتدأ به.
فإذا كانت الهمزة الساكنة عینا فإنه یحققها أبدا إلا فی «بیر» و «الذیب» وَ بِئْسَ و بِعَذابٍ بَئِیسٍ حیث وقع.
و كذلك إن كانت لاما حققها أبدا.
و أما الهمزة المتحركة فإنه لا یسهلها إلا بأربعة شروط:
الأول: أن تكون فاء الكلمة.
الثانی: أن تكون مفتوحة.
الثالث: أن یكون قبلها ضمة.
الرابع: أن تكون الضمة فی حرف زائد حاصل فی بنیة الكلمة.
و جملته فی القرآن ثلاثة أسماء، و مضارع أفعال، فالأسماء: مُؤَذِّنٌ [الأعراف: 44] و مُؤَجَّلًا [آل عمران: 145] و الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ [التوبة:
60]، و الأفعال: یُؤَیِّدُ [آل عمران: 13] و یُؤَلِّفُ [النور: 43] و یَؤُدُهُ [آل عمران: 75] كیفما جاء، و یُؤَخِّرَ [المنافقون: 11] كیفما جاء أیضا لا غیر.
فإن كانت الهمزة المتحركة عینا لم یسهلها نحو وَ الْفُؤادَ [الإسراء: 36] إلا ما كان من لفظة أَ رَأَیْتَ [الكهف: 63] فإنه یجعلها بین الهمزة و الألف، و كذلك إن كانت لاما لم یسهلها إلا فی موضعین:
أحدهما: (النسیّ) فإنه یبدل من الهمزة یاء، و یدغم ما قبلها فیها.
و الثانی: (ردا)، فإنه ینقل الحركة إلی الدال كما هو مذكور فی سورة القصص.
وافقه قالون فی هذا الحرف الأخیر و فی أَ رَأَیْتَ علی التسهیل.
فإذا عرفت هذا: فاعلم أن إطلاق الحافظ التسهیل علی الهمزة الساكنة الواقعة فی موضع الفاء حسن؛ لأنها تسهل كما قال فی باب الإیواء كما تقدم.
و أما إطلاقه فی المتحركة فكان ینبغی له ألا یفعل؛ لأن الذی یسهل منها یسیر،
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 371
و هو ما ذكرته لك.
أ لا تری أنه دخل علیه كل همزة هی فاء الكلمة سواء كانت مفتوحة، أو مكسورة، أو مضمومة، و سواء كانت بعد ضمة من نفس الكلمة كما ذكرت لك أو لم تكن نحو آمَنَ [البقرة: 13] و فَأَخَذَهُمْ [الحاقة: 10] و أَجَلٌ [الأنعام: 60] و بِأَمْرِنا [الأنبیاء: 73] و مَآرِبُ [طه: 18] و لَبِإِمامٍ [الحجر: 79] و أُخِذُوا [الأحزاب: 61] و أُمِرُوا [البینة: 5] و أُحِلَّتْ [النساء: 160] إلی غیر ذلك، و إخراج القلیل بالاستثناء و إبقاء الكثیر أولی من العكس، و الله تعالی أعلم.
و ذكر الحافظ فی المتحركة لا تُؤاخِذْنا [البقرة: 286]، و قد ذكر فی «إیجاز البیان» أنه من «و اخذ»، و قد تقدم هذا فی باب المد إذا كانت الهمزة قبل حرف المد، فعلی هذا لا یكون «یواخذ» من هذا الباب؛ فلا یحتاج أن یذكره فیما یسهّل ورش، بل كان ینبغی أن ینبه علی أن أصله فی قراءة ورش الواو، و الله عز و جل أعلم.
و قوله: «و استثنی من الساكنة ... كذا».
قد تقدم، و هو استثناء الأقل و إبقاء الأكثر، و هو حسن.
و قوله: «و من المتحركة ... كذا».
فیه من استثناء الأكثر و إبقاء الأقل كما تقدم.
و امتنع تسهیل هذه الحركة بین الهمزة و الألف و إن كانت مفتوحة؛ لأجل الضمة التی قبلها- علی ما تقدم فی الباب قبل هذا- و لزم إبدالها واوا خالصة لذلك، و كتبت بالواو؛ رعیا للتسهیل.
و قوله: «و الباقون یحققون الهمزة فی ذلك كله».
لیس هذا علی إطلاقه؛ لأن أبا عمرو یسهل كل ما ذكر من الهمزات السواكن، و حمزة إذا وقف یسهل كل ما ذكر من الساكنة و المتحركة.
و قوله: «و لأبی عمرو و حمزة و هشام مذاهب أذكرها بعد».
لیس فیه بیان و لا إشعار بأنهما یسهلان شیئا من هذا الباب؛ بل الذی یسبق إلی الفهم أن مذاهبهما منصرفة إلی غیر ما ذكره فی هذا الباب بدلیل قوله قبل: «و الباقون یحققون الهمزة فی ذلك كله»؛ فكان الوجه أن یقول بإثر قوله: «فی ذلك كله»: إلا ما نذكره من مذهب أبی عمرو و حمزة، و الله تعالی أعلم و أحكم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 372

فصل‌

قال الحافظ: «و سهل ورش الهمزة فی (بیس)، و (بیسما) و (البیر) و (الذیب) و (لیلّا) فی جمیع القرآن».
إنما فصل هذه الكلمات؛ لأنه تكلم أولا فی الهمزة التی هی فاء الكلمة، و الهمزة فی هذه الألفاظ «عین» إلا فی (لیلّا) فإنها همزة «أن» الخفیفة و هی حرف من حروف المعانی، و الحروف لا توزن، و التسهیل فی هذه الكلمات بإبدال الهمزة یاء؛ لانكسار ما قبلها، كما أبدلت فیما تقدم بحسب حركات ما قبلها.
و جمیع ما فی القرآن من (لیلّا) ثلاثة مواضع:
أحدها: فی البقرة (لیلّا یكون للنّاس علیكم حجّة) [الآیة: 150].
و الثانی: فی النساء (لیلّا یكون للنّاس علی اللّه حجّة) [الآیة: 165].
و الثالث: فی الحدید (لیلّا یعلم أهل الكتاب) [الآیة: 29].
و لم یذكر فی هذا الموضع (بعذاب بییس) الذی فی آخر الأعراف [الآیة: 165]، و سیذكره فی فرش الحروف بما فیه من الخلاف، و لو نبه علیه أنه سیذكره فی موضعه لكان حسنا كما فعل فی الباب بعد هذا لما ذكر (آلئن) و عاداً الْأُولی. اتفق ورش و قالون علی تسهیله بالبدل.
فأما قوله تعالی (لیهب لك) فی سورة «كهیعص» [19] فی قراءة ورش و من وافقه- فلیس من باب التسهیل، و إنما الیاء حرف مضارعة علی قصد الإخبار عن الغائب.
كما أن من قرأ بالهمز قصد الإخبار عن المتكلم، و ذكر الحافظ موافقة الكسائی علی التسهیل [فی] الذِّئْبُ و لم یسهل من الساكنة غیره.
و أما المتحركات فیسهل منها همزتین:
إحداهما: الهمزة فی الأمر من «سأل» بعد الفاء و الواو، نحو (و سلوا الله من فضله) [النساء: 32] و (فسلوا أهل الذكر) [النحل: 43] و (و سل من أرسلنا من قبلك) [الزخرف: 45] أسقط الهمزة، و جعل حركتها علی السین مثل ما فعل ابن كثیر كما یأتی فی النساء.
و الثانیة: الهمزة فی «رأیت»، إذا دخلت علی الكلمة ألف الاستفهام أسقطها كما هو مذكور فی سورة الأنعام.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 373
قال الحافظ- رحمه الله-: «و الباقون یحققون الهمزة فی ذلك كله حیث وقع».
یرید فی هذه الألفاظ الخمسة التی ذكر فی هذا الفصل، و كان ینبغی أن یقول: إلا ما یذكر عن أبی عمرو و حمزة، و الله تعالی جلاله أعلم.
و الشیخ و الإمام یوافقان الحافظ علی كل ما فی هذا الباب، و الحمد لله وحده.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 374

باب نقل حركة الهمزة إلی الساكن قبلها

اعلم أن هذا الباب أصل من أصول قراءة ورش، و من شرطه: أن تكون الهمزة همزة قطع، و أن تكون أول الكلمة، سواء كانت الكلمة اسما، أو فعلا، أو حرفا، و أن یكون الساكن آخر الكلمة التی قبل الهمزة غیر حرف مد، و غیر میم الجمع، و غیر هاء السكت.
أما حروف المد، فقد تقدم أنها إذا لقیت الهمزات یزاد فی مدها نحو یا إِبْراهِیمُ [هود: 76] و فِی آیاتِنا و قُوا أَنْفُسَكُمْ.
و أما میم الجمع، فقد تقدم أن ورشا یضمها و یصلها بواو إذا وقع بعدها همزة القطع، و كان ینبغی أن ینبه الحافظ علیه فی هذا الباب كما نبه علی حروف المد، لكنه ترك ذلك؛ اتكالا علی أنه مفهوم مما تقدم.
و أما هاء السكت «1» فلم تلق الهمزة فی القرآن إلا فی قوله تعالی: كِتابِیَهْ إِنِّی ظَنَنْتُ
______________________________
(1) هی هاء تأتی فی حال الوقف لبیان الحركة، أو الحرف الذی قبلها، نحو دخولها بعد ألف الندبة لبیان الألف فی قولك: وا زیداه، و نحو: سُلْطانِیَهْ [الحاقة: 29]، و كِتابِیَهْ [الحاقة: 19]، و حِسابِیَهْ [الحاقة: 20]، و مالِیَهْ [الحاقة: 28] لبیان الیاء. و لبیان الحركة كقوله تعالی: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90]، و قوله تعالی: لَمْ یَتَسَنَّهْ [البقرة:
259]، و نحو قول الشاعر:
إذا ما ترعرع فینا الغلام‌فما إن یقال له من هوه
إذا لم یسد قبل شدّ الإزارفذلك فینا الذی لا هوه
ولی صاحب من بنی الشیصبان‌فطورا أقول و طورا هوه و تسمی أیضا هاء الاستراحة، و قد تثبت فی الوصل علی نیة الوقف، كقراءة غیر حمزة و الكسائی: لَمْ یَتَسَنَّهْ وَ انْظُرْ [البقرة: 259]، فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90] قیل بإثبات هاء السكت فی الدرج.
ینظر مصابیح المغانی (500، 501).
و جاء فی الجنی الدانی: هاء السكت هی هاء تلحق وقفا، لبیان الحركة. و إنما تلحق بعد حركة بناء لا تشبه حركة الإعراب، نحو: هوه، و هیه، و مالیه، و له.
و تلحق أیضا بعد ألف الندبة، و نحوها كقولك: وا زیداه. و لا تثبت وصلا، إلا فی ضرورة شعر، و إنما أثبتها القراء وصلا، فی بعض المواضع؛ اتباعا لرسم المصحف.
و لحاق هذه الهاء لیس بواجب إلا فی موضعین:
أحدهما: ما بقی من الأفعال المعتلة علی أصل واحد، نحو: عه، و لم یعه.
و الثانی: (ما) الاستفهامیة، إذا جرت بإضافة اسم، نحو: قراءة مه؟
ینظر: الجنی الدانی (152).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 375
فی الحاقة [19- 20].
و المختار فیه تحقیق الهمزة، و قد حكی فیها النقل، و قسم الحافظ الحرف الساكن الذی تنقل إلیه حركة الهمزة ثلاثة أقسام:
أحدها: التنوین.
و الثانی: لام التعریف.
و الثالث: سائر الحروف.
و إنما فعل هذا؛ لأنه رأی أن التنوین زائد علی الكلمة یسقط فی الوقف و عند الإضافة، و مع الألف و اللام؛ فنبه علی أنه فی هذا الباب بمنزلة الساكن غیر الزائد فتنقل إلیه الحركة، كما تنقل إلی غیره، و لا یحذف مع الهمزة كما یحذف فیما ذكره.
و جعل التعریف أیضا قسما علی حدته؛ لأن لام التعریف تكتب موصولة بما دخلت علیه، فهی مع ما دخلت علیه بمنزلة كلمة واحدة.
أ لا تری إلی كونها تقع بین العامل و المعمول فتقول: مررت بالرجل و كتبت بالقلم، فتفصل بین حرف الجر و الاسم المجرور مع شدة اتصال حرف الجر بما دخل علیه؟! و أصل النقل فی هذا الباب: ألا یكون فی كلمة واحدة، فنبه علی أن لام التعریف و إن اشتد اتصاله بما دخل علیه و لكنه مع ذلك فی حكم المنفصل الذی ینقل إلیه، و لم یستوجب له اتصاله فی الخط أن یصیر بمنزلة ما هو من نفس البنیة؛ بدلیل أنك إذا أسقطته لم یختل معنی الكلمة، و إنما یزول بزواله المعنی الذی دخل بسببه خاصة و هو التعریف.
و نظیر النقل إلی لام التعریف؛ إبقاء لحكم الانفصال علیه، و إن كان متصلا فی الخط: ما روی من سكت حمزة علی هذا اللام إذا وقعت بعده همزة كما یسكت علی سائر السواكن المنفصلة نحو مَنْ آمَنَ [البقرة: 253] و قَدْ أَفْلَحَ [المؤمنون: 1]، كما یأتی فی موضعه، بحول الله تعالی.
و اعلم أن الأصل فی حروف المعانی: أن تكون مفصولة فی الخط مما دخلت علیه.
و هذا مطرد فیها إذا كانت الكلمة مركبة من حرفین فصاعدا؛ لأنها إذ ذاك یكون
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 376
لها مبدأ و مقطع، فیمكن النطق بها متحركة الأول ساكنة الآخر.
فأما إذا كان الحرف الذی للمعنی حرفا واحدا من حروف التهجی، فإنه یكتب موصولا بما بعده فی الخط إذا كان مما یقبل الاتصال بما بعده ك «باء الجر» و «كاف التشبیه» و «فاء العطف» و كذلك «لام التعریف».
أما إذا كان مما لا یقبل الاتصال ك «ألف الاستفهام» و «واو العطف» فلا یكتب إلا مفصولا فی الخط، و إن كان فی حكم المتصل، كما إذا وقع شی‌ء من ذلك فی أثناء الكلمة الواحدة نحو «دروع» و «ورود».
و إنما كتب ما ذكرته من الحروف موصولا فی الخط؛ لأن الخط تابع للفظ، فإذا كانت الكلمة حرفا واحدا من حروف التهجی لم یمكن أن تبدأ بها و تقف علیها؛ لأنه یلزم من الابتداء بها تحریكها، و من الوقف علیها إسكانها، و لا یمكن اجتماع الحركة و السكون فی الحرف الواحد؛ و لهذا كان الوقف علی الأمر من «وقی» و «وعی»:
«قه» و «عه»، بإثبات هاء السكت؛ لیكون الحرف الموقوف علیه غیر المبتدأ به؛ و لهذا إذا قیل لك: الفظ بالباء من «ضرب» قلت: «به»، فتبدأ بالباء بحركتها و تلحقها هاء السكت، كما أنك إذا قیل لك: الفظ بالباء من «اضرب» قلت: «اب»، فتبدأ بهمزة الوصل و تقف علی الباء بالسكون كما كانت فی «اضرب»؛ لیكون المقطع فی جمیع ذلك غیر المطلع.
فإذا تقرر هذا فأقول: إذا كان حرف المعنی حرفا واحدا من حروف التهجی فلیس بمستقل كما تقدم، فلزم اتصاله بما سبق من أجله و هو ما وقع بعده؛ لأن الحرف إنما یدل فی الأكثر علی معنی فیما بعده؛ فصار حرف المعنی لذلك مع ما بعده كالكلمة الواحدة.
أ لا تری أنه لا یستقل فی الدلالة علی معناه علی انفراده، و إنما یفهم معناه إذا ذكرته مع ما دخل علیه فصار بمنزلة زای «زید» وراء «رجل»؛ إذ لا یدل واحد منهما علی معنی حتی یلتحم بما بعده و تكمل الكلمة و حینئذ یفهم المعنی و یعرف المسمی، فلما لزم هذا الالتحام بالنظر إلی المعنی مع ما تقدم من حكم اللفظ كتب موصولا بما بعده فی الخط إشعارا بذلك، و لأن الخط تابع للفظ كما تقدم.
فإذا كان الحرف مما یستقل و هو المركب من حرفین فصاعدا كتب مفصولا نحو «من» و «عن» و «فی» و «لن».
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 377
فأما «یا» فی النداء فإنما كتبت بألف واحدة نحو: «یآدم» و «یأیها»؛ لأنهم استثقلوا تكرار الألف فحذفوا ألف «یا» تخفیفا، و لكثرة الاستعمال، و بسبب كثرة الاستعمال كتبوا «یبنی»، و «یدود» و نحوهما بغیر ألف.
فإذا تقرر هذا: فأرجع إلی لام التعریف، فأقول: هی عند سیبویه حرف واحد من حروف التهجی، و هی اللام خاصة، و بها یحصل التعریف، و إنما الألف قبلها ألف وصل؛ و لهذا تسقط فی الدرج؛ فهی إذن بمنزلة باء الجر و كاف التشبیه مما هو علی حرف واحد؛ و لهذا كتبت موصولة فی الخط بما بعدها.
و یظهر من «الكتاب» أن مذهب الخلیل مخالف لمذهب سیبویه رحمهما الله؛ لأن الخلیل شبهها ب «قد»، و حمل كثیر من الناس كلامه علی أنها عنده همزة قطع، و عضدوا هذا الظاهر بأشیاء منها أنها تثبت مع تحریك اللام بحركة النقل نحو «الحمر» و «الرض»، و أنها تبدل أو تسهل بین بین مع همزة الاستفهام، كقوله تعالی: قُلْ آلذَّكَرَیْنِ حَرَّمَ [الأنعام: 143] و قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ [یونس:
59]، و أنها مقطوعة فی الاسم الأعظم فی النداء فی قولنا: یا الله.
و هذه كلها لا دلیل فیها علی أنها همزة قطع، و لا أیضا قول الخلیل یظن منه أنها عنده همزة قطع، و لاستیفاء الرد و القبول فی هذه المسألة موضع غیر هذا، و لكن نبهت هنا علی بعض ما قیل فی المسألة.
و أما جعل الحافظ سائر الحروف قسما واحدا فلا إشكال فیه.
و قوله: «علی مراد القطع».
یرید أنهم نووا بذلك الوقف علی الهاء من كِتابِیَهْ ثم الابتداء بما بعده و إن كان الكلام موصولا، و إنما احتاج إلی هذا التقدیر؛ لأن الهاء فی كِتابِیَهْ هاء السكت و حقها أن تثبت فی الوقف دون الوصل، فمن وقف هنا علیها فقد أعطاها ما تستحقه من الحكم، و من وصلها فكأنه قدر أنه وقف علیها، و هذا التقدیر یشبه ما یسمیه النحویون الحمل علی التوهم، كقول الشاعر: [من الطویل]
مشائیم لیسوا مصلحین عشیرةو لا ناعب إلّا ببین غرابها «1»
______________________________
(1) البیت للأخوص (أو الأحوص) الریاحی فی الإنصاف ص 193، و الحیوان (3/ 431)، و خزانة الأدب (4/ 158، 160، 164)، و شرح شواهد الإیضاح ص (589)، و شرح شواهد المغنی ص (871)، و شرح المفصل (2/ 52)، و شرح أبیات سیبویه (1/ 74)،
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 378
بخفض: «ناعب» علی توهم أنه زاد الباء بعد «لیس» فقال: لیسوا بمصلحین، ثم عطف علیه بالخفض.
و من هذا النوع قراءة الجماعة غیر أبی عمرو: فَأَصَّدَّقَ وَ أَكُنْ مِنَ الصَّالِحِینَ [المنافقون: 10] بجزم «أكن» حملا علی موضع الفاء «1»؛ لأنه لو لم تثبت الفاء
______________________________
- (2/ 105)، و الكتاب (1/ 165، 306)، و لسان العرب (شأم)، و المؤتلف و المختلف ص (49)، و هو للفرزدق فی الكتاب (3/ 29)، و بلا نسبة فی أسرار اللغة ص (155)، و الأشباه و النظائر (2/ 347)، (4/ 313)، و الخزانة (8/ 295، 554)، و الخصائص (2/ 354)، و شرح الأشمونی (2/ 302)، و شرح المفصل (5/ 68)، (7/ 57)، و مغنی اللبیب ص (478)، و الممتع فی التصریف ص (50).
(1) قال السمین الحلبی فی الدر المصون: وَ أَكُنْ، قرأ أبو عمرو: (و أكون) بنصب الفعل عطفا علی فَأَصَّدَّقَ [المنافقون: 10]، و فَأَصَّدَّقَ منصوب علی جواب التمنی فی قوله: لَوْ لا أَخَّرْتَنِی [المنافقون: 10] و الباقون: وَ أَكُنْ مجزوما، و حذفت الواو لالتقاء الساكنین.
و اختلفت عبارات الناس فی ذلك:
فقال الزمخشری: عطفا علی محل فَأَصَّدَّقَ كأنه قیل: إن أخرتنی أصدق و أكن.
و قال ابن عطیة: عطفا علی الموضع؛ لأن التقدیر: إن أخرتنی أصدق و أكن، هذا مذهب أبی علی الفارسی.
فأما ما حكاه سیبویه عن الخلیل فهو غیر هذا، و هو: أنه جزم علی توهم الشرط الذی دل علیه التمنی، و لا موضع هنا؛ لأن الشرط لیس بظاهر. و إنما یعطف علی الموضع حیث یظهر الشرط كقوله: مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِیَ لَهُ وَ یَذَرُهُمْ [الأعراف: 186] فمن جزم عطفه علی موضع فَلا هادِیَ لَهُ؛ لأنه لو وقع موقعة فعل لانجزم. انتهی.
و هذا الذی نقله عن سیبویه هو المشهور عند النحویین.
و نظّر سیبویه ذلك بقول زهیر:
بدا لی أنی لست مدرك ما مضی‌و لا سابق شیئا إذا كان جائیا فخفض (و لا سابق) عطفا علی (مدرك) الذی هو خبر (لیس) علی توهم زیادة الباء فیه؛ لأنه تذكر جر خبرها بالباء المزیدة، و هو عكس الآیة الكریمة؛ لأنه فی الآیة جزم علی توهم سقوط الفاء، و هنا خفض علی توهم وجود الباء. و لكن الجامع توهم ما یقتضی جواز ذلك، و لكنی لا أحب هذا النمط مستعملا فی القرآن؛ فلا یقال: جزم علی التوهم؛ لقبحه لفظا.
و قال أبو عبد الله: له فی مصحف عثمان (و أكن) بغیر واو. فقد فرق الشیخ بین العطف علی الموضع و العطف علی التوهم بشی‌ء، فقال: الفرق بینهما أن العامل فی العطف علی الموضع موجود و أثره مفقود. و العامل فی العطف علی التوهم مفقود و أثره موجود. انتهی.
قلت: مثال الأول: هذا ضارب زید و عمرا، فهذا من العطف علی الموضع، فالعامل و هو «ضارب» موجود، و أثره و هو النصب مفقود.
و مثال الثانی: ما نحن فیه؛ فإن العامل للجزم مفقود و أثره موجود.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 379
لجزم «أصدق».
و علی هذا تتخرج قراءة نافع- رحمه- الله: وَ مَحْیایَ بسكون الیاء كأنه نوی الوقف علیها و إن لم یقف، و كذلك قراءة قنبل وَ جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ «1» [النمل: 22] بسكون الهمزة فی الوصل، و لا یجوز الوقف علی هذین الموضعین لأن یبتدأ بما بعدهما؛ لأن ما بعدهما من تمامهما إلا أن یكون الوقف لانقطاع النفس و النسیان ثم یوصل بما بعده، و الله أعلم.
و قوله: «مع تخلیص الساكن قبلها».
یرید مع إثباته فی اللفظ ساكنا محضا غیر مشوب بشی‌ء من الحركة و لا بإشارة بروم و لا إشمام، و ذكر أنهم اختلفوا فی (آلئن) فی موضعین من سورة یونس علیه السلام [الآیتان: 51، 91]، و فی عاداً الْأُولی من «و النجم» [50].
و قد ورد النقل فی ثلاثة ألفاظ سوی ما ذكر هنا:
أحدها: الْقُرْآنُ [البقرة: 185] قرأه ابن كثیر بنقل حركة الهمزة إلی الراء فی الوصل و الوقف.
الثانی: صیغة الأمر من «سأل» إذا كان قبله واو العطف أو فاؤه نحو
______________________________
- و أصرح منه بیت زهیر؛ فإن الباء مفقودة و أثرها موجود، و لكن أثرها إنما ظهر فی المعطوف لا فی المعطوف علیه، و كذلك فی الآیة الكریمة.
و من ذلك أیضا بیت امرئ القیس:
فظل طهاة اللحم من بین منضج* صفیف شواء أو قدیر معجّل فإنه جعلوه من العطف علی التوهم، و ذلك أنه توهم أنه أضاف منضج إلی صفیف، و هو لو أضافه إلیه لجره فعطف «قدیر» علی «صفیف» بالجر؛ توهما لجره بالإضافة.
و قرأ عبید بن عمیر: و (أكون)، برفع الفعل علی الاستئناف، أی: و أنا أكون، و هذا عدة منه بالصلاح.
ینظر: الدر المصون (6/ 323- 324).
(1) قوله: (من سبأ)، قرأ البزی، و أبو عمرو بفتح الهمزة، جعلاه اسما للقبیلة أو البقعة، فمنعاه من الصرف للعلمیة و التأنیث، و علیه قوله:
من سبأ الحاضرین مأرب إذ* یبنون من دون سیله العرما و قرأ قنبل بسكون الهمزة، كأنه نوی الوقف و أجری الوصل مجراه، و الباقون بالجر و التنوین، جعلوه اسما للحی أو المكان، و علیه قوله:
الواردون و تیم فی ذری سبأقد عض أعناقهم جلد الجوامیس و هذا الخلاف جار بعینه فی «سورة سبأ».
ینظر: اللباب (15/ 137- 138).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 380
(و سل القریة) [یوسف: 82] (فسلوا أهل الذكر) [النحل: 43] حیث وقع، نقل ابن كثیر و الكسائی حركة الهمزة إلی السین فی الحالین.
و الثالث: (ردا یصدقنی) فی القصص [34] نقل نافع حركة الهمزة إلی الدال فی الحالین، و حمزة یوافق علی النقل فی هذه المواضع فی الوقف علی ما یأتی فی أصله فی الوقف.
و قد استوفی الحافظ جمیع ذلك فی فرش الحروف، و إنما لم یذكر هنا هذه الألفاظ الثلاثة؛ لأن الهمزة فیها و الحرف الساكن فی كلمة واحدة، بخلاف ما انعقد علیه هذا الباب، و الله عز و علا أعلم.
و مذهب الشیخ و الإمام كمذهب الحافظ فی جمیع ما ذكر فی الباب، و الحمد الله رب العالمین.

باب مذهب أبی عمرو فی ترك الهمز

اشارة

أطلق الحافظ القول بترك الهمز فی هذا الباب عن أبی عمرو و خصه فی «المفردات» بروایة السوسی.
و حاصل قوله فی «جامع البیان» الإطلاق كما هو فی «التیسیر».
و أنا أذكر الآن نص قوله فی «جامع البیان»؛ لتقف علیه، و لتحصل منه أمور تقف علیها بحول الله- عز و جل- فقال الحافظ فی «جامع البیان» ما نصه: «اعلم أن أبا عمرو كان یترك الهمزة الساكنة سواء كانت فاء، أو عینا، أو لاما و یخلفها بالحرف الذی منه حركة ما قبلها، و اختلف أصحاب الیزیدی عنه فی الحال التی یستعمل تركها فیه: فحكی أبو عمر، و عامر الموصلی «1»،
______________________________
(1) عامر بن عمر بن صالح، أبو الفتوح المعروف بأوقیة الموصلی، مقرئ حاذق، أخذ القراءة عن الیزیدی و له عنه نسخة و عن- المستنیر، و المبهج، و الكفایة الكبری، و الكامل- العباس بن الفضل الأنصاری قاضی الموصل، قال عنه أحمد بن سمعویه: إنه قرأ علی الیزیدی ختمتین باختیار أبی عمرو، روی القراءة عنه- المبهج، جامع البیان، الكامل- أحمد بن سمعویه و- الكامل- أبو الحسن محمد بن السراج و- المبهج، و جامع البیان، الكامل- أبو العباس أحمد بن مسعود السراج و إسحاق بن حاتم الموصلی شیخ ابن مقسم، كذا قال الأهوازی، و صوابه:- المبهج- جامع البیان- الكفایة الكبری- الكامل- حاتم ابن إسحاق، و یقال: ابن إسماعیل، و الله أعلم. و- المبهج، جامع البیان، الكامل- عیسی ابن رصاص و- جامع البیان- الكامل- علی العینزربی و- المبهج، الكامل- موسی
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 381
و إسماعیل «1»، و إبراهیم «2» من روایة عبید الله، و ابن جعفر الیزیدی «3» عنه أن أبا عمرو كان إذا قرأ فأدرج القراءة لم یهمز كل ما كانت الهمزة فیه مجزومة مثل یُؤْمِنُونَ «4» [البقرة: 3] و یَأْكُلُونَ [البقرة: 174] فدل هذا علی أنه إذا لم یسرع فی قراءته و استعمل التحقیق همز.
______________________________
- ابن حاتم بن جمهور و- المبهج، الكامل- محمد بن الحسین الموصلی و- جامع البیان- الحسن بن سعد الموصلی و- الكامل- إبراهیم بن كعب. توفی سنة خمسین و مائتین.
ینظر: غایة النهایة (1/ 350- 351).
(1) إسماعیل بن أبی أویس عبد الله بن عبد الله بن أویس بن مالك بن أبی عامر، الإمام الحافظ الصدوق، أبو عبد الله الأصبحی المدنی، أخو أبی بكر عبد الحمید بن أبی أویس.
قرأ القرآن وجوده علی نافع، فكان آخر تلامذته وفاة.
تلا علیه أحمد بن صالح المصری و غیره.
و حدث عن: أبیه عبد الله و أخیه أبی بكر، و خاله مالك بن أنس، و عبد العزیز بن عبد الله بن الماجشون، و سلمة بن وردان صاحب أنس، و سلیمان بن بلال، و إبراهیم ابن إسماعیل بن أبی حبیبة، و كثیر بن عبد الله بن عمرو بن عوف، و عبد الرحمن ابن أبی الزناد، و عدة.
حدث عنه: البخاری و مسلم، ثم مسلم و أبو داود و الترمذی و القزوینی بواسطة، و أحمد ابن صالح، و أحمد بن یوسف السلمی، و أبو محمد الدارمی.
و كان عالم أهل المدینة و محدثهم فی زمانه علی نقص فی حفظه و إتقانه، و لو لا أن الشیخین احتجا به، لزحزح حدیثه عن درجة الصحیح إلی درجة الحسن.
مولده فی سنة تسع و ثلاثین و مائة.
و مات فی سنة ست و عشرین و مائتین، و قیل: سنة سبع فی رجب، رحمه الله بمنّه.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (10/ 319- 395)، و التاریخ الكبیر (1/ 364)، و التاریخ الصغیر (2/ 354).
(2) إبراهیم بن علی بن إبراهیم، سیبخت، أبو الفتح البغدادی، نزیل مصر، ماهر مكثر، قرأ علی بكار بن محمد بن بكار و ابن مجاهد و عبید الله بن أحمد بن بكیر التمیمی، مات بمصر سنة سبعین و ثلاثمائة.
ینظر: غایة النهایة (1/ 19).
(3) أحمد بن محمد بن یحیی بن المبارك، الیزیدی العدوی، أبو جعفر النحوی هو و أبوه وجده.
قال الزبیدی: هو أمثل أهل بیته فی العلم، كان راویة شاعرا متفننا فی العلوم.
و قال ابن عساكر: كان من ندماء المأمون، و قدم دمشق، و توجه غازیا للروم.
سمع جده أبا زید الأنصاری.
و كان مقرئا روی عنه أخواه عبید الله و الفضل. و مات قبیل سنة ستین و مائتین.
و له بیت یجمع حروف المعجم، و هو:
و لقد شجتنی طفلة برزت ضحی‌كالشمس خثماء العظام بذی الغضی ینظر: بغیة الوعاة (1/ 386).
(4) أی أن أبا عمرو یبدل كل همز ساكن إلا ما كان الهمز فیه للجزم أو للأمر.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 382
انتهی.
قال العبد: قد حصل من هذا أن أبا عمر نقل التسهیل، و حصل من قول الحافظ:
«فدل هذا علی أنه إذا لم یسرع فی قراءته، و استعمل التحقیق همز»- أن قوله:
«فأدرج» معناه: فأسرع، خلافا لمن غاب عنه ذلك، فظن أن «أدرج» لا یقال بمعنی «أسرع»، و إنما یقال بمعنی «وصل»، و بنی علی هذا المفهوم أن أبا عمرو إنما یسهل الهمزة الساكنة فی الوصل خاصة، فإذا وقف حققها بناء منه علی أن الدرج لا یقال إلا بمعنی الوصل الذی یقابله الوقف.
قال العبد: و لست أذكر أن الدرج یقال بمعنی «الوصل»، لكن فی غیر هذا الموضع.
و أما فی هذا الموضع فلو فسر الدرج بمعنی الوصل لكان ذلك خلاف الحكمة؛ إذ الوقف موضع استراحة و تخفیف عن المتكلم، و الوصل موضع عمل و اجتهاد، فكیف یتناسب أن یحقق فی الوقف و یسهل فی الوصل مع ما فی تحقیق الهمزة من الثقل؟! بل مذاهب القراء فی ذلك ثلاثة:
أحدها: التحقیق فی الحالین.
و الثانی: التسهیل فی الحالین كما تقدم.
و الثالث: التحقیق فی الوصل و التسهیل فی الوقف، و هو مذهب حمزة و هشام.
و لم ینقل أحد عن أبی عمرو و لا غیره من أهل السبع- حسب ما اشتملت علیه هذه الكتب التی نعتمد علیها- التحقیق فی الوقف، و التسهیل فی الوصل، و لا یعترض هذا الكلام بما تقدم عن قالون، و البزی، و أبی عمرو فی باب الهمزتین المتفقتی الحركة من كلمتین، حیث سهلوا الهمزة الأولی فی الوصل و حققوها فی الوقف؛ لأن ذلك باب آخر استثقلوا فیه اجتماع الهمزتین، و ذلك لا یكون إلا فی الوصل، و إنما كلامنا هنا فی الهمزة المفردة، فتأمل هذا كله تجد الحق بحول الله، عز و جل.
ثم قال الحافظ فی «جامع البیان» ما نصه: «و حكی أبو شعیب عنه أنه كان إذا قرأ فی الصلاة لم یهمز كل ما كانت الهمزة فیه مجزومة»؛ فدل ذلك علی أنه كان إذا قرأ فی غیر الصلاة- سواء استعمل الحدر أو التحقیق- همز.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 383
و ذكر أبو عبد الرحمن، و إبراهیم من روایة العباس، و أبو حمدون «1»، و أبو خلاد «2»، و محمد بن شجاع «3»
______________________________
(1) الطیب بن إسماعیل بن أبی تراب، أبو حمدون الذاهلی البغدادی، النقاش للخواتم، و یقال له أیضا حمدویه اللؤلئی الثقاب الفصاص، مقرئ ضابط حاذق ثقة صالح، قرأ علی- المستنیر، الغایة، الكفایة الكبری، الكامل- إسحاق المسیبی و- المستنیر،- الكفایة الكبری- عبد الله بن صالح العجلی و إسحاق الأزرق و یعقوب الحضرمی و- المستنیر، الغایة، الكفایة الكبری- یحیی بن آدم و- المستنیر- محمد بن مسلم بن صالح العجلی فیما قاله أبو الحسن الخیاط و- المستنیر- المبهج، جامع البیان، الكفایة الكبری، الكامل- الیزیدی، و كان من أجل أصحابهما و أضبطهم، و روی الحروف عن- المستنیر، الكفایة الكبری، الكامل- سلیمان بن داود الهاشمی، و حجاج بن منهال الأعور و حسین الجعفی و سلیمان بن عیسی، و یقال: عرض علیه أیضا و شعیب بن حرب، و سمع- المستنیر، الكامل- الكسائی یقرأ فضبط قراءته، قال: و سمعت الكسائی و قد قرأ علینا ختمتین ما من حرف إلا سألناه عنه، و یقال: قرأ علیه، روی القراءة عنه عرضا و سماعا- المستنیر، الغایة الكفایة الكبری، الكامل- الحسن بن الحسین الصواف و- الكامل- إبراهیم بن خالد و أحمد بن الخطاب الخزاعی و إسحاق بن مخلد و- المبهج، جامع البیان، الكفایة الكبری، الكامل- الحسین بن شریك و- المبهج، الكامل- عبد الله بن أحمد بن الهیثم البلخی- المستنیر، الكفایة الكبری- الفضل بن مخلد و الخضر بن الهیثم بن جابر الطوسی و- الكامل- القاسم بن أحمد الصائغ و قاسم بن زكریا و- المستنیر، الكفایة الكبری الكامل- علی ابن الهیثم، و فی تجرید ابن الفحام أسند روایة أبی حمدون عن الفارسی عن الحسین الفحام عن بكار عن أبی حمدون فوهم، و صوابه: بكار عن الحسن بن الحسین الصواف عن أبی حمدون، أنبأنا الحسن بن أحمد عن إبراهیم بن الفضل، أنا عبد الوهاب بن علی، أنا الحافظ أبو العلاء، أنا أحمد بن علی الأصبهانی، أنا أحمد بن الفضل، أنا عبد العزیز بن محمد الكسائی، أنا أبو الطیب محمد بن أحمد بن یوسف البغدادی، حدثنی أبو عبد الله بن شریك، ثنا أبو حمدون الطیب بن إسماعیل قال: كنت لیلة من اللیالی فی روزنتی فحملتنی عینی، فرأیت نورا قد تلبب بی و هو یقول: حسیبك الله، بینی و بینك الله، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا الذی أدغمتنی، قال: فانتبهت و قلت: ما عدت أدغم حرفا یجوز إظهاره. و أخبر أیضا أنه قرأ علی حسین القرآن كل یوم آیة، قال: و ختمته علیه فی خمس عشرة سنة. مات فی حدود سنة أربعین و مائتین فیما أظن، و الله أعلم. ینظر غایة النهایة (1/ 343- 344).
(2) سلیمان بن خلاد، و قال أبو الفضل الرازی سلیم بن خلاد، و قیل سلیمان بن خالد، و الأول هو الصحیح. أبو خلاد النحوی السامری المؤدب، صدوق مصدر، أخذ القراءة عرضا و سماعا عن الیزیدی، و له عنه نسخة و إسماعیل بن جعفر، روی القراءة عنه القاسم بن محمد بن بشار و- التیسیر، المستنیر، الكفایة الكبری، الكامل- محمد بن أحمد بن قطن و- المستنیر، الكفایة الكبری- علی بن أحمد بن مروان و بكر بن أحمد السراویلی و أحمد ابن حمدان الفرائضی و محمد بن أحمد بن شنبوذ، مات سنة إحدی و ستین و مائتین.
تنظر ترجمته فی غایة النهایة (1/ 313).
(3) محمد بن شجاع أبو عبد الله، الثلجی البغدادی، الفقیه الحنفی، عالم صالح مشهور متكلم
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 384
و أحمد بن حرب «1» عن الدوری، عنه أن أبا عمرو كان إذا قرأ لم یهمز ما كانت الهمزة فیه مجزومة؛ فدل قولهم علی أنه كان لا یهمز علی كل حال فی صلاة أو غیرها، و فی حدر أو تحقیق.
و دل أیضا قول جمیعهم علی أنه كان یترك كل همزة ساكنة حیث حلت، و أی حرف كانت من حروف الاسم و الفعل، و بذلك قرأت علی شیخنا أبی الفتح عن قراءته علی أبی الحسن بن عبد الباقی بن الحسن، عن أصحابه، عن الیزیدی، و عن شجاع، عن أبی عمرو، و لم یستثن لی من ذلك شیئا فی روایة الیزیدی، و استثنی لی فی روایة شجاع:
من الأسماء الْبَأْسِ [البقرة: 177] و الْبَأْساءِ [البقرة: 177]، و الرَّأْسُ [مریم: 4] و رَأْسِهِ [یوسف: 41] و وَ كَأْسٍ [الواقعة: 18] و كَأْساً
______________________________
- فیه من جهة اعتقاده، أخذ القراءة عرضا و سماعا عن- جامع البیان- أبی محمد الیزیدی عن أبی عمرو و له عنه نسخة، و روی الحروف عن یحیی بن آدم عن حسین الجعفی عن أبی بكر عن عاصم، و تفقه علی الحسن بن زیاد اللؤلئی، روی عنه القراءة عرضا أبو جعفر محمد ابن علی بن إسحاق القرشی، و روی الحروف عنه أبو أیوب سلیمان بن داود الرقی و جامع البیان- عبد الوهاب بن أبی حیة و عبید الله بن إبراهیم العمری، قال ابن عدی: كان یضع أحادیث فی التشبیه ینسبها إلی أصحاب الحدیث یثلبهم بذلك، و كان ینال من أحمد و أصحابه و ینتقص الشافعی، و كتب فی وصیته: لا یعطی من ثلثی إلا من قال: القرآن مخلوق. قال ابن الجزری: لما حضرته الوفاة رجع عن ذلك كله، و ذكر مناقبهم، و مات یوم عرفة و هو ساجد فی آخر سجدة من صلاة العصر سنة أربع و ستین و مائتین، و قیل: سنة ست و ستین فی عاشر الحجة، فلعل ذلك كان دلیل قبول توبته، عفا الله عنا و عنه و رحمنا.
ینظر: غایة النهایة (2/ 152- 153) و أخبار أبی حنیفة و أصحابه (157) تاریخ بغداد (5/ 350) طبقات الفقهاء للشیرازی (140)، تهذیب التهذیب (9/ 220) شذرات الذهب (2/ 151) الفوائد البهیة (1/ 171) هدیة العارفین (2/ 17).
(1) أحمد بن حرب بن غیلان، أبو جعفر المعدل البصری، مقرئ معروف، روی القراءة عرضا عن- المستنیر، المبهج، الكامل- الدوری و أبی أیوب الخیاط و أبی حاتم، روی القراءة عنه عرضا- المستنیر، الكامل- مدین بن شعیب و- المبهج-، الكامل- أبو العباس المطوعی و- الكامل- ابن خلیع، قال الخزاعی: إن المطوعی قرأ علیه سنة ثلاثمائة، و قال الحافظ بن زبر فی وفیاته: توفی أحمد بن حرب سنة إحدی و ثلاثمائة قال ابن الجزری: و لیس هذا بالمعدل الذی هو أحمد بن حرب بن مسمع، ذاك بغدادی یكنی أبا جعفر أیضا، توفی سنة أربع و سبعین و مائتین، و قیل: سنة خمس روی عن عفان بن مسلم و غیره، و روی عنه المحاملی و غیره، و كان ثقة یعد من القراء أیضا، و لیس أیضا بالمعدل الذی قرأ علی محمد بن وهب و أبی الزعراء كما توهمه ابن سوار؛ فإن ذاك محمد بن یعقوب.
ینظر: غایة النهایة (1/ 45) و شذرات الذهب (2/ 95).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 385
[الإنسان: 17] و الضَّأْنِ [الأنعام: 143] و شَأْنٌ [عبس: 37] قال:
و اختلف عنه فی الذِّئْبُ [یوسف: 14] و من الفعل قوله: (لا یألتكم) فی الحجرات [الآیة: 14] لا غیر، فأخذ ذلك علیّ بالهمز، و علی ذلك أهل الأداء، عن شجاع. انتهی ما حكیته عن الحافظ فی «جامع البیان».
و أرجع الآن إلی كلامه فی «التیسیر» فأقول: أطلق الحافظ- رحمه الله- القول فی «التیسیر» عن أبی عمرو، و قد حصل مما تقدم أنه مروی من الطریقین.
وافقه الشیخ فی «التبصرة» علی ذلك، و خصه الإمام بروایة السوسی، و عول الحافظ فی «التیسیر» علی استعمال ذلك إذا قرأ فی الصلاة أو أدرج القراءة أو قرأ بالإدغام الكبیر.
و قید الشیخ و الإمام بما إذا أدرج القراءة، أو قرأ فی الصلاة خاصة، و لم أقف لهما علی بیان فی ذلك إذا قرأ بالإدغام الكبیر، غیر أن أبا جعفر بن الباذش- رحمه الله- ذكر فی باب الإدغام من كتاب «الإقناع» أن شریحا یجیز الهمز مع الإدغام.
و نص كلامه: «قال أبو علی الأهوازی «1»: ما رأیت أحدا ممن قرأت علیه یأخذ
______________________________
(1) هو أبو علی، الحسن بن علی بن إبراهیم بن یزداد بن هرمز الأهوازی، نزیل دمشق.
ولد سنة اثنتین و ستین و ثلاثمائة، و زعم أنه علی علی بن الحسین الغضائری- مجهول لا یوثق به، ادعی أنه قرأ علی الأشنانی، و القاسم المطرز- و ذكر أنه تلا لقالون فی سنة ثمان و سبعین و ثلاثمائة بالأهواز علی محمد بن محمد بن فیروز، عن الحسن ابن الحباب، و أنه قرأ علی شیخ، عن أبی بكر بن سیف، و علی الشنبوذی، و أبی حفص الكتانی، و جماعة، قبل التسعین و ثلاثمائة.
و سمع من نصر بن أحمد المرجی، صاحب أبی یعلی، و من المعافی الجریری، و الكتانی، و عدة.
و لحق بدمشق عبد الوهاب الكلابی، و أنه سمع بمصر من أبی مسلم الكاتب، و یروی العالی و النازل، و خطه ردئ الوضع، جمع سیرة لمعاویة، و (مسندا) فی بضعة عشر جزءا، حشاه بالأباطیل السمجة.
تلا علیه: الهذلی، و غلام الهراس، و أحمد بن أبی الأشعث السمرقندی، و أبو الحسن المصینی، و عتیق الردائی، و أبو الوحش سبیع بن قیراط، و خلق.
و حدث عنه: الخطیب، و الكتانی، و الفقیه نصر المقدسی، و أبو طاهر الحنائی، و أبو القاسم النسیب و وثقه، و بالإجازة أبو سعد بن الطیوری.
توفی أبو علی- سامحه الله- فی رابع ذی الحجة سنة ست و أربعین و أربعمائة. ینظر:
سیر أعلام النبلاء (18/ 13- 18)، و شذرات الذهب (3/ 274)، و معرفة القراء (1/ 322)، و اللباب (1/ 95) غایة النهایة (1/ 220).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 386
عنه بالهمز مع الإدغام. و الناس علی ما ذكر الأهوازی إلا أن شریح بن محمد أجاز لی الإدغام مع الهمز، و ما سمعت ذلك من غیره». انتهی كلام ابن الباذش.
قال العبد: إن كان هذا الذی أجاز شریح مما نقله عن أبیه «1»، أمكن أن یقال:
إنما لم یقید ترك الهمز بالإدغام الكبیر؛ لجواز الهمز فیه عنده، و الله جل و علا أعلم.
و ذكر الحافظ من الأمثلة: یُؤْمِنُونَ [البقرة: 3]، و یُؤْلُونَ [البقرة: 226]، و وَ الْمُؤْتَفِكاتِ [التوبة: 70] و الهمزة فی هذه الثلاثة فاء الكلمة.
و ذكر بِئْسَ [هود: 99] و بِئْسَمَا [البقرة: 90] و الذِّئْبُ [یوسف: 14] و «البئر» و الرُّؤْیَا [الإسراء: 60] و رُؤْیاكَ [یوسف: 5] و كَدَأْبِ و الهمزة فی هذه الأمثلة عین الكلمة، و ذكر جِئْتَ [البقرة: 71] و جِئْتُمْ [یونس: 81] و شِئْتُمْ [البقرة: 58] و شِئْنا [الأعراف: 176] و فَادَّارَأْتُمْ [البقرة: 72] و اطْمَأْنَنْتُمْ و الهمزة فی هذه الأمثلة لام الكلمة.
ثم قال: «إلا أن یكون سكون الهمزة للجزم نحو ... كذا، و جملته تسعة عشر موضعا».
اعلم أن هذه المواضع التسعة عشر منها عشرة یَشَأْ بالیاء المعجمة من أسفل:
الأول: فی النساء إِنْ یَشَأْ یُذْهِبْكُمْ أَیُّهَا النَّاسُ [الآیة: 133].
و الثانی، و الثالث، و الرابع: فی الأنعام: مَنْ یَشَأِ اللَّهُ یُضْلِلْهُ [الآیة: 39] و وَ مَنْ یَشَأْ یَجْعَلْهُ [الآیة: 39] و إِنْ یَشَأْ یُذْهِبْكُمْ وَ یَسْتَخْلِفْ [الآیة: 133].
و الخامس: فی سورة إبراهیم- علیه السلام- إِنْ یَشَأْ یُذْهِبْكُمْ [الآیة: 19].
و السادس، و السابع: فی الإسراء إِنْ یَشَأْ یَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ یَشَأْ یُعَذِّبْكُمْ [الآیة: 54].
و الثامن: فی فاطر إِنْ یَشَأْ یُذْهِبْكُمْ [الآیة: 16].
و التاسع، و العاشر فی الشوری فَإِنْ یَشَإِ اللَّهُ یَخْتِمْ [الآیة: 24] و إِنْ یَشَأْ یُسْكِنِ الرِّیحَ [الآیة: 33].
و منها ثلاثة نَشَأْ بالنون:
الأول: فی الشعراء إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَیْهِمْ [الآیة: 4].
______________________________
(1) فی ب: ابنه.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 387
و الثانی: فی سبأ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ [الآیة: 9].
و الثالث: فی «یس» وَ إِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ [الآیة: 43].
و منها ثلاثة «تسؤ»:
الأول: فی آل عمران إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ [الآیة: 120].
و الثانی: فی المائدة إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [الآیة: 101].
الثالث: فی التوبة إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ [الآیة: 50].
فهذه ستة عشر موضعا.
و الموضع السابع عشر: (أو ننسئها) فی البقرة [الآیة: 106].
و الثامن عشر: وَ یُهَیِّئْ لَكُمْ فی الكهف [الآیة: 16].
و التاسع عشر: أَمْ لَمْ یُنَبَّأْ فی النجم [الآیة: 36].
و اعلم أن هذه المواضع قد اشتملت علی قوله تعالی مَنْ یَشَأِ اللَّهُ یُضْلِلْهُ فی الأنعام [الآیة: 39]، و فَإِنْ یَشَإِ اللَّهُ یَخْتِمْ فی الشوری [الآیة: 24]، و هذان الموضعان من أبین الدلائل علی صحة ما تقدم، من كون أبی عمرو یسهل الهمزة فی هذا الباب فی الوصل و الوقف، و أن قول من زعم أنه یسهلها فی الوصل دون الوقف غلط.
و وجه الاستدلال: أن الهمزة فی هذین الموضعین محركة فی الوصل؛ لالتقاء الساكنین، و إنما تسكن فی الوقف، فلو كان أبو عمرو یخص تسهیل الهمزة الساكنة بالوصل لم یكن لذكر هذین الموضعین فیما یستثنی له من ذلك وجه؛ إذ لا وجه لاستثنائهما بالنظر إلی الوصل؛ لكونهما فیه متحركتین، و هو لا یسهل المتحركة، و لا وجه أیضا لاستثنائهما بالنظر إلی الوقف، إذ التسهیل علی زعم هذا القائل مخصوص بالوصل، و قد نص ابن شریح- رحمه الله تعالی- علی هذه المواضع حرفا حرفا، و ذكر فیها هذین الموضعین؛ فلیس لقائل أن یقول: و لعل هذین الموضعین غیر داخلین فی العدد المذكور، و مع هذا فلا یتم العدد المذكور إلا بهذین الموضعین؛ إذ لیس فی القرآن فعل مجزوم و آخره همزة سوی ما تقدم، و إنما ذكرت هنا ذكر ابن شریح لهذین الموضعین فی عدد المستثنیات؛ لأن صاحب هذه المقالة المردودة یعتصم بمذهب ابن شریح، و یزعم أن كلام ابن شریح یدل علی أن أبا عمرو لا یسهل الهمزة الساكنة فی الوقف، و إنما یسهلها فی الوصل، و یستدل علی ذلك بمفهومات له فی كتاب «الكافی» تنزه ابن شریح- رحمه الله- أن تكون
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 388
خطرت بباله قط، فضلا عن أن یكون قصدها، و أضربت عن ذكرها هنا؛ صونا للمداد و القرطاس عن استعمالهما فی الهذیان، و فیما ذكرته كفایة لأهل الهدایة، و الله جل جلاله المعین لمن یعتصم به و یستعین.
و أرجع إلی كلام الحافظ فی «التیسیر»، قال: «أو یكون للبناء نحو ... كذا، و جملته أحد عشر موضعا».
اعلم أن جملة هذه المواضع الأحد عشر:
أولها فی البقرة أَنْبِئْهُمْ [الآیة: 33].
و الثانی: نَبِّئْنا بِتَأْوِیلِهِ فی سورة یوسف علیه السلام [الآیة: 36].
و الثالث، و الرابع: نَبِّئْ عِبادِی و وَ نَبِّئْهُمْ عَنْ ضَیْفِ إِبْراهِیمَ فی الحجر [الآیتان: 49، 51].
و الخامس: وَ نَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ فی القمر [الآیة: 28].
و السادس: اقْرَأْ كِتابَكَ فی الإسراء [الآیة: 14].
و السابع و الثامن: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ و اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ فی العلق [الآیتان: 1، 3].
و التاسع و العاشر: (أرجئه) فی الأعراف [الآیة: 111] و الشعراء [الآیة: 36].
و الحادی عشر: وَ هَیِّئْ لَنا فی الكهف [الآیة: 10].
ثم ذكر الحافظ بعد هذا خمسة مواضع:
أحدها (تؤی) فی الأحزاب [الآیة: 51].
الثانی: (تؤیه) فی المعارج [الآیة: 13]، و عللهما بأن ترك الهمز فیهما أثقل من الهمز.
و الثالث: رِءْیاً فی «كهیعص» [الآیة: 74]، و علله بوقوع الالتباس بما لا یهمز.
و الرابع، و الخامس: مُؤْصَدَةٌ فی البلد [20] و الهمزة [8] و علله بأن ترك الهمز یخرج من لغة إلی لغة.
فكمل من جمیع هذه المستثنیات خمسة و ثلاثون موضعا، و نسب استثناءها من التسهیل، و اختیار التحقیق فیها لابن مجاهد، ثم قال: «و بذلك قرأت».
یرید علی بعض شیوخه؛ لأنه قد تقدم أنه قرأ علی أبی الفتح من غیر استثناء.
قال: «و به آخذ».
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 389
یرید باستثناء هذه المواضع؛ فحصل من هذا أنه وافق ابن مجاهد فی اختیاره التحقیق فی هذه المواضع.
و قیاس هذا الاستثناء فی قراءة أبی عمرو یقتضی أن یستثنیها أیضا لحمزة فی الوقف.
و أوكدها فی ذلك: المواضع الخمسة الأخیرة، و لم یستثن لحمزة شیئا من ذلك، بل نص الحافظ علی أن أصحابه اختلفوا فی إدغام الحرف المبدل من الهمزة فی رِءْیاً [مریم: 74] تُؤْوِی [الأحزاب: 51] و تُؤْوِیهِ [المعارج: 13] اتباعا للخط، و فی إظهاره لكون البدل عارضا.
ثم قال: «و الوجهان جائزان».
وافق الشیخ و الإمام الحافظ علی ما تقدم من الاستثناء لأبی عمرو و تسهیل ما عداها.
و ذكر الشیخ و الإمام اختلاف القراءة فی روایة أبی شعیب هل تبدل الهمزة یاء فی قوله تعالی: بارِئِكُمْ فی الحرفین فی البقرة [54] أم لا؟
و المختار عندهما: الهمز.
و لم یذكر الحافظ هذه المسألة فی «التیسیر»، و ذكرها فی «المفردات» بمثل ما ذكرها الشیخ و الإمام.
تنبیه: الهمزة المتطرفة المتحركة فی الوصل نحو إِنْ شاءَ [الأحزاب: 24] و یَسْتَهْزِئُ [البقرة: 15] و لِكُلِّ امْرِئٍ [عبس: 37] إذا سكنت فی الوقف فهی محققة فی قراءة أبی عمرو سواء قرأت بروایة التحقیق، أو بروایة التسهیل.
و فی كلام الحافظ فی آخر باب التسهیل من روایة أبی شعیب فی «المفردات» ما یدل علی صحة هذا.
و لو نبه علیه فی «التیسیر» لكان حسنا، و الله جلت قدرته [و علت كلمته] «1» أعلم.

باب مذهب حمزة و هشام فی الوقف علی الهمزة

اشارة

دونك قانون التسهیل مجملا، ثم بحسب مسائل الباب مفصلا.
______________________________
(1) سقط فی ب.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 390
اعلم أن الهمزة تأتی فی الكلمة أولا، و وسطا، و طرفا، و التسهیل یستعمل فی المتطرفة و المتوسطة.
فأما التی فی أول الكلمة، فإن بدأت بها- لم یجز تسهیلها، و إن وصلتها بما قبلها جاز فیها من التسهیل ما یجوز فی المتوسطة علی ما یأتی، و اعلم أن التسهیل فی هذا الباب ثلاثة أنواع:
أحدها: جعل الهمزة بین بین، أعنی بین الهمزة و الحرف الذی منه حركتها.
الثانی: إبدالها حرفا من جنس حركة ما قبلها.
الثالث: حذفها و نقل حركتها إلی ما قبلها.
فأما جعلها بین بین، فبابه أن یكون فی الهمزة المتحركة وسطا إذا كان قبلها ألف متحركة بشرط ألا تكون الهمزة مفتوحة بعد كسرة أو ضمة.
و أما إبدالها، فبابه أن یكون فی كل همزة ساكنة، و فی الهمزة المفتوحة وسطا بعد كسرة أو ضمة، و فی الهمزة المتحركة مطلقا بعد واو أو یاء زائدتین للمد، و فی الهمزة المتحركة طرفا بعد حركة.
و أما الحذف و نقل الحركة، فبابه أن یكون فی كل همزة مطلقا إذا كان قبلها حرف ساكن صحیح، أو یاء أو واو ساكنان غیر زائدین، سواء كانا حرفی لین أو حرفی مد، و لم یبق من أصناف الهمز فی هذا الباب إلا المتحركة طرفا بعد الألف، و سیأتی حكمها بحول الله، تبارك و تعالی.
و أرجع إلی تفصیل هذه الأصناف بحسب ترتیب الحافظ لها فی الباب فأقول:
بدأ الحافظ- رحمه الله- ببیان الهمزة المتطرفة؛ لأنها أقعد فی حكم التسهیل من جهة أن التسهیل نوع من التغییر، و التغییر بالأطراف أحق منه بالأوساط، و مع ذلك فلنقدم ما اتفق علیه حمزة و هشام.
و نعنی بالمتطرفة: ما ینقطع الصوت علیها و لا یثبت بعدها شی‌ء من الحروف، و الاحتراز بهذا من الهمزة المنصوبة المنونة نحو سَیِّئاً [التوبة: 102] و مَلْجَأً [التوبة: 57] و غُثاءً [المؤمنون: 41] فإنه یثبت بعد الهمزة فی الوقف ألف بدل من التنوین؛ فهی بذلك متوسطة، و كذلك الهمزة التی تكون طرف كلمة و یتصل بها ضمیر نحو وَ أَبْناؤُكُمْ [النساء: 11] و أَنْشَأَكُمْ [الأنعام: 98]، و مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها [الحدید: 22]، فجمیع هذا و ما كان مثله الهمزة فیه متوسطة بمنزلتها فی
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 391
سَأَلَ [المعارج: 1]، و اشْمَأَزَّتْ [الزمر: 45] فافهم.
قال الحافظ- رحمه الله-: «فإذا سهلا المضموم ما قبلها أبدلاها واوا فی حال تحریكها و سكونها».
إنما خصت الهمزة الساكنة المتطرفة بعد الضمة بإبدالها واوا فی الوقف و لم تحذف؛ لأنه لا موجب لحذفها، و لم تجعل بین بین لأن همزة بین بین لا تكون إلا متحركة، و كلامنا هنا إنما هو فی الساكنة.
و اعلم أن الهمزة الموقوف علیها إن كانت ساكنة فی الوصل فلا إشكال فی كونها ساكنة فی الوقف، مثاله قولك: (لم یسؤ)، و (لم تنو) و لم یقع فی القرآن ساكن بعد ضمة.
فأما إن كانت متحركة فی الوصل، فإنك إذا وقفت علیها- تسكنها فتصیر مساویة إذ ذاك لما كان ساكنا فی الوصل، ثم تبدلها واوا إیثارا للتخفیف.
و [فی] هذا النوع یمكن أن تكون فی الأصل متحركة بالضم، كقوله- تعالی-:
إِنِ امْرُؤٌ [النساء: 176] و یَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ [الرحمن: 22].
و یمكن أن تكون متحركة بالكسر، كقوله- تعالی-: كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ [الواقعة:
23] و یمكن أن تكون متحركة بالفتح، كقولك: «رأیت اللؤلؤ». غیر أنه لم تقع فی القرآن.

تنقیر

قوله رحمه الله فی هذا الفصل: «أبدلاها واوا فی حال تحریكها و سكونها».
كلام خرج غیر معتنی بتصحیحه؛ إذ لیس فی القرآن همزة متطرفة ساكنة بعد ضمة، و كذا نص علیه بإثر هذا الكلام، فظهر فی كلامه تنافر، لكن یتخرج كلامه علی أنه أطلق بحسب ما یقتضیه القیاس فی الساكنة لو وجدت بعد الضمة، و لو أسقط التقیید بقوله: «فی حال تحریكها و سكونها»، و أتی بالمثل متصلة بقوله:
«أبدلاها واوا» ثم أتبعه بقوله: «و لم تأت فی القرآن ساكنة»- لكان حسنا صحیحا، و الله عز و جل أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و إذا سهلا المكسور ما قبلها أبدلاها فی الحالین».
یعنی فی حال تحریكها و سكونها، و هذا صحیح، و تعلیل هذا الإبدال كتعلیله بعد الضمة، فلم تحذف لعدم موجب الحذف، و لم تجعل بین بین؛ لكونها ساكنة، و قد
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 392
وجدت الساكنة و المتحركة بعد الكسرة فی القرآن، فمن الساكنة قوله- تعالی- هَیِّئْ لَنا [الكهف: 10] و یُهَیِّئْ لَكُمْ [الكهف: 16] و نَبِّئْ عِبادِی [الحجر: 49]، و كذلك مَكْرَ السَّیِّئِ [فاطر: 43] علی قراءة حمزة فإنه یسكنها فی الوصل «1».
و أما المتحركة فجاءت فی القرآن مكسورة كقوله- تعالی-: لِكُلِّ امْرِئٍ [النور: 11]، و مِنْ شاطِئِ [القصص: 30] و مفتوحة، كقوله- تعالی-: وَ إِذا قُرِئَ [الأعراف: 204]، و وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ [الأنعام: 10] و مضمومة، كقوله- تعالی-: یُبْدِئُ [العنكبوت: 19] و تُبْرِئُ [المائدة: 110] فتقف علی جمیع هذه الأمثلة و ما أشبهها بالیاء بدلا من الهمزة كما تقف فیما تقدم بالواو، و الله أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و إذا سهلا المفتوح ما قبلها أبدلاها فی الحالین ألفا».
یعنی فی حال حركتها و سكونها، و هذا- أیضا- صحیح علی ما تقدم، و التعلیل كالتعلیل.
فمثالها ساكنة قوله- تعالی-: اقْرَأْ [الإسراء: 14] و إِنْ یَشَأْ [النساء: 133] و أَمْ لَمْ یُنَبَّأْ [النجم: 36].
و أما المتحركة فجاءت فی القرآن مفتوحة، كقوله- تعالی-: أَنْشَأَ [الأنعام:
141] و بَدَأَ [العنكبوت: 20] و أَنْ لا مَلْجَأَ [التوبة: 118]، و مكسورة كقوله
______________________________
(1) قرأ الجمهور بخفض همزة (السیئ) و حمزة و وافقه الأعمش بسكونها وصلا. و قد تجرأت النحاة و غیرهم علی هذه القراءة و نسبوها للحن، و نزهوا الأعمش من أن یكون قرأ بها، قالوا: و إنما وقف مسكنا فظن أنه وصل فغلط علیه.
و قد احتج لها قوم بأنه إجراء الوصل مجری الوقف، أو أجری المنفصل مجری المتصل، و حسّنه كون الكسرة علی حرف ثقیل بعد یاء مشددة مكسورة.
و أبو عمرو یقرأ: إِلی بارِئِكُمْ، عِنْدَ بارِئِكُمْ [البقرة: 54] بسكون الهمزة؛ فهذا أولی لزیادة الثقل هنا.
و روی عن ابن كثیر فی غیر المتواتر عنه (و مكر السأی) بهمزة ساكنة بعد السین ثم یاء مكسورة. و خرجت علی أنها مقلوبة من «السیئ»، و السیئ مخفف «من السیئ» كالمیت من المیّت، قال الحماسی:
و لا یجزون من حسن بسیئ‌و لا یجزون من غلظ بلین و قد كثر فی قراءته القلب نحو: و تأیسوا، و لا یأیس.
و قرأ عبد الله شاذّا: (و مكرا سیئا)، بالتنكیر و هو موافق لما قبله. و قرئ: وَ لا یَحِیقُ [فاطر: 43] بضم الیاء الْمَكْرُ السَّیِّئُ [فاطر: 43] بالنصب علی أن الفاعل ضمیر الله تعالی، أی: لا یحیط الله المكر السیئ إلا بأهله.
ینظر: اللباب (16/ 155- 157).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 393
- تعالی-: مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ [النمل: 22] و مِنْ مَلْجَإٍ [الشوری: 47] و مِنْ حَمَإٍ [الحجر: 26]، و مضمومة كقوله- تعالی-: وَ یَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ [النور:
8] و وَ یُسْتَهْزَأُ بِها [النساء: 140] و یَتَفَیَّؤُا ظِلالُهُ [النحل: 48] و نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ [الزمر: 74] و یُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ [القیامة: 13].
قال الحافظ- رحمه الله-: «و الرّوم و الإشمام ممتنعان فی الحرف المبدل من الهمزة؛ لكونه ساكنا محضا».
یرید فی جمیع ما تقدم.
و هذا الحكم بین فیما أصله السكون فی الوصل.
فأما الهمزة التی أصلها التحریك فقد یتوهم أنه یمكن استعمال الرّوم و الإشمام فیما أصله الرفع، و الروم خاصة فیما أصله الكسر.
و الجواب: أن الوقف بالتسهیل علی هذا النحو من الهمزات ذكر فیه وجهان:
أحدهما: الإبدال كما ذكر الحافظ هنا، و كأنه مبنی علی أن تكون قد سكنت فی الوقف، فلما سهلتها أبدلتها علی حركة ما قبلها، فإذا كان كذلك لم یكن روم و لا إشمام؛ لأنك إنما أبدلت من همزة ساكنة- أعنی باعتبار الوقف- فلم یتصور فی هذه الحروف روم و لا إشمام؛ إذ لا أصل لها فی الحركة؛ إذ قد عزم علی أن تكون مبدلة مما حكم له فی الوقف، و مع هذا فإن هذه الحروف المبدلة لما لم تثبت فی الوصل أشبهت الهاء التی یوقف علیها بدلا من تاء التأنیث المتصلة نحو: شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات 393 تنقیر ..... ص : 391
الجنة» «1»، فإنهم منعوا الروم و الإشمام فیها، و إن كانت مبدلة من التاء المتحركة فی
______________________________
(1) ذهب الكوفیون إلی أن الهاء فی (الجنة) و نحوها هی الأصل، و التاء فی الوصل بدل منها، و عكس ذلك البصریون، و علی كلّ فالهاء دالة علی التأنیث و لیس لها مذكر، ثم إن الهاء تأتی للدلالة علی وجوه أخر ذكرها ابن نور الدین فی مصابیح المغانی قائلا:
الهاء تكون فی أول الكلام و آخره، أما أوله: فقد تبدل الهاء عوضا من الهمزة مثل:
هراق و أراق، و أما فی آخره فتأتی علی أربعة عشر وجها:
الأول: ضمیرا للغائب: و تستعمل فی موضع الجر و النصب، قال الله تعالی: قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ یُحاوِرُهُ [الكهف: 34].
الثانی: تكون حرفا للغیبة، و هی الهاء فی (إیاه) فقیل: إن التحقیق أن الضمیر (إیا) وحدها، و الهاء حرف لمجرد معنی الغیبة.
الثالث: تكون دالة علی التأنیث و لیس لها مذكر (و هو ما صدرنا به كلامنا).
الرابع: تكون فارقة بین المذكر و المؤنث، فتقع فی المؤنث نحو: قائم و قائمة، و فتی-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 394
الوصل بالرفع أو الخفض؛ لكون الهاء لم تثبت فی الوصل قط؛ فلا حظ لها فی
______________________________
- و فتاة، و قد تقع فی المذكر و ذلك فی العدد من الثلاثة إلی العشرة.
الخامس: تكون فارقة بین الواحد و الجمع نحو: تمرة و تمر، و حمامة و حمام. و قد تقع فی المذكر كقولك: هذا حمار، و هؤلاء حمارة، و قد تقع فی الجمع دون الواحد فی اسمین خاصة كقولك: حمأ و حمأة، و مثله: كم‌ء: للواحد، و كمأة: للجمع.
السادس: تدخل للمبالغة فی المدح و الذم، كقولهم فی المدح: رجل علامة و نسابة و راویة و خلیفة، و فی الذم: لحانة و هلباجة، و قد قیل: إن الهاء فی قوله تعالی: بَلِ الْإِنْسانُ عَلی نَفْسِهِ بَصِیرَةٌ [القیامة: 14]. و قوله تعالی: وَ ذلِكَ دِینُ الْقَیِّمَةِ [البینة:
5] من ذلك.
السابع: تأتی لتأكید التأنیث فی الجمع الذی علی (فعالة) و (فعولة)، و لیست بلازمة فی كل موضع، كقولهم فی مثل: جمل: جمالة، و فی حجر: حجارة، و فی فحل: فحالة و فحولة، و فی عم: عمومة، و فی خال: خئولة، و كذلك فی ملائكة، قال الله تعالی:
وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ [البقرة: 228].
الثامن: تأتی للنسب فی الجمع الذی علی زنة (مفاعل) نحو: المهالبة و الأشاعثة، و الأشاعرة.
التاسع: تأتی عوضا من حرف محذوف لزوما، و ذلك فی أربعة مواضع:
أحدها: الجمع الذی علی زنة (مفاعیل) نحو: زنادیق و زنادقة، و جحاجیح و جحاجحة، و متی لم تأت بها أتیت بالیاء؛ لأنهما یتعاقبان.
ثانیها: المصدر الذی حذفت عینه كقولهم: أقام إقامة، و الأصل أقام إقواما، و استقوم استقواما.
ثالثها: الفعل المعتل اللام عوضا من حذف اللام، و ذلك فی لغة بعض العرب، یقولون: ارمه، و لا ترمه.
رابعها: تكون عوضا من الیاء، كقولهم: هذه، و الأصل: هذی.
العاشر: تأتی لبیان المرات، كقولك: جلست جلسة، و جلستین.
الحادی عشر: تأتی فی حال الوقف لبیان الحركة (و هی هاء السكت، و قد سبق الحدیث عنها).
الثانی عشر: تدخل لإمكان النطق بالكلمة، و ذلك فی فعل الأمر إذا صار إلی حرف واحد كقوله: عه، و شه، و قه.
الثالث عشر: تأتی لبیان الحركة و كراهیة اجتماع الساكنین، كقولهم فی الوقف علی «ثم»: ثمه، و علی «هلم»: هلمه، و علی «إن» بمعنی نعم: إنه، قال الشاعر:
یأیها الناس ألا هلمه الرابع عشر: تدخل للمحاذاة و الازدواج كقولهم: لكل ساقطة لاقطة، أی: لكل كلمة ساقطة- أی یسقط بها الإنسان- لا قط یلقطها، كذا فسره أبو بكر بن الأنباری، فدخلت الهاء لتزدوج الأولی مع الثانیة، كما قالوا: یأتینا بالغدایا و العشایا، فجمعوا «غداة» علی «غدایا» لتزدوج مع «العشایا».
ینظر: مصابیح المغانی (498- 502).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 395
الحركة التی للتاء فی الوصل.
و الوجه الثانی من التسهیل لهذا النحو من الهمزات: جعلها بین بین، فإذا كان كذلك لزم الروم من جهة «1» أن همزة بین بین لا تسكن.
نص علی هذا الشیخ فی «التبصرة» و الإمام فی «الكافی». و الحافظ فی غیر «التیسیر».
و رجح الشیخ و الإمام الوقف بالبدل، كما عول علیه الحافظ هنا.
قال الحافظ- رحمه الله-: «فإذا سكن ما قبل الهمزة و سهلاها ألقیا حركتها علی ذلك الساكن و أسقطاها إن كان ذلك الساكن أصلیا غیر ألف».
اعلم أن الساكن قبل الهمزة المتطرفة جاء فی القرآن علی وجهین: صحیحا، و معتلا.
أما الصحیح: فجاءت الهمزة بعده مفتوحة فی قوله- تعالی-: یُخْرِجُ الْخَبْ‌ءَ [النمل: 25] لا غیر، و مكسورة فی قوله- تعالی-: بَیْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ [البقرة:
102] و بَیْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ [الأنفال: 24] لا غیر، و مضمومة فی قوله:
دِفْ‌ءٌ [النحل: 5] و مِلْ‌ءُ الْأَرْضِ [آل عمران: 91] و یَوْمَ یَنْظُرُ الْمَرْءُ [النبأ: 40] و لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ [الحجر: 44] لا غیر.
و أما الساكن المعتل، فإما أن یكون ألفا و سیأتی الكلام فیه، و إما أن یكون واوا [أو یاء] و هما قسمان:
الأول: أن یكونا زائدین للمد، و سیأتی أیضا.
أو یكونا أصلیین سواء كانا حرفی مد، أو حرفی لین.
فمثال الیاء الأصلیة حرف مد قبل الهمزة المتطرفة: (و جای) [الزمر: 69]، و سِی‌ءَ [هود: 77]، و حَتَّی تَفِی‌ءَ [الحجرات: 9]، و یُضِی‌ءُ [النور: 35] و بَرِی‌ءٌ [الأنعام: 19]، و الْمُسِی‌ءُ [غافر: 58].
و مثالها حرف لین شَیْ‌ءٍ لا غیر، كقوله- تعالی-: إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَیْ‌ءٌ عَظِیمٌ [الحج: 1]، و إِنَّ هذا لَشَیْ‌ءٌ عُجابٌ [ص: 5] و عَلی كُلِّ شَیْ‌ءٍ قَدِیرٌ [البقرة: 20].
______________________________
(1) فی أ: وجهة.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 396
و مثال الواو الأصلیة حرف مد قبل الهمزة المتطرفة، قوله- تعالی-: لَتَنُوأُ [القصص: 76]، و أَنْ تَبُوءَ [المائدة: 29] و لِیَسُوؤُا فی أول سورة الإسراء [الآیة: 7] علی قراءة حمزة و من وافقه، و وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ [آل عمران: 30].
و مثالها حرف لین: «سوء»، كقوله تعالی عَلَیْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ [التوبة: 98] و لِلَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ [النحل: 60]، و إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ [الأنبیاء: 74] فهذه جملة الأمثلة الواردة فی القرآن مما قبل الهمزة فیه ساكن صحیح، أو واو، أو یاء ساكنان أصلیان و هو الذی قصد الحافظ- رحمه الله- فی هذا الموضع.
و حكم تسهیل الهمزة فی جمیعها أن تسقط و یحرك الساكن قبلها بحركتها ثم یكون اللفظ فی الوقف علی ما یجوز فی الوقف علی المتحرك، فما نقلت إلیه الفتحة فالوقف علیه بالسكون لا غیر؛ إذ لا ترام الفتحة عند القراء فتقف علی الْخَبْ‌ءَ [النمل: 25] و (و جای) [الزمر: 69] و لِیَسُوؤُا [الإسراء: 7] بسكون الباء و الیاء و الواو، و ما نقلت إلیه الكسرة تقف علیه بالسكون أو بالروم نحو بَیْنَ الْمَرْءِ [البقرة: 102] و مِنْ شَیْ‌ءٍ و وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ [آل عمران: 30] و دائِرَةُ السَّوْءِ [التوبة: 98]، و ما نقلت إلیه الضمة تقف علیه بالسكون و بالروم، و بالإشمام نحو (دف)، و (یضی) و (المسی).
و بصحة الروم و الإشمام فی هذه الأشیاء یستدل قطعا علی أنك نقلت الحركة من الهمزة، و لم تحذفها بحركتها؛ إذ لو حذفتها بحركتها لم یمكن فیما قبلها روم و لا إشمام؛ إذ لا أصل له فی الحركة.
و دلیل ثان: و هو وجود النقل إذا توسطت بعد الساكن علی ما یأتی بعد بحول الله العلی العظیم، و إنما امتنع فی هذا النوع من الهمزات البدل من أجل الحرف الساكن الذی قبلها، فلو أبدلتها- لالتقی ساكنان.
و امتنع أیضا جعلها بین بین؛ لأن الهمزة الملینة بین بین قریبة من الساكن فامتنع وقوعها حیث یمتنع وقوع الساكن؛ و لهذا امتنعوا من الابتداء بهمزة بین بین؛ إذ لا یبتدأ بساكن فكذلك ما قرب منه.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 397

تنقیر

قال الحافظ فی هذا الفصل: «إذا كان الساكن أصلیا غیر ألف».
و مفهوم هذا الخطاب یقتضی أن الألف قد تكون أصلا؛ فاعلم أن الألف لا تكون أصلا بنفسها لا فی الأسماء، و لا فی الأفعال، و إنما تكون أبدا إما زائدة، و إما بدلا من حرف أصلی.
أما الزائدة فخروجها بهذا التقیید بیّن.
و أما التی هی بدل من الحرف الأصلی، فیمكن أن یعبر عنها بأنها زائدة و كذا سماها سیبویه؛ لأنها لما لم تكن هی نفس الحرف الأصلی، كانت بلا شك غیره، و غیر الشی‌ء زائد «1» علی الشی‌ء، و إن كان قد حل محله.
قال سیبویه فی باب الهمز «2»: و إذا جمعت آدم قلت: أوادم، كما أنك إذا صغرت قلت: أویدم، و هذه الألف لما كانت ثانیة ساكنة، و كانت زائدة؛ لأن البدل لا یكون من أنفس «3» الحروف، فأرادوا أن یكسّروا هذا الاسم الذی قد ثبت فیه هذه الألف- صیروا ألفه بمنزلة ألف خالد» «4». انتهی.
فهذا نص من سیبویه علی تسمیة الألف المبدلة من الحرف الأصلی زائدة، و أراد بالحروف الكلم علی عادته فی التعبیر بالحروف عن الاسم و الفعل.
فإذا تقرر ذلك، فاعلم أنه یمكن تخریج كلام الحافظ علی أن الألف المبدلة من الحرف الأصلی یجوز أن تسمی: أصلا؛ مجازا من باب تسمیة الشی‌ء باسم الشی‌ء إذا كان بینهما نوع من التعلق بوجه ما.
و یعتضد هذا بأنك تقابل الألف المبدلة من الأصل فی الوزن بحرف من حروف الأصول، فتقول: وزن «قال» و «باع»: فعل، فتجعل عین الفعل فی مقابلة الألف، و لا تفعل هذا بالزائد الذی لیس مبدلا من حرف أصلی، فیحصل من قوله: «إذا كان
______________________________
(1) فی أ: زائدة.
(2) فی أ: الهمزة.
(3) فی ب: نفس.
(4) الكتاب (3/ 552)، و فیه: (كما أنك إذا حقرت قلت: أویدم؛ لأن هذه الألف ...) بدلا من (كما أنك إذا صغرت قلت: أویدم، و هذه الألف ...).
و فیه أیضا (ثبتت) بدلا من (ثبت).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 398
الساكن أصلیا» خروج الألف الزائدة التی هی غیر مبدلة من حرف أصلی، نحو الألف فی السَّماءِ و أَوْلِیاءَ.
و یحصل من قوله: «غیر ألف» إخراج الألف المبدلة من الحرف الأصلی نحو شاءَ و جاءَ و (ماء) علی ما تقدم من التوجیه، و الله جل جلاله أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله-: «فإذا كان الساكن زائدا للمد و كان یاء أو واوا، أبدلا الهمزة مع الیاء یاء، و مع الواو واوا، و أدغما ما قبلهما فیهما».
هذا هو القسم الأول من التقسیم الثانی، و الذی جاء منه فی القرآن (بریّ)، و (السیّ) وزنهما «فعیل»، و ثَلاثَةَ قُرُوءٍ من ذوات الواو، وزنه «فعول»، لا غیر.
و امتنع هنا نقل الحركة إلی الیاء و الواو، لكونهما زائدین لمجرد المد فقوی شبههما «1» بالألف التی هی الأصل فی حروف المد.
أ لا تری أن الیاء و الواو هنا إنما وضعا لمجرد قصد المد، و إذا كان كذلك فلا سبیل لهما إلی الحركة، كما أن الألف لا تقبل الحركة أبدا؛ و لهذا أظهروهما إذا وقع بعدهما مماثل لهما، كقوله- تعالی-: الَّذِی یَدُعُّ الْیَتِیمَ [الماعون: 2] و آمَنُوا وَ عَمِلُوا [البقرة: 25].
فإن قیل: فكان یلزم ألا یدغم فی باب (النسیّ)، و (قروّ) لكون الیاء و الواو فیه حرفی مد، كما لم یدغموا الَّذِی یَدُعُ و آمَنُوا وَ عَمِلُوا.
فالجواب: أن الضرورة فرقت بین البابین؛ إذ لو لم یدغموا فی باب النسیّ و قروّ للزم أحد أمرین:
إما حذف الهمزة بحركتها، و هم لا یحذفون إلا إذا نقلوا الحركة.
و إما أن یمدوا مدة مطولة فی تقدیر یاءین، أو واوین علی ما یراه الحافظ إذا كان قبل الهمزة ألف كما یأتی بعد بحول الله تعالی، و لا شك أن الإدغام أخف من هذا التكلف، و لم تعرض هذه الضرورة فی باب الَّذِی یَدُعُ، و آمَنُوا وَ عَمِلُوا لا سیما و الیاء و الواو فیه منفصلتان مما بعدهما بخلاف باب (النسیّ) و (قروّ) و الإدغام فی المتصل أقرب منه فی المنفصل.
ثم إن الإدغام فی باب (قروّ) و (النسیّ) إنما عرض فی الوقف و هو عارض
______________________________
(1) فی أ: شبهها.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 399
فلم یحفل به، بخلاف باب الَّذِی یَدُعُ و آمَنُوا وَ عَمِلُوا؛ لأنه لو أدغم لكان ذلك الإدغام حاصلا فی الوصل، و هو الأصل؛ فكرهوا أن یبطلوا فیه حقیقة حرف المد بالإدغام، و الله سبحانه أعلم.
و قوله- رحمه الله- فی هذا الفصل: «و كان یاء أو واوا».
یعنی الزائد، و تحرّز بهذا القید من الألف الزائدة، لمجرد المد؛ لأن حكمها حكم المنقلبة عن الأصل كما یأتی بعد بحول الله تبارك و تعالی.
قال الحافظ رحمه الله: «و الرّوم و الإشمام جائزان فی الحرف المحرك بحركة الهمزة».
یرید: حیث نقلت الحركة إلی الساكن قبلها علی ما تقدم.
و قوله: «فی المبدل منهما غیر الألف».
یعنی: فی هذا الفصل الذی قبل الهمزة فیه یاء أو واو زائدة للمد.
و قوله: «غیر الألف»، لأن قوله: «فی المبدل منهما» یستوعب بعمومه ما ذكر هنا، و ما بعد مما تبدل فیه الهمزة ألفا، و لو ترك هذا الاستثناء لم یضر؛ لأنّا كنا نحمل كلامه فی جواز الروم و الإشمام علی ما ذكر، كما لم یضر ترك الاستثناء فی الفصل الأول حیث قال و الرّوم و الإشمام ممتنعان فی الحرف المبدل من الهمزة؛ لكونه ساكنا محضا، و لم یحتج هناك بإثر قوله: «فی الحرف المبدل من الهمزة» أن یقول: «غیر الواقعة بعد یاء أو واو زائدة للمد».
و قوله: «إن انضما» فألحق ضمیر الاثنین؛ لأنه یعنی الحرف المحرك [بالحركة] «1» المنقولة من الهمزة و الحرف المبدل بعد حرف المد، و كذا قوله:
«و الروم إن انكسرا أو الإسكان إن انفتحا».

تنقیر

ما ذكر من جواز الروم و الإشمام مع الضم، و الروم مع الكسر صحیح؛ لأن الجواز إنما یطلق حیث یصح حكمان فصاعدا علی البدل، و لا شك أنه یجوز فی المضموم الروم و الإشمام، و یجوز السكون، و یجوز فی المكسور الروم و السكون.
فأما قوله: «و السكون إن انفتحا» ففیه مسامحة؛ لأنه لا یجوز عند القراء فی
______________________________
(1) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 400
المفتوح روم، و لا یمكن فیه الإشمام، فالسكون «1»- إذن- لازم له فكان حقه أن یقول: «و یلزم السكون إن انفتحا».
و اعلم أن الشیخ و الإمام موافقان للحافظ علی كل ما تقدم فی الباب و ذكرا مع ذلك أنه یجوز فی (سی‌ء) و (سوء) و نحوهما إبدال الهمزة حرفا من جنس ما قبلها، و إدغام ما قبلها فی المبدل منها؛ إجراء للیاء و الواو الأصلیتین مجری الزائدتین لمجرد المد، إلا أن الأول أرجح عندهما.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و إن كان الساكن ألفا ...» الفصل.
هذا هو القسم الأول من التقسیم الأول الوارد علی الحرف المعتل.
اعلم أن الهمزة المتطرفة جاءت فی القرآن بعد الألف مفتوحة نحو جاءَ [هود:
40] و شاءَ [هود: 33] و فَلَمَّا أَضاءَتْ [البقرة: 17] و فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ [الأعراف: 57]. و الألف فی هذه الأمثلة مبدلة من حرف أصلی.
و كذلك وَ السَّماءَ رَفَعَها [الرحمن: 7] و أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ [البقرة: 133] و جَعَلَ فِیكُمْ أَنْبِیاءَ [المائدة: 20]، و الألف فی هذه الأمثلة زائدة غیر مبدلة من حرف أصلی.
و جاءت مكسورة نحو مِنَ الْماءِ [الأعراف: 50]، و مضمومة نحو یَشاءُ و ألفهما منقلبة عن أصل و سَواءٌ عَلَیْكُمْ [الأعراف: 193] و ألفه زائدة غیر مبدلة من أصل، و اعتمد الحافظ فی هذا الفصل علی إبدال الهمزة ألفا، و كذلك فعل فی «المفردات».
و قال فی «المفردات»: «و بعض القراء یجعل الهمزة فی ذلك كله بین بین».
و قد روی خلف «2» عن سلیم، عن حمزة ذلك فیه منصوصا، و الأول أقیس.
______________________________
(1) فی أ: بالسكون.
(2) خلف بن هشام بن ثعلب، و قیل: طالب بن غراب، الإمام الحافظ الحجة، شیخ الإسلام، أبو محمد البغدادی البزار، المقرئ.
مولده سنة خمسین و مائة.
و سمع مالك بن أنس، و حماد بن زید و أبا عوانة، و أبا شهاب الحناط عبد ربه و شریكا القاضی و حماد بن یحیی الأبح، و أبا الأحوص، و عدة.
و تلا علی سلیم، و علی أبی یوسف الأعشی، و غیرهما، و حمل الحروف عن یحیی ابن آدم، و إسحاق المسیبی، و طائفة، و تصدر للإقراء و الروایة.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 401
و حكی الإمام فیما همزته محركة بالضم أو بالكسر نحو یَشاءُ و مِنَ الْماءِ الوجهین أعنی إبدالها ألفا، و أن تجعل بین الهمزة [و] الحرف الذی منه حركتها مع روم الحركة، فأما المفتوحة فلم یجز فیها إلا البدل؛ لامتناع الروم فیها مع كون همزة بین بین لا تسكن.
و حكی أبو جعفر بن الباذش عن أبیه- رحمهما الله-: أنه لا یجوز غیر البدل بأی حركة تحركت.
قال: «لأن سكون الهمزة فی الوقف یوجب فیها الإبدال علی الفتحة التی قبل الألف الزائدة، أو المنقلبة فهی تخفف تخفیف الساكن لا تخفیف المتحرك».
و اعلم أنه لیس فی كلام سیبویه فیما علمت بیان فی هذه المسألة؛ لأنه لما ذكر الهمزة بعد الألف فی باب الهمز ذكرها إما متوسطة نحو مِنْسَأَتَهُ و سائِلٌ و إما متطرفة موصولة بكلمة أخری نحو جاءَ أُمَّةً و ذكر فی ذلك كله: جعلها بین بین، و أطلق القول فی موضع آخر من هذا الباب بأنها تجعل بعد الألف بین بین و لم یبین هل ذلك فی الوقف و الوصل أو مخصوص بالوصل، و لم یتعرض فی هذا الباب للوقف علی شی‌ء من الهمز؛ فلذلك یقوی الظن أنه حیث أطلق، فإنه أراد به الوصل و الله- تعالی جده أعلم و أحكم «1».
______________________________
- روی عنه القراءة عرضا: أحمد بن یزید الحلوانی و سلمة بن عاصم و محمد بن الجهم السمری و أحمد بن أبی خیثمة، و محمد بن یحیی الكسائی، و أحمد بن إبراهیم الوراق، و إدریس الحداد، و آخرون.
و حدث عنه: مسلم فی (صحیحه)، و أبو داود فی (سننه) و أبو زرعة و أبو حاتم، و له اختیار فی الحروف صحیح ثابت لیس بشاذ أصلا، و لا یكاد یخرج فیه عن القراءات السبع، و أخذ عنه خلق لا یحصون.
توفی خلف فی سابع شهر جمادی الآخرة سنة تسع و عشرین و مائتین و قد شارف الثمانین. ینظر: سیر أعلام النبلاء (10/ 576- 580)، و الجرح و التعدیل (3/ 372)، تاریخ بغداد (8/ 322- 328)، الجمع بین رجال الصحیحین (1/ 125)، معرفة القراء الكبار (1/ 171- 172)، العبر (1/ 404)، دول الإسلام (1/ 138)، الكاشف (1/ 282)، غایة النهایة (1/ 273- 275)، تهذیب التهذیب (3/ 156)، خلاصة تهذیب الكمال: (106)، شذرات الذهب (2/ 67).
(1) لكی یكون القارئ علی بینة مما جاء فی الكتاب عن سیبویه فی هذا الشأن، نسوق نص كلامه فی هذا الباب، قال سیبویه: هذا باب الهمز:
اعلم أن الهمزة تكون فیها ثلاثة أشیاء: التحقیق، و التخفیف، و البدل.
فالتحقیق قولك: قرأت، و رأس، و سأل، و لؤم، و بئس، و أشباه ذلك.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 402
______________________________
- و أما التخفیف فتصیر الهمزة فیه بین بین و تبدل، و تحذف. و سأبین ذلك، إن شاء الله.
اعلم أن كل همزة مفتوحة كانت قبلها فتحة فإنك تجعلها إذا أردت تخفیفها بین الهمزة و الألف الساكنة، و تكون بزنتها محققة، غیر أنك تضعف الصوت و لا تتمه و تخفی؛ لأنك تقربها من هذه الألف. و ذلك قولك: سأل، فی لغة أهل الحجاز إذا لم تحقق كما یحقق بنو تمیم، و قد قرأ قنبل، [بین بین].
و إذا كانت الهمزة منكسرة و قبلها فتحة صارت بین الهمزة و الیاء الساكنة، كما كانت المفتوحة بین الهمزة و الألف الساكنة؛ أ لا تری أنك لا تتم الصوت هاهنا و تضعفه؛ لأنك تقربها من الساكن، و لو لا ذلك لم یدخل الحرف و هن، و ذلك قولك: بئس و سئم، وَ إِذْ قالَ إِبْراهِیمُ [البقرة: 126] و كذلك أشباه هذا؟! و إذا كانت الهمزة مضمومة و قبلها فتحة صارت بین الهمزة و الواو الساكنة. و المضمومة قصتها و قصة الواو قصة المكسورة و الیاء، فكل همزة تقرب من الحرف الذی حركتها منه فإنما جعلت هذه الحروف بین بین و لم تجعل ألفات و لا یاءات و لا واوات؛ لأن أصلها الهمز، فكرهوا أن یخففوا علی غیر ذلك فتحول عن بابها، فجعلوها بین بین؛ لیعلموا أن أصلها عندهم الهمز.
و إذا كانت الهمزة مكسورة و قبلها كسرة أو ضمة فهذا أمرها أیضا، و ذلك قولك: من عند إبلك، و مرتع إبلك.
و إذا كانت الهمزة مضمومة و قبلها ضمة أو كسرة فإنك تصیرها بین بین، و ذلك قولك:
هذا درهم أختك، و من عند أمك. و هو قول العرب و قول الخلیل.
و اعلم أن كل همزة كانت مفتوحة و كان قبلها حرف مكسور فإنك تبدل مكانها یاء فی التخفیف، و ذلك قولك فی المئر: میر، و فی یرید أن یقرئك: یقریك. و من ذلك: من غلام یبیك، إذا أردت: من غلام أبیك.
و إن كانت الهمزة مفتوحة و قبلها ضمة و أردت أن تخفف أبدلت مكانها واوا كما أبدلت مكانها یاء حیث كان ما قبلها مكسورا، و ذلك قولك فی «التؤدة» تودة، و فی الجؤن: جون، و تقول: غلام وبیك، إذا أردت: غلام أبیك.
و إنما منعك أن تجعل الهمزة هاهنا بین بین من قبل أنها مفتوحة، فلم تستطع أن تنحو بها نحو الألف و قبلها كسرة أو ضمة، كما أن الألف لا یكون ما قبلها مكسورا و لا مضموما؛ فكذلك لم یجئ ما یقرب منها فی هذه الحال. و لم یحذفوا الهمزة إذ كانت لا تحذف و ما قبلها متحرك، فلما لم تحذف و ما قبلها مفتوح لم تحذف و ما قبلها مضموم أو مكسور؛ لأنه متحرك یمنع الحذف كما منعه المفتوح.
و إذا كانت الهمزة ساكنة و قبلها فتحة، فأردت أن تخفف- أبدلت مكانها ألفا، و ذلك قولك فی «رأس و بأس و قرأت»: راس و باس و قرات.
و إن كان ما قبلها مضموما، فأردت أن تخفف- أبدلت مكانها واوا، و ذلك قولك فی «الجؤنة و البؤس و المؤمن»: الجونة و البوس و المؤمن.
و إن كان ما قبلها مكسورا أبدلت مكانها یاء، كما أبدلت مكانها واوا إذا كان ما قبلها مضموما، و ألفا إذا كان ما قبلها مفتوحا. و ذلك «الذئب و المئرة»: ذیب و میرة، فإنما-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 403
______________________________
تبدل مكان كل همزة ساكنة الحرف الذی منه الحركة التی قبلها؛ لأنه لیس شی‌ء أقرب منه و لا أولی به منها.
و إنما یمنعك أن تجعل هذه السواكن بین بین أنها حروف میتة، و قد بلغت غایة لیس بعدها تضعیف، و لا یوصل إلی ذلك، و لا تحذف؛ لأنه لم یجئ أمر تحذف له السواكن، فألزموه البدل كما ألزموا المفتوح الذی قبله كسرة أو ضمة البدل. و قال الراجز:
عجبت من لیلاك و انتیابهامن حیث زارتنی و لم أورا بها خفف: و لم أورأ بها، فأبدلوا هذه الحروف التی منها الحركات؛ لأنها أخوات، و هی أمهات البدل و الزوائد، و لیس حرف یخلو منها أو من بعضها، و بعضها حركاتها. و لیس حرف أقرب إلی الهمزة من الألف، و هی إحدی الثلاث، و الواو و الیاء شبیهة بها أیضا مع شركتهما أقرب الحروف منها. و سنری ذلك، إن شاء الله.
و اعلم أن كل همزة متحركة كان قبلها حرف ساكن، فأردت أن تخفف- حذفتها، و ألقیت حركتها علی الساكن الذی قبلها. و ذلك قولك: من بوك و من ومك و كم بلك، إذا أردت أن تخفف الهمزة فی: الأب و الأم و الإبل.
و مثل ذلك قولك: الحمر، إذا أردت أن تخفف ألف «الأحمر». و مثله قولك فی المرأة:
المرة، و الكمأة: الكمة. و قد قالوا: الكماة و المراة. و مثله قلیل.
و قد قال الذین یخففون: أَلَّا یَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِی یُخْرِجُ الْخَبْ‌ءَ فِی السَّماواتِ [النمل:
26]، حدثنا بذلك عیسی، و إنما حذفت الهمزة هاهنا؛ لأنك لم ترد أن تتم و أردت إخفاء الصوت، فلم یكن لیلتقی ساكن و حرف هذه قصته، كما لم یكن لیلتقی ساكنان؛ أ لا تری أن الهمزة إذا كانت مبتدأة محققة فی كل لغة فلا تبتدئ بحرف قد أوهنته؛ لأنه بمنزلة الساكن، كما لا تبتدئ بساكن، و ذلك قولك: أمر؟! فكما لم یجز أن تبتدأ؛ فكذلك لم یجز أن تكون بعد ساكن، و لم یبدلوا لأنهم كرهوا أن یدخلوها فی بنات الیاء و الواو اللتین هما لامان.
فإنما تحتمل الهمزة أن تكون بین بین فی موضع لو كان مكانها ساكن جاز، إلا الألف وحدها فإنه یجوز ذلك بعدها، فجاز ذلك فیها، و لا تبالی إن كانت الهمزة فی موضع الفاء أو العین أو اللام، فهو بهذه المنزلة إلا فی موضع لو كان فیه ساكن جاز.
و مما حذف فی التخفیف لأن ما قبله ساكن قوله: أری و تری و یری و نری، غیر أن كل شی‌ء كان [فی] أوله زائدة سوی ألف الوصل من «رأیت» فقد اجتمعت العرب علی تخفیفه؛ لكثرة استعمالهم إیاه، جعلوا الهمزة تعاقب.
و حدثنی أبو الخطاب أنه سمع من یقول: قد أرآهم، یجی‌ء بالفعل من «رأیت» علی الأصل، من العرب الموثوق بهم.
و إذا أردت أن تخفف همزة «ارأوه» قلت: روه، تلقی حركة الهمزة علی الساكن و تلقی ألف الوصل؛ لأنك استغنیت حین حركت الذی بعدها؛ لأنك إنما ألحقت ألف الوصل للسكون. و یدلك علی ذلك: ر ذاك، و سل، خففوا: ارأ، و اسأل.
و إن كانت الهمزة المتحركة بعد ألف لم تحذف؛ لأنك لو حذفتها ثم فعلت بالألف ما فعلت بالسواكن التی ذكرت لك لتحولت حرفا غیرها؛ فكرهوا أن یبدلوا مكان الألف حرفا و یغیروها؛ لأنه لیس من كلامهم أن یغیروا السواكن فیبدلوا مكانها إذا كان بعدها همزة-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 404
______________________________
- فخففوا، و لو فعلوا ذلك لخرج كلام كثیر من حد كلامهم؛ لأنه لیس من كلامهم أن تثبت الیاء و الواو ثانیة فصاعدا و قبلها فتحة، إلا أن تكون الیاء أصلها السكون. و سنبین ذلك فی بابه، إن شاء الله.
و الألف تحتمل أن یكون الحرف المهموز بعدها بین بین؛ لأنها مد، كما تحتمل أن یكون بعدها ساكن، و ذلك قولك فی «هباءة»: هبااة، و فی «مسائل»: مسایل، و فی «جزاء أمه»: جزاؤ امه.
و إذا كانت الهمزة المتحركة بعد واو أو یاء زائدة ساكنة لم تلحق لتلحق بناء ببناء، و كانت مدة فی الاسم و الحركة التی قبلها منها بمنزلة الألف، أبدل مكانها واو إن كانت بعد واو، و یاء إن كانت بعد یاء، و لا تحذف فتحرك هذه الواو و الیاء فتصیر بمنزلة ما هو من نفس الحرف، أو بمنزلة الزوائد التی مثل ما هو من نفس الحرف من الیاءات و الواوات.
و كرهوا أن یجعلوا الهمزة بین بین بعد هذه الیاءات و الواوات إذ كانت الیاء و الواو الساكنة قد تحذف بعدها الهمزة المتحركة و تحرك، فلم یكن بد من الحذف أو البدل، و كرهوا الحذف؛ لئلا تصیر هذه الواوات و الیاءات بمنزلة ما ذكرنا. و ذلك قولك فی «خطیئة»: خطیّة، و فی النسی‌ء: النسیّ یا فتی، و فی «مقروء»، و «مقروءة»: هذا مقروّ، و هذه مقروّة، و فی «أفیئس» و هو تحقیر «أفؤس»: أفیّس، و فی «بریئة» بریّة، و فی «سویئل»: و هو تحقیر سائل سویّل، فیاء التحقیر بمنزلة یاء «خطیّة» و واو «الهدوّ»، فی أنها لم تجئ لتلحق بناء ببناء، و لا تحرك أبدا بمنزلة الألف. و تقول فی «أبی إسحاق» و «أبو إسحاق»: أبیسحاق و أبو سحاق. و فی «أبی أیوب» و «ذو أمرهم»: ذومرهم و أبی‌یّوب، و فی «قاضی أبیك»: قاضی بیك، و فی «یغزو أمه»: یغزومّه؛ لأن هذه من نفس الحرف.
و تقول فی «حوأبة»: حوبة؛ لأن هذه الواو ألحقت بنات الثلاثة ببنات الأربعة، و إنما هی كواو «جدول»؛ أ لا تراها لا تغیر إذا كسرت للجمع تقول: حوائب؟! فإنما هی بمنزلة عین «جعفر».
و كذلك سمعنا العرب الذین یخففون یقولون: اتبعوا مره؛ لأن هذه الواو لیست بمدة زائدة فی حرف الهمزة منه، فصارت بمنزلة واو یدعو. و تقول: اتبعی مره، صارت كیاء «یرمی» حیث انفصلت، و لم تكن مدة فی كلمة واحدة مع الهمزة؛ لأنها إذا كانت متصلة و لم تكن من نفس الحرف أو بمنزلة ما هو من نفس الحرف، أو تجئ لمعنی، فإنما تجی‌ء لمدة لا لمعنی. و واو «اضربوا» و «اتبعوا»، هی لمعنی الأسماء، و لیس بمنزلة الیاء فی «خطیئة» تكون فی الكلمة لغیر معنی. و لا تجی‌ء الیاء مع المنفصلة لتلحق بناء ببناء فیفصل بینها و بین ما لا یكون ملحقا بناء ببناء.
فأما الألف فلا تغیر علی كل حال؛ لأنها إن حركت صارت غیر ألف. و الواو و الیاء تحركان و لا تغیران.
و اعلم أن الهمزة إنما فعل بها هذا من لم یخففها؛ لأنه بعد مخرجها، و لأنها نبرة فی الصدر تخرج باجتهاد، و هی أبعد الحروف مخرجا، فثقل علیهم ذلك؛ لأنه كالتهوّع.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 405
______________________________
- و اعلم أن الهمزتین إذا التقتا و كانت كل واحدة منهما من كلمة، فإن أهل التحقیق یخففون إحداهما و یستثقلون تحقیقهما؛ لما ذكرت لك، كما استثقل أهل الحجاز تحقیق الواحدة. فلیس من كلام العرب: أن تلتقی همزتان فتحققا، و من كلام العرب تخفیف الأولی و تحقیق الآخرة، و هو قول أبی عمرو. و ذلك قولك: فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها [محمد: 18]، و یا زَكَرِیَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ [مریم: 7]. و منهم من یحقق الأولی و یخفف الآخرة، سمعنا ذلك من العرب، و هو قولك: فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها، و یا زَكَرِیَّا إِنَّا. و قال:
كل غراء اذا ما برزت‌ترهب العین علیها و الحسد سمعنا من یوثق به من العرب ینشده هكذا.
و كان الخلیل یستحب هذا القول فقلت له: لمه؟ فقال: إنی رأیتهم حین أرادوا أن یبدلوا إحدی الهمزتین اللتین تلتقیان فی كلمة واحدة أبدلوا الآخرة، و ذلك: جائی و آدم. و رأیت أبا عمرو أخذ بهن فی قوله عز و جل: یا وَیْلَتی أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ [هود: 72] و حقق الأولی. و كلّ عربی، و قیاس من خفف الأولی أن یقول: یا ولیتا أ ألد.
و المخففة فیما ذكرنا بمنزلتها محققة فی الزّنة، یدلك علی ذلك قول الأعشی:
أأن رأت رجلا أعشی أضر به‌ریب المنون و دهر متبل خبل فلو لم تكن بزنتها محققة لانكسر البیت.
و أما أهل الحجاز فیخففون الهمزتین؛ لأنه لو لم تكن إلا واحدة لخففت.
و نقول: اقرا آیة، فی قول من خفف الأولی؛ لأن الهمزة الساكنة أبدا إذا خففت أبدل مكانها الحرف الذی منه حركة ما قبلها. و من حقق الأولی، قال: اقر آیة؛ لأنك خففت همزة متحركة قبلها حرف ساكن، فحذفتها و ألقیت حركتها علی الساكن الذی قبلها.
و أما أهل الحجاز فیقولون: اقرا آیة؛ لأن أهل الحجاز یخففونهما جمیعا، یجعلون همزة «اقرأ» ألفا ساكنة، و یخففون همزة «آیة». أ لا تری أن لو لم تكن إلا همزة واحدة خففوها؟! فكأنه قال: اقرا، ثم جاء ب «آیة» و نحوها.
و تقول: أقرئ باك السلام، بلغة أهل الحجاز؛ لأنهم یخففونهما. فإنما قلت: أقرئ، ثم جئت بالأب، فحذفت الهمزة و ألقیت الحركة علی الیاء.
و تقول فیهما إذا خففت الأولی فی «فعل أبوك»، من «قرأت»: قرا أبوك، و إن خففت الثانیة قلت: قرأ ابوك. و المخففة بزنتها محققة، و لو لا ذلك لكان هذا البیت منكسرا إن خففت الأولی أو الآخرة:
كل غراء اذا ما برزت و من العرب ناس یدخلون بین ألف الاستفهام و بین الهمزة ألفا إذا التقتا، و ذلك أنهم كرهوا التقاء همزتین ففصلوا، كما قالوا: اخشینان، ففصلوا بالألف كراهیة التقاء هذه الحروف المضاعفة، قال ذو الرمة:
فیا ظبیة الوعساء بین جلاجل‌و بین النقا آأنت أم أم سالم فهؤلاء أهل التحقیق. و أما أهل الحجاز فمنهم من یقول: آئنك و آأنت، و هی التی یختار
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 406
______________________________
- أبو عمرو؛ و ذلك لأنهم یخففون الهمزة كما یخفف بنو تمیم فی اجتماع الهمزتین، فكرهوا التقاء الهمزة و الذی هو بین بین؛ فأدخلوا الألف كما أدخلته بنو تمیم فی التحقیق.
و منهم من یقول: إن بنی تمیم هم الذین یدخلون بین الهمزة و ألف الاستفهام ألفا، و أما الذین لا یخففون الهمزة فیحققونهما جمیعا و لا یدخلون بینهما ألفا. و إن جاءت ألف الاستفهام و لیس قبلها شی‌ء لم یكن من تحقیقها بد، و خففوا الثانیة علی لغتهم.
و اعلم أن الهمزتین إذا التقتا فی كلمة واحدة لم یكن بد من بدل الآخرة، و لا تخفف؛ لأنهما إذا كانتا فی حرف واحد لزم التقاء الهمزتین الحرف.
و إذا كانت الهمزتان فی كلمتین فإن كل واحدة منهما قد تجری فی الكلام و لا تلزق بهمزتها همزة، فلما كانتا لا تفارقان الكلمة كانتا أثقل؛ فأبدلوا من إحداهما و لم یجعلوهما فی الاسم الواحد و الكلمة الواحدة بمنزلتهما فی كلمتین. فمن ذلك قولك فی «فاعل» من «جئت»: جائی، أبدلت مكانها الیاء؛ لأن ما قبلها مكسور، فأبدلت مكانها الحرف الذی منه الحركة التی قبلها، كما فعلت ذلك بالهمزة الساكنة حین خففت.
و من ذلك أیضا: آدم، أبدلوا مكانها الألف؛ لأن ما قبلها مفتوح. و كذلك لو كانت متحركة لصیرتها ألفا كما صیرت همزة جائی، یاء، و هی متحركة للكسرة التی قبلها.
و سألت الخلیل عن «فعلل» من «جئت» فقال: جیأی، و تقدیرها: جیعا، كما تری.
و إذا جمعت «آدم» قلت: أوادم، كما أنك إذا حقرت قلت: أویدم؛ لأن هذه الألف لما كانت ثانیة ساكنة و كانت زائدة؛ لأن البدل لا یكون من أنفس الحروف، فأرادوا أن یكسروا هذا الاسم الذی قد ثبتت فیه هذه الألف- صیروا ألفه بمنزلة ألف «خالد».
و أما «خطایا» فكأنهم قلبوا یاء أبدلت من آخر «خطایا» ألفا؛ لأن ما قبل آخرها مكسور، كما أبدلوا یاء «مطایا» و نحوها ألفا، و أبدلوا مكان الهمزة التی قبل الآخر یاء، و فتحت للألف، كما فتحوا راء «مداری»، فرقوا بینها و بین الهمزة التی تكون من نفس الحرف، أو بدلا مما هو من نفس الحرف، نحو «فعال» من «برئت» إذا قلت: رأیت براء، و ما یكون بدلا من نفس الحرف قضاء، إذا قلت: رأیت قضاء، و هو «فعال» من «قضیت»، فلما أبدلوا من الحرف الآخر ألفا استثقلوا همزة بین ألفین؛ لقرب الألفین من الهمزة. أ لا تری أن ناسا یحققون الهمزة، فإذا صارت بین ألفین خففوا، و ذلك قولك: كساءان، و رأیت كساء، و أصبت هناء، فیخففون كما یخففون إذا التقت الهمزتان؛ لأن الألف أقرب الحروف إلی الهمزة و لا یبدلون؛ لأن الاسم قد یجری فی الكلام و لا تلزق الألف الآخرة بهمزتها؛ فصارت كالهمزة التی تكون فی الكلمة علی حدة، فلما كان ذا من كلامهم أبدلوا مكان الهمزة التی قبل الآخرة یاء، و لم یجعلوها بین بین؛ لأنها و الألفین فی كلمة واحدة، ففعلوا هذا إذ كان من كلامهم؛ لیفرقوا بین ما فیه همزتان إحداهما بدل من زائدة؛ لأنها أضعف- یعنی همزة «خطایا»- و بین ما فیه همزتان إحداهما بدل مما هو من نفس الحرف، إنما تقع إذا ضاعفت.
و اعلم أن الهمزة التی یحقق أمثالها أهل التحقیق من بنی تمیم و أهل الحجاز، و تجعل فی-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 407
______________________________
- لغة أهل التخفیف بین بین- تبدل مكانها الألف إذا كان ما قبلها مفتوحا، و الیاء إذا كان ما قبلها مكسورا، و الواو إذا كان ما قبلها مضموما. و لیس ذا بقیاس متلئبّ، نحو ما ذكرنا، و إنما یحفظ عن العرب كما یحفظ الشی‌ء الذی تبدل التاء من واوه، نحو: أتلجت، فلا یجعل قیاسا فی كل شی‌ء من هذا الباب، و إنما هی بدل من واو «أولجت».
فمن ذلك قولهم: منساة، و إنما أصلها: منسأة. و قد یجوز فی ذا كله البدل حتی یكون قیاسا متلئبّا، إذا اضطر الشاعر.
قال الفرزدق:
راحت بمسلمة البغال عشیةفارعی فزارة لا هناك المرتع فأبدل الألف مكانها. و لو جعلها بین بین لانكسر البیت.
و قال حسان:
سالت هذیل رسول الله فاحشةضلت هذیل بما جاءت و لم تصب و قال القرشی، زید بن عمرو بن نفیل:
سالتانی الطلاق أن رأتانی‌قل ما لی، قد جئتمانی بنكر فهؤلاء لیس [من] لغتهم: سلت، و لا: یسال.
و بلغنا أن «سلت، تسال» لغة.
و قال عبد الرحمن بن حسان:
و كنت أذل من وتد بقاع‌یشجج رأسه بالفهر واجی یرید: الواجئ.
و قالوا: نبی و بریة، فألزمهما أهل التحقیق البدل. و لیس كل شی‌ء نحوهما یفعل به ذا، إنما یؤخذ بالسمع، و قد بلغنا أن قوما من أهل الحجاز من أهل التحقیق یحققون «نبی‌ء» و «بریئة»، و ذلك قلیل ردی‌ء.
فالبدل هاهنا كالبدل فی «منساة»، و لیس بدل التخفیف، و إن كان اللفظ واحدا.
و اعلم أن العرب منها من یقول فی أو أنت: أؤنت، یبدل. و یقول: [أنا] أرمیّ باك، و أبوّیّوب، یرید: أبا أیوب، و غلامیّ بیك. و كذلك المنفصلة كلها إذا كانت الهمزة مفتوحة.
و إن كانت فی كلمة واحدة نحو سوأة و موألة، حذفوا فقالوا: سوة و مولة. و قالوا فی حوأب: حوب؛ لأنه بمنزلة ما هو من نفس الحرف. و قد قال بعض هؤلاء: سوّة و ضوّ، شبهوه ب «أوّنت».
فإن خففت «أحلبنی إبلك» فی قولهم، و أبو أمك، لم تثقل الواو؛ كراهیة لاجتماع الواوات و الیاءات و الكسرات. تقول: أحلبنی بلك و أبومّك. و كذلك أرمی مك، و ادعوا بلكم. یخففون هذا حیث كان الكسر، و الیاءات مع الضم، و الواوات مع الكسر.
و الفتح أخف علیهم فی الیاءات و الواوات. فمن ثم فعلوا ذلك.
و من قال: سوّة، قال: مسوّ و سیّ. و هؤلاء یقولون: أنا ذونسه، حذفوا الهمزة و لم یجعلوها همزة تحذف و هی مما تثبت.
و بعض هؤلاء یقولون: یرید أن یجیئك و یسوك، و هو یجیك و یسوك، یحذف الهمزة.-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 408
و حیث تكلم فی الوقف علی الهمز من أبواب الوقف، لم یتعرض للهمزة الواقعة طرفا بعد الألف، فلم یمكن أن أنسب إلیه فی ذلك مذهبا، و الله تبارك و تعالی أعلم «1».
______________________________
- و یكره الضم مع الواو و الیاء، و علی هذا تقول: هو یرم خوانه، تحذف الهمزة و لا تطرح الكسرة علی الیاء؛ لما ذكرت لك، و لكن تحذف الیاء لالتقاء الساكنین. ینظر: الكتاب (3/ 541- 556).
(1) و نص كلام سیبویه فی الوقف علی الهمز: هذا باب الوقف فی الهمز:
أما كل همزة قبلها حرف ساكن فإنه یلزمها فی الرفع و الجر و النصب ما یلزم الفرع من هذه المواضع التی ذكرت لك: من الإشمام، و روم الحركة، و من إجراء الساكن. و ذلك قولهم: هو الخب‌ء، و الخب‌ء، و الخب‌ء.
و اعلم أن ناسا من العرب كثیرا یلقون علی الساكن الذی قبل الهمزة حركة الهمزة، سمعنا ذلك من تمیم و أسد، یریدون بذلك بیان الهمزة، و هو أبین لها إذا ولیت صوتا، و الساكن لا ترفع لسانك عنه بصوت لو رفعت بصوت حرّكته، فلما كانت الهمزة أبعد الحروف و أخفاها فی الوقف حركوا ما قبلها لیكون أبین لها. و ذلك قولهم: هو الوثؤ، و من الوثئ، و رأیت الوثأ. و هو البطؤ، و من البطئ، و رأیت البطأ. و هو الرّدؤ، و تقدیرها: الرّدع، و من الرّدء، و رأیت الرّدأ. یعنی بالردء: الصاحب.
و أما ناس من بنی تمیم فیقولون: هو الردئ، كرهوا الضمة بعد الكسرة؛ لأنه لیس فی الكلام «فعل»، فتنكبوا هذا اللفظ، لاستنكار هذا فی كلامهم. و قالوا: رأیت الردئ، ففعلوا هذا فی النصب كما فعلوا فی الرفع، أرادوا أن یسووا بینهما. و قالوا: من البطؤ؛ لأنه لیس فی الأسماء «فعل». و قالوا: رأیت البطؤ، أرادوا أن یسووا بینهما. و لا أراهم إذ قالوا: من الردئ، و هو البطؤ، إلا یتبعونه الأول، و أرادوا أن یسووا بینهن إذ أجرین مجری واحدا، و أتبعوه الأول كما قالوا: ردّ و فرّ.
و من العرب من یقول: هو الوثو، فیجعلها واوا حرصا علی البیان. و یقول: من الوثی، فیجعلها یاء، و رأیت الوثا. یسكن الثاء فی الرفع و الجر، و هو فی النصب مثل «القفا».
و أما من لم یقل: من البطئ، و لا: هو الرّدؤ، فإنه ینبغی لمن اتقی ما اتقوا أن یلزم الواو و الیاء.
و إذا كان الحرف قبل الهمزة متحركا لزم الهمزة ما یلزم «النّطع» من الإشمام، و إجراء المجزوم، و روم الحركة. و كذلك تلزمها هذه الأشیاء إذا حركت الساكن قبلها الذی ذكرت لك؛ و ذلك قولك: هو الخطأ، و هو الخطأ، و هو الخطأ. و لم نسمعهم ضاعفوا؛ لأنهم لا یضاعفون الهمزة فی آخر الحروف فی الكلام؛ فكأنهم تنكبوا التضعیف فی الهمز لكراهیة ذلك. فالهمزة بمنزلة ما ذكرنا من غیر المعتل، إلا فی القلب و التضعیف.
و من العرب من یقول: هذا هو الكلو؛ حرصا علی البیان، كما قالوا: الوثو. و یقول:
من الكلی، یجعلها یاء كما قالوا من الوثی، و یقول: رأیت الكلا، و رأیت الحبا، یجعلها ألفا كما جعلها فی الرفع واوا و فی الجر یاء. و كما قالوا: الوثا، و حركت الثاء؛ لأن الألف لا بد-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 409
قال الحافظ- رحمه الله-: «ثم حذفت إحدی الألفین الساكنتین، و إن شئت زدت فی المد و التمكین لتفصل بذلك بینهما و لم تحذف».
اعلم أنه لا خلاف بین الحافظ، و الشیخ، و الإمام- رحمهم الله- أنك إذا أبدلت من الهمزة المتطرفة بعد الألف ألفا أنه یجوز أن تزید فی المد، و یجوز ألا تزید فیه، و أن الزیادة أرجح.
ثم اختلفوا فی التعلیل:
فمذهب الحافظ: أنك إذا زدت لم تحذف شیئا و لكنك نطقت بمدة هی فی التقدیر ألف بعد ألف، و إذا لم تزد فی المد، فإنك حذفت إحدی الألفین، و لم یعین هنا أی الألفین هی المحذوفة.
و أما الشیخ فمذهبه: أنه لا بد من حذف [حرف] «1» علی كل حال فإذا مددت قدرت أن المحذوفة هی الألف المبدلة من الهمزة، و أبقیت علی الألف الأولی ما كانت تستحقه من المد حال ثبوت الهمزة؛ إذ الحذف عارض فلا یعتد به، و إن قصرت قدرت المحذوفة هی الألف الأولی و المبقاة هی الألف المبدلة من الهمزة و لا موجب للزیادة فی مدها.
و أما الإمام فمذهبه: أن الثانیة هی المحذوفة علی كل حال إلا أنك إذا مددت قدرت كأن الهمزة ثابتة، و لم تعتد بالعارض، و إذا قصرت راعیت اللفظ فاعتددت بالعارض، و الله جل جلاله أعلم.
و تعذر هنا الإدغام الذی جاز حیث كان قبل الهمزة یاء أو واو زائدة للمد؛ لأن
______________________________
لها من حرف قبلها مفتوح.
و هذا وقف الذین یحققون الهمزة. فأما الذین لا یحققون الهمزة من أهل الحجاز فقولهم: هذا الخبا، فی كل حال؛ لأنها همزة ساكنة قبلها فتحة؛ فإنما هی كألف «راس» إذا خففت. و لا تشم؛ لأنها ألف كألف «مثنی». و لو كان ما قبلها مضموما لزمها الواو، نحو: أكمو. و لو كان مكسورا لزمت الیاء [نحو]: أهنی، و تقدیرها:
أهنع، فإنما هذا بمنزلة: جونة و ذیب. و لا إشمام فی هذه الواو؛ لأنها كواو «یغزو».
و إذا كانت الهمزة قبلها ساكن فخففت فالحذف لازم، و یلزم الذی ألقیت علیه الحركة ما یلزم سائر الحروف غیر المعتلة من الإشمام، و إجراء الجزم، و روم الحركة، و التضعیف.
و ذلك قولهم: هذا الوث، [و من الوث]، و رأیت [الوث] و الخب [و رأیت الخب، و هو الخب]، و نحو ذلك ینظر: الكتاب (4/ 177- 179).
(1) سقط فی ب.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 410
الألف لا تقبل الإدغام.
و ذكر الحافظ فی أمثلة هذا الفصل أَنْباءِ.
فإن كان بتقدیم الباء علی النون جمع «ابن»، فمثاله فی القرآن قوله- تعالی- فی المائدة: وَ قالَتِ الْیَهُودُ وَ النَّصاری نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ [الآیة: 18]، و فی النور: أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَ [الآیة: 31]، و فی الأحزاب: وَ لا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَ لا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَ [الآیة: 55]، و فی المؤمن: أَبْناءَ الَّذِینَ آمَنُوا [غافر: 25].
و إن كان بتقدیم النون علی الباء جمع «نبأ» فمثاله قوله- تعالی- فی سورة هود علیه السلام تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَیْبِ [الآیة: 49].
و فی سورة یوسف- علیه السلام-: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَیْبِ [الآیة: 102]، و فی سورة طه: مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ [الآیة: 99]، و فی القصص: فَعَمِیَتْ عَلَیْهِمُ الْأَنْباءُ یَوْمَئِذٍ [الآیة: 66]، و فی القمر: مِنَ الْأَنْباءِ ما فِیهِ مُزْدَجَرٌ [الآیة: 4].

فصل‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و تفرد حمزة بتسهیل الهمزة المتوسطة ...»
الفصل.
اعلم أن الهمزة المتوسطة تكون متوسطة حقیقة نحو سَأَلَ و بِئْرٍ و تكون متوسطة مجازا، و ذلك بما یعرض من اللواحق نحو أَنْشَأَكُمْ و یَسْتَهْزِؤُنَ و قد تقدم هذا.
و ذكر الحافظ أمثلة من الهمزة الساكنة المتوسطة، ثم قال: و كذلك الَّذِی اؤْتُمِنَ [البقرة: 283] و لِقاءَنَا ائْتِ و فِرْعَوْنُ ائْتُونِی [یونس: 79] ثم قال:
«و شبهه»، و الذی فی القرآن من شبهه قوله- تعالی-: یا صالِحُ ائْتِنا [الأعراف:
77] و مَنْ یَقُولُ ائْذَنْ لِی [التوبة: 49] و إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا [العنكبوت: 29] وَ لِلْأَرْضِ ائْتِیا طَوْعاً [فصلت: 11].
و اعلم أن هذه الأمثلة التی أولها الَّذِی اؤْتُمِنَ لیست الهمزات فیها متوسطات، و إنما هی فی أوائل الكلمات، لكن لا یمكن ثبوتهن سواكن إلا متصلات بما قبلهن فأشبهت المتوسطات؛ و لهذا فصلهن مما قبلهن بقوله: «و كذلك» فإن وقفت علی شی‌ء من هذه الكلمات لحمزة- حكمت فی هذه الهمزات بحركات ما قبلهن،
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 411
فأبدلتهن أحرفا من جنس تلك الحركات، فإن فصلتهن مما قبلهن و بدأت بهن- فلا بد من اجتلاب همزة الوصل و تكسرها فیما انكسر فیه ما بعد هذه الهمزات، أو انفتح نحو ائْتِ بِقُرْآنٍ ائْذَنْ لِی و تضمها إن انضم نحو اؤْتُمِنَ، و تبدل من هذه الهمزات السواكن أحرفا من جنس حركة همزة الوصل، فعلی هذا تقول: (الذی ایتمن) فتبدل من الهمزة یاء فی الوقف لحمزة؛ لوقوعها بعد كسرة الذال من الَّذِی و قد حذفت من الَّذِی لالتقائها ساكنة مع الهمزة الساكنة، أو الحرف المبدل منها، فإذا بدأت قلت: «اوتمن» فتبدلها واوا لأجل الضمة فی همزة الوصل المعتبرة بضم عین الكلمة و هی التاء، و تقول فی الوقف: (لقاءنا ات) فتبدل الهمزة ألفا؛ لوقوعها بعد فتحة النون، و قد حذفت ألف لِقاءَنا؛ لالتقائها ساكنة مع الهمزة، علی ما تقدم.
فإذا بدأت قلت: (ایت) فتبدل الهمزة یاء لأجل الكسرة فی همزة الوصل، و تقول فی الوقف: (و منهم من یقول اوذن لی) فتبدل الهمزة واوا لأجل ضمة اللام.
فإذا بدأت قلت: (ایذن لی)، فتبدلها یاء لأجل كسرة همزة الوصل، و هكذا كل ما یرد علیك من أمثلة هذا الفصل.
و ذكر الحافظ الاختلاف فی (رئیا) و (تؤی) و (تؤیه)، و قال: و الوجهان جیدان.
و رجح الشیخ، و الإمام الإظهار.
و قد تقدم ذكره فی آخر الباب قبل هذا، و كذا ذكر فی الوقف علی نَبِّئْهُمْ [الحجر: 51] و أَنْبِئْهُمْ [البقرة: 33] مذهبین. و قال: «و هما صحیحان».
و رجح الشیخ، و الإمام البقاء علی الضم.
و ذكر الشیخ مع ذلك أن الكسر مذهب أبی الطیب.
و قال الحافظ- رحمه الله-: «و إذا تحركت الهمزة و هی متوسطة ...» إلی قوله: «فإن كان ساكنا».
اعلم أن الساكن قبل الهمزة المتوسطة یتصور فیه من التقسیم مثل ما تقدم فی الساكن قبل الهمزة المتطرفة؛ فیكون ذلك الساكن صحیحا و معتلا، ثم المعتل یكون
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 412
ألفا، و یاء، و واوا، ثم الیاء و الواو یكونان أصلیین و زائدین للمد غیر أنه لم تقع فی القرآن واو زائدة للمد قبل همزة متوسطة.
أما الأمثلة:
فجاءت الهمزة بعد الساكن الصحیح فی القرآن مفتوحة نحو الْقُرْآنُ [البقرة:
185] و (الظّمئان) [النور: 39]. و الْمَشْئَمَةِ [البلد: 19]. و یَسْئَلُونَ [البقرة: 273]. و تَجْئَرُونَ [النحل: 53]. و وَ یَنْأَوْنَ [الأنعام: 26].
و خِطْأً [الإسراء: 31] بكسر الخاء. و جَزاءُ [البقرة: 260]. و (كفأ) [الإخلاص: 4]. و (هزا) [البقرة: 67] علی قراءة حمزة فی هذین الأخیرین.
و مكسورة فی قوله- تعالی-: الْأَفْئِدَةِ [الهمزة: 7].
و مضمومة فی قوله- تعالی: مَسْؤُلًا [الفرقان: 16]، و مَسْؤُلُونَ [الصافات: 24]، و مَذْؤُماً [الأعراف: 18].
و جاءت بعد الیاء الأصلیة مفتوحة نحو:
كَهَیْئَةِ [آل عمران: 49]، و اسْتَیْأَسَ [یوسف: 110].
و أخواته:
و شَیْئاً [البقرة: 48] و بَئِیسٍ فی الأعراف [165]. و سِیئَتْ [الملك:
27]. و بعد الواو الأصلیة مفتوحة:
سَوْأَةَ أَخِیهِ [المائدة: 31]. و سَوْآتِهِما [الأعراف: 20]. و سَوْآتِكُمْ [الأعراف: 26]. و السَّوْءِ [التوبة: 98].
و مكسورة فی:
مَوْئِلًا [الكهف: 58].
و مضمومة فی (الموءودة) [التكویر: 8]، و جاءت مفتوحة بعد الیاء الزائدة فی بَرِیئاً [النساء: 112]، و هَنِیئاً مَرِیئاً [النساء: 4]، و خَطِیئاتِكُمْ [الأعراف:
161]. و خَطِیئَةً [النساء: 112].
و مضمومة فی بَرِیئُونَ [یونس: 41].
و حكم التسهیل فی هذا الفصل كحكمه فی المتطرفة بعد الساكن، فتنقل الحركة إلی الساكن الصحیح، و إلی الیاء و الواو الأصلیین و تسقط الهمزة من اللفظ.
و هذا هو مقصود الحافظ بقوله: «فإن كان ساكنا و كان أصلیا إلا أنه یستثنی من
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 413
ذلك هُزُواً «1» حیث وقع، و كُفُواً «2» [الإخلاص: 4] فتبقی الزای و الفاء علی سكونهما، و تبدل الهمزة واوا و تحرك بحركة الهمزة».
و سبب ذلك: أن هاتین الكلمتین كتبتا بالواو؛ فكره حمزة مخالفة خط المصحف.
و ذكر الحافظ هاتین الكلمتین فی فرش الحروف فی سورة البقرة، و فی سورة
______________________________
(1) قال ابن عادل الحنبلی: و فی (هزوا) ست قراءات، المشهور منها ثلاث:
(هزؤا) بضمتین مع الهمز.
و (هزءا) بسكون الزای مع الهمز وصلا، و هی قراءة حمزة- رحمه الله- فإذا وقف أبدلها واوا، و لیس قیاسه تخفیفها، و إنما قیاسه إلقاء حركتها علی الساكن قبلها، و إنما اتبع رسم المصحف، فإنها رسمت فیه (واوا)؛ و لذلك لم یبدلها فی (جزءا) واوا وقفا؛ لأنها لم ترسم فیه واوا، و قراءته أصلها الضم كقراءة الجماعة، إلا أنه خفف كقولهم فی عنق: عنق.
و قیل: بل هی أصل بنفسها لیست مخففة من ضم.
حكی مكی عن الأخفش عن عیسی بن عمر: (كل اسم ثلاثی أوله مضموم یجوز فیه لغتان: التخفیف و التثقیل).
و (هزوا) بضمتین مع الواو وصلا و وقفا، و هی قراءة حفص عن عاصم، كأنه أبدل الهمزة واوا تخفیفا، و هو قیاس مطرد فی كل همزة مفتوحة مضموم ما قبلها نحو: جون فی جؤن، و حكم «كفوا» فی قوله: وَ لَمْ یَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص: 4] حكم (هزوا) فی جمیع ما تقدم قراءة و توجیها.
و (هزوا) بإلقاء حركة الهمزة علی الزای و حذفها، و هو أیضا قیاس مطرد.
و (هزوا) بسكون العین مع الواو.
و (هزا) بتشدید الزای من غیر همزة، و یروی عن أبی جعفر ینظر اللباب (2/ 155- 156).
(2) و قال السمین الحلبی فی قوله تعالی: كُفُواً: و قرأ الجمهور بضم الكاف و الفاء، و سهل الهمزة، الأعرج و شیبة و نافع فی روایة من طریق غیر طرقه المقروء بها، و أسكن الفاء حمزة، و أبدل الهمزة واوا وقفا خاصة، و أبدلها حفص واوا مطلقا، و الباقون بالهمز مطلقا.
و قرأ سلیمان بن علی بن عبد الله بن عباس: (كفاء) بالكسر و المد، أی: لا مثل له، و أنشد للنابغة:
لا تقذفنی بركن لا كفاء له و نافع فی روایة: (كفا) بالكسر و فتح الفاء من غیر همز، كأنه نقل حركة الهمزة إلی الفاء و حذفها، و الكفاء: النظیر، هذا كف‌ء لك: أی نظیرك، و الاسم و الكفاءة، بالفتح.
ینظر الدر المصون (6/ 590).
و قال الثعلبی فی تفسیره: قرئ: (هزؤا) و (كفؤا) مثقلات و مهموزات، و هی قراءة أبی عمرو و أهل (الشام) و (الحجاز)، و اختار الكسائی، و أبو عبید، و أبو حاتم: (هزوا) و (كفوا) مثقلات بغیر همز، قال: و كلها لغات صحیحة فصیحة.
ینظر اللباب (2/ 156).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 414
الإخلاص، و لو نبه علیهما هنا لكان حسنا، و كذلك ذكر فی سورة العنكبوت فی الوقف علی النَّشْأَةَ [الآیة: 20] النقل، و حذف الهمزة علی القیاس و ذكر أیضا جواز إبدال الهمزة ألفا مع نقل الحركة اتباعا للرسم.
و قد حكی سیبویه (المراة) و (الكماة) بالنقل و بالبدل.
و قوله فی هذا الفصل: «ما لم یكن ألفا» علی حد قوله فیما تقدم: «إذا كان الساكن أصلیّا غیر ألف»، و قد مر توجیه هناك.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و إن كان زائدا أبدلت، و أدغمت إن كان یاء أو واوا».
یرید: تبدل من الهمزة حرفا من جنس ما قبلها، ثم تدغم ما قبلها فی المبدل منها، و قد ذكرت أمثلة هذا الفصل.
و تقدم أنه لیس فی القرآن همزة متوسطة بعد واو زائدة، و لكنه جری كلامه علی إطلاق حكم القیاس فیها لو وجدت، و هذا مثل ما تقدم فی أول الباب حیث قال:
«و إذا سهّلا المضموم ما قبلها ...» إلی آخر كلامه هناك مع أنه لیس فی القرآن همزة ساكنة متطرفة بعد ضمة. و إنما أنبه علی هذا؛ لئلا یتحیر الطالب فیطلب ما لیس بموجود، كما ذكرت فی باب الإدغام الكبیر.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و إن كان الساكن ألفا ...» الفصل.
اعلم أن الهمزة فی هذا الموضع تكون مفتوحة، فتجعلها بین الهمزة و الألف كقوله- تعالی-: یَتَساءَلُونَ [النبأ: 1] و حَتَّی إِذا جاءَنا [الزخرف: 38] و نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ [آل عمران: 61] و فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً [المؤمنون: 41] و فَتَكُونُونَ سَواءً [النساء: 89].
و تكون مكسورة فتجعلها بین الهمزة و الیاء، نحو الْمَلائِكَةِ و أُولئِكَ و الْخائِنِینَ [الأنفال: 58] و وَ رَبائِبُكُمُ [النساء: 23].
و تكون مضمومة، فتجعلها بین الهمزة و الواو نحو جاؤُ و وَ باؤُ [البقرة: 61] و أَساؤُا [الروم: 10] و ما یَشاؤُنَ [النحل: 31] و هاؤُمُ [الحافة: 19].
فإن قیل: تقدم أن همزة بین بین قریبة من الساكن؛ و لذلك منع الابتداء بها و لم تقع بعد شی‌ء من الحروف السواكن فی كل ما تقدم؛ لئلا یكون فی ذلك شبه من
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 415
التقاء الساكنین؛ فكیف وقعت هنا بعد الألف؟
قیل: لا یمتنع وقوع الساكن بعد الألف إذا كان ذلك الساكن متثبتا بالحركة كالساكن المدغم «كالدابة» و «الطامة» فجاز وقوع هذه الهمزة الملینة بعد الألف؛ لأنها و إن أشبهت الساكن بما دخلها من التسهیل فلیست ساكنة بل متحركة بزنة المحققة كما نص علیه سیبویه حیث أنشد: [من البسیط]
أان رأت رجلا أعمی أضرّ به.... «1»
و لا یلزم التزام هذا فی المتطرفة؛ لأن الوقف موضع إسكان، و الروم تحریك ضعیف غیر ممكن، علی أنه من حكم للروم بحكم الحركة الممكنة جعلها هناك بین بین أیضا كما تقدم.
فإن قیل: فهلا جعلت بین بین بعد الیاء و الواو الزائدتین للمد، كما فعل ذلك بعد الألف إذ الكل حروف مد؟
فالجواب: أنهم جعلوا للهمزة مع الألف حالا لا تكون لها مع الیاء و الواو؛ لأن الألف أقعد فی باب المد و السكون.
أ لا تری أنك لو أردت تحریكها لم تقدر علیه ما دامت ألفا إلا أن تقلبها یاء أو واوا أو همزة بخلاف الیاء و الواو فإنهما یقبلان التحریك، و إن كان یصح وقوع الساكن المدغم بعدهما، كقراءة من شدد النون من أَ تُحاجُّونِّی [الأنعام: 180] و أَ فَغَیْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّی أَعْبُدُ [الزمر: 64] و أَرِنَا الَّذَیْنِ [فصلت: 29] فی قراءة ابن كثیر، و الله عز جلاله أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و إن شئت مكنت الألف قبلها، و إن شئت قصرتها».
وجه تمكین الألف: أنك أبقیت علیها من المد ما كانت تستحقه مع التحقیق، و لم تعتد بما عرض من زوال نبرتها بالتسهیل.
و وجه القصر: أنك راعیت اللفظ، و لا همز فیه فاعتددت بالعارض، و الله جلت قدرته أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و إذا كان ما قبل الهمزة متحركا».
______________________________
(1) تقدم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 416
اعلم أن الهمزة إذا تحركت و تحرك ما قبلها، فإنها تكون مفتوحة، و مكسورة، و مضمومة، و ما قبلها یكون كذلك؛ فیتفقان مرة و یختلفان أخری؛ فیحصل من ذلك تسع صور:
الصورة الأولی: أن تكون الهمزة مفتوحة بعد فتح، نحو سَأَلَ و ذَرَأَكُمْ [المؤمنون: 79] و مُتَّكَأً [یوسف: 31].
الصورة الثانیة: أن تكون الهمزة مفتوحة بعد كسرة نحو إِنَّ شانِئَكَ [الكوثر: 3] و مُلِئَتْ [الجن: 8] و فِئَةً [الأنفال: 45] و مِائَتَیْنِ [الأنفال: 66].
الثالثة: أن تكون مفتوحة بعد ضمة، نحو الْفُؤادَ [الإسراء: 36] و مُؤَجَّلًا [آل عمران: 145] و یُؤَیِّدُ [آل عمران: 13].
الرابعة: مكسورة بعد كسرة، نحو الْخاطِئِینَ [یوسف: 29] و وَ الصَّابِئِینَ [البقرة: 62] و الْمُسْتَهْزِئِینَ [الحجر: 95] و كذلك وَ مِنْ خِزْیِ یَوْمِئِذٍ [هود:
66] و مِنْ عَذابِ یَوْمِئِذٍ [المعارج: 11] علی قراءة حمزة، و من وافقه.
[الخامسة: مكسورة بعد فتحة، نحو بَئِیسٍ و حِینَئِذٍ و كذلك (جبرئیل) [البقرة: 97] علی قراءة حمزة، و من وافقه] «1».
السادسة: مكسورة بعد ضمة، نحو سُئِلَتْ [التكویر: 8].
السابعة: مضمومة بعد ضمة، نحو بِرُؤُسِكُمْ [المائدة: 6].
الثامنة: مضمومة بعد فتحة، نحو رَؤُفٌ [البقرة: 207] و یَؤُساً [الإسراء: 83] و لا یُؤَدِّهِ [آل عمران: 75].
التاسعة: مضمومة بعد كسرة نحو یَسْتَهْزِؤُنَ [الأنعام: 5] و سَنُقْرِئُكَ [الأعلی: 6] و كذلك كانَ سَیِّئُهُ [الإسراء: 38] علی قراءة حمزة و من وافقه.
و اعلم أن الهمزة فی هذه الصور التسع تنقسم إلی ثلاثة أقسام:
قسم لا خلاف بین سیبویه، و أبی الحسن الأخفش- رحمهما الله- أنه یسهل بالبدل.
و قسم لا خلاف بینهما أنه یسهل بین بین.
______________________________
(1) سقط فی ب.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 417
و قسم اختلفا فیه: فسیبویه یجعله بین بین علی حركته، و أبو الحسن یبدله حرفا من جنس حركة ما قبله.
و الأصل فی جمیع التسهیل للهمزة المتحركة أن تجعل بین الهمزة و الحرف الذی منه حركتها، و إنما یعدل عنه إلی البدل؛ لعارض.
فالقسم الأول: الهمزة المفتوحة بعد الكسرة أو الضمة، تبدل حرفا من جنس حركة ما قبلها، فیبدلها فی شانِئَكَ، و نحوه یاء، و فی الْفُؤادَ و نحوه واوا، و سببه أنك لو جعلتها بین الهمزة و الألف لكانت تشبه الألف؛ فلا تقع بعد كسرة و لا بعد ضمة، كما لا تقع الألف الخالصة بعدهما، فلما تعذر تسهیلها علی حركتها أبدلت حرفا من جنس حركة ما قبلها؛ إذ هی أقرب إلیها من حركة ما بعدها، كما أن حركتها فی نفسها أقرب إلیها من حركة ما قبلها، و یدل علی أن حركة ما قبل الحرف أحق به من حركة ما بعده تعذر النطق بالساكن ابتداء، و إن كان بعده حركة، و صحة النطق به إذا كان قبله حركة، فإذا تحرك صح النطق به و لم یفتقر إلی أن تكون قبله حركة.
و القسم الثانی: المتفق علی تسهیله بین بین: كل همزة تتفق حركتها مع حركة ما قبلها، أو تكون مكسورة أو مضمومة بعد فتحة، لا خلاف أنها تجعل بین الهمزة و بین الحرف الذی منه حركتها.
و هذا القسم یشتمل علی أن الهمزة المفتوحة بعد الفتحة تسهل بین الهمزة و الألف.
و زاد الشیخ، و الإمام جواز إبدالها ألفا، و رجحا الوجه الأول.
و القسم الثالث: المختلف فیه: هو الهمزة المكسورة بعد الضمة، و المضمومة بعد الكسرة:
فسیبویه یسهلها بین الهمزة و الحرف الذی منه حركتها.
و أبو الحسن یبدلها حرفا من جنس حركة ما قبلها، و حجته أنه لما لزم إبدالها، إذا كانت مفتوحة بعد الكسرة و الضمة و لم یجز جعلها بین الهمزة و الألف؛ لكون الألف لا تثبت بعد الكسرة و لا بعد الضمة، فلتكن كذلك فیما انضم بعد الكسرة، أو انكسر بعد الضمة؛ لأن المكسورة بعد الضمة لو سهلت بین الهمزة و الیاء علی حركتها لكان فیها شبه بالیاء الساكنة و الیاء الساكنة لا تثبت بعد الضمة، بل تنقلب واوا فلتكن هذه
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 418
[الهمزة] «1» كذلك، و كذلك المضمومة بعد الكسرة لو سهلت بین الهمزة و الواو لدخلها شبه من الواو؛ فینبغی أن تقلب یاء، كما أن الواو الساكنة تنقلب بعد الكسرة یاء.
و هذا الذی قال أبو الحسن قیاس ظاهر، غیر أن سیبویه قال: «إن جعلها بین بین هو قول العرب، و الخلیل».
یرید: أنه كلام الفصحاء المعتمد، فإذا ثبت السماع «2» فلا عبرة بالقیاس المخالف له؛ إذ القیاس إنما یستعمل فیما لم یرد فیه سماع؛ لیتوصل إلی وجه كلام العرب لو تكلمت كیف كان ینبغی أن یكون كلامها، و غایته أن یثمر غلبة الظن، فإذا ورد السماع؛ فقد حصل العلم بكلام العرب فلا حاجة إذ ذاك إلی القیاس، و مع هذا فما قاله أبو الحسن لا ینكر أن یتكلم به بعض العرب قلیلا و لا یطرد.
علی أن ما حكاه سیبویه من كلام العرب له أیضا وجه و قیاس معتبر یفرق به بین الألف و بین الیاء و الواو، بیانه: أن الألف لا یمكن وقوعها بعد كسرة، و لا ضمة البتة.
و أما الیاء الساكنة فلا یمتنع أن ینطق بها بعد الضمة و إن كان ذلك بكلفة و ثقل، و كذلك الواو الساكنة یمكن النطق بها بعد الكسرة علی ثقل و تكلف أیضا فتقول:
«بیع» بضم الباء و سكون الیاء، و «قول» بكسر القاف، و سكون الواو، لكن العرب رفضت التكلم بهذه الثقلة «3»، و لم تجر الهمزة الملینة بین الیاء و الهمزة مجری الیاء الخالصة فی ذلك، و لا جرت الهمزة الملینة بین الهمزة و الواو مجری الواو الخالصة، و الله عز جلاله أعلم.
و ذكر الحافظ- رحمه الله- فی أمثلة الهمزة المفتوحة بعد الكسرة (لئلا).
و كان ینبغی ألا یفعل؛ لأن الهمزة فی (لئلا) إنما توسطت بدخول الزائد علیها فحقها أن تذكر فی الفصل بعد هذا.
و قوله ثمّ بعد هذا «تجعلها بین بین فی جمیع أحوالها، و حركاتها، و حركات ما قبلها».
هذا الإطلاق جار علی قول سیبویه؛ لأنه یستوعب المكسورة بعد الضمة،
______________________________
(1) سقط فی أ.
(2) فی أ: للسماع.
(3) فی أ: المثقلة.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 419
و المضمومة بعد الكسرة، و ذكر فی الأمثلة (یبنؤمّ) [طه: 94] و هو فی الأصل ثلاث كلمات:
إحداها: حرف النداء.
و الثانیة: «ابن».
و الثالثة: «أم».
لكنه جعل «ابن» مع «أم» كلمة واحدة، فصارت الهمزة فیه بمنزلة المتوسطة فی أصل البنیة و یلزم علی قوله ألا یختلف فی تسهیلها فی الوقف، و كذا حكم (حینیذ) و (یومیذ)، و كذا یلزم فی (الذی ایتمن) [البقرة: 283] و أخواته؛ لأنه إنما یذكر فی هذا الفصل ما لا یختلف فی تسهیله فی الوقف.
و قوله: «ما لم تكن صورتها یاء ...» إلی آخره.
حكم الوقف علی (أنبیكم) و بابه مما كتب بالیاء فی كونه یوقف علیه بالیاء كحكم هُزُواً و كُفُواً فی الوقف علیه بالواو اتباعا للخط.
و قوله: «و هو قول الأخفش».
یرید فی جمیع الهمزات إذا انضمت بعد كسرة، فحصل من هذا أنه یوافق أبا الحسن الأخفش تارة، و یوافق سیبویه أخری، و ذلك بحسب الخط فیقف علی سَنُقْرِئُكَ بالیاء؛ لأنه كتب بالیاء، و یقف علی یَسْتَهْزِؤُنَ بالهمزة المسهلة بین الهمزة و الواو؛ لأنه كتب بالواو، و قد حصل فیما ذكر الحافظ من أمثلة الهمزة الصور الثلاث.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و إن انفتحت».
یعنی: بعد الفتحة؛ لأنه قد تقدم حكمها إذا انفتحت بعد الكسرة أو الضمة؛ فحصل من هذا الموضع و مما تقدم الصور الثلاث التی فیها الهمزة مفتوحة.
و ذكر فی أمثلتها وَیْكَأَنَ [القصص: 82] و وَیْكَأَنَّهُ [القصص: 82].
و هذه الكلمة مركبة من «أن» و ما قبلها.
و فیه خلاف: قیل: إن «ویك» أصله «ویلك» كما قال عنترة: [من الكامل]
و لقد شفی نفسی و أبرأ سقمهاقیل الفوارس ویك عنتر أقدم «1»
______________________________
(1) البیت لعنترة فی دیوانه ص 219، و الجنی الدانی ص (353)، و خزانة الأدب (6/ 406، 408، 421)، و شرح الأشمونی (2/ 486)، و شرح شواهد المغنی ص (481، 787)، و شرح المفصل (4/ 77)، و الصاحبی فی فقه اللغة ص (177)، و لسان العرب (و یا)،-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 420
یرید: ویلك، و علی هذا تكون «أن» محمولة علی فعل مضمر كأنه قال:
اعلم أن الله یبسط الرزق و اعلم أنه لا یفلح الكافرون.
و قیل: إن «وی» حرف تنبیه، و فیه معنی التعجب، كما تقول: وی لم فعلت كذا؟! و الكاف حرف خطاب؛ فتكون «أن» [محمولة] علی فعل مضمر كما تقدم.
و یبعد عندی جعل الكاف للتشبیه؛ لفساد المعنی إلا علی قول من زعم أنها قد تخرج عن التشبیه إلی التحقیق، و استدل بقول الشاعر: [من الوافر]
فأصبح بطن مكة مقشعراكأن الأرض لیس بها هشام «1» و هو یرید: لأن الأرض لیس بها هشام.
و لا حجة فی هذا البیت علی إخراج «كأن» عن معنی التشبیه؛ لما هو مذكور فی كتب النحو «2».
______________________________
و المحتسب (1/ 16)، (2/ 56)، و المقاصد النحویة (4/ 318)، و بلا نسبة فی مغنی اللبیب ص (369).
و الشاهد فیه: مجی‌ء (وی) اسم فعل مضارع، بمعنی: أعجب، و قد لحقتها كاف الخطاب. و قال الكسائی: إن (ویك) محذوفة من (ویلك)، فالكاف، علی قوله، ضمیر مجرور.
و یروی: (قول)، بدلا من (قیل).
(1) البیت للحارث بن خالد فی دیوانه ص (93)، و الاشتقاق ص (101، 147)، و بلا نسبة فی الجنی الدانی ص (571)، و جواهر الأدب ص (93)، و الدرر (2/ 163)، و شرح التصریح (1/ 212)، و شرح شواهد المغنی (2/ 515)، و لسان العرب (قثم)؛ و مغنی اللبیب (1/ 192)، و همع الهوامع (1/ 133).
و الشاهد فیه: أن (كأن) أفادت التحقیق عند الكوفیین. و قال ابن مالك: الكاف، هنا للتعلیل. و قیل: البیت محمول علی التشبیه؛ فإن الأرض لیس بها هشام حقیقة، بل هو فیها مدفون.
(2) جاء فی اللباب فی علوم الكتاب:
قوله: وَیْكَأَنَّ اللَّهَ ... وَیْكَأَنَّهُ ...، فیه مذاهب منها:
أن (وی) كلمة برأسها، و هی اسم فعل معناها: أعجب، أی: أنا، و الكاف للتعلیل، و (أن) و ما فی حیزها مجرورة بها، أی: أعجب لأنه لا یفلح الكافرون، و سمع كما أنه لا یعلم غفر الله له، و قیاس هذا القول أن یوقف علی (وی) وحدها، و قد فعل ذلك الكسائی، إلا أنه ینقل عنه أنه یعتقد فی الكلمة أن أصلها (ویلك)، و هذا ینافی وقفه، و أنشد سیبویه:
وی كأن من یكن له نشب یحبب و من یفتقر یعش عیش ضرّ الثانی: قال بعضهم (كأن) هنا للتشبیه إلا أنه ذهب منها معناه، و صارت للخبر و التیقن،-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 421
فحصل من هذا أن الهمزة فی وَیْكَأَنَ مبتدأة فی الأصل، و إنما صارت متوسطة بالتركیب كالهمزة فی (یبنؤمّ) مما حكم له بحكم المتوسط الأصلی، و یؤكد أنها عند حمزة كذلك كونه لا یقف علی الیاء و لا علی الكاف، كما یأتی فی باب الوقف علی مرسوم الخط بحول الله تعالی.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و إن انكسرت ...» إلی آخره.
ذكر فی الأمثلة سُئِلَ و هو فی البقرة فی قوله- تعالی-: كَما سُئِلَ مُوسی مِنْ قَبْلُ [الآیة: 108].
______________________________
- و أنشد:
كأننی حین أمسی لا یكلمنی‌متیم یشتهی ما لیس موجودا و هذه أیضا یناسبها الوقف علی (وی).
الثالث: أن (ویك) كلمة برأسها و الكاف حرف خطاب، و (أن) معمولة لمحذوف، أی:
اعلم أنه لا یفلح، قاله الأخفش، و علیه قوله:
ألا ویك المسرة لا تدوم‌و لا یبقی علی البؤس النعیم و قول عنترة:
و لقد شفی نفسی و أبرأ سقمهاقیل الفوارس ویك عنتر أقدم و حقه أن نقف علی (ویك) و قد فعله أبو عمرو بن العلاء.
الرابع: أن أصلها (ویلك) فحذف، و إلیه ذهب الكسائی و یونس و أبو حاتم، و حقهم أن یقفوا علی الكاف كما فعل أبو عمرو، و من قال بهذا استشهد بالبیتین المتقدمین؛ فإنه یحتمل أن یكون الأصل فیهما (ویلك) فحذف، و لم یرسم فی القرآن إلا (ویكأن) (ویكأنه) متصلة فی الموضعین. فعامة القراء اتبعوا الرسم، و الكسائی وقف علی (وی) و أبو عمرو علی (ویك).
الخامس: أن (ویكأن) كلها كلمة مستقلة بسیطة، و معناها: (أ لم تر)، و ربما نقل ذلك عن ابن عباس، و نقل الكسائی و الفراء أنها بمعنی: أما تری إلی صنع الله، قال الفراء: هی كلمة تقریر، و ذكر أنه أخبره من سمع أعرابیة تقول لزوجها: أین ابنك؟ قال: وی كأنه وراء البیت؟! یعنی: أما ترینه وراء البیت، و حكی ابن قتیبة أنها بمعنی: رحمة لك فی لغة حمیر.
ینظر: اللباب (15/ 297- 299).
و جاء فی الكتاب لسیبویه: و سألت الخلیل- رحمه الله تعالی- عن قوله: (ویكأنه لا یفلح) و [عن] قوله تعالی جده: (ویكأن الله) فزعم أنها «وی» مفصولة من «كأن»، و المعنی وقع علی أن القوم انتبهوا فتكلموا علی قدر علمهم، أو نبهوا فقیل لهم: أما یشبه أن یكون هذا عندكم هكذا. و الله تعالی أعلم.
و أما المفسرون فقالوا: أ لم تر أن الله.
و قال القرشی، و هو زید بن عمرو بن نفیل:
سالتانی الطلاق أن رأتانی‌قل ما لی، قد جئتمانی بنكر
وی كأن من یكن له نشب یحبب و من یفتقر یعش عیش ضر ینظر الكتاب (2/ 154- 155).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 422
و فی التكویر: سُئِلَتْ [الآیة: 8].
و حصل فی هذه الأمثلة الهمزة المكسورة بعد الفتحة و بعد الضمة، و لم یذكر [التی] «1» بعد الكسرة، إلا أن یحمل قوله: یَوْمَئِذٍ علی الحرف الذی فی سورة هود علیه السلام [66]، و المعارج [11]؛ لأنه یقرؤهما بكسر المیم كما تقدم، و الله جل و علا أعلم.
و قد تقدم أن یَوْمَئِذٍ و حِینَئِذٍ من قبیل المركب من كلمتین.

فصل‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و اعلم أن جمیع ما یسهله حمزة من الهمزات، فإنما یراعی فیه خط المصحف دون القیاس كما قدمناه».
یرید ما تقدم حین ذكر أُنَبِّئُكُمْ و أخواته.
قال: «و قد اختلف أصحابنا فی تسهیل ما یتوسط من الهمزات بدخول الزوائد علیهن».
و قد تقدم فی باب نقل الحركة ذكر السبب الذی لأجله وصل حرف المعنی بما بعده فی الخط إذا كان علی حرف واحد من حروف التهجی؛ فأغنی عن إعادته هنا.
و ذكر الحافظ فی هذا الفصل اختلافا فی التسهیل و التحقیق فی الوقف:
فوجه التحقیق: رعی الأصل، و رفض الاعتداد بالعارض.
و وجه التسهیل: رعی الخط، و تحكیم الاعتداد بالعارض.
و قال فی آخر الفصل: «و المذهبان جیدان و بهما ورد نص الرواة».
و اعلم أن حاصل قول الإمام و الحافظ فی هذا الفصل واحد، و هو أن الكلمة التی فی أولها همزة إذا دخل علیها حرف من حروف المعانی مما هو علی حرف واحد من حروف التهجی، فإنه یجوز فی الوقف علیها تحقیق الهمزة و تسهیلها، و كذلك إن اتصل بها یاء النداء و هاء التنبیه مما هو علی حرفین من حروف التهجی، إلا أن الإمام رجح فی هذا الذی هو علی حرفین التحقیق؛ لأنه منفصل مما بعده.
و مذهب الشیخ التحقیق فی الجمیع، و الله أعلم و أحكم.
______________________________
(1) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 423
و اعلم أن هذا القول مستغرب من الحافظ، كیف یطلق القول بتجوید المذهبین، و قد قال فی أول الفصل: «إن حمزة یراعی فی التسهیل خط المصحف»، أ لیس أكثر أمثلة هذا الفصل لا یمكن موافقتها لخط المصحف إلا إذا حققت الهمزة، و أنها إن سهلت خالفت الخط؟! بیان ذلك: أن قوله- تعالی-: فَبِأَیِ و بِأَهْلِكُمْ [یوسف: 93] الهمزة فیهما مفتوحة بعد كسرة و قد كتبت بالألف.
فإن سهلت بالبدل علی حركة ما قبلها، خالفت الخط و لا یمكن جعلها بین الهمزة و الألف؛ لوقوعها بعد الكسرة.
و قوله- تعالی-: لَأُقَطِّعَنَ [الأعراف: 124] و یا أُخْتَ [مریم: 28] همزتهما مضمومة بعد فتحة فقیاسها أن تسهل بین الهمزة و الواو، و لكن إن فعلت ذلك خالفت الخط؛ لأنها كتبت بالألف.
و كذلك قوله- تعالی-: لَبِإِمامٍ [الحجر: 79] و لِإِبْراهِیمَ الهمزة مكسورة بعد كسرة فقیاسها فی التسهیل أن تكون بین الهمزة و الیاء، لكن إن فعلت ذلك خالفت الخط؛ لأنها مكتوبة بالألف.
فأما حیث یكون الخط موافقا لمقتضی القیاس فهناك یحسن أن یقول:
و المذهبان جیدان، نحو: (لئلّا) فإنه كتب بالیاء، و كذلك (بأیید)، فإنه كتب بیاءین بعد الألف، فالألف صورة الهمزة لمن حقق، و الیاء صورتها لمن سهل، و كذا (بأیّیكم المفتون) [القلم: 6] و علی هذا یجری مما ذكر فی المتوسطة قبل هذا بتسهیل (یومیذ)، و (حینیذ) و (یبنؤمّ)، و الله جل ثناؤه و تقدست أسماؤه أعلم و أحكم.

باب الإظهار و الإدغام للحروف السواكن‌

اشارة

قد تقدم فی أول الكتاب أن الإدغام صغیر، و كبیر، و تقدم أن الإدغام الكبیر مخصوص بما هو متحرك فی قراءة من قرأه بالإظهار، و أن الإدغام الصغیر- و هو الخاص بهذا الباب- مخصوص بما یكون الحرف الأول منه ساكنا فی قراءة من أدغمه أو أظهره؛ و لهذا عبر الحافظ- رحمه الله- بقوله: «للحروف السواكن».
و اعلم أن الحروف التی یتكلم فیها فی هذا الباب تنقسم قسمین:
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 424
أحدهما: أن یكون الحرف ساكنا فی أصل وضعه.
و الثانی: أن یكون له أصل فی التحریك، لكنه استعمل الكلام الذی هو فیه ساكنا لسبب، و أسمی سكون القسم الأول: سكونا أصلیا، و الثانی: سكونا عارضا.
فإذا تقرر هذا الاصطلاح- فاعلم أنّ ما سكونه أصلی ینحصر فی خمسة أحرف:
و هی ذال إذ، و دال قد، و تاء التأنیث المتصلة بالفعل، و اللام من «هل» و «بل»، و النون الساكنة و التنوین، و یلحق بهذا القسم- من حیث إنه ساكن فی الأصل- دال الصاد من كهیعص [مریم: 1] و نون السین من طسم فی السورتین [الشعراء:
1]، و [القصص: 1] و من یس [الآیة: 1] و ن وَ الْقَلَمِ [الآیة: 1].
و قد ذكر الحافظ الخلاف فیها فی مواضعها من فواتح السور فأغنی عن ذكره هنا، فأتكلم الآن علی الحروف الخمسة بحول الله تعالی و قوته.

ذكر ذال «إذ»

«1» اعلم أن الحروف الثمانیة و العشرین المجموعة فی رسم «أبجد» علی ضربین:
______________________________
(1) إذ: لفظ مشترك، یكون اسما، و حرفا، و جملة أقسامه ستة:
الأول: أن یكون ظرفا لما مضی من الزمان، نحو: قمت إذ قام زید، و لا خلاف فی اسمیة هذا القسم، و الدلیل علی اسمیة (إذ) هذه من أوجه:
أحدها: الإخبار بها، مع مباشرة الفعل، نحو: مجیئك إذ جاء زید.
و ثانیها: إبدالها من الاسم، نحو: رأیتك أمس إذ جئت.
و ثالثها: تنوینها، فی غیر ترنم، نحو: یومئذ.
و رابعها: الإضافة إلیها، بلا تأویل، نحو: بَعْدَ إِذْ هَدَیْتَنا [آل عمران: 8].
و هی مبنیة؛ لافتقارها إلی ما بعدها من الجمل، أو لما عوّض منها، و هو التنوین فی:
یومئذ، و حینئذ، و نحوهما. و إنما كسرت الذال، فی ذلك؛ لالتقاء الساكنین.
و ذهب الأخفش إلی أنها كسرة إعراب.
قال: لأن (إذ) إنما بنیت؛ لإضافتها إلی الجملة، فلما حذفت الجملة عاد إلیها الإعراب؛ فجرت بالإضافة.
ورد بأوجه:
أحدها: أن سبب بنائها لیس هو الإضافة إلی الجملة، و إنما هو افتقارها إلی الجملة، و الافتقار عند حذف الجملة أبلغ؛ فالبناء حینئذ أولی.
و ثانیها: أن بعض العرب یفتح الذال تخفیفا، فیقول: حینئذا.
و ثالثها: أن الكسر یوجد، دون إضافة، كقول الشاعر:
نهیتك عن طلابك أم عروبعافیة، و أنت، إذ، صحیح قال المرادی: أجاب الأخفش عن هذا بأنه أراد: حینئذ، فحذف (حینا) و أبقی الجر،-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 425
______________________________
- و فیه بعد.
و اعلم أن (إذ) تضاف إلی الجملتین: الاسمیة، و الفعلیة، و لا تضاف إلی جملة شرطیة، إلا فی ضرورة، و یقبح أن یلیها اسم، بعده فعل ماض، نحو: كان ذلك إذ زید قام؛ لما فیه من الفصل بین المتناسبین؛ و لذلك حسن: إذ زید یقوم.
تنبیه: (إذ) المذكورة لازمة للظرفیة، إلا أن یضاف إلیها زمان، نحو: یومئذ، و حینئذ، و لا تتصرف، بغیر ذلك؛ فلا تكون فاعلة، و لا مبتدأ.
و أجاز الأخفش و الزجاج، و تبعهما كثیر من المعربین، أن تقع مفعولا به، و ذكروا ذلك فی آیات كثیرة، كقوله تعالی: وَ اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِیلٌ [الأنفال: 26]، ف (إذ) فی هذه الآیة و نحوها مفعول به.
و من لم یر ذلك جعل المفعول محذوفا، و (إذ) ظرف عامله ذلك المحذوف. و التقدیر:
و اذكروا نعمة الله علیكم إذ، أو: و اذكروا حالكم إذ، و نحو ذلك.
الثانی: أن تكون ظرفا لما یستقبل من الزمان، بمعنی (إذا)، ذهب إلی ذلك قوم من المتأخرین، منهم ابن مالك، و استدلوا بقول الله تعالی: فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلالُ فِی أَعْناقِهِمْ [الرعد: 5] و بآیات أخر.
و ذهب أكثر المحققین إلی أن (إذ) لا تقع موقع (إذا) و لا (إذا) موقع (إذ)، و هو الذی صححه المغاربة، و أجابوا عن هذه الآیة و نحوها، بأن الأمور المستقبلة لما كانت فی إخبار الله تعالی، متیقنة مقطوعا بها- عبر عنها بلفظ الماضی، و بهذا أجاب الزمخشری، و ابن عطیة، و غیرهما.
الثالث: أن تكون للتعلیل، نحو قوله تعالی: وَ لَنْ یَنْفَعَكُمُ الْیَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ [الزخرف:
39]، وَ إِذْ لَمْ یَهْتَدُوا بِهِ فَسَیَقُولُونَ [الأحقاف: 11]، و منه قول الفرزدق:
فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم‌إذ هم قریش، و إذ ما مثلهم بشر و اختلف فی (إذ) هذه:
فذهب بعض المتأخرین إلی أنها تجردت عن الظرفیة، و تمحضت للتعلیل، و نسب إلی سیبویه، و صرح ابن مالك، فی بعض نسخ (التسهیل)، بحرفیتها.
و ذهب قوم، منهم الشلوبین، إلی أنها لا تخرج عن الظرفیة، قال بعضهم: و هو الصحیح.
الرابع: أن تكون للمفاجأة، و لا تكون للمفاجأة إلا بعد (بینا) و (بینما).
قال سیبویه: بینا أنا كذا إذ جاء زید، فهذا لما توافقه و تهجم علیه.
و اختلف فی (إذ) هذه:
فقیل: هی باقیة علی ظرفیتها الزمانیة.
و قیل: هی ظرف مكان، كما قال بعضهم ذلك فی (إذا) الفجائیة.
و قال ابن مالك: المختار عندی الحكم بحرفیتها.
و ذهب بعضهم إلی أنها زائدة.
قال المرادی: فإن قلت: إذا جعلت ظرفا فما العامل فیها؟ قلت: قال ابن جنی:
الناصب لها هو الفعل الذی بعدها، و لیست مضافة إلیه، و الناصب ل (بینا) و (بینما)-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 426
أحدهما: لم یقع فی القرآن بعد ذال إذ، و ذلك ستة أحرف: الطاء، و المیم، و الثاء، و الشین المثلثتان، و الضاد، و الخاء المعجمتان، و یجمعها قولك: طمث شضخ.
و الضرب الثانی: وقع بعدها و هو باقی الحروف، و هو علی نوعین:
أحدهما: أن یكون ساكنا، فیلزم كسر الذال هربا من التقاء الساكنین، و الذی ورد من ذلك فی القرآن وَ إِذِ اسْتَسْقی [البقرة: 60] و وَ إِذِ ابْتَلی [البقرة: 124]
______________________________
- فعل یقدر مما بعد (إذ).
و قال الشلوبین: العامل فی (بینا) ما یفهم من سیاق الكلام، و (إذ) بدل من (بینا)، أی:
حین أنا كذلك، إذ جاء زید، وافقت مجی‌ء زید.
و الفصیح: ألا یؤتی ب (إذ) بعد (بینا) و (بینما)، و الإتیان بها بعدهما عربی، خلافا لمن أنكره.
الخامس: أن تكون شرطیة، فیجزم بها، و لا تكون كذلك إلا مقرونة ب (ما)؛ لأنها إذا تجردت لزمتها الإضافة إلی ما یلیها. و الإضافة من خصائص الأسماء؛ فكانت منافیة للجزم، فلما قصد جعلها جازمة ركبت مع (ما)؛ لتكفها عن الإضافة، و تهیئها لما لم یكن لها من معنی و عمل، و لكونها تركبت مع (ما) عدها بعضهم فی الحروف الرباعیة، و اختلف النحویون فیها:
فذهب سیبویه إلی أنها حرف شرط ك (إن) الشرطیة.
و ذهب المبرد، و ابن السراج، و أبو علی، و من وافقهم، إلی أنها باقیة علی اسمیتها، و أن مدلولها من الزمان صار مستقبلا، بعد أن كان ماضیا.
قال ابن مالك: و الصحیح: ما ذهب إلیه سیبویه؛ لأنها قبل التركیب حكم باسمیتها؛ لدلالتها علی وقت ماض، دون شی‌ء آخر یدعی أنها دالة علیه، و لمساواتها الأسماء، فی قبول بعض علامات الاسمیة: كالتنوین، و الإضافة إلیها، و الوقوع موقع مفعول فیه، و مفعول به.
و أما بعد التركیب فمدلولها المجتمع علیه: المجازاة، و هو من معانی الحروف، و من ادعی أن لها مدلولا آخر زائدا علی ذلك، فلا حجة له، و هی مع ذلك غیر قابلة لشی‌ء من العلامات التی كانت قابلة لها قبل التركیب؛ فوجب انتفاء اسمیتها، و ثبوت حرفیتها.
تنبیه: خص بعضهم الجزم ب (إذ ما) بالشعر، و جعلها ك (إذا). و الصحیح: أن الجزم بها جائز فی الاختیار.
السادس: أن تكون زائدة؛ ذهب إلی ذلك أبو عبیدة، و ابن قتیبة، و جعلا من ذلك قوله تعالی: وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ [البقرة: 30]، و مواضع آخر فی القرآن. و مذهبهما فی ذلك ضعیف، و كانا یضعفان فی علم النحو.
و زاد بعضهم ل (إذ) قسما سابعا، و هو أن تكون بمعنی (قد). و جعل (إذ) فی قوله تعالی: وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ بمعنی (قد) و لیس هذا القول بشی‌ء. و الله أعلم.
ینظر الجنی الدانی (185- 192).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 427
و وَ لَوْ تَری إِذِ الظَّالِمُونَ [سبأ: 31] و إِذِ الْتَقَیْتُمْ، و وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ [الكهف: 16] و إِذِ انْتَبَذَتْ [مریم: 16] و إِذِ الْمُجْرِمُونَ [السجدة: 12] و إِذِ الْأَغْلالُ [غافر: 71].
و النوع الثانی: و هو المقصود: أن یكون الحرف الواقع بعد إذ متحركا.
و ینقسم ثلاثة أقسام:
قسم اتفق القراء علی إدغام إذ فیه.
و قسم اتفقوا علی إظهاره عنده.
و قسم فیه خلاف.
القسم الأول: حرفان:
الذال فی قوله تعالی: وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ [الأنبیاء: 87] و لیس فی القرآن غیره.
و الظاء فی قوله تعالی:
وَ لَنْ یَنْفَعَكُمُ الْیَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ [الزخرف: 39]، و فی قوله تعالی: وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [النساء: 64] و لیس فی القرآن غیرهما.
القسم الثانی: أربعة عشر حرفا یجمعها قولك: ربك أحق غنی له عفو: فالراء:
إِذْ رَمَیْتَ [الأنفال: 17]، إِذْ رَأَیْتَهُمْ ضَلُّوا [طه: 92]، و الباء: وَ إِذْ بَوَّأْنا [الحج: 26]، و إِذْ بَعَثَ فِیهِمْ [آل عمران: 164]، و الكاف: وَ إِذْ كَفَفْتُ [المائدة: 110]، و إِذْ كُنْتُمْ [آل عمران: 103]، و الهمزة: إِذْ أَوْحَیْنا [طه:
38]، و إِذْ أَیَّدْتُكَ [المائدة: 110]، و الحاء: إِذْ حَضَرَ یَعْقُوبَ الْمَوْتُ [البقرة: 133]، و القاف: وَ إِذْ قُلْنا [البقرة: 34]، و إِذْ قَرَّبا [المائدة: 27]، و الغین: وَ إِذْ غَدَوْتَ [آل عمران: 121]، و النون: إِذْ نَفَشَتْ [الأنبیاء: 78]، و إِذْ نادَیْنا وَ لكِنْ [القصص: 46]، و وَ إِذْ نَتَقْنَا [الأعراف: 171]، و الیاء: إِذْ یَرَوْنَ الْعَذابَ [البقرة: 165]، و إِذْ یَقُولُ [التوبة: 40]، و إِذْ یَعْدُونَ فِی السَّبْتِ [الأعراف: 163]، و اللام: إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِیداً [النساء: 72]، فَإِذْ لَمْ یَأْتُوا بِالشُّهَداءِ [النور: 13]، و وَ إِذْ لَمْ یَهْتَدُوا بِهِ [الأحقاف: 11]، و فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ تابَ اللَّهُ عَلَیْكُمْ [المجادلة: 13]، و الهاء: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ [آل عمران:
122]، و وَ إِذْ هُمْ نَجْوی [الإسراء: 47]، و العین: إِذْ عُرِضَ عَلَیْهِ بِالْعَشِیِ [ص:
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 428
31]، و الفاء: إِذْ فَزِعُوا [سبأ: 51]، و وَ إِذْ فَرَقْنا [البقرة: 50]، و الواو: وَ إِذْ واعَدْنا [البقرة: 51].
القسم الثالث: المختلف فیه ستة أحرف، و هی التی ذكر الحافظ، و یجمعها قولك: «سجز تصدّ».
فالسین: إِذْ سَمِعْتُمُوهُ [النور: 12]، و الجیم: إِذْ جَعَلَ [المائدة: 20]، إِذْ جاءَ [الصافات: 84]، و [الزای] وَ إِذْ زَیَّنَ لَهُمُ [الأنفال: 48]، و التاء: إِذْ تَبَرَّأَ [البقرة: 166]، و وَ إِذْ تَأَذَّنَ [الأعراف: 167]، و إِذْ تَأْتِیهِمْ [الأعراف: 163]، و إِذْ تُفِیضُونَ [یونس: 61]، و الصاد وَ إِذْ صَرَفْنا [الأحقاف: 29]، و الدال إِذْ دَخَلُوا عَلی داوُدَ [ص: 22].
فمن القراء من أظهر الذال عند جمیعها، و هم الحرمیان، و عاصم.
و منهم من أدغم فی الجمیع، و هما أبو عمرو و هشام.
و منهم من فصل، و هم الباقون:
فأدغم ابن ذكوان فی الدال خاصة، و أظهر عند البواقی.
و أظهر الكسائی عند الجیم خاصة، و أدغم فی البواقی.
و أما حمزة فأدغم فی الدال و التاء، و أظهر عند الجیم، و اختلف راویاه عند البواقی، و هی حروف الصفیر: فأظهر خلف، و أدغم خلاد.
و قد بین الحافظ هذا القسم المختلف فیه، و كان ینبغی له أن ینبه علی القسمین الأولین فیقول: و اتفقوا علی الإدغام فی الذال و الظاء، و علی الإظهار عند البواقی؛ إذ قد یتحیر الناظر فی كتابه حیث لم ینبه علی ما ذكرته، و الله عز و علا أعلم.

ذكر دال «قد»

«1» اعلم أن من الحروف ما لم یقع فی القرآن بعد دال «قد» و ذلك: الطاء المهملة،
______________________________
(1) قد تأتی علی وجهین:
أحدهما: تكون اسما، و هو علی ضربین:
الأول: تكون اسم فعل بمعنی (یكفی)، فیقال: قد زیدا درهم، و قدنی درهم، كما یقال: یكفی زیدا درهم، و یكفینی درهم.
الضرب الثانی: تكون اسما مرادفا ل «حسب»، و فیه لغتان:
إحداهما: أن یستعمل مبنیا، و هو الغالب لشبهه ب «قد» الحرفیة- الآتیة بعد، إن شاء الله تعالی- فیقال: قد زید درهم بالسكون، و قدنی درهم، بالنون- علی غیر قیاس؛ لأن نون-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 429
و الثاء المثلثة، و الغین المعجمة، و ما عدا ذلك فقد وقع بعدها علی النوعین المذكورین، فما كان منه ساكنا؛ كسرت الدال قبله لئلا یلتقی ساكنان نحو فَقَدِ اهْتَدَوْا [البقرة: 137] و لَقَدِ ابْتَغَوُا [التوبة: 48] و وَ لَقَدِ اخْتَرْناهُمْ [الدخان: 32] و وَ لَقَدِ اصْطَفَیْناهُ [البقرة: 130] و فَقَدِ افْتَری [النساء: 48] و فَقَدِ اسْتَمْسَكَ [البقرة: 256] و فَقَدِ احْتَمَلَ [النساء: 112] و لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا [الفرقان: 21].
______________________________
- الوقایة مختصة بالأفعال، و لكنهم جاءوا بها؛ حرصا علی بقاء السكون لأنه الأصل فی البناء.
الثانیة: أن یستعمل معربا، و هو قلیل، یقال: قد زید درهم، بالرفع، كما یقال: حسبه درهم، بالرفع، و قدی درهم، بغیر نون، كما یقال: حسبی.
قال طرفة یصف سیفه:
أخی ثقة لا ینثنی عن ضریبةإذا قیل مهلا قال حاجزه قدی و أما قول حمید الأرقط:
قدنی من نصر الخبیبین قدی فتحتمل (قد) الأولی أن تكون مرادفة ل «حسب» علی لغة البناء. و أن تكون اسم فعل، و أما الثانیة: فتحتمل أن تكون بمعنی «حسب» علی لغة الإعراب و هو واضح، و یحتمل أن تكون بمعنی «حسب» علی لغة البناء، و حذفت النون للضرورة كقول الشاعر:
عددت قومی كعدید الطیس‌إذ ذهب القوم الكرام لیسی و یحتمل أن تكون اسم فعل لم یذكر مفعوله و الیاء للإطلاق و الكسر لالتقاء الساكنین.
الوجه الثانی: أن تكون حرفا و تختص بالدخول علی الأفعال، و ربما حذف الفعل بعد (قد) إذا دل علیه الكلام كقول النابغة:
أزف الترحّل غیر أن ركابنالمّا تزل برحالنا و كأن قد أی: و كأن قد زالت، و له خمسة معان: شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات 429 ذكر دال«قد» ..... ص : 428
الأول: التوقع: فتكون جوابا لمتوقع، و هی نقیض (ما) التی للنفی، و لا یبتدأ بها إلا أن تكون جوابا لمتوقع قبل، و قوله تعالی: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون: 1] علی هذا المعنی؛ لأن القوم توقعوا علم حالهم عند الله- تبارك و تعالی- فقیل لهم: قد أفلح المؤمنون.
و التوقع مع المضارع واضح كقولك: قد یقدم الحاج إلی شهر، و أما مع الماضی فأثبته الأكثرون.
و قال الخلیل: یقال: (قد فعل) لقوم ینتظرون الخبر، فأما إذا أخبرهم و هم لا ینتظرون الخبر لم یأت ب (قد)، و منه قول المؤذن: (قد قامت الصلاة)، لأن الجماعة منتظرون لذلك، و منه قوله تعالی: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِی تُجادِلُكَ [المجادلة: 1]؛ لأنها كانت تتوقع إجابة الله سبحانه لدعائها.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 430
و وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ [الأنعام: 10].
و ما كان متحركا فینقسم ثلاثة أقسام:
قسم اتفقوا علی إدغام دال «قد» فیه.
و قسم اتفقوا علی إظهاره عنده.
و قسم فیه خلاف.
فالقسم الأول: حرفان:
الدال فی قوله تعالی:
وَ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ [المائدة: 61].
و التاء فی قوله تعالی: لَقَدْ تابَ اللَّهُ [التوبة: 117]. و قَدْ تَبَیَّنَ فی البقرة [256]. وَ لَقَدْ تَرَكْنا فی العنكبوت [35]، و القمر [15].
______________________________
- و منعه بعضهم مع الماضی بأنه قد وقع، و التوقع لا یجامع الوقوع، و هذا لا یلزم المثبتین؛ لأنهم لا یقولون بتوقعه حال وقوعه، و إنما یقولون: إن الإخبار بالماضی كان متوقعا قبل وقوعه.
الثانی: تقریب الماضی من الحال تقول: قام زید، فیحتمل الماضی القریب و الماضی البعید، فإذا قلت: قد قام زید، اختص بالقریب.
الثالث: التقلیل لوقوع الفعل كقولك: قد یصدق الكذوب، و قد یجود البخیل، و زعم بعضهم أنها فی هذه الأفعال و نحوها للتحقیق كقوله تعالی: قَدْ یَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَیْهِ [النور:
64]، و أن التقلیل مستفاد فی المثالین من قولك: البخیل یجود و الكذوب یصدق، لا من (قد)؛ فإنه إذا لم یحمل علی أن صدور ذلك منهما قلیل كان فاسدا إذ آخر الكلام یناقض أوله.
الرابع: التكثیر، قاله سیبویه فی قول الهذلی:
قد أترك القرن مصفرا أنامله‌كأن أثوابه مجت بفرصاد و قال الزمخشری فی قوله تعالی: قَدْ نَری تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِی السَّماءِ [البقرة: 144] أی: ربما نری، و معناه تكثیر الرؤیة.
و استشهد جماعة علی هذا المعنی بقول الشاعر:
قد أشهد الغارة الشعواء تحملنی‌جرداء معروقة اللحیین سرحوب الخامس: التحقیق بمعنی: إن ذلك كان، و أنشد بعضهم علی ذلك قول الهذلی:
قد أترك القرن مصفرا أنامله أی: أن ذلك من عادتی فی الحرب.
و منه قوله تعالی: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها [الشمس: 9] و قوله تعالی: وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِینَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ [البقرة: 65] و قوله تعالی: قَدْ یَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَیْهِ [النور: 64].
ینظر مصابیح المغانی (320- 325).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 431
و القسم الثانی: خمسة عشر حرفا یجمعها قولك: العفو خیر بحقك نمه.
فالهمزة وَ لَقَدْ أَنْزَلْنا [البقرة: 99]، و اللام فَقَدْ لَبِثْتُ فِیكُمْ [یونس:
16]. و لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِی كِتابِ اللَّهِ [الروم: 56]، و العین وَ لَقَدْ عَهِدْنا [طه:
115].
وَ لَقَدْ عَلِمُوا [البقرة: 102]. و الفاء قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ ... [التحریم: 2].
و فَقَدْ فازَ ... [آل عمران: 185]. و قَدْ فَصَّلْنَا ... [الأنعام: 97] الآیات، و الواو أَنْ قَدْ وَجَدْنا [الأعراف: 44]. وَ لَقَدْ وَصَّلْنا [القصص: 51]. و فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ [النساء: 100].
و الخاء قَدْ خَرَجُوا [المائدة: 61]، وَ لَقَدْ خَلَقْنَا [المؤمنون: 12]. وَ قَدْ خابَ [طه: 61]، و قَدْ خَسِرُوا [الأعراف: 53]، و الیاء قَدْ یَعْلَمُ اللَّهُ [النور:
63]، و وَ لَقَدْ یَسَّرْنَا [القمر: 32]، و قَدْ یَئِسُوا [الممتحنة: 13]، و الراء وَ لَقَدْ راوَدُوهُ [القمر: 37]، و فَقَدْ رَأَیْتُمُوهُ [آل عمران: 143]، و فَقَدْ رَحِمَهُ [الأنعام: 16]، و الباء قَدْ بَیَّنَّا [البقرة: 118]، و وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِی إِسْرائِیلَ [یونس: 93]، و الحاء لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ [یس: 7]، و فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَیْهِ الْجَنَّةَ [المائدة: 72]، و قَدْ حَكَمَ بَیْنَ الْعِبادِ [غافر: 48]، و القاف قَدْ قالَهَا الَّذِینَ [الزمر: 50]، و الكاف وَ لَقَدْ كَرَّمْنا [الإسراء: 70]، و وَ قَدْ كُنْتُمْ [یونس:
51]، وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِی الزَّبُورِ [الأنبیاء: 105]، فَقَدْ كَذَّبُوا [الأنعام: 5]، و النون قَدْ نَری تَقَلُّبَ وَجْهِكَ [البقرة: 144]، وَ لَقَدْ نَعْلَمُ [الحجر: 97]، وَ لَقَدْ نادانا نُوحٌ [الصافات: 75]، و المیم وَ لَقَدْ مَنَنَّا عَلی مُوسی [الصافات: 114]، و فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِینَ [الأنفال: 38]، و الهاء وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ [یوسف:
24].
و القسم الثالث: المختلف فیه: ثمانیة أحرف، و هی التی ذكر الحافظ فی هذا الفصل، و یجمعها أوائل كلمات هذا البیت: [من الوافر]
شهدت ضحی ظباء سابحات‌ذكرت زمان جرد صافنات «1» فالشین قَدْ شَغَفَها [یوسف: 30] لا غیر، و الضاد قَدْ ضَلُّوا [النساء:
______________________________
(1) البیت بلا نسبة فی اللسان (جرد) و العنوان فی القراءات السبع ص 56.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 432
167] و الظاء فَقَدْ ظَلَمَ [الطلاق: 1] و السین قَدْ سَأَلَها [المائدة: 102] و قَدْ سَمِعَ [المجادلة: 1] و ما قَدْ سَلَفَ [النساء: 23] و الذال وَ لَقَدْ ذَرَأْنا [الأعراف: 179] و الزای وَ لَقَدْ زَیَّنَّا السَّماءَ [الملك: 5] و الجیم وَ لَقَدْ جاءَكُمْ [البقرة: 92] و الصاد وَ لَقَدْ صَرَّفْنا [الإسراء: 89] و لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ [الفتح: 27].
فمن القراء من أظهر دال «قد» عند الجمیع و هم قالون، و ابن كثیر، و عاصم.
و منهم من أدغم فی الجمیع، و هم أبو عمرو، و حمزة، و الكسائی، و هشام، غیر أن هشاما استثنی لَقَدْ ظَلَمَكَ فی «ص» فأظهره.
و منهم من فصل:
فأدغم ورش فی الظاء، و الضاد، و أظهر عند البواقی.
و أدغم ابن ذكوان فی الضاد و الظاء و الذال، و اختلف عنه عند الزای، و كان ینبغی للحافظ أن ینبه علی القسمین الأولین كما تقدم.
وافق الشیخ، و الإمام علی كل ما تقدم، إلا فی مذهب ابن ذكوان عند «1» الزای، فطریقهما عنه الإدغام لا غیر.
و زاد الإمام عن هشام الإدغام فی لَقَدْ ظَلَمَكَ فی «ص»، و الله تبارك اسمه و تعالی جده أعلم.

ذكر تاء التأنیث المتصلة بالفعل‌

اعلم أنه لم یقع بعدها فی القرآن الضاد، و لا الشین المعجمتان.
فأما الخاء و الذال المعجمتان فوقعا بعدها فی قوله تعالی:
وَ قالَتِ اخْرُجْ عَلَیْهِنَ [یوسف: 31]، و فی قوله تبارك و تعالی: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْری [الأعلی: 9].
و هذان ملحقان بما وقع بعدها ساكنا.
فأما البواقی فوقعت كلها بعدها متحركة، و قد وقع بعضها أیضا ساكنا، و لا بد من الكسر مع الساكن كما تقدم.
و الذی ورد من ذلك قوله تعالی: وَ قالَتِ الْیَهُودُ [البقرة: 113]، [و]
______________________________
(1) فی أ: من.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 433
وَ قالَتِ النَّصاری [البقرة: 113]، و لَیْسَتِ الْیَهُودُ [البقرة: 113]، و یَتْلُونَ الْكِتابَ [البقرة: 113]، و لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ [البقرة: 251]، و قالَتِ الْمَلائِكَةُ [آل عمران: 42]، و أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ [آل عمران: 65]، و بَدَتِ الْبَغْضاءُ [آل عمران:
118]، و وَ لَیْسَتِ التَّوْبَةُ [النساء: 18]، و وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ [النساء: 128]، و تَراءَتِ الْفِئَتانِ [الأنفال: 48]، و أَخَذَتِ الْأَرْضُ [یونس: 24]، و وَ أَخَذَتِ الَّذِینَ [هود: 94]، و ما دامَتِ السَّماواتُ [هود: 107]، وَ غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ [یوسف: 23]، و فَصَلَتِ الْعِیرُ [یوسف: 94]، و وَ كانَتِ امْرَأَتِی [مریم:
5]، و وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ [طه: 108]، و وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ [طه: 111]، و وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ [الشعراء: 90]، و بُرِّزَتِ الْجَحِیمُ [الشعراء: 91]، و وَ قالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ [القصص: 9]، و وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ [الزمر: 69]، و وَ قَدْ خَلَتِ النُّذُرُ [الأحقاف: 21]، و قالَتِ الْأَعْرابُ [الحجرات: 14]، و فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ [الذاریات: 29]، و وَقَعَتِ الْواقِعَةُ [الواقعة: 1]، و رُجَّتِ الْأَرْضُ [الواقعة:
4]، و وَ بُسَّتِ الْجِبالُ [الواقعة: 5]، و قُضِیَتِ الصَّلاةُ [الجمعة: 10]، و وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ [الحاقة: 14]، و وَ كانَتِ الْجِبالُ [المزمل: 14]، و جاءَتِ الطَّامَّةُ [النازعات: 34]، و جاءَتِ الصَّاخَّةُ [عبس: 33]، و زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ [الزلزلة: 1]، و وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ [الزلزلة: 2].

فأما الحروف المتحركة بعدها فثلاثة أقسام:

قسم اتفق القراء علی إدغام التاء فیه.
و قسم اتفقوا علی إظهاره عنده.
و قسم اختلفوا فیه.
فالقسم الأول: ثلاثة أحرف:
التاء فی قوله تعالی: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ [البقرة: 16]، و إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ [الكهف: 17]، وَ إِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ [الكهف: 17]، و فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ [الأنبیاء: 15]، و كانَتْ تَعْمَلُ [الأنبیاء: 74]، و كانَتْ تَأْتِیهِمْ [غافر: 22]، و الطاء فی قوله تعالی: وَدَّتْ طائِفَةٌ [آل عمران: 69]، و لَهَمَّتْ طائِفَةٌ [النساء: 113]، و وَ قالَتْ طائِفَةٌ [آل عمران: 72]، و فَآمَنَتْ طائِفَةٌ [الصف:
14]، و وَ كَفَرَتْ طائِفَةٌ [الصف: 14]، و إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ [آل عمران: 122].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 434
و الدال فی قوله تعالی: فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا [الأعراف: 189]. قَدْ أُجِیبَتْ دَعْوَتُكُما [یونس: 89].
و القسم الثانی: خمسة عشر حرفا یجمعها قولك:
«العفو غنو حقه كبیر» فالهمزة نحو: قالَتْ أُولاهُمْ [الأعراف: 39]، و كانَتْ آمِنَةً [النحل:
112]. و اللام نحو أُحِلَّتْ لَكُمْ [المائدة: 1]، و كانَتْ لَهُمْ جَزاءً [الفرقان:
15]. و العین كَذَّبَتْ عادٌ [القمر: 18]، و حُرِّمَتْ عَلَیْكُمْ [النساء: 23].
و عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها [الطلاق: 8]، و الفاء فی قوله تعالی: قالَتْ فَذلِكُنَ [یوسف:
32]. و نَفَشَتْ فِیهِ [الأنبیاء: 78].
و الواو نحو فَصَكَّتْ وَجْهَها [الذاریات: 29]، و ابْیَضَّتْ وُجُوهُهُمْ [آل عمران: 107]. و كُوِّرَتْ وَ إِذَا [التكویر: 1- 2]، و الغین فی قوله تعالی:
نَقَضَتْ غَزْلَها [النحل: 92]، و النون نحو قالَتْ نَمْلَةٌ [النمل: 18]. و لَمَّا جاءَتْنا [الأعراف: 126]، و المیم نحو بَطِرَتْ مَعِیشَتَها [القصص: 58].
و قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا [التحریم: 3]، و الحاء نحو قوله- تعالی-: كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ [الأعراف: 163] و حَمَلَتْ حَمْلًا [الأعراف: 189] و مُلِئَتْ حَرَساً [الجن: 8] و القاف وَ قَدَّتْ قَمِیصَهُ [یوسف: 25] و فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ [الحدید: 16].
و الهاء وَ قالَتْ هَیْتَ لَكَ [یوسف: 23] و قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:
37] و وَ جاءَتْهُمْ [الروم: 9].
و الكاف كَبُرَتْ كَلِمَةً [الكهف: 5] و وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ [الأنعام: 115] و جاءَتْكَ آیاتِی [الزمر: 59] و وَ جاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ [ق: 21].
و الباء فَمَرَّتْ بِهِ [الأعراف: 189] و فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ [النحل: 112]، و الیاء قالَتْ یا وَیْلَتی [هود: 72]، و الراء قالَتْ رَبِ [آل عمران: 36] و قالَتْ رُسُلُهُمْ [إبراهیم: 10].
القسم الثالث: المختلف فیه ستة أحرف، و هی التی ذكر الحافظ فی هذا الفصل و یجمعها أوائل كلمات هذا البیت:
صدّ جابر ظهراثم زارنی سحرا
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 435
فالصاد قوله- تعالی-: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ [النساء: 90] و لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ [الحج: 40].
و الجیم نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ [النساء: 56] و وَجَبَتْ جُنُوبُها [الحج: 36].
و الظاء حَمَلَتْ ظُهُورُهُما [الأنعام: 146] و حُرِّمَتْ ظُهُورُها [الأنعام: 138].
و الثاء بَعِدَتْ ثَمُودُ [هود: 95] و كَذَّبَتْ ثَمُودُ [القمر: 23] و رَحُبَتْ ثُمَ [التوبة: 25].
و الزای كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ [الإسراء: 97].
و السین أَقَلَّتْ سَحاباً [الأعراف: 57] و وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ [ق: 19] و أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ [البقرة: 261] و أُنْزِلَتْ سُورَةٌ [التوبة: 86] و وَ جاءَتْ سَیَّارَةٌ [یوسف: 19].
و اختلف القراء عند هذه الأحرف: فمنهم من أظهر التاء عند جمیعها، و هم قالون، و ابن كثیر، و عاصم.
و منهم من أدغمها فی الجمیع، و هم أبو عمرو، و حمزة، و الكسائی.
و منهم من فصل:
فأدغم ورش فی الظاء و أظهر فیما عداها.
و أظهر ابن عامر عند السین، و الزای، و زاد هشام لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ و أدغم فی البواقی.
و كان ینبغی للحافظ أن ینبه علی القسمین المتقدمین.
وافق الشیخ، و الإمام علی ما ذكر فی هذا الفصل، و زاد الإمام عن هشام لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ.

ذكر لام «هل» و «بل»

اشارة

«1» اعلم أن الحاء، و الخاء، و الدال، و الذال، و الغین و الشین المعجمتین، و الصاد المهملة لم تقع فی القرآن بعد هذه اللام، فأما باقی الحروف فعلی ثلاثة أقسام:
______________________________
(1) هل: حرف استفهام تدخل علی الأسماء و الأفعال، لطلب التصدیق الموجب، لا غیر، نحو: هل قام زید؟ و هل زید قائم؟ فتساوی الهمزة فی ذلك.
و تنفرد الهمزة بأنها ترد لطلب التصور، نحو: أزید فی الدار أم عمرو؟ و لذلك انفردت-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 436
______________________________
- بمعادلة (أم) المتصلة؛ لأنها یطلب بها تعیین أحد الأمرین، و (هل) لا یطلب بها ذلك.
و انفردت الهمزة أیضا بأنها تدخل علی المنفی، نحو أَ لَیْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ [الزمر:
36]، أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح: 1]، و لا تدخل (هل) علی منفی. و تفارق الهمزة (هل) فی أمور أخر:
الأول: أن الهمزة ترد للإنكار، و التوبیخ، و التعجب، بخلاف (هل).
و الثانی: أن (هل) قد یراد بالاستفهام بها النفی، نحو قولك: هل یقدر علی هذا غیری، أی: ما یقدر. و یعین ذلك دخول (إلا)، نحو (و هل نجازی إلا الكفور) [سبأ: 17].
و الثالث: أن الهمزة تتقدم علی فاء العطف و واوه و «ثم»، بخلاف «هل».
و الرابع: أن الهمزة لا تعاد بعد (أم)، و (هل) یجوز أن تعاد و ألا تعاد. و قد اجتمع الأمران فی قوله تعالی: قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الْأَعْمی وَ الْبَصِیرُ، أَمْ هَلْ تَسْتَوِی الظُّلُماتُ وَ النُّورُ، أَمْ جَعَلُوا [الرعد: 16].
و الخامس: أن الهمزة تدخل علی (إن)، كقوله تعالی قالُوا: أَ إِنَّكَ لَأَنْتَ یُوسُفُ [یوسف: 90]، بخلاف (هل).
و السادس: أن الهمزة قد یلیها اسم بعده فعل فی الاختیار، نحو: أزید قام؟ و أ زیدا ضربت؟ و إن كان الأولی أن یلیها الفعل، بخلاف (هل)؛ فإنها لا یتقدم الاسم بعدها علی الفعل، إلا فی الشعر؛ و لذلك وجب النصب، فی نحو: هل زیدا ضربته؟ فی باب الاشتغال، و ترجح بعد الهمزة و لم یجب.
و السابع: زعم بعضهم أن الفرق بین الهمزة و (هل) أن الهمزة لا یستفهم بها إلا و قد هجس فی النفس إثبات ما یستفهم بها عنه، بخلاف (هل) فإنه لا یترجح عنده لا النفی و لا الإثبات.
تنبیه: الأصل فی (هل) أن تكون للاستفهام، كما ذكر. و قد ترد لمعان أخر:
الأول: النفی، و قد تقدم.
الثانی: أن تكون بمعنی (قد)، ذكر هذا قوم من النحویین، منهم ابن مالك، و قال به الكسائی، و الفراء، و بعض المفسرین، فی قوله تعالی: هَلْ أَتی عَلَی الْإِنْسانِ حِینٌ مِنَ الدَّهْرِ [الإنسان: 1] و استدل بعضهم، علی ذلك، بقول الشاعر:
سائل فوارس یربوع بشدتنا:هل رأونا، بسفح القفّ، ذی الأكم فالمعنی: أ قد رأونا. و یدل علی ذلك دخول الهمزة علیها، و أنكر بعضهم مرادفة (هل) ل (قد)، و قال: یحتمل أن یكون (أهل رأونا) من الجمع بین أداتین لمعنی واحد، علی سبیل التوكید، كقوله:
و لا للما بهم أبدا دواء بل الجمع بین الهمزة و (هل) أسهل؛ لاختلاف لفظهما، و لأن أحدهما ثنائی.
و قال بعضهم: إن أصل (هل) أن تكون بمعنی (قد)، و لكنه لما كثر استعمالها فی الاستفهام استغنی بها عن الهمزة، و فی كلام سیبویه ما یوهم ذلك، و هو بعید.
الثالث: أن تكون بمعنی (إن)، زعم بعضهم أن (هل) فی قوله تعالی: هَلْ فِی ذلِكَ قَسَمٌ لِذِی حِجْرٍ [الفجر: 5] بمعنی (إن)؛ و لذلك یتلقی بها القسم كما یتلقی ب (إن).-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 437
قسم وقع بعد «هل» خاصة و هو الثاء فی قوله- تعالی-: هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ [المطففین: 36].
و قسم وقع بعد «بل» خاصة، و هو أحد عشر حرفا یجمعها قولك: «ظفر بقسطك ضجز»:
______________________________
- و هو قول ضعیف.
الرابع: أن تكون للتقریر و الإثبات، ذكره بعضهم فی قوله تعالی: هَلْ فِی ذلِكَ قَسَمٌ لِذِی حِجْرٍ، و فی قوله تعالی: هَلْ أَتی عَلَی الْإِنْسانِ.
و ذكر بعض النحویین أن (هل) لم تستعمل للتقریر، و أن ذلك مما انفردت به الهمزة.
الخامس: أن تكون للأمر، كقوله تعالی: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة: 91] فهذه صورته صورة الاستفهام، و معناه الأمر، أی: انتهوا. و الله أعلم.
ینظر الجنی الدانی (341- 346).
أما (بل) فهی حرف إضراب، و له حالان:
الأول: أن یقع بعده جملة.
و الثانی: أن یقع بعده مفرد.
فإن وقع بعده جملة كان إضرابا عما قبلها، إما علی جهة الإبطال، نحو: أَمْ یَقُولُونَ:
بِهِ جِنَّةٌ. بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِ [المؤمنون: 70].
و إما علی جهة الترك؛ للانتقال من غیر إبطال، نحو: وَ لَدَیْنا كِتابٌ یَنْطِقُ بِالْحَقِّ، وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ. بَلْ قُلُوبُهُمْ فِی غَمْرَةٍ [المؤمنون: 62، 63]؛ فظهر بهذا أن قول ابن مالك فی (شرح الكافیة): فإن كان الواقع بعدها جملة فهی للتنبیه علی انتهاء غرض، و استئناف غیره، و لا یكون فی القرآن إلا علی هذا الوجه- لیس علی إطلاقه.
قال المرادی: فإن قلت: هل هی قبل الجملة عاطفة أو لا؟ قلت: ظاهر كلام ابن مالك أنها عاطفة، و صرح به ولده فی (شرح الألفیة)، و صاحب (رصف المبانی)، و غیرهم یقول:
إنها (قبل الجملة) حرف ابتداء، و لیست بعاطفة.
و إذا وقع بعد (بل) مفرد فهی حرف عطف، و معناها الإضراب، و لكن حالها فیه مختلف:
فإن كانت بعد نفی نحو: ما قام زید بل عمرو، أو نهی نحو: لا تضرب زیدا بل عمرا، فهی لتقریر حكم الأول، و جعل ضده لما بعدها:
ففی المثال الأول قررت نفی القیام لزید، و أثبتته لعمرو.
و فی المثال الثانی قررت النهی عن ضرب زید، و أثبتت الأمر بضرب عمرو.
و وافق المبرد علی هذا الحكم، و أجاز مع ذلك أن تكون ناقلة حكم النفی و النهی، لما بعدها، و وافقه علی ذلك أبو الحسن عبد الوارث.
قال ابن مالك: و ما جوزه مخالف لاستعمال العرب.
و إن كانت بعد إیجاب نحو: قام زید بل عمرو، أو أمر نحو: اضرب زیدا بل عمرا، فهی لإزالة الحكم عما قبلها، حتی كأنه مسكوت عنه، و جعله لما بعدها.
ینظر الجنی الدانی (235- 237).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 438
فالظاء قوله- تعالی-: بَلْ ظَنَنْتُمْ [الفتح: 12]، و الفاء بَلْ فَعَلَهُ كَبِیرُهُمْ [الأنبیاء: 63]، و الراء بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَیْهِ [النساء: 158] و بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ [الأنبیاء: 56] و بَلْ رانَ [المطففین: 14]، و الباء بَلْ بَدا لَهُمْ [الأنعام: 28]، و القاف بَلْ قالُوا [الأنبیاء: 5]، و السین بَلْ سَوَّلَتْ [یوسف:
18]، و الطاء بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَیْها [النساء: 155] لا غیر، و الكاف بَلْ كَذَّبُوا [ق: 5] بَلْ كُنْتُمْ [سبأ: 32]، و الضاد بَلْ ضَلُّوا [الأحقاف: 28] و الجیم بَلْ جاءَ بِالْحَقِ [الصافات: 37]، و الزای بَلْ زُیِّنَ [الرعد: 33].
و قسم وقع بعدهما و هو تسعة أحرف یجمعها قولك: «أ یتعلمونه»:
فالهمزة قوله تعالی:
فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ [غافر: 47]، هَلْ أَتاكَ [البروج: 17]. و هَلْ آمَنُكُمْ عَلَیْهِ [یوسف: 64]. و بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ [ص: 60]، و الیاء هَلْ یَنْظُرُونَ [البقرة: 210]. و قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ [الزمر: 9]. و بَلْ یُرِیدُ الْإِنْسانُ لِیَفْجُرَ أَمامَهُ [القیامة: 5]، و التاء هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِیًّا [مریم: 65]. و هَلْ تَری مِنْ فُطُورٍ [الملك: 3]. و هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا [التوبة: 52]. و بَلْ تَأْتِیهِمْ بَغْتَةً [الأنبیاء: 40]، و العین قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ [الأنعام: 148]. و هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِیُوسُفَ [یوسف: 89]. و بَلْ عَجِبْتَ وَ یَسْخَرُونَ [الصافات: 12].
و اللام فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ [الأعراف: 53]، و هَلْ لَكَ إِلی أَنْ تَزَكَّی [النازعات:
18]. و بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ [الكهف: 58]. و بَلْ لا یُؤْمِنُونَ [الطور: 33]، و المیم فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر: 15]. و هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ یَفْعَلُ [الروم: 40]. [و] بَلْ مَتَّعْنا [الأنبیاء: 44]، و الواو فَهَلْ وَجَدْتُمْ [الأعراف: 44]. و بَلْ وَجَدْنا آباءَنا [الشعراء: 74]، و النون هَلْ نَدُلُّكُمْ [سبأ: 7]. و هَلْ أُنَبِّئُكُمْ [المائدة: 60].
و بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِ [الأنبیاء: 18]، و الهاء هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ [الأنبیاء: 3]. و بَلْ هُوَ آیاتٌ [العنكبوت: 49]. و بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ [السجدة: 10].
و اعلم أن مجموع الحروف الواقعة بعد «هل» و «بل» أو بعد أحدهما تنقسم ثلاثة أقسام:
قسم اتفق القراء علی إدغام اللام فیه.
و قسم اتفقوا علی الإظهار عنده.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 439
و قسم اختلفوا فیه.
فالقسم الأول: اللام، و الراء، إلا بَلْ رانَ [المطففین: 14] فی قراءة حفص، فإنه یسكت بین اللام و الراء؛ فیمتنع الإدغام لذلك.
و القسم الثانی: أحد عشر حرفا یجمعها قولك: «قم به عوجا فیه».
و القسم الثالث: ثمانیة أحرف، و هی التی ذكر الحافظ فی هذا الفصل و یجمعها أوائل كلمات هذا البیت: [من الرجز]
تقول سلمی ضاع طالبوك‌ناءیت ظلما ثم زایلوك فمنهم من أظهر عند الجمیع، و هم الحرمیان، و عاصم، و ابن ذكوان، و كذلك أبو عمرو، إلا فی قوله- تعالی-: هَلْ تَری مِنْ فُطُورٍ [الملك: 3] و فَهَلْ تَری لَهُمْ مِنْ باقِیَةٍ [الحاقة: 8].
و منهم من أدغم فی الجمیع، و هو الكسائی.
و منهم من فصل:
فأظهر هشام عند النون و الضاد، و فی التاء فی قوله- تعالی-: أَمْ هَلْ تَسْتَوِی فی الرعد [الآیة: 16] و أدغم فی البواقی.
و أدغم حمزة فی السین، و التاء، و الثاء.
و اختلف عن خلاد فی قوله- تعالی-: بَلْ طَبَعَ فی آخر النساء [الآیة: 155].
و ذكر الحافظ أنه یأخذ فیه بالإدغام.
و أما الشیخ، و الإمام فلم یذكرا فیه إلا الإظهار، و اتفقا مع الحافظ علی سائر الفصل، و كان ینبغی للحافظ أن ینبه علی القسمین الأولین كما تقدم.

فصل‌

و ذكر الحافظ- رحمه الله- بإثر لام «هل» و «بل» الفصل المشتمل علی ما یدغم مما سكونه عارض، و أخر الكلام فی النون الساكنة و التنوین، و لو عكس فأخر «1» هذا الفصل لكان ظاهر التناسب من جهة أصالة السكون فی النون الساكنة و التنوین، كما هو كذلك فیما تقدم، لكن الترتیب الذی فعل الحافظ أكمل و أنبل.
و بیانه: أن الحكم الذی ثبت لذال «إذ» و دال «قد» و تاء التأنیث، و لام «هل»
______________________________
(1) فی أ: و أخر.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 440
و «بل» منحصر فی الإظهار و الإدغام، علی ما تقدم من التفصیل.
و هذا الفصل الذی ذكر الحافظ هنا حكمه أیضا منحصر فی الإظهار و الإدغام؛ فكان ذكره بإثر هذه الحروف المتقدمة متناسبا من هذه الجهة.
فأما النون الساكنة و التنوین فلهما أربعة أحكام: الإظهار، و الإدغام، و القلب، و الإخفاء، و لیس فی شی‌ء منها خلاف، بل أجمع القراء علی كل واحد من هذه الأحكام الأربعة فی موضعه حسب ما ذكره الحافظ، فخرجت النون الساكنة و التنوین عن حكم الخلاف، و الله عز جلاله أعلم.
و أرجع إلی هذا الفصل فأقول بحول الله تعالی و قوته: جملة الحروف التی تدغم فی هذا الفصل سبعة یجمعها قولك: ثرد فبذل، و تكرر بعضها بتكرر كلماتها لكنها تنحصر فی ضربین:
الضرب الأول: أن یكون الحرف المدغم و الحرف المدغم فیه فی كلمة واحدة.
و الضرب الثانی: أن یكونا من كلمتین.
و أعنی بقولی: فی كلمة واحدة، مثل ما مر فی باب الإدغام الكبیر حیث بینت معنی المثلین، و المتقاربین فی كلمة.
أما الضرب الأول فنوعان:
الأول: الثاء قبل التاء، و ذلك فی قوله- تعالی-: أُورِثْتُمُوها فی الأعراف [43] و الزخرف [الآیة: 72]، و لَبِثْتَ [الشعراء: 18] لَبِثْتَ [البقرة: 259] و لَبِثْتُمْ [الإسراء: 52] حیث وقع، أظهر ذلك كله الحرمیان، و عاصم، [و] وافقهم ابن ذكوان علی الإظهار فی أُورِثْتُمُوها خاصة، و أدغم الباقون.
الثانی: الذال قبل التاء و هو أصل مطرد و كلمتان، فالأصل ما جاء من لفظ أَخَذْتُمْ [الأنفال: 68] و أَتَّخَذْتُمْ [البقرة: 80] و لَاتَّخَذْتَ [الكهف: 77] حیث وقع، أظهره كله ابن كثیر، و حفص، و الكلمتان فَنَبَذْتُها فی طه [الآیة: 96] و عُذْتُ فی المؤمن [غافر: 27] و الدخان [الآیة: 20] أدغمها أبو عمرو و حمزة الكسائی، و أظهر الباقون.
و أما الضرب الثانی فسبعة أنواع:
الأول: الباء قبل الفاء، و جملته فی القرآن خمسة مواضع:
منها فی النساء: أَوْ یَغْلِبْ فَسَوْفَ [الآیة: 74].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 441
و فی الرعد: وَ إِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ [الآیة: 5]، و فی الإسراء: اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ [الآیة: 63]، و فی طه: فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِی الْحَیاةِ [الآیة: 97]، و فی الحجرات: وَ مَنْ لَمْ یَتُبْ فَأُولئِكَ [الآیة: 11].
أدغم الجمیع أبو عمرو و الكسائی، و خلاد بخلاف عن خلاد فی وَ مَنْ لَمْ یَتُبْ فَأُولئِكَ. و ذكر الشیخ، و الإمام الإدغام عن خلاد خاصة.
و أظهر الباقون.
الثانی: الباء قبل المیم و هو موضعان:
الأول وَ یُعَذِّبُ مَنْ یَشاءُ فی البقرة [الآیة: 284]، قرأه عاصم و ابن عامر برفع الباء؛ فلزم الإظهار علی قراءتهما، و جزم الباقون فأظهر ورش، و أدغم الباقون.
و زاد الحافظ عن ابن كثیر الإظهار.
و الثانی ارْكَبْ مَعَنا فی سورة هود- علیه السلام- [الآیة: 42] أظهره ورش و ابن عامر و خلف، و أدغمه الباقون.
قال الحافظ: بخلاف عن قالون و البزی و خلاد.
و ذكر الشیخ، و الإمام عن قالون، و البزی الإدغام خاصة.
و عن خلاد الإظهار خاصة.
و الثالث: الفاء قبل الباء فی قوله- تعالی-: إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ فی سبأ [الآیة: 9] أدغمه الكسائی و أظهره الباقون.
الرابع: اللام قبل الذال و جملته فی القرآن ستة مواضع:
منها فی البقرة: وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الآیة: 231].
و فی آل عمران: وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِكَ فَلَیْسَ مِنَ اللَّهِ فِی شَیْ‌ءٍ [الآیة: 28].
و فی النساء: وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً [الآیة: 30] و وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ [الآیة: 114].
و فی الفرقان: وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِكَ یَلْقَ أَثاماً [الآیة: 68].
و فی المنافقین: وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ [الآیة: 9].
أدغم الجمیع أبو الحارث، و أظهر الباقون.
الخامس: الثاء قبل الذال قوله- تعالی- فی الأعراف یَلْهَثْ ذلِكَ [الآیة:
176] أظهره الحرمیان و هشام بخلاف عن قالون و أدغم الباقون، و بالإدغام أخذ
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 442
الشیخ و الإمام لقالون.
السادس: الدال قبل الثاء قوله- تعالی-: فی آل عمران: وَ مَنْ یُرِدْ ثَوابَ فی الموضعین [145] أظهره الحرمیان، و عاصم، و أدغمه الباقون.
السابع: الراء قبل اللام، و هو كثیر فی القرآن كقوله- تعالی-: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ [القلم: 48] و فَاغْفِرْ لِی [القصص: 16] و وَ یَسِّرْ لِی [طه: 26] و وَ إِلَّا تَغْفِرْ لِی [هود: 47] و یَنْشُرْ لَكُمْ [الكهف: 16] و وَ یَغْفِرْ لَكُمْ [الأحزاب:
71] أدغمه أبو عمرو باتفاق من طریق السوسی و بخلاف من طریق الدوری، فمذهب الشیخ الإظهار للدوری، و مذهب الإمام الإدغام، و مذهب الحافظ الوجهان.

تتمیم‌

قد تقدم أن سكون الحرف المدغم فی هذا الفصل عارض، و بیانه: أن هذه الأحرف السبعة لامات الأفعال، و هی ثلاثة أقسام:
أحدها: ما جاء بصیغة الماضی، و هو جمیع ما فی الضرب الأول و لا شك أن أصله البناء علی الفتح، و إنما سكن لاتصال ضمیر الرفع به.
الثانی: ما جاء بصیغة المضارع و هو جمیع ما فی الضرب الثانی سوی فَاذْهَبْ و ارْكَبْ و سوی بعض ذوات الراء نحو وَ یَسِّرْ لِی، و لا شك أن أصله التحریك بالرفع، و إنما سكن للجزم «1» نحو وَ یَغْفِرْ لَكُمْ.
الثالث: ما جاء بصیغة الأمر، و هو فَاذْهَبْ، و ارْكَبْ و نحو اشْكُرْ لِی، فهذا النوع و إن كان مبنیا علی السكون، و لكنه فی حكم المغیر من لفظ المضارع الذی أصله الرفع؛ فهو إذن فی حكم ما كان متحركا، ثم غیر فلزمه السكون؛ و لهذا نجده أبدا یوافق المضارع فی حركة العین حتی قالت طائفة من النحویین: إنما هو المضارع للمخاطب یسقط منه حرف المضارعة، و یسكن آخره إن كان صحیحا، أو یحذف إن كان معتلا، ثم إن كان الحرف الذی بعد حرف المضارعة متحركا، بدأت به فی الأمر بتلك الحركة، و إن كان ساكنا؛ جلبت همزة الوصل، و لیست ذال «إذ» و دال «قد» و تاء التأنیث، و لام «هل» و «بل» مما أصله
______________________________
(1) فی أ: الجزم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 443
الحركة، و لا فی حكم ما أصله الحركة، و الله- سبحانه و تعالی- أعلم و أحكم.

[باب احكام النون الساكنة و التنوین]

فصل فی ذكر النون الساكنة و التنوین‌

اشارة

اعلم أن النون الساكنة تكون فی آخر الكلمة و فی وسطها كسائر الحروف السواكن فتكون فی الاسم نحو من الشرطیة، و الموصولة، و «منطلق»، و «إنسان» و فی الفعل نحو «أن یحسن، و أعلن، و انطلق، و اسلنقی» و فی الحروف نحو «إن، و لن، و منذ».
و أما التنوین: فلا یكون إلا فی آخر الاسم خاصة، بشرط أن یكون منصرفا موصولا فی اللفظ غیر مضاف عریّا من الألف و اللام، و لا یوجد فی غیر ما ذكرته إلا فی الشعر عند الترنم، أو فی التنكیر، أو فی الضرائر الشعریة، و ثبوته بعد حصول هذه الشروط خاص باللفظ دون الخط إلا فی قوله- تعالی-: وَ كَأَیِّنْ [آل عمران: 146] حیث وقع، فإنهم كتبوه بالنون، و كذلك فی تقطیع الشعر عند استخراج أوزانه بصنعة العروض.
ثم اعلم أن التنوین فی الأصل مصدر من قولك: نونت الاسم، إذا جعلت فیه النون، كما أنك لو جعلت فیه السین لقلت: سیّنته، فالاسم المنون هو الذی جعل فی آخره النون ساكنة زائدة علی ما بینه النحویون، و التنوین هو الجعل، ثم إنهم یسمون النون المجعولة تنوینا تسمیة بالمصدر، فإذا قلت مثلا: لا یجتمع التنوین مع الإضافة، أمكن أن ترید لا یجتمع جعل النون و الإضافة، و أمكن أن ترید: لا تجتمع النون و الإضافة، أما إذا قلت: یبدل التنوین فی الوقف ألفا و یدغم التنوین فی الواو و الیاء- فلا یحمل هذا إلا علی أنك أردت النون، و الله- جلت قدرته- أعلم.
فإذا تقرر هذا- فاعلم أن النون الساكنة و التنوین لهما أربعة أحكام:
الإظهار.
و الإدغام.
و القلب.
و الإخفاء.
و أن الحروف الواقعة بعد النون الساكنة و التنوین بحسب هذه الأحكام تنقسم أربعة أقسام:
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 444
قسم اتفق القراء علی إدغام النون الساكنة و التنوین فیه.
و قسم اتفقوا علی إظهارهما عنده.
[و قسم اتفقوا علی قلبهما عنده] «1».
و قسم اتفقوا علی إخفائهما عنده.
القسم الأول: المتفق علی الإدغام فیه ستة أحرف، و هی النون، و المیم، و اللام، و الراء، و الواو، و الیاء، یجمعها علی هذا الترتیب قولك: نمل روی «2».
فمثال النون متصلة: الْجَنَّةَ [البقرة: 35] و الْمَنَ [البقرة: 57] و ذلك أن النون المشددة فی التقدیر حرفان أولهما ساكن، كما تقدم فی الإدغام الكبیر.
و مثالها منفصلة: إِنْ نَشَأْ [الشعراء: 4] و مِنْ نِسائِكُمْ [الطلاق: 4] و وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ [یس: 68].
و مثالها بعد التنوین: كِتاباً نَقْرَؤُهُ [الإسراء: 93] و بِسَحَرٍ نِعْمَةً [القمر:
______________________________
(1) سقط فی أ.
(2) قد علل سیبویه لإدغام النون فی هذه الأحرف، فقال:
النون تدغم مع الراء لقرب المخرجین علی طرف اللسان، و هی مثلها فی الشدة، و ذلك قولك: من راشد، و من رأیت. و تدغم بغنة و بلا غنة. و تدغم فی اللام؛ لأنها قریبة منها علی طرف اللسان، و ذلك قولك: من لك، فإن شئت كان إدغاما بلا غنة؛ فتكون بمنزلة حروف اللسان، و إن شئت أدغمت بغنة؛ لأن لها صوتا من الخیاشیم فترك علی حاله؛ لأن الصوت الذی بعده لیس له فی الخیاشیم نصیب فیغلب علیه الاتفاق.
و تدغم النون مع المیم؛ لأن صوتهما واحد، و هما مجهوران قد خالفا سائر الحروف التی فی الصوت، حتی إنك تسمع النون كالمیم، و المیم كالنون، حتی تتبین؛ فصارتا بمنزلة اللام و الراء فی القرب، و إن كان المخرجان متباعدین، إلا أنهما اشتبها لخروجهما جمیعا فی الخیاشیم.
و تدغم النون مع الواو بغنة و بلا غنة؛ لأنها من مخرج ما أدغمت فیه النون، و إنما منعها أن تقلب مع الواو میما: أن الواو حرف لین تتجافی عنه الشفتان، و المیم كالیاء فی الشدة و إلزام الشفتین؛ فكرهوا أن یكون مكانها أشبه الحروف من موضع الواو بالنون، و لیس مثلها فی اللین و التجافی و المد، فاحتملت الإدغام كما احتملته اللام، و كرهوا البدل؛ لما ذكرت لك.
و تدغم النون مع الیاء بغنة و بلا غنة؛ لأن الیاء أخت الواو، و قد تدغم فیها الواو فكأنهما من مخرج واحد، و لأنه لیس مخرج من طرف اللسان أقرب إلی مخرج الراء من الیاء؛ أ لا تری أن الألثغ بالراء یجعلها یاء، و كذلك الألثغ باللام؛ لأن الیاء أقرب الحروف- من حیث ذكرت لك- إلیهما.
ینظر الكتاب (452- 453).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 445
34، 35] و كُلًّا نُمِدُّ [الإسراء: 20].
و لا خلاف فی الإدغام فی هذه الأمثلة و ما أشبهها و هی من باب إدغام المثلین.
و أما المیم: فلم تقع فی القرآن متصلة بالنون فی كلمة واحدة، و إذا جاءت فی الكلام- فلا بد أن تكون النون زائدة، مثاله بناء «انفعل» من المحو فتقول: امّحی، و الأصل: انمحی.
فأما وقوعها منفصلة فنحو عَمَّا قَلِیلٍ [المؤمنون: 40] و عَمَّ یَتَساءَلُونَ [النبأ:
1] و وَ إِنْ مِنْ شَیْ‌ءٍ [الإسراء: 44] و فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر: 40] و مثالها بعد التنوین فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ [الدخان: 57] و بَیْضٌ مَكْنُونٌ [الصافات: 49] و أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ [البقرة: 25] و لا خلاف [أیضا] «1» فی إدغام هذه الأمثلة و ما أشبهها و إبقاء الغنة؛ لأن الغنة تصحب المیم كما تصحب النون.
و أما اللام و الراء فلم تأت واحدة منهما بعد النون الساكنة فی كلمة واحدة، و أتتا منفصلتین.
فمثال اللام منفصلة: مِنْ لِینَةٍ [الحشر: 5] و وَ إِنْ لَمْ یَنْتَهُوا [المائدة:
73] و وَ مَنْ لَمْ یَتُبْ [الحجرات: 11] و مِنْ لُغُوبٍ [ق: 38] و مثالها بعد التنوین هُدیً لِلْمُتَّقِینَ و رَصَداً لِیَعْلَمَ [الجن: 27- 28] و هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة: 1].
و مثال الراء بعد النون و التنوین مِنْ رَبٍّ رَحِیمٍ [یس: 58].
و لا خلاف فی إدغام هذه الأمثلة و ما أشبهها إدغاما صحیحا یذهب «2» الغنة و یخلص إبدال الحرف الأول من جنس الثانی.
و أما الیاء و الواو فجاءتا متصلتین بالنون فی كلمة و منفصلتین، فمثال الیاء متصلة الدُّنْیا [البقرة: 85] و بُنْیانٌ [الصف: 4] و لیس فی القرآن غیرهما.
و مثالها منفصلة: وَ مَنْ یَعْمَلْ [طه: 112] و مَنْ یُؤْمِنُ [یونس: 40].
و مثالها بعد التنوین یَوْماً یَجْعَلُ الْوِلْدانَ [المزمل: 17] و جِداراً یُرِیدُ أَنْ یَنْقَضَ [الكهف: 77].
و مثال الواو متصلة قِنْوانٌ [الأنعام: 99] و صِنْوانٌ [الرعد: 4] و لیس فی
______________________________
(1) سقط فی ب.
(2) فی ب: تذهب.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 446
القرآن غیرهما.
و مثالها منفصلة مِنْ والٍ [الرعد: 11] و وَ مِنْ وَرائِهِمْ [المؤمنون: 100].
و مثالها بعد التنوین سِراجاً وَهَّاجاً [النبأ: 13] [و] «1» وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری [الإسراء: 15].
و اعلم أنه لا خلاف فی إظهار النون المتصلة بالیاء و الواو فی كلمة، و كان ینبغی للحافظ أن یذكره فی «التیسیر» كما ذكره فی غیره.
و لا خلاف فی إدغام ما عداها من سائر الأمثلة المذكورة، و ما أشبهها مما بعد النون المنفصلة و التنوین ثم إن خلفا- رحمه الله- یذهب الغنة فیتخلص الإبدال و یكمل الإدغام، و الباقون یثبتون الغنة فینقص من التشدید و تمام الإبدال بقدر ما بقی من الغنة، و هذا معنی قول الحافظ- رحمه الله- «فیمتنع القلب الصحیح»، و الله- تعالی جده و عز وجهه- أعلم و أحكم.
القسم الثانی: المتفق علی الإظهار عند حروف الحلق الستة، و هی الهاء و الهمزة و الحاء و العین و الخاء و الغین.
فمثال الهمزة و النون فی كلمة قوله تعالی وَ یَنْأَوْنَ عَنْهُ [الأنعام: 26]، و لیس فی القرآن غیره إلا شَنَآنُ فی موضعین من العقود [2، 8] علی قراءة ابن عامر، و أبی بكر فإنهما یسكنان النون [فیهما].
و مثالها منفصلة مَنْ آمَنَ [البقرة: 62]، و مِنْ إِسْتَبْرَقٍ [الرحمن: 54]، و فَلَنْ أُكَلِّمَ الْیَوْمَ إِنْسِیًّا [مریم: 26].
و مثالها بعد التنوین كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص: 4]، مِنْ شَیْ‌ءٍ إِذْ كانُوا [الأحقاف: 26]، و مِنْ أَیَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 185].
و مثال الهاء متصلة الْأَنْهارُ [البقرة: 25]، و مُنْهَمِرٍ [القمر: 11]، و یَنْهَوْنَ [الأنعام: 26].
و مثالها منفصلة مِنْ هادٍ [الزمر: 36].
و إِنْ هذا [ص: 7]، و مَنْ هاجَرَ [الحشر: 9].
و مثالها بعد التنوین فَرِیقاً هَدی [الأعراف: 30]، و سَلامٌ هِیَ [القدر: 5]،
______________________________
(1) سقط فی ب.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 447
و أَ حَقٌّ هُوَ [یونس: 53].
و مثال الحاء متصلة وَ انْحَرْ فی الكوثر [2]، وَ تَنْحِتُونَ فی الأعراف [74]، و الحجر [82]، و الشعراء [149]، و الصافات [95] لا غیر.
و مثالها منفصلة وَ إِنْ حَكَمْتَ [المائدة: 42]، و وَ مِنْ حَیْثُ خَرَجْتَ [البقرة:
149]، و مِنْ حِسابِكَ [الأنعام: 52]، و مِنْ حُلِیِّهِمْ [الأعراف: 148].
و مثالها بعد التنوین مِنْ حَكِیمٍ حَمِیدٍ [فصلت: 42]، و عَطاءً حِساباً [النبأ:
36]، أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ [التوبة: 36].
و مثال العین موصولة بالنون أَنْعَمْتَ [الفاتحة: 7]، و وَ الْأَنْعامِ [آل عمران: 14]، و یَنْعِقُ [البقرة: 171]، و بِأَنْعُمِ اللَّهِ [النحل: 112].
و مثالها منفصلة مِنْ عَلَقٍ [العلق: 2]، و مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران: 37]، و وَ إِنْ عُدْتُمْ [الإسراء: 8].
و مثالها بعد التنوین وَ لَیالٍ عَشْرٍ [الفجر: 2]، و لَشَیْ‌ءٌ عُجابٌ [ص: 5].
و مثال الخاء موصولة بالنون وَ الْمُنْخَنِقَةُ [المائدة: 3] لا غیر، و مثالها منفصلة وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قریش: 4] و أَنْ خَلَقَ لَكُمْ [الروم: 21].
و مثالها بعد التنوین عَلِیمٌ خَبِیرٌ [لقمان: 34] و مِنْ قَوْمٍ خِیانَةً [الأنفال:
58] و ثِیابُ سُندُسٍ خُضْرٌ [الإنسان: 21].
و مثال الغین متصلة بالنون فَسَیُنْغِضُونَ [الإسراء: 51] لا غیر، و مثالها منفصلة مِنْ غَیْرِكُمْ [المائدة: 106] و مِنْ غِسْلِینٍ [الحاقة: 36] و مِنْ غِلٍ [الأعراف:
43].
و مثالها بعد التنوین أَجْرٌ غَیْرُ مَمْنُونٍ [التین: 8] و مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَیْدِیهِمْ [المائدة:
64] و مَرَضٌ غَرَّ [الأنفال: 49] و مَلائِكَةٌ غِلاظٌ [التحریم: 6].
فلا خلاف فی إظهار النون و التنوین فی جمیع هذه الأمثلة، و ما أشبهها و تبیین الحروف الستة بعدها، غیر أن ورشا- رحمه الله- ینقل حركة الهمزة إلی النون المنفصلة و التنوین فیسقط الهمزة فی قراءته من اللفظ، و حقیقة الإظهار إنما تحصل بأن یلصق طرف اللسان فی مقدّم الفم، و لا بد معها من جریان صوت الغنة فی الأنف، و الله سبحانه و تعالی أعلم و أحكم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 448
القسم الثالث: المتفق علی قلب النون الساكنة و التنوین عند الباء خاصة، و جاءت فی القرآن متصلة بالنون فی كلمة و منفصلة.
فمثالها متصلة فَانْبِذْ [الأنفال: 58]، و سُنْبُلَةٍ [البقرة: 261]، و أَنْبَتَتْ [البقرة: 261]، و تُنْبِتُ [المؤمنون: 20]، و یُنْبِتُ [النحل: 11]، و مَنْ أَنْبَأَكَ هذا [التحریم: 3]، و أَنْبِئْهُمْ [البقرة: 33، و الْأَنْبِیاءَ [آل عمران:
112]، و الْأَنْباءِ [القمر: 4]، و لَیُنْبَذَنَ [الهمزة: 4]، و یَنْبَغِی [مریم:
92]، و فَانْبَجَسَتْ [الأعراف: 160]، و إِذِ انْبَعَثَ [الشمس: 12]، و انْبِعاثَهُمْ [التوبة: 46]، و مُنْبَثًّا [الواقعة: 6]، و یَنْبُوعاً [الإسراء:
90]، و مثالها منفصلة مِنْ بَعْدِ [النساء: 12]، و أَنْ بُورِكَ [النمل: 8]، مِنْ بَیْنِ [الرعد: 11]، وَ مَنْ بَلَغَ [الأنعام: 19]، وَ لكِنْ بَعُدَتْ [التوبة: 42]، و مثالها بعد التنوین هَدْیاً بالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95]، و صُمٌّ بُكْمٌ [البقرة: 18]، و بِعَذابٍ بَئِیسٍ بِما [الأعراف: 165]، و مُؤَذِّنٌ بَیْنَهُمْ [الأعراف: 44]، [و] واقِعٌ بِهِمْ [الأعراف: 171]، و حَدِیثٍ بَعْدَهُ [الأعراف: 185]، و عَلِیمٌ بِالظَّالِمِینَ [التوبة: 47]، و لَمُحِیطَةٌ بِالْكافِرِینَ [التوبة: 49]، وَ تَفْرِیقاً بَیْنَ [التوبة: 107]، و تارِكٌ بَعْضَ [هود: 12]، و وَ ضائِقٌ بِهِ [هود: 12]، و عَذابٌ غَیْرُ [هود: 76]، و نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ [المائدة: 32].
لا خلاف فی لزوم القلب فی جمیع هذه الأمثلة و ما أشبهها.
و حقیقة القلب هنا: أن تلفظ بمیم ساكنة بدلا من النون الساكنة و التنوین، و یتحفظ من سریان التحریك السریع.
و معیار ذلك: أن تنظر كیف تلفظ بالمیم فی قولك: الخمر و الشمس، فتجد الشفتین تنطبقان حال النطق بالمیم، و لا تنفتحان إلا بالحرف الذی بعدها، و كذا ینبغی أن یكون العمل فیها قبل الباء، فإن شرعت فی فتح الشفتین قبل تمام لفظ المیم، سری التحریك إلی المیم و هو من اللحن الخفی الذی ینبغی التحرز منه، ثم تلفظ بالباء متصلة بالمیم و معها تنفتح الشفتان بالحركة، و لیحرز علیها ما تستحقه من الشدة، و القلقلة [بحول الله- تبارك و تعالی- و هو الهادی و المعین] «1».
______________________________
(1) و قد علل سیبویه لقلب النون مع الباء میما، بقوله: و تقلب النون مع الباء میما؛ لأنها من
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 449
القسم الرابع: المتفق علی الإخفاء عنده خمسة عشر حرفا «1»، یجمعها أوائل كلمات هذا البیت:
قل كم ضحی جاء شی‌ء طب دا توفی ظل ذی ثمر صحت سنات.
فمثال القاف متصلة بالنون انْقَلَبُوا [المطففین: 31]، و وَ لا یُنْقِذُونِ [یس:
23]، و غَیْرَ مَنْقُوصٍ [هود: 109]، و الَّذِی أَنْقَضَ ظَهْرَكَ [الشرح: 3].
و مثالها منفصلة مِنْ قَوارِیرَ [النمل: 44]، و عَنْ قِبْلَتِهِمُ [البقرة: 142]، و فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ [سبأ: 23].
و مثالها بعد التنوین إِنَّهُ سَمِیعٌ قَرِیبٌ [سبأ: 50]، و تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِیزی [النجم: 22]، و لاهِیَةً قُلُوبُهُمْ [الأنبیاء: 3].
و مثال الكاف متصلة الْمُنْكَرِ [آل عمران: 104]، وَ لا تَنْكِحُوا [البقرة:
221]، و یَنْكُثُونَ [الأعراف: 135].
و مثالها منفصلة مِنْ كُتُبٍ [العنكبوت: 48]، و وَ إِنْ كُنْتُمْ [البقرة:
23]، و وَ مَنْ كَفَرَ [آل عمران: 97].
و مثالها بعد التنوین مَلَكٌ كَرِیمٌ [یوسف: 31]، و كِتابٌ كَرِیمٌ [النمل: 29]، و جِبِلًّا كَثِیراً [یس: 62]، و كِراماً كاتِبِینَ [الانفطار: 11].
و مثال الضاد متصلة مَنْضُودٍ [هود: 82].
و مثالها منفصلة مَنْ ضَلَ [المائدة: 105].
______________________________
- موضع تعتل فیه النون، فأرادوا أن تدغم هنا إذ كانت الباء من موضع المیم، كما أدغموها فیما قرب من الراء فی الموضع، فجعلوا ما هو من موضع ما وافقها فی الصوت بمنزلة ما قرب من أقرب الحروف منها فی الموضع، و لم یجعلوا النون باء لبعدها فی المخرج، و أنها لیست فیها غنة. و لكنهم أبدلوا من مكانها أشبه الحروف بالنون و هی المیم، و ذلك قولهم:
ممبك، یریدون: من بك. و شمباء و عمبر، یریدون شنباء و عنبرا.
ینظر: الكتاب (4/ 453).
(1) و علل سیبویه لذلك أیضا، بقوله:
و تكون النون مع سائر حروف الفم حرفا خفیّا مخرجه من الخیاشیم؛ و ذلك أنها من حروف الفم، و أصل الإدغام لحروف الفم؛ لأنها أكثر الحروف، فلما وصلوا إلی أن یكون لها مخرج من غیر الفم كان أخف علیهم ألا یستعملوا ألسنتهم إلا مرة واحدة، و كان العلم بها أنها نون من ذلك الموضع كالعلم بها و هی من الفم؛ لأنه لیس حرف یخرج من ذلك الموضع غیرها، فاختاروا الخفة إذ لم یكن لبس، و كان أصل الإدغام و كثرة الحروف للفم. و ذلك قولك: من كان، و من قال، و من جاء.
ینظر الكتاب (4/ 454).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 450
و مثالها بعد بعد التنوین مَسْجِداً ضِراراً [التوبة: 107]، و وَ كُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ [الفرقان: 39]، و مَعِیشَةً ضَنْكاً [طه: 124].
و مثال الجیم متصلة أَنْجَیْنَا [الأعراف: 165]، نُنْجِی [الأنبیاء: 88].
و مُنَجُّوكَ [العنكبوت: 33] علی خلاف فی هذا الحرف الأخیر.
و مثالها منفصلة إِنْ جَعَلَ [القصص: 72]، و مِنْ جِبالٍ [النور: 43]، و مِنْ جُوعٍ [قریش: 4].
و مثالها بعد التنوین أَكْثَرَ شَیْ‌ءٍ جَدَلًا [الكهف: 54]، و مِنْ خَلْقٍ جَدِیدٍ [ق:
15]، و صَعِیداً جُرُزاً [الكهف: 8].
و مثال الشین متصلة فَأَنْشَرْنا [الزخرف: 11]، و الْمُنْشِؤُنَ [الواقعة: 72]، و وَ یُنْشِئُ [الرعد: 12].
و مثالها منفصلة إِنْ شاءَ [الأحزاب: 24]، و مِنْ شَیْ‌ءٍ [الإسراء: 44]، و مِنْ شِرْكٍ [سبأ: 22].
و مثالها بعد التنوین عَلی كُلِّ شَیْ‌ءٍ شَهِیدٌ [البروج: 9]، و غَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر: 30]، و رَسُولًا شاهِداً عَلَیْكُمْ [المزمل: 15].
و مثال الطاء متصلة الْمُقَنْطَرَةِ [آل عمران: 14]، و قِنْطاراً [النساء: 20]، و وَ انْطَلَقَ [ص: 6]، و لا یَنْطِقُونَ [النمل: 85].
و مثالها منفصلة مِنْ طِینٍ [ص: 76]، و فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ [النساء: 4]، و عَنْ طَبَقٍ [الانشقاق: 19]، و مِنْ طُورِ سَیْناءَ [المؤمنون: 20].
و مثالها بعد التنوین ماءً طَهُوراً [الفرقان: 48]، و سَماواتٍ طِباقاً [نوح: 15]، و صَعِیداً طَیِّباً [المائدة: 6].
و مثال الدال متصلة أَنْداداً [البقرة: 22]، و عِنْدَهُ [البقرة: 255]، و سُندُسٍ [الإنسان: 21]، و جُنْدٌ ما هُنالِكَ [ص: 11].
و مثالها منفصلة مِنْ دُونِهِ [النساء: 117]، و مِنْ دَابَّةٍ [هود: 6]، و أَنْ دَعَوْا [مریم: 91]، و عَنْ دِینِكُمْ [البقرة: 217].
و مثالها بعد التنوین كَوْكَبٌ دُرِّیٌ [النور: 35]، و وَ كَأْساً دِهاقاً [النبأ: 34]، و بَخْسٍ دَراهِمَ [یوسف: 20].
و مثال التاء متصلة انْتَهَوْا [البقرة: 192]، و فَانْتَظِرُوا [یونس: 20].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 451
و مثالها منفصلة وَ مَنْ تابَ [الفرقان: 71].
و مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِی [یونس: 15]، و مِنْ تُرابٍ [الكهف: 37]، و وَ لَنْ تَجِدَ [الكهف: 27].
و مثالها بعد التنوین وَ عَشِیًّا تِلْكَ الْجَنَّةُ [مریم: 62- 63]، و یَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ [الزلزلة: 4]، و جَنَّاتٍ تَجْرِی [البقرة: 25].
و مثال الظاء متصلة یَنْظُرُونَ [البقرة: 210]، و أَنْظِرْنِی [الأعراف: 14]، و مِنَ الْمُنْظَرِینَ [الأعراف: 15].
و مثالها منفصلة مِنْ ظَهِیرٍ [سبأ: 22]، و مَنْ ظَلَمَ [الكهف: 87].
و مثالها بعد التنوین ظِلًّا ظَلِیلًا [النساء: 57]، و لِبَعْضٍ ظَهِیراً [الإسراء: 88]، و سَحابٌ ظُلُماتٌ [النور: 40].
و مثال الذال متصلة أَ أَنْذَرْتَهُمْ [البقرة: 6]، مُنْذِرُ [النازعات: 45] و مثالها منفصلة مِنْ ذَهَبٍ [الكهف: 31]، و عَنْ ذِكْرِنا [الكهف: 28]، و أَ إِنْ ذُكِّرْتُمْ [یس: 19].
و مثالها بعد التنوین إِلی ظِلٍّ ذِی ثَلاثِ شُعَبٍ [المرسلات: 30]، و أَنْداداً ذلِكَ [فصلت: 9]، و عَبْداً شَكُوراً [الإسراء: 3].
و مثال الثاء متصلة عَلَی الْحِنْثِ الْعَظِیمِ [الواقعة: 46]، و الْأُنْثی [النجم: 27]، مَنْثُوراً [الفرقان: 23].
و مثالها منفصلة وَ مِنْ ثَمَراتِ [النحل: 67]، و مِنْ ثُلُثَیِ اللَّیْلِ [المزمل: 20].
و مثالها بعد التنوین قَوْلًا ثَقِیلًا [المزمل: 5]، و شِهابٌ ثاقِبٌ [الصافات: 10]، و سَحاباً ثِقالًا [الأعراف: 57].
و مثال الصاد متصلة وَ الْأَنْصارِ [التوبة: 100]، و مَنْصُوراً [الإسراء: 33]، و وَ أَنْصِتُوا [الأعراف: 204].
و مثالها منفصلة وَ لَمَنْ صَبَرَ [الشوری: 43]، و عَنْ صِدْقِهِمْ [الأحزاب: 8]، و أَنْ صَدُّوكُمْ [المائدة: 2].
و مثالها بعد التنوین رِجالٌ صَدَقُوا [الأحزاب: 23]، و مُسْتَقِیمٍ صِراطِ اللَّهِ [الشوری: 52- 53]، و جِمالَتٌ صُفْرٌ [المرسلات: 33].
و مثال السین متصلة مِنْسَأَتَهُ [سبأ: 14]، و الْإِنْسانَ [الرحمن: 3]،
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 452
و نَسْتَنْسِخُ [الجاثیة: 29]، و یَنْسِلُونَ [یس: 51].
و مثالها منفصلة مِنْ سِدْرٍ قَلِیلٍ [سبأ: 16]، و مِنْ سُوءٍ [آل عمران: 30].
و مثالها بعد التنوین وَ رَجُلًا سَلَماً [الزمر: 29]، و وَ رِضْواناً سِیماهُمْ [الفتح:
29]، و وَ قُتِّلُوا تَقْتِیلًا سُنَّةَ اللَّهِ [الأحزاب: 61- 62].
و مثال الزای متصلة یَنْزَغُ [الإسراء: 53]، و یَنْزِعُ [الأعراف: 27]، و تَنْزِیلُ [الزمر: 1]، و أَوْ یُلْقی إِلَیْهِ كَنْزٌ [الفرقان: 8].
و مثالها منفصلة مِنْ زَوالٍ [إبراهیم: 44]، و مِنْ زِینَةِ الْقَوْمِ [طه: 87]، و فَإِنْ زَلَلْتُمْ [البقرة: 209]، و أَ فَمَنْ زُیِّنَ لَهُ [فاطر: 8].
و مثالها بعد التنوین صَعِیداً زَلَقاً [الكهف: 40] و نَفْساً زَكِیَّةً [الكهف: 74] و مُبارَكَةٍ زَیْتُونَةٍ [النور: 35].
و مثال الفاء متصلة: فَانْفَلَقَ [الشعراء: 63] و انْفِرُوا [النساء: 71] و انْفَطَرَتْ [الانفطار: 1] و الْمَنْفُوشِ [القارعة: 5].
و مثالها منفصلة: مِنْ فَضْلِهِ [البقرة: 90] و مَنْ فِی السَّماءِ [الملك: 16] و مِنْ فُطُورٍ [الملك: 3] و وَ إِنْ فاتَكُمْ [الممتحنة: 11].
و مثالها بعد التنوین: قَوْماً فاسِقِینَ [التوبة: 53] و خالِداً فِیها [النساء:
14] و عَذْبٌ فُراتٌ [فاطر: 12].
لا خلاف فی إخفاء النون الساكنة و التنوین فی جمیع هذه الأمثلة و ما أشبهها.
و قد فسر الحافظ- رحمه الله-: الإخفاء بأنه حال بین الإظهار و الإدغام، و هو عار من التشدید.
و حقیقة ما أراد الحافظ: ألا تلصق طرف لسانك بما یقابله من مقدم الفم، و تبقی الغنة فی الأنف فبقدر ما زال من عمل اللسان أشبه الإدغام، و بما بقی من الغنة أشبه الإظهار.
و قوله: «و هو عار من التشدید» یتحرز من صورة الإدغام فی الیاء و الواو فی مذهب من یثبت الغنة، و الله- جل جلاله و تقدست أسماؤه- أعلم و أحكم.
و اعلم أن عبارة الإمام موافقة لعبارة الحافظ؛ فإنه قال: «و الإخفاء حال بین حالین».
فأما الشیخ فقال: «و الإخفاء عند أهل اللغة كالإظهار؛ لأن الحرف الأول فیه غیر منقلب إلی جنس الثانی و لا تشدید فیه فصار مثل الإظهار، و فارق باب الإدغام فی
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 453
قلب الأول إلی جنس الثانی و إدغامه فی الثانی بتشدید ظاهر» انتهی.
و اعلم أن هذا القول الذی ذكر الشیخ من عدم القلب و التشدید إنما تحصل به مفارقة الإخفاء للإدغام؛ لأنه لم یزد علی أن سلب عن الإخفاء الخاصیة الثابتة للإدغام، و هو القلب و التشدید، و لا یلزم من سلب خاصیة الإدغام ثبوت الإظهار، و لكن حقیقة الإظهار أیضا مسلوبة عن الإخفاء؛ لأن الحرف الظاهر لا یمكن حصوله إلا بإعمال العضو المخصوص به فیه، كالنون عند حروف الحلق علی ما تقدم.
و أما إخفاء النون فقد تبین أن حقیقته إنما تحصل عند ترك إعمال العضو و هو طرف اللسان، و إبقاء الغنة، و لیست الغنة جزءا من النون؛ و إنما هی من توابعها [إذا ظهرت، و نائبة عنها] «1» إذا ذهبت.
و إذا ثبت هذا، صح أن الإخفاء حال بین الإظهار و الإدغام، و ظهر أن عبارة الحافظ و الإمام أرجح من عبارة الشیخ، و الله أعلم و أحكم.

مسألة: فی توجیه هذه الأحكام الأربعة

أما إدغام النون الساكنة و التنوین فی النون فراجع إلی باب إدغام أحد المثلین فی الآخر إذا سكن أولهما مثل: فَلا یُسْرِفْ فِی الْقَتْلِ [الإسراء: 33] و وَ لا یَغْتَبْ بَعْضُكُمْ [الحجرات: 12].
فلو ترك الحافظ ذكر إدغام النون الساكنة و التنوین فی النون فی هذا الفصل لكونه من باب إدغام المثلین لكان له وجه من النظر، و لم یلحقه اعتراض، لكنه قصد تحصیل حصر أحكام النون الساكنة و التنوین عند لقی جمیع الحروف، سواء كان الحرف مثلا، أو خلافا، و لو نبه علی أنه من إدغام المثلین لكان حسنا، لكنه اكتفی عن ذلك ببیانه.
و أما إدغامهما فی المیم و إن بعد مخرج أحدهما من الآخر؛ إذ المیم من بین الشفتین، و النون من طرف اللسان فی داخل الفم- فلاشتراكهما فی الغنة، فأشبها ما هو من مخرج واحد؛ لاتحاد مخرج الغنة، مع أن النون من حروف مقدم الفم فلها بذلك بعض قرب من المیم.
قال سیبویه: «لأن صوتهما واحد و هما مجهوران قد خالفا سائر الحروف فی
______________________________
(1) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 454
الصوت حتی إنك تسمع النون كالمیم، و المیم كالنون، حتی تتبین» «1».
و لاشتراكهما- أیضا- فی الإخفاء بلزوم الغنة حال الإدغام؛ إذ كل واحد منهما حرف غنة.
و أما إدغامهما فی اللام و الراء فلقرب المخرج؛ إذ مجموعهما من طرف اللسان، و تركت الغنة تكمیلا لحقیقة الإدغام؛ إذ لا غنة فی اللام و لا فی الراء «2».
و اعلم أن التزام ترك الغنة هنا هو مذهب القراء، و قد نص سیبویه: أنه یجوز فی كلام العرب إثباتها و تركها فی اللام و الراء.
و أما إدغامهما فی الیاء و الواو إذا كانا من كلمتین فلما حصل من الشبه من جهة الغنة التی فی النون و اللین الذی فی الیاء و الواو، و كلاهما فضل صوت مع أن الیاء من وسط اللسان فقربت من مخرج النون، و الواو أیضا من مخرج المیم، و قد أدغمت النون فی المیم؛ فحصل بذلك أنس استسهلوا به إدغام النون فی الواو، و بكون الواو من مخرج المیم، [و] علل سیبویه إدغام النون فی الواو فقال: «لأنها من مخرج ما أدغمت فیه النون».
و قال فی تعلیل إدغام النون فی الیاء: «لأن الیاء أخت الواو و قد تدغم فیها الواو فكأنهما من مخرج واحد».
فأما مذهب خلف فی ترك الغنة: فإنه آثر استحكام حقیقة الإدغام بإذهاب الحرف الأول رأسا، كما ثبت فی إدغام سائر الحروف المختلفات.
و أما مذهب سائر القراء حیث أثبتوا الغنة: فإنهم آثروا إبقاء شاهد علی صحة ما فعلوا من إدغام النون و هو حرف صحیح فی الحرف المعتل، و لم یثبت قط إدغام حرف صحیح فی حرف معتل غیر النون؛ لبعد ما بین حروف الصحة و حروف العلة، فأبقوا الغنة التی هی سبب الشبه بین النون و حروف العلة بما قبلها من اللین؛ لیحصل بذلك العذر فی أنهم ما أدغموا إلا حیث وجدوا الشبه، و لما كانت الغنة إنما
______________________________
(1) فی ب: یتبین.
(2) قال سیبویه: و هی- أی النون- مع الراء و اللام و الیاء و الواو إذا أدغمت بغنة فلیس مخرجها من الخیاشیم، و لكن صوت الفم أشرب غنة، و لو كان مخرجها من الخیاشیم لما جاز أن تدغمها فی الواو و الیاء و الراء و اللام، حتی تصیر مثلهن فی كل شی‌ء.
ینظر الكتاب (4/ 454).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 455
تخرج من الأنف، و النون من طرف اللسان حصل بذلك تعدد المخرج ضرورة؛ فسهل ترك إعمال اللسان فی لفظ النون، و تعویض التشدید فی الیاء و الواو مع إبقاء الغنة خارجة من الأنف، و لم یكن فی ذلك تبعیض حرف متحد المخرج.
و كلا المذهبین صحیح، نص سیبویه علی جواز إثبات الغنة و تركها فی ذلك.
و أما إظهار النون عند الیاء و الواو إذا كانا فی كلمة واحدة قلیلا یقع لیس فی أوزان الألفاظ.
أ لا تری أن وزن صِنْوانٌ [الرعد: 4] «فعلان» مثل «سرحان»، فلو أدغمت لالتبس ب «فعّال» المضعف العین، و كذلك (بنین) وزنه: «فعلان» مثل «سلطان» فلو أدغمت لالتبس «بفعّال» المضعف العین؛ و لهذا منعوا الإدغام فی «صیوان» و قد اجتمعت فیه الیاء و الواو و سكن أولهما؛ لأنه لو أدغم لالتبس ب «فعّال».
و أما الإظهار عند حروف الحلق؛ فلبعد المخرج.
و قد تقدم فی الإدغام الكبیر أنه لا یدغم حروف الحلق فی حروف الفم، و لا حروف الفم فی حروف الحلق، و مع هذا فحروف الحلق داخلة و النون خارجة إلی مقدم الفم.
و اعلم أن الإظهار عند الهاء، و الهمزة، و الحاء، و العین ألزم فی كلام العرب.
فأما الإظهار عند الخاء و الغین المعجمتین، فهو الأفصح.
و قد حكی سیبویه: أن من العرب من یخفی النون عندهما، و إنما فعلوا ذلك مع هذین الحرفین؛ لقربهما من حروف الفم، إلا أن مذاهب القراء علی التزام الإظهار، كما تقدم «1».
______________________________
(1) قال سیبویه: و تكون- أی النون- مع الهمزة و الهاء و العین و الحاء و الغین و الخاء بینة، موضعها من الفم؛ و ذلك أن هذه الستة تباعدت عن مخرج النون، و لیست من قبیلها؛ فلم تخف هاهنا كما لم تدغم فی هذا الموضع، و كما أن حروف اللسان لا تدغم فی حروف الحلق. و إنما أخفیت النون فی حروف الفم كما أدغمت فی اللام و أخواتها.
و هو قولك: من أجل زید، و من هنا، و من خلف، و من حاتم، و من علیك، و من غلبك، و منخل- بینة، هذا الأجود الأكثر.
و بعض العرب یجری الغین و الخاء مجری القاف. و قد بینا لم ذلك، و لم نسمعهم قالوا فی التحرك: حین سلیمان، فأسكنوا النون مع هذه الحروف التی مخرجها معها من الخیاشیم؛ لأنها لا تحول حتی تصیر من مخرج [موضع] الذی بعدها. و إن قیل: لم یستنكر ذلك؛ لأنهم قد یطلبون هاهنا من الاستخفاف كما یطلبون إذا حولوها.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 456
و أما القلب عند الباء؛ فلأنه لما ثقل إظهار النون هناك لما تقتضیه النون من استحكام انفتاح الشفتین، و اتصال طرف اللسان بمقدم الفم و إثبات الغنة، و كل ذلك منافر لما تقتضیه الباء من انطباق الشفتین و انفصال طرف اللسان من موضع النون، و إبطال الغنة- أبدلوا من النون حرفا متوسطا بین النون و الباء؛ لأنه یشارك النون بالغنة و یشارك الباء فی المخرج و انطباق الشفتین، كما أبدلوا الطاء من التاء فی تصاریف «افتعل» من «اصطلی» و «اصطفی» و «اصطلح» و ما أشبهه؛ لما بعدت التاء من الصاد عوضوا منها الطاء التی تشارك التاء فی المخرج و الشدة، و تشارك الصاد فی الاستعلاء و الانطباق.
و أما الإخفاء عند باقی الحروف؛ فلأنها لم تبعد من النون بعد حروف الحلق فیجب الإظهار، و لا قربت «1» قرب اللام و الراء فیجب الإدغام؛ فجعلوا لذلك حالا بین الحالین.
و اعلم أنه كان الأصل أن تظهر النون الساكنة عند هذه الحروف الخمسة عشر بدل الإخفاء، لكن لما كثر دوران النون فی الكلام حتی قاربت فی ذلك حروف العلة أرادوا أن یخففوا علی اللسان فجعلوها كلغة النطق بالنون حین أمكنهم الاكتفاء عنها بالغنة التی لا كلفة علی اللسان فی النطق بها، و خصوا هذا الحكم بهذه الحروف دون حروف الحلق؛ لأن هذه الحروف لم تبعد مخارجها من النون بعد حروف الحلق، فلو أظهروها عند هذه الحروف لأتعبوا اللسان؛ لكثرة دورانها فی الكلام، و لو أخفوها عند حروف الحلق كما یخفونها عند هذه الحروف؛ للزم إسقاط النون من الكلام البتة، و الله العلی العظیم فوق كل ذی علم علیم.

باب الفتح و الإمالة بین اللفظین‌

اشارة

اعلم أن الإمالة لا تكون إلا فی فتحة، أو ألف، و حقیقتها: تقریب الفتحة من الكسرة، و تقریب الألف من الیاء «2».
______________________________
- و لا تدغم فی حروف الحلق البتة، و لم تقو هذه الحروف علی أن تقلبها؛ لأنها تراخت عنها، و لم تقرب قرب هذه الستة؛ فلم یحتمل عندهم حرف لیس مخرجه غیره للمقاربة أكثر من هذه الستة.
ینظر الكتاب (4/ 454- 455).
(1) فی أ: قریب.
(2) جاء فی لسان العرب (6/ 4311): و ألف الإمالة هی التی تجدها بین الألف و الیاء.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 457
و إن شئت قلت: الإمالة أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة و بالألف نحو الیاء، و كلتا العبارتین قائمة من لفظ سیبویه.
و اعلم أنه متی أمیلت الألف فلا بد من إمالة الفتحة التی قبلها؛ فیكون ذلك مبدأ الإمالة فی الفتحة، و تتبعها الألف علی النحو الذی نشأت علیه؛ فتحصل الإمالة فی الألف بحكم الانجرار و التبع للفتحة.
و الأصل فی هذا: أن أحرف العلة الثلاثة فروع عن الحركات الثلاث، و ناشئة عنهن، و الحركات هی أمهات الأحرف الثلاثة و أصولهن.
فإذا قلت: «یدعو» و أطلقت الصوت متصلا بضمة العین، و أقررت العضو الناطق مع مد الصوت علی الهیئة التی كان علیها حین النطق بالضمة، كان الصوت واوا ساكنة و مدة خالصة.
و إذا قلت: «یرمی» و أطلقت الصوت متصلا بكسرة المیم مع إقرار العضو الناطق علی ما كان علیه حین النطق بالكسرة، كان الصوت یاء ساكنة و مدة خالصة.
و إذا قلت: «یرضی» و أطلقت الصوت متصلا بفتحة الضاد علی ما تقدم، كان الصوت ألفا ساكنة و مدة خالصة.
و بعد كل واحد من هذه الأحرف الثلاثة من صاحبیه مساو لبعد كل واحدة من الحركات الثلاث من أختیها.
فإذا تقرر هذا؛ فاعلم أن الیاء و الواو فیما أریده الآن طرفا نقیض؛ و ذلك لتصعد الصوت بالضمة و الواو، و انجراره بالكسرة و الیاء؛ فتبقی الفتحة و الألف واسطة بینهما، ثم إن الفتحة یعرض لها أن ینطق بها نوعا من النطق؛ فیشبه لفظها لفظ الكسرة فیسمی ذلك إمالة فی الفتحة، فإن كان بعدها ألف تبع لفظها لفظ الفتحة فی ذلك النحو من التكیف؛ إذ الألف ناشئة عن الفتحة- كما تقدم- فتصیر الألف مشبهة للیاء، ثم هذا الشبه الحاصل بین الفتحة و الكسرة، و بین الألف و الیاء إن كان قویّا؛ سمی إمالة محضة، و إن كان ضعیفا سمی إمالة بین بین، و إمالة بین اللفظین، أعنی بین لفظ الفتح الخالص، و بین لفظ الإمالة المحضة، و لیس المعنی أنه بین الفتح الخالص و الكسر الخالص؛ لأن هذا المعنی حاصل فی الإمالة المحضة، و قد یسمون الإمالة: الكسر، و البطح، و الإضجاع، كما یسمون الفتح: النصب، و هذا كله من غیر أن ینتهی إلی قلب الفتحة كسرة، و الألف یاء، كما أن الإشمام فی نحو
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 458
«قیل» و «غیض» لا ینتهی إلی قلب الكسرة ضمة، و الیاء واوا.
و اعلم أن الغالب علی لغة الحجازیین الفتح، و الغالب علی لغة بنی تمیم و غیرهم الإمالة، و كلاهما فصیح مستعمل.
و اعلم أن الفتح هو الأصل و أن الإمالة فرع، بدلیل أن الإمالة لا تكون إلا عند وجود سبب من الأسباب التی تذكر بعد بحول الله تعالی. فإن فقدت تلك الأسباب، لزم الفتح، و إن وجد شی‌ء منها، جاز الفتح و الإمالة؛ فعلی هذا- فما من كلمة تمال إلا و فی العرب من یفتحها، و لا یصح أن یقال: كل كلمة تفتح ففی العرب من یمیلها؛ فاستدللنا باطراد الفتح و توقف الإمالة علی أصالة الفتح و فرعیة الإمالة.
و أیضا: فإن الإمالة تصیّر الحرف بین حرفین، بمعنی أن الألف الممالة بین الألف الخالصة و الیاء، و كذلك الفتحة الممالة بین الفتحة الخالصة و الكسرة، و الفتح یبقی الألف و الفتحة علی أصلها؛ فلزم أن الفتح هو الأصل و الإمالة فرع و الله- عز و جل- أعلم.
فإذا تقرر هذا، فأذكر الآن أسباب الإمالة، و وجوهها، و فائدتها، ثم مذاهب القراء فیها، و ما أمالوا من ألفاظ القرآن العظیم أو فتحوه، بحول الله تعالی.
فاعلم أن الأصل فی أسباب الإمالة شیئان:
أحدهما: الكسرة.
و الثانی: الیاء.
و كل واحد منهما یكون متقدما علی محل الإمالة من الكلمة، و یكون متأخرا و یكون أیضا مقدرا فی محل الإمالة، و قد تكون الكسرة و الیاء غیر موجودتین فی اللفظ، و لا مقدرتین فی محل الإمالة، و لكنهما مما یعرض فی بعض تصاریف الكلمة، و قد تمال الألف أو الفتحة؛ لأجل ألف أخری أو فتحة أخری ممالة، و تسمی هذه: الإمالة لأجل الإمالة، و قد تمال الألف تشبیها بالألف الممالة.
فعلی هذا، تبلغ أسباب الإمالة عشرة.
بیان ذلك بحول الرب الكریم البر الرحیم:
أما الإمالة لأجل كسرة متقدمة، فاعلم أنه لا یمكن أن تكون الكسرة إذ ذاك ملاصقة للألف؛ إذ لا تثبت الألف إلا بعد فتحة، فلا بد أن یحصل بین الكسرة
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 459
المتقدمة و الألف الممالة فاصل، و أقله حرف واحد مفتوح نحو «عباد» و «سلاح» و هذا الفاصل إنما حصل باعتبار الألف، فأما الفتحة الممالة فلا فاصل بینها و بین الكسرة، و الفتحة مبدأ الألف، و مبدأ الشی‌ء جزء من الشی‌ء؛ فكأنه لیس بین الألف و الكسرة حائل، و قد یكون الفاصل بین الألف و الكسرة حرفان بشرط أن یكون أولهما ساكنا أو یكونا مفتوحین، و الثانی «هاء» نحو «سربال» و «یضربها» لما كانت الهاء خفیة، و الساكن حاجزا غیر حصین، كانا فی حكم المعدوم؛ فكأنه لم یفصل بین الكسرة و الألف إلا حرف واحد، و هذا التعلیل یقتضی أن من أمال «مررت بها»، فكأن الكسرة عنده تلی الألف فی الحكم، و إن فصلت الهاء فی اللفظ، و قد أمالوا مع أن الفاصل أكثر من ذلك نحو «درهمان».
و أما الیاء المتقدمة فقد تكون ملاصقة للألف الممالة، نحو «السیال» و هو شجر [ذو] أشواك.
و قد یفصل بینهما بحرف نحو «شیبان».
و قد یفصل بحرفین أحدهما الهاء نحو «رأیت یدها»، و قد یكون الفاصل غیر ذلك نحو «رأیت یدنا».
و أما الإمالة لأجل الیاء بعد الألف فنحو «مبایع».
و أما الإمالة لأجل الكسرة بعد الألف الممالة فنحو: «عالم».
و قد تكون الكسرة عارضة نحو «فی الدار» و «من الناس»؛ لأن حركة الإعراب غیر لازمة.
و أما الإمالة لأجل الكسرة المقدرة فی المحل الممال، فنحو «خاف» أصله «خوف» بكسر عین الكلمة هی الواو، فقلبت الواو ألفا؛ لتحركها و انفتاح ما قبلها.
و أما الإمالة لأجل الیاء المقدرة فی المحل الممال، فنحو «یخشی» و «الهدی» تحركت الیاء فیهما و انفتح ما قبلها فقلبت ألفا.
و أما الإمالة لأجل كسرة تعرض فی بعض أحوال الكلمة فنحو «طاب».
أ لا تری أنك تكسر الطاء إذا اتصل بها ضمیر المتكلم المرفوع أو ضمیر المخاطب المنصوب، أو نون جماعة المؤنث نحو «طبت و طبت، و الهندات طبن»، و یعلل أیضا «خاف بأنك تقول: خفت، و خفت، و الهندات خفن، إلا أن الكسرة فی «خفت» منقولة من عین الكلمة، و فی «طبت» مبدلة من فتحة الیاء، ثم نقلت من العین إلی
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 460
الفاء؛ لأن أصل العین فی «طاب» الفتح بدلیل قولك فی المضارع: «یطیب»، و إنما أبدلوا من الفتحة كسرة؛ لیدل علی أن الأصل فی عین الكلمة الیاء مثل «باع».
و یمكن أیضا تعلیل إمالة «طاب» بكون الألف منقلبة عن الیاء.
و أما الإمالة لأجل ما یعرض فی بعض الأحوال، فنحو «تلا» و «غزا»، و ذلك أن الألف منقلبة فیهما عن واو التلاوة، و الغزو، و إنما أمیلت فی لغة من أمالها؛ لأنك تقول إذا بنیت الفعل للمفعول: تلی، و غزی، مع بقاء عدة الحروف كما كانت حین بنیت الفعل للفاعل.
و أما الإمالة لأجل الإمالة فنحو «تراءی» أمالوا الألف الأولی من أجل إمالة الألف الثانیة المنقلبة عن الیاء، و قالوا: رأیت عمادا، فأمالوا الألف المبدلة من التنوین من أجل إمالة الألف الأولی الممالة لأجل الكسرة قبلها.
و أما الإمالة لأجل الشبه، فإمالة ألف التأنیث فی نحو «الحسنی» و ألف الإلحاق نحو «أرطی» فی قول من قال: مأروط؛ لشبه ألفیهما بألف الهدی.
و یمكن أن یعلل هذا: بأن الألف تنقلب یاء فی بعض الأحوال، و ذلك إذا ثنیت فقلت: الحسنیان، و الأرطیان.
و اعلم أنه متی كان سبب الإمالة موجودا فی اللفظ، فإن الإمالة أقوی مما إذا كان السبب مقدرا، و الإمالة لسبب مقدم أقوی منها لسبب متأخر، و متی كان الفصل بین السبب و محل الإمالة أقل، كانت الإمالة أقوی و الإمالة للكسرة اللازمة أقوی من الإمالة للكسرة العارضة، و الله- جلت قدرته- أعلم.
فأما وجوه الإمالة فأربعة، و الأصل منها اثنان:
أحدهما: المناسبة.
و الثانی: الإشعار.
فأما المناسبة فقسم واحد، و ذلك فیما أمیل لسبب موجود فی اللفظ، و فیما أمیل لإمالة غیره، فأرادوا أن یكون عمل اللسان، و محاولة النطق بالحرف الممال بسبب الإمالة من وجه واحد، و علی نسبة واحدة.
و أما الإشعار فثلاثة أقسام:
أحدها: الإشعار بالأصل، و ذلك إذا كانت الألف الممالة منقلبة عن یاء، أو عن واو مكسورة.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 461
الثانی: الإشعار بما یعرض فی الكلمة فی بعض المواضع من ظهور كسرة أو یاء حسب ما تقتضیه التصاریف دون الأصل، كما تقدم فی غزا، و طاب.
الثالث: الإشعار بالمشبه المشعر بالأصل، و ذلك كإمالة ألف التأنیث و الألف الملحقة.
و أما فائدة الإمالة: فهی سهولة اللفظ؛ و ذلك أن اللسان یرتفع بالفتح، و ینحدر بالإمالة، و الانحدار أخف علی اللسان من الارتفاع؛ فلهذا أمال من أمال من العرب.
و أما من فتح فإنه راعی كون الفتح هو الأصل؛ فلم یعدل عنه و إن كان غیره أخف منه.
و یزاد فی تعلیل الفتح فیما إمالته الإشعار بالأصل، أن یقال: إذا كان اللازم فی الكلام ترك لفظ الیاء التی هی الأصل و العدول عنها إلی أن تقلب ألفا فی نحو «الهدی»، و «قضی» إذ الألف أخف من الیاء المتحركة، فلا یعاد إلی التنبیه علی أمر قد ترك، و أصل قد رفض كما قال الشاعر: [من الطویل]
إذا انصرفت نفسی عن الشی‌ء لم تكن‌إلیه بوجه آخر الدهر ترجع و یزاد فی تعلیل الفتح فیما إمالته الوجهین الأخیرین من أوجه الإشعار أن یقال:
إذا صح فی فصیح الكلام ترك الإمالة حیث یكون سببها قائما، و هو ما أمیل للمناسبة و حیث یكون سببها مقدرا، و هو الوجه الأول من أوجه الإشعار- فالأحری أن تترك حیث لا سبب فی اللفظ، و لا فی التقدیر، و الله- جل ذكره- أعلم.
فإذا تقرر ما تقدم، فأرجع إلی مذاهب القراء فی الفتح و الإمالة فأقول:
اختلف القراء فی أصل الإمالة:
فمنهم من تركها رأسا، و لم یمل شیئا من ألفاظ القرآن البتة، و هو ابن كثیر وحده.
و منهم من أمال و هم الباقون، لكن منهم من استعملها قلیلا و هم قالون، و ابن عامر، و عاصم.
و منهم من استعملها كثیرا، و هم حمزة، و الكسائی، و أبو عمرو، و ورش.
و أقلّ الكلّ إمالة: قالون و حفص.
و أكثرهم إمالة: حمزة، و الكسائی، علی ما تراه مبسوطا بعد هذا الإجمال بحول الله تعالی.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 462
فأرجع إلی كلام الحافظ- رحمه الله- قال الحافظ: «باب الفتح و الإمالة، و بین اللفظین».
قدم الفتح؛ لأنه الأصل علی ما قررته، و قدم الإمالة علی ما بین اللفظین؛ لأنها أكثر استعمالا فی القراءات، و لأنه أراد باللفظین الفتح و الإمالة المحضة، و أراد ب «بین اللفظین» الإمالة التی هی دون ذلك؛ فلزم تقدیم الإمالة فی الذكر علی «بین اللفظین» من حیث جعل تعریف هذه الإمالة التی هی بین اللفظین بالإضافة إلی لفظی الفتح و الإمالة المحضة؛ فتنزلت لذلك منزلة النسبة الحاصلة بین المتضایفین، فحكمها:
أن تكون تابعة لهما.
و الألف و اللام فی «اللفظین» للعهد المفهوم من «الفتح»، و «الإمالة» بمنزلة قولك: أتیت زیدا و عمرا فجلست بین الرجلین، ترید زیدا و عمرا، و علی هذا النحو جاء قوله- تعالی-: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِیمِ كانُوا مِنْ آیاتِنا عَجَباً [الكهف: 9] ثم قال- تعالی-: إِذْ أَوَی الْفِتْیَةُ إِلَی الْكَهْفِ [الكهف: 10] فأدخل الألف و اللام فی «الفتیة» و هو یرید أصحاب الكهف.
قال الحافظ- رحمه الله-: «اعلم أن حمزة، و الكسائی كانا یمیلان كل ما كان من الأسماء، و الأفعال من ذوات الیاء».
قدم حمزة و الكسائی فی هذا الباب؛ لأنهما أكثر القراء إمالة كما تقدم، و إمالتهما أشد الإمالتین إیضاحا؛ لأنها محضة.
و جمعهما؛ لاشتراكهما فی أكثر الألفاظ الممالة فی القرآن.
و قدم حمزة لمكانه؛ إذ هو شیخ الكسائی.
و ذكر الأسماء و الأفعال دون الحروف؛ لأن الحروف لا یمیلها أحد من القراء إلا حرفا واحدا و هو: «بلی» خاصة، و ما عداه مثل «ما» و «لا» و «أما» و «إلا» و «لو لا» و «لو ما» و «حتی» و «علی» و «كأنما» و نحوه- لا یمیله أحد من القراء السبعة.
و أذكر الآن جمیع ما یشتمل علیه هذا الفصل من ألفاظ القرآن مما ذكره الحافظ أو لم یذكره فأقول:
اعلم أن مجموع ما یشتمل علیه هذا الفصل ینحصر فی قسمین:
القسم الأول: كل كلمة آخرها ألف بعد راء، و هو علی ضربین: أسماء، و أفعال.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 463
الأسماء عشرون كلمة یجمعها أحد عشر مثالا:
الأول: «فعل» و هو الثَّری فی طه [الآیة: 6] لا غیر.
و الثانی: «فعل» و هو الْقُری [القصص: 59].
و الثالث: «فعلی» و هو (أسری) فی البقرة [85] علی قراءة حمزة «1»، و فی الثانی من الأنفال «2» [70] علی قراءة غیر أبی عمرو، و كذلك الأول منها [67] علی قراءة
______________________________
(1) قرأ الجماعة غیر حمزة (أساری)، و قرأ هو: (أسری)، و قرئ: (أساری) بفتح الهمزة.
فقراءة الجماعة تحتمل أربعة أوجه:
أحدها: أنه جمع جمع (كسلان)؛ لما جمعهما من عدم النشاط و التصرف، فقالوا:
(أسیر و أساری) بضم الهمزة ك (كسلان و كسالی) و (سكران و سكاری)، كما أنه قد شبه «كسلان» و «سكران» به فجمعا جمعه الأصلی الذی هو علی (فعلی) فقالوا: كسلان و كسلی، و سكران و سكری؛ لقولهم: أسیر و أسری.
قال سیبویه: فقالوا فی جمع «كسلان»: كسلی، شبهوه ب (أسری)، كما قالوا: أساری شبهوه ب (كسالی)، و وجه الشبه: أن الأسر یدخل علی المرء كرها كما یدخل الكسل.
قال بعضهم: و الدلیل علی اعتبار هذا المعنی أنهم جمعوا (مریضا و میتا و هالكا) علی (فعلی) فقالوا: (مرضی و موتی و هلكی)؛ لما جمعها المعنی الذی فی (قتلی و جرحی).
الثانی: أن (أساری) جمع (أسیر)، و قد وجدنا (فعیلا) یجمع علی (فعالی) قالوا: شیخ قدیم، و شیوخ قدامی. و فیه نظر؛ فإن هذا شاذ لا یقاس علیه.
الثالث: أنه جمع (أسیر) أیضا، و إنما ضموا الهمزة من (أساری) و كان أصلها الفتح ك (ندیم و ندامی) كما ضمت الكاف و السین من (كسالی) و (سكاری) و كان الأصل فیهما الفتح نحو: (عطشان و عطاشی).
الرابع: أنه جمع (أسری) الذی هو جمع (أسیر)؛ فیكون جمع الجمع.
و أما قراءة حمزة فواضحة؛ لأن (فعلی) ینقاس فی (فعیل) نحو: (جریح و جرحی) و (قتیل و قتلی) و (مریض و مرضی).
و أما (أساری) بالفتح فهی أصل «أساری» بالضم عند بعضهم، و لم یعرف أهل اللغة فرقا بین (أساری) و (أسری) إلا ما حكاه أبو عبیدة عن أبی عمرو بن العلاء، فإنه قال: (ما كان فی الوثاق فهم الأساری، و ما كان فی الید فهم الأسری).
و نقل بعضهم عنه الفرق بمعنی آخر، فقال: (ما جاء مستأسرا فهم الأسری، و ما صار فی أیدیهم، فهم الأساری).
و حكی النقاش عن ثعلب، أنه لما سمع هذا الفرق قال: (هذا كلام المجانین)، و هی جرأة منه علی أبی عمرو.
و حكی عن المبرد أنه یقال: (أسیر و أسراء) ك (شهید و شهداء) و (الأسیر): مشتق من (الإسار) و هو القید الذی یربط به من المحمل، فسمی الأسیر أسیرا، و إن لم یربط.
ینظر: اللباب (2/ 250- 251).
(2) فی أ: الأفعال.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 464
الجماعة، و سُكاری [الحج: 2] فی الحج علی قراءة حمزة و الكسائی «1» و تَتْرا فی «قد أفلح» [المؤمنون: 44] علی قراءة غیر ابن كثیر و أبی عمرو.
الرابع: «فعلی» و هو الذِّكْری [عبس: 4] و الشِّعْری [النجم: 49].
الخامس: «فعلی» و هو الْبُشْری [هود: 74] و لِلْیُسْری [الأعلی: 8] و الْأُخْری [البقرة: 282] و الْكُبْری [النجم: 18] و شُوری [الشوری: 38] و لِلْعُسْری [اللیل: 10].
السادس: «فعالی» و هو وَ النَّصاری [البقرة: 62].
______________________________
(1) و قرأ الأخوان- حمزة و الكسائی- (سكری و ما هم بسكری) علی وزن و صفة المؤنثة بذلك، و اختلف فی ذلك: هل هذه صیغة جمع علی «فعلی» كمرضی و قتلی، أو صفة مفردة استغنی بها فی وصف الجماعة، و ظاهر كلام سیبویه أنه جمع تكسیر؛ فإنه قال: و قوم یقولون:
(سكری) جعلوه مثل: مرضی؛ لأنهما شیئان یدخلان علی الإنسان، ثم جعلوا «روبی» مثل سكری، و هم المستثقلون نوما لا من شرب الرائب.
و قال الفارسی: و یجوز أن یكون جمع سكر، كزمن و زمنی، و قد حكی: رجل سكر، بمعنی! سكران، فیجی‌ء «سكری» حینئذ لتأنیث الجمع.
قال شهاب الدین: و من ورود «سكر» بمعنی «سكران» قوله:
و قد جعلت إذا ما قمت یثقلنی‌ثوبی فأنهض نهض الشارب السكر
و كنت أمشی علی رجلین معتدلافصرت أمشی علی أخری من الشجر و یروی البیت الأول: الشارب الثمل، و بالراء أصح؛ لدلالة البیت الثانی علیه.
و قرأ الباقون: (سكاری) بضم السین، و قرأ أبو هریرة و أبو نهیك و عیسی بفتح السین فیهما، و هو جمع تكسیر واحده «سكران».
قال أبو حاتم: و هی لغة تمیم.
و قرأ الحسن و الأعرج و أبو زرعة و الأعمش: (سكری و ما هم بسكری) بضم السین فیهما، فقال ابن جنی: هی اسم مفرد كالبشری، بهذا أفتانی أبو علی. و قال أبو الفضل: فعلی بضم الفاء صفة الواحدة من الإناث، لكنها لما جعلت من صفات الناس و هم جماعة أجریت الجماعة بمنزلة المؤنث الموحد.
و قال الزمخشری: و هو غریب.
قال شهاب الدین: و لا غرابة؛ فإن «فعلی» بضم الفاء كثیر مجیئها فی أوصاف المؤنثة نحو: الربّی و الحبلی.
و جوز أبو البقاء فیه أن یكون محذوفا من سكاری، و كان من حق هذا القارئ أن یحرك الكاف بالفتح إبقاء لها علی ما كانت علیه، و قد رواها بعضهم كذلك عن الحسن. شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات 464 باب الفتح و الإمالة بین اللفظین
و قرأ أبو زرعة فی روایة (سكاری) بالفتح: وَ ما هُمْ بِسُكاری بالضم.
و عن أبی جبیر كذلك إلا أنه حذف الألف من الأول دون الثانی.
ینظر اللباب (14/ 8- 10).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 465
السابع: «فعالی» و هو (أسری) فی البقرة [85] علی قراءة غیر حمزة، و فی الثانی من الأنفال [70] علی قراءة أبی عمرو، و سُكاری فی الحج [الآیة: 2] علی قراءة غیر حمزة، و الكسائی، و فی النساء [43] علی قراءة الجمیع.
الثامن: «مفعل» بفتح المیم و هو مَجْراها من سورة هود- علیه- السلام [الآیة: 41] علی قراءة حفص، و حمزة، و الكسائی.
التاسع: «مفعل» بضم المیم، و هو: (مجری) علی قراءة الباقین.
العاشر: «مفتعل» و هو مُفْتَریً [سبأ: 43].
الحادی عشر: التَّوْراةَ [آل عمران: 3].
و أما الأفعال: فأربع عشرة كلمة:
منها واحدة مشتركة تكون للماضی و المضارع بلفظ واحد، و تفصیل ذلك: أن هذه الأفعال تنقسم إلی الماضی، و المضارع:
فللماضی منها مثالان:
أحدهما: «أفعل» و الوارد منه فی القرآن ثلاثة ألفاظ: أَسْری بِعَبْدِهِ [الإسراء:
1] و «أدری» و «أری» المنقولة من «رأی»، كقوله- تعالی- مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ [آل عمران: 152] و بِما أَراكَ اللَّهُ [النساء: 105] و وَ لَوْ أَراكَهُمْ كَثِیراً [الأنفال: 43] و فَأَراهُ الْآیَةَ الْكُبْری [النازعات: 20].
و الثانی: «افتعل» و الوارد منه ثلاثة ألفاظ: اشْتَری [التوبة: 111] و افْتَری [آل عمران: 94] و اعْتَراكَ [هود: 54].
و أما «1» المضارع فعلی ضربین:
الضرب الأول: مبنی للفاعل، و له ستة أمثلة.
الأول: «أفعل»، و الوارد منه: «أری» خاصة كقوله- تعالی- إِنِّی أَراكَ وَ قَوْمَكَ [الأنعام: 74] و وَ لكِنِّی أَراكُمْ قَوْماً [هود: 29] و إِنِّی أَراكُمْ بِخَیْرٍ [هود: 84] و إِنِّی أَری ما لا تَرَوْنَ [الأنفال: 48].
و الثانی: «نفعل» بالنون، و الوارد منه: نَرَی [البقرة: 55] خاصة.
و الثالث: «تفعل» بتاء الخطاب، و الوارد منه لفظان: تَری [المائدة: 83] و وَ لا تَعْری [طه: 118].
______________________________
(1) فی ب: فأما.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 466
و الرابع: «یفعل» علی الغیبة، و الوارد منه: یَرَی [البقرة: 165] خاصة.
و الخامس: «تتفاعل»، و الوارد منه فی القرآن: تَتَماری [النجم: 55].
و السادس: «یتفاعل»، و الوارد منه یَتَواری [النحل: 59].
الضرب الثانی: مبنی للمفعول، و له مثالان:
أحدهما: «یفعل» بالیاء المعجمة من أسفل، و الوارد منه یُری فی الأحقاف [الآیة: 25] علی قراءة حمزة، و عاصم و یُری فی النجم [الآیة: 40] علی قراءة الجماعة.
و الثانی «یفتعل» و الوارد منه یُفْتَری [یونس: 37] خاصة.
فقرأه حمزة، و الكسائی، و أبو عمرو جمیع ذلك بإمالة فتحة الراء و الألف بعدها فی الوصل و الوقف.
و استثنی أبو عمرو یا بُشْری فی سورة یوسف- علیه السلام- و تَتْرا ففتحهما، و نوّن (تترّی) فی الوصل.
و استثنی حمزة من ذلك (التوراة) فقرأه بین اللفظین.
وافقهم حفص علی الإمالة فی مَجْراها [هود: 41] خاصة.
و وافقهم أبو بكر علی إمالة «أدری» حیث وقع.
و وافقهم ابن ذكوان علی إمالة (التوراة) و «أدری».
و زاد الحافظ عن ابن ذكوان فتح «أدری» أیضا من طریق النقاش «1»، عن الأخفش.
______________________________
(1) محمد بن عبد الله بن محمد بن مرة، و یقال: ابن أبی مرة، أبو الحسن الطوسی ثم البغدادی، یعرف بابن أبی عمر النقاش، مقرئ جلیل مصدر خیر صالح، أخذ القراءة عرضا عن- المستنیر- أبی علی الصواف، و- المستنیر و الغایة و الكفایة- أبی بكر بن مجاهد، و الكفایة- إبراهیم بن زیاد القنطری، و روی اختیار خلف عرضا عن- المستنیر و الكفایة- إسحاق بن إبراهیم المروزی، و- الكامل- علی بن محمد بن الحسین بن نازك و محمد ابن إبراهیم و إبراهیم بن إسحاق و أبی بكر بن أسد المؤدب الطوسیین، و روی روایة إسماعیل عن نافع و قراءة ابن كثیر عن- الكامل- إدریس بن عبد الكریم فیما ذكره الهذلی، و لا یصح ذلك، روی القراءة عنه عرضا: ابنه- الكامل- الحسن و- المستنیر و الغایة و الكفایة- أحمد بن عبد الله السوسنجردی و- الكفایة- أبو الفرج النهروانی و- الكفایة- أبو الحسن الحمامی و- المستنیر و الكامل- بكر بن شاذان و- المستنیر- علی بن محمد ابن یوسف بن العلاف و أبو بكر بن مهران، مات سنة اثنتین و خمسین و ثلاثمائة.
ینظر غایة النهایة (2/ 186).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 467
و قرأ ورش جمیع ذلك بین اللفظین فی الحالین أیضا، و تابعه قالون علی (التوراة) خاصة فقرأها بین اللفظین، و زاد عنه الحافظ الفتح.
و هذا كله ما لم یلحق الألف فی الوصل تنوین، أو یقع بعدها حرف ساكن، فإنه لا خلاف فی الفتح فی الوصل لسقوط الألف، إلا ما ذكر الحافظ من مذهب السوسی أنه یمیل فی الوصل فتحة الراء فیما لحقه ساكن منفصل، نحو نَرَی اللَّهَ [البقرة: 55] و الْقُرَی الَّتِی [سبأ: 18] و النَّصاری الْمَسِیحُ [التوبة: 30] و ذِكْرَی الدَّارِ [ص: 46].
و مذهب الشیخ، و الإمام الفتح فی الوصل لأبی شعیب كالجماعة.
و اختلف عن ورش فی (أریكهم) فی الأنفال «1» [الآیة: 43].
فقال الشیخ: «روی ورش عن نافع الفتح، و كان یختار بین اللفظین، و بالوجهین قرأت».
و أما الإمام فأطلق القول فی جمیع الفصل ببین «2» اللفظین، ثم قال: «و قد قرأت له: (و لو أریكهم) فی الأنفال بالفتح أیضا، و بین اللفظین أشهر عنه».
و نص فی غیره [أنه] قرأه بالوجهین.
و ذكر فی «التمهید»: أن ترقیق الراء فی (أریكهم) هی قراءته علی ابن خاقان، و أبی الحسن.
قال: و هو الصواب، و قراءته علی ابن خاقان هی التی أسند فی «التیسیر»؛ فحصل من هذا كله أنهم یختارون له بین اللفظین، و هو خلاف روایته عن نافع.
و اعلم أن الراء فی «أری»، و «نری» و «تری» و «یری» هی فاء الكلمة، و أصلها السكون، و عین الكلمة فی الأصل همزة مفتوحة و لامها یاء، فقلبت الیاء ألفا لتحركها و انفتاح ما قبلها، ثم نقلت الفتحة من الهمزة إلی الراء لشبه الهمزة بالحرف المعتل فی الثقل، ثم حذفت الهمزة لسكونها و سكون ما بعدها؛ فولیت الألف الراء فصار آخر الكلمة ألفا بعد راء؛ فلحق بهذا الفصل الذی نحن فیه، و لو لا ذلك لكان من الفصل الثانی مثل: «رأی»، و الله- تقدس اسمه و تعالی جده- أعلم.
______________________________
(1) فی أ: الأفعال.
(2) فی أ: بین.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 468
القسم الثانی: من القسم الأول: كل كلمة آخرها ألف و لیس قبل الألف راء و هو نوعان.
النوع الأول: أن تكون الكلمة ثلاثیة و ألفها منقلبة عن واو، و جملته فی القرآن ثمانیة ألفاظ، منها أربعة أسماء، و هی «الربا» و «الضحی» و «العلا» و «القوی».
اتفق حمزة و الكسائی علی إمالتها فی الحالین، سواء كانت بالألف و اللام، أو مضافة، فإن كانت منونة أمالاها فی الوقف و فتحاها فی الوصل، و ذلك ضُحًی فی طه [الآیة: 59]، و رِباً فی الروم [الآیة: 39] لا غیر، و فتح ورش «الربا» كیفما كان.
و قرأ البواقی بین اللفظین من طریق الحافظ ما لم تكن منونة فیفتح فی الوصل و یقف بین اللفظین، و ذلك قوله- تعالی-: وَ أَنْ یُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًی فی طه [الآیة:
59]، فأما قوله- تعالی-: ضُحًی وَ هُمْ یَلْعَبُونَ [الأعراف: 98] فلا أذكر فیه شیئا، و السابق إلی فهمی أنه فی الوقف مفتوح للجمیع، و الله- سبحانه- أعلم.
و مذهب الشیخ و الإمام فتح الأسماء الأربعة لورش علی كل حال.
و قرأ أبو عمرو ما كان منها رأس آیة فی السور الإحدی عشرة التی تذكر بعد: بین اللفظین من طریق الحافظ و الإمام، و بالفتح من طریق الشیخ.
و منها أربعة أفعال و هی: دَحاها [النازعات: 30] و طَحاها [الشمس: 6] و تَلاها [الشمس: 2] و سَجی [الضحی: 2].
أمالها الكسائی. و قرأها أبو عمرو بین اللفظین، و وافقه ورش علی سَجی خاصة من طریق الحافظ وحده، و فتح البواقی كالباقین.
النوع الثانی: ما عری من القیدین أو من أحدهما- و أعنی بالقیدین: كون الكلمة ثلاثیة، و كون ألفها مع ذلك منقلبة عن واو- فهذا النوع ینقسم قسمین: منصرف، و غیر منصرف.
فغیر المنصرف أربعة ألفاظ:
منها اسمان و هما: مَتی [البقرة: 214]، أَنَّی [البقرة: 223].
و منها فعل و هو: عَسَی [النساء: 84].
و منها حرف و هو: بَلی [البقرة: 81]، و یلحق بها: یا وَیْلَتی [المائدة: 31] و یا حَسْرَتی [الزمر: 56] و یا أَسَفی [یوسف: 84].
و الألف فی هذه الأسماء الثلاثة بدل من یاء المتكلم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 469
فأمال الألف و الفتحة قبلها فی هذه الألفاظ السبعة: حمزة، و الكسائی، و قرأها ورش من طریق الحافظ بین اللفظین و من طریق الشیخ و الإمام بالفتح.
و قرأ الدوری عن الیزیدی عن أبی عمرو یا وَیْلَتی [المائدة: 31]، و یا حَسْرَتی [الزمر: 56]، و أَنَّی [البقرة: 223] بین اللفظین من الطرق الثلاثة.
و زاد الإمام بَلی [البقرة: 81] و مَتی [البقرة: 214] عن أبی عمرو من طریقیه و یا أَسَفی [یوسف: 84] من طریق الدوری خاصة، و فتح ما بقی.
و المنصرف ینقسم إلی أسماء و أفعال، فالأسماء تسعون، و تنحصر فی خمسة عشر مثالا:
المثال الأول: «فعل» بفتح الفاء، و الوارد منه ثمانیة أسماء و هی: وَ النَّوی [الأنعام: 95].
و الْهَوی [النساء: 135]، و لِلشَّوی [المعارج: 16]، و وَ الْأَذی [البقرة:
264]، و الْعَمی [فصلت: 17]، و لَظی [المعارج: 15]، و فَتًی [الأنبیاء:
60]، و وَ جَنَی [الرحمن: 54].
المثال الثانی: «فعل» بكسر الفاء، و الوارد منه أربعة أسماء:
الزِّنی [الإسراء: 32]، و (إنیه) [الأحزاب: 53]، و كِلاهُما [الإسراء:
23]، و مَكاناً سُویً [طه: 58] علی خلاف فی كسر أول هذه الكلمة الأخیرة.
المثال الثالث: «فعل» بضم الفاء، و الوارد منه ستة أسماء و هی:
الْهُدی [البقرة: 120]، و النُّهی [طه: 54]، و طُویً [طه: 12]، و سُدیً [القیامة: 36]، و مَكاناً سُویً [طه: 58] علی الخلاف المذكور، و یلحق به تُقاةً [آل عمران: 28]. و حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمران: 102] وزنه «فعلة».
المثال الرابع: «فعلی» بفتح الفاء، و الوارد منه عشرة أسماء و هی:
الْمَوْتی [البقرة: 73]، و لِلتَّقْوی [البقرة: 237]، و الْمَرْضی [التوبة:
91]، و النَّجْوی [طه: 62]، و وَ السَّلْوی [البقرة: 57]، و الْقَتْلی [البقرة:
178]، و دَعْوَةَ «1» [البقرة: 186]، و صَرْعی [الحاقة: 7]، و (طغوی)، و مَثْنی [النساء: 3].
المثال الخامس: «فعلی» بكسر الفاء، و الوارد منه أربعة أسماء و هی:
______________________________
(1) هكذا فی المخطوط فلیحرر.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 470
إِحْدَی [القصص: 27]، و (سیما)، و ضِیزی [النجم: 22]، و عِیسَی [الصف: 14].
المثال السادس: «فعلی» بضم الفاء، [و] الوارد منه تسعة عشر اسما و هی:
الْقُرْبی [البقرة: 83]، و الدُّنْیا [البقرة: 86]، و الْوُسْطی [البقرة:
238]، و الْوُثْقی [البقرة: 256]، و الْأُنْثی [النجم: 27]، و الْحُسْنی [الكهف: 88]، و وَ الْأُولی [النجم: 25]، و الْقُصْوی [الأنفال: 42]، و الْمُثْلی [طه: 63]، و السُّفْلی [التوبة: 40]، و الْعُلْیا [التوبة: 40]، و الرُّؤْیا [الفتح: 27]، و طُوبی [الرعد: 29]، و شُوری [الشوری: 38]، و زُلْفی [الزمر: 3]، و الرُّجْعی [العلق: 8]، و وَ الْعُزَّی [النجم: 19]، و عُقْبَی [الرعد: 22]، و وَ سُقْیاها [الشمس: 13].
المثال السابع: «أفعل»، و الوارد منه ثمانیة عشر اسما، و هی:
الْأَعْلَی [الأعلی: 1]، و أَوْلی [القیامة: 34]، و الْأَوْفی [النجم: 41]، و الْأَتْقَی [اللیل: 17]، و الْأَشْقَی [اللیل: 15]، و الْأَدْنی [الأعراف:
169]، و الْأَعْمی [الأنعام: 50]، و الْأَقْصَی [الإسراء: 1]، و أَزْكی [البقرة: 232]، و أَرْبی [النحل: 92]، و وَ أَخْفی [طه: 7]، و وَ أَبْقی [الأعلی: 17]، و أَهْدی [الإسراء: 84]، و أَدْهی [القمر: 46]، و أَحْوی [الأعلی: 5]، و أَحْصی [الكهف: 12]، و أَخْزی [فصلت: 16]، و وَ أَطْغی [النجم: 52].
المثال الثامن: «فعالی» بفتح الفاء، و الوارد منه أربعة أسماء و هی:
الْیَتامی [النساء: 2]، و الْأَیامی [النور: 32]، و الْحَوایا [الأنعام:
146]، و (خطایا).
المثال التاسع: «فعالی» بضم الفاء، و الوارد منه اسمان و هما:
كُسالی [النساء: 142]، و وَ فُرادی [سبأ: 46].
المثال العاشر: «مفعل» بفتح المیم، و الوارد منه سبعة أسماء و هی:
الْمَوْلی [الأنفال: 40]، و الْمَأْوی [النجم: 15]، و الْمَرْعی [الأعلی: 4]، و مَثْوَی [آل عمران: 151].
و مَثْنی [النساء: 3]، و وَ مَحْیایَ [الأنعام: 162]، و یلحق به مَرْضاتَ
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 471
[التحریم: 1].
المثال الحادی عشر: «مفعل» بضم المیم، و الوارد منه ثلاثة أسماء و هی:
مُوسی [طه: 9]، و وَ مُرْساها [هود: 41]، و یلحق به مُزْجاةٍ [یوسف:
88].
المثال الثانی عشر: «مفعّل» بضم المیم و تشدید العین، و الوارد منه ثلاثة أسماء و هی:
مُصَلًّی [البقرة: 125]، و مُسَمًّی [البقرة: 282]، و مُصَفًّی [محمد:
15].
المثال الثالث عشر: «مفتعل»، و الوارد منه الْمُنْتَهی [النجم: 14] خاصة.
المثال الرابع عشر: «یفعل»، و الوارد منه یَحْیی [مریم: 7] اسم النبی علیه السلام.
المثال الخامس عشر: «فعّل» بضم الفاء و تشدید العین، و الوارد منه غُزًّی [آل عمران: 156] خاصة.
و أما الأفعال: فجملتها مائة و سبعة و سبعون لفظة، و تنقسم إلی الماضی، و المضارع، ثم إلی المبنی للفاعل، و المبنی للمفعول، فهذه ثلاثة أقسام:
القسم الأول الماضی: و جملة ما ورد فی القرآن اثنان و تسعون فعلا، و تنحصر فی ثمانیة أمثلة.
المثال الأول: «فعل» خفیف العین، و الوارد منه اثنتان و عشرون لفظة و هی:
هَدَی [الأنعام: 90]، و وَ كَفی [الفتح: 28]، و فَسَقی [القصص:
24].
و وَفَّی [النجم: 37]، و أَتی [طه: 69]، و أَبی [البقرة: 34]، و أَتی [النحل: 1]، و وَ نَهَی [النازعات: 40]، و قَضی [البقرة: 117]، و وَ مَضی [الزخرف: 8]، (جزی)، و رَأی [الأنعام: 76]، و رَمی [الأنفال: 17]، و وَ عَصی [طه: 121]، و طَغی [النازعات: 37]، و فَبَغی [القصص: 76]، و غَوی [النجم: 2]، و هَوی [طه: 81]، و قَلی [الضحی: 3]، و أَوَی [الكهف: 10]، و وَ نَأی [الإسراء: 83].
المثال الثانی: «أفعل»، و الوارد منه ست و عشرون لفظة و هی:
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 472
أَعْطی [طه: 50]، و أَوْفی [آل عمران: 76]، و أَغْنی [النجم: 48]، و وَ أَقْنی [النجم: 48]، و وَ آتَی [البقرة: 177]، و آوی [یوسف: 69].
و یا أَسَفی [یوسف: 84]، و أَقْصَا [القصص: 20]، أَوْحی [الإسراء: 39]، و أَحْیَا [المائدة: 32]، و وَ أَوْصانِی [مریم: 31]، و أَنْجَیْنَا [الأنعام: 63].
و فَأَوْعی [المعارج: 18]، و (أرسی)، و وَ أَلْقی [النحل: 15]، و أَبْقی [النجم: 51]، و فَأَدْلی [یوسف: 19]، و وَ أَمْلی [محمد: 25]، و فَأَنْساهُ [یوسف: 42]، و أَحْصی [الكهف: 12]، و وَ أَكْدی [النجم: 34]، و أَهْوی [النجم: 53]، و وَ أَعْمی [محمد: 23]، و وَ أَبْكی [النجم: 43]، و أَلْهاكُمُ [التكاثر: 1].
المثال الثالث: «فعّل» بتشدید العین، و الوارد منه ثلاث عشرة لفظة هی:
(زكّی)، و وَفَّی [النجم: 37]، و أَنْجَیْنَا [الأعراف: 89]، و وَلَّی [النمل:
10]، و (جلّی)، و صَلَّی [العلق: 10]، و وَ وَصَّی [البقرة: 132]، و وَ لَقَّاهُمْ [الإنسان: 11]، و غَشَّی [النجم: 54]، و دَسَّاها [الشمس: 10]، و سَمَّاكُمُ [الحج: 78]، و فَسَوَّی [القیامة: 38].
المثال الرابع: «تفعّل» بتشدید العین، و الوارد منه تسعة ألفاظ و هی:
تَجَلَّی [الأعراف: 143]، و فَتَدَلَّی [النجم: 8]، و تَوَلَّی [النجم: 33]، و تَرَدَّی [اللیل: 11]، و تَزَكَّی [طه: 76]، و تَمَنَّی [النجم: 24]، و فَتَلَقَّی [البقرة: 37]، و تَغَشَّاها [الأعراف: 189]، و (توفّاه) فی الأنعام [61] علی قراءة حمزة.
المثال الخامس: «افتعل»، و الوارد منه اثنتا عشرة لفظة و هی:
ارْتَضی [الأنبیاء: 28]، و اهْتَدی [یونس: 108]، و اسْتَوی [البقرة:
29]، و (اجتبی)، و ابْتَغی [المؤمنون: 7]، و فَانْتَهی [البقرة: 275]، و ابْتَلی [البقرة: 124]، و اعْتَدی [البقرة: 194]، و افْتَدی [آل عمران:
91]، و اصْطَفی [آل عمران: 33]، و اتَّقی [النساء: 77]، و فَالْتَقَی [القمر: 12].
و المثال السادس: «استفعل»، و الوارد منه أربعة ألفاظ و هی:
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 473
اسْتَعْلی [طه: 64]، و وَ اسْتَغْنَی [التغابن: 6]، و اسْتَسْقی [البقرة: 60]، و (استهواه) فی الأنعام [71] علی قراءة حمزة.
المثال السابع: «فاعل»، و الوارد منه نادی [الأنبیاء: 83]. ساوی [الكهف:
96] خاصة.
المثال الثامن: «تفاعل»، و الوارد منه ثلاثة ألفاظ و هی:
وَ تَعالی [الأنعام: 100]، و تَراءَا [الشعراء: 61]، و فَتَعاطی [القمر: 29].
القسم الثانی الفعل المضارع: المبنی للفاعل، و جملة ما ورد منه فی القرآن أربعة و خمسون موضعا، و تنحصر فی ثمانیة أمثلة:
المثال الأول: «أفعل»، و الوارد منه لفظان و هما:
أَنْهاكُمْ [هود: 88]، و أَنْسانِیهُ [الكهف: 63].
المثال الثانی: «نفعل» بالنون، و الوارد منه أربعة ألفاظ و هی:
نَخْشی [المائدة: 52]، (ننسی)، و نَخْزی [طه: 134]، و وَ نَحْیا [المؤمنون: 37].
المثال الثالث: «تفعل» بالتاء المعجمة من فوق، و الوارد منه ست عشرة لفظة و هی:
تَرْضی [البقرة: 120]، و تَهْوی [البقرة: 87]، و وَ لِتَصْغی [الأنعام:
113]، و تَنْهی [العنكبوت: 45]، و وَ تَغْشی [إبراهیم: 50]، و تَعْمَی [الحج: 46]، و تَرْقی [الإسراء: 93]، و لِتَشْقی [طه: 2]، و فَتَرْدی [طه: 16]، و وَ تَخْشَی [الأحزاب: 37]، و تَضْحی [طه: 119]، و تَخْفی [الحاقة: 18]، و تَأْبی [التوبة: 8]، و تَنْسی [الأعلی: 6]، و تَسْعی [طه:
15]، و تَصْلی [الغاشیة: 4].
المثال الرابع: «یفعل» علی الغیبة، و الوارد منه خمس عشرة لفظة و هی:
یَخْفی [آل عمران: 5]، و یَغْشی [آل عمران: 154]، و یَخْشی [طه: 3]، و یَرْضی [النساء: 108]، و یَنْهی [العلق: 9]، و یَلْقَ [الفرقان: 68]، و یَطْغی [طه: 45]، و یَنْسی [طه: 52]، و یَبْلی [طه: 120]، و یَسْعی [القصص: 20]، و وَ یَبْقی [الرحمن: 27]، و وَ یَصْلی [الانشقاق: 12]، و یَحْیی [الأعلی: 13]، و یَشْقی [طه: 123]، و وَ یَأْبَی [التوبة: 32].
المثال الخامس: «یتفعّل» بالیاء و التاء، و الوارد منه خمسة ألفاظ، و هی یَتَوَلَّی
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 474
[آل عمران: 23] و یَتَوَفَّی [الأنفال: 50] و یَتَلَقَّی [ق: 17] و یَتَمَطَّی [القیامة: 33] و یَتَزَكَّی [فاطر: 18] و منه یَزَّكَّی [عبس: 3].
المثال السادس: «تتفعّل» بتاءین، و الوارد منه خمسة ألفاظ و هی: (تتوفّی) و (تتلقی) و تُسَوَّی [النساء: 42] علی قراءة نافع، و ابن عامر و تَزَكَّی فی النازعات [الآیة: 18]، و تَصَدَّی فی عبس [الآیة: 6]، كلاهما علی قراءة الحرمیین، فأدغمت التاء الأولی فیما بعدها فی هذه المواضع الثلاثة.
المثال السابع: «تفعّل» و أصله «تتفعّل» فحذفت إحدی التاءین.
و الوارد منه خمسة ألفاظ، و هی تَوَفَّاهُمُ فی النساء [الآیة: 97]، و تَلَهَّی فی «عبس» [10] و تَلَظَّی فی «و اللیل» [الآیة: 14]، علی قراءة غیر البزی فی الوصل، و تَزَكَّی و تَصَدَّی علی قراءة غیر الحرمیین، و قد تقدم تَزَكَّی الذی هو فعل ماض كقوله- تعالی-: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّی فی سورة الأعلی، و قوله- تعالی-:
وَ مَنْ تَزَكَّی فَإِنَّما یَتَزَكَّی لِنَفْسِهِ فی سورة فاطر [الآیة: 18].
المثال الثامن: «تتفاعل» و الوارد منه تَتَجافی [السجدة: 16] لا غیر.
القسم الثالث: الفعل المضارع المبنی للمفعول، و جملته فی القرآن إحدی و ثلاثون لفظة، و تنحصر فی سبعة أمثلة:
المثال الأول: «نفعل» بالنون، و الوارد منه نُؤْتی [الأنعام: 124] لا غیر.
و المثال الثانی: «تفعل» بالتاء المعجمة من فوق، و الوارد منه إحدی عشرة لفظة و هی:
تُتْلی [القلم: 15]، و تُبْلَی [الطارق: 9]، و تُسْقی [الغاشیة: 5]، و تُجْزی [غافر: 17]، و فَتُكْوی [التوبة: 35]، و تُنْسی [طه: 126]، و تُمْلی [الفرقان: 5]، و تُدْعی [الجاثیة: 28]، و فَتُلْقی [الإسراء: 39]، و (تجبی) [القصص: 57] علی قراءة نافع، و (تمنی) [القیامة: 37] علی قراءة غیر حفص، و تَرْضی فی طه [130] علی قراءة غیر حفص، و تَرْضی «1» [طه: 130] علی قراءة أبی بكر و الكسائی.
المثال الثالث: «یفعل» علی الغیبة، و الوارد منه اثنتا عشرة لفظة و هی:
یُجْبی [القصص: 57] علی قراءة غیر نافع، و یُؤْتِی [البقرة: 269]، و یُتْلی [النساء: 127]، و یُوحی [النجم: 4]، و یُقْضی [طه: 114]،
______________________________
(1) هكذا بالمخطوط فلیحرر.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 475
و یُجْزی [الأنعام: 160]، و یُحْمی [التوبة: 35]، و یَهْدِی [یونس: 35]، و یُسْقی [الرعد: 4]، و یُلْقی [الفرقان: 8]، و یُغْشی [الأحزاب: 19]، و یُدْعی [الصف: 7].
المثال الرابع: «تفعّل» بالتاء المعجمة من فوق، و تشدید العین، و الوارد منه ثلاثة ألفاظ و هی:
تُوَفَّی [البقرة: 281]، و لَتُلَقَّی [النمل: 6]، و تُسَمَّی [الإنسان: 18].
المثال الخامس «یفعّل» علی الغیبة و تشدید العین، و الوارد منه ثلاثة ألفاظ، و هی:
وَ یُلَقَّوْنَ [الفرقان: 75]، و یُوَفَّی [الزمر: 10]، و یَصْلی [الانشقاق: 12] علی قراءة الحرمیین، و ابن عامر و الكسائی.
المثال السادس: «یتفعّل» بالیاء و التاء، و الوارد منه یُتَوَفَّی [الحج: 5] لا غیر.
المثال السابع: «یفاعل» و الوارد منه (یجازی) فی سبأ [17] علی خلاف فیه لا غیر.
اتفق حمزة، و الكسائی، علی إمالة جمیع ما اشتمل علیه هذا القسم المتصرف من الأسماء و الأفعال المذكورة.
وافقهما أبو بكر علی إمالة رَمی فی الأنفال [الآیة: 17]، و علی إمالة فتحة الهمزة و الألف بعدها من وَ نَأی فی سورة الإسراء خاصة [الآیة: 83]، و علی إمالة أَعْمی فی الموضعین فیها [73] كل ذلك فی الحالین، و علی إمالة سُویً فی طه [الآیة: 58]، و سُدیً فی القیامة [الآیة: 36] فی الوقف.
و وافقهما أبو عمرو علی إمالة أَعْمی الأول من سورة الإسراء، و وافقهما هشام علی إمالة (إنیه) [الأحزاب: 53].
و استثنی حمزة، و أبو الحارث من ذلك هُدایَ فی البقرة [الآیة: 38]، و طه [الآیة: 123] و وَ مَحْیایَ فی الأنعام [الآیة: 162] و مَثْوایَ و رُؤْیاكَ فی سورة یوسف علیه السلام [الآیة: 5]، و كَمِشْكاةٍ فی النور [الآیة: 35]، ففتحا هذه الستة.
و استثنی أیضا حمزة وحده خمسة أسماء، و سبعة أفعال:
فالأسماء: (خطایا) كیفما كان، و الرُّؤْیَا مضافا و غیر مضاف، و مَرْضاتِ حیث وقع، و حَقَّ تُقاتِهِ خاصة فی آل عمران [الآیة: 102] و مَحْیاهُمْ فی الجاثیة [الآیة: 21] و الأفعال وَ قَدْ هَدانِ و هو الأول من الأنعام خاصة [الآیة:
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 476
80] و عَصانِی فی سورة إبراهیم- علیه السلام- [الآیة: 36]، و وَ ما أَنْسانِیهُ إِلَّا الشَّیْطانُ فی الكهف [الآیة: 63] و آتانِیَ الْكِتابَ و وَ أَوْصانِی فی «كهیعص» [الآیتان: 30، 31]، و فَما آتانِیَ فی النمل [الآیة: 36]، و وَ أَحْیا إذا لم یكن معطوفا بالواو خاصة حیث وقع.
و لم أذكر هنا سائر ما ذكر الحافظ مع هذه الألفاظ؛ لأنه غیر داخل فی هذا القسم.
و قرأ ورش جمیع ما فی هذا القسم من طریق الحافظ بین اللفظین، و استثنی منه هُدایَ فی البقرة، و وَ مَحْیایَ فی الأنعام و مَثْوایَ فی سورة یوسف- علیه السلام- و كلاهما فی الإسراء، و كل ما اتصل به ضمیر المؤنث من رءوس الآی التی فی سورة و الشمس و فی سورة النازعات إلا قوله- تعالی-: ذِكْراها فلا خلاف أنه قرأها بین اللفظین من أجل الراء.
و قرأ جمیع الفصل من طریق الشیخ و الإمام بالفتح، إلا ما وقع رأس آیة فی السور العشر، و هی: طه، و النجم، و المعارج فی قوله- تعالی-: لَظی [المعارج:
15] و لِلشَّوی [المعارج: 16] و تَوَلَّی [النجم: 29] و فَأَوْعی [المعارج: 18] و آخر القیامة من قوله- تعالی-: وَ لا صَلَّی ... إلی آخرها، و النازعات من قوله- تعالی-: حَدِیثُ مُوسی إلی قوله- تعالی-: لِمَنْ یَخْشی [الآیات: 15- 26] و من قوله- تعالی-: ما سَعی إلی الْمَأْوی [الآیات: 35- 41] و أول عَبَسَ إلی تَلَهَّی [الآیات: 1- 10]، و سبح، و اللیل، و الضحی من قوله- تعالی- قَلی إلی فَأَغْنی [الآیات: 3- 8] و العلق من قوله- تعالی-: لَیَطْغی إلی وَ تَوَلَّی [الآیات: 6- 13] فإنه [قرأها] بین اللفظین بشرط ألا تكون ألفه للتأنیث، و لا منقلبة عن واو فی الثلاثی؛ فإنهما أخذا فیه بالفتح.
و الذی وقع فی هذه الصورة مما ألفه للتأنیث: الْحُسْنی [الكهف: 88] و وَ الْأُولی [اللیل: 13] و النَّجْوی [المجادلة: 8] و الْمُثْلی [طه: 63] و وَ السَّلْوی [البقرة: 57] و وَ التَّقْوی و وَ الْأُنْثی و ضِیزی [النجم: 22] و الْمَوْتی و الذی ألفه منقلبة عن واو فی الثلاثی: الْعَلِیُ و وَ الضُّحی و الْقَوِیُ و سَجی، و قد تقدم القول فی ذوات الواو، و تقدم أیضا أنه لم یختلف عن ورش فیما قبل ألفه راء، حیث وقع أنه یقرؤه بین اللفظین.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 477
و قرأ أبو عمرو كل ما كان علی وزن «فعلی» أو «فعلی» أو «فعلی» حیث وقع، و جمیع رءوس الآی التی فی السور العشر المذكورة، و سورة الشمس كیفما كان و «یحیی» اسم النبی، و «موسی»، و «عیسی»- صلوات الرحمن علیهم أجمعین- بین اللفظین.
و استثنی الشیخ، وحده: الضُّحی و الْعَلِیُ و الْقَوِیُ خاصة، سواء كانت هذه الأسماء الثلاثة منونة أو بالألف و اللام، أو مضافة- ففتحها.
و استثنی الإمام «یحیی» اسم النبی- علیه السلام- ففتحه من طریق السوسی خاصة.
و أری أن أختم هذا الفصل بتعیین رءوس الآی المذكورة؛ حتی لا یقع فیها التباس.
اعلم أن جملتها- ما بین متفق علیه، و مختلف فیه- مائتان و إحدی و سبعون آیة.
و اعلم أن الأعداد المشهورة فی ذلك ستة، و هی المدنی الأول، و المدنی الأخیر، و المكی، و البصری، و الشامی، و الكوفی، و أوكد هذه الأعداد فی مقصود هذا الفصل، عدد المدنی الأخیر، و عدد البصری؛ لیعرف به ما یقرؤه ورش و أبو عمرو من رءوس هذه الآی بین اللفظین:
فمن ذلك فی سورة طه: تسع و ثمانون آیة و هی قوله تعالی:
لِتَشْقی [2]، یَخْشی [3]، الْعُلی [4]، اسْتَوی [5]، الثَّری [6]، وَ أَخْفی [7]، الْحُسْنی [8]، حَدِیثُ مُوسی [9]، هُدیً [10]، یا مُوسی [11]، طُویً [12]، یُوحی [13]، بِما تَسْعی [15]، فَتَرْدی [16]، بِیَمِینِكَ یا مُوسی [17]، أُخْری [18]، أَلْقِها یا مُوسی [19]، حَیَّةٌ تَسْعی [20]، الْأُولی [21]، آیَةً أُخْری [22]، الْكُبْری [23]، طَغی [24]، سُؤْلَكَ یا مُوسی [36]، مَرَّةً أُخْری [37]، ما یُوحی [38]، عَلی قَدَرٍ یا مُوسی [40]، إِنَّهُ طَغی [43]، أَوْ یَخْشی [44]، یَطْغی [45]، وَ أَری [46]، الْهُدی [47]، وَ تَوَلَّی [48]، یا مُوسی [49]، ثُمَّ هَدی [50]، الْقُرُونِ الْأُولی [51]، وَ لا یَنْسی [52]، شَتَّی [53]، النُّهی [54]، تارَةً أُخْری [55]، وَ أَبی [56]، بِسِحْرِكَ یا مُوسی [57]، سُویً [58]، ضُحًی [59]، ثُمَّ أَتی [60]، افْتَری [61]، النَّجْوی [62]، الْمُثْلی [63]، اسْتَعْلی [64]، أَوَّلَ مَنْ أَلْقی [65]، أَنَّها تَسْعی [66]، خِیفَةً مُوسی [67]، أَنْتَ الْأَعْلی [68]، حَیْثُ أَتی [69]، هارُونَ وَ مُوسی [70]، عَذاباً وَ أَبْقی [71]، الْحَیاةَ
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 478
الدُّنْیا [72]، خَیْرٌ وَ أَبْقی [73]، وَ لا یَحْیی [74]، الْعُلی [75]، تَزَكَّی [76]، وَ لا تَخْشی [77]، وَ ما هَدی [79]، وَ السَّلْوی [80]، فَقَدْ هَوی [81]، اهْتَدی [82]، عَنْ قَوْمِكَ یا مُوسی [83]، لِتَرْضی [84]، إِلَیْنا مُوسی [91]، إِلَّا إِبْلِیسَ أَبی [116]، فَتَشْقی [117]، وَ لا تَعْری [118]، وَ لا تَضْحی [119]، لا یَبْلی [120]، فَغَوی [121]، وَ هَدی [122]، مِنِّی هُدیً [123]، وَ لا یَشْقی [123]، أَعْمی [125]، تُنْسی [126]، أَشَدُّ وَ أَبْقی [127]، لِأُولِی النُّهی [128]، مُسَمًّی [129]، تَرْضی [130]، الدُّنْیا [131]، خَیْرٌ وَ أَبْقی [131]، لِلتَّقْوی [132]، فِی الصُّحُفِ الْأُولی [133]، وَ نَخْزی [134]، وَ مَنِ اهْتَدی [135].
و منها فی سورة النجم خمس و خمسون آیة و هی قوله تعالی: هَوی [1]، وَ ما غَوی [2]، الْهَوی [3]، یُوحی [4]، الْقُوی [5]، فَاسْتَوی [6]، الْأَعْلی [7]، فَتَدَلَّی [8]، أَوْ أَدْنی [9]، ما أَوْحی [10]، ما رَأی [11]، ما یَری [12]، أُخْری [13]، الْمُنْتَهی [14]، الْمَأْوی [15]، ما یَغْشی [16]، وَ ما طَغی [17]، الْكُبْری [18]، وَ الْعُزَّی [19]، الْأُخْری [20]، الْأُنْثی [21]، ضِیزی [22]، الْهُدی [23]، ما تَمَنَّی [24]، وَ الْأُولی [25]، وَ یَرْضی [26]، الْأُنْثی [27]، الدُّنْیا [29]، بِمَنِ اهْتَدی [30]، بِالْحُسْنَی [31]، بِمَنِ اتَّقی [32]، الَّذِی تَوَلَّی [33]، وَ أَكْدی [34]، فَهُوَ یَری [35]، مُوسی [36]، وَفَّی [37]، أُخْری [38]، سَعی [39]، یُری [40]، الْأَوْفی [41]، الْمُنْتَهی [42]، وَ أَبْكی [43]، وَ أَحْیا [44]، وَ الْأُنْثی [45]، تُمْنی [46]، الْأُخْری [47]، وَ أَقْنی [48]، الشِّعْری [49]، الْأُولی [50]، أَبْقی [51]، وَ أَطْغی [52]، أَهْوی [53]، ما غَشَّی [54]، تَتَماری [55]، الْأُولی [56].
و منها فی سورة المعارج أربع آیات، و هی قوله تعالی لَظی [15]، لِلشَّوی [16]، وَ تَوَلَّی [17]، فَأَوْعی [18].
و منها فی سورة القیامة عشر آیات، و هی: وَ لا صَلَّی [31]، وَ تَوَلَّی [32]، یَتَمَطَّی [33]، أَوْلی [34]، فَأَوْلی [34]، سُدیً [36]، یُمْنی [37]، فَسَوَّی [38]، وَ الْأُنْثی [39]، الْمَوْتی [40].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 479
و منها فی سورة «و النازعات» إحدی و ثلاثون آیة، و هی قوله تعالی: حَدِیثُ مُوسی [15]، طُویً [16]، إِنَّهُ طَغی [17]، تَزَكَّی [18]، فَتَخْشی [19]، الْكُبْری [20]، وَ عَصی [21]، یَسْعی [22]، فَنادی [23]، الْأَعْلی [24]، وَ الْأُولی [25]، یَخْشی [26]، بَناها [27]، فَسَوَّاها [28]، ضُحاها [29]، دَحاها [30]، وَ مَرْعاها [31]، أَرْساها [32]، الْكُبْری [34]، ما سَعی [35]، یَری [36]، مَنْ طَغی [37]، الدُّنْیا [38]، الْمَأْوی [39]، الْهَوی [40]، الْمَأْوی [41]، مُرْساها [42]، ذِكْراها [43]، مُنْتَهاها [44]، یَخْشاها [45]، ضُحاها [46].
و منها فی سورة «عبس» عشر آیات، و هی قوله تعالی: وَ تَوَلَّی [1]، الْأَعْمی [2]، یَزَّكَّی [3]، الذِّكْری [4]، اسْتَغْنی [5]، تَصَدَّی [6]، یَزَّكَّی [7]، یَسْعی [8]، یَخْشی [9]، تَلَهَّی [10].
و منها فی سورة الأعلی تسع عشرة آیة، و هی قوله تعالی: الْأَعْلَی [1]، فَسَوَّی [2]، فَهَدی [3]، الْمَرْعی [4]، أَحْوی [5]، فَلا تَنْسی [6]، وَ ما یَخْفی [7]، لِلْیُسْری [8]، الذِّكْری [9]، مَنْ یَخْشی [10]، الْأَشْقَی [11]، الْكُبْری [12]، وَ لا یَحْیی [13]، مَنْ تَزَكَّی [14]، فَصَلَّی [15]، الدُّنْیا [16]، وَ أَبْقی [17]، الْأُولی [18]، وَ مُوسی [19].
و منها فی سورة «و الشمس» خمس عشرة آیة، و هی قوله تعالی: وَ ضُحاها [1]، تَلاها [2]، جَلَّاها [3]، یَغْشاها [4]، بَناها [5]، طَحاها [6]، سَوَّاها [7]، وَ تَقْواها [8]، زَكَّاها [9]، دَسَّاها [10]، بِطَغْواها [11]، أَشْقاها [12]، وَ سُقْیاها [13]، فَسَوَّاها [14]، عُقْباها [15].
و منها فی سورة «و اللیل» إحدی و عشرون آیة، و هی قوله تعالی: یَغْشی [1]، تَجَلَّی [2]، وَ الْأُنْثی [3]، لَشَتَّی [4]، وَ اتَّقی [5]، بِالْحُسْنی [6]، لِلْیُسْری [7]، وَ اسْتَغْنی [8]، بِالْحُسْنی [9]، لِلْعُسْری [10]، تَرَدَّی [11]، لَلْهُدی [12]، وَ الْأُولی [13]، تَلَظَّی [14]، الْأَشْقَی [15]، وَ تَوَلَّی [16]، الْأَتْقَی [17]، یَتَزَكَّی [18]، تُجْزی [19]، الْأَعْلی [20]، یَرْضی [21].
و منها فی سورة «و الضحی» ثمانی آیات، و هی قوله تعالی: وَ الضُّحی [1]، سَجی [2]، قَلی [3]، الْأُولی [4]، فَتَرْضی [5]، فَآوی [6]،
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 480
فَهَدی [7]، فَأَغْنی [8].
و منها فی سورة العلق تسع آیات، و هی قوله تعالی: لَیَطْغی [6]، اسْتَغْنی [7]، الرُّجْعی [8]، یَنْهی [9]، صَلَّی [10]، الْهُدی [11]، بِالتَّقْوی [12]، وَ تَوَلَّی [13]، یَری [14].
فهذه جملة الآی المذكورة و المختلف فیه منها خمس، و هی قوله تعالی فی طه:
مِنِّی هُدیً [123]، و زَهْرَةَ الْحَیاةِ الدُّنْیا [131] یعدهما المدنیان، و المكی، و البصری، و الشامی، و لم یعدهما الكوفی.
و قوله تعالی فی «و النجم»: إِلَّا الْحَیاةَ الدُّنْیا [29] عدها الكل إلا الشامی.
و قوله تعالی فی «و النازعات»: فَأَمَّا مَنْ طَغی [37] فعدها البصری، و الشامی، و الكوفی، و لم یعدها المدنیان و لا المكی.
و قوله تعالی فی العلق: أَ رَأَیْتَ الَّذِی یَنْهی [9] عدها كلهم إلا الشامی.
فأما قوله تعالی فی طه: وَ لَقَدْ أَوْحَیْنا إِلی مُوسی [77] فلم یعدها أحد إلا الشامی.
و قوله تعالی: وَ إِلهُ مُوسی [طه: 88] لم یعدها أحد إلا المدنی الأول، و المكی، و قوله تعالی فی النجم عَنْ مَنْ تَوَلَّی [29] لم یعدها أحد إلا الشامی؛ فلذلك لم أذكرها إذ لیست معدودة فی المدنی الأخیر، و لا فی البصری.
فإذا تقرر هذا: فاعلم أن قوله تعالی فی طه لِتُجْزی كُلُّ نَفْسٍ [15]، و فَأَلْقاها [20]، و أَعْطی كُلَّ شَیْ‌ءٍ [50]، و فَتَوَلَّی فِرْعَوْنُ [60]، قالَ لَهُمْ مُوسی [61]، و قالُوا یا مُوسی [65]، و فَرَجَعَ مُوسی [86]، و وَ إِلهُ مُوسی [88]، و وَ عَصی آدَمُ [121]، و ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ [122]، و حَشَرْتَنِی أَعْمی [125].
و قوله تعالی فی و النجم إِذْ یَغْشَی [16]. و عَنْ مَنْ تَوَلَّی [29]، و وَ أَعْطی قَلِیلًا [34]، و ثُمَّ یُجْزاهُ [41]، و أَغْنی [48]، و فَغَشَّاها [54].
و قوله تعالی فی القیامة أَوْلی لَكَ فَأَوْلی [34]، و ثُمَّ أَوْلی لَكَ.
و قوله تعالی فی «و اللیل» مَنْ أَعْطی [5]، و لا یَصْلاها [15]- فإن أبا عمرو یفتح جمیع ذلك؛ لأنه لیس برأس آیة ما عدا «موسی» فإنه یقرؤه علی أصله بین اللفظین، و ورش یفتح جمیعه أیضا من طریق الشیخ و الإمام، و كذلك یفتح فَأَمَّا مَنْ طَغی [37] فی «النازعات»؛ إذ لیس برأس آیة عند المدنی، و یقرأ جمیعه بین اللفظین من طریق الحافظ علی أصله فی ذوات الیاء، و كذلك فَأَمَّا مَنْ طَغی فی
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 481
«و النازعات» [الآیة: 37]؛ لأنه مكتوب بالیاء، و یترجح له الفتح فی قوله تعالی:
لا یَصْلاها فی و «اللیل» [الآیة: 15]، علی ما یأتی فی باب اللامات بحول الله- تعالی.
و حمزة و الكسائی فی جمیع ذلك علی أصلهما فی الإمالة، و الله أعلم.
و أرجع الآن إلی لفظ الحافظ، قال- رحمه الله-: «فالأسماء نحو ...» كذا إلی قوله: «مما ألفه للتأنیث».
[لا شك أن قوله: «مما ألفه للتأنیث»] «1» یستوعب الأمثلة التی ذكر من قوله:
«الموتی» إلی «ضیزی»، و یحتمل مع ذلك أن یستوعب عنده «موسی» و «عیسی» و «یحیی»؛ لأنه نص فی «الموضح» علی أن القراء یقولون: إن «یحیی»: «فعلی» و «موسی»: «فعلی»، و «عیسی»: «فعلی» و ذكر هناك اختلاف النحویین فیها.
و اعلم أن سیبویه- رحمه الله- نص علی أن موسی: «مفعل»، و أنه ینصرف فی النكرة، و أن «عیسی» «فعلی» إلا أن الیاء ملحقة ببنات الأربعة بمنزلة «معزی».
قال الحافظ- رحمه الله-: «و كذلك «الهدی ...» إلی قوله: «من الفصول».
اعلم أن الألف فی جمیع هذه الأمثلة فی موضع اللام من الكلمة، و هی منقلبة عن یاء إلا فی «الضحی» فإنها منقلبة عن واو.
قال: «و كذلك «الأدنی» إلی قوله: من الصفات».
اعلم أن أصل اللام فی «الأدنی» و «أزكی» و «الأعلی»: واو؛ لأنه من «دنوت» و «زكوت» و «علوت»، فلما زیدت الهمزة فی أوله [و] صار أربعة أحرف قلبت واوه یاء، بدلیل قولهم فی التثنیة: «الأدنیان»، و «الأزكیان»، و «الأعلیان». و أما «أولی» فلامه یاء، بدلیل كون فائه واوا؛ فلو كانت لامه واوا: لكان من باب سلس، و هو قلیل.
فأما قولهم: الأولویة، فلا حجة فیه علی أن أصله الواو، بل هی منقلبة عن الیاء، كما قلبت فی رحویّ؛ هربا من ثقل اجتماع ثلاث یاءات و كسرة، [و الله- عز جلاله- أعلم و أحكم] «2».
قال الحافظ- رحمه الله-: «و الأفعال نحو ... كذا»، و ذكر فیها «زكّی».
______________________________
(1) سقط فی أ.
(2) فی ب: و الله أعلم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 482
یرید المشدد فی قوله- تعالی-: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها [الشمس: 9] و لیس فی القرآن غیره.
فأما «ما زكا» الخفیفة، فلا یمیله أحد كما یأتی بعد بحول الله- تبارك و تعالی- لأنه ثلاثی من ذوات الواو.
و ذكر «نجّی» یرید المشدد، كقوله- تعالی-: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی نَجَّانا [المؤمنون:
28]، و فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَی الْبَرِّ [العنكبوت: 65].
فأما «نجا» الخفیف فلا یمیله أحد؛ لأنه ثلاثی من ذوات الواو، و هو قوله- تعالی-: وَ قالَ الَّذِی نَجا مِنْهُما [یوسف: 45] فی سورة یوسف علیه السلام.
و قوله- رحمه الله-: «مما ألفه منقلبة عن یاء» إنما صارت اللام فی «زكی» و «نجّی» یاء بعد التشدید؛ لأنها انتقلت بذلك إلی بنات الأربعة، فأما قبل ذلك فأصله الواو، بدلیل قولك: نجوت، و زكوت، كما تقدم فی «الأدنی» و «الأعلی»، و كذلك «ترضی» أصله الواو؛ لأنه من «الرضوان»، فلما لحقه حرف المضارعة زاد بذلك علی الثلاثة، و إنما قیل فی الماضی «رضی» بالیاء؛ لأجل الكسرة كما تقول: ثیاب، فی جمع ثوب.
و ذكر «أنی» و «متی» و «بلی» و «عسی».
أما «عسی»: فألفها منقلبة عن یاء، بدلیل «عسیتم».
و أما أخواتها، فلا یدخلها تصریف و لا اشتقاق؛ لأن «بلی» حرف، و «متی» و «أنّی» اسمان غیر متمكنین؛ لتضمنهما معنی حرف الاستفهام أو حرف الشرط فتعذر الحكم علی ألفهما بالانقلاب عن الیاء لذلك، لكن أمیلت ألفاتها؛ لشبهها بألفات الأسماء الممالة؛ فكأن «متی» یشبه «فتی»، و «أنّی» یشبه «شتّی».
و أما «بلی»؛ فلأنها كافیة فی الجواب بانفرادها، یقول القائل: أ لم یقم زید؟
فتقول: بلی، كما یقول: من قام؟ فتقول: زید، و هی مع هذا ثلاثیة علی عدد أقل أبنیة الأسماء المتمكنة؛ فلها بذلك مزیة علی سائر الحروف.
و قال الكوفیون: إن ألفها للتأنیث، و أصلها: «بل»؛ فأمیلت لذلك.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و كذلك ما أشبهه مما هو مرسوم فی المصاحف بالیاء».
الهاء فی «أشبهه» راجعة إلی جمیع ما ذكر، و لا وجه لتخصیصه ب «عقبی»، و لا بما ذكر معها، و الله أعلم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 483
قال الحافظ- رحمه الله-: «ما خلا خمس كلم و هی «حتی» و «لدی» و «علی» و «إلی» و «ما زكی»؛ فإنهن مفتوحات بإجماع».
أما «حتی» فكتبت بالیاء فی أكثر المصاحف.
و حكی الحافظ فی «الموضح»: أنها فی بعضها بالألف، و علل كتبها بالیاء بوقوع الألف فیها رابعة و هو موضع تختص به الیاء، و بأنها أشبهت ألف «شتّی».
و ذكر المهدوی- رحمه الله- أنها كتبت بالیاء إذا دخلت علی الظاهر نحو «حتی زید» و بالألف إذا دخلت علی المضمر نحو «حتاك»؛ فرقا بین الحالین.
و ذكر أنها لم یملها أحد إلا الكسائی فی روایة نصیر «1»، و أنكر سیبویه إمالتها، و یمكن أن یحمل إنكاره علی فصیح الكلام و كثیره، و تحمل روایة الكسائی علی القلیل «2»، [و الله تبارك و تعالی أعلم] «3».
و علل الحافظ إمالتها بما علل به كتبها بالیاء.
و أما «لدی» فوقعت فی القرآن فی موضعین.
أحدهما: فی قوله- تعالی- (و ألفیا سیّدها لدا الباب) فی یوسف- علیه السلام- [الآیة: 25] و هذه كتبت بالألف.
______________________________
(1) نصیر بن یوسف بن أبی نصر، أبو المنذر الرازی ثم البغدادی النحوی، أستاذ كامل ثقة، أخذ القراءة عرضا عن- المستنیر و الغایة، و المبهج، و جامع البیان، و الكفایة، و الكامل- الكسائی و هو من جلة أصحابه و علمائهم و له عنه نسخة و أبی محمد الیزیدی، روی عنه القراءة- المبهج، جامع البیان، الكامل- محمد بن عیسی الأصبهانی و- جامع البیان و الكامل- و داود بن سلیمان و عبد الله بن محمد بن الحسین المقانعی و- المستنیر و الغایة، و المبهج، و جامع البیان، و الكفایة و الكامل- علی بن أبی نصر النحوی و- الغایة، المبهج، جامع البیان، الكامل- محمد بن إدریس الأشعری و- المبهج- محمد بن نصیر و- جامع البیان- الحسین بن شعیب و- المبهج، الكفایة، الكامل- أحمد بن محمد بن رستم شیخ عبد الواحد بن عمر و هو آخر من بقی من أصحابه.
قال أبو عبد الله الحافظ: كان من الأئمة الحذاق لا سیما فی رسم المصحف و له فیه تصنیف.
قلت- ابن الجزری-: مصنفه هذا رواه، و قال الأستاذ أبو محمد سبط الخیاط: و كان ضابطا عالما بمعنی القراءات و نحوها و لغتها انتهی. مات فی حدود الأربعین و مائتین.
ینظر غایة النهایة (2/ 340- 341).
(2) فی أ: التعلیل.
(3) فی ب: و الله أعلم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 484
و الثانی: فی قوله- تعالی-: إِذِ الْقُلُوبُ لَدَی الْحَناجِرِ فی غافر [الآیة: 18]، و هذه كتبت بالیاء، و یمكن تعلیل ذلك بأن العرب تقلب ألفها مع المضمر یاء نحو (لدیه)، لا سیما و المضمرات فی أكثر أبواب العربیة ترد الأشیاء إلی أصولها؛ فكأن أصل ألفها الیاء لانقلابها مع المضمر.
و هذا التعلیل یطرد فی: «علی» و «إلی».
و یمكن أن یعلل كتب هذه الكلم الأربع بالیاء بأنهم قصدوا الإشعار بعملها و هو الخفض، و الیاء من جنس الكسرة، كما قیل فی بناء التاء علی الكسر: إنه إشعار بعملها.
و قال الحافظ: كتبوا «لدی» بالیاء؛ للفرق بینها و بین اسم الإشارة الذی دخلت علیه لام التوكید فی قولك: لذا زید.
قال: و كتبوا «علی» التی تخفض «1» بالیاء للفرق بینها و بین «علا» التی هی فعل فی قوله- تعالی-: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِی الْأَرْضِ [القصص: 4] و وَ لَعَلا بَعْضُهُمْ عَلی بَعْضٍ [المؤمنون: 91]، و كتبوا «إلی» بالیاء للفرق بینها و بین «إلّا» المشددة اللام.
قال: «و قد قرئ» إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ و (إلی أن تقطّع قلوبهم) [التوبة:
110] و الفرق بینهما فی صورة الیاء و الألف.
و أما ما زَكی مخففا فی النور خاصة [الآیة: 21]، فذكر الحافظ: أنه رسم فی كل المصاحف بالیاء و ذكر أنه أماله الكسائی، و أنها قراءته القدیمة، و حكاها من أربعة طرق.
فإذا ثبت هذا- أمكن أن یعلل كتبها بالیاء لأجل الإمالة، و الله سبحانه أعلم و أحكم.
و قوله: «فإنهن مفتوحات بإجماع».
یرید: بإجماع من الطرق المشهورة التی استقر علیها النقل المستعمل فی السبع.
و إنما قلت هذا؛ لما ذكر من الإمالة فی «حتی» و «ما زكی».
و قوله: «و كذلك جمیع ذوات الواو».
یرید: مفتوحات بإجماع.
______________________________
(1) فی أ: تختص.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 485
و قوله: «ما لم یقع شی‌ء من ذلك بین ذوات الیاء فی سورة أواخر آیها علی یاء».
یرید السور الإحدی عشر التی أولها طه، و آخرها العلق كما تقدم، و الذی وقع من ذوات الواو فی ذلك مما هو ثلاثی سبعة ألفاظ، و هی: «و الضحی»، و «العلی» و «القوی» و «دحاها» و «تلاها» و «طحاها» و «سجی» كما تقدم، أمیلت هذه الألفاظ فی مذهب من أمالها؛ لتناسب ما قبلها و ما بعدها من رءوس الآی، كما تقدم ما فیها من الخلاف من طریق الشیخ، و الإمام.
و قوله: «أو تلحقه زیادة».
یرید: فتصیر حروفه أكثر من ثلاثة، و ذكر الأمثلة نحو: «تدعی» و «تتلی» و ذكر فیها «نجّی» و «زكّی» بتشدید الجیم و الكاف؛ لأنهما صارا بالتشدید رباعیین.
قال: «فإن الإمالة فیه سائغة».
یرید فی هذا الصنف الذی أصله الواو، ثم صار بالزیادة أكثر من ثلاثة أحرف.
قال: «لانتقاله بالزیادة إلی ذوات الیاء».
هذا تعلیل لجواز إمالته.
قال: «و تعرف ... كذا» إلی آخره.
فذكر أن الذی تعرف به أصل الألف فی الأسماء التثنیة، و تعرف ذلك أیضا بالفعل إن كان الاسم مصدرا نحو بِالْهُدی، لأنك تقول فی الفعل: هدیت، و بالمرة الواحدة نحو: الهدایة، و كذلك العصا تقول فی الفعل: عصوت بالعصا، أی ضربت بها، و كذلك «الأبوة» تدل علی أن ألف أَبانا [یوسف: 8] و أَبا أَحَدٍ [الأحزاب: 40] بدل من الواو.
و ذكر فی تعریف الفعل أن ترده إلی نفسك، و كذلك إذا رددته إلی ضمیر المخاطب، أو ضمیر الغائب، أو نون جماعة المؤنث، نحو: «غزوت، و رمیت، و الزیدان رمیا، و غزوا، و الهندات رمین و غزون»، و كذلك یعرف بالمضارع، و بالمصدر نحو «یرمی رمیا، و یغزو غزوا، [و الله- جل جلاله المستعان- أعلم] «1».
قال- رحمه الله-: «و قرأ أبو عمرو ما كان فیه راء بعدها یاء بالإمالة».
______________________________
(1) فی ب: و الله أعلم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 486
یرید نحو: الثَّری و تَرَی، و قد تقدم حصر تلك الألفاظ، و أنه استثنی منها یا بُشْری [یوسف: 19] و تَتْرا [المؤمنون: 44]، و سیذكرها الحافظ فی فرش الحروف.
و قال- رحمه الله-: «و ما كان رأس آیة ...» إلی آخره.
و قد تقدم ذكر هذا و حصره، و أن مقتضی قول الشیخ أن یقرأ لأبی عمرو:
الْعُلی [طه: 40]، و الْقُوی [النجم: 5]، و الضُّحی [الضحی: 1] و وَ ضُحاها [الشمس: 1] بالفتح.
قال: «و قرأ ورش جمیع ذلك بین اللفظین».
یرید [جمیع] «1» ما تضمنه الفصل من أول الباب، كانت فیه راء أو لم تكن.
و قد تقدم أن الشیخ و الإمام یوافقان علی ذوات الراء علی رءوس الآی فی السور العشر، ما «2» لم تكن الألف للتأنیث، أو منقلبة عن الواو فی الثلاثی خاصة، و تقدم ذكر ما یستثنی لورش من طریق الحافظ، و سیأتی بعد فی كلامه.
قال: «إلا ما كان من ذلك فی سورة أواخر آیها علی «هاء ألف» فإنه أخلص الفتح فیه». یرید رءوس الآی فی سورة الشمس، و الآیات التی فی «و النازعات» سوی ذِكْراها [النازعات: 43]، و سیذكرها الحافظ فی مواضعها.
قال: «علی خلاف بین أهل الأداء فی ذلك».
ذكر فی «إیجاز البیان» فی باب ما قرأه ورش بإخلاص الفتح أنه قرأ لورش هذه الآیات التی فی سورة و الشمس، و التی فی سورة و النازعات بالفتح علی أبی الحسن، و بین اللفظین علی الخاقانی و أبی الفتح، و ذكر بین بین هو قیاس قول أبی یعقوب و غیره، و مع هذا فاعتمادی فی كتاب «التیسیر» علی الفتح كما هو مذكور فی السورتین فی فرش الحروف.
و ذكر فی باب ما یقرؤه ورش بین اللفظین من ذوات الیاء مما لیس فیه راء قبل الألف سواء اتصل به ضمیر أو لم یتصل، مثل ذلك أنه قرأه علی أبی الحسن بإخلاص الفتح، و علی أبی القاسم و أبی الفتح و غیرهما بین اللفظین، و رجح فی هذا الفصل بین اللفظین، و قال: «و به آخذ» فهذا هو الاختلاف الذی ذكر فی «التیسیر»
______________________________
(1) سقط فی أ.
(2) فی أ: و ما.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 487
عن أهل الأداء، و الله سبحانه أعلم.
قال: «هذا ما لم یكن فی ذلك راء».
أحرز بهذا القید قوله- تعالی-: ذِكْراها فی و النازعات [الآیة: 43]، و لا خلاف عن ورش أنه یقرؤه بین اللفظین من أجل الراء، كما تقدم.
قال: «و هذا الذی لا یوجد نص بخلاف عنه».
یرید أنه لم یرو أحد عن ورش فی ذوات الراء إلا بین اللفظین.
و اعلم أن حاصل كلامه فی هذا الكتاب أن مجموع الألفاظ التی اشتمل علیها هذا الفصل علی قسمین فی مذهب ورش:
قسم لا خلاف أنه بین اللفظین و هو ذوات الراء.
و قسم فیه خلاف، نقل فیه الفتح و بین اللفظین، و هو ما عدا ذوات الراء، ثم هذا القسم عنده، علی قسمین:
قسم عول فیه علی الأخذ بالفتح و هو ما اتصل به ضمیر فی «و النازعات» و الشمس، و كذلك هُدایَ فی البقرة [الآیة: 38] و طه [الآیة: 123]، و وَ مَحْیایَ فی آخر الأنعام [الآیة: 162]، و مَثْوایَ فی سورة یوسف علیه السلام [الآیة: 23].
و قسم عول فیه علی الأخذ ببین اللفظین و هو ما عدا ذلك من سائر رءوس الآی و غیرها سواء اتصل به ضمیر المؤنث أو لم یتصل، و الذی اتصل به ضمیر المؤنث من ذلك مثل قوله- تعالی- فی البقرة: قِبْلَةً تَرْضاها [الآیة: 144].
و فی النساء: وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها [الآیة: 171].
و فی العقود وَ مَنْ أَحْیاها [المائدة: 32].
و فی الأعراف أَیَّانَ مُرْساها [الآیة: 187] و فَلَمَّا تَغَشَّاها [الآیة: 189].
و فی سورة یونس- علیه السلام-: أَتاها أَمْرُنا [الآیة: 24].
و فی سورة هود- علیه السلام-: وَ مُرْساها [الآیة: 41].
و فی سورة یوسف- علیه السلام-: تُراوِدُ فَتاها [الآیة: 30] و قَضاها [الآیة: 68].
و فی الكهف: أَحْصاها [الآیة: 49].
و فی سورة «كهیعص»: فَناداها [الآیة: 24].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 488
و فی سورة طه: فَلَمَّا أَتاها [الآیة: 11] و فَأَلْقاها [الآیة: 20].
و فی القصص: فَلَمَّا أَتاها [الآیة: 30]، و وَ لا یُلَقَّاها [الآیة: 80].
و فی «الم» السجدة: هُداها [الآیة: 13].
و فی «فصلت»: یُلَقَّاها [الآیة: 35] و یُلَقَّاها [الآیة: 35] و أَحْیاها [الآیة: 39].
و فی النجم: فَغَشَّاها [الآیة: 54]، و لیس برأس آیة.
و فی الطلاق: إِلَّا ما آتاها [الآیة: 7].
هذه الحروف كلها ظاهر كلام الحافظ أنه یأخذ فیها ببین اللفظین لورش، فأما یَصْلاها فی الإسراء [الآیة: 18] و فی «و اللیل إذا یغشی» [الآیة: 15]، فمقتضی قوله فی باب اللامات اختیار الفتح من أجل تغلیظ اللام.
و أما رَآها فی النمل [الآیة: 10] و القصص [الآیة: 31]، فخارج عن هذه الأمثلة، و ملحق بباب ذوات الراء، و إن لم تكن الراء قبل آخره فی التقدیر، و له حكم اختص به من إمالة الفتحتین، و موافقة أبی بكر و ابن ذكوان علی الإمالة، كما هو مذكور فی سورة الأنعام.
و ذكر الحافظ عن أبی عمرو إمالة أَعْمی الأول فی الإسراء [الآیة: 72] دون الثانی «1»، و علته أنه أراد التفرقة بینهما لافتراقهما فی التقدیر؛ إذ التقدیر: و من كان فی الدنیا أعمی؛ فهو فی الآخرة أشد عمی، و یقوی هذا المفهوم قوله- تعالی-:
وَ أَضَلُّ سَبِیلًا، ف «أعمی» الثانی علی هذا فی حكم الموصول بحرف الجر؛ إذ
______________________________
(1) و أمال الأخوان و أبو بكر (أعمی) فی الموضعین من هذه السورة، و الباقون فتحوها، فالإمالة لكونهما من ذوات الیاء، و التفخیم؛ لأنه الأصل. و أما أبو عمرو فإنه أمال الأول؛ لأنه لیس «أفعل» تفضیل، فألفه متطرفة لفظا و تقدیرا، و الأطراف محل التغییر غالبا، و أما الثانی: فإنه للتفضیل؛ و لذلك عطف علیه. (و أضل) فألفه فی حكم المتوسطة؛ لأن «من» الجارة للمفضول كالملفوظ بها. و هی شدیدة الاتصال بأفعل التفضیل، فكأن الألف وقعت حشوا، فتحصنت عن التغییر، قلت: كذا قدرة الفارسی، و الزمخشری. و قد رد هذا بأنهم أمالوا وَ لا أَدْنی مِنْ ذلِكَ [المجادلة: 7] مع التصریح ب (من) فلأن یمیلوا (أعمی) مقدرا معه (من) أولی و أحری، و هو مقید باتباع الأثر، و قد فرق بعضهم بأن (أعمی) فی (طه) من عمی البصر، و فی الإسراء من عمی البصیرة؛ و لذلك فسروه هنا بالجهل، فأمیل هنا، و لم یمل هناك؛ للفرق بین المعنیین.
ینظر: الدر المصون (4/ 410).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 489
المعنی فهو فی الآخرة أعمی منه فی الدنیا فهو من باب المفاضلة و «أعمی» الأول من باب «أفعل» الذی مؤنثه «فعلاء»، فخص الأول بالإمالة؛ لأن ألفه طرف فی اللفظ و التقدیر، و فتح الثانی؛ لأن ألفه فی تقدیر المتوسط لما یقتضیه من تعلق المجرور به بسبب ما فیه من معنی المفاضلة، و خص هذا الموضع دون غیره مما فی القرآن من لفظ (أعمی) لما عرض له هنا من قصد التفرقة لیشعر باختلاف التقدیر فیهما حیث تكرر اللفظ، و اختلف التقدیر، و لم یعرض مثل هذا فی غیر هذا الموضع من القرآن، [و الله- تبارك اسمه و تعالی جده- أعلم و أحكم] «1».
هذا تعلیل الحافظ فی «الموضح»، و علل الشیخ إمالة الأول دون الثانی، بأن الثانی اسم فی موضع المصدر، یرید أنه فی تقدیر: أشد عمی، و الألف فی «عمی» إنما هی بدل من التنوین فی قول جماعة من النحویین؛ فلا أصل لها فی الإمالة؛ إذ لیست منقلبة عن یاء، بخلاف ألف (أعمی) الأولی.
و تعلیل الحافظ أظهر، و الله سبحانه أعلم.
و ذكر الحافظ: یا وَیْلَتی، و قد تقدم القول فیه.
و طریق أهل العراق، هو طریق أبی عمر الدوری و طریق الرقی هو طریق السوسی.
و قوله: ( «و أنّی» إذا كانت استفهاما).
تحرز من «أنّا» الذی أصله «أننا»؛ كقوله- عز و جل-: أَ فَلا یَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِی الْأَرْضَ [الأنبیاء: 44] أَمْ یَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ [الزخرف: 80].
و جمیع ما قال من قوله: ( «أنّی» و أمال أبو بكر ...) إلی آخر الفصل، فالشیخ، و الإمام یوافقانه إلا فی یا أَسَفی فإن الإمام یأخذ فیه ببین اللفظین من طریق الدوری عن أبی عمرو، [و الله- تبارك اسمه و تعالی جده- أعلم] «2».

فصل‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و تفرد الكسائی دون حمزة ... بكذا».
ذكر فیه: «أحیا» إذا نسق بالفاء، أو لم ینسق، و كان ینبغی أن یزید فیه: أو نسق
______________________________
(1) فی ب: و الله أعلم.
(2) فی ب: و الله أعلم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 490
ب «ثم»، أو یقول: إذا لم ینسق بالواو. فهذه العبارة أخصر، و أضبط.
فأما عبارته التی اختارها، فإنه یبقی علیه قوله- تعالی- فی آخر البقرة: ثُمَّ أَحْیاهُمْ [الآیة: 243] مسكوتا عنه؛ لأنه نص هنا علی انفراد الكسائی دون حمزة بإمالة «أحیا» إذا نسق بالفاء، أو لم ینسق، و نص فی آخر الفصل علی اتفاقهما علی إمالة ما نسق بالواو و لم یتعرض لما نسق ب «ثم»، و مثل هذا وقع له فی «المفردات».
فإن قلت: فما مذهبه فیما نسق ب «ثم»؟
فالجواب: أنه قد نص فی «الموضح» علی أن ما نسق ب «ثم»، و ما نسق بالفاء، أو لم ینسق لم یمیله حمزة، و إنما یمیل ما نسق بالواو خاصة.
و ذكر فی هذا الباب الْحَوایا، و قد ذكره فی صدر الباب، و لا یحتاج إلیه هنا، و ذكر وَ الضُّحی [الضحی: 1] و قد ذكر فی أول الباب، فإن كان قصد هنا بالتكریر أن ینبه علی أنه بالألف و اللام و الإضافة متفق علیه فی قراءتهما، فكان ینبغی أن یذكر ضُحًی [الأعراف: 98] المنون، و قد وقع فی الأعراف وسط الآیة [الآیة: 98]، و فی طه رأس آیة [59] و المفهوم أنه یقف لهما فی طه بالإمالة و فی الأعراف بالفتح، و الله تعالی أعلم.
و ذكر «الربا» بالراء المهملة و الباء، و توجد فی بعض النسخ: «الزنا» بالزای المعجمة و النون، و هو تصحیف.
و ذكر إِناهُ وَ لكِنْ [الأحزاب: 53] و لا یحتاج إلی ذكره «و لكن» إلا علی وجه التوكید فی البیان؛ إذ لم یقع (إنیه) فی القرآن إلا فی موضع واحد إلا أن یتوهم المناسبة بما یشبهه فی الصورة نحو «أباه» و «أتاه» و «إیاه».
و قوله: «و قد تقدم مذهب أبی عمرو فی «فعلی»، فی قوة الاستثناء من قوله:
«و فتح الباقون جمیع ذلك»؛ فكأنه قال: إلا أبا عمرو، فإنه قرأ الرُّؤْیَا و الدُّنْیا و الْعُلْیا بین اللفظین؛ لأنها «فعلی».
و قوله: «و مذهب ورش فی ذوات الیاء».
هذا أیضا فی قوة الاستثناء، و الذی یتحصل من قراءة ورش فی ألفاظ هذا الفصل علی مذهب الحافظ أنه یقرأ بین اللفظین وَ أَحْیا و نُحْیِ و یُحْیِ بالألف و النون و الیاء حیث وقعت؛ لأن ألفها منقلبة عن یاء و إن كانت فی الأصل واوا فی الثلاثی؛ بدلیل قولهم: الْحَیَوانُ، لكن لما صارت الكلمة علی أربعة أحرف
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 491
انتقلت «1» إلی الیاء كما تقدم، قال عز جلاله: فَأَحْیَیْنا بِهِ الْأَرْضَ [فاطر: 9] فظهرت الیاء فی موضع اللام. و كذلك: (خطایا) كیفما كان؛ لأن ألفه منقلبة عن یاء، و هو جمع «خطیئة»، و الأصل فی هذا الجمع علی مذهب الخلیل: «خطایئ» بالألف بعد الطاء، و بعد الألف الیاء الزائدة فی: «خطیئة»، و بعد الیاء الهمزة التی هی لام الكلمة؛ فهمزت الیاء لوقوعها بعد ألف زائدة فصار «خطائئ» علی وزن مساجد، ثم قلبت كل واحدة من الهمزتین فجعلت مكان الأخری، فقدمت الهمزة التی هی لام الكلمة، و أخرت الهمزة التی هی منقلبة عن الیاء الزائدة، فعادت إلی أصلها من الیاء؛ إذ لیست الآن بعد ألف، فصار اللفظ: «خطائی» مثل «فعالی»، ثم فتحت الهمزة لتخف، فانقلبت الیاء ألفا؛ لتحركها بعد فتحة، فصار اللفظ «خطاءا»، فاستثقلوا همزة بین ألفین؛ لقرب الألف من الهمزة، فقلبوا الهمزة یاء؛ فصار:
«خطایا» كما تری.
و علی مذهب سیبویه الأصل: خطائی، كما تقدم، ثم همزت الیاء كما تقدم؛ فاستثقلت همزتان فی كلمة فسهلت الثانیة یاء، ثم أعلت كما أعلت فی القول الأول.
و حكی عن الفراء: أن خطایا جمع خطیّة، غیر مهموز، مثل هدیّة.
قال: و لو جمعت «خطیئة» المهموز لقیل: خطاء، و حكی عن الكسائی: أنك لو جمعت المهموز، لأدغمت الهمزة فی الهمزة، كما قلت: دوابّ، فالألف علی جمیع ما تقدم بدل من یاء منقلبة عن همزة علی مذهب الخلیل و سیبویه، و غیر منقلبة علی قول الكوفیین، و كذلك «الرؤیا» مضافا، و غیر مضاف؛ لأن ألفها للتأنیث.
و حكم ألف التأنیث فی مذهب ورش حكم ذوات الیاء.
و تُقاتِهِ، و تُقاةً، ألفهما منقلبة عن یاء؛ لأن الأصل «وقیت» و أبدلت الواو تاء، كما أبدلت فی «تراث» و نحوه.
و هَدانِی و عَصانِی و أَنْسانِیهُ و آتانِی و وَ أَوْصانِی الألف فیها كلها منقلبة عن یاء.
و حكم مَحْیاهُمْ حكم أَحْیَا [المائدة: 32].
و الْعُلْیا و الدُّنْیا مثل الرُّؤْیَا ألفها للتأنیث، و لو ثنیت ما ألفه للتأنیث،
______________________________
(1) فی أ: انقلبت.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 492
لقلبت ألفه یاء.
و مُزْجاةٍ ألفه منقلبة عن یاء تقول: أزجیت.
و ألف إِناهُ منقلبة عن یاء؛ لأنه مصدر: أنی الطعام یأنی إنی، إذا بلغ النضج.
فجمیع هذه الكلم یجب أن تقرأ لورش بین اللفظین، و كذلك وَ الضُّحی و سَجی فی سورة «و الضحی» [الآیتان: 1، 2]، و ضُحًی المنون فی طه [الآیة: 59] خاصة، إذا وقف، و إن كان من ذوات الواو، هذا هو مذهب الحافظ كما تقدم.
فأما ضُحًی فی الأعراف [98]، و هو قوله- تعالی-: ضُحًی وَ هُمْ یَلْعَبُونَ فقیاسه فی الوقف الفتح؛ لأنه ثلاثی من ذوات الواو خارج عن رءوس الآی فی تلك السور.
و أما دَحاها [النازعات: 30] و تَلاها [الشمس: 2] و طَحاها [الشمس: 6] فیقرأ لورش بالفتح؛ لاتصال ضمیر المؤنث بها علی ما تقدم، و كذلك یفتح الرِّبَوا [البقرة: 276] لأنه ثلاثی من ذوات الواو غیر واقع فی رءوس الآی.
و كذلك كِلاهُما [الإسراء: 23] إن قدرت ألفها للتثنیة علی قول الكوفیین، فلا أصل لها فی الیاء، و إن قدرت ألفها منقلبة عن واو؛ لأن الأصل «كلو» مثل «ربو» فلا وجه لإمالتها أیضا فی مذهب ورش.
فهذه خمس كلم یجب أن تقرأ لورش بالفتح، و لم یبق من ألفاظ هذا الفصل إلا مَرْضاتِ [البقرة: 207]، و القیاس علی مذهب الحافظ جواز إمالتها لورش بین اللفظین؛ لأنه زائد علی ثلاثة أحرف، و إن كان أصله من الواو بدلیل «الرضوان» إلا أن الحافظ نص فی «التلخیص» و «إیجاز البیان» و «الموضح» علی أنه لورش بالفتح، و هذا یقتضی أنه نقض فیه أصله الذی یقتضیه قیاسه.
و كل ما ذكر فی هذا الفصل، فالشیخ و الإمام یوافقانه علیه إلا فی مذهب ورش فإنهما یأخذان له بالفتح كما تقدم، [و الله- جل جلاله و تقدست أسماؤه- أعلم] «1».

فصل‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و تفرد الكسائی أیضا فی روایة الدوری ... بكذا».
اعلم أن كل ما ذكر فی هذا الفصل فإن الشیخ و الإمام یوافقانه علیه، إلا ما أذكره
______________________________
(1) فی ب: و الله أعلم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 493
لك الآن، فمن ذلك: وَ الْجارِ [النساء: 36] و جَبَّارِینَ [المائدة: 22] و مَنْ أَنْصارِی إِلَی اللَّهِ [الصف: 14].
الاختیار فتحها لورش من طریق الشیخ، و بین اللفظین من طریق الإمام، و التفصیل من طریق الحافظ، فیوافق الشیخ فی أَنْصارِی [الصف: 14] و یوافق الإمام فی جَبَّارِینَ [المائدة: 22] و وَ الْجارِ [النساء: 36].
و من ذلك رُؤْیاكَ [یوسف: 5] مذهب الشیخ و الإمام فتحها لورش.
و من ذلك یُوارِی و فَأُوارِیَ فی العقود [المائدة: 31] مذهب الشیخ و الإمام فتحهما للجماعة، و للحافظ فیهما الوجهان، فی روایة الدوری عن الكسائی كما تری.
و لا خلاف فی فتح یُوارِی فی الأعراف [الآیة: 26] و الله- جلت قدرته- أعلم] «1».
و قد حصل من كلامه فی ثلاثة مواضع من هذا الفصل: أن ورشا یفتح هُدایَ فی البقرة [الآیة: 38] و طه [الآیة: 123]، و وَ مَحْیایَ فی الأنعام [الآیة: 162]، و مَثْوایَ فی سورة یوسف علیه السلام [الآیة: 23].
الموضع الأول: قوله فی أول الفصل: «و تفرد الكسائی فی روایة الدوری ... بكذا».
فأطلق القول بالتفرد؛ فلزم أن أبا الحارث، و حمزة، و ورشا، و أبا عمرو و غیرهم یقرءون جمیع ما فی هذا الفصل بالفتح إلا حیث یستثنی، و هذا بخلاف قوله فی الفصل قبل هذا: «و تفرد الكسائی دون حمزة».
فقید التفرد بدون حمزة خاصة، و ذلك یقتضی أن حمزة یفتح كل ما أمال الكسائی هناك، إلا حیث یستثنی، و أن غیر حمزة مسكوت عنه فیجری مذهب كل واحد من باقی القراء فی ذلك الفصل علی ما یقتضیه أصله؛ و لذلك قال فی آخره: «و قد تقدم مذهب أبی عمرو فی «فعلی» و مذهب ورش فی ذوات الیاء».
الموضع الثانی: قوله: «و فتح الباقون ذلك كله»، فهذا نص یقتضی أن ورشا و أبا عمرو، و غیرهما یفتحون جمیع ما اشتمل علیه الفصل.
الموضع الثالث: قوله: «إلا قوله: رُؤْیاكَ فإن أبا عمرو و ورشا یقرءانه بین بین
______________________________
(1) فی ب: و الله أعلم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 494
علی أصلهما ...» إلی آخر الفصل، فنص علی القدر المستثنی، و بقی هُدایَ و وَ مَحْیایَ و مَثْوایَ غیر مستثنی؛ فلزم أن ورشا لا یمیلها، و لیس فی كلامه فی «إیجاز البیان» و لا فی «التمهید» و لا فی «التلخیص» و لا فی «الموضح» فتح هذه الألفاظ لورش، و إنما حاصل قوله فیها: إمالة بین اللفظین لورش.
فظهر من جمیع ما تقدم أنه اختلف قوله فی هذه الكلمات، و أن مذهبه فی «التیسیر» فتحها لورش كما تفتح لحمزة، و الله- سبحانه- أعلم.

فصل‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و تفرد حمزة بإمالة عشرة أفعال».
هذه العبارة كما تری، و إنما تفرد حمزة بإمالة ستة أفعال، و هی «1»: طاب، و خاب، و حاق، و خاف، و ضاق، و زاغ، لا غیر.
فأما الأربعة الباقیة، فقد نص علی موافقة غیر حمزة فی إمالتها كحمزة.
و یشترط فی هذه الأفعال الماضیة أن تكون ثلاثیة كما مثل، فإن زادت علی «2» الثلاثی، فلا خلاف فی فتحها.
و الذی ورد من ذلك زائدا علی الثلاثة قوله- عز و جل-: فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ فی سورة مریم- علیها السلام- [الآیة: 23]، و أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ فی سورة الصف [الآیة: 5]، و یشترط فی «زاغ» وحده ألا تلحقه تاء التأنیث، و لیس فی القرآن منه إلا الموضعان اللذان ذكرا، و الذی ورد منه بالتاء موضعان آخران:
أحدهما: وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ فی الأحزاب [الآیة: 10].
و الثانی: أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ فی ص [الآیة: 63]، و لم یختلف فی فتح هذین الموضعین.
و أما باقی هذه الأفعال العشرة فسواء اتصل بها تاء التأنیث، أو ضمیر أو لم یتصل فإنه ممال لمن ذكر فی هذا الفصل.
و ینبغی أن یتنبه الطالب فیمیل خافُوا عَلَیْهِمْ فی النساء [الآیة: 9]؛ لأنه فعل ماض، و یفتح وَ خافُونِ فی آل عمران [الآیة: 175]؛ لأنه فعل أمر.
______________________________
(1) فی ب: و هو.
(2) فی ب: عن.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 495
و جمیع ما ذكر فی هذا الفصل فالشیخ و الإمام یوافقانه علیه إلا ما كان من لفظ (زاد) فی غیر أول البقرة، فإنهما یأخذان فیه لابن ذكوان بالفتح لا غیر.
و أما آتِینَ فی النمل [الآیة: 36]، و ضِعْفاً فی النساء [الآیة: 9]، فالحاصل أن الإمام یوافق الحافظ علی اختیار الفتح فیهما لخلاد، و وافقهما الشیخ علی اختیار الفتح فی: ضِعْفاً [و الله- جل جلاله- أعلم و أحكم] «1».

فصل‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و أمال أبو عمرو و الكسائی فی روایة الدوری كل ألف بعدها راء مجرورة ...» الفصل.
اعلم أن مجموع ما یشتمل علیه هذا الفصل تسعة و ثلاثون كلمة و تنحصر فی عشرة أمثلة:
المثال الأول: «فعل»، و الوارد منه فی القرآن أربعة ألفاظ و هی: الدَّارِ [الرعد: 22] و الْغارِ [التوبة: 40] و النَّارَ [البقرة: 24] و وَ الْجارِ [النساء: 36] و یلحق بها فی صورة اللفظ هارٍ [التوبة: 109].
المثال الثانی: فعال: خفیف العین، و الوارد منه ثلاثة ألفاظ، و هی: وَ النَّهارِ [البقرة: 274]. و الْبَوارِ [إبراهیم: 28]. و الْقَرارُ [إبراهیم: 29].
المثال الثالث: «فعّال» بتشدید العین، و الوارد منه ثمانیة ألفاظ، و هی: الْغَفَّارِ [غافر: 42].
و الْجَبَّارُ [الحشر: 23]، و الْقَهَّارُ [یوسف: 39]، و كَالْفَخَّارِ [الرحمن: 14]، و صَبَّارٍ [إبراهیم: 5]، و كَفَّارٍ [البقرة: 276]، و خَتَّارٍ [لقمان: 32]، و سَحَّارٍ [الشعراء: 37].
المثال الرابع: «أفعال»، و الوارد منه خمسة عشر لفظا، و هی وَ الْأَنْصارِ [التوبة: 100]، و الْأَبْصارِ [آل عمران: 13]، و بِالْأَسْحارِ [آل عمران: 17]، و الْأَدْبارَ [آل عمران: 111]، و وَ الْأَحْبارُ [المائدة: 44]، و الْأَخْیارِ [ص:
47]، أَخْبارَها [الزلزلة: 4]، و الْأَبْرارَ [الإنسان: 5]، و الْأَشْرارِ [ص:
62]، و آثَرَ [الروم: 50]، أَقْطارِ [الرحمن: 33]، و وَ أَوْبارِها [النحل:
______________________________
(1) فی ب: و الله أعلم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 496
80]، و وَ أَشْعارِها [النحل: 80]، و أَوْزارِ [النحل: 25]، و أَسْفارِنا [سبأ:
19].
المثال الخامس: «فعال» بكسر الفاء، و الوارد منه ثلاثة ألفاظ، و هی: الدِّیارِ [الإسراء: 5]، و الْحِمارِ [الجمعة: 5]، و (جدار) [14] فی الحشر علی قراءة أبی عمرو، و ابن كثیر.
المثال السادس: «فعّال» بضم الفاء و شد العین، و الوارد منه لفظتان و هما:
الْكُفَّارَ [الحدید: 20]، و الفُجَّارِ [المطففین: 7].
المثال السابع: «إفعال» بكسر الهمزة، و الوارد منه وَ الْإِبْكارِ [آل عمران: 41] لا غیر.
المثال الثامن: «مفعال»، و الوارد منه: بِمِقْدارٍ [الرعد: 8] لا غیر.
المثال التاسع: «فنعال» و الوارد منه: بِقِنْطارٍ «1» [آل عمران: 75] لا غیر.
______________________________
(1) القنطار: قال بعضهم: لیس له وزن عند العرب، و قیل: هو أربعة آلاف دینار.
و قیل: هو المال الكثیر بعضه علی بعض.
و قد وردت كلمة القنطار فی القرآن الكریم فی آیات ثلاث، و هی:
قال الله تعالی: زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِینَ وَ الْقَناطِیرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَیْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ [آل عمران: 14].
و قال: وَ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ یُؤَدِّهِ إِلَیْكَ [آل عمران: 75].
و قال: وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَ آتَیْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَیْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِیناً [النساء: 20].
و قد ذكرت كتب اللغة أوزانا مختلفة للقنطار حیث قالوا: إن وزنه أربعون أوقیة من ذهب (40) أو مائتان و ألف دینار (1200) أو مائتان و ألف أوقیة (1200) أو سبعون أوقیة (70)، أو سبعون ألف دینار (70000) أو ثمانون ألف درهم (80000) أو مائة رطل من ذهب أو فضة (100)، أو ألف دینار (1000) أو مل‌ء مسك ثور ذهبا أو فضة. و أیضا قالوا فی بعض المصادر: القنطار: المال الكثیر.
و لكن علی مبارك قد رجح وزن القنطار بأنه ثمانون ألف درهم، علی اعتبار أن الدینار عند العرب المثقال الفارسی الذی كان وزنه ضعف المثقال الإسلامی، فأربعة آلاف (4000) تساوی إذن ثمانیة آلف دینار (8000)، و هذه تساوی الثمانین ألف درهم (80000) التی رجحها، و التی ذكرت فی لسان العرب عن ابن عباس أنه رجح وزن القنطار علی أساس أنه ثمانون ألف درهم (80000).
و أیضا فإنه أرجع هذا الاختلاف فی وزن القنطار علی أساس أن علماء العرب یعنون الوزن تارة و القیمة تارة أخری. و علی هذا فإن جمیع المقادیر الواردة فی شأن القنطار صحیحة عند علی مبارك علی اعتبار الأوزان القدیمة، و هی الرومانیة و العبریة
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 497
المثال العاشر: «فعّال»، و الوارد منه: بِدِینارٍ «1» [آل عمران: 75] لا غیر، أصله: دنّار، بتشدید النون بدلیل قولهم: دنانیر، إلا أنهم استثقلوا فأبدلوا من إحدی النونین یاء كما فعلوا فی: (قیراط) «2» و (دیماس)، فإذا صغرت أو كسرت، رجع
______________________________
البطلیموسیة، مع الأخذ فی الاعتبار الفرق بین الوزن و القیمة.
و لكن د. ضیاء الریس: قد رجح أن القنطار مقداره مائتان و ألف أوقیة (1200) و استدل له بثلاثة أدلة:
أولا: ما یفیده سبب نزول الآیة فی قوله وَ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ یُؤَدِّهِ إِلَیْكَ ... [آل عمران: 75] عن ابن عباس: المقصود بالآیة: عبد الله بن سلام، استودعه رجل من قریش مائتین و ألف أوقیة ذهبا فأداه إلیه.
ثانیا: لأننا إذا فسرنا الأوقیة- كما جاء فی القاموس و المصباح و اللسان- بأنها سبعة مثاقیل، فإن مائتین و ألف أوقیة (1200) تساوی إذن أربعمائة و ثمانیة آلاف (8400) دینار، و هذه قریبة من القول الذی نسب إلی ابن عباس بأن القنطار ثمانون ألف درهم.
ثالثا: ما جاء فی هامش البلاذری من أن القنطار (أربعمائة و ثمانیة آلاف دینار) (8400)؛ استنتاجا مما رواه الواقدی من أن أهل إفریقیة صالحوا عبد الله بن سعد، فذكر مرة ما صالحوا علیه علی أنه ثلاثمائة قنطار من ذهب، و ذكره مرة أخری علی أنه بلغ (ألفی ألف و خمسمائة ألف و عشرین ألفا) من الدنانیر؛ ذلك لأننا إذا قسمنا العدد الأخیر 2520000 دینار علی 300، تنتج 8400، فهذا القنطار من الدنانیر.
و قد ذكر فالترهنتس أن القنطار إذا أطلق كان علی كمیة كبیرة من الذهب؛ فیكون حینئذ عشرة آلاف دینار (10000) أی: ثلاثة و ثلاثون من المائة و اثنتین و أربعین جراما (42 33 جرام).
و بالرغم مما استند إلیه د. الریس فی ترجیحه من أن القنطار مائتا و ألف أوقیة (1200)، و أن الأوقیة سبعة مثاقیل (7 مثاقیل)- هذا القول مبنی علی القیمة، أی أن المثقال یساوی عشرة دراهم (10) و لیس علی الوزن، و فی هذا سار علی نهج علی مبارك، إلا أن الأخیر جعل كل التقدیرات للقنطار صحیحة، فأرجعها إلی القیمة و مرة إلی الوزن.
و لكنا نرجح أن القنطار یساوی مائتین و ألف أوقیة (1200) كما ذهب لذلك د. الریس، و لكن الأوقیة تساوی أربعین درهما (40) باتفاق جمیع الباحثین و اللغویین و المؤرخین، و علی ذلك فالأوقیة تساوی أربعین درهما لا سبعة مثاقیل كما اعتمد علی ذلك د.
الریس؛ لأن هذا قول ضعیف، و كذلك فإن الفرق كبیر بین تقدیر الأوقیة بسبعة مثاقیل (7) و بأنها أربعون درهما (40)؛ حیث لا یمكن التوفیق بین هذین التقدیرین.
ینظر المقادیر الشرعیة (ص 57- 59).
(1) الدینار: لغة: أصله دنّار- بالتضعیف- فأبدل حرف علة للتخفیف، و یستخدم للتعامل كعملة.
و اصطلاحا: اسم لوحدة ذهبیة من وحدات النقد التی كان العرب یتعاملون بها، مضروبة كانت أم غیر مضروبة. ینظر المقادیر الشرعیة (ص 46).
(2) القیراط: فی اللغة: یقال أصله: قرّاط، لكنه أبدل من أحد المضعفین یاء للتخفیف كما فی-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 498
التضعیف فتقول: دنانیر، و دنینیر، و قراریط، و قریریط، و دمامیس، و دمیمیس.
فأمال جمیع هذه الكلمات إذا كانت مجرورة: أبو عمرو، و الدوری عن الكسائی، و یستثنی من جمیعها لأبی عمرو وَ الْجارِ فی الموضعین [36] فیفتحه و لم یستثنه الحافظ فی هذا الفصل؛ لأنه قد تقدم فی فصل ما تفرد به الكسائی فی روایة الدوری، و لیس قوله- تعالی-: مَنْ أَنْصارِی إِلَی اللَّهِ فی آل عمران [الآیة: 52] و الصف [الآیة: 14] داخلا فی هذا الفصل؛ لأن الكسرة فیه لیس علامة إعراب، و إنما جی‌ء بها لأجل یاء المتكلم.
و هذا الفصل مقید بما إذا كانت الراء مجرورة، و المجرورة لقب للمعرب دون غیره اصطلاحا.
و قوله: «نحو قَرارٍ [إبراهیم: 26] و الْأَشْرارِ [ص: 62] و الْأَبْرارِ [آل عمران: 193]» قد یفهم منه أن فی القرآن لفظا زائدا علی هذه الثلاثة، و لیس فی القرآن مما تكررت فیه الراء مجرورة بعد الألف غیر هذه الألفاظ الثلاثة.
و قوله: «و یأتی الاختلاف فی هارٍ [التوبة: 109] فی موضعه».
یعنی فی فرش الحروف، و الذی فیه من الخلاف أنه أماله أبو عمرو و الكسائی من طریقیه، و قالون و أبو بكر، و اختلف فیه عن ابن ذكوان من طریق الحافظ، و لیس فیه عن ابن ذكوان من طریق الشیخ و الإمام إلا الإمالة خاصة، و لم یمل قالون فی القرآن إمالة محضة غیر هذه الكلمة خاصة، و قرأه ورش بین اللفظین.
______________________________
«دینار»؛ و لهذا یرد فی الجمع إلی أصله فیقال: قراریط.
و فی الاصطلاح: قال بعض الحسّاب: القیراط فی لغة الیونان: حبتا خرنوب، و هو نصف دانق، و الدرهم عندهم اثنتا عشرة حبة. و لا یتخذ القیراط فی عصرنا إلا لوزن الماس و الحجارة الكریمة.
و القیراط وزن دانق، جزء من أجزاء الدینار، و هو نصف عشر فی أكثر البلاد، و أهل الشام یجعلونه جزءا من أربعة و عشرین 24/ 1 من الدینار.
و القیراط الشرعی وزنه ثلاث حبات من حب الشعیر المتوسط و ثلاثة أسباع حبة 7، 3/ 3 كما فی بعض الكتب الفقهیة، و هو أیضا نصف عشر المثقال؛ إذ المثقال الشرعی عشرون قیراطا. و المراد بالقیراط: الحمصة التی هی الحبة فی كلمات العراق.
قال أبو الولید بن رشد فی كتابة الكبیر: (و القیراط ثلاث حبات شعیر).
و قال المقریزی: و القیراط جزء من أربعة و عشرین جزءا من الدینار، و هو ثلاث حبات من الشعیر و هو أیضا معرب. ینظر المقادیر الشرعیة (41- 42).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 499
و قد تقدم القول فی وَ الْجارِ و أَنْصارِی لورش.
و ذكر الحافظ- رحمه الله- إمالة: الْحِمارِ لابن ذكوان من قراءته علی فارس، و علی الفارسی «1»، و ذكر فی غیر «التیسیر» أنه قرأه علی غیرهما بالفتح.
و كل ما ذكر فی هذا الفصل فالشیخ و الإمام یوافقانه علیه، إلا الْحِمارِ فی الموضعین [الجمعة: 5، و البقرة: 259] لابن ذكوان فمذهبهما فیه الفتح، و قد ذكرت مذهبهما فی هارٍ [و الله- جل و علا أعلم- و أحكم] «2».

فصل‌

ذكر فیه إمالة الْكافِرِینَ [البقرة: 34] لأبی عمرو و الكسائی من طریق الدوری، و قرأه ورش بین اللفظین، و الشیخ و الإمام یوافقانه.
و ذكر إمالة النَّاسِ [الناس: 1] المجرور، و ذكر فی «الموضح» أنه قرأه بالفتح علی أبی الفتح، و أبی الحسن، فإنه یأخذ فیه بالوجهین و یختار الإمالة، و مذهب الشیخ و الإمام فیه الفتح.
______________________________
(1) إمام النحو، أبو علی، الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسی الفسوی، صاحب التصانیف.
حدث بجزء من حدیث إسحاق بن راهویه، سمعه من علی بن الحسین بن معدان، تفرد به.
و عنه: عبید الله الأزهری، و أبو القاسم التنوخی، و أبو محمد الجوهری، و جماعة.
قدم بغداد شابّا، و تخرج بالزجاج و بمبرمان، و أبی بكر السراج، و سكن طرابلس، مدة ثم حلب، و اتصل بسیف الدولة.
و تخرج به أئمة.
و كان الملك عضد الدولة یقول: أنا غلام أبی علی فی النحو، و غلام الرازی فی النجوم.
و من تلامذته: أبو الفتح بن جنی، و علی بن عیسی الربعی.
و مصنفاته كثیرة نافعة. و كان فیه اعتزال.
عاش تسعا و ثمانین سنة.
مات ببغداد فی ربیع الأول سنة سبع و سبعین و ثلاثمائة.
و له كتاب (الحجة) فی علل القراءات، و كتابا (الإیضاح) و (التكملة)، و أشیاء.
ینظر سیر أعلام النبلاء (16/ 379، 380)، و تاریخ بغداد (7/ 275- 276)، بغیة الوعاة (1/ 496- 498)، و إنباه الرواة (1/ 273)، و غایة النهایة (1/ 206- 207)، و الوافی بالوفیات (11/ 376- 379).
(2) فی ب: و الله أعلم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 500

فصل‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و تفرد هشام ... بكذا» فذكر وَ مَشارِبُ فی یس [الآیة: 73]، فذكر السورة علی قصد التوكید؛ إذ لیس فی القرآن غیره.
فأما الذی فی الإنسان و هو قوله- تعالی-: بِآنِیَةٍ مِنْ فِضَّةٍ [الإنسان: 15] فلیس صفة لعین و إنما هو اسم للوعاء.
و ذكر عابِدٌ و عابِدُونَ فی «الكافرین» [الآیات: 3، 4، 5] فهذا قید ضروری؛ إذ قد ورد فی غیر هذه السورة عابِدُونَ كقوله- عز و جل-: وَ نَحْنُ لَهُ عابِدُونَ فی البقرة [الآیة: 138]، و وَ كانُوا لَنا عابِدِینَ فی الأنبیاء- صلی الله علیهم أجمعین- [الآیة: 73]، فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِینَ فی الزخرف [الآیة: 81]، و لو تركنا و القیاس لكانت إمالة ما فیه الیاء أقوی، لكن الروایة فی باب القراءات مقدمة علی القیاس، و الشیخ و الإمام یوافقانه فی هذا.
و ذكر ما تفرد به ابن ذكوان، و الشیخ و الإمام یوافقانه علی إمالة «1» الْمِحْرابَ المخفوض خاصة و یفتحان ما عداه.
و المخفوض موضعان: قوله- تعالی-: یُصَلِّی فِی الْمِحْرابِ [آل عمران: 39] و فَخَرَجَ عَلی قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ [مریم: 11].
و المنصوب موضعان قوله- تعالی-: كُلَّما دَخَلَ عَلَیْها زَكَرِیَّا الْمِحْرابَ [آل عمران: 37] و إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ [ص: 21].
و قوله: «إلا ما كان من مذهب ورش فی الراءات» استثناء من قوله: «و الباقون بإخلاص الفتحة فی جمیع ذلك».
و احتاج إلی هذا الاستثناء؛ لأن ورشا یرقق راء الْمِحْرابَ [آل عمران: 37] و إِكْراهِهِنَ [النور: 33] و وَ الْإِكْرامِ [الرحمن: 27]، و ترقیق الراء نوع من الإمالة [و الله- سبحانه و تعالی- أعلم و أحكم] «2».
قال الحافظ- رحمه الله-: «فأما ما بقی من ذلك مفرقا فی السور فنذكره فی مواضعه إن شاء الله».
و قد استوفی- رحمه الله- فی فرش الحروف ما وعد به، و ربما نبه علی أحرف
______________________________
(1) فی أ: الإمالة.
(2) فی ب: و الله أعلم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 501
قد وقعت فی هذا الباب، و جملة ما ذكر فی فرش الحروف ثلاثة أصناف:
أحدها: ما أمیل من حروف الهجاء فی أوائل السور، و ذلك الراء من: الر [یونس: 1] و المر [الرعد: 1] ذكره فی أول سورة یونس- علیه السلام- و الهاء و الیاء من كهیعص ذكرهما فی [أول] السورة، و كذلك الطاء و الهاء من طه فی أول السورة و الطاء من طسم و طس [النمل: 1] ذكره فی أول الشعراء، و الیاء من یس، ذكره فی أول السورة، و الحاء من حم، ذكره فی أول سورة غافر.
الصنف الثانی: رءوس الآی التی فی السور الإحدی عشر، التی أولها [سورة] «طه»، ذكر فی كل سورة ما فیها من الخلاف.
الصنف الثالث: حروف متفرقة منها: التَّوْراةَ [آل عمران: 3] ذكره فی آل عمران، و (توفّاه) و (استهواه) و رَأی كَوْكَباً و رَأَی الْقَمَرَ و بابهما، ذكر ذلك كله فی الأنعام [61، 71، 76، 77]، و هارٍ فی التوبة [109]، و أَدْراكُمْ [یونس: 16] فی سورة یونس- علیه السلام- و یا بُشْری [یوسف: 19] و نُوحِی [یوسف: 109] فی سورة یوسف- علیه السلام- و أَعْمی و وَ نَأی فی الإسراء [72، 83]، و (سوی) و سُدیً [القیامة: 36] فی طه [58]، و تَراءَا فی الشعراء [61]، و نُرِیَ فِرْعَوْنَ فی القصص [6] و ما ذا تَری فی الصافات [102]، و (جدار) فی الحشر [14]، و رانَ فی المطففین [14]، و عابِدٌ و عابِدُونَ [3، 4، 5] فی «الكافرین».
و أما إمالة السین من نَحِساتٍ فی فصلت [الآیة: 16] عن أبی الحارث فرآه وهما، و لم یعول علیه.

فصل‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و كل ما أمیل فی الوصل لعلة تقدم فی الوقف ...» إلی آخره.
اعلم أن الألفاظ التی تدخلها الإمالة من جمیع ما ذكر فی هذا الباب تنقسم قسمین:
أحدهما: یكون فیه محل الإمالة و سببها فی الوصل و الوقف علی حد واحد لا
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 502
یختلف- فهذا لا إشكال فی أنه ممال فی الحالین، و مثاله: الحروف التی تمال فی الفواتح، و كذلك أكثر رءوس الآی فی السور الإحدی عشرة، و كذلك ما كان مثل قوله- تعالی-: تَری أَعْیُنَهُمْ [المائدة: 83]، فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ [البقرة:
217] فَاسْتَوی عَلی سُوقِهِ [الفتح: 29]، وَ إِذِ اسْتَسْقی مُوسی لِقَوْمِهِ [البقرة: 60]، وَ عَلی أَبْصارِهِمْ [البقرة: 7]، و فِی دِیارِهِمْ [هود: 67] و ما أشبهه.
و لم یتعرض الحافظ فی هذا الفصل لهذا القسم؛ اكتفاء منه ببیانه فی نفسه، و اتكالا علی فهم الطالب.
القسم الثانی: ما یكون فی الوصل علی خلاف ما هو فی الوقف، و هذا القسم هو الذی قصد الحافظ أن یبینه فی هذا الفصل؛ خیفة من إشكاله لما عرض فیه من اختلاف حالیه، و هذا القسم علی ضربین:
أحدهما: عرض له التغییر بزوال موجب الإمالة فی الوقف، و ذلك كل ألف أمیلت لأجل كسرة بعدها نحو: الدَّارُ و بابه، و النَّاسِ المجرور، فمذهب الحافظ فیه إجراء الوقف مجری الوصل فی الإمالة و بین اللفظین.
وافقه الإمام فی قراءة ورش و حمزة و الكسائی، و أما قراءة أبی عمرو فقال: «إن البغدادیین «1» یرومون الحركة، و یمیلون إمالة دون إمالة الوصل، و البصریون «2» یسكنون و یفتحون».
و أما الشیخ فاختار الإمالة لأبی عمرو سواء رمت أو سكنت.
ورد علی من قرأ بالفتح فی الإسكان بأن الوقف غیر لازم، و السكون عارض.
و قال فی الوقف لورش: «إن كان بالروم رققت، و إن كان بالإسكان غلظت؛ لأنها- یعنی الراء- تصیر ساكنة بعد فتحة». شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات 502 فصل ..... ص : 501
قال: «و یجوز الترقیق؛ لأن الوقف عارض و الكسر منوی».
و هذا الذی قال الشیخ- رحمه الله- حكم یخص الراء، و لیس فیه بیان حكم الألف هل تمال أو تفتح؟ و قد قال الحافظ فی باب الراءات: «إن الراء التی بعد فتحة
______________________________
(1) فی ب: البغدادیون.
(2) فی ب: البصریین.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 503
ممالة إذا وقفت علیها بالسكون- فإنها ترقق نحو: بِشَرَرٍ [المرسلات: 32] و هذا الذی قال الحافظ یقتضی ترقیق الراء فی الدَّارُ و بابه لمن أمال و قرأ بین اللفظین، و هو أبین من قول الشیخ فی قراءة ورش، [و الله- جلت قدرته و جلت رحمته- أعلم و أحكم] «1».
الضرب الثانی: عرض له التغییر فی الوصل بزوال محل الإمالة؛ لأجل ساكن لقیه، ثم ذلك الساكن نوعان:
أحدهما: التنوین نحو: هُدیً لِلْمُتَّقِینَ [البقرة: 2].
و الثانی: ساكن من كلمة أخری نحو الْأَقْصَی الَّذِی [الإسراء: 1].
و قد ذكر الحافظ- رحمه الله- أمثلة من النوعین.
أما الذی لحقه التنوین فإنه یكون منصوبا، و مجرورا، و مرفوعا:
فمثال المنصوب: غُزًّی [آل عمران: 156] و قُریً ظاهِرَةً [سبأ: 18]، و مثال المجرور: فِی قُریً مُحَصَّنَةٍ [الحشر: 14]، و إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی [البقرة:
282]، و مثال المرفوع: وَ أَجَلٌ مُسَمًّی عِنْدَهُ [الأنعام: 2] و قوله- تعالی- یَوْمَ لا یُغْنِی مَوْلًی عَنْ مَوْلًی شَیْئاً [الدخان: 41] مَوْلًی الأول مرفوع، و الثانی مجرور.
فإذا تقرر هذا- فاعلم أن النحویین اختلفوا فی الألف اللاحقة لهذه الأسماء و ما أشبهها فی الوقف:
فحكی عن المازنی، أنها بدل من التنوین سواء كان الاسم مرفوعا، أو منصوبا، أو مجرورا، و سبب هذا عنده أن التنوین متی كان بعد فتحة، أبدل فی الوقف ألفا و لم یراع كون الفتحة علامة للنصب، إذ لیست كذلك.
و حكی الكسائی أن هذه الألف لیست بدلا من التنوین، و إنما هی بدل من لام الكلمة لزم سقوطها فی الوصل؛ لسكونها و سكون التنوین بعدها، فلما زال التنوین بالوقف، عادت الألف.
قال: و هذا أولی من أن یقدر حرف الألف التی هی مبدلة من حرف أصلی، و إثبات الألف التی هی مبدلة من حرف زائد و هو التنوین.
و مذهب الفارسی: أن الألف فیما كان من هذه الأسماء منصوبا بدل من التنوین
______________________________
(1) فی ب: و الله أعلم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 504
و فیما كان منها مرفوعا أو مجرورا بدل من الحرف الأصلی اعتبارا بالأسماء الصحیحة الأواخر؛ إذ لا تبدل فیها الألف من التنوین إلا فی النصب خاصة.
و من النحویین من ینسب هذا المذهب إلی سیبویه، و منهم من یری أن مذهب سیبویه موافق لمذهب الكسائی.
فإذا تقرر هذا، لزم أن یوقف علی هذه الأسماء بالإمالة علی مذهب الكسائی مطلقا، و علی مذهب الفارسی إن كان مرفوعا أو مجرورا، و أن یوقف علیها بالفتح علی مذهب المازنی مطلقا، و علی مذهب الفارسی إن كان الاسم منصوبا؛ لأن الأصل فی الألف المبدلة من التنوین الفتح، و لا تمال إلا علی لغة من أجاز الإمالة لأهل الإمالة، كمن أمال الألف فی مثل (رأیت عبادا)، بخلاف الألف المبدلة من الیاء؛ فإنها محل الإمالة.
و مذهب الحافظ هنا جار علی مذهب الكسائی؛ لأنه أطلق القول فی الجمیع و لم یفصل، و الشیخ و الإمام یوافقانه فی قراءة حمزة و الكسائی مطلقا، و كذلك سُویً [طه: 58] و سُدیً [القیامة: 36] فی قراءة أبی بكر.
فأما قراءة ورش، و أبی عمرو فحاصل كلام الإمام أنه یوقف لأبی عمرو علی ذوات الراء بالإمالة، و لورش بین اللفظین، إذا كان المنون فی موضع رفع أو خفض، فإن كان فی موضع نصب، فقد اختلف عنهما فیه، و الأشهر عنهما الفتح، و لما ذكر أنه الأشهر عن ورش، قال: و به آخذ.
و اعلم أنه لیس فی القرآن اسم منصوب منون و آخره ألف منقلبة عن یاء بعد راء إلا قُریً ظاهِرَةً [سبأ: 18] خاصة، فأما تَتْرا فی قراءة أبی عمرو، فالألف فیه مبدلة من التنوین.
و حاصل قول الشیخ: أنه قرأ علی أبی الطیب بالإمالة فی الوقف علی المنصوب لأبی عمرو، و بین بین لورش، و ذكر مع هذا أن القیاس فی الوقف علی المنون مطلقا هو الفتح، ثم قال: لكن یمنع من ذلك ثقل القراءة و عدم الروایة، و ثبات الیاء فی السواد.
و قال الحافظ فی «المفردات» فی روایة أبی عمرو: و «أما قوله- تعالی- فی سبأ: قُریً ظاهِرَةً [سبأ: 18]، فإن الراء تحتمل وجهین: إخلاص الفتح، و ذلك إذا وقفت علی الألف المبدلة من التنوین دون المبدلة من الیاء، و الإمالة و ذلك إذا
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 505
وقفت علی المبدلة من الیاء دون المبدلة من التنوین، و هذا الأوجه و علیه العمل، و به آخذ».
و كذلك ظاهر مذهبه أن یوقف لورش بین اللفظین؛ فحصل من هذا اختیار الأخذ من طریق الحافظ، و الشیخ بالإمالة لأبی عمرو، و بین اللفظین لورش، و الأخذ لهما بالفتح من طریق الإمام، [و الله- عز وجهه و تعالی جده- أعلم و أحكم] «1».
و أما الذی عرض له ساكن من كلمة أخری فیكون اسما، و فعلا، و أمثلتها موجودة فی كلام الحافظ، فإذا وقفت علیه، رجعت الألف، ثم إن الكلمة التی ترجع إلیها الألف فی الوقف إن كانت فعلا، فلا خلاف أن ألفها لیست بدلا من تنوین بل هی بدل من لام الكلمة نحو نَرَی اللَّهَ [البقرة: 55] و طَغَی الْماءُ [الحاقة: 11]، و وَ اسْتَغْنَی اللَّهُ [التغابن: 6]، و هَدَی اللَّهُ [الأنعام: 90]، و أَلْقَی السَّمْعَ [ق: 37]، و وَ ما تَهْوَی الْأَنْفُسُ [النجم: 23]، و وَ لْیَخْشَ الَّذِینَ [النساء:
9]، و فَالْتَقَی الْماءُ [القمر: 12]، و ما أشبهه.
و أما إن كانت الكلمة الموقوف علیها اسما، فإنها تنقسم ثلاثة أقسام:
الأول: أن یكون «2» من الأسماء المتصرفة و لیس فیه الألف و اللام و لكنه مضاف إلی اسم أوله حرف ساكن نحو هُدَی اللَّهِ [البقرة: 120] و مَوْلَی الَّذِینَ آمَنُوا [محمد: 11]، و وَ جَنَی الْجَنَّتَیْنِ [الرحمن: 54] فهذا القسم یحتمل أن تكون ألفه بدلا من التنوین، و یحتمل أن تكون بدلا من لام الكلمة علی ما تقدم من الخلاف.
القسم الثانی: أن یكون من الأسماء المتصرفة، و یكون معرفا بالألف و اللام، نحو: الْقُرَی الَّتِی [سبأ: 18] و إِلَی الْهُدَی ائْتِنا [الأنعام: 71].
القسم الثالث: أن یكون من الأسماء التی لا تنصرف، سواء كان معرفا بالألف و اللام، أو لم یكن نحو: الْأَتْقَی الَّذِی [اللیل: 17- 18] و الْأَشْقَی الَّذِی [اللیل: 15- 16]، و الْأَقْصَی الَّذِی [الإسراء: 1] و عُقْبَی الدَّارِ [الرعد:
42]، و الْقَتْلی الْحُرُّ [البقرة: 178]، و ذِكْرَی الدَّارِ [ص: 46]، و لَإِحْدَی الْكُبَرِ [المدثر: 35]، فلا خلاف فی أن الألف فی هذین القسمین غیر مبدلة من
______________________________
(1) فی ب: و الله أعلم.
(2) فی ب: تكون.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 506
التنوین؛ فلا یكون فیها خلاف أنها تمال فی الوقف لأهل الإمالة، [و الله- جلا جلاله و تقدست أسماؤه- أعلم و أحكم] «1».
و یتعلق بهذا الفصل الوقف علی كِلْتَا من قوله- تعالی-: كِلْتَا الْجَنَّتَیْنِ [الكهف: 33]، قال الشیخ «یوقف لحمزة و الكسائی بالفتح؛ لأنها ألف تثنیة عند الكوفیین، و لأبی عمرو بین اللفظین؛ لأنها ألف تأنیث عند البصریین».
و قال الإمام: الوقف بالفتح إجماع، و هو ظاهر قول الحافظ فی «الموضح» [و الله- سبحانه و بحمده- أعلم و أحكم] «2».
قال الحافظ- رحمه الله-: «علی أن أبا شعیب قد روی عن الیزیدی إمالة الراء مع الساكن ...» إلی آخره.
هذا الكلام فی قوة الاستثناء من قوله: «و كل ما امتنعت الإمالة فیه فی الوصل من أجل ساكن»، فكأنه قال: إذا لقیت الألف الممالة فی الوصل ساكنا حذفت الألف، و زالت إمالة الفتحة باتفاق من القراء إلا إذا كانت الألف بعد راء، فإن أبا شعیب یبقی إمالة فتحة الراء.
قال: «و بذلك قرأت فی مذهبه و به آخذ»، و هذا الذی ذكر الحافظ هنا انفرد به دون الشیخ و الإمام؛ فإنهما یأخذان لأبی شعیب فی الوصل بترك الإمالة كالجماعة و لا خلاف فی الإمالة، فی الوقف كما تقدم، و لیس فی القراءات السبع كلمة تمال فی الوصل مع سقوط ألفها للساكن إلا هذا الفصل الذی أخذ به الحافظ لأبی شعیب، و إلا رَأْیَ حیث وقع نحو رَأَی الْقَمَرَ [الأنعام: 77] و وَ رَأَی الْمُجْرِمُونَ النَّارَ [الكهف: 53]، و رَأَی الَّذِینَ أَشْرَكُوا [النحل: 86] كما یأتی فی سورة الأنعام، و الله- تعالی- أعلم.
______________________________
(1) فی ب: و الله أعلم.
(2) فی ب: و الله أعلم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 507

باب ذكر مذهب الكسائی فی الوقف علی هاء التأنیث‌

اعلم أن العرب تلفظ ب «امرأة» و «قائمة» و نحوهما بتاء فی الوصل و هاء فی الوقف و كلاهما زائد علی حروف الكلمة، دال علی معنی التأنیث، و اختلف النحویون فی أیهما هو الأصل فی الدلالة علی التأنیث؟
فقال البصریون، و بعض الكوفیین: التاء هی الأصل؛ بدلیل ثبوتها فی الوصل الذی هو الأصل، و الهاء عوض من التاء؛ لاختصاصها بالوقف الذی هو عارض.
و یدل أیضا علی أن الأصل التاء أنها قد تثبت علامة للتأنیث فی الأفعال نحو «قامت هند»، و تثبت فی الجمع نحو «الهندات»، و تثبت «1» فی الوقف علی الاسم المفرد عند بعض العرب، و هی لغة طیئ «2» فیقولون فی الوقف: هذه امرأت، و طلحت، و قائمت.
و حكی أنهم تنادوا یوم الیمامة «3»: «یا أهل البقرت»، فقال رجل من طیئ: «ما
______________________________
(1) فی ب: ثبتت.
(2) طیئ بن أدد: قبیلة عظیمة من كهلان، من القحطانیة، تنتسب إلی طیئ بن أدد بن زید ابن یشجب بن عریب بن زید بن كهلان.
بطونهم: تتفرع من بنی طیئ بطون و أفخاذ عدیدة، منها: بنو جدیلة، و هی أمهم، و هم جندب، و حور یعرفون بأمهم، بنو رومان، بنو جدعاء بن رومان، الثعالب، بنو قیم الذین یقال لهم: مصابیح الظلام، بنو علوة، بنو زنمة بن عمرو، بنو لام بن عمرو بن ظریف، بنو اشنع بن عمرو، بنو مصاد، بنو حجیة، بنو قرواش، ثعل، سلامان، جرول، بنو بحتر، بنو عنین، بنو عتود، بنو فریر، بنو سلسلة، بنو دغش، بنو هذمة بن عناب، بنو شمر (الذین ذكرهم امرؤ القیس)، بنو سنبس، بنو شمجی، بنو نبهان بن عمرو، بنو نابل، بنو المشر، بنو الصامت، بنو بولان، و بنو صیفی.
منازلهم: كانت منازلهم بالیمن، فخرجوا منه علی أثر خروج الأزد منه و نزلوا سمیراء، و فید، فی جوار بنی أسد، ثم غلبوهم علی أجأ و سلمی، و هما جبلان من بلادهم، فاستقروا بهما، ثم ورثت من بلاد أسد بلادهم، فیما وراء الكرخ، من أرض غفر، ثم ورثوا منازل تمیم بأرض نجد فیما بین البصرة، و الكوفة، و الیمامة، و ورثوا غطفان ببطن مما یلی وادی القری، و بعبارة أخری فقد ملئوا السهل و الجبل حجازا و شاما و عراقا، ثم اضطرت إلی الجلاء عن جنوبی فلسطین، فهبطت مصر، و نزلت مدیریة البحیرة مع بنی قرة الجذامیین. ینظر: معجم قبائل العرب (2/ 689، 690).
(3) كان فتحها و قتل مسیلمة الكذاب فی أیام أبی بكر الصدیق- رضی الله عنه- سنة (12) للهجرة، و فتحها أمیر المسلمین خالد بن الولید عنوة، ثم صولحوا. ینظر معجم البلدان (5/ 505).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 508
معنا منها آیت»، و علی هذا جاء قول الشاعر: [من الرجز] بل جوز تیهاء بظهر الحجفت «1» أراد: الحجفة، و كذلك قول الشاعر: [من الرجز]
الله نجاك بكفّی مسلمت‌من بعد ما و بعد ما و بعد مت «2»
صارت نفوس القوم عند الغلصمت‌و كادت الحرة أن تدعی أمت أراد: مسلمة، و غلصمة، و أمة، فی روایة من وقف بالتاء، و علی هذا جاء الوقف فی القرآن علی ما كتب من ذلك بالتاء، حسب ما یأتی بعد [بحول الله- عز جلاله و جل كماله] «3».
و حكی عن بعض الكوفیین أنه قال: الهاء هی الأصل و التاء فی الوصل بدل منها، قال: و وجه ذلك أنهم أرادوا أن یفرقوا بین علامة التأنیث اللاحقة للفعل، و اللاحقة للاسم.
______________________________
(1) الرجز لسؤر الذئب فی لسان العرب (9/ 39) (حجف)؛ و لبعض الطائیین فی شرح شواهد الإیضاح ص (386)، و بلا نسبة فی الإنصاف (1/ 379)، و جمهرة اللغة ص (1135)، و الخصائص (1/ 304، 2/ 98)، و رصف المبانی ص (156، 162، 217)، و سر صناعة الإعراب (1/ 159، 2/ 563، 673)، و شرح شافیة ابن الحاجب (2/ 277) و شرح شواهد الشافیة ص (198)، و شرح المفصل (2/ 118، 4/ 67، 5/ 89، 8/ 105، 9/ 81، 10/ 45)، و لسان العرب (11/ 70) (بلل)، و المحتسب (2/ 92).
و فی البیت شاهدان: أولهما قوله: (الحجفت) علی لغة بعض العرب الذین یجرون الوقف مجری الوصل، فیقولون؛ (هذا طلحت)، و (علیه السلام و الرحمت)، فیقلبون الهاء تاء. و ثانیهما أنه یجوز الروم و الإشمام عند من یقف بالتاء.
(2) الرجز لأبی النجم الراجز فی الدر (6/ 230)، و شرح التصریح (2/ 344)، و لسان العرب (15/ 472) (ما) و مجالس ثعلب (1/ 326)، و بلا نسبة فی الأشباه و النظائر (1/ 113)، و أوضح المسالك (4/ 348)، و خزانة الأدب (4/ 177)، (7/ 333)، و الخصائص (1/ 304)، و الدرر (6/ 305)، و رصف المبانی ص (162)، و سر صناعة الإعراب (1/ 160، 163، 2/ 563) و شرح الأشمونی (3/ 756)، و شرح شافیة ابن الحاجب (2/ 289)، و شرح قطر الندی ص (325)، و شرح المفصل (5/ 89، 9/ 81)، و المقاصد النحویة (4/ 559)؛ و همع الهوامع (2/ 157، 209).
و الشاهد فیه قوله: (الغلصمت)، و (مسلمت)، و (أمت) حیث لم یبدل تاء التأنیث فی الوقف هاء، بل أبقاها علی حالها. أما قوله: (بعد مت) فالأصل: (بعد ما)، فأبدل ألف (ما) هاء، ثم أبدل الهاء تاء لیوافق، بذلك، قوافی بقیة الأبیات.
(3) فی ب: بحول الله تعالی.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 509
و هذا القول ضعیف؛ لأنه لو كان كذلك، لم یكن لاختصاص التفرقة بالوقف دون الوصل وجه، و قد تقدم أن الوقف عارض، فكیف نخص التفرقة به مع أن التاء اللاحقة للفعل لا تدل علی تأنیث الفعل، و إنما تدل علی تأنیث الاسم المرفوع بذلك الفعل؟! فظهر أن القول الأول أظهر، ثم إن الهاء لم تثبت علامة للتأنیث فی غیر هذا الموضع، و قد تثبت التاء كما تقدم فی الفعل وصلا و وقفا، و فی الجمع مثل:
المسلمات.
ثم إنّ جعل الهاء بدلا من التاء له وجه صحیح یطرد فی كلام العرب، و هو أن الوقف موضع تغییر؛ أ لا تراهم یبدلون فیه التنوین ألفا و كذلك النون الخفیفة اللاحقة للفعل تبدل «1» فی الوقف ألفا، و یسكن فیه ما كان فی الوصل متحركا، و یضعف ما كان مخففا، و تلحق هاء السكت، و تنقل الحركة إلی الساكن «2» قبلها، و تسهل الهمزة كما هو مذهب حمزة، و هشام ... إلی غیر ذلك مما هو محكم فی كتب النحو، و لیس لجعل التاء فی الوصل عوضا من الهاء، و ادعاء كون الهاء هی الأصل فی التأنیث- وجه، [و الله- تبارك اسمه و تعالی جده- أعلم و أحكم] «3».
فإن قیل: إن كانت التاء هی الأصل، فما الحامل علی كتب الهاء فی «امرأة» و «قائمة» و نحوهما؟ و هلا كتبوها «4» بالتاء؟ و لأی شی‌ء یطرد فی عبارة سیبویه، و غیره من النحویین أن یقولوا: هاء التأنیث، و لا یقولون: تاء التأنیث إلا قلیلا؟
فالجواب: أن عادة الكتاب أن یثبتوا فی أول الكلمة من الحروف ما یلفظ به فی الابتداء، سواء وافق اللفظ فی الوصل أو خالف، و یثبتون فی آخرها ما یلفظ به فی الوقف، سواء وافق اللفظ فی الوصل أو خالف فكتبوا الهاء؛ رعیا لثبوتها فی اللفظ فی الوقف.
و أما التعبیر بالهاء دون التاء فی الأكثر، فإنما روعی فی ذلك كونها موجودة فی الخط، و لا یقدح هذا فی أصالة التاء و فرعیة الهاء، و الله- عز و جل- أعلم و أحكم.
و اعلم أنه لا خلاف أن التاء اللاحقة فی الوصل لا تمال، فأما الهاء المخصوصة
______________________________
(1) فی ب: یبدل.
(2) فی أ: مساكن.
(3) فی ب: و الله أعلم.
(4) فی أ: كتبوهما.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 510
بالوقف فقد وردت فیها الإمالة عن العرب، حكی سیبویه: «ضربت ضربه، و أخذت أخذه».
ثم قال: «شبه الهاء بالألف، فأمال ما قبلها، كما یمیل ما قبل الألف».
و اعلم أن هذا التشبیه ینبغی أن یكون بألف التأنیث خاصة لا بالألف المنقلبة عن الیاء طردا لمذهب سیبویه فی تشبیه الشی‌ء بما هو أقرب إلیه شبها، كما شبه الفعل المضارع باسم الفاعل، و لم یشبهه بالاسم المنكر مطلقا علی ما هو محكم فی كتابه، و مفسر فی موضعه.
و كذا قال الحافظ فی «المفردات» حین ذكر أن الكسائی یمیل هذه الهاء فی الوقف فقال تشبیها منه لها بإمالة ألف التأنیث.
و وجه الشبه بین هذه الهاء، و ألف التأنیث أنهما زائدتان، و أنهما للتأنیث، و أنهما من مخرج واحد، و أنهما ساكنتان، و أنهما مفتوح ما قبلهما، و أنهما حرفان خفیان قد یحتاج كل واحد منهما أن یتبین بغیره، كما بینوا ألف الندبة فی الوقف بالهاء بعده فی نحو:
وا زیداه، و بینوا هاء الإضمار بالواو، و الیاء نحو: ضربهو زید، و مر بهی زید، علی ما هو محكم فی موضعه. و مع هذا: فإن الألف قد تبدل تاء كما قال الشاعر: [من الرجز]
الله نجاك بكفّی مسلمت‌من بعد ما و بعد ما و بعد مت أراد: و بعد ما، و علی هذا قال بعض النحویین: إن الهاء فی «مهما» بدل من ألف؛ إذ الأصل عند هذا القائل «ماما» فاستثقل اجتماع الأمثال، فأبدلوا من الألف الأولی «هاء»، و قد اشتمل هذا الكلام علی أوجه من الشبه الخاص بالألف و الهاء اللتین للتأنیث، و علی أوجه من الشبه العام بین الهاء و الألف مطلقا و إن كانتا لغیر التأنیث.
فإذا تقرر اتفاق الألف و الهاء علی الجملة، و زادت هذه الهاء التی للتأنیث علی الخصوص اتفاقها مع ألف التأنیث علی الخصوص فی الدلالة علی معنی التأنیث، و كانت ألف التأنیث تمال لشبهها بالألف المنقلبة عن الیاء- أمالوا هذه الهاء؛ حملا علی ألف التأنیث المشبهة فی الإمالة بالألف المنقلبة عن الیاء، و لا یستبعد هذا الحمل؛ فإنهم قد أمالوا ما هو أبعد منه:
حكی سیبویه: أنهم أمالوا «طلبنا زید»، و «رأیت عبدا» فأمالوا هذه الألفات و لیس معها شی‌ء من الأشیاء التی توجب الإمالة مما تقدم ذكره فی الباب المتقدم، غیر أنها لما وقعت طرفا أشبهت ألف «حبلی»؛ لأنها أیضا طرف و لیست واحدة منهما منقلبة
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 511
عن یاء، و بهذین القیدین علل سیبویه شبه هذه الألفات بألف «حبلی» و أعنی بالقیدین: وقوع هذه الألفات طرفا، و أنها غیر منقلبات عن یاء.
و اعلم أن ما تقدم من كون هاء التأنیث غیر بدل من یاء، و كونها مخصوصة بالوقف، و كونها تستلزم فتح ما قبلها- مطرد إلا فی كلمة واحد، و هی «هذه»، إذا أشرت إلی مؤنث؛ فإن الهاء فیها بدل من یاء «1»، و هی ثابتة فی الوصل و الوقف، و مستلزمة كسر ما قبلها؛ و ذلك لأنهم فرقوا بین تأنیث اسم الإشارة، و تأنیث غیره؛ لأن اسم الإشارة مبنی، كما فرقوا فی التصغیر فقالوا: هاذیّا، و هاتیّا، و هاؤلیّا، فی تصغیر: هذا، و هاتان، و هؤلاء، و كذلك فعلوا فی «الذی»، و «التی» فقالوا فی تصغیرهما: اللذیّا و اللتیّا.
فأما مجی‌ء حرف التأنیث فی «الصلاة» و نحوها بعد ساكن و هو الألف فلا یكسر ما تقدم من لزوم الفتح؛ لأن هذه الألف منقلبة عن حرف مفتوح، و لزم قلبه لتحركه و انفتاح ما قبله.
و لما ألحقت «2» هذه التاء فی «ضاربة» و نحوه، جعلت محل الإعراب بعد أن كان محله الحرف الذی قبلها، نحو «ضارب» فصارت فی حكم ما هو من بنیة الكلمة، و إن كانت باعتبار آخر بمنزلة كلمة ضمت [إلی] أخری مثل «بعلبك» [و] كما جعلوا الإعراب فی آخر «بعلبك» بعد التركیب كقول امرئ القیس: [من الطویل]
لقد أنكرتنی بعلبكّ و أهلها.... «3»
فی روایة من رفع الكاف.
و لزم تحریك ما قبل هذه التاء فی «قائمة» و نحوها؛ لأنه قد یكون قبله ساكن، نحو «ضربة»، و «غرفة» فلو سكن ما قبل التاء، لزم التقاء ساكنین، و مع هذا فإنه حرف عود «4» الحركة، و أنس بها قبل لحاق هذه العلامة؛ فكرهوا إسكانه فألزموه الحركة كما ألزموها فی: «أخیك» و أخواته عند من یجعل إعرابه بحركات مقدرات،
______________________________
(1) فی ب: ثاء.
(2) فی أ: لحقت.
(3) صدر بیت، و عجزه:
.................و لابن جریج فی قری حمص أنكرا و البیت فی دیوانه ص (68)، و معجم البلدان (1/ 539)، و معجم ما استعجم (1/ 260).
(4) فی ب: عدد.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 512
و أتبع ما قبل الآخر الآخر، و كما حركوا الدال من «ید»، حین ثنوا فی الضرورة كقوله: [من الكامل] یدیان بیضاوان عند محلم «1»* .... «2»
البیت.
و خص بالفتح دون غیره من الحركات؛ لأنه قد یكون ما قبله مكسورا، أو مضموما نحو «مسلمة» و «سنبلة»، فلو التزموا التحریك بالضم أو بالكسر، للزم توالی الثقل فحركوه بأخف الحركات لا سیما و قد ثقلت الكلمة بزیادة حرف التأنیث، و مع هذا فأرادوا توكید شبهها بالألف؛ إذ لا تثبت الألف إلا بعد فتحة.
و قد قیل: فتح ما قبل هذه التاء بالحمل علی فتح اللام من «بعلبك» و العین فی «أربع عشرة»، و نحوهما من المركبات؛ اعتبارا بكون هذه التاء مع ما اتصلت به بمنزلة كلمة ضمت إلی أخری، و الله- تبارك و تعالی- أعلم و أحكم.
و أرجع إلی لفظ الحافظ- رحمه الله- قال: «اعلم أن الكسائی كان یقف علی هاء التأنیث و ما ضارعها فی اللفظ بالإمالة».
اعلم أن هذه التاء التی تلحق الأسماء فی الوصل و تقلب هاء فی الوقف تنقسم اثنی عشر قسما:
الأول: اللاحقة لتأنیث الاسم الذی یكون دونها مذكرا، نحو: رجل، و شیخ، و غلام، فهذه عبارات عن المذكرین، فإذا لحقت التاء فقلت: رجلة، و شیخة، و غلامة، صار واقعا علی المؤنث، و علیه جاء قول الشاعر: [من المدید]
خرقوا جیب فتاتهم‌لم یبالوا حرمة الرجله «3»
______________________________
(1) فی ب: محكم.
(2) صدر بیت، و عجزه:
................قد یمنعانك أن تضام و تضهدا و هو بلا نسبة فی خزانة الأدب (7/ 476، 485)، و شرح الأشمونی (3/ 668)، و شرح شواهد الشافیة ص (113)، و شرح المفصل (5/ 83) (6/ 5) (10/ 56)، و لسان العرب (یدی)، و المقرب (2/ 42)، و المنصف (1/ 64)، (2/ 148).
و الشاهد فیه تثنیة (ید) علی (یدیان) و هذا شاذ و القیاس: (یدان)، بدون رد اللام المحذوفة؛ لأن هذه اللام لا ترد عند الإضافة.
(3) البیت بلا نسبة فی شرح شواهد الإیضاح ص (416)، و شرح المفصل (5/ 98)، و لسان العرب (رجل)، و تاج العروس (رجل)، و كتاب العین (6/ 101).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 513
و قول الآخر: [من الطویل]
و تضحك منی شیخة عبشمیةكأن لم تری قبلی أسیرا یمانیا «1» و قول الآخر: [من الوافر]
و مركضة صریحی أبوهایهان لها الغلامة و الغلام «2» إلا أن هذا النوع قلیل فی كلام العرب، و منه فی القرآن: أُمِرُوا و امْرَأَتُ.
و الثانی: اللاحقة لتأنیث الصفة نحو: مُسَلَّمَةٌ، و مُؤْمِنَةٌ و صاحِبَةٌ و والِدَةٌ و صِدِّیقَةٌ و كلها فی القرآن.
الثالث: اللاحقة للإفراد نحو «بقرة» و «شجرة» و «نخلة» و «شیبة» و «نملة»؛ أ لا تری أن كل هذه الأمثلة عبارة عن المفرد، فإذا أزلت التاء فقلت: بقر، و شجر، و نخل، و شیب، و نمل، دل علی الجمع، و هذا هو الذی یسمیه النحویون اسم الجنس، أعنی الاسم الذی یفهم منه الجمع، فإذا ألحقته التاء؛ صار للمفرد، و منه المصدر نحو: التوب و التوبة، و الجهر و الجهرة، و البطش و البطشة، یكون بالتاء عبارة عن المرة الواحدة، و دون التاء مطلقا صالحا للمرة، و للمرتین، و الأكثر.
الرابع: عكس الثالث، و هی التاء اللاحقة للدلالة علی الجمع، فإذا زالت بقی الاسم دالّا علی الواحد، نحو «جمالة» و «بغالة» أ لا تری أن هذا عبارة عن الجمع، فإذا قلت: جمال، و بغال، فهم الواحد، و منه فی القرآن: سَیَّارَةٌ [یوسف: 19].
______________________________
(1) البیت لعبد یغوث بن وقاص الحارثی فی الأغانی (16/ 258)، و سر صناعة الإعراب (1/ 76)، و شرح اختیارات المفضل ص (768)، و شرح شواهد الإیضاح ص (414)، و شرح شواهد المغنی (2/ 675)، و لسان العرب (هذذ)، (قدر)، (شمس)، و مغنی اللبیب (1/ 277)، و بلا نسبة فی الأشباه و النظائر (2/ 15)، و شرح الأشمونی (1/ 46)، و شرح المفصل (5/ 97)، (10/ 107)، و المحتسب (1/ 69).
و فی البیت شاهدان: أولهما قوله: (شیخة): فقد دخلته التاء، و هو مؤنث حقیقی له ذكر هو (الشیخ). و ثانیهما قوله: (لم تری) حیث أثبت الألف فی (تری) رغم جزمها، و قد خرج علی وجهین: أولهما أن الأصل: (ترین) فجزم بحذف النون. و الثانی أن أصله: (ترأی)، فحذف الألف للجزم، و خفف الهمزة، و جعلها ألفا، و نقل حركتها إلی الساكن قبلها.
(2) البیت لأوس بن غلفاء الهجیمی فی شرح المفصل (5/ 97)، و لسان العرب (صرح)، (ركض)، (غلم)، و للأسدی فی شرح شواهد الإیضاح ص (415)، و بلا نسبة فی جمهرة اللغة ص (960)، و لسان العرب (ركض).
و الشاهد فیه قوله: (الغلامة)، و هو اسم غیر وصف دخلته التاء فی التأنیث الحقیقی.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 514
الخامس: اللاحقة لمعنی المبالغة فی الوصف نحو: علامة، و نسابة، و منه فی القرآن هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة: 1] و خَلِیفَةً [ص: 26]، و بَصِیرَةٌ [القیامة:
14].
السادس: اللاحقة لتوكید معنی التأنیث، و ذلك حیث یكون للمذكر لفظ یخالف لفظ المؤنث، فلو تركت التاء، لكان اللفظ كافیا فی الدلالة علی المؤنث، نحو «جدی»، و «عناق» أ لا تری أن «الجدی» خاص بالمذكر، و «العناق» خاص بالمؤنث؟! فهو كاف فی الدلالة، فإذا وجدنا من كلامهم «ثور» و «نعجة» و «جمل» و «ناقة»، قلنا: التاء فی «نعجة» و «ناقة» لتوكید معنی التأنیث؛ إذ لفظ «الجمل» و «الثور» مخالف للفظ «النعجة» و «الناقة» فلو تركت العرب التاء من «النعجة»، و «الناقة»، لكان كافیا فی الدلالة علی المؤنث غیر متلبس بالمذكر، كما كان ذلك فی «الجدی»، و «العناق».
السابع: اللاحقة لتأنیث اللفظ، و ذلك إما فی المفرد نحو: مدینة، و بقعة، و بلدة، و إما فی الجمع نحو: ملائكة، و حفدة، و ألسنة، و قردة، و حجارة، و زبانیة، و أفئدة.
الثامن: اللاحقة عوضا من یاء المتكلم فی قولك: یا أبة، و یا أمة، و الأصل:
یا أبی، و یا أمی «1»، و فی القرآن منه: یا أَبَتِ [الصافات: 102].
التاسع: اللاحقة عوضا من یاء قبل الآخر فی الجمع الذی علی مثال «مفاعیل» نحو «فرازنة»، و زنادقة، التاء عوض من الیاء فی: فرازین، و زنادیق.
العاشر: اللاحقة لهذا الجمع یصحبها معنی النسب نحو «المهالبة» «2» و «المناذرة».
الحادی عشر: اللاحقة لهذا الجمع یصحبها معنی العجمة نحو «موازجة».
الثانی عشر: اللاحقة لهذا الجمع یصحبها معنی العجمة، و معنی النسب معا نحو «السیابجة» الواحد «سیبجی».
و لیس فی القرآن من هذه الأقسام الأربعة الأخیرة شی‌ء فیما علمت، و الله- جل
______________________________
(1) فی أ: و یا أمتی.
(2) نسبة إلی أبی سعید المهلب بن أبی صفرة الأزدی، أمیر خرسان، و ینسب إلیه كثیر من العلماء نسبة و ولاء.
ینظر اللباب لابن الأثیر (3/ 276).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 515
جلاله- أعلم و أحكم.
فإذا تقرر هذا: یخرج كلام الحافظ- رحمه الله- علی أنه أراد بهاء التأنیث القسمین الأولین، و أراد بما ضارعها سائر الأقسام التی أولها الثالث و آخرها الثامن، و یمكن أن یكون القسم السادس و القسم السابع مع القسمین الأولین، و الله- تبارك و تعالی- أعلم.
ثم إن التاء فی جمیع هذه الأقسام قد تسمی تاء التأنیث؛ و ذلك بسبب شبهها بتاء التأنیث فی اتحاد اللفظ، و إبدال الهاء منها فی الوقف و لزوم تحریك ما قبلها بالفتح.
قال الحافظ- رحمه الله-: «إن الكسائی كان یقف علی هاء التأنیث و ما ضارعها فی اللفظ بالإمالة».
یرید إمالة الهاء و إمالة الفتحة التی قبلها، و كذا نص علیه فی «الموضح»: «أنه كان یقف علی هاء التأنیث، و ما ضارعها فی اللفظ بالإمالة الخالصة فیمیل الفتحة التی قبلها لإمالتها؛ إذ كان لا یوصل إلی إمالتها إلا بذلك، إذ هی ساكنة كالألف». انتهی.
و هكذا مذهب الإمام؛ لأنه قال: «فكان الكسائی وحده یمیلها و ینحو بالفتحة قبلها نحو الكسرة» ثم قال فی آخر الباب ما نصه: «و أما مَرْضاتِ و التَّوْراةَ و مُزْجاةٍ و تُقاةً و كَمِشْكاةٍ و نحوها فلیست من هذا الباب؛ لأن الممال فیهن الألف و ما قبلها لا الهاء، و الممال فی هذا الباب للكسائی هاء التأنیث و ما قبلها؛ فالبابان متباینان و مثل هذا قال الحافظ فی «المفردات».
و أما الشیخ فحاصل قوله: أن الإمالة فی هذا الباب مخصوصة بالفتحة التی قبل الهاء، و الإمالة فی الهاء قال فی «التبصرة»: «ذكر اختلافهم فی الوقف علی ما قبل هاء التأنیث: «أجمع القراء علی فتح ما قبل هاء التأنیث فی الوصل، و اختلفوا فی الوقف: فوقف الكسائی بالإمالة، و فتح الباقون». انتهی.
فخص الكلام بما قبل الهاء.
ثم قال بعد كلام: «و قد أدخل قوم فی هذا الباب إمالة ما قبل هاء السكت نحو كِتابِیَهْ [الحاقة: 19] و نحوه، و لیس منه و لا یؤخذ به». انتهی.
و هذا أیضا جار علی ما تقدم؛ لأنه خص الكلام بما قبل الهاء.
ثم قال بعد كلام: «و أجمعوا علی فتح ما قبل هاء التأنیث إذا كان قبلها ألف منقلبة عن واو»، و هذا أیضا جار علی ما تقدم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 516
و قال فی كتاب «التذكرة» ما نصه: «ذكر إمالة ما قبل هاء التأنیث: تفرد الكسائی بإمالة ما قبل هاء التأنیث».
و قال فی كتاب «الكشف»: «باب علل إمالة ما قبل هاء التأنیث».
ثم قال بعد كلام: «فلما تمكن الشبه فی الوقف بالسكون؛ أجراها الكسائی مجری الألف فی الوقف فأمال ما قبلها من الفتح فقربه من الكسرة، كما یفعل بألف التأنیث».
و قال متصلا بهذا: «إلا أن ألف التأنیث تقرب فی الإمالة نحو الیاء، و لیست كذلك الهاء».
ثم قال فی آخر الباب ما نصه: «فأما الإمالة فی تُقاةً [آل عمران: 28] و تُقاتِهِ [آل عمران: 102] فإنما وجبت؛ لأن أصل ألفه الیاء فلا مزیة للوقف علی الوصل، و لا سبیل لهاء التأنیث فی هذه الإمالة؛ لأن الممال فی هذا هو الألف و ما قبلها [ینحی بالألف نحو أصلها] «1»، و ینحی بالفتحة نحو الكسرة لتتمكن الإمالة فی الألف، و هاء التأنیث إنما تمال الفتحة التی قبلها نحو الكسرة لا غیر، فاعرف الفرق بینهما» انتهی.
و اعلم أن هذا الحاصل من كلام الشیخ هو الجاری علی ما تقدم فی تفسیر الإمالة فی الباب المتقدم، و هو أن الإمالة هی تقریب الفتحة من الكسرة، و تقریب الألف من الیاء، و هذه الهاء لا یمكن أن یدعی تقریبها من الیاء، و لا فتحة فیها فتقرب من الكسرة، و علی هذا أیضا یجری قول سیبویه: «إنه سمع العرب یقولون: ضربت ضربه، و أخذت أخذه»، ثم قال: «شبه الهاء بالألف فأمال ما قبلها كما یمیل ما قبل الألف» انتهی.
و لا ینبغی أن یفهم عن الحافظ و الإمام أنهما یخالفان فی هذا، فأما تنصیصهما علی أن الهاء ممالة فیمكن حمله علی أن الهاء إذا أمیل ما قبلها؛ فلا بد أن یصحبها فی صوتها حال ما من الضعف خفی، یخالف حالها إذا لم [یكن ما قبلها یاء] «2»، و إن لم یكن الحال من جنس التقریب إلی الیاء فسمیا ذلك المقدار إمالة، و الله- العلی العظیم- أعلم و أحكم.
قال الحافظ- رحمه الله-: «نحو قوله: جنة ...» إلی قوله: «إلا أن یقع قبل
______________________________
(1) سقط فی أ.
(2) فی أ: یمل ما قبلها.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 517
الهاء أحد عشر حرفا».
اعلم أن هذه الهاء التی تبدل فی الوقف من تاء التأنیث وردت فی القرآن بعد جمیع حروف الهجاء التسعة و العشرین، و الاختیار فی مذهب الحافظ و الشیخ و الإمام اعتبار ما قبلها فقسموه ثلاثة أقسام:
قسم اتفقوا علی إمالته فی الوقف للكسائی.
و قسم اتفقوا علی اختیار فتحه فی الوقف، كالوصل.
و قسم فصلوه علی ما یأتی بعد بحول الله الولی الحمید.
و أصل هذا التقسیم و التفصیل لابن مجاهد- رحمه الله- و تبعه هؤلاء الأئمة علی اختیاره و استحسنوه، و الروایة عن الكسائی مطلقة بالإمالة فی الجمیع، نص علی ذلك الإمام و الشیخ، و أذكر لك [بحول الله الرب الكریم البر الرحیم] «1» ما جاء فی القرآن العظیم من كل واحد من الأقسام الثلاثة مستوفی علی قراءة الكسائی، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلی العظیم.
القسم الأول: المتفق علی إمالته فی الوقف هو ما كان قبل الهاء فیه حرف من هذه الخمسة عشر حرفا التی یجمعها قولك: بذی زوج سد مثلت نفس:
الباء وردت فی القرآن فی ثمانیة و عشرین اسما، و هی:
حَبَّةٍ [الأنبیاء: 47]، التَّوْبَةُ [النساء: 18]، الْكَعْبَةِ [المائدة: 95]، رَهْبَةً [الحشر: 13]، شَیْبَةً [الروم: 54]، خِطْبَةِ [البقرة: 235]، رِیبَةً [التوبة: 110]، الْإِرْبَةِ [النور: 31]، قُرْبَةٌ [التوبة: 99]، عُصْبَةٌ [یوسف: 8]، رَقَبَةٍ [النساء: 92]، الْعَقَبَةَ [البلد: 11]، دَابَّةٍ [البقرة:
164]، صاحِبَةً [الجن: 3]، سائِبَةٍ [المائدة: 103]، عاقِبَةُ [آل عمران:
137]، غائِبَةٍ [النمل: 75]، كاذِبَةٍ [العلق: 16]، ناصِبَةٌ [الغاشیة: 3]، مَثابَةً [البقرة: 125]، مَثُوبَةً [المائدة: 60]، مُصِیبَةٌ [البقرة: 156]، طَیِّبَةً [آل عمران: 38]، غَیابَتِ [یوسف: 10]، مَحَبَّةً [طه: 39]، مَسْغَبَةٍ [البلد: 14]، مَقْرَبَةٍ [البلد: 15]، مَتْرَبَةٍ [البلد: 16].
الذال: ورد فی اسمین و هما:
______________________________
(1) فی ب: بحول الله تعالی.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 518
لَذَّةٍ [الصافات: 46]، الْمَوْقُوذَةُ [المائدة: 3].
الیاء: وردت فی أربعة و ستین اسما و هی:
شِیَةَ [البقرة: 71]، فِدْیَةٌ [البقرة: 184]، خَشْیَةَ [الإسراء: 31]، حَیَّةٌ [طه: 20]، الْقَرْیَةِ [النساء: 75]، آیَةً [مریم: 10]، الْجِزْیَةَ [التوبة: 29]، مِرْیَةٍ [هود: 17]، حِلْیَةً [فاطر: 12]، فِتْیَةٌ [الكهف:
13]، خُفْیَةً [الأنعام: 63]، خاوِیَةٌ [البقرة: 259]، عاتِیَةٍ [الحاقة: 6]، جاثِیَةً [الجاثیة: 28]، قاسِیَةً [المائدة: 13]، دانِیَةٌ [الحاقة: 23]، غاشِیَةٌ [یوسف: 107]، آنِیَةٍ [الغاشیة: 5]، زَكِیَّةً [الكهف: 74]، لاهِیَةً [الأنبیاء: 3]، الزَّانِیَةُ [النور: 2]، باقِیَةٍ [الحاقة: 8]، بِالنَّاصِیَةِ [العلق: 15]، راضِیَةً [الفجر: 28]، بِالطَّاغِیَةِ [الحاقة: 5]، رابِیَةً [الحاقة: 10]، الْجارِیَةِ [الحاقة: 11]، واعِیَةٌ [الحاقة: 12]، واهِیَةٌ [الحاقة: 16]، هاوِیَةٌ [القارعة: 9]، خافِیَةٌ [الحاقة: 18]، عالِیَةٍ [الحاقة: 22]، الْخالِیَةِ [الحاقة: 24]، الْقاضِیَةَ [الحاقة: 27]، حامِیَةً [الغاشیة: 4]، لاغِیَةً [الغاشیة: 11]، الْوَصِیَّةُ [البقرة: 180]، بَقِیَّةٌ [البقرة: 248]، تَحِیَّةً [الفرقان: 75]، حَمِیَّةَ [الفتح: 26]، بِهَدِیَّةٍ [النمل: 35]، عَشِیَّةً [النازعات: 46]، قاسِیَةً [المائدة: 13]، ذُرِّیَّةَ [الإسراء: 3]، شَرْقِیَّةٍ [النور: 35]، غَرْبِیَّةٍ [النور: 35]، مَرْضِیَّةً [الفجر: 28]، مَبْنِیَّةٌ [الزمر: 20]، عَلانِیَةً [البقرة: 274]، ثَمانِیَةٌ [الحاقة: 17]، الزَّبانِیَةَ [العلق: 18]، الْجاهِلِیَّةِ [الفتح: 26]، تَصْدِیَةً [الأنفال: 35]، تَصْلِیَةُ [الواقعة: 94]، تَوْصِیَةً [یس: 50]، تَسْمِیَةَ [النجم: 27]، الْمُتَرَدِّیَةُ [المائدة: 3]، سِقایَةَ [التوبة: 19]، الْوَلایَةُ [الكهف: 44]، أَوْدِیَةٌ [الرعد: 17]، رَهْبانِیَّةً [الحدید: 27]، الْبَرِیَّةِ [البینة: 6].
الزای: وردت فی ستة أسماء، و هی:
الْعِزَّةُ [البقرة: 206]، أَعِزَّةٍ [المائدة: 54]، بارِزَةً [الكهف: 47]، هُمَزَةٍ [الهمزة: 1]، لُمَزَةٍ [الهمزة: 1]، بِمَفازَةٍ [آل عمران: 188].
الواو: وردت فی سبعة عشر اسما و هی:
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 519
قَسْوَةً [البقرة: 74]، الْمَرْوَةَ [البقرة: 158]، فَجْوَةٍ [الكهف: 17]، شَهْوَةً [الأعراف: 81]، دَعْوَةٌ [غافر: 43]، غِشاوَةٌ [البقرة: 7]، أُسْوَةٌ [الأحزاب: 21]، نِسْوَةٌ [یوسف: 30]، إِخْوَةُ [یوسف: 58]، جَذْوَةٍ [القصص: 29]، بِالْعُدْوَةِ [الأنفال: 42]، بِالْعُرْوَةِ [البقرة:
256]، رَبْوَةٍ [المؤمنون: 50]، الْقُوَّةِ [القصص: 76]، الْعَداوَةَ [المائدة: 14]، غِشاوَةٌ [البقرة: 7]، النُّبُوَّةَ [آل عمران: 79].
الجیم: وردت فی ثمانیة أسماء، و هی:
حاجَةً [یوسف: 68]، بَهْجَةٍ [النمل: 60]، نَعْجَةً [ص: 23]، لُجَّةً [النمل: 44]، حُجَّةٌ [البقرة: 150]، دَرَجَةً [النساء: 95]، زُجاجَةٍ [النور: 35]، وَلِیجَةً [التوبة: 16].
الشین: وردت فی أربعة أسماء، [و] هی:
الْبَطْشَةَ [الدخان: 16]، الْفاحِشَةَ [النساء: 15]، عِیشَةٍ [الحاقة:
21]، مَعِیشَةً [طه: 124].
الدال: وردت فی ثمانیة و عشرین اسما و هی:
بَلْدَةً [الفرقان: 49]، جَلْدَةٍ [النور: 4]، وَرْدَةً [الرحمن: 37]، عِدَّةٍ [الأحزاب: 49]، عُقْدَةَ [البقرة: 235]، عُدَّةً [التوبة: 46]، وَ حَفَدَةً [النحل: 72]، قِرَدَةً [البقرة: 65]، واحِدَةٌ [القمر: 50]، والِدَةٌ [البقرة: 233]، مائِدَةً [المائدة: 114]، جامِدَةً [النمل: 88]، هامِدَةً [الحج: 5]، شَهادَةً [البقرة: 140]، الْمَوْؤُدَةُ [التكویر: 8]، مَعْدُودَةً [البقرة: 80]، مُقْتَصِدَةٌ [المائدة: 66]، مَوَدَّةً [المائدة: 82]، أَفْئِدَةُ [الأنعام: 113]، مَوْعِدَةٍ [التوبة: 114]، عِبادِهِ «1» [الروم: 48]، زِیادَةٌ [التوبة: 37]، مُسَنَّدَةٌ [المنافقون: 4]، مُشَیَّدَةٍ [النساء: 78]، مُمَدَّدَةٍ [الهمزة: 9]، مُؤْصَدَةٌ [الهمزة: 8]، الْمُوقَدَةُ [الهمزة: 6]، مُسْوَدَّةٌ [الزمر: 60].
المیم: وردت فی اثنین و ثلاثین اسما و هی:
أُمَّةً [الأنبیاء: 92]، رَحْمَةٌ [الإسراء: 82]، نَعْمَةٍ [الدخان: 27]، لَوْمَةَ [المائدة: 54]، نِعْمَةَ [البقرة: 211]، حِكْمَةٌ [القمر: 5]، ذِمَّةً
______________________________
(1) هكذا بالمخطوط فلیحرر.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 520
[التوبة: 8]، قِسْمَةٌ [النجم: 22]، غُمَّةً [یونس: 71]، مُسْلِمَةً [البقرة:
128]، الْحُطَمَةِ [الهمزة: 4]، مُحَرَّمَةٌ [المائدة: 26]، مُسَلَّمَةٌ [النساء:
92]، الْمُسَوَّمَةِ [آل عمران: 14]، مُكَرَّمَةٍ [عبس: 13]، قائِمَةٌ [آل عمران: 113]، ظالِمَةٌ [هود: 102]، ناعِمَةٌ [الغاشیة: 8]، الطَّامَّةُ [النازعات: 34]، الْقَیِّمَةِ [البینة: 5]، الْمُقامَةِ [فاطر: 35]، بِالْمَرْحَمَةِ [البلد: 17]، الْمَشْأَمَةِ [البلد: 19]، مُحْكَمَةٌ [محمد: 20]، كَلِمَةً [الكهف: 5]، بَهِیمَةِ [الحج: 34]، لَشِرْذِمَةٌ [الشعراء: 54]، الْقِیامَةِ [القیامة: 1]، اللَّوَّامَةِ [القیامة: 2]، النَّدامَةَ [یونس: 54].
الثاء: وردت فی أربعة أسماء، و هی:
وَرَثَةِ [الشعراء: 85]، ثَلاثَةً [الواقعة: 7]، خَبِیثَةٍ [إبراهیم: 26]، مَبْثُوثَةٌ [الغاشیة: 16].
اللام: وردت فی خمسة و أربعین اسما و هی:
لَیْلَةُ [القدر: 3]، عَیْلَةً [التوبة: 28]، مَیْلَةً [النساء: 102]، غَفْلَةٍ [مریم: 39]، النَّخْلَةِ [مریم: 25]، نَمْلَةٌ [النمل: 18]، نَزْلَةً [النجم:
13]، قِبْلَةً [البقرة: 144]، نِحْلَةً [النساء: 4]، رِحْلَةَ [قریش: 2]، حِیلَةً [النساء: 98]، الذِّلَّةُ [البقرة: 61]، مِلَّةِ [البقرة: 130]، جُمْلَةً [الفرقان: 32]، ثُلَّةٌ [الواقعة: 13]، ظُلَّةٌ [الأعراف: 171]، خُلَّةٌ [البقرة: 254]، دُولَةً [الحشر: 7]، كامِلَةٌ [البقرة: 196]، الْعاجِلَةَ [الإسراء: 18]، نافِلَةً [الإسراء: 79]، عامِلَةٌ [الغاشیة: 3]، الضَّلالَةَ [البقرة: 175]، الْكَلالَةِ [النساء: 176]، بِجَهالَةٍ [النساء: 17]، وَ الْجِبِلَّةَ [الشعراء: 184]، حَمُولَةً [الأنعام: 142]، وَصِیلَةٍ [المائدة:
103]، قَلِیلَةٍ [البقرة: 249]، الْوَسِیلَةَ [المائدة: 35]، تَحِلَّةَ [التحریم:
2]، سُلالَةٍ [المؤمنون: 12]، مَغْلُولَةٌ [المائدة: 64]، زَلْزَلَةَ [الحج:
1]، مُعَطَّلَةٍ [الحج: 45]، حَمَّالَةَ [المسد: 4]، وَجِلَةٌ [المؤمنون:
60]، أَذِلَّةٌ [آل عمران: 123]، الْأَهِلَّةِ [البقرة: 189]، سِلْسِلَةٍ [الحاقة:
32]، مُرْسِلَةٌ [النمل: 35]، سُنْبُلَةٍ [البقرة: 261]، مُثْقَلَةٌ [فاطر: 18]،
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 521
جِمالَتٌ [المرسلات: 33]، رِسالَةَ [الأعراف: 79].
التاء: وردت فی أربعة أسماء و هی:
الْمَیْتَةُ [المائدة: 3]، بَغْتَةً [الزمر: 55]، الْمَوْتَةَ [الدخان: 56]، سِتَّةِ [یونس: 3].
النون: وردت فی سبعة و ثلاثین اسما و هی:
سَنَةٍ [المعارج: 4]، سِنَةٌ [البقرة: 255]، لَعْنَةُ [البقرة: 161]، الْجَنَّةَ [البقرة: 35]، الْجِنَّةِ [الصافات: 158]، فِتْنَةٌ [البقرة: 102]، زِینَةِ [طه: 87]، لِینَةٍ [الحشر: 5]، جُنَّةً [المجادلة: 16]، حَسَنَةً [البقرة: 201]، أَمَنَةً [آل عمران: 154]، لِخَزَنَةِ [غافر: 49]، خائِنَةٍ [المائدة: 13]، آمِنَةً [النحل: 112]، باطِنَةً [لقمان: 20]، سَكِینَةٌ [البقرة: 248]، الْمَدِینَةِ [الأعراف: 123]، السَّفِینَةِ [الكهف: 71]، رَهِینَةٌ [المدثر: 38]، الْمَسْكَنَةُ [البقرة: 61]، مَسْكُونَةٍ [النور: 29]، زَیْتُونَةٍ [النور: 35]، الْمَلْعُونَةَ [الإسراء: 60]، مَوْضُونَةٍ [الواقعة: 15]، مُحَصَّنَةٍ [الحشر: 14]، مُؤْمِنَةٌ [البقرة: 221]، بَیِّنَةٍ [البقرة: 211]، بِطانَةً [آل عمران: 118]، خِیانَةً [الأنفال: 58]، الْأَمانَةَ [الأحزاب:
72]، الْمَیْمَنَةِ [البلد: 18]، مُبَیِّنَةٍ [النساء: 19]، أَجِنَّةٌ [النجم: 32]، أَكِنَّةً [الأنعام: 25]، بِأَلْسِنَةٍ [الأحزاب: 19]، مُطْمَئِنَّةً [النحل: 112].
الفاء: وردت فی أحد و عشرین اسما، و هی:
رَأْفَةٌ [النور: 2]، الْخَطْفَةَ [الصافات: 10]، الرَّجْفَةُ [الأعراف:
78]، خِلْفَةً [الفرقان: 62]، وَ خِیفَةً [الأعراف: 205]، غُرْفَةً [البقرة:
249]، زُلْفَةً [الملك: 27]، نُطْفَةً [المؤمنون: 13]، طائِفَةٌ [المزمل:
20]، عاصِفَةً [الأنبیاء: 81]، الْآزِفَةُ [النجم: 57]، كاشِفَةٌ [النجم:
58]، الرَّاجِفَةُ [النازعات: 6]، الرَّادِفَةُ [النازعات: 7]، واجِفَةٌ [النازعات: 8]، كَافَّةً [البقرة: 208]، مَصْفُوفَةٌ [الغاشیة: 15]، مَعْرُوفَةٌ [النور: 53]، الْمُؤَلَّفَةِ [التوبة: 60]، مُضاعَفَةً [آل عمران: 130]، خَلِیفَةً [ص: 26].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 522
السین: وردت فی ثلاثة أسماء، و هی:
خَمْسَةٌ [الكهف: 22]، الْخامِسَةُ [النور: 7]، الْمُقَدَّسَةَ [المائدة:
21].
القسم الثانی: الذی یوقف علیه بالفتح هو إذا كان قبل الهاء واحد من عشرة أحرف، و هی أحرف الاستعلاء السبعة و الحاء، و العین، و الألف الساكنة، و یجمعها قولك: «غاض حظ صعق خط» فالغین: وردت فی أربعة أسماء و هی:
صِبْغَةَ [البقرة: 138]، مُضْغَةً [المؤمنون: 14]، بازِغَةً [الأنعام:
78]، بالِغَةٌ [القمر: 5].
الألف الساكنة: وردت فی أحد عشر اسما [و هی]:
الصَّلاةَ [البقرة: 3]، الزَّكاةَ [البقرة: 43]، الْحَیاةِ [البقرة: 85]، النَّجاةِ [غافر: 41]، بِالْغَداةِ [الأنعام: 52]، وَ مَناةَ [النجم: 20]، تُقاةً [آل عمران: 28]، التَّوْراةَ [آل عمران: 3]، مَرْضاتِ [البقرة:
207]، كَمِشْكاةٍ [النور: 35]، مُزْجاةٍ [یوسف: 88].
و یلحق بهذه الأسماء «ذات» من قوله تعالی: ذاتَ بَهْجَةٍ [النمل: 60] و نحو علی ما یأتی فی باب الوقف علی مرسوم الخط، و هَیْهاتَ [المؤمنون:
36].
و اللَّاتَ فی النجم [19]، و وَ لاتَ فی ص [3].
و الضاد: وردت فی تسعة أسماء، و هی: رَوْضَةٍ [الروم: 15]، قَبْضَةً [طه: 96]، فِضَّةٍ [الزخرف: 33]، عُرْضَةً [البقرة: 224]، فَرِیضَةً [البقرة: 236]، بَعُوضَةً [البقرة: 26]، خافِضَةٌ [الواقعة: 3]، داحِضَةٌ [الشوری: 16]، مَقْبُوضَةٌ [البقرة: 283].
الحاء: وردت فی سبعة أسماء، و هی: نَفْحَةٌ [الأنبیاء: 46]، صَیْحَةً [یس: 49]، لَوَّاحَةٌ [المدثر: 29]، وَ النَّطِیحَةُ [المائدة: 3]، أَشِحَّةً [الأحزاب: 19]، أَجْنِحَةٍ [فاطر: 1]، مُفَتَّحَةً [ص: 50].
الظاء: وردت فی ثلاثة أسماء، و هی: غِلْظَةً [التوبة: 123]، وَ مَوْعِظَةً [البقرة: 66]، حَفَظَةً [الأنعام: 61].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 523
الصاد: وردت فی ستة أسماء، و هی: خالِصَةً [البقرة: 94]، شاخِصَةٌ [الأنبیاء: 97]، خَاصَّةً [الأنفال: 25]، خَصاصَةٌ [الحشر: 9]، مَخْمَصَةٍ [المائدة: 3]، غُصَّةٍ [المزمل: 13].
العین: وردت فی ثمانیة و عشرین اسما، و هی: سَعَةٍ [الطلاق: 7]، وَ سَبْعَةٍ [البقرة: 196]، صَنْعَةَ [الأنبیاء: 80]، السَّاعَةُ [الأنعام: 31]، طاعَةٌ [النساء: 81]، شِرْعَةً [المائدة: 48]، تِسْعَةُ [النمل: 48]، شِیعَةٍ [مریم:
69]، بِقِیعَةٍ [النور: 39]، الْبُقْعَةِ [القصص: 30]، الْجُمُعَةِ [الجمعة:
9]، واسِعَةٍ [الأنعام: 147]، قارِعَةٌ [الرعد: 31]، الْواقِعَةُ [الواقعة: 1]، رافِعَةٌ [الواقعة: 3]، خاشِعَةً [فصلت: 39]، قاطِعَةً [النمل: 32]، مَقْطُوعَةٍ [الواقعة: 33]، مَمْنُوعَةٍ [الواقعة: 33]، مَرْفُوعَةٍ [الواقعة: 34]، مَوْضُوعَةٌ [الغاشیة: 14]، الشَّفاعَةَ [مریم: 87]، الرَّضاعَةَ [البقرة: 233]، نَزَّاعَةً [المعارج: 16]، بِضاعَةً [یوسف: 19]، شَرِیعَةٍ [الجاثیة: 18]، مُرْضِعَةٍ [الحج: 2]، أَرْبَعَةِ [البقرة: 226].
القاف: وردت فی تسعة عشر اسما: طاقَةَ [البقرة: 249]، ناقَةُ [الأعراف: 73]، الصَّاعِقَةُ [البقرة: 55]، فِرْقَةٍ [التوبة: 122]، الشُّقَّةُ [التوبة: 42]، صَدَقَةٍ [البقرة: 196]، نَفَقَةٍ [البقرة: 270]، عَلَقَةٍ [الحج: 5]، وَرَقَةٍ [الأنعام: 59]، صاعِقَةً [فصلت: 13]، ذائِقَةُ [آل عمران: 185]، وَ السَّارِقَةُ [المائدة: 38]، الْحَاقَّةُ [الحاقة: 1]، كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء: 129]، مُخَلَّقَةٍ [الحج: 5]، صِدِّیقَةٌ [المائدة: 75]، الطَّرِیقَةِ [الجن: 16]، مُتَفَرِّقَةٍ [یوسف: 67]، وَ الْمُنْخَنِقَةُ [المائدة: 3]،.
الخاء: وردت فی اسمین و هما:
الصَّاخَّةُ [عبس: 33]، نَفْخَةٌ [الحاقة: 13].
الطاء: وردت فی ثلاثة أسماء و هی بَسْطَةً [البقرة: 247]، حِطَّةٌ [البقرة:
58]، لَمُحِیطَةٌ [التوبة: 49].
و وجه اختیار الفتح مع هذه الأحرف العشرة:
أما أحرف الاستعلاء منها فاستعلاؤها ینافی الإمالة، و قد ثبت أنها تمنع إمالة الألف متقدمة و متأخرة، فالمتقدمة نحو: قاعد و غائب و خامد و صاعد و طائف و ظالم
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 524
و ضامن، و المتأخرة نحو: ناقد، و عاطس، و عاصم، و عاضد، و عاطب، و ناخل، قال سیبویه رحمه الله: «و لا نعلم أحدا یمیل هذه الألف إلا من لا یؤخذ بلغته» فلما ثبت هذا مع الألف كانت الهاء أولی بالفتح، إذ إمالتها فرع إمالة الألف، و هذا مع اتصال أحرف الاستعلاء بالهاء، أما إذا حال بینهما حرف فإنهم یمیلون للكسائی، و لا یراعون حرف الاستعلاء نحو: رقبة، و العقبة، و البطشة، و العصبة، و بغتة، و النخلة، و أما الحاء و العین فلقربهما من الخاء و الغین فی المخرج حكم لهما بحكمهما، و مع هذا فإنهما إذا وقعا لاما أو عینا فی «فعل» المفتوح العین، فإن المضارع إذ ذاك تفتح عینه فصیحا مطردا، نحو جعل یجعل، و شرح یشرح و هذا تعلیل المهدوی. و علل الحافظ فی «الموضح» بأن الحاء و العین من حروف الحلق، فهما من حیز الألف، و الفتح من الألف.
قال: «فلذلك لزم حروف الحلق، و كان أحق بها لتجانس الصوت».
فإن قیل: إن هذا التعلیل، و تعلیل المهدوی ینكران علی أصل الباب؛ لأن الهاء من حروف الحلق، و یأتی المضارع إذا كانت عینه أو لامه مفتوح الوسط كما تقدم فی الحاء و العین نحو: ذهل یذهل، و نقه ینقه، فكان ینبغی علی هذا أ لا تمال فی الوقف؟
فالجواب: أن الهاء إذا كانت عینا، أو لا ما فی «فعل» بفتح العین فلها قوة و تمكن، فتمكنها أنها تثبت وصلا و وقفا، و قوتها ملازمة الحركة لها، أما إذا كانت عینا فلا یلحقها السكون، و أما إذا كانت لاما: فلا تسكن أیضا إلا فی الوقف، أو عند اتصالها بضمیر الرفع للمتكلم، أو للمخاطب، أو نون جماعة المؤنث، و كل هذا عارض.
و كذلك تلزمها الحركة فی المضارع و لا یلحقها السكون إلا إذا كانت لاما، فیعرض لها دخول الجازم أو اتصال نون جماعة المؤنث، و كلاهما عارض؛ فقویت لهذا التمكن علی أن فتحت فی المضارع و هی عین لما ذكر من قوتها و تمكنها، و لحصول الفتح قبلها فی حرف المضارعة؛ إذ لیس بینهما حاجز إلا الفاء و لیست بحاجز حصین لسكونها، فأرادوا «1» أن یكون العمل واحدا كما یمیلون الفتحة و الألف فی: عالم، و عابد؛ بسبب الكسرة [لیحصل التناسب، و یقرب العمل و یكون من باب واحد، و فتح ما قبلها و هی لام] «2» لیحصل التناسب بینها و بین حركة ما
______________________________
(1) فی ب: فإن أدوا.
(2) سقط فی ب.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 525
قبلها؛ إذ كانت الفتحة من الألف، و الألف و الهاء من مخرج واحد، و استقر هذا الاعتناء بها و الاحترام لها حین ثبت لها من القوة و التمكن ما تقدم.
و أما الهاء التی تثبت فی الوقف بدلا من التاء فلا حظّ لها فی الحركة و لا ثبوت لها فی الوصل، و لا فرق بینها فی ذلك و بین هاء السكت، غیر أن هاء السكت لم تجعل بدلا من شی‌ء یثبت فی الوصل، و هذه الهاء جعلت تعاقب التاء كما تقدم.
فلما فقدت التمكن و القوة سلبت الاحترام، و أجریت مجری الألف؛ أ لا تری أن الإمالة أبدا سلطت علی الألف و إن كانت من حروف الحلق إذ كانت ضعیفة لا تقبل الحركة فصارت لذلك طوع الیمین منفعلة لما یعرض لها من أسباب الإمالة.
فإن قیل: ما ثبت من استحسان فتح عین الفعل لأجل حرف الحلق إذا كان عینا أو لاما ینافر إمالة فاء الكلمة فی: عابد، و عالم؛ لأنه حرف حلق متحرك بالفتح و فی محل یقل فیه التغییر أكثر ما یكون فی الأواخر و هو مع ذلك سابق علی سبب الإمالة؛ فكان الواجب أن یستوفی حقه من إخلاص الفتح إذ سبب الإمالة غیر موجود وقت النطق بالفاء و إنما یوجد بعد؟
فالجواب: أنه لما كانت الفاء و سبب الإمالة قد اشتملت علیهما كلمة واحدة، و لم یكن للسان بد من الإتیان بجمیع حروف الكلمة و حركاتها- افتتح أول الكلمة علی وجه یناسب آخرها لتخف الكلمة علیه، و هذه رائحة من معنی قول الشاعر: [من المتقارب]
رأی الأمر یفضی إلی آخرفصیر آخره أولا «1» و ینبغی للطالب أن یعلم متی حصل توجیه مسألة فی هذا العلم بوجه مناسب- كفی، فإن اتفق مع ذلك اطراد التوجیه فی سائر النظائر و استمرار التعلیل فحسن، و إن لم یطرد ذلك و حصل الاختلاف بین النظائر فلا اعتراض؛ لأن القوانین فی علم العربیة إنما هی أكثریة لا كلیة؛ لأن موضوع هذا العلم الألفاظ، و هو أمر وضعی، و إنما یلزم الاطراد، و یقدح الانكسار فی العلوم العقلیة.
فإن قیل: قد ذكرت وجها من الشبه بین هذه الهاء و هاء السكت، فلم فتحت [ما قبل] هاء السكت فی- قوله تعالی-: كِتابِیَهْ [الحاقة: 19] و سُلْطانِیَهْ [الحاقة: 29]،
______________________________
(1) ینظر البیت فی: خزانة الأدب (8/ 109) و المقتصد فی شرح الإیضاح (1/ 169)، و الخصائص (1/ 209)، (2/ 31، 170) و شرح المفصل (5/ 120)، و الأشباه و النظائر (1/ 277).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 526
و مالِیَهْ [الحاقة: 28]، و وَ ما أَدْراكَ ما هِیَهْ [القارعة: 10]، و شبهه؟
فالجواب: أن هاء السكت [إنما دخلت] «1» فی هذه الأمثلة؛ لبیان الفتحة خاصة، و لا شبه بینها و بین الألف الممالة فلم یكن لإمالتها و إمالة الفتحة وجه، و الله- جل جلاله- أعلم و أحكم.
و أما الفتح مع الألف فعلله الحافظ بأن الألف فی «الصلاة»، و «الزكاة»، «و النجاة» منقلبة عن الواو، ففتحت فی الوقف دلالة علی أصلها، و حملت البواقی علیها كما حمل بعض حروف المضارعة علی بعض فی نحو «یعد»، و «أكرم»، ثم علل بما معناه أن هذه الألف لو أمیلت لزم إمالة ما قبلها، و لم یمكن الاقتصار علی إمالة الألف مع الهاء دون إمالة ما قبل الألف.
قال العبد: «و تمام هذا التعلیل أن یقول: و الأصل فی هذا الباب الاقتصار علی إمالة الهاء و الحرف الذی قبلها خاصة».
قال الحافظ: «و كذلك انعقد إجماع أهل الأداء علی فتح الألف معها».
و بمثل هذا علل الشیخ.
و اعلم أنه لا خلاف أن الكسائی یمیل ألف «مرضاة»، و «مشكاة»، و «مزجاة»، و «تقاة»، و «التوراة»، و لا یلزم من ذلك إمالة الهاء فی الوقف علی مذهب الشیخ؛ لأن الإمالة عنده لا تكون فی الهاء كما تقدم، و إنما أمیلت الألف فی هذه الكلمات لانقلابها عن الیاء كما مر فی الباب قبله لا من أجل هاء التأنیث، فأما علی مذهب الحافظ حیث یری أن الإمالة تدخل الهاء، و قد نص فی المفردات علی هذه الكلمات الخمس فقال:
«إن الألف و ما قبلها هو الممال فی هذه الخمسة لا الهاء و ما قبلها؛ إذ لو كان ذلك لما جازت الإمالة فیها فی حال الوصل لانقلاب الهاء المشبهة بالألف فیه تاء».
فیبقی علیه إشكال، و هو أن یقال: القدر الذی یحصل فی صوت الهاء من التكیف الذی نسمیه إمالة بعد الفتحة الممالة، حاصل أیضا بعد الألف الممالة؛ فیلزمك أن تقول: إنها ممالة بعد الألف الممالة و إن لم تكن الإمالة بسبب الهاء، و الله تبارك و تعالی أعلم و أحكم.
القسم الثالث: الذی فیه التفصیل: هو إذا كان قبل الهاء أحد أربعة أحرف، و هی:
______________________________
(1) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 527
الهمزة، و الهاء، و الكاف، و الراء، و الضابط أنه متی كان قبل واحد من هذه الأربعة یاء ساكنة، أو كسرة متصلة به، أو مفصول بینهما بحرف ساكن؛ أمیلت فی الوقف و إلا فلا.
أما الهمزة فوردت فی أحد عشر اسما:
فی اسمین منها بعد الیاء و هما: كَهَیْئَةِ [آل عمران: 49] و خَطِیئَةً [النساء:
112].
و فی خمسة بعد الكسرة، و هی: مِائَةَ [البقرة: 259] و فِئَةٍ [البقرة: 249] و ناشِئَةَ [المزمل: 6] و سَیِّئَةٌ [الروم: 36] و خاطِئَةٍ [العلق: 16] الوقف علی هذه السبعة بالإمالة.
و منها أربعة سوی ما تقدم، و هی: النَّشْأَةَ [العنكبوت: 20] و سَوْأَةَ [المائدة: 31] و امْرَأَتُ و بَراءَةٌ [التوبة: 1].
مذهب الحافظ فی «التیسیر» الفتح فی الأربعة، و ذكر فی غیره الخلاف فی النَّشْأَةَ و سَوْأَةَ، و أن الفتح أقیس.
و حاصل قول الشیخ و الإمام فی هذه الأسماء موافق لقول الحافظ، إلا أن الشیخ ذكر أن إمالة النَّشْأَةَ و سَوْأَةَ هو مذهب أبی الطیب.
و أما الهاء فوردت فی أربعة أسماء:
فی ثلاثة منها بعد الكسرة و هی:
آلِهَةً [الأنعام: 19]، و فاكِهَةً [عبس: 31] و وِجْهَةٌ «1» [البقرة: 148] الوقف علی هذه الثلاثة بالإمالة.
و منها واحد بعد الألف و هو سَفاهَةٍ الوقف علیه بالفتح من الطرق الثلاثة.
و أما الكاف فوردت فی أحد عشر اسما:
فی واحد بعد الیاء، و هو الْأَیْكَةِ [الحجر: 78] بالألف و اللام، فأما «لیكة» دون الألف و اللام فلیس فی قراءة الكسائی «2».
______________________________
(1) هكذا فی المخطوط فلیحرر.
(2) قرأ نافع و ابن كثیر و ابن عامر: (لیكة) بلام واحدة و فتح التاء، جعلوه اسما غیر معرف ب (أل) مضافا إلیها (أصحاب) هنا و فی (ص) خاصة، و الباقون: (الأیكة) معرفا ب (أل) مضافا إلیها (أصحاب) هنا و فی (ص) خاصة، و الباقون: (الأیكة) معرفا ب (أل)؛ موافقة لما أجمع علیه فی الحجر و فی (ق)، و قد اضطربت أقوال الناس فی القراءة الأولی، و تجرأ بعضهم علی قارئها.-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 528
______________________________
- و وجهها علی ما قال أبو عبید: أن (لیكة) اسم للقریة التی كانوا فیها و (الأیكة): اسم للبلد كله. قال أبو عبید: لا أحب مفارقة الخط فی شی‌ء من القرآن إلا ما یخرج من كلام العرب، و هذا لیس بخارج من كلامها مع صحة المعنی فی هذه الحروف، و ذلك أنا وجدنا فی بعض التفاسیر الفرق بین (لیكة)، و (الأیكة)، فقیل: (لیكة): هو اسم للقریة التی كانوا فیها، و الأیكة: البلاد كلها؛ فصار الفرق بینهما شبیها بما بین (مكة، و بكة)، و رأیتهن مع هذا فی الذی یقال: إنه الإمام- مصحف عثمان- مفترقان، فوجدت التی فی (الحجر) و التی فی (ق): (الأیكة)، و وجدت التی فی (الشعراء) و التی فی (ص): (لیكة)، ثم اجتمعت علیها مصاحف الأمصار بعد، فلا نعلمها إذن اختلفت فیها، و قرأ أهل المدینة علی هذا اللفظ الذی قصصنا، یعنی بغیر ألف و لام، و لا إجراء. انتهی ما قاله أبو عبید. قال أبو شامة بعد نقله كلام أبی عبید: هذه عبارته، و لیست سدیدة؛ فإن اللام موجودة فی (لیكة)، و صوابه: بغیر ألف و همزة. قال شهاب الدین: بل هی سدیدة؛ فإنه یعنی بغیر ألف و لام معرّفة لا مطلق لام فی الجملة.
و قد تعقب قول أبی عبید و أنكروا علیه، فقال أبو جعفر: أجمع القراء علی خفض التی فی (الحجر) و (ق)؛ فیجب أن یرد ما اختلف فیه إلی ما اتفق علیه إذ كان المعنی واحدا، فأما ما حكاه أبو عبید من (لیكة): اسم القریة، و أن (الأیكة): اسم البلد كله- فشی‌ء لا یثبت و لا یعرف من قاله، و لو عرف لكان فیه نظر؛ لأن أهل العلم جمیعا من المفسرین و العالمین بكلام العرب علی خلافه، و لا نعلم خلافا بین أهل اللغة أن (الأیكة): الشجر الملتف.
فأما احتجاج بعض من احتج لقراءة من قرأ فی هذین الموضعین بالفتح؛ لأنه فی السواد:
(لیكة) فلا حجة فیه، و القول فیه: إن أصله: (الأیكة) ثم خففت الهمزة، فألقیت حركتها علی اللام، فسقطت و استغنت عن ألف الوصل؛ لأن اللام قد تحركت فلا یجوز علی هذا إلا الخفض، كما تقول: (مررت بالأحمر) علی تحقیق الهمزة، ثم تخففها فتقول:
(بلحمر)، فإن شئت كتبته فی الخط علی ما كتبته أولا، و إن شئت كتبته بالحذف، و لم یجز إلا الخفض؛ فلذلك لا یجوز فی (الأیكة) إلا الخفض، قال سیبویه: و اعلم أن كل ما لم یتصرف إذا دخلته الألف و اللام أو أضفته انصرف. و لا نعلم أحدا خالف سیبویه فی هذا، و قال المبرد فی كتاب الخط: كتبوا فی بعض المواضع: (كذب أصحاب لیكة) بغیر ألف، لأن الألف تذهب فی الوصل، و لذلك غلط القارئ بالفتح فتوهم أن (لیكة) اسم شی‌ء، و أن اللام أصل فقرأ: (أصحاب لیكة).
و قال الفراء: نری- و الله أعلم- أنها كتبت فی هذین الموضعین بترك الهمز؛ فسقطت الألف لتحریك اللام. قال مكی: تعقب ابن قتیبة علی أبی عبید فاختار (الأیكة) بالألف و الهمزة و الخفض، و قال: إنما كتبت بغیر ألف علی تخفیف الهمز، قال: و قد أجمع الناس علی ذلك، یعنی: فی (الحجر) و (ق): فوجب أن یلحق ما فی (الشعراء) و (ص) بما أجمعوا علیه، فما أجمعوا علیه شاهد لما اختلفوا فیه. و قال أبو إسحاق:
القراءة بجر (لیكة) و أنت ترید (الأیكة)، أجود من أن تجعلها (لیكة) و تفتحها؛ لأنها لا تتصرف لأن (لیكة) لا تعرف، و إنما هی (أیكة) للواحد، و (أیك) للجمع، مثل: أجمة و أجم. و الأیك: الشجر الملتف، فأجود القراءة فیها الكسر و إسقاط الهمزة لموافقة-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 529
و فی أربعة [بعد] الكسرة و هی ضاحِكَةٌ [عبس: 39] و مُشْرِكَةٍ [البقرة: 221] و الْمَلائِكَةِ و وَ الْمُؤْتَفِكَةَ [النجم: 53] الوقف علی هذه الخمسة [بالإمالة].
______________________________
- المصحف، و لا أعلمه إلا قد قرئ به.
و قال الفارسی: قول من قال: (لیكة) بفتح التاء مشكل؛ لأنه فتح مع لحاق اللام الكلمة، و هذا فی الامتناع كقول من قال: مررت بلحمر. فیفتح الآخر مع لحاق لام المعرفة، و إنما كتبت (لیكة) علی تخفیف الهمز، و الفتح لا یصح فی العربیة؛ لأنه فتح حرف الإعراب فی موضع الجر مع لام المعرفة، فهو علی قیاس قول من قال: مررت بلحمر، و یبعد أن یفتح نافع ذلك مع ما قال عنه ورش. یعنی أن ورشا نقل عن نافع نقل حركة الهمزة إلی الساكن قبلها حیث وجد بشروط مذكورة، و من جملة ذلك ما فی سورة (الحجر) و (ق) من لفظ (الأیكة)، فقرأ علی قاعدته فی السورتین بنقل الحركة و طرح الهمز و خفض التاء: فكذلك ینبغی أن یكون الحكم فی هذین الموضعین أیضا.
و قال الزمخشری: قرئ (أصحاب الأیكة) بالهمزة و بتخفیفها و بالجر علی الإضافة، و هو الوجه، و من قرأ بالنصب و زعم أن (لیكة) بوزن: (لیلة)- اسم بلد- فتوهّم قاد إلیه خط المصحف .. و إنما كتبت علی حكم لفظ اللافظ، كما یكتب أصحاب النحو: لان، و لاولی، علی هذه الصورة لبیان لفظ المخفف. و قد كتبت فی سائر القرآن علی الأصل و القصة واحدة، علی أن (لیكة) اسم لا یعرف، و روی أن (أصحاب الأیكة) كانوا أصحاب شجر ملتف، و كان شجرهم الدوم، و هو شجر المقل. یعنی أن مادة (ل ی ك) مفقودة فی لسان العرب. كذا قال الثقات ممن تتبع ذلك.
قال: و هذا كما نصوا علی أن الخاء و الذال المعجمتین لم یجامعا الجیم فی لغة العرب؛ و لذلك لم یذكرها صاحب (الصحاح) مع ذكره التفرقة المتقدمة عن أبی عبید، و لو كانت موجودة فی اللغة لذكرها مع ذكره التفرقة المتقدمة؛ لشدة الاحتیاج إلیها. و قال الزجاج أیضا: أهل المدینة یفتحون علی ما جاء فی التفسیر أن اسم المدینة التی كان فیها شعیب: (لیكة).
قال أبو علی: لو صح هذا فلم أجمع القراء علی الهمز فی قوله: وَ إِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَیْكَةِ [الحجر: 78] فی (الحجر)، و (الأیكة) التی ذكرت هاهنا هی (الأیكة) التی ذكرت هناك، و قد قال ابن عباس: الأیكة: الغیضة. و لم یفسرها بالمدینة و لا البلد؟! قال شهاب الدین: و هؤلاء كلهم كأنهم زعموا أن هؤلاء الأئمة الأثبات إنما أخذوا هذه القراءة من خط المصاحف دون أفواه الرجال، و كیف یظن بمثل أسنّ القراء و أعلاهم إسنادا، و الآخذ القرآن عن جملة من جلة الصحابة: أبی الدرداء و عثمان بن عفان و غیرهما، و بمثل إمام مكة- شرفها الله تعالی- و بمثل إمام المدینة، و كیف ینكر علی أبی عبید قوله أو یتهم فی نقله؟! و من حفظ حجة علی من لم یحفظ، و التواتر قطعی فلا یعارض بالظنی، و أما اختلاف القراءة مع اتحاد القصة، فلا یضر ذلك، عبر عنها تارة بالقریة خاصة و تارة بالمصر الجامع للقری كلها، الشامل هو لها، و أما تفسیر ابن عباس فلا ینافی ذلك؛ لأنه عبر عنها بما كثر فیها.
ینظر اللباب (15/ 70- 74).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 530
و فی ستة سوی ما تقدم، و هی:
مَكَّةَ [الفتح: 24]، و بِبَكَّةَ [آل عمران: 96]، و دَكَّةً [الحاقة: 14]، و الشَّوْكَةِ [الأنفال: 7]، و التَّهْلُكَةِ [البقرة: 195]، و مُبارَكَةٍ [النور:
35].
اختیار الحافظ و الإمام الفتح، و ذكر الشیخ عن أبی الطیب الإمالة، و أما الراء فوردت فی ثمانیة و ثمانین اسما:
فی ستة بعد الیاء الساكنة و هی: كَبِیرَةً [التوبة: 121]، و كَثِیرَةً [البقرة:
245]، و صَغِیرَةً [التوبة: 121]، و الظَّهِیرَةِ [النور: 58]، و بَحِیرَةٍ [المائدة: 103]، و بَصِیرَةٍ [یوسف: 108].
و فی ثلاثین بعد الكسرة المتصلة، أو المفصولة بالساكن و هی: فَنَظِرَةٌ [البقرة: 280]، و بِالْآخِرَةِ [البقرة: 4]، و حاضِرَةً [البقرة: 282]، و كافِرَةٌ [آل عمران: 13]، و دائِرَةٌ [المائدة: 52]، و وازِرَةٌ [الأنعام:
164]، و ظاهِرَةً [لقمان: 20]، و ناضِرَةٌ [القیامة: 22]، و ناظِرَةٌ [القیامة: 23]، و باسِرَةٌ [القیامة: 24]، و فاقِرَةٌ [القیامة: 25]، و الْحافِرَةِ [النازعات: 10]، و نَخِرَةً [النازعات: 11]، و خاسِرَةٌ [النازعات: 12]، و بِالسَّاهِرَةِ [النازعات: 14]، و صابِرَةٌ [الأنفال: 66]، و مَعْذِرَةً [الأعراف: 164]، و الْمَغْفِرَةِ [البقرة: 221]، و مُنْكِرَةٌ [النحل: 22]، و مُبْصِرَةً [الإسراء: 12]، و مُسْفِرَةٌ [عبس: 38]، و أَساوِرَ [الزخرف: 53]، و تَبْصِرَةً [ق: 8]، و تَذْكِرَةً [طه: 3]، و مُسْتَنْفِرَةٌ [المدثر: 50]، و مُسْتَبْشِرَةٌ [عبس: 39]، و (عبرة) [آل عمران: 13]، و فِطْرَتَ [الروم: 30]، و سِدْرَةِ [النجم: 14]، و قُرَّةَ [الفرقان: 74].
الوقف علی هذه الستة و الثلاثین بالإمالة إلا فِطْرَتَ فإن الإمام استثناها فقال:
بالفتح، و ذكر الشیخ الخلاف عن أصحاب ابن مجاهد، و كذلك ذكر الحافظ الخلاف فی غیر «التیسیر»، و مقتضی قوله فی «التیسیر» إمالتها إذا لم یستثنها.
و فی اثنین و خمسین سوی ما تقدم، و هی: جَهْرَةً [البقرة: 55]، و الْحَسْرَةِ [مریم: 39]، و فَتْرَةٍ [المائدة: 19]، و زَهْرَةَ [طه: 131]، و صَخْرَةٍ [لقمان: 16]، و زَجْرَةٌ [الصافات: 19]، و نَظْرَةً [الصافات: 88]، و عَشَرَةٌ
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 531
[البقرة: 196]، و سَكْرَةُ [ق: 19]، و كَثْرَةُ [المائدة: 100]، و غَمْرَةٍ [المؤمنون: 63]، و نَضْرَةً [الإنسان: 11]، و عَوْرَةٌ [الأحزاب: 13]، و كِبْرَهُ [النور: 11]، و ذَرَّةٍ [النساء: 40]، و قُرَّةَ [الفرقان: 74]، و صَرَّةٍ [الذاریات: 29]، و تارَةً [الإسراء: 69]، و عُسْرَةٍ [البقرة: 280]، و حُفْرَةٍ [آل عمران: 103]، و الْعُسْرَةِ [التوبة: 117]، و سُورَةٌ [التوبة:
64]، و صُورَةٍ [الانفطار: 8]، و بُكْرَةً [مریم: 11]، و ثَمَرَةٍ [البقرة:
25]، و شَجَرَةِ [طه: 120]، و السَّحَرَةُ [الأعراف: 113]، و عَشَرَةٌ [البقرة: 196]، و بَقَرَةً [البقرة: 67]، و سَفَرَةٍ [عبس: 15]، و بَرَرَةٍ [عبس:
16]، و غَبَرَةٌ [عبس: 40]، و قَتَرَةٌ [عبس: 41]، و الْكَفَرَةُ [عبس: 42]، و الْفَجَرَةُ [عبس: 42]، و الْخِیَرَةُ [القصص: 68]، و وَ الْحِجارَةُ [البقرة: 24]، و وَ عِمارَةَ [التوبة: 19]، و تِجارَةً [البقرة: 282]، و السَّیَّارَةِ [یوسف: 10]، كَفَّارَةٌ [المائدة: 45]، و لَأَمَّارَةٌ [یوسف: 53]، و أَثارَةٍ [الأحقاف: 4]، و مَیْسَرَةٍ [البقرة: 280]، و مُطَهَّرَةٌ [البقرة: 25]، و مُنَشَّرَةً [المدثر: 52]، و الْمُقَنْطَرَةِ [آل عمران: 14]، و مَعَرَّةٌ [الفتح: 25]، و مُخْضَرَّةً [الحج:
63]، و قَسْوَرَةٍ [المدثر: 51]، و مَحْشُورَةً [ص: 19].
الوقف علی جمیعها بالفتح من الطرق الثلاثة، و الله جل جلاله و تقدست أسماؤه أعلم و أحكم.
فأما علة التفصیل فی هذه الأحرف الأربعة، فإنها لمّا لم تكن من حروف الاستعلاء لم تقو علی الفتح قوة حروف الاستعلاء، و لما كان بینها و بین حروف الاستعلاء نوع من الشبه لم تضعف عن الفتح مطلقا؛ فاعتبر لذلك ما قبلها فقویت علی الفتح مع الفتح و الضم، و ضعفت مع الیاء و الكسر علی ما تقدم:
فوجه شبه الهاء و الهمزة لحروف الاستعلاء أنها من حروف الحلق كالحاء و العین، و یفتح معها عین المضارع من «فعل» المفتوح العین إذا كانا فی موضع العین، أو اللام، كما تقدم فی الحاء و العین، و مع ذلك فهما من مخرج الألف، و الفتح من جنس الألف، و أما الكاف فإنها قریبة المخرج من القاف.
و أما الراء فلتكررها قویت، فإذا انفتح ما قبلها فكأنه قد اجتمع ثلاث فتحات، و فی هذا الأخیر نظر، و سیأتی فی باب الراءات، و الله عز و جل أعلم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 532
قال الحافظ: «و كذلك إن وقع قبل الهاء راء و انفتح ما قبل الراء أو انضم».
و كان ینبغی أن یقول مع هذا: «أو سكن بعد فتحة أو ضمة»؛ أ لا تراه ذكر فی الأمثلة: غَمْرَةٍ [المؤمنون: 63] و حُفْرَةٍ و (سورة) و وَ عِمارَةَ [التوبة:
19].
و قوله: «أو همزة و انفتح ما قبلها أو كان ألفا» كان ینبغی أن یقول: «أو ساكنا بعد فتحة» بدل قوله: «أو كان ألفا» لأن أمثلته اشتملت علی النَّشْأَةَ [العنكبوت: 20] و سَوْأَةَ [المائدة: 31].
قوله: «أو هاء و كان قبلها ألف» لیس فی القرآن منه إلا سَفاهَةٍ [الأعراف: 66].
و قوله: «أو كاف و انضم ما قبلها أو انفتح»، كان ینبغی أن یقول: «أو سكن بعد فتحة»؛ لأن أمثلته اشتملت علی الشَّوْكَةِ [الأنفال: 7]، و كذلك الكاف المشددة، كما تقدم فی الأمثلة.
قوله: «فإن ابن مجاهد و أصحابه كانوا لا یرون إمالة الهاء و ما قبلها مع ذلك» یشیر بذلك إلی جمیع ما تقدم من قوله: «إلا أن یقع قبل الهاء أحد عشر حرفا ...» إلی هذا الموضع.
و ذكر فی «الموضح» أن اختیار الفتح فی هذا كله هو مذهب ابن مجاهد، و أبی الحسین بن المنادی «1»، و أبی طاهر بن أبی هاشم، و أصحابهم، و نص أنها قراءته علی أبی الحسن بن غلبون و ذكر عن أبی مزاحم موسی بن عبید الله «2»
______________________________
(1) أحمد بن جعفر بن محمد بن عبید الله، أبو الحسین البغدادی، المعروف بابن المنادی، الإمام المشهور، حافظ ثقة متقن محقق ضابط، قرأ علی الحسن بن العباس و عبید الله بن محمد ابن أبی محمد الیزیدی و- جامع البیان- محمد بن سعید بن یحیی البزوری و إدریس ابن عبد الكریم و سلیمان بن یحیی الضبی و- الكفایة الكبری- الفضل بن مخلد و الحسن ابن العباس بن أبی مهران الجمال، و روی الحروف عن جده محمد بن عبید الله و محمد ابن الفرج الغسانی، و وهم الهذلی فی قوله إنه قرأ علی الدوری، قرأ علیه- الكامل- أحمد ابن نصر الشذائی و عبد الواحد بن أبی هاشم و أبو الحسن بن بلال و أحمد بن صالح بن عمر البغدادی و- الكفایة الكبری- عبد الله بن أحمد بن یعقوب و- جامع البیان- أحمد ابن عبد الرحمن و أبو الحسن علی بن عمر الدارقطنی و عبید الله بن إبراهیم العمری، و روی القراءة عنه أبو الحسین الجبنی شیخ الأهوازی و مات قبله بزمان، توفی سنة ست و ثلاثین و ثلاثمائة فی المحرم. ینظر غایة النهایة (1/ 44).
(2) فی ب: عبد الله.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 533
الخاقانی «1»، و أبی بكر بن الأنباری، و جماعة من أهل الأداء إطلاق القیاس بالإمالة فی الجمیع من غیر استثناء، و هی قراءته علی أبی الفتح.
و قوله: «و الأول أختار» یعنی مذهب ابن مجاهد.
و قوله: «إلا ما كان قبل الهاء فیه ألف فلا تجوز الإمالة فیه».
هذا الاستثناء یرجع إلی ما قبل قوله: «و الأول أختار» و الله تبارك و تعالی جده، و لا إله غیره أعلم و أحكم.
مسألة: أنبه بها المبتدئ و أختم بها الباب:
آنِیَةٍ فی الغاشیة [5] یمیل منها هشام فتحة الهمزة و الألف خاصة، و یفتح الیاء و الهاء، و الكسائی یعكس الأمر فیمیل فتحة الیاء و الهاء فی الوقف، و یفتح الهمزة و الألف فافهم.
و الله تبارك و تعالی الموفق للصواب، و الهادی إلی صراط المستقیم.
______________________________
(1) موسی بن عبید الله بن یحیی بن خاقان، أبو مزاحم الخاقانی البغدادی، إمام مقرئ مجود محدث أصیل ثقة سنی، أخذ القراءة عرضا عن- المبهج و الكامل- الحسن بن عبد الوهاب و- الكامل- محمد بن الفرج، كلاهما عن الدوری عن الكسائی و- الكامل- إدریس ابن عبد الكریم و- الكامل- محمد بن یحیی الكسائی و عبد الوهاب بن محمد بن عیسی الخزاز، و سمع الحروف من- المستنیر- أحمد بن یوسف التغلبی عن ابن ذكوان و من- المستنیر- محمد بن أحمد بن واصل عن أبیه، قرأ علیه- الكامل- أحمد بن نصر و المستنیر- محمد بن أحمد بن إبراهیم و- المستنیر- أحمد بن الحسن بن شاذان و- المبهج- محمد بن أحمد الشنبوذی و- الكامل- زید بن علی، قال الدانی: كان إماما فی قراءة الكسائی ضابطا لها مضطلعا بها، قرأ علیه غیر واحد من الحذاق، منهم أحمد بن نصر الشذائی، و محمد بن أحمد الشنبوذی و غیرهما، قال: و كان أبوه وجده و زیرین لبنی العباس، و كذلك أخوه أبو علی محمد بن عبید الله، و ترك أبو مزاحم الدنیا و أعمل نفسه فی روایة الحدیث، و أقرأ الناس و تمسك بالسنة، قال: و كان بصیرا بالعربیة شاعرا مجودا، و قال الخطیب: كان ثقة من أهل السنة، قال ابن الجزری: هو أول من صنف فی التجوید فیما أعلم، و قصیدته الرائیة مشهورة، و شرحها الحافظ أبو عمرو، و قد أخبرنی بها و بقصیدته الأخری فی السنة أبو حفص عمر بن الحسن المراغی بقراءتی علیه عن علی ابن أحمد المقدسی، أخبرنا ابن طبرزد بسنده، و قد حدث عنه أبو بكر الآجری و أبو حفص ابن شاهین و جماعة، و مات فی ذی الحجة سنة خمس و عشرین و ثلاثمائة.
ینظر: غایة النهایة (2/ 320- 321).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 534

باب ذكر مذهب ورش فی الراءات مجملا

اشارة

بنی الحافظ- رحمه الله- التبویب علی مذهب ورش فیما خالف فیه غیره من القراء، فرقق من الراءات المتحركة بالفتح أو بالضم «1»، و یذكر فی أثناء الباب مذاهب سائر القراء، و ما اتفق الكل علی تفخیمه أو علی ترقیقه.
______________________________
(1) و یمكن إجمال ما فصله المصنف بقول ابن غلبون فی التذكرة بقوله: اعلم أن ورشا كان یقرأ الراء المفتوحة بین اللفظین إذا وقع قبلها یاء ساكنة أو كسرة فقط:
فأما الیاء الساكنة فإنها تلی الراء، و ما قبل هذه الیاء یقع علی ضربین: مفتوحا و مكسورا لا غیر.
فأما المفتوح فكقوله تعالی: خَیْراً یُؤْتِكُمْ [الأنفال: 70]، وَ افْعَلُوا الْخَیْرَ [الحج:
77]، و غَیْرَكُمْ [التوبة: 39، و غیرها] و حَیْرانَ [الأنعام: 71، و غیرها] و فِیهِنَّ خَیْراتٌ [الرحمن: 70]، و غَیْرَهُ [البقرة: 230، و غیرها] و الْخَیْراتِ [البقرة:
148، و غیرها] و غَیْرُ أُولِی الضَّرَرِ [النساء: 95] و لا ضَیْرَ إِنَّا [الشعراء: 50] و الْجِبالُ سَیْراً [الطور: 10] و ما أشبه هذا حیث وقع.
و أما المكسور فكقوله تعالی: وَ لِلَّهِ مِیراثُ [آل عمران 180، و غیرها]، و وَ عَشِیرَتُكُمْ [التوبة: 24] و فَالْمُغِیراتِ [العادیات: 3] و بَشِیراً وَ نَذِیراً [البقرة: 119، و غیرها] و قَدِیراً [النساء: 133، و غیرها] و بَصِیراً [النساء 58 و غیرها] و نَصِیراً [النساء 45 و غیرها] و قَمْطَرِیراً [الإنسان 10] و مُسْتَطِیراً [الإنسان: 7] و عَسِیراً [الفرقان 26] و یَسِیراً [النساء: 30، و غیرها] و قَوارِیرَا [الإنسان: 15، 16] و خَبِیراً [النساء 35: و غیرها] و ما أشبه هذا: فورش وحده یقرأ هذه الراء بین اللفظین مع هذه الیاء حیث وقعت فی المنون و المضاف، و فیما كانت الراء فیه غیر طرف فی الوصل و الوقف جمیعا؛ لوجود حركة الراء فیهما، و ما كانت الراء فیه طرفا فی الوصل فقط؛ لسكون الراء منه فی الوقف.
و أما الكسرة التی تقع قبل هذه الراء فإنها تكون علی ضربین:
أحدهما: أن تلا الراء. و الآخر: أن یحول بینهما ساكن:
فأما ما ولیتها فیه الكسرة فكقوله تعالی: لِیَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ [الفتح 2] و فاطِرَ السَّماواتِ [یوسف: 101] و خَسِرَ الدُّنْیا [الحج: 11] و شَعائِرَ اللَّهِ [المائدة:
2، و غیرها] و تَبْصِرَةً [ق: 8] و تَذْكِرَةً [طه: 3، و غیرها] و ناضِرَةٌ. إِلی رَبِّها ناظِرَةٌ [القیامة: 22، 23] و باسِرَةٌ [القیامة: 24] و فاقِرَةٌ [القیامة: 25] و بِالسَّاهِرَةِ [النازعات: 14] و نَخِرَةً [النازعات: 11] و مِنْ قَطِرانٍ [إبراهیم:
50] و قاصِراتُ الطَّرْفِ [الصافات: 48، و غیرها] و فَالزَّاجِراتِ [الصافات: 2] و فَرْشاً [البقرة: 22] و سِراجاً [الفرقان: 61، و غیرها] و كِراماً [الفرقان:
72، و غیرها] و شاكِراً [النساء: 147، و غیرها] و صابِراً [الكهف: 69، و غیرها] و إِلَّا مُبَشِّراً [الإسراء: 105، و غیرها] و ما أشبه هذا.
و أما ما حال بینهما فیه الساكن فكقوله تعالی: الذِّكْرَ لِتُبَیِّنَ [النحل: 44، و غیرها]،-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 535
______________________________
- وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ [یس: 69] و وِزْرَ أُخْری [الأنعام: 164، و غیرها] و غَیْرَ إِخْراجٍ [البقرة: 240] و إِخْراجُهُمْ [البقرة: 85] و إِكْراهِهِنَ [النور: 33] و الْمِحْرابَ [آل عمران: 37، و غیرها] وَ إِسْرافَنا [آل عمران: 147] وَ الْإِشْراقِ [ص: 18] و عِبْرَةٌ [یوسف: 111] و سِدْرَةِ [النجم: 14] و سِرَّكُمْ [الأنعام: 3] و ذُو مِرَّةٍ [النجم: 6]، و إِسْرافاً [النساء: 6] و صِهْراً [الفرقان: 54] و ذِكْراً [البقرة: 200، و غیرها] و ما أشبه هذا: فورش وحده یقرأ هذه الراء مع هذه الكسرة فی هذین الضربین بین اللفظین، حیث وقعا فی المنون و المضاف، و كانت الراء فیه غیر طرف فی الوصل و الوقف جمیعا؛ لوجود حركة الراء فیهما، و فیما كانت الراء فیه طرفا فی الوصل فقط؛ لسكون الراء منه فی الوقف.
و قد خالف أصله مع هذه الكسرة- فی الضربین جمیعا- فی مواضع محصورة:
فأما ما ولیت الكسرة فیه الراء، فإنه خالف أصله فیه فی ثمانیة أحرف، ففتح الراء فیها:
أحدها: أن یكون ذلك الحرف المكسور باء الجر، كقوله تعالی: بِرازِقِینَ [الحجر:
20] و بِرَادِّی رِزْقِهِمْ [النحل: 71] و بِرَبِّهِمْ یَعْدِلُونَ [الأنعام: 1، و غیرها] و بِرَأْسِ أَخِیهِ [الأعراف: 150] و بِرَسُولِهِ [التوبة: 54، و غیرها] و ما أشبه هذا.
و الثانی: إذا كان ذلك الحرف المكسور لام الجر، كقوله تعالی: لِرَبِّهِمْ یَرْهَبُونَ [الأعراف: 154] و أَ لِرَبِّكَ الْبَناتُ [الصافات: 149] و وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِینَ [المنافقون: 8] و ما أشبه هذا.
و الثالث: قوله تعالی: الصِّراطَ [الفاتحة: 6، و غیرها] و صِراطَ [الفاتحة: 7، و غیرها] حیث وقع فی حال النصب و الجر و الرفع.
و الرابع: إذا وقع بعد هذه الراء- المكسور ما قبلها- ألف بعدها راء مفتوحة أو مضمومة، كقوله: مَسْجِداً ضِراراً [التوبة: 107] و لَوَلَّیْتَ مِنْهُمْ فِراراً [الكهف:
18] و إِنْ یُرِیدُونَ إِلَّا فِراراً [الأحزاب: 13] و قُلْ لَنْ یَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ [الأحزاب:
16] و ما أشبه هذا.
و الخامس: إذا وقع بعد هذه الراء ألف، بعدها قاف مضمومة، كقوله تعالی: هذا فِراقُ بَیْنِی وَ بَیْنِكَ [الكهف: 78]، و ظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ [القیامة: 28]، و قد ذهب قوم إلی الأخذ لورش فی هذا الموضع بین اللفظین، و قد قرأت بذلك علی بعضهم، و الفتح أجود.
و السادس: إذا وقع بعد هذه الراء ألف، بعدها عین مفتوحة، كقوله تعالی: عَنْهُمْ سِراعاً [ق: 44] و مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً [المعارج: 43] و سَبْعُونَ ذِراعاً [الحاقة: 32]، و قد ذهب قوم إلی الأخذ لورش فی هذا الموضع بین اللفظین، و قد قرأت بذلك علی بعضهم، و الفتح أجود.
و السابع: إذا وقع بعد هذه الراء ألف، بعدها همزة مفتوحة، كقوله تعالی:
إِلَّا مِراءً [الكهف: 22] و افْتِراءً عَلَیْهِ [الأنعام: 138] و افْتِراءً عَلَی اللَّهِ [الأنعام: 140] و ما أشبه هذا.
و الثامن: إذا وقع بعد هذه الراء ألف تدل علی الاثنین، سواء كانت تلك الألف اسما أو حرفا: فالاسم كقوله: أَنْ طَهِّرا بَیْتِیَ [البقرة: 125] و فَلا تَنْتَصِرانِ-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 536
و قوله: «مجملا».
یرید أنه إنما یذكر فی هذا الباب قوانین جامعة، و یبینها بأمثلة تشعر بما تشتمل علیه تلك القوانین الكلیة من آحاد الألفاظ، و لا ینزل إلی تعیین كل لفظة علی التفصیل.
و اعلم أنه یستعمل فی هذا الباب تفخیم الراء و فتحها و تغلیظها بمعنی واحد، و یستعمل أیضا ترقیقها و إمالتها و بین اللفظین بمعنی واحد، لكن هذا فیما كان من الراءات متحركا بالفتح، فأما الراء المكسورة، فلا یستعمل فیها إلا لفظ الترقیق خاصة، و كذلك الراء المضمومة التی یرققها ورش، ینبغی أن یعبر عنها بلفظ الترقیق دون لفظ الإمالة.
و اعلم أن القراء یقولون [إن] «1» الأصل فی الراءات التغلیظ، فإنما ترقق لعارض، و احتج لهذا الشیخ فقال ما: نصه: «إن كل راء غیر مكسورة فتغلیظها جائز، و لیس كل راء یجوز فیها الترقیق؛ أ لا تری أنك لو قلت: رغد، أو رقد، و نحوه بالترقیق لغیرت لفظ الراء إلی الإمالة، و هذا مما لا یمال، و لا علة فیه توجب الإمالة» انتهی.
______________________________
- [الرحمن: 35]. و الحرف كقوله: سِحْرانِ [القصص: 48].
و قد ذهب قوم إلی الأخذ لورش فی هذا الموضع و الموضع الذی قبله بین اللفظین، و قد قرأت بذلك علی بعضهم، و الفتح أجود فیهما.
و أما ما خالف أصله فیه- مما قد حال بین الكسرة و بین الراء ساكن- ففتح الراء فیه، فهو سبعة مواضع:
أحدها: إِعْراضاً [النساء: 128] و كَبُرَ عَلَیْكَ إِعْراضُهُمْ [الأنعام: 35].
و الثانی: الأسماء الأعجمیة و هی: إِبْراهِیمَ [البقرة: 124، و غیرها] و إِسْرائِیلَ [البقرة: 40، و غیرها] و عِمْرانَ [آل عمران: 33، و غیرها] حیث وقعت.
و الثالث: إذا وقع بعد هذه الراء ألف بعدها راء مفتوحة، كقوله تعالی: لَهُمْ إِسْراراً [نوح: 9] و عَلَیْكُمْ مِدْراراً [هود: 52، و غیرها].
و الرابع: قوله تعالی: (مصر) منونا و غیر منون، و جملته خمسة مواضع [البقرة: 61، یونس: 87، یوسف: 21، 99، الزخرف: 51].
و الخامس: قوله تعالی فی البقرة [286]: إِصْراً كَما، و فی الأعراف [157]:
إِصْرَهُمْ.
و السادس: قوله تعالی فی الكهف [96]: قِطْراً.
و السابع: قوله تعالی فی الروم [30]: فِطْرَتَ اللَّهِ.
ینظر التذكرة فی القراءات الثمانی (1/ 219- 225).
(1) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 537
و هذا القدر الذی ذكره لا یستقل دلیلا؛ إذ لو قال قائل: الراء فی نفسها عریة من وصفی الترقیق و التغلیظ، و إنما یعرض لها أحد الوصفین بحسب حركتها فترقق بعد «1» الكسرة لتسفلها، و تغلظ مع الفتحة و الضمة لتصعدها، فإذا سكنت جرت علی حكم المجاور لها.
و أیضا فقد وجدناها ترقق مفتوحة و مضمومة إذا تقدمها كسرة أو یاء ساكنة، فلو كانت فی نفسها مستحقة للتغلیظ لبعد أن یبطل ما تستحقه بنفسها لسبب خارج عنها كما كان ذلك فی حروف الاستعلاء.
و احتج غیره علی أن أصل الراء التغلیظ بكونها متمكنة فی ظهر اللسان، فقربت بذلك من الحنك الأعلی الذی به تتعلق حروف الإطباق، و تمكنت منزلتها لما عرض لها من التكرار حتی حكموا للفتحة فیها بأنها فی تقدیر فتحتین، كما حكموا للكسرة فیها بأنها فی قوة كسرتین.
و اعلم أن التكرار متحقق فی الراء الساكنة، سواء كانت مدغمة أو غیر مدغمة، أما حصول التكرار فی الراء المتحركة الخفیفة فغیر بیّن لكن الذی یصح فیها أنها فی التغلیظ و الترقیق بحسب ما یستعمله المتكلم، و ذلك أنها تخرج من ظهر اللسان و یتصور مع ذلك أن یعتمد الناطق بها علی طرف اللسان؛ فترقق إذ ذاك، أو یمكنها فی ظهر اللسان؛ فتغلظ و لا یمكن خلاف هذا، فلو نطقت بها مفتوحة أو مضمومة من طرف اللسان و أردت تغلیظها لم یمكن نحو الْآخِرَةُ [البقرة: 94] و وَ یَشْتَرُونَ [البقرة: 174].
فإذا مكنتها إلی ظهر اللسان و بعدت عن الطرف استحكم تغلیظها، و كذلك المكسورة إن مكنتها إلی ظهر اللسان غلظت و لم یمكن ترقیقها، و لا یقوی الكسر علی سلب التغلیظ عنها إذا تمكنت من ظهر اللسان إلا أن تغلیظها فی حال الكسر قبیح فی النطق؛ و لذلك لا یستعمله معتبر، و لا یوجد إلا فی ألفاظ العوام، و إنما كلام العرب علی تمكینها من الطرف إذا انكسرت فیحصل الترقیق المستحسن فیها إذ ذاك، و علی تمكینها إلی ظهر اللسان إذا انفتحت أو انضمت، فیحصل لها التغلیظ الذی یناسب الفتحة أو الضمة، و قد تستعمل مع الفتحة و الضمة من الطرف فترقق إذا عرض لها سبب، كما یتبین فی هذا الباب فی قراءة ورش، و لا یمكن إذا انكسرت
______________________________
(1) فی أ: مع.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 538
إلی ظهر اللسان؛ لئلا یحصل التغلیظ المنافر للكسرة؛ فحصل من هذا أنه لا دلیل فیما ذكروا علی أن أصل الراء المتحركة التغلیظ.
و أما الراء الساكنة فوجدناها ترقق بعد الكسرة اللازمة بشرط ألا یقع بعدها حرف استعلاء نحو الْفِرْدَوْسِ، و تغلظ فیما سوی ذلك، فأمكن أن یدعی أن تغلیظها و ترقیقها مرتبط بأسباب كالمتحركة، و لم یثبت فی ذلك دلالة علی حكمها فی نفسها.
فأما تغلیظها بعد الكسرة العارضة فی نحو أَمِ ارْتابُوا [النور: 50] فیحتمل أن یكون ذلك؛ لأن أصلها التغلیظ كما قالوا، و یحتمل أن یكون تغلیظها إذ ذاك بالحمل علی المضارع، إذا قلت: «یرتاب»؛ بناء علی مذهب الكوفیین فی أن صیغة الأمر «1» مقتطعة من المضارع، أو بناء علی مذهب البصریین فی أن الأمر یشبهه المقتطع من المضارع؛ فلم یعتد بما عرض لها من الكسرة فی حال الأمر، و عند ظهور هذا الاحتمال، ضعف القول بأن أصلها التغلیظ.
أما إن ثبت بالنقل عن العرب أنها ینطق بها ساكنة مغلظة بعد همزة الوصل فی حكایة لفظ الحرف فتقول: «ار» كما تقول «اب» «ات» فحینئذ یمكن أن یحتج بذلك إن ثبت علی أن أصلها التغلیظ، و كذلك إن ثبت أن الوقف علی الأمر من «سری» فی كلام العرب بتغلیظ الراء فی قولك: «اسر» إذا لم ترم الكسرة.
و إذا تقرر هذا- فأقول: من زعم أن أصل الراء التغلیظ، إن كان یرید إثبات هذا الوصف للراء مطلقا من حیث إنها راء فلا دلیل علیه؛ لما تقدم.
و إن كان یرید بذلك الراء المتحركة بالفتح أو بالضم، و أنها لما عرض لها التحریك بإحدی الحركتین قویت بذلك علی الفتح فلزمته فلا یجوز ترقیقها إذ ذاك، إلا إن وجد سبب و حینئذ یتصور فیها رعی السبب فترقق، و رفضه، فتبقی علی ما استحقته من الفتح بسبب حركتها- فهذا كلام حسن مناسب، و الله تبارك و تعالی أعلم بالحقائق.
فإذا تقرر هذا: فاعلم أن الراءات فی مذهب القراء ثلاثة أقسام:
قسم اتفقوا علی تفخیمه.
و قسم اتفقوا علی ترقیقه.
و قسم اختلفوا فیه: فرققه ورش وحده، و فخمه الباقون.
______________________________
(1) كذا، و لا یتفق تعلیله هذا مع المثال؛ لأنه ماض.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 539
و اعلم أن هذا التقسیم إنما یرد علی الراءات التی لم یجر لها ذكر فی باب الإمالة فأما ما ذكر هناك نحو: (ذكری) و بُشْری و الْأَبْرارِ، فلا خلاف أن من قرأها بالإمالة أو بین اللفظین یرققها، و من قرأها بالفتح یفخمها.
و أذكر كل واحد من الأقسام الثلاثة حسب ما رتبه الحافظ- رحمه الله- فی هذا الباب.
قال الحافظ- رحمه الله-: «اعلم أن ورشا كان یمیل فتحة الراء قلیلا بین اللفظین إذا ولیها ...» كذا.
قد تقدم أن الإمالة هی تقریب الألف من الیاء و تقریب الفتحة من الكسرة، و لما كانت الراء المكسورة یلزمها الترقیق فی كلام العرب كما تقدم، حسن أن یعبر عن فتحة الراء المرققة بأنها ممالة، للشبه الحاصل بین الراء المفتوحة و الراء المكسورة فی الترقیق، و لوجود سبب الإمالة؛ إذ لا ترقق الراء؛ المفتوحة إلا مع الكسرة أو الیاء الساكنة، و عند حصول السبب و ترقیق الراء، فلا بد أن یسری للفتحة شی‌ء من شبه الكسرة؛ فصح استعمال لفظ الإمالة فی الفتحة لذلك.
و اعلم أن الكسرة التی تكون قبل الراء علی ضربین: لازمة، و غیر لازمة.
فاللازمة هی التی تكون مع الراء فی كلمة واحدة نحو كِرامٍ [عبس: 16].
أ لا تری أن الكاف لا تنفصل من الراء؛ لأنهما فی كلمة واحدة و لو فصلتها، لفسد نظم الكلمة، و بطلت دلالتها علی المعنی الذی كانت تدل علیه قبل ذلك؛ فحصل من هذا لزوم الكسرة للراء.
و أما الكسرة غیر اللازمة: فهی التی تكون قبل الراء، و لا تكون فی حرف من نفس الكلمة التی فیها الراء، و إنما یكون ذلك إذا كانت الراء أول الكلمة.
ثم هذه الكسرة علی ضربین: منفصلة، و عارضة، و نعنی بالمنفصلة: أن تكون الكسرة فی آخر حرف من الكلمة مستقلة بنفسها لا تفتقر إلی الاتصال بما بعدها فی الخط نحو: بِآیاتِ رَبِّهِمْ [الجاثیة: 11] فهذه الراء مفتوحة و هی أول الكلمة، و قبلها كسرة فی التاء من آیاتٌ [آل عمران: 7] و هما كلمتان مستقلتان، لا تفتقر الأولی إلی الثانیة من حیث البنیة.
و نعنی بالكسرة العارضة: الكسرة التی فی لام الجر، و باء الجر فی نحو لِرَبِّكِ [آل عمران: 43] و بِرَبِّكَ [الإسراء: 17].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 540
أ لا تری أن اللام و الباء، لما كان كل واحد منهما حرفا واحدا من حروف التهجی، لزم اتصاله بما بعده فی اللفظ و الخط؛ لعدم استقلاله، علی ما تقدم بیانه فی باب نقل الحركة.
و قد حصل من كلام الحافظ أن الكسرة اللازمة قبل الراء تكون علی ضربین:
متصلة بالراء، و مفصول بینهما بحرف ساكن.
و یرید أن هذا الفاصل یكون حرفا صحیحا غیر الصاد، و الطاء، و القاف؛ لأنه متی كان الفاصل واحدا من هذه الأحرف الثلاثة، فورش یفخم الراء إذ ذاك، علی ما یأتی بحول الله عز و جل.
و إنما قلت: إنه أراد حرفا صحیحا؛ لأنه قد ذكر أن الیاء الساكنة علی حدتها.
ثم إن الیاء تكون «1» أیضا قبل الراء علی ضربین؛ لأنها إن كانت بعد كسرة فهی حرف مد، نحو فَالْمُغِیراتِ [العادیات: 3]، و إن كانت بعد فتحة، فهی حرف لین نحو الْخَیْراتِ [البقرة: 148].
قال: «و سواء لحق الراء تنوین أو لم یلحقها».
یرید أنه یرققها فی جمیع ذلك، أما الراء التی لم یلحقها تنوین، و هی التی تكون فی وسط الكلمة، أو فی آخر الفعل، أو فی آخر بعض الأسماء فالترقیق مطرد فیها، إلا فی ألفاظ قلیلة و هی: الصِّراطَ [الفاتحة: 6] و ما یذكر معه بعد، و كذلك التی لحقها التنوین سیستثنی منها أحرفا ستة، و هی سِتْراً [الكهف: 90] و ما یذكر معها إن شاء الله.
و اعلم أن مجموع الراءات التی یشتمل علیها هذا القسم، فإنی الآن بحول الله- عز و جل- أذكرها، و أحصرها فی فصلین:
أحدهما: اتفق الحافظ، و الشیخ، و الإمام فیه علی الترقیق لورش.
و الثانی: اختلفوا فیه.
و أقدم المختلف فیه مستعینا بالله الرب الكریم، البر الرحیم، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلی العظیم.
______________________________
(1) فی ب: یكون.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 541

الفصل الأول‌

فیما اختلفوا فیه من الراءات، و یشتمل علی ثمانیة أقسام:
القسم الأول: سِراعاً [ق: 44] و ذِراعاً [الحاقة: 32] تفرد الإمام فیهما بالتفخیم.
الثانی: كَبِّرْهُ و لَعِبْرَةً و وِزْرَ أُخْری حیث وقع. تفرد الشیخ فیها بالتغلیظ.
الثالث: حِذْرَكُمْ [النساء: 71] اتفق الشیخ و الإمام علی تغلیظه.
الرابع: وَ عَشِیرَتُكُمْ فی التوبة [الآیة: 24]، و إِجْرامِی [هود: 35] و حَیْرانَ [الأنعام: 71]، ذكر «1» الشیخ و الإمام عن ورش التغلیظ، و الترقیق، و قال الإمام فی إِجْرامِی: «إن بین اللفظین أكثر».
الخامس: عِشْرُونَ [الأنفال: 65]، و كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِیهِ [غافر: 56]، و وِزْرَكَ، و ذِكْرَكَ [الانشراح: 2، 4]، و حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ [النساء: 90]، مذهب الشیخ التغلیظ، و عن الإمام الوجهان و قال: «إن التفخیم فی «وزرك» و «ذكرك» أكثر، و لا خلاف فی ترقیق «حصرت» فی الوقف.
السادس: «المرء» فی قوله تعالی بَیْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ و بَیْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ، ذكر الشیخ، و الإمام عن ورش التغلیظ و الترقیق، و قال الشیخ: «و المشهور عن ورش: الترقیق». و قال: «التفخیم أكثر و أحسن».
السابع: كل راء منصوبة منونة بعد كسرة أو یاء ساكنة:
فالذی بعد الكسرة من ذلك عشرون حرفا و هی شاكِراً [النساء: 174]، و سامِراً [المؤمنون: 67]، و صابِراً [الكهف: 69]، و ناصِراً [الجن: 24]، و حاضِراً [الكهف: 49]، و ظاهِراً [الكهف: 22]، و عاقِراً [مریم: 5]، و طائِرٍ «2» [الأنعام: 38]، و فاجِراً [نوح: 27]، و مُدْبِراً [النمل: 10]، و مُبْصِراً [یونس: 67]، و مُهاجِراً [النساء: 100]، و مُغَیِّراً [الأنفال: 53]، و مُبَشِّراً [الإسراء: 105]، و مُنْتَصِراً [الكهف: 43]، و مُقْتَدِراً [الكهف: 45]، و مُسْتَقِرًّا [النمل: 40]، و مُسْتَكْبِراً [لقمان: 7]، و حاضِراً [الكهف: 49]، و سِرًّا [البقرة: 235]، و الذی بعد الیاء الساكنة علی ضربین:
______________________________
(1) فی أ: و ذكر.
(2) هكذا فی الأصل.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 542
أحدهما: أن تكون الیاء حرف لین، و ذلك ثلاثة ألفاظ، و هی: خَیْراً [البقرة:
158] و طَیْراً [الفیل: 3] و سَیْراً [الطور: 10].
الثانی: أن تكون الیاء حرف مد، و هو علی ضربین:
أحدهما: أن یكون وزنه «فعیلا»، و جملته اثنان و عشرون حرفا، و هی:
قَدِیراً، و خَبِیراً، و بَصِیراً، و كَبِیراً، و كَثِیراً، و بَشِیراً، و نَذِیراً، و صَغِیراً، و فَقِیراً، و نَقِیراً و نَفِیراً، و سَعِیراً، و یَسِیراً، و نَصِیراً، و مَصِیراً، و وَ زَفِیراً، و حَصِیراً، و ظَهِیراً، و وَزِیراً، و عَسِیراً، و وَ حَرِیراً، و أَسِیراً.
و الثانی: أن تكون علی غیر ذلك الوزن، و جملته ثلاثة عشر حرفا، و هی: تَقْدِیراً، و تَطْهِیراً، و تَكْبِیراً، و تَفْجِیراً، و تَبْذِیراً، و تَدْمِیراً، و تَتْبِیراً، و قَوارِیرَا «1»، و قَمْطَرِیراً، و زَمْهَرِیراً، و مُنِیراً، و مُسْتَطِیراً.
ذكر الإمام فی جمیع ذلك عن ورش فی الوصل التغلیظ و الترقیق، و فی الوقف الترقیق لا غیر، و وافقه الشیخ علی ما كان وزنه (فعیلا) و قال: «إن التفخیم فیه فی الوصل مذهب أبی الطیب، و ما لیس وزنه (فعیلا) أخذ فیه بالترقیق فی الحالین» و مذهب الحافظ الترقیق فی جمیع ما تقدم فی هذا الفصل.
الثامن: كل راء منصوبة منونة قبلها حرف ساكن صحیح غیر حرف استعلاء، و قبل ذلك الساكن كسرة، و جملته فی القرآن ستة أحرف، و هی:
ذِكْراً، و سِتْراً، و وِزْراً، و أَمْراً، و حِجْراً، و وَ صِهْراً.
مذهب الحافظ و الشیخ التفخیم فی الستة، قال الشیخ: إلا وَ صِهْراً فإنه بالوجهین لورش.
و أما الإمام فنقل فی هذه الستة التغلیظ لورش، ثم قال: «إلا وَ صِهْراً فی الفرقان فإنه بین اللفظین فی الحالین». ثم قال: «و قد قرأت له هذا الفصل كله بین اللفظین»؛ فحصل من هذا التفخیم فی وَ صِهْراً للحافظ، و الترقیق للإمام و الوجهان للشیخ، و أن باقی الفصل بالتفخیم من الطرق الثلاثة، و زاد الإمام بین اللفظین، و الله جل و علا، و تبارك و تعالی أعلم و أحكم.
______________________________
(1) لعله یرید «قواریرا» فی الموضعین عند من نوّنهما.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 543

الفصل الثانی‌

اشارة

فیما اتفق الحافظ، و الشیخ، و الإمام علی ترقیقه لورش، و تفخیمه لسائر القراء.
اعلم أن هذه الراءات التی فی هذا الفصل نوعان: متوسطة فی الكلمة، و متطرفة، و كل واحدة منها إما أن تكون فی اسم أو فعل؛ فالحاصل أربعة أنواع، و كل واحد من الأربعة إما أن یكون متحركا بالفتح، أو بالضم؛ فالجمیع ثمانیة أنواع:- النوع الأول: الراء المفتوحة متوسطة فی الاسم، و هی أربعة أضرب:
الضرب الأول: الراء المفتوحة فی وسط الاسم بعد كسرة لازمة، و الوارد منه فی القرآن سبعة و أربعون موضعا و هی: فَرْشاً [البقرة: 22]، سِراجاً [الفرقان:
61]، مِراءً [الكهف: 22]، كِراماً [الفرقان: 72]، دِراسَتِهِمْ [الأنعام:
156]، ذِراعَیْهِ [الكهف: 18]، قِرَدَةً [البقرة: 65]، آخِرَهُ [آل عمران:
72]، طائِرَهُ [الإسراء: 13]، طَهِّرا [البقرة: 125]، قَطِرانٍ [إبراهیم:
50]، لَساحِرانِ [طه: 63]، افْتِراءً [الأنعام: 138]، و كذلك: الْآخِرَةُ [البقرة: 94]، الْحافِرَةِ [النازعات: 10]، بِالسَّاهِرَةِ [النازعات: 14]، حاضِرَةً [البقرة: 282]، كافِرَةٌ [آل عمران: 13]، دائِرَةٌ [المائدة:
52]، وازِرَةٌ [الإسراء: 15]، صابِرَةٌ [الأنفال: 66]، ظاهِرَةً [لقمان: 20]، ناضِرَةٌ [القیامة: 22]، ناظِرَةٌ [القیامة: 23]، باسِرَةٌ [القیامة: 24]، فاقِرَةٌ [القیامة: 25]، خاسِرَةٌ [النازعات: 12]، أَساوِرَ [الزخرف: 53]، تَبْصِرَةً [ق: 8]، مَعْذِرَةً [الأعراف: 164]، مُنْكِرَةٌ [النحل: 22]، مُبْصِرَةً [الإسراء: 12]، نَخِرَةً [النازعات: 11]، مُسْفِرَةٌ [عبس: 38]، مُسْتَبْشِرَةٌ [عبس: 39]، بِالْمَغْفِرَةِ [البقرة: 175]، التَّذْكِرَةِ [المدثر: 49] بالألف و اللام فیهما، و دون الألف و اللام، و كذلك: وَ الذَّاكِراتِ [الأحزاب: 35]، وَ الصَّابِراتِ [الأحزاب: 35]، فَالزَّاجِراتِ [الصافات: 2]، وَ النَّاشِراتِ [المرسلات: 3]، الْمُعْصِراتِ [النبأ: 14]، فَالْمُدَبِّراتِ [النازعات:
5]، قاصِراتُ [الصافات: 48]، مُهاجِراتٍ [الممتحنة: 10]، مُتَجاوِراتٌ [الرعد: 4]، مُبَشِّراتٍ [الروم: 46].
و قد تقدم سِراعاً [ق: 44]، و ذِراعاً [الحاقة: 23] فی الفصل الأول.
الضرب الثانی: أن یفصل بین الراء و الكسرة حرف ساكن صحیح غیر الصاد
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 544
و الطاء و القاف، و جملته فی القرآن عشرة احرف، و هی: وَ إِخْراجُ [البقرة: 217]، إِكْراهَ [البقرة: 256]، وَ الْإِشْراقِ [ص: 18]، حِذْرَهُمْ [النساء: 102]، وَ الْإِكْرامِ [الرحمن: 27]، الْمِحْرابَ [آل عمران: 37]، السِّدْرَةَ [النجم:
16] بالألف و اللام و دونهما.
و منه سِرَّكُمْ [الأنعام: 3]، و ذُو مِرَّةٍ [النجم: 6] و قدم تقدم إِجْرامِی [هود: 35] و حِذْرَكُمْ [النساء: 71] و كِبْرَهُ [النور: 11] و لَعِبْرَةً [آل عمران: 13] و وِزْرَكَ [الشرح: 2] و ذِكْرَكَ [الشرح: 4] فی الفصل الأول.
الضرب الثالث: أن یفصل بین الراء و الكسرة یاء ساكنة، و جملته فی القرآن ثلاثة عشر موضعا و هی:
كَبِیرَةً [التوبة: 121]، و كَثِیرَةً [البقرة: 245]، بَحِیرَةٍ [المائدة:
103]، بَصِیرَةٍ [یوسف: 108]، صَغِیرَةً [التوبة: 121]، الظَّهِیرَةِ [النور:
58]، مَصِیرَكُمْ [إبراهیم: 30]، عَشِیرَتَهُمْ [المجادلة: 22] فی غیر سورة براءة، مَعاذِیرَهُ [القیامة: 15]، و كذلك فَالْمُغِیراتِ، و مِیراثُ [آل عمران: 180]، و سِیرَتَهَا [طه: 21] و قدم تقدم وَ عَشِیرَتُكُمْ الذی فی براءة [24] فی الفصل الأول.
الضرب الرابع: أن یكون قبل الراء یاء ساكنة بعد فتحة، و جملته فی القرآن خمسة مواضع، و هی الْخَیْراتِ [البقرة: 148] بالألف و اللام و دونهما، و غَیْرَكُمْ [التوبة: 39]، و قدم تقدم ذكر حَیْرانَ [الأنعام: 71] و أخواته فی الفصل الأول.
النوع الثانی: الراء المفتوحة المتوسطة فی الفعل، و جملته فی القرآن ثمانیة و عشرون، و الراء فی جمیعه تلی الكسرة إلا فی موضع واحد فإنه فصلت بینهما یاء ساكنة، و هی: لَأَسْتَغْفِرَنَ [الممتحنة: 4]، لَأُكَفِّرَنَ [آل عمران: 195]، لَنُكَفِّرَنَ [العنكبوت: 7]، وَ لَنَصْبِرَنَ [إبراهیم: 12]، وَ لا یُشْعِرَنَ [الكهف:
19]، لَنُحْضِرَنَّهُمْ [مریم: 68].
و كذلك بَطِرَتْ [القصص: 58]، أُمْطِرَتْ [الفرقان: 40]، سُكِّرَتْ [الحجر: 15]، سُیِّرَتْ [الرعد: 31]، كُوِّرَتْ [التكویر: 1]، حُشِرَتْ [التكویر: 5]، سُجِّرَتْ [التكویر: 6]، نُشِرَتْ [التكویر: 10]، سُعِّرَتْ [التكویر: 12]، فُجِّرَتْ [الانفطار: 3]، بُعْثِرَتْ [الانفطار: 4]، و كذلك تَنْتَصِرانِ [الرحمن: 35]، طَهِّرا [البقرة: 125]، نَكِرَهُمْ [هود: 70]،
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 545
یَتِرَكُمْ [محمد: 35]، وَ یُؤَخِّرَكُمْ [إبراهیم: 10]، لِأُنْذِرَكُمْ [الأنعام: 19]، لِیُنْذِرَكُمْ [الأعراف: 63]، لِیُظْهِرَهُ [التوبة: 33]، لَنْ نُؤْثِرَكَ [طه: 72]، لَنْ یُجِیرَنِی [الجن: 22].
و قد تقدم حَصِرَتْ [النساء: 90] فی الفصل الأول.
النوع الثالث: الراء المفتوحة فی آخر الاسم، و لا تكون منونة لأن الراء المنصوبة المنونة قد تقدمت فی الفصل الأول، و الوارد منه فی القرآن من هذا النوع أربعة أضرب:
الضرب الأول: الراء المفتوحة بعد الكسرة، و جملته فی القرآن أربعة عشر موضعا و هی:
كَبائِرَ [النساء: 31]، بَصائِرَ [الإسراء: 102]، شَعائِرَ [المائدة: 2]، الدَّوائِرَ [التوبة: 98]، أَكابِرَ [الأنعام: 123]، مَواخِرَ [النحل: 14]، أَساوِرَ [الكهف: 31]، الْحَناجِرَ [الأحزاب: 10]، الْمَقابِرَ [التكاثر: 2]، و كذلك فاطِرَ [یوسف: 101]، ظَهَرَ [الأنعام:
120]، دابِرَ [الأعراف: 72]، فَلا ناصِرَ [محمد: 13]، الْآخِرَ [العنكبوت: 36].
الضرب الثانی: أن یفصل بینها و بین الكسرة ساكن صحیح، و جملته فی القرآن ستة مواضع، و هی:
السِّحْرَ [البقرة: 102]، الذِّكْرَ [الحجر: 9]، الشِّعْرَ [یس: 69]، و منه السِّرَّ [طه: 7]، الْبِرَّ [البقرة: 177].
و قد تقدم وِزْرَ أُخْری [الأنعام: 164] فی الفصل الأول.
الضرب الثالث: أن یفصل بینها و بین الكسرة یاء ساكنة، و جملته خمسة مواضع و هی:
الْفَقِیرَ [الحج: 28]، وَ الْعِیرَ [یوسف: 82]، وَ الْحَمِیرَ [النحل: 8]، وَ الْخَنازِیرَ [المائدة: 60]، قَوارِیرَا [الإنسان: 15].
الضرب الرابع: أن یقع قبلها یاء ساكنة بعد فتحة، و جملته ثلاثة مواضع و هی:
الْخَیْرَ [الحج: 77]، السَّیْرَ [سبأ: 18]، لا ضَیْرَ [الشعراء: 50].
النوع الرابع: الراء المفتوحة فی آخر الفعل، و جملته فی القرآن أربعة و عشرون موضعا، و هی كلها ضرب واحد؛ لأنها كلها تلی الكسرة و هی:
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 546
سَخِرَ [التوبة: 79]، خَسِرَ [النساء: 119]، و كذلك لِیَغْفِرَ [الفتح:
2]، و وَ تُنْذِرَ [مریم: 97]، و وَ یُبَشِّرَ [الكهف: 2] بالیاء و التاء فیهن.
و كذلك یُظْهِرَ [غافر: 26]، یُصْدِرَ [القصص: 23]، یُطَهِّرَ [المائدة: 41]، یُؤَخِّرَ [المنافقون: 11]، وَ یُكَفِّرَ [الفتح: 5].
كل ذلك بالیاء المعجمة من أسفل.
و كذلك فَتُفَجِّرَ [الإسراء: 91]، فَتُذَكِّرَ [البقرة: 282] بالتاء المعجمة من فوق فیهما، و نَصْبِرَ [البقرة: 61] بالنون، نَقْدِرَ [الأنبیاء: 87] بالنون و بالیاء المعجمة من أسفل.
و كذلك عُثِرَ [المائدة: 107]، نُقِرَ [المدثر: 8]، قُدِرَ [القمر: 12]، كُفِرَ [القمر: 14]، وَ حُشِرَ [النمل: 17]، بُعْثِرَ [العادیات: 9]، أُنْذِرَ [یس: 6]، وَ ازْدُجِرَ [القمر: 9]، بُشِّرَ [النحل: 58]، ذُكِرَ [الأنعام:
118] بتخفیف الكاف و تشدیدها أیضا.
و ذكر الحافظ- رحمه الله- بعض هذه الأمثلة، ثم قال: «و نقض مذهبه مع الكسر فی الضربین».
یعنی بالضربین الراء التی تلا الكسرة، و الراء التی تلا حرفا صحیحا ساكنا بعد الكسرة، و لا یمكن أن یرید بأحد الضربین الراء التی تلا الساكنة؛ إذ لیس فی جمیع ما ذكر من الأمثلة التی نقض فیها مذهبه راء بعد یاء ساكنة.
و اعلم أن الألفاظ التی ذكر هنا أن ورشا نقض مذهبه فیها تنحصر فی أربعة أضرب:
الضرب الأول: أن یقع مع الراء حرف استعلاء فی كلمة واحدة، و ذلك نوعان:
أحدهما: أن یتأخر حرف الاستعلاء عن الراء و یفصل بینهما ألف و الوارد من ذلك فی القرآن أربعة ألفاظ:
أحدها: الصِّراطَ حیث وقع مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا، منونا و غیر منون، كقوله- تعالی-: هذا صِراطٌ عَلَیَّ مُسْتَقِیمٌ [الحجر: 41] و وَ هذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِیماً [الأنعام: 126] و وَ یَهْدِیَكَ صِراطاً مُسْتَقِیماً [الفتح: 2] و اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِیمَ [الفاتحة: 6] و وَ إِنَّكَ لَتَهْدِی إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ صِراطِ اللَّهِ [الشوری:
52، 53].
اللفظ الثانی: فِراقُ بَیْنِی وَ بَیْنِكَ فی الكهف [78] و وَ ظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ فی القیامة
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 547
[الآیة: 28].
اللفظ الثالث: وَ الْإِشْراقِ فی ص [الآیة: 18].
اللفظ الرابع: إِعْراضاً فی النساء [الآیة: 128] و إِعْراضُهُمْ فی الأنعام [الآیة: 35].
النوع الثانی: أن یكون حرف الاستعلاء ساكنا فاصلا بین الراء «1» و الكسرة، و المعتبر من ذلك ثلاثة أحرف:
أحدها: الصاد فی قوله- تعالی-: إِصْراً فی البقرة [الآیة: 286]، و إِصْرَهُمْ فی الأعراف [157] و مِصْراً منونا فی البقرة [البقرة: 61]، و غیر منون فی سورة یونس- علیه السلام- موضع [الآیة: 87]، و فی سورة یوسف- علیه السلام- موضعان [الآیتان: 21، 99]، و فی الزخرف موضع رابع [الآیة: 51].
الحرف الثانی: الطاء فی قوله- تعالی-: قِطْراً فی الكهف [الآیة: 96]، و فِطْرَتَ اللَّهِ فی الروم [الآیة: 30].
الحرف الثالث: القاف فی قوله تعالی: وِقْراً فی الذاریات [الآیة: 2].
فأما الخاء فی إِخْراجُ حیث وقع فقد ذكره الحافظ فی «التلخیص» و فی «إیجاز البیان» و فی غیرهما من تآلیفه، فیما یرققه ورش من الراءات، و قد تقدم ذكره فیما اتفق علیه الحافظ، و الشیخ، و الإمام، و إن كان لم یقع له ذكر فی كتاب «التیسیر»؛ اتكالا علی دخوله فیما حال بین الراء و الكسرة ساكن صحیح، و إنما فخمت الراء فی هذا الضرب اعتبارا بحرف الاستعلاء؛ لیتناسب اللفظ.
الضرب الثانی: أن تكرر الراء فی الكلمة بالفتح أو بالضم، و الوارد منه فی القرآن: مِدْراراً [الأنعام: 6] و ضِراراً [البقرة: 231] و إِسْراراً [نوح: 9] و فِراراً [الكهف: 18] و الْفِرارُ [الأحزاب: 16]؛ و إنما فخمت الراء الأولی فی هذه الكلمات؛ للتناسب بینها و بین الثانیة فی اللفظ؛ إذ لا موجب لترقیق الثانیة، فلو رققت الأولی؛ لتشتت اللفظ.
الضرب الثالث: أن تكون الكلمة أعجمیة، و الوارد منه فی القرآن إِبْراهِیمَ [البقرة: 124] و إِسْرائِیلَ [البقرة: 40] و عِمْرانَ [آل عمران: 33] و إِرَمَ
______________________________
(1) فی ب: الیاء.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 548
[الفجر: 7]، لم ترقق الراء فی هذا الضرب؛ لأن الترقیق نوع من التصرف، ففخمت الراء فیها إذ كانت متحركة بالفتح، و لم ترقق كما لم تصرف؛ إشعارا بكونها دخیلة فی كلام العرب.
و یزاد فی تعلیل إِرَمَ أنه لما كان حقه أن یوصل بما قبله، و ألا یبتدأ به، لزم نقل الكسرة من الهمزة إلی التنوین قبلها علی قراءة ورش؛ فصارت الكسرة منفصلة من الراء فلم تقو علی الترقیق. شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات 548 الفصل الثانی ..... ص : 543
ما ما حكی عن ابن ذكوان من إمالة (عمرن) فشذوذ.
قال الحافظ: «و (عمرن) الذی أمالته العرب عربی فهو غیر عِمْرانَ الذی ورد فی القرآن، و إن كان اللفظ متفقا».
قال العبد: و نظیر هذا إسحاق و یعقوب، اسما النبیین- علیهما السلام- لفظهما أعجمی، و قد «1» وافقا فی اللفظ «إسحاق» مصدر: أسحقه الله بمعنی: أبعده، و یعقوب اسم ذكر الحجل، و هما عربیان، و الله عز جلاله و جل كماله أعلم.
الضرب الرابع: أن تكون الراء منصوبة منونة، و قد فصل بینها و بین الكسرة حرف صحیح غیر مدغم، و الوارد منه فی القرآن: ذِكْراً و أخواته، و قد تقدم ذلك فی الفصل الأول، و نص علیها الحافظ هنا.
و اعلم أن قیاس هذا الضرب الرابع فی قراءة ورش: الترقیق.
و قد تقدم أن الإمام قرأ به، و قد حكاه الحافظ عن شیخه أبی الحسین «2»، إلا أن الحافظ لم یأخذ فیه إلا بالتغلیظ، و علله بأنه جمع بین اللغتین.
یعنی: من حیث رقق بعض المنون كما تقدم فی الفصل الأول، و فخم بعضا كما ذكر هنا، و إنما شرط فی هذا الضرب أن یكون الساكن غیر مدغم؛ لأن قوله- تعالی-: سِرًّا [الرعد: 22] و مُسْتَقِرًّا [النمل: 40]، نص الحافظ أن لا خلاف بین أصحابه فی إمالته بین اللفظین، یعنی الترقیق.
فأما قول الحافظ فی آخر هذا الكلام: «و ما كان نحو هذا» فقد یظن الناظر فی كلامه أنه یحرز به لفظا زائدا علی ما ذكر هنا من هذه الكلمات، و لیس كذلك، و إنما
______________________________
(1) فی ب: وافقا.
(2) فی أ: الحسن.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 549
جری فی ذلك علی عادته فی عبارته حیث یقول: «و ما أشبه ذلك»؛ فإنه كثیرا ما یستعمل هذه العبارة حیث لا یبقی شی‌ء یشبه ما ذكر، و قد مرت من ذلك مواضع فی هذا الكتاب و نبهت علیها، و تقدم الاعتذار عنه فی استعمال هذه العبارة فی باب الإدغام الكبیر، و الله جل و علا أعلم.
و قوله: «من أجل أحرف «1» الاستعلاء و العجمة و تكریر الراء مفتوحة و مضمومة».
هذه علل التفخیم فی الأضرب الثلاثة، و قد تقدم توجیهها، و لم یذكر هنا علة الضرب الرابع و هو المنصوب المنون، و قد ذكره فی غیر هذا الكتاب و هو الجمع بین اللغتین، كما تقدم.
قال- رحمه الله-: «و حكم الراء المضمومة بعد الكسرة و الیاء حكم المفتوحة سواء».
یرید أن ورشا یرققها كما یرقق المفتوحة، و قد تقدم أنها باعتبار كونها فی الاسم، أو فی الفعل وسطا، أو طرفا أربعة أنواع كالمفتوحة:
النوع الأول: الراء المضمومة بعد الكسر فی وسط الاسم، و جملته فی القرآن سبعة و عشرون موضعا و هی:
الصَّابِرُونَ [القصص: 80]، الْقادِرُونَ [المرسلات: 23]، الْخاسِرُونَ [البقرة: 27]، وَ الْكافِرُونَ [البقرة: 254] بالألف و اللام فی الأربعة، و دونهما، الْآمِرُونَ [التوبة: 112]، الْمُعَذِّرُونَ [التوبة: 90]، السَّاحِرُونَ [یونس:
77]، الْمُصَیْطِرُونَ [الطور: 37]، قاهِرُونَ [الأعراف: 127]، صاغِرُونَ [التوبة: 29]، مُنْكِرُونَ [یوسف: 58]، مُسْتَكْبِرُونَ [النحل: 22]، داخِرُونَ [النحل: 48]، شاكِرُونَ [الأنبیاء: 80]، مُنْذِرُونَ [الشعراء: 208]، حاذِرُونَ [الشعراء: 56]، مُقْتَدِرُونَ [الزخرف: 42]، مُبْصِرُونَ [الأعراف: 201]، مُنْتَظِرُونَ [الأنعام: 158]، و كذلك مُمْطِرُنا [الأحقاف:
24]، و وَ ظاهِرُهُ [الحدید: 13]، و وَ مُطَهِّرُكَ [آل عمران: 55]، و طائِرُكُمْ [النمل: 47]، [و] طائِرُهُمْ [الأعراف: 131] بالهاء و المیم، و الكاف و المیم.
و جاءت مفصولة عن الكسرة بالساكن الصحیح فی قوله تعالی:
______________________________
(1) فی ب: حرف.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 550
ذِكْرُكُمْ [الأنبیاء: 10].
و بعد حرف المد فی قوله تعالی كَبِیرُهُمْ [یوسف: 80]، لَكَبِیرُكُمُ [طه:
71].
و بعد حرف اللین فی قوله تعالی: غَیْرُهُ [الأعراف: 59] و قد تقدم عِشْرُونَ [الأنفال: 65] فی الفصل الأول.
النوع الثانی: الراء المضمومة فی وسط الفعل، و الوارد منه فی القرآن تسعة و ثمانون موضعا، و هی:
تُبْصِرُونَ [الأنبیاء: 3]، وَ یُؤْثِرُونَ [الحشر: 9]، «ینذرون»، تُنْكِرُونَ [غافر: 81]، یُخْسِرُونَ [المطففین: 3]، تُسِرُّونَ [النحل: 19]، تُبْصِرُونَ [الأنبیاء: 3]، تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام: 93]، تَسْتَأْخِرُونَ [سبأ: 30]، تَسْتَغْفِرُونَ [النمل: 46]، یَقْدِرُونَ [البقرة: 264]، یَغْفِرُونَ [الشوری:
37]، تَفِرُّونَ [الجمعة: 8]، فَتُهاجِرُوا [النساء: 97]، تَنْفِرُوا [التوبة:
39]، یَعْتَذِرُونَ [التوبة: 94] كلّ بالیاء و التاء.
و یُقْصِرُونَ [الأعراف: 202]، یُنْشِرُونَ [الأنبیاء: 21]، یُجاوِرُونَكَ [الأحزاب: 60]، یُبَشِّرُهُمْ [التوبة: 21]، فَلَیُغَیِّرُنَ [النساء: 119]، یُشْعِرُكُمْ [الأنعام: 109]، یُصِرُّونَ [الواقعة: 46]، یُغَیِّرُوا [الأنفال: 53]، یَظْهَرُونَ [المجادلة: 2]، وَ لِیُنْذِرُوا [التوبة: 122]، (یؤخّره) [هود: 104]، یُحاوِرُهُ [الكهف: 34]، یَقْتُرُوا [الفرقان: 67] علی قراءة نافع و من وافقه.
یُسَیِّرُكُمْ [یونس: 22]، یُصَوِّرُكُمْ [آل عمران: 6]، وَ یُحَذِّرُكُمُ [آل عمران:
28]، وَ لِیُتَبِّرُوا [الإسراء: 7]، یُفَجِّرُونَها [الإنسان: 6]، یَزِرُونَ [الأنعام:
31]، یَعْصِرُونَ [یوسف: 49]، یَخِرُّونَ [الإسراء: 107]، یَأْتَمِرُونَ [القصص: 20]، یَنْتَظِرُونَ [یونس: 102]، یَسِیرُوا [یوسف: 109]، وَ یَسْتَبْشِرُونَ [آل عمران: 170]، یَنْتَصِرُونَ [الشعراء: 93]، یَسْتَسْخِرُونَ [الصافات: 14]، یَسْتَحْسِرُونَ [الأنبیاء: 19] كل ذلك بالیاء المعجمة من أسفل.
تَهْجُرُونَ [المؤمنون: 67] علی قراءة نافع، تُظْهِرُونَ [الروم: 18]، تَنْتَشِرُونَ [الروم: 20]، تُدِیرُونَها [البقرة: 282]، تُبَاشِرُوهُنَ [البقرة:
187]، وَ لِتُكَبِّرُوا [البقرة: 185]، تُبَشِّرُونَ [الحجر: 54]، وَ تُعَزِّرُوهُ
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 551
[الفتح: 9]، وَ تُوَقِّرُوهُ [الفتح: 9]، تُنْظِرُونِ [الأعراف: 195]، تُطَهِّرُهُمْ [التوبة: 103]، تَدَّخِرُونَ [آل عمران: 49]، وَ تَأْسِرُونَ [الأحزاب: 26]، تَسْتَتِرُونَ [فصلت: 22]، تَفِرُّونَ [الجمعة: 8].
كل ذلك بالتاء المعجمة من فوق.
نُبَشِّرُكَ [الحجر: 53]، وَ نُیَسِّرُكَ [الأعلی: 8]، نُنْشِزُها [البقرة: 259] بالنون فی الثلاثة.
و نُؤَخِّرُهُ [هود: 104] بالنون، و الیاء المعجمة من أسفل، أُنْذِرُكُمْ [الأنبیاء: 45].
و كذلك بَاشِرُوهُنَ [البقرة: 187]، وَ عاشِرُوهُنَ [النساء: 19]، اصْبِرُوا [آل عمران: 200]، وَ صابِرُوا [آل عمران: 200]، وَ اسْتَغْفِرُوا [البقرة: 199]، فَاسْتَبْشِرُوا [التوبة: 111]، فَانْتَشِرُوا [الجمعة: 10]، فَاعْتَبِرُوا [الحشر: 2]، انْفِرُوا [النساء: 71]، انْتَظِرُوا [الأنعام: 158]، وَ أْتَمِرُوا [الطلاق: 6]، وَ أَبْشِرُوا [فصلت: 30]، أَنْذِرُوا [النحل: 2]، وَ أَسِرُّوا [الملك: 13]، سِیرُوا [الأنعام: 11]، یَغْفِرُوا [الجاثیة: 14]، نَكِّرُوا [النمل: 41]، و كذلك أُحْصِرُوا [البقرة: 273]، و أُنْذِرُوا [الكهف: 56]، و أُمِرُوا [البینة: 5]، و ذُكِّرُوا [المائدة: 13]، و كذلك سَخِرُوا [الأنعام: 10]، خَسِرُوا [الأنعام: 12].
النوع الثالث: الراء المضمومة فی آخر الاسم، و هی علی ضربین: منونة، و غیر منونة، فالذی فی القرآن من المنونة سبعة و ثلاثون موضعا و هی:
قَدِیرٌ [البقرة: 20]، و كَبِیرٌ [البقرة: 217]، كَثِیرٌ [البقرة: 109]، و خَبِیرٌ [البقرة: 234]، و بَصِیرٌ [البقرة: 96]، و بَشِیرٍ [المائدة: 19]، و وَ نَذِیرٌ [المائدة: 19]، و ظَهِیرٌ «1» [التحریم: 4]، و حَسِیرٌ [الملك: 4]، و زَفِیرٌ [هود: 106]، و حَرِیرٌ [الحج: 23]، و عَسِیرٌ [المدثر: 9]، و یَسِیرٌ [یوسف: 65]، و كذلك خَیْرٌ [البقرة: 54]، و كذلك عَسِرٌ [القمر:
8]، و أَشِرٌ [القمر: 25]، و كذلك بِكْرٌ [البقرة: 68]، و ذِكْرٌ [یوسف:
______________________________
(1) زاد فی المخطوط: نَقِیراً.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 552
104]، و سِحْرٌ [المائدة: 110]، و حِجْرٌ [الأنعام: 138]، و صَبَرَ «1» [الشوری: 43]، و كذلك شاكِرٌ [البقرة: 158]، و كافِرٍ [البقرة: 41]، و غافِرِ [غافر: 3]، و قادِرٌ [الأنعام: 37]، و جائِرٌ [النحل: 9]، و ساحِرٌ [ص: 4]، و شاعِرٌ [الأنبیاء: 5]، و مُهاجِرٌ [العنكبوت: 26]، و كذلك مُنْفَطِرٌ [المزمل: 18]، و مُنْتَصِرٌ [القمر: 44]، مُنْتَشِرٌ [القمر:
7]، و مُسْتَمِرٌّ [القمر: 2]، و مُسْتَقِرٌّ [القمر: 3]، و مُنْذِرٌ [الرعد: 7]، و مُذَكِّرٌ [الغاشیة: 21].
و قد تقدم كِبْرٌ [غافر: 56] فی الفصل الأول، و الذی ورد فی القرآن غیر منون سبعة و ثلاثون موضعا و هی:
وَ تَحْرِیرُ [النساء: 92]، و تَقْدِیرُ [الأنعام: 96]، و الْعِیرُ [یوسف: 70]، و الْمَصِیرُ [البقرة: 126]، و الْبَصِیرُ [الأنعام: 50]، و وَ الْحَمِیرَ [النحل:
8]، و الْكَبِیرُ [الرعد: 9]، و الْبَشِیرُ [یوسف: 96]، و النَّذِیرُ [الحجر:
89]، و الْعَشِیرُ [الحج: 13]، و الْفَقِیرَ [الحج: 28]، و النَّصِیرُ [الأنفال:
40]، و أَساطِیرُ [الأنعام: 25]، و كذلك الْقادِرُ [الأنعام: 65]، و الْقاهِرُ [الأنعام: 18]، و وَ الْآخِرُ [الحدید: 3]، و وَ الظَّاهِرُ [الحدید: 3]، و الْكافِرُ [الفرقان: 55]، و السَّاحِرُ [طه: 69]، و الْأَشِرُ [القمر: 26]، و السَّرائِرُ [الطارق: 9]، و بَصائِرُ [الأنعام: 104]، و الْمُدَّثِّرُ [المدثر: 1]، و الْمُتَكَبِّرُ [الحشر: 23]، و الْمُصَوِّرُ [الحشر: 24]، و وَ الْمَیْسِرُ [المائدة: 90]، و فاطِرُ [الشوری: 11]، و وَ آخِرُ [یونس: 10]، و دابِرُ [الأنعام: 45]، و مُنْذِرُ [النازعات: 45]، و ذِكْرُ [مریم: 2]، و الذِّكْرُ [الحجر: 6]، و السِّحْرُ [یونس: 81]، و الْبِرُّ [البقرة: 189]، و كذلك الْخَیْرُ [آل عمران: 26]، و الطَّیْرُ [یوسف: 36]، و عُزَیْرٌ [التوبة: 30].
النوع الرابع: الراء المضمومة فی آخر الفعل، و الوارد منه فی القرآن اثنان و ثلاثون موضعا و هی:
یَغْفِرُ [آل عمران: 129]، و وَ یَقْدِرُ [الرعد: 26]، و یَفِرُّ [عبس:
34]، و یَنْظُرُ [آل عمران: 77]، و یَنْتَظِرُ [الأحزاب: 23]، و یَنْظُرُ
______________________________
(1) هكذا بالمخطوط فلیحرر.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 553
[الإسراء: 9]، و «ینذر»، و نَذِیرٍ [المائدة: 19]، و یُغَیِّرُ [الرعد: 11]، و یُكَوِّرُ [الزمر: 5]، و وَ یُكَفِّرُ [البقرة: 271]، و یُغادِرُ [الكهف: 49]، و یُبْصِرُ [مریم: 42]، و یُظْهِرَ [الجن: 26]، و یُصِرُّ [الجاثیة: 8]، و یُجِیرُ [المؤمنون: 88] كل ذلك بالیاء المعجمة من أسفل.
و تَصِیرُ [الشوری: 53]، و وَ تَسِیرُ [الطور: 10]، و تَصْبِرُ [الكهف:
68]، و تَقْشَعِرُّ [الزمر: 23]، و تَسْتَكْثِرُ [المدثر: 6]، و وَ تَخِرُّ [مریم:
90]، و تَزِرُ [الأنعام: 164]، و تُدَمِّرُ [الأحقاف: 25]، و لِتُنْذِرَ [فاطر:
18]، و فَسَتُبْصِرُ [القلم: 5]، و تُثِیرُ [البقرة: 71]، كل ذلك بالتاء المعجمة من فوق.
و وَ نَمِیرُ [یوسف: 65]، و نُسَیِّرُ [الكهف: 47]، و وَ نُقِرُّ [الحج: 5]، بالنون فی الثلاثة.
و كذلك أَعْصِرُ [یوسف: 36]، و اسْتَغْفِرْ [یوسف: 98].
قال الحافظ- رحمه الله-: «و لا خلاف عنه فی إخلاص فتحة الراء إذا كانت الكسرة غیر لازمة».
و قد تقدم تفسیر الكسرة اللازمة، و العارضة، و المنفصلة، و الذی فی القرآن من الراء المفتوحة بعد الكسرة العارضة:
بِرَحْمَةٍ [الأعراف: 72]، و بِرَسُولٍ [الصف: 6]، و بِرَبِ [طه: 70]، و بِرَشِیدٍ [هود: 97]، و بِرَدِّهِنَ [البقرة: 228]، و بِرَادِّی [النحل: 71]، و بِرَأْسِ [الأعراف: 150]، و بِرازِقِینَ [الحجر: 20]، و لِرَجُلٍ [الأحزاب:
4]، و لِرَبِ [المطففین: 6]، و لِرَسُولٍ [الرعد: 38].
و من المضمومة: بِرُؤُسِكُمْ [المائدة: 6]، و بِرَبْوَةٍ [البقرة: 265]، و بِرُوحِ [المائدة: 110]، و بِرُكْنِهِ [الذاریات: 39]، و بِرُسُلِی [المائدة:
12]، و لِرُسُلِهِمْ [إبراهیم: 13]، و لِرُقِیِّكَ [الإسراء: 93].
و مثالها بعد الكسرة العارضة:
لِلَّهِ رَبِ [یونس: 10]، و إِلَیْهِ راجِعُونَ [البقرة: 156]، و مِنْ عِنْدِ رَبِّنا [آل عمران: 7]، و عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ [الأعراف: 77]، و بِلِقاءِ رَبِّهِمْ [السجدة: 10]،
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 554
و فِی الْأَرْضِ رَواسِیَ [النحل: 15]، و كذلك مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ [فصلت: 2]، و مِنْ رَوْحِ اللَّهِ [یوسف: 87]، و مِنْ رَبٍّ رَحِیمٍ [یس: 58]، و وَ قُدُورٍ راسِیاتٍ [سبأ: 13]، و بِالرَّحْمنِ «1» [الزخرف: 33]، و هَدانِی رَبِّی [الأنعام:
161]، و یُوحِی رَبُّكَ [الأنفال: 12]، و إِنِّی رَأَیْتُ [یوسف: 4]، و فِی رَحْلِ أَخِیهِ [یوسف: 70].
قال- رحمه الله-: «و أمال فتحة الراء فی بِشَرَرٍ [المرسلات: 32].
هذا متفق علیه من الطرق الثلاثة، و لم یمل فتحة الراء من أجل كسرة بعدها غیر هذه، إلا ما كان فی لفظ «الفرار» و «الأبرار» و «الأشرار» علی ما تقدم فی باب الإمالة. قال:
«و أخلص فتحها فی الضَّرَرِ [النساء: 95] لأجل الضاد» یرید: من أجل حرف الاستعلاء، هذا سبب الفرق بین الكلمتین، و لو لا ذلك لكان القیاس فیهما واحدا.
قال: «و قرأ الباقون بإخلاص الفتح للراء فی جمیع ما تقدم».
یعنی من أول الباب إلی هذا الموضع.

فصل‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و كل راء ولیتها فتحه أو ضمة ...» الفصل.
هنا تكلم فی القسم المتفق علی تفخیمه من الراءات سوی ما تقدم، أعنی سوی الكلمات التی نقض فیها ورش مذهبه، و سوی الراء التی قبلها كسرة عارضة، أو منفصلة.
ثم اعلم أن هذا القسم ینحصر فی نوعین: نوع الراء فیه متحركة، و نوع الراء فیه ساكنة، ثم المتحركة تكون مفتوحة، و مضمومة، و كل واحدة منهما إما فی أول الكلمة، و إما فی وسطها، و إما فی آخرها.
أما المفتوحة فمثالها فی أول الكلمة، قوله تعالی: لا رَیْبَ [البقرة: 2]، و وَ رَزَقَكُمْ [الأنفال: 26]، و وَ قالَ رَبُّكُمُ [غافر: 60]، و فَما رَبِحَتْ [البقرة: 16]، و راعِنا [البقرة: 104]، و وَ لا رَطْبٍ [الأنعام: 59]، و إِلَّا رَمْزاً [آل عمران: 41]، و الرَّاجِفَةُ [النازعات: 6]، و وَ الرَّكْبُ [الأنفال:
42]، و بَلْ رانَ [المطففین: 14]، و عَلی رَجْعِهِ [الطارق: 8] و نحو ذلك.
______________________________
(1) زاد فی المخطوط: و إِذا رَأَیْتَهُمْ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 555
و مثالها فی وسط الكلمة: عَرَضَهُمْ [البقرة: 31]، و فَرَقْنا [البقرة: 50]، و عَرَفُوا [البقرة: 89]، و جَرَحْتُمْ [الأنعام: 60]، [و] بَرَزُوا [البقرة:
250]، و قَرَّبا [المائدة: 27]، و ما فَرَّطْنا [الأنعام: 31]، و شَرَحَ [النحل:
106]، و ظَهْرَكَ [الشرح: 3]، [و] لا جَرَمَ [هود: 22]، و عَنْ تَراضٍ [البقرة: 233]، و غُراباً [المائدة: 31]، و فُراتاً [المرسلات: 27]، و سُرادِقُها [الكهف: 29]، و كَبُرَتْ [الكهف: 5]، و فُرادی [الأنعام:
94]، [و] شُرَّعاً [الأعراف: 163]، و كذلك وَ لا تَقْرَبا [البقرة: 35]، و فَأَغْرَیْنا [المائدة: 14]، و أَجْرَمُوا [الروم: 47]، و زَهْرَةَ [طه: 131]، و أَشْراطُها [محمد: 18]، و وَ الْحِجارَةُ [البقرة: 24]، و مُبارَكَةٍ [النور:
35]، و سُورَةٌ [التوبة: 64]، و صُورَةٍ [الانفطار: 8]، یُورَثُ [النساء:
12]، و وَ الْعُمْرَةَ [البقرة: 196]، و حُفْرَةٍ [آل عمران: 103]، و غُفْرانَكَ [البقرة: 285]، و یُهْرَعُونَ [هود: 78]، و كذلك وَ سَفَراً [التوبة: 42]، و بُشْراً [هود: 27]، و مُحْضَراً [آل عمران: 30]، و نَفَراً [الكهف: 34]، و أَجْراً [النساء: 40]، و وَ بِداراً [النساء: 6]، و غَفُوراً [النساء: 23]، و وَ حَصُوراً [آل عمران: 39]، و قُصُوراً [الأعراف: 74]، و نَشْراً [المرسلات:
3]، و وَ سُرُراً [الزخرف: 34]، و نُذْراً [المرسلات: 6] و ما أشبهه.
و مثالها فی آخر الكلمة: الْبَقَرَ [البقرة: 70]، و الْحَجَرَ [البقرة: 60]، و الْقَمَرَ [الأنعام: 77]، و لا وَزَرَ [القیامة: 11]، و فَمَا اسْتَیْسَرَ [البقرة:
196]، و وَ خَرَّ [الأعراف: 143]، و وَ فارَ [هود: 40]، و وَ اخْتارَ [الأعراف: 155]، و كذلك كَبُرَ [الأنعام: 35]، و فَمَنِ اضْطُرَّ [البقرة:
173] و ما أشبهه.
و أما الراء المضمومة، فمثالها فی أول الكلمة: رُبَما [الحجر: 2]، و رُدُّوها [النساء: 86]، و (رجت) [الواقعة: 4]، و رُكْباناً [البقرة: 239]، و وَ رُمَّانٌ [الرحمن: 68]، و رُقُودٌ [الكهف: 18]، و رُوَیْداً [الطارق: 17]، و الرُّجْعی [العلق: 8]، و الرُّؤْیَا [الإسراء: 60]، و رُوحاً [الشوری: 52].
و مثالها فی وسط الكلمة: اصْبِرُوا [آل عمران: 200]، و أُمِرُوا [النساء:
60]، و فَنَرُدَّها [النساء: 47]، و وَ إِذا مَرُّوا [الفرقان: 72]، و فَعَقَرُوها
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 556
[هود: 65]، و تَضَرُّعاً [الأنعام: 63]، و یَتَذَكَّرُونَ [البقرة: 221]، و كذلك یَعْرُجُ [السجدة: 5]، و یَفْرُطَ [طه: 45]، و سَنَفْرُغُ [الرحمن: 31]، و لَعَمْرُكَ [الحجر: 72]، و كذلك یَشْكُرُونَ [البقرة: 243]، و فَاذْكُرُوا [الحج: 36]، و یَجُرُّهُ [الأعراف: 150]، و وَ الْحُرُماتُ [البقرة: 194]، و الْبُرُوجِ [البروج: 1]، و قُرُوءٍ [البقرة: 228]، و فُرُطاً [الكهف: 28].
و كذلك وَ زُخْرُفاً [الزخرف: 35]، و نُورُهُمْ [الحدید: 12].
و مثالها فی آخر الكلمة: وَ الشَّجَرُ [الرحمن: 6]، و الْقَمَرَ [القمر: 1]، و الْبَحْرَ [الكهف: 109]، و الشَّهْرَ [البقرة: 194]، و الْحُرُّ [البقرة: 178]، و الْغُرُورِ [لقمان: 33]، و الْحَرُورُ [فاطر: 21]، و كذلك بَشِّرِ [آل عمران:
47]، و نَفَرَ [الجن: 1]، و أَجْرُ [آل عمران: 172]، و نَصْرُ [العنكبوت:
10]، و لَغَفَّارٌ [طه: 82]، و خُوارٌ [الأعراف: 148]، و حُمْرٌ [المدثر:
50]، و سُرُرٍ [الغاشیة: 13]، و وَ حُمْرٌ [فاطر: 27]، و صُفْرٌ [المرسلات: 33]، و حُورٌ [الرحمن: 72] و ما أشبه ذلك.
و أما الراء الساكنة: فتكون أیضا فی أول الكلمة، و فی وسطها، و فی آخرها:
فمثال التی فی أولها قوله تعالی: وَ ارْزُقْنا [المائدة: 114] لا بد أن تكون قبل هذه الراء، إما فتحة واو العطف، و إما ضمة ألف الوصل.
و أما قوله تعالی: یا بُنَیَّ ارْكَبْ [هود: 42]، و إِنِ ارْتَبْتُمْ [المائدة:
106]، و أَمِ ارْتابُوا [النور: 50]، و رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون: 99]، و الَّذِی ارْتَضی [النور: 55]، و رَبِّ ارْحَمْهُما [الإسراء: 24]، و لِمَنِ ارْتَضی [الأنبیاء:
28]- فكل هذا إن بدأت به، وقعت الراء بعد كسرة همزة الوصل، و هی عارضة، و إن وصلتها وقعت بعد كسرة آخر ما قبلها، و هی منفصلة.
فأما قوله تعالی: وَ إِنْ قِیلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا [النور: 28]، و یا أَیَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِی [الفجر: 27- 28]، و یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا ارْكَعُوا [الحج:
77]، و الَّذِینَ ارْتَدُّوا [محمد: 25]، و فَارْجِعِ الْبَصَرَ [الملك: 3]، و وَ إِلی رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح: 8]، و تَفْرَحُونَ ارْجِعْ إِلَیْهِمْ [النمل: 36- 37]- فلا تقع الكسرة قبل الراء فی هذه الأمثلة، و ما أشبهها إلا فی الابتداء.
و أما قوله تعالی فی «ص»: وَ عَذابٍ ارْكُضْ [41- 42]. فتقع الضمة فی الابتداء
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 557
قبل الراء فی همزة الوصل علی قراءة الجماعة، و كذلك فی الوصل أیضا، فتقع الضمة فی التنوین قبل الراء علی قراءة الحرمیین، و الكسائی و هشام.
و أما علی قراءة أبی عمرو، و ابن ذكوان، و عاصم، و حمزة، فإنهم یكسرون التنوین فی هذا و نحوه.
و أما الراء الساكنة المتوسطة، فتكون قبلها فتحة، و ضمة، و كسرة، لكن لا یجوز تغلیظها بعد الكسرة، إلا إذا كان بعدها حرف استعلاء، و الذی ورد منها فی القرآن بعد الكسرة و بعدها حرف استعلاء:
قِرْطاسٍ فی الأنعام [7]، وَ إِرْصاداً و فِرْقَةٍ فی التوبة [107، 122]، و مِرْصاداً فی النبأ [21]، لَبِالْمِرْصادِ فی الفجر [14].
و مثالها بعد الفتحة: الْأَرْضِ [البقرة: 61]، و الْأَرْحامِ [آل عمران: 6]، و الْبَرْقُ [البقرة: 20]، و الْعَرْشِ [الأعراف: 54]، و السَّرْدِ [سبأ: 11]، و وَ الْمَرْجانُ [الرحمن: 22]، و الْمَرْعی [الأعلی: 4]، و خَرْدَلٍ [الأنبیاء:
47]، و وَرْدَةً [الرحمن: 37]، و الْغَرْبِیِ [القصص: 44]، و سَرْمَداً [القصص: 71]، و صَرْعی [الحاقة: 7]، و فَرْقاً [المرسلات: 4] و نحوه.
و مثالها بعد الضمة: الْقُرْآنُ [الأعراف: 204]، و وَ الْفُرْقانَ [البقرة: 53]، و الْغُرْفَةَ [الفرقان: 75]، و بِالْعُرْفِ [الأعراف: 199]، و كُرْسِیُّهُ [البقرة: 255]، و كَالْعُرْجُونِ [یس: 39]، و بِالْعُرْوَةِ [لقمان: 22]، و الْخُرْطُومِ [القلم: 16]، و تُرْجِی [الأحزاب: 51]، و سَأُرْهِقُهُ [المدثر:
17]، و زُرْتُمُ [التكاثر: 2] و نحوه.
و أما الراء الساكنة طرفا فنحو: یُغْفَرْ [الأنفال: 38]، و انْظُرْ [الأعراف:
143]، و لَمْ یَتَغَیَّرْ [محمد: 15]، و لا یَسْخَرْ [الحجرات: 11]، و لا تَذَرْ [نوح: 26]، و فَلا تَقْهَرْ [الضحی: 9]، و فَلا تَنْهَرْ [الضحی: 10] و ما أشبهه.
لا خلاف بین القراء فی تغلیظ جمیع ما ذكر فی هذا الفصل و ما أشبهه، فأما الراء من مَرْیَمَ [آل عمران: 36]، و قَرْیَةٍ [البقرة: 259] فمذهب الحافظ تغلیظهما للجماعة، و مذهب الشیخ و الإمام ترقیقهما للجماعة، و قد تقدم ذكر الْمَرْءِ فی موضعین [الأنفال: 24، و النبأ: 40]، و الله عز و جل أعلم و أحكم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 558
قال الحافظ- رحمه الله-: «فإن كانت الكسرة التی تلیها لازمة و لم یقع بعدها حرف استعلاء». هنا تكلم فی القسم المتفق علی ترقیقه و هو منحصر فی نوعین:
النوع الأول: كل راء مكسورة سواء عرضت كسرتها، أو لزمت، و سواء كانت الراء أول الكلمة، أو وسطها أو آخرها.
فمثالها أولا: وَ رِزْقٌ [الأنفال: 4]، و رِجْزَ [الأنفال: 11]، و رِجْسٌ [المائدة: 90]، و رَحْلِهِ [قریش: 2]، و رِیحٍ [آل عمران: 117]، و رِیعٍ [الشعراء: 128]، و الرِّفْدُ [هود: 99]، و رِیبَةً [التوبة: 110]، و وَ رِیشاً [الأعراف: 26]، و وَ رِءْیاً [مریم: 74]، و رِكْزاً [مریم: 98]، و رِجالٌ [الأعراف: 46]، و الرِّقابِ [البقرة: 177]، و رِكابٍ [الحشر: 6]، و رِباطِ [الأنفال: 60]، و رِباً [الروم: 39]، و رِحالِهِمْ [یوسف: 62]، و وَ رِماحُكُمْ [المائدة: 94]، و وَ رِسالاتِهِ [الجن: 23]، و الرِّعاءُ [القصص:
23]، و رِعایَتِها [الحدید: 27]، و وَ رِضْوانٌ [آل عمران: 15]، و رِبِّیُّونَ [آل عمران: 146].
و مثالها وسطا: بارِئِكُمْ [البقرة: 54]، و فارِضٌ «1» [البقرة: 68]، و بارِدٌ [ص: 42]، و عارِضاً [الأحقاف: 24]، و صارِمِینَ [القلم: 22]، و كارِهِینَ [الأعراف: 88]، و وَ الطَّارِقِ [الطارق: 1]، و الْوارِثِ [البقرة: 233]، و الْقارِعَةُ [القارعة: 1]، و جارِیَةٌ [الغاشیة: 12]، و إِلی حِمارِكَ [البقرة: 259]، و أَنْصارِی [آل عمران: 52]، و الْحَوارِیُّونَ [آل عمران:
52]، و الْجَوارِحِ [المائدة: 4]، و الْمَعارِجِ [المعارج: 3]، و الْمَشْرِقُ [الصافات: 5]، و وَ الْمَغْرِبُ [المعارج: 40]، و مَحارِیبَ [سبأ: 13]، و نَمارِقُ [الغاشیة: 15]، و وَ السَّارِقُ [المائدة: 38]، و فَالْفارِقاتِ [المرسلات: 4]، و أَبْصارِهِمْ [البقرة: 7]، و آثارِهِمْ [الكهف: 6]، و جَبَّارِینَ [المائدة: 22]، و وَ أَبارِیقَ [الواقعة: 18]، و وَ سارِعُوا [آل عمران: 133]، و وَ یُسارِعُونَ [آل عمران: 114]، و یُحارِبُونَ [المائدة: 33]، و یُوارِی [المائدة: 31]، و فارِقُوهُنَ [الطلاق: 2]، و الْكافِرِینَ [البقرة: 34]، و الْخاسِرِینَ [البقرة:
______________________________
(1) زاد فی المخطوط: و (رهین).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 559
64]، و الصَّابِرِینَ [البقرة: 153]، و الْماكِرِینَ [آل عمران: 54]، و الشَّاكِرِینَ [آل عمران: 144]، و الصَّاغِرِینَ [الأعراف: 13]، و النَّاظِرِینَ [البقرة: 69]، و الْآخَرِینَ [الشعراء: 84]، و خاسِرِینَ [آل عمران: 149]، و ناصِرِینَ [آل عمران: 22]، و ظاهِرِینَ [غافر: 29]، و قادِرِینَ [القلم: 25]، و حاضِرِی [البقرة: 196]، و عابِرِی [النساء: 43]، و مُبَشِّرِینَ [البقرة: 213]، و وَ مُنْذِرِینَ [البقرة: 213]، و الْمُتَطَهِّرِینَ [البقرة: 222]، و وَ جِبْرِیلَ [البقرة: 98]، و إِدْرِیسَ [مریم: 56]، و الْكِبْرِیاءُ [یونس: 78]، و عِفْرِیتٌ [النمل: 39]، و إِصْرِی [آل عمران: 81]، و عَنْ ذِكْرِی [الكهف: 101]، و سِخْرِیًّا [المؤمنون: 110]، و وَ أُخْرِجُوا [آل عمران:
195]، و تَجْرِی [البقرة: 25]، و یَضْرِبَ [البقرة: 26]، و یَعْرِفُونَهُ [البقرة:
146]، و یَشْرِی [البقرة: 207]، و یَسْرِ [الفجر: 4]، و تُقْرِضُوا [التغابن:
17]، و لا تَدْرِی [الطلاق: 1]، و تَصْرِفْ [یوسف: 33]، و یَعْرِشُونَ [الأعراف: 137]، و سَنَسْتَدْرِجُهُمْ [الأعراف: 182]، و سَأَصْرِفُ [الأعراف:
146]، و تَقْرِضُهُمْ [الكهف: 17]، و وَ ما أَدْرِی [الأحقاف: 9]، و وَ لا یَجْرِمَنَّكُمْ [المائدة: 8]، و لَیَصْرِمُنَّها [القلم: 17]، و أَفْرِغْ [البقرة: 250]، و أَعْرِضْ [المائدة: 42]، و وَ أَقْرِضُوا [المزمل: 20]، و الْمَشْرِقُ [البقرة:
115]، و وَ الْمَغْرِبُ [البقرة: 115]، و وَ تَصْرِیفِ [البقرة: 164]، و تَسْرِیحٌ [البقرة: 229]، و لا تَثْرِیبَ [یوسف: 92]، و وَ تَحْرِیرُ [النساء: 92]، و أَمْرِی [الكهف: 73]، و مِنْ فَوْرِهِمْ [آل عمران: 125]، و حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام: 91]، و قَرِیبٌ [البقرة: 186]، و سَرِیعُ [البقرة: 202]، و كَرِیمٌ [الأنفال: 4]، و بَرِی‌ءٌ [الأنعام: 19]، و صَرِیخَ [یس: 43]، و كَالصَّرِیمِ [القلم: 20]، و فَرِیقٌ [البقرة: 75]، و ضَرِیعٍ [الغاشیة: 6]، و الْبَرِیَّةِ [البینة: 6]، و شَرِیعَةٍ [الجاثیة: 18]، و قَرِینُهُ [ق: 23]، و الْعَرِمِ [سبأ: 16]، و فَرِیًّا [مریم: 27]، و الْحَرِیقِ [آل عمران: 181]، و فَرِیضَةً [البقرة: 236]، و مَرِیضاً [البقرة: 184]، و زَكَرِیَّا [آل عمران:
37]، و فَرِحِینَ [آل عمران: 170]، و طَرِیقَةً [طه: 104]، و أَثَرِی [طه:
84]، و وَ عَبْقَرِیٍ [الرحمن: 76]، و بِوَرِقِكُمْ [الكهف: 19]، و مُتَحَرِّفاً
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 560
149]، و الْمُنْظَرِینَ [الأعراف: 15]، و الْمُنْذَرِینَ [النمل: 92]، و الْمُمْتَرِینَ [البقرة: 147]، و مُقَرَّنِینَ [الزخرف: 13]، و لا شَرِیكَ لَهُ [الأنعام: 163]، و حَرِّقُوهُ [الأنبیاء: 68]، و سَرِّحُوهُنَ [البقرة: 231]، و فَشَرِبُوا [البقرة:
249]، و وَ وَرِثَ [النمل: 16]، و وَ یَرِثُ [مریم: 6]، و كَرَّةً [الأنفال: 8]، و وَ حَرِّضِ [النساء: 84]، و لا تُحَرِّمُوا [المائدة: 87]، و تَصْرِفْ [یوسف:
33]، و لا یُفَرِّطُونَ [الأنعام: 61]، و وَ لِیَقْتَرِفُوا [الأنعام: 113]، و لِیُقَرِّبُونا [الزمر: 3]، و فَرِحُوا [الأنعام: 44]، و لا تُحَرِّكْ [القیامة: 16]، و یَفْتَرِینَهُ [الممتحنة: 12]، و ذُرِّیَّتِی [البقرة: 124]، و أَدْرِی [الأنبیاء: 109]، و مُرِیبٍ [هود: 62]، و وَ بُرِّزَتِ [الشعراء: 91]، و فُرِجَتْ [المرسلات: 9]، و وَ ضُرِبَتْ [البقرة: 61]، و ضُرِبَ [الحج: 73]، و حُرِّمَ [آل عمران: 50]، و یُرِیدُ [الأحزاب: 33]، و وَ یُرِیكُمْ [البقرة: 73]، و تُرِیحُونَ [النحل: 6]، و أُورِثْتُمُوها [الأعراف: 43]، و بُورِكَ [النمل: 8]، و وُورِیَ [الأعراف: 20]، و فَالْمُورِیاتِ [العادیات: 2]، و بِنُورِهِمْ [البقرة: 17]، و مِنْ ظُهُورِهِمْ [الأعراف: 172]، و فِی صُدُورِهِمْ [غافر: 56]، و فِی حُجُورِكُمْ [النساء:
23]، و مُخْرِجٌ [البقرة: 72]، و مُشْرِكٍ [البقرة: 221]، و مُعْرِضُونَ [البقرة:
83]، و مُسْرِفُونَ [الأعراف: 81]، و الْمُجْرِمُونَ [الأنفال: 8]، و مُبْرِمُونَ [الزخرف: 79]، و بِكُفْرِهِمْ [النساء: 46]، و بِمُصْرِخِكُمْ [إبراهیم: 22]، و یُخْرِجْ [البقرة: 61]، و وَ اشْرَبُوا [البقرة: 93]، و أُبْرِئُ [یوسف: 53]، و لا تُشْرِكْ [الحج: 26]، و تُسْرِفُوا [الأنعام: 141]، و تُعْرِضُوا [النساء:
135]، و أُتْرِفْتُمْ [الأنبیاء: 13]، و لَنُغْرِیَنَّكَ [الأحزاب: 60]، و تَكْرَهُوا [النور: 33]، و مُسْرِفُونَ [الأعراف: 81]، و أُغْرِقُوا [نوح: 25]، و سَنُقْرِئُكَ [الأعلی: 6]، و ما أشبهه.
و مثالها طرفا: إِلَی النُّورِ [البقرة: 257]، و مِنَ الدَّهْرِ [الإنسان: 1]، و بِالزُّبُرِ [فاطر: 25]، و عَلَی الْكِبَرِ [إبراهیم: 39]، و بِشَرَرٍ [المرسلات: 32]، و وَ الطُّورِ [الطور: 1]، و الْمَعْمُورِ [الطور: 4]، و الْمَسْجُورِ [الطور: 6]، و إِلَی الطَّیْرِ [الملك: 19]، و كَالْقَصْرِ [المرسلات: 32]، و بِالصَّبْرِ [العصر: 3]، و وَ مِنَ الْبَقَرِ [الأنعام:
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 561
144]، و فِی الْحَرِّ [التوبة: 81]، و فِی الْخَمْرِ وَ الْمَیْسِرِ [المائدة: 91]، و الْخِنْزِیرِ [المائدة: 3]، و وَ الْقَناطِیرِ [آل عمران: 14] و ما أشبهه من المجرورات بالإضافة، أو بالحروف، أو بالتبعیة، و الكسرة فیه كله عارضة؛ لأنها حركة إعراب، و كذلك ما كسر لالتقاء الساكنین فی الوصل، كقوله تعالی: فَلْیَحْذَرِ الَّذِینَ [النور: 63]، فَلْیَنْظُرِ الْإِنْسانُ [الطارق: 5]، و وَ بَشِّرِ الَّذِینَ [البقرة: 25]، و وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ [المزمل:
8]، و مِمَّا لَمْ یُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَیْهِ [الأنعام: 121]، و وَ أَنْذِرِ النَّاسَ [إبراهیم: 44].
و كذلك ما تحرك بحركة النقل علی قراءة ورش كقوله تعالی: وَ انْحَرْ إِنَّ شانِئَكَ [الكوثر: 2- 3]، وَ انْتَظِرْ إِنَّهُمْ [السجدة: 30]، و فَلْیَكْفُرْ إِنَّا [الكهف: 29]، وَ انْظُرْ إِلی [البقرة: 259] و ما أشبهه.
و لا خلاف فی ترقیق هذه الراءات المتطرفات فی الوصل، كما أنه لا خلاف فی ترقیق ما ذكر قبلها، فأما الوقف علیها فعلی ما یأتی بعد، بحول الله العلی العظیم و قوته.
النوع الثانی: كل راء ساكنة بعد كسرة لازمة لم یتصل بها حرف استعلاء، و لا تكون الراء هكذا أولا، و إنما تكون هكذا: إما وسطا، و إما طرفا:
فمثالها وسطا: شِرْعَةً [المائدة: 48]، و شَرِبَ [الشعراء: 155]، و لَشِرْذِمَةٌ [الشعراء: 54]، و الشِّرْكَ [لقمان: 13]، و فِرْعَوْنَ [البقرة:
49]، و مِرْیَةٍ [هود: 17]، و الْوِرْدُ [هود: 98]، و الْفِرْدَوْسِ [الكهف:
107]، و الْإِرْبَةِ [النور: 31]، و فِرْقٍ [الشعراء: 63]، و مِرفَقاً [الكهف:
16]، و أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ [البقرة: 6]، و أُحْصِرْتُمْ [البقرة: 196]، و فَصُرْهُنَ [البقرة: 260]، و فَبَشِّرْهُمْ [آل عمران: 21]، و لا یَضُرُّكُمْ [آل عمران:
120]، و وَ شاوِرْهُمْ [آل عمران: 159]، و أَنْظِرْنِی [الأعراف: 14]، و أَخَّرْنا [إبراهیم: 44]، و وَ أَبْصارِهِمْ [الصافات: 175]، و ذُكِّرْتُمْ [یس: 19]، و نُعَمِّرْهُ [یس: 68]، و وَ قَرْنَ [الأحزاب: 33]، و اسْتَأْجِرْهُ [القصص: 26]، و وَ أُمِرْتُ [یونس: 72]، و یَتَفَطَّرْنَ [مریم: 90]، و وَ یُؤَخِّرَكُمْ [نوح: 4] و ما أشبهه.
و مثالها طرفا: وَ اسْتَغْفِرْ [آل عمران: 159]، و وَ یَغْفِرْ [آل عمران: 31]، و وَ أَبْصِرْ [الصافات: 179]، و وَ لا تُبَذِّرْ [الإسراء: 26]، و وَ قَدِّرْ [سبأ:
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 562
11]، و فَأَنْذِرْ [المدثر: 2]، و فَكَبِّرْ [المدثر: 3]، و فَطَهِّرْ [المدثر: 4]، و وَ اصْبِرْ [یونس: 109]، و وَ اصْطَبِرْ [مریم: 65]، و وَ بَشِّرِ [البقرة: 25]، و فَانْتَصِرْ [القمر: 10]، و وَ یَسِّرْ [طه: 26]، و وَ لا تُصَعِّرْ [لقمان: 18]، و وَ یَسْتَكْبِرْ [النساء: 172]، و فَأَمْطِرْ [الأنفال: 32].
لا خلاف أیضا فی ترقیق هذه الراءات كلها، إلا ما ذكر الإمام أن كثیرا من القراء یفخم الراء الساكنة إذا كان قبلها المیم الزائدة المكسورة نحو مِرفَقاً، و لم یرجح هذا القول، و لأضعفه، و الظاهر من كلامه أنه یأخذ فیه بالترقیق، و الله تعالی أعلم.
و المفهوم من كلامه یعطی أن فی القرآن نظائر لقوله: مِرفَقاً، و لیس فیه إلا لَبِالْمِرْصادِ خاصة، و لا خلاف فی تفخیم رائه من أجل حرف الاستعلاء بعدها، فأما مِرْیَةٍ، و ذُو مِرَّةٍ فالمیم فیهما أصلیة.
و كذلك ذكر الحافظ فی غیر «التیسیر»: أن من الناس من یفخم الراء [فی] فِرْقٍ [الشعراء: 63] من أجل حرف الاستعلاء، و المأخوذ به الترقیق؛ لأن حرف الاستعلاء قد انكسرت صولته لتحركه بالكسر، و مذهب الشیخ الترقیق فی جمیع ما تقدم، و الله جلت قدرته و عمت رحمته أعلم و أحكم.

فصل‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «فأما الوقف علی الراء ...».
اعلم أن الراء إن كانت فی الوصل ساكنة نحو وَ اذْكُرْ رَبَّكَ [آل عمران: 41]، و فَلا تَنْهَرْ [الضحی: 10]، و أَنْذِرْ قَوْمَكَ [نوح: 1]، أو كانت مفتوحة نحو أَمَرَ [البقرة: 27]، و لِیَفْجُرَ [القیامة: 5]، و لَنْ نَصْبِرَ [البقرة: 61]، السِّحْرَ [البقرة: 102]، و الْخَیْرُ [الحج: 77] و وَ الْحَمِیرَ [النحل: 8] أو كانت مكسورة لالتقاء الساكنین نحو وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ [المزمل: 8]، و وَ أَنْذِرِ النَّاسَ [إبراهیم: 44]، أو كانت كسرتها منقولة نحو وَ انْحَرْ إِنَّ شانِئَكَ [الكوثر: 2- 3]، و انْظُرْ إِلَی الْجَبَلِ [الأعراف: 143]، و فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ [الروم: 60]- فإن الوقف علی جمیع ذلك بالسكون لا غیر.
و إن كانت مجرورة و الكسرة فیها للإعراب نحو نَجَّاكُمْ إِلَی الْبَرِّ [الإسراء: 67]، و فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ [الأنعام: 59]، و إِلَی الْخَیْرِ [آل عمران: 104]، و لَصَوْتُ
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 563
الْحَمِیرِ [لقمان: 19]، أو كانت كسرتها للإضافة إلی یاء المتكلم نحو نَكِیرِ [الملك: 18] و وَ نَذَرَ [القمر: 16]، أو كانت الكسرة فی عین الكلمة نحو:
یَسْرِ فی الفجر [الآیة: 4] و الْجَوارِ فی الشوری [الآیة: 32] و هارٍ فی التوبة [الآیة: 109] علی ما فیه من القلب، أعنی فی هارٍ، و نحو ذلك مما لیست الكسرة فیه منقولة، و لا لالتقاء الساكنین- جاز فی الوقف علیها الروم و السكون.
فإن كانت مرفوعة، نحو وَ قُضِیَ الْأَمْرُ [البقرة: 210] و الْكِبَرُ [البقرة: 266] و الْأُمُورُ [البقرة: 210] و النُّذُرُ [القمر: 41] و الْأَشِرُ [القمر: 26] و الْخَیْرُ [المعارج: 21] و الْعِیرُ [یوسف: 70] جاز الوقف فی جمیع ذلك بالروم، و الإشمام، و السكون.
فإذا تقرر هذا- فاعلم أنك متی وقفت علی الراء بالسكون أو بالإشمام- نظرت إلی ما قبلها: فإن كانت قبلها كسرة أو ساكن بعد كسرة أو یاء ساكنة أو فتحة ممالة نحو بُعْثِرَ [العادیات: 9] و الشِّعْرَ [یس: 69] و وَ الْخَنازِیرَ [المائدة: 60] و لا ضَیْرَ [الشعراء: 50] و یُدَبِّرُ [یونس: 3] و بِكْرٌ [البقرة: 68] و الْعِیرُ و الْخَیْرُ و بِالْبِرِّ [البقرة: 44] و الْقَناطِیرِ [آل عمران: 14] و إِلَی الطَّیْرِ [الملك: 19] و (فی الدار) و كِتابَ الْأَبْرارِ [المطففین: 18] و بِشَرَرٍ [المرسلات: 32]- رققت الراء.
قال الإمام: إلا أن یكون الساكن حرف استعلاء؛ فإنهم یفخمون نحو «مصر».
و إن كان قبلها غیر ذلك فخّمتها، و متی وقفت علیها بالروم اعتبرت حركتها: فإن كانت كسرة رققتها للكل، و إن كانت ضمة نظرت إلی ما قبلها، فإن كان قبلها: كسرة أو ساكن بعد كسرة أو یاء ساكنة رققتها لورش وحده و فخمتها للباقین، و إن لم یكن قبلها شی‌ء من ذلك؛ فخمتها للكل.
فحصل من هذا أن الراء المتطرفة إذا سكنت فی الوقف؛ جرت مجری الراء الساكنة فی وسط الكلمة، تفخم بعد الفتحة و الضمة نحو الْعَرْشِ [الأعراف: 54] و كُرْسِیُّهُ [البقرة: 255] و ترقق «1» بعد الكسرة نحو لَشِرْذِمَةٌ [الشعراء: 54]
______________________________
(1) فی ب: و یرقق.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 564
و أجریت الیاء الساكنة و الفتحة الممالة قبل الراء المتطرفة إذا سكنت مجری الكسرة، و أجری الإشمام فی المرفوعة مجری السكون، و إذا وقف علیه بالروم جرت مجراها فی الوصل، و الله عز جلاله و جل كماله أعلم و أحكم.
و اعلم أن ما ذكرت لك فی هذا الفصل من ترقیق الراء فی نحو: الدَّارُ [الأنعام: 135] و الْأَبْرارِ هو مذهب الحافظ؛ لأنه ذكر فی «التیسیر» ترقیق الراء فی الوقف بالسكون بعد الفتحة الممالة، و مثل بقوله: بِشَرَرٍ [المرسلات: 32]، و قال فی «الموضح» فی الراء المكسورة إذا وقفت علیها بالسكون ما نصه: «و كذلك إن كانت الفتحة التی قبلها ممالة نحو قوله: مَعَ الْأَبْرارِ [آل عمران: 193] و الْأَشْرارِ [ص: 62] و فِی قَرارٍ [المؤمنون: 13] و ما أشبهه فی مذهب من أمال ذلك إمالة خالصة أو بین بین، و كذا قوله: بِشَرَرٍ فی مذهب ورش، فهی- أیضا- مرققة اتباعا للفتحة الممالة.
و أما الشیخ فذكر فی آخر باب الإمالة ما نصه: «فأما من وقف لأبی عمرو بالإسكان فالإمالة عندی ثابتة؛ لأن الوقف عارض و الكسرة منویة».
و قال فی الوقف لورش بعد أن ذكر أنه یختار له الروم، ثم قال ما نصه: «فإذا وقفت له بالإسكان و تركت الاختیار- وجب أن تغلظ الراء؛ لأنها تصیر ساكنة قبلها فتحة، و یجوز أن تقف بالترقیق كالوصل؛ لأن الوقف عارض و الكسر منوی».
و قال فی آخر باب الراءات ما نصه: «فأما النَّارَ فی موضع الخفض فی قراءة ورش، فتقف إذا سكنت بالتغلیظ، و الاختیار: أن تروم الحركة فترقق إذا وقفت».
و أما الإمام فلم أقف له علی شی‌ء بین فی هذه المسألة، و الله سبحانه و تعالی أعلم و أحكم.
و اعلم أن الحافظ- رحمه الله- اختصر الكلام فی هذا الفصل حتی عرض فیه إشكال، و ذلك أنه جعل الراء المفتوحة و المضمومة و الساكنة قسما واحدا، و جعل الوقف علیها كالوصل، فما رقق منها فی الوصل؛ رقق فی الوقف، و ما فخم فی الوصل؛ فخم فی الوقف، ثم شرط فی هذا الوقف الموافق للوصل: ألا تلا الراء كسرة و لا یاء ساكنة؛ فحدث الإشكال من جهة أن الراء المفتوحة و المضمومة و الساكنة إذا لم تلها كسرة و لا یاء ساكنة لم یجز ترقیقها لأحد من القراء لا فی الوصل
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 565
و لا فی الوقف، فكیف [یقول: «إن رققت فبالترقیق] «1»»؟! فإذا تقرر هذا الإشكال- فاعلم أن الراءات التی ذكر باعتبار القراء و الأحكام تنقسم ثلاثة أقسام:
قسم یرقق فی الوصل و الوقف: و هو ما كان من هذه الراءات التی ذكر مفتوحا أو مضموما بعد كسرة أو یاء ساكنة علی قراءة ورش خاصة، و ما كان منها ساكنا بعد كسرة علی قراءة الجماعة نحو: سَخِرَ [التوبة: 79] و وَ الْحَمِیرَ [النحل: 8] و لا ضَیْرَ [الشعراء: 50] و الْمُصَوِّرُ [الحشر: 74] و تُثِیرُ [البقرة: 71] و الْخَیْرُ [آل عمران: 26] و وَ اصْبِرْ [یونس: 109].
و قسم یفخم فی الوصل و الوقف علی قراءة الجماعة: و هو ما كان من هذه الراءات المتحركة بالفتح أو الضم أو السواكن لیس قبله كسرة و لا یاء ساكنة نحو حَضَرَ [البقرة: 133] و كَبُرَ [الأنعام: 35] و یُصْهَرُ [الحج: 20] و یَنْظُرُ [النبأ: 40] و فَلا تَنْهَرْ [الضحی: 10] و وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ [المدثر: 5].
و قسم یفخم فی الوصل و یرقق فی الوقف: و هو الراء المفتوحة و المضمومة من القسم الأول بعینه علی قراءة غیر ورش بشرط ألا یوقف لهم علی المضمومة بالروم.
فإذا تقرر هذا: فاعلم أن قوله: «ما لم تلها كسرة و لا یاء ساكنة»، قید خاص بالتفخیم دون الترقیق، فأراد بقوله: «إن رققت «2» فبالترقیق»، القسم الذی ذكرته أولا علی قراءة ورش فی المضمومة و المفتوحة، و علی قراءة الجمیع فی الساكنة.
و أراد بقوله: «و إن فخمت فبالتفخیم»، القسم الثانی المتفق علی تفخیمه، لكن لما كان قوله: «و إن فخمت» یعنی به فی الوصل، و كان یقع فیه الاشتراك مع القسم الثالث الذی یفخمه غیر ورش فی الوصل أتی بذلك الشرط لیفصل بین القسمین، فكأنه قال: و إن فخمت فی الوصل فبالتفخیم فی الوقف إلا فیما استثنیته من ذلك و هو ما ولیت الراء فیه كسرة أو یاء ساكنة.
و قوله: «و سواء أشیر إلی حركة المضمومة بروم أو إشمام أو لم یشر».
یرید أنها یوقف علیها بالتفخیم فی الروم و الإشمام كما یوقف علیها كذلك فی
______________________________
(1) فی أ: تقول إن وقفت بالترقیق.
(2) فی أ: وقفت.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 566
السكون، و هذا كله خاص بالقسم الثانی علی ما قررته.
و قوله: «فإن الوقف علیها مع الروم خاصة فی غیر مذهب ورش بالتفخیم».
فی هذا الكلام حذف تقدیره: فإن ولیتها كسرة أو یاء ساكنة، فإن الوقف علیها مع الروم خاصة فی غیر مذهب ورش بالتفخیم، و إنما حذفه إیثارا للاختصار و اتكالا علی فهم السامع.
و لم یذكر مذهب ورش هنا؛ لأنه حاصل من القسم الأول و كلامه بعد بیّن.
و قوله آخرا: «فإنك ترققها فی الحالین».
یعنی فی حال الوقف بالإسكان، و بالروم إذا كانت مكسورة و قبلها كسرة أو یاء ساكنة أو فتحة ممالة، و الله تعالی جده و توالی مجده أعلم و أحكم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 567

باب ذكر اللامات‌

اشارة

القراء یقولون: الأصل فی اللام الترقیق «1»، و لا تغلظ «2» إلا لسبب، و هو مجاورتها حرف الاستعلاء، و لیس تغلیظها إذ ذاك بلازم، و ترقیقها إذا لم تجاور حرف الاستعلاء لازم، و كلامهم هنا أبین من كلامهم فی الراءات.
و شرط الحافظ- رحمه الله- فی تغلیظ اللام ثلاثة شروط:
أحدها: أن تكون مفتوحة.
و الثانی: أن یكون قبلها صاد، أو طاء، أو ظاء.
و الثالث: أن یكون كل واحد من هذه الأحرف الثلاثة، إما ساكنا، و إما مفتوحا.
أما الصاد الساكنة، فالوارد منها فی القرآن تَصْلی [الغاشیة: 4] و سَیَصْلی [المسد: 3] و یَصْلاها [الإسراء: 18] و وَ سَیَصْلَوْنَ [النساء: 10] و یَصْلَوْنَها [الانفطار: 15] و اصْلَوْهَا [یس: 64] و فَیُصْلَبُ [یوسف: 41] و مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء: 23] و وَ أَصْلَحَ [المائدة: 39] و وَ أَصْلَحُوا [البقرة: 160] و أَصْلَحا [البقرة: 228].
و الْإِصْلاحَ [هود: 88]، و وَ فَصْلَ الْخِطابِ [ص: 20].
و أما الصاد المفتوحة فتكون اللام بعدها خفیفة، و شدیدة، فالوارد من الخفیفة فی القرآن الصَّلاةَ [البینة: 5]، و صَلَواتٌ [البقرة: 157]، و صَلاتَكَ [التوبة:
103]، و صَلاتِهِمْ [المؤمنون: 2]، و صَلَحَ [الرعد: 23]، و فَصَلَتِ [یوسف: 94]، و یُوصَلَ [الرعد: 21]، و فَصَلَ طالُوتُ [البقرة: 249]، و فَصَّلَ [الأنعام: 119]، و مُفَصَّلًا [الأنعام: 114]، و مُفَصَّلاتٍ [الأعراف:
______________________________
(1) الترقیق من الرقة و هو ضد السمن. فهو عبارة عن إنحاف ذات الحرف و نحوله. و التفخیم من الفخامة و هی العظمة و الكثرة، فهی عبارة عن ربو الحرف و تسمینه، فهو و التغلیظ واحد إلا أن المستعمل فی الراء فی ضد الترقیق هو التفخیم، و فی اللام التغلیظ، و قد عبر قوم عن الترقیق فی الراء بالإمالة بین اللفظین كما فعل الدانی و بعض المغاربة، و هو تجوز؛ إذ الإمالة أن تنحو بالفتحة إلی الكسرة و بالألف إلی الیاء. و الترقیق: إنحاف صوت الحرف، فیمكن اللفظ بالراء مرققة غیر ممالة، و مفخمة ممالة، و ذلك واضح فی الحس و العیان، و إن كان لا یجوز روایة مع الإمالة إلا الترقیق، و لو كان الترقیق إمالة لم یدخل علی المضموم و الساكن و لكانت الراء المكسورة ممالة، و ذلك خلاف إجماعهم.
ینظر النشر فی القراءات العشر (2/ 90، 91).
(2) فی ب: تغلیظ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 568
133]، و وَ ما صَلَبُوهُ [النساء: 157].
و الوارد من الشدیدة: فَصَلَّی [الأعلی: 15]، و وَ یَصْلی [الانشقاق: 12]، و مُصَلًّی [البقرة: 125]، و یُصَلَّبُوا [المائدة: 33]، و جاءت مفصولا بینها و بین الصاد بألف فی صالِحاً [القصص: 80]، و فِصالًا [البقرة: 233].
و أما الطاء الساكنة، فالوارد منها فی القرآن موضع واحد، و هو مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر: 5] خاصة.
و أما المفتوحة، فتكون اللام بعدها خفیفة و شدیدة، فالذی ورد فی القرآن من الخفیفة:
الطَّلاقُ [البقرة: 229]، و وَ انْطَلَقَ [ص: 6]، و انْطَلِقُوا [المرسلات:
29]، و أَطَّلَعَ [مریم: 78]، و فَاطَّلَعَ [الصافات: 55]، و وَ بَطَلَ [الأعراف:
118]، و مُعَطَّلَةٍ [الحج: 45]، و طَلَباً [الكهف: 41].
و الذی ورد من الشدیدة: وَ الْمُطَلَّقاتُ [البقرة: 228]، و طَلَّقْتُمُ [البقرة:
231]، و طَلَّقَكُنَ [التحریم: 5]، و طَلَّقَها [البقرة: 230].
و جاءت مفصولا بینها و بین اللام فی طالَ [الأنبیاء: 44].
و أما الظاء الساكنة، فالوارد منها فی القرآن: فَیَظْلَلْنَ [الشوری: 33] و وَ لا یُظْلَمُونَ [النساء: 49] و وَ مَنْ أَظْلَمُ [البقرة: 114] و وَ إِذا أَظْلَمَ [البقرة: 20].
و أما المفتوحة فتكون اللام بعدها خفیفة و شدیدة، فالوارد من الخفیفة: ظَلَمَ [البقرة: 231] و ظَلَمُوا [هود: 101] و وَ ما ظَلَمْناهُمْ [هود: 101].
و الوارد من الشدیدة: بِظَلَّامٍ [آل عمران: 182] و وَ ظَلَّلْنا [الأعراف:
160] و ظَلَ [النحل: 58] و فَظَلَّتْ [الشعراء: 4].
اعلم أن هذه اللامات علی رأی الحافظ فی قراءة ورش تنقسم قسمین:
قسم یلزم فیه تغلیظ اللام.
و قسم یجوز فیه التغلیظ، و الترقیق.
ثم هذا القسم الثانی منه ما یترجح فیه الترقیق، و منه ما یترجح فیه التغلیظ.
فالذی یترجح فیه الترقیق، قوله- تعالی-: فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلَّی فی سورة القیامة [الآیة: 31]، و وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّی فی سورة سبح [الأعلی: 15]، و إِذا صَلَّی
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 569
فی سورة العلق [الآیة: 10].
فوجه تغلیظ اللام فی هذه المواضع الثلاثة، ولایتها مفتوحة للصاد المفتوحة.
و وجه الترقیق المختار عنده: أن یتمكن من إمالة فتحة اللام فتتبعها الألف؛ إذ هی رأس آیة، فیحصل التناسب بینها و بین ما یلیها من رءوس الآی، و الذی یترجح فیه التغلیظ ثلاثة أضرب:
الضرب الأول: اللام بعد الصاد إذا وقعت بعدها ألف منقلبة عن یاء، و لم تكن رأس آیة و جملته فی القرآن یَصْلاها فی الإسراء [الآیة: 18]، و اللیل [الآیة: 15] و وَ یَصْلی فی الانشقاق [الآیة: 12]، و تَصْلی فی الغاشیة [الآیة: 4]، و سَیَصْلی فی المسد [الآیة: 3]، و كذلك مُصَلًّی فی البقرة [الآیة: 125] فی الوقف.
قال العبد: و یلحق به الوقف علی یَصْلَی فی سبح [الأعلی: 12].
فوجه التغلیظ: ولایة اللام لحرف الاستعلاء.
و وجه الترقیق: التمكن من الإمالة، لكن لما لم تكن هذه المواضع من رءوس الآی التی یطلب فیها التناسب فی تحصیل الإمالة؛ ضعف الترقیق و قوی التغلیظ.
الضرب الثانی: اللام المفصولة بالألف، و ذلك طالَ [الأنبیاء: 44] و یُصْلِحا [النساء: 128] و فِصالًا [البقرة: 233].
فوجه الترقیق حصول الفصل.
و وجه التغلیظ: أن الألف حاجز غیر حصین؛ فلم یعتد به.
الضرب الثالث: ما وقع من هذه اللامات طرفا، و ذلك قوله- تعالی-: أَنْ یُوصَلَ فی البقرة [الآیة: 27] و الرعد [الآیة: 25] و فَلَمَّا فَصَلَ فی البقرة [الآیة:
249]، و وَ قَدْ فَصَّلَ فی الأنعام [الآیة: 119]، و وَ بَطَلَ فی الأعراف [الآیة:
118] و إذا سكنت هذه اللامات فی الوقف- احتملت الترقیق لسكونها و التغلیظ حملا علی الوصل؛ إذ لا تكون فی الوصل إلا مغلظة، و السكون فی الوقف عارض لا یعتد به.
و أما القسم الذی یلزم تغلیظه- فهو خارج عن هذه المواضع المذكورة من جملة اللامات التی تقدم حصرها، و الله الموفق للصواب.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 570
و أما «1» ما خرج عن هذه اللامات المذكورة فی هذا الباب مما لم تكمل فیه الشروط الثلاثة:
فمذهب الحافظ ترقیقه لورش، و لا خلاف عن سائر القراء أنهم یرققون جمیع هذه اللامات التی تقدم أن ورشا یغلظها.
و اعلم أن للشیخ و الإمام فی هذا الباب خلافا مع الحافظ ینحصر الغرض منه فی ثمانی مسائل:
المسألة الأولی: اللام المفتوحة بعد الطاء المفتوحة، أو الساكنة نحو: طَلَّقْتُمُ و أَطَّلَعَ و مَطْلِعَ، و قد تقدم أن مذهب الحافظ تغلیظها لورش، و عن الشیخ و الإمام: فیها الوجهان: التغلیظ، و الترقیق.
و یظهر أن التغلیظ أشهر عند الإمام، و به قرأ الشیخ علی غیر أبی الطیب، ثم نص الشیخ عن نفسه أنه یأخذ فیه بالوجهین.
المسألة الثانیة: اللام المفتوحة بعد الظاء المفتوحة، أو الساكنة نحو ظَلَمُوا و ظَلْتَ و أَظْلَمَ، مذهب الحافظ التغلیظ.
وافقه الشیخ فیما لامه مخففة، و قال فی المشددة: «إنه لم یقرأه علی شیخه أبی الطیب إلا بالترقیق».
و قال الشیخ: «و قیاس نص كتابه یدل علی تغلیظها بعد الظاء، و إن كانت مشددة؛ لأنه [لا] یشترط فی المفتوحة تشدیدا و لا غیره».
و وافق الإمام الحافظ علی التغلیظ بعد الظاء الساكنة، و ذكر فیما بعد المفتوحة وجهین: التغلیظ، و بین اللفظین، و كان بین اللفظین أشهر عنده.
المسألة الثالثة: اللام المشددة بعد الصاد نحو: مُصَلًّی و یُصَلَّبُوا ما لم تكن رأس آیة فی السور الثلاث.
اتفق الحافظ و الشیخ فیها علی التغلیظ.
و نقل الإمام الوجهین، و قال: «إن التفخیم أشهر».
المسألة الرابعة: فِصالًا و (یصّالحا) و طالَ.
و ذكر الحافظ فی غیر «التیسیر» فیها الوجهین، و رجح التغلیظ كما تقدم، و وافقه
______________________________
(1) فی ب: فأما.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 571
الإمام فیما بعد الصاد، و لم یتعرض لما بعد الظاء، غیر أنه قال فی آخر هذا الباب:
«و كل لام لیس لها فی هذا الباب [أصل] «1»، و لا مثال فلم یختلف فیها أنها بین اللفظین»؛ فظهر أنه یرقق اللام فی طالَ.
و كذلك الشیخ لم یتعرض لهذه اللام المفصولة بالألف بعد الطاء، و لا التی بعد الصاد، و قال فی آخر الباب: «فكل ما كان بخلاف ما ذكرت لك فهو غیر مغلظ لورش».
فظهر أنه یرقق اللام فی الكلمات الثلاث.
المسألة الخامسة: الوقف علی فَصَلَ و وَ بَطَلَ و یُوصَلَ، فقد تقدم أن الحافظ یرجح فیها التغلیظ.
و قال الإمام: «بین اللفظین».
و أجاز الشیخ الوجهین فی كتاب «الكشف».
المسألة السادسة: اللام المضمومة إذا وقع قبلها صاد أو ضاد أو طاء أو ظاء كقوله- تعالی-: لَقَوْلٌ فَصْلٌ [الطارق: 13] و أَصْلُها ثابِتٌ [إبراهیم: 24] و فَضْلُ اللَّهِ [البقرة: 64] و الْفَضْلُ [النمل: 16] و یَطْلُبُهُ حَثِیثاً [الأعراف: 54] و تَطْلُعُ عَلی قَوْمٍ [الكهف: 90] و وَ الْمَطْلُوبُ [الحج: 73] و وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً [الإسراء: 33].
و كذلك اللام المفتوحة بعد الضاد الساكنة نحو فَضْلًا مِنَ اللَّهِ و أَ أَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ [الفرقان: 17] نقل الإمام التغلیظ عن ورش فی جمیع ذلك، و قال أیضا:
«إنه قرأ بعد الطاء المهملة و الضاد المعجمة بین اللفظین»، و كأن التغلیظ عنده أشهر.
و مذهب الحافظ و الشیخ الترقیق فی جمیع ذلك.
المسألة السابعة: اللام فی قوله- تعالی-: وَ أَخْلَصُوا [النساء: 146] و الْمُخْلَصِینَ [یوسف: 24] و وَ لْیَتَلَطَّفْ [الكهف: 19] و اخْتَلَطَ [الأنعام:
146] و خَلَطُوا [التوبة: 102] و وَ اغْلُظْ [التحریم: 9].
ذكر الإمام فیها الوجهین عن ورش، و أن التفخیم أكثر، و مذهب الحافظ و الشیخ الترقیق.
______________________________
(1) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 572

تنبیه‌

لما ذكر الحافظ هذه الألفاظ قال فی آخرها: «و شبه ذلك».
فانظر قوله: «و شبه ذلك» ما یعنی به؛ فإن قوله- تعالی-: خَلَصُوا نَجِیًّا [یوسف: 80] و الْخُلَطاءِ [ص: 24] و فَاسْتَغْلَظَ [الفتح: 29] و مَلائِكَةٌ غِلاظٌ [التحریم: 6] و خَلَقَ [البقرة: 29] و یَخْلُقُ و الْخَلَّاقُ [یس: 81] خَلاقٍ [البقرة: 102] مُخَلَّقَةٍ [الحج: 5] و وَ غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ [یوسف: 23]- كل هذا یشبه ما ذكر.
المسألة الثامنة: اللام الأولی فی صَلْصالٍ، مذهب الحافظ ترقیقها و مذهب الإمام تفخیمها، و أخذ الشیخ فیها بالوجهین، و ما عدا هذه المسائل الثمانیة فلا خلاف بین الشیخ، و الإمام، و الحافظ فیما یرقق من ذلك و ما یغلظ.
فأما تغلیظ اللام من الاسم العلی الأعظم و هو قولنا: «الله» فأمر متفق علیه قصد به التعظیم، و هذا بشرط أن یكون مبدوءا به، أو یكون موصولا بحرف متحرك بالفتح أو بالضم، فإن اتصل بحرف متحرك بالكسر، فلا خلاف فی ترقیقه، و لا یمكن أن تكون الكسرة قبله إلا عارضة أو منفصلة، و رأیت الحافظ- رحمه الله- قد فرض سؤالا، و هو أن یقال: لم كانت الكسرة غیر اللازمة توجب ترقیق اللام، و لا توجب ترقیق الراء؟ ثم أجاب عن ذلك بما ظهر له.
قال العبد: و الذی أرتضیه من الجواب أن اللام لما كان أصلها الترقیق، و كان التغلیظ عارضا لها، لم یستعملوه فیها إلا بشرط ألا یجاورها مناف للتغلیظ، و هو الكسر، فإذا جاورتها الكسرة- ردتها إلی أصلها.
و أما الراء المتحركة بالفتح أو بالضم- فإنها لما استحقت التغلیظ بعد ثبوت حركتها؛ لم تقو الكسرة غیر اللازمة علی ترقیقها، و استصحبوا فیها حكم التغلیظ الذی استحقته بسبب حركتها، فإذا كانت الكسرة لازمة أثرت فی لغة دون أخری فرققت الراء لذلك و غلظت «1»، و كلام الحافظ- رحمه الله- فی هذا الباب بین.
______________________________
(1) و قیل: الفرق: أن المراد من ترقیق الراء إمالتها، و ذلك یستدعی سببا قویا للإمالة. و أما ترقیق اللام فهو الإتیان بها علی ماهیتها و سجیتها من غیر زیادة شی‌ء فیها، و إنما التغلیظ هو الزیادة فیها، و لا تكون الحركة قبل لام اسم (الله) إلا مفصولة لفظا أو تقدیرا. و أما الحركة قبل الراء فتكون مفصولة و موصولة؛ فأمكن اعتبار ذلك فیها، بخلاف اللام.
ینظر: النشر فی القراءات العشر (2/ 119).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 573
و قوله فی آخر الباب: «و علی ترقیقها مع الكسرة فی الوصل».
إنما قید هنا بالوصل لأنك لو فصلت اسم الله- تعالی- و بدأت به غلظت كقوله- تعالی- فی سورة الأنعام: قُلِ اللَّهُ شَهِیدٌ بَیْنِی وَ بَیْنَكُمْ [الأنعام: 19] إذا وصلت رققت اللام فإن بدأت قلت: اللَّهُ شَهِیدٌ بتغلیظها، و كذلك قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران: 26] ترقق إذا وصلت، فإذا بدأت قلت: اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ بتغلیظ اللام، و الله سبحانه و تعالی أعلم، و أحكم، و هو حسبی و نعم الوكیل.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 574

باب الوقف علی أواخر الكلم‌

اشارة

اعلم أن الوقف «1» فی كلام العرب علی أوجه متعددة، و المستعمل منها عند
______________________________
(1) ذكر ابن الجزری فی باب الوقف علی أواخر الكلم: أن للوقف حالتین: الأولی: ما یوقف علیه، و الثانیة: ما یوقف به، ثم ذكر أن للوقف فی كلام العرب أوجها متعددة، و المستعمل منها عند أئمة القراءة تسعة، و هو: السكون، و الروم، و الإشمام، و الإبدال، و النقل، و الإدغام، و الحذف، و الإثبات، و الإلحاق:
(فالإلحاق): لما یلحق آخر الكلم من هاءات السكت.
(و الإثبات): لما یثبت من الیاءات المحذوفات وصلا.
(و الحذف): لما یحذف من الیاءات الثوابت و صلا كما سیأتی.
(و الإدغام): لما یدغم من الیاءات و الواوات فی الهمز بعد إبداله.
(و النقل): لنقل حركة الهمزة إلی الساكن قبلها وقفا.
(و البدل): یكون فی ثلاثة أنواع:
أحدها: الاسم المنصوب المنون یوقف علیه بالألف بدلا من التنوین.
الثانی: الاسم المؤنث بالتاء فی الوصل یوقف علیه بالهاء بدلا من التاء إذا كان الاسم مفردا.
الثالث: إبدال حرف المد من الهمزة المتطرفة بعد الحركة و بعد الألف.
ثم قال: و هذا الباب لم یقصد فیه شی‌ء من هذه الأوجه الستة، و إنما قصد فیه بیان ما یجوز الوقف علیه بالسكون و بالروم و بالإشمام خاصة:
(فأما السكون) فهو الأصل فی الوقف علی الكلم المتحركة وصلا؛ لأن معنی الوقف الترك و القطع، من قولهم: وقفت عن كلام فلان، أی: تركته و قطعته.
و لأن الوقف أیضا ضد الابتداء، فكما یختص الابتداء بالحركة كذلك یختص الوقف بالسكون؛ فهو عبارة عن تفریغ الحرف من الحركات الثلاث، و ذلك لغة أكثر العرب، و هو اختیار جماعة من النحاة و كثیر من القراء.
(و أما الروم) فهو عند القراء عبارة عن النطق ببعض الحركة. و قال بعضهم: هو تضعیف الصوت بالحركة حتی یذهب معظمها. و كلا القولین واحد، و هو عند النحاة عبارة عن النطق بالحركة بصوت خفی. و قال الجوهری فی صحاحه: روم الحركة الذی ذكره سیبویه: هو حركة مختلسة مخفاة بضرب من التخفیف، قال: و هی أكثر من الإشمام؛ لأنها تسمع و هی بزنة الحركة و إن كانت مختلسة، مثل همزة بین بین. انتهی. و الفرق بین العبارتین سیأتی و فائدة الخلاف بین الفریقین ستظهر.
(و أما الإشمام) فهو عبارة عن الإشارة إلی الحركة من غیر تصویت، و قال بعضهم: أن تجعل شفتیك علی صورتها إذا لفظت بالضمة. و كلاهما واحد، و لا تكون الإشارة إلا بعد سكون الحرف. و هذا مما لا یختلف فیه. نعم، حكی عن الكوفیین أنهم یسمون الإشمام روما و الروم إشماما.
قال مكی: و قد روی عن الكسائی الإشمام فی المخفوض. قال: و أراه یرید به الروم؛ لأن الكوفیین یجعلون ما سمیناه روما إشماما و ما سمیناه إشماما روما. و ذكر نصر بن علی-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 575
القراء ثمانیة أوجه، و هی: السكون، و الروم، و الإشمام، و الإبدال، و النقل، و الحذف، و إثبات ما حذف فی الوصل من آخر الاسم المنقوص، و إلحاق هاء السكت.
______________________________
- الشیرازی فی كتابه الموضح أن الكوفیین و من تابعهم ذهبوا إلی أن الإشمام هو الصوت و هو الذی یسمع؛ لأنه عندهم بعض حركة. و الروم: هو الذی لا یسمع؛ لأنه روم الحركة من غیر تفوه به، قال: و الأول هو المشهور عند أهل العربیة. انتهی.
و لا مشاحة فی التسمیة إذا عرفت الحقائق. و أما قول الجوهری فی الصحاح: إشمام الحرف: أن تشمه الضمة أو الكسرة و هو أقل من روم الحركة؛ لأنه لا یسمع، و إنما یتبین بحركة الشفة العلیا و لا یعتد بها حركة لضعفها، و الحرف الذی فیه الإشمام ساكن أو كالساكن- انتهی- فهو خلاف ما یقوله الناس فی حقیقة الإشمام و فی محله؛ فلم یوافق مذهبا من المذهبین. و قد ورد النص فی الوقف إشارتی الروم و الإشمام عن أبی عمرو و حمزة و الكسائی و خلف بإجماع أهل النقل، و اختلف فی ذلك عن عاصم:
فرواه عنه نصا الحافظ أبو عمرو الدانی و غیره. و كذلك حكاه عنه ابن شیطا عن أئمة العراقیین، و هو الصحیح عنه، و كذلك رواه الشطوی نصا عن أصحابه عن أبی جعفر.
و أما غیر هؤلاء فلم یأت عنهم فی ذلك نص، إلا أن أئمة أهل الأداء و مشایخ الإقراء اختاروا الأخذ بذلك لجمیع الأئمة، فصار الأخذ بالروم و الإشمام إجماعا منهم سائغا لجمیع القراء بشروط مخصوصة فی مواضع معروفة، و باعتبار ذلك انقسم الوقف علی أواخر الكلم ثلاثة أقسام:
قسم لا یوقف علیه عند أئمة القراءة إلا بالسكون، و لا یجوز فیه روم و لا إشمام، و هو خمسة أصناف:
(أولها): ما كان ساكنا فی الوصل نحو (فلا تنهر، و لا تمنن، و من یعتصم، و من یهاجر، و من یقاتل فیقتل أو یغلب).
(ثانیها): ما كان فی الوصل متحركا بالفتح غیر منون، و لم تكن حركته منقولة، نحو (لا ریب، و إن الله، و یؤمنون، و آمن، و ضرب).
(ثالثها): الهاء التی تلحق الأسماء فی الوقف بدلا من تاء التأنیث، نحو: (الجنة، و الملائكة، و القبلة، و لعبرة، و مرّة).
(رابعها): میم الجمع فی قراءة من حركه فی الوصل و وصله، و فی قراءة من لم یحركه و لم یصله نحو: (علیهم آنذرتهم أم لم تنذرهم، و فیهم، و منهم، و بهم، و أنهم، و علی قلوبهم، و علی سمعهم، و علی أبصارهم).
و شذ مكی، فأجاز الروم و الإشمام فی میم الجمع لمن وصلها؛ قیاسا علی هاء الضمیر، و انتصر لذلك و قواه. و هو قیاس غیر صحیح؛ لأن هاء الضمیر كانت متحركة قبل الصلة، بخلاف المیم؛ بدلیل قراءة الجماعة، فعوملت حركة الهاء فی الوقف معاملة سائر الحركات، و لم یكن للمیم حركة فعوملت بالسكون؛ فهی كالذی تحرك لالتقاء الساكنین.
(خامسها): المتحرك فی الوصل بحركة عارضة، إما للنقل نحو: (و انحر إن، و من إستبرق، فقد أوتی، و قل أوحی، و خلوا إلی، و ذواتی أكل)، و إما لالتقاء الساكنین فی-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 576
______________________________
- الوصل نحو: (قم اللیل، و أنذر الناس. و لقد استهزئ، و لم یكن الذین، و من یشأ الله، و اشتروا الضلالة، و عصوا الرسول)، و منه: (یومئذ، و حینئذ)؛ لأن كسرة الذال إنما عرضت عند لحاق التنوین، فإذا زال التنوین فی الوقف رجعت الذال إلی أصلها من السكون، و هذا بخلاف كسرة (هؤلاء) و ضمة (من قبل، و من بعد)، فإن هذه الحركة و إن كانت لالتقاء الساكنین، لكن لا یذهب ذلك الساكن فی الوقف؛ لأنه من نفس الكلمة.
(القسم الثانی): ما یجوز فیه الوقف بالسكون و بالروم و لا یجوز بالإشمام، و هو ما كان فی الوصل متحركا بالكسر، سواء كانت الكسرة للإعراب أو للبناء، نحو: (بسم الله الرحمن الرحیم، و مالك یوم الدین، و فی الدار، و من الناس، فارهبون، و ارجعون، و أف، و هؤلاء، و سبع سماوات، و عتل، و زنیم)، و كذلك ما كانت الكسرة فیه منقولة من حرف حذف من نفس الكلمة كما فی وقف حمزة فی نحو: (بین المرء، و من شی‌ء، و ظن السوء، و من سوء) و ما لم تكن الكسرة فیه منقولة من حرف فی كلمة أخری نحو: (ارجع إلیهم) أو لالتقاء الساكنین مع كون الساكن من كلمة أخری نحو:
(و قالت اخرج) فی قراءة من كسر التاء، (و إذا رجت الأرض) فی قراءة الجمیع، أو مع كون الساكن الثانی عارضا للكلمة الأولی كالتنوین فی (حینئذ)؛ فإن هذا كله لا یوقف علیه إلا بالسكون كما تقدم.
(القسم الثالث): ما یجوز الوقف علیه بالسكون و بالروم و بالإشمام، و هو ما كان فی الوصل متحركا بالضم ما لم تكن الضمة منقولة من كلمة أخری أو لالتقاء الساكنین.
و هذا یستوعب حركة الإعراب و حركة البناء و الحركة المنقولة من حرف حذف من نفس الكلمة. فمثال حركة الإعراب (الله الصمد، و یخلق، و عذاب عظیم)، و مثال حركة البناء: (من قبل، و من بعد، و یا صالح)، و مثال: الحركة المنقولة من حرف حذف من نفس الكلمة: (دف‌ء، و المرء)، و مثال الحركة المنقولة من كلمة أخری ضمة اللام فی (قل أوحی)، و ضمة النون فی: (من أوتی)، و مثال حركة التقاء الساكنین: ضمة التاء فی (و قالت اخرج)، و ضمة الدال فی (و لقد استهزئ) فی قراءة من ضم، و كذلك المیم من (علیهم القتال، و بهم الأسباب) عند من ضمها، و كذلك نحو: (و منهم الذین، و أنتم الأعلون)، و هو المقدم فی الصنف الخامس مما لا یجوز فیه وقفا سوی السكون.
(و أما هاء الضمیر) فاختلفوا فی الإشارة فیها بالروم و الإشمام: فذهب كثیر من أهل الأداء إلی الإشارة فیها مطلقا، و هو الذی فی التیسیر و التجرید و التلخیص و الإرشاد و الكفایة و غیرها، و اختیار أبی بكر بن مجاهد. و ذهب آخرون إلی منع الإشارة فیها مطلقا؛ من حیث إن حركتها عارضة، و هو ظاهر كلام الشاطبی.
و الوجهان حكاهما الدانی فی غیر التیسیر، و قال: الوجهان جیدان. و قال فی جامع البیان: إن الإشارة إلیها كسائر المبنی اللازم من الضمیر، و غیره أقیس. انتهی.
و ذهب جماعة من المحققین إلی التفصیل: فمنعوا الإشارة بالروم و الإشمام فیها إذا كان قبلها ضم أو واو ساكنة أو كسرة أو یاء ساكنة نحو: (یعلمه، و أمره، و خذوه، و لیرضوه)، و نحو: (به، و بربه، و فیه، و إلیه، و علیه)؛ طلبا للخفة لئلا یخرجوا من ضم أو واو إلی ضمة أو إشارة إلیها، و من كسر أو یاء إلی كسرة، و أجازوا الإشارة إذا لم یكن قبلها-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 577
أما إلحاق هاء السكت فیأتی فی الباب بعد هذا.
و أما إثبات ما حذف فی الوصل من المنقوص، فنعنی به [ما] جاء عن ابن كثیر من الوقف علی هادٍ و والٍ و واقٍ بإثبات الیاء.
و أما الحذف: فنعنی به وقف من یثبت شیئا من الیاءات الزوائد فی الوصل و یحذفها فی الوقف، كما یأتی بعد بحول الله العلی العظیم.
و أما النقل فنعنی به ما تقدم فی مذهب حمزة و هشام من نقل حركة الهمزة المتطرفة إلی الساكن قبلها نحو (دف) و (شی).
و أما الإبدال فیكون فی ثلاثة أنواع:
أحدها: الاسم المنصوب المنون یوقف علیه بالألف بدلا من التنوین.
الثانی: الاسم المؤنث فی الوصل یوقف علیه بالهاء بدلا من التاء إذا كان الاسم مفردا، كما تقدم فی باب مذهب الكسائی.
الثالث: إبدال حرف المد من الهمزة المتطرفة بعد الحركة كما تقدم فی باب الوقف لحمزة و هشام.
و هذا الباب لم یقصد فیه شی‌ء من هذه الأوجه الخمسة، و إنما قصد فیه بیان ما یجوز الوقف علیه بالسكون، و الروم، و بالإشمام خاصة.
فأما السكون فهو عبارة عن تفریغ الحرف من الحركات الثلاث، و سمی جزما؛ لأن الجزم هو القطع و الحرف المجزوم مقطوع عن الحركة.
و كذلك سمی: وقفا، بمعنی أنك لما انتهیت إلی الحرف نطقت به، ثم وقفت
______________________________
- ذلك نحو: (منه، و عنه، و اجتباه، و هداه، و أن یعلمه، و لن تخلفه، و أرجئه) لابن كثیر و أبی عمرو و ابن عامر و یعقوب، (و یتقه) لحفص؛ محافظة علی بیان الحركة حیث لم یكن ثقل، و هو الذی قطع به أبو محمد مكی و أبو عبد الله بن شریح و الحافظ أبو العلاء الهمدانی، و أبو الحسن الحصری و غیرهم. و إلیه أشار الحصری بقوله:
و اشمم ورم ما لم تقف بعد ضمةو لا كسرة أو بعد أمّیهما فادر و أشار إلیه أیضا أبو القاسم الشاطبی و الدانی فی جامعه، و هو أعدل المذاهب عندی، و الله أعلم. و أما سبط الخیاط فقال: اتفق الكل علی روم الحركة فی هاء ضمیر المفرد الساكن ما قبلها نحو: (منه، و عصاه، و إلیه، و أخیه، و اضربوه) و نحوه. قال: و اتفقوا علی إسكانها إذا تحرك ما قبلها نحو: (لیفجر أمامه، فهو یخلفه) و نحو ذلك؛ فانفرد فی هذا المذهب فیما أعلم، و الله أعلم.
ینظر النشر فی القراءات العشر (2/ 120- 125).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 578
عن تحریكه.
و أما الروم: فهو عبارة عن النطق ببعض الحركة، و إن شئت قلت: هو تضعیف الصوت بالحركة حتی یذهب معظمها كما قال الحافظ.
و أما الإشمام: فهو عبارة عن الإشارة إلی الحركة بالشفتین بإثر انقطاع الصوت علی الحرف ساكنا.
هذا علی اصطلاح البصریین، و حكی عن الكوفیین أنهم یسمون الإشارة بالشفتین روما؛ لأنك تقول: رمت فعل كذا؛ إذا تعرضت له و لم تفعله، فكذلك إذا أشرت بشفتیك من غیر نطق.
و یسمون النطق ببعض الحركة إشماما، كما تقول: شممت رائحة كذا؛ إذا أدركت رائحته، فكأنك أدركت جزءا منه، فكذلك إذا جعلت فی الحرف شیئا یسیرا من لفظ الحركة.
و اصطلاح البصریین یتوجه علی أنك حین نطقت ببعض الحركة كأنك رمت إتمامها فلم تفعل، و علی أنك جعلت القدر الحاصل من الإشارة بالشفتین إشماما؛ لأنه كاف فی الإشعار بحركة الوصل، و الأمر فی هذا قریب.
و اعلم أن الكلم الموقوف علیها تنقسم ثلاثة أقسام:
[الأول]: قسم لا یوقف علیه عند القراء إلا بالسكون و لا یجوز فیه روم و لا إشمام و هو خمسة أصناف:
الأول: ما كان ساكنا فی الوصل نحو فَلا تَنْهَرْ [الضحی: 10] و وَ لا تَمْنُنْ [المدثر: 6] و وَ مَنْ یَعْتَصِمْ [آل عمران: 101].
الثانی: ما كان فی الوصل متحركا بالفتح غیر منون و لم تكن حركته منقولة نحو:
آمَنَ [البقرة: 13] و وَ صَدَّقَ [اللیل: 6] و إِنِّی أَخافُ اللَّهَ [المائدة: 28].
الثالث: میم الجمع فی قراءة من حركه فی الوصل و وصله، و فی قراءة من لم یصله و لم یحركه نحو: سَواءٌ عَلَیْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ [البقرة: 6].
الرابع: المتحرك فی الوصل بحركة عارضة، إما للنقل نحو وَ انْحَرْ إِنَ [الكوثر: 2- 3] و مَنْ آمَنَ [البقرة: 62] و قُلْ أُوحِیَ [الجن: 1] و ذَواتَیْ أُكُلٍ [سبأ: 16].
و إما لالتقاء الساكنین فی الوصل نحو قُمِ اللَّیْلَ [المزمل: 2] و أَنْذِرِ النَّاسَ
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 579
[یونس: 2] و وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ [الأنعام: 10] و منه یَوْمَئِذٍ و حِینَئِذٍ فإن كسرة الذال إنما عرضت عند لحاق التنوین، فإذا زال التنوین فی الوقف؛ رجعت الذال إلی أصلها من السكون، و هذا بخلاف كسرة هؤُلاءِ و ضمة مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ [الروم: 4] فإن هذه الحركة و إن كانت لالتقاء الساكنین لكن لا تذهب إلی الساكن فی الوقف؛ لأنه من نفس الكلمة.
الخامس: الهاء التی تلحق الأسماء فی الوقف بدلا من تاء التأنیث نحو الْجَنَّةَ و الْمَلائِكَةِ، فأما ضمیر المذكر المفرد إذا كان قبله ضمة أو واو ساكنة أو كسرة أو یاء ساكنة كقوله- تعالی-: وَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ یُرْضُوهُ [التوبة: 62] و وَ شَرَوْهُ [یوسف: 20] و یَوْمَ یَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِیهِ وَ أُمِّهِ وَ أَبِیهِ [عبس: 34- 35] و بَیْنَ یَدَیْهِ [البقرة: 97]- فذكر الحافظ فی غیر «التیسیر» خلافا بین أهل الأداء: هل یقتصر فیه علی السكون أو یجوز فیه استعمال الروم و الإشمام؟
ثم قال: «و الوجهان جیدان».
و مذهب الشیخ و الإمام فیه الإسكان لا غیر.
قال الشیخ: و قد ذكر النحاس «1» جواز الروم و الإشمام فی هذا.
ثم قال: «و لیس هو مذهب القراء».
و اعلم أن الشیخ- رحمه الله- أجاز الروم و الإشمام فی میم الجمع، و قال بعد ما أطال الكلام فیها ما نصه: «و لیس قول من یمنع ذلك لأجل أن المیم من الشفتین
______________________________
(1) إسماعیل بن عبد الله بن عمرو بن سعید بن عبد الله التجیبی، أبو الحسن النحاس شیخ مصر، محقق ثقة كبیر جلیل، قرأ علی- التیسیر و المستنیر- الأزرق صاحب ورش، و هو أجل أصحابه و علی- الكامل- عبد الصمد بن عبد الرحمن، یقال إلی سورة طه، و علی- الكامل- عبد القوی بن كمونة و عمرو بن بشار بن سنان كلهم عن ورش، قرأ علیه- جامع البیان- إبراهیم بن حمدان و أحمد بن عبد الله بن هلال و هو أجل أصحابه و- التیسیر- أحمد بن أسامة التجیبی و- جامع البیان- أحمد بن محمد بن أبی الرجا و- جامع البیان- حمدان بن عون بن حكیم و محمد بن أحمد بن شنبوذ، فیما ذكره أبو العزیل علی بن هلال عنه و- جامع البیان- ابن أبی رصاصة و محمد بن خیرون الأندلسی و محمد بن إبراهیم الأهناسی و أبو علی و صیف الحمراوی و سلامة بن الحسن الموصلی و- جامع البیان- أحمد بن محمد القباب أبو العباس و أبو بكر محمد بن حمید بن أبی بشر القباب و أحمد ابن محمد بن هیثم الشعرانی، قال الذهبی: توفی سنة بضع و ثمانین و مائتین و قال القاضی أسد: سنة نیف و ثمانین و مائتین.
ینظر غایة النهایة (1/ 165).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 580
بشی‌ء؛ لإجماع الجمیع علی الإشمام و الروم فی المیم التی فی آخر الأفعال و الأسماء التی لیست للجمیع، و لو تم له منع الإشمام بقیاس میم الجمع لمن ضمها».
و هو یرید بالضم أصلها، أی یقف علیها كغیرها من المتحركات، و الإسكان حسن فیها، فأما من حركها لالتقاء الساكنین؛ فالوقف بالسكون لا غیر.
و مذهب الإمام فی میم الجمع: الوقف بالسكون لا غیر، كمذهب الحافظ.
القسم الثانی: یجوز فیه الوقف بالسكون و بالروم، و لا یجوز الإشمام، و هو ما كان فی الوصل متحركا بالكسر، سواء كانت الكسرة للإعراب أو للبناء ما لم تكن منقولة من حرف كلمة أخری نحو ارْجِعْ إِلَیْهِمْ [النمل: 37] و وَ انْحَرْ إِنَّ شانِئَكَ أو لالتقاء الساكنین مع كون الساكن الثانی من كلمة أخری نحو وَ قالَتِ اخْرُجْ [یوسف: 31] فی قراءة من كسر التاء و إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ [الواقعة: 4] فی قراءة الجمیع، و مع كون الساكن الثانی عارضا للكلمة الأولی كالتنوین فی حِینَئِذٍ- فإن هذا كله لا یوقف علیه إلا بالسكون كما تقدم.
و إنما مقصود هذا القسم نحو (فی الدار) و مِنَ النَّاسِ و هؤُلاءِ و أُفٍ، و كذلك ما كانت الكسرة فیه منقولة من حرف حذف من نفس الكلمة فی الوقف، نحو بَیْنَ الْمَرْءِ [البقرة: 102].
و مِنْ شَیْ‌ءٍ و ظَنَّ السَّوْءِ [الفتح: 6] علی قراءة حمزة و هشام.
القسم الثالث: یجوز الوقف علیه بالسكون و بالروم و الإشمام، و هو ما كان فی الوصل متحركا بالضم ما لم تكن الضمة منقولة من كلمة أخری، أو لالتقاء الساكنین، و هذا یستوعب حركة الإعراب، و حركة البناء، و الحركة المنقولة من حرف حذف من نفس الكلمة.
فمثال حركة الإعراب: یَخْلُقُ [آل عمران: 47] و اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص: 2] و مثال حركة البناء: مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ [الروم: 4]، و یُصْلِحُ [الأعراف:
77] [الأعراف: 77].
و مثال الحركة المنقولة من حرف حذف من نفس الكلمة (دف) و المر علی
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 581
ما تقدم من وقف حمزة و هشام.
و مثال الحركة المنقولة من كلمة أخری ضمة اللام فی: قُلْ أُوحِیَ و ضمة النون فی: مَنْ أُوتِیَ [الحاقة: 19] علی قراءة ورش.
و مثال حركة التقاء الساكنین ضمة التاء فی: وَ قالَتِ اخْرُجْ و ضمة الدال فی وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ فی قراءة من ضم.
و إنما قال الحافظ- رحمه الله- فی الوقف بالسكون: «إنه الأصل»، و قاله الشیخ؛ لأنه یطرد فی كل نوع من المتحركات، و لأنه تحصل به مخالفة الابتداء؛ إذ لا یبتدأ إلا بمتحرك، فأرادا أن یكون الوقف بخلافه فجعلاه بالسكون، و لأن الوقف موضع استراحة، فناسبه حذف الحركة و لهذا لا یجوز الوقف بالتحریك التام الممكن و أقصی ما یستعمل فیه الروم، و هو النطق ببعض الحركة.
و قوله: «و الباقون لم یأت عنهم شی‌ء».
یعنی الحرمیین و ابن عامر، فإنه ذكر أن الروایة وردت عن الكوفیین و أبی عمرو، أعنی بالروم و الإشمام، و نقل الشیخ و الإمام أن الروایة وردت عن حمزة و الكسائی، و عن أبی عمرو من طریق البغدادیین.
و قوله: «و استحباب أكثر شیوخنا أن یوقف فی مذاهبهم بالإشارة».
یرید: فی مذهب الحرمیین و ابن عامر، كما یوقف فی مذهب من روی عنه ذلك.
و قوله: «لما فی ذلك من البیان».
یعنی لما فی الوقف بالروم و الإشمام من بیان الحركة التی تثبت فی الوصل للحرف الموقوف علیه، و هذا التعلیل یقتضی استحسان الوقف بالروم و الإشمام، إذا كان القارئ بحضرته من یسمع قراءته، أما إذا لم یكن بحضرته أحد یسمع تلاوته؛ فلا یتأكد الوقف إذ ذاك بالروم و الإشمام؛ لأنه غیر محتاج إلی أن یبین لنفسه، و عند حضور الغیر یتأكد ذلك لیحصل البیان للسامع: فإن كان السامع عالما بذلك؛ علم صحة عمل القارئ، و إن كان غیر عالم؛ كان فی ذلك تنبیه له لیعلم حكم ذلك الحرف الموقوف علیه كیف هو فی الوصل؟ و إن كان القارئ متعلما ظهر علیه بین یدی المعلم هل أصاب فیقره، أو أخطأ فیعلمه.
قال العبد: و كثیرا ما یعرض لی مع المتعلم فی مواضع من القرآن یكون القارئ قد اعتاد الوقف علیها و لم ینبه علی وصلها، كقوله- تعالی-: وَ فَوْقَ كُلِّ ذِی عِلْمٍ
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 582
عَلِیمٌ [یوسف: 76] و إِنِّی لِما أَنْزَلْتَ إِلَیَّ مِنْ خَیْرٍ فَقِیرٌ [القصص: 24] فیقف القارئ علی عَلِیمٌ و فَقِیرٌ بالسكون علی عادته، فأشعر بأنه لا یحسن الوصل فآمره بوصلها، فیقرأ: عَلِیمٌ و فَقِیرٌ بالخفض.
و كذلك أجدهم قد اعتادوا الوقف علی قوله- تعالی-: مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّیْطانُ بَیْنِی وَ بَیْنَ إِخْوَتِی [یوسف: 100] فأشعر أنه لا یدری كیف یصل فآمره بالوصل، فلا یدری هل یفتح الیاء أو یسكنها، و كثیرا ما یسبق إلیهم فتحها فی قراءة، قالون فأنبه إذ ذاك علی أنه لا یفتحها إلا ورش.
و كذلك یقفون فی سورة الرحمن- عز جلاله- علی رءوس الآی فأشعر بأنهم لا یحسنون الوصل، فآمر القارئ بالوصل فكثیرا ما یصل: وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ و مُدْهامَّتانِ بتنوین النون إلی غیر ذلك مما یحتاج المعلم أن یتفقد فیه حال المبتدئ، و الله سبحانه الموفق المعین.
و قول الحافظ- رحمه الله- فی الروم: «إنه تضعیفك الصوت بالحركة حتی یذهب بذلك معظم صوتها».
أشار بذلك إلی تضعیف الصوت، و وقع فی هذا الكلام «الصوت» بالألف و اللام، ثم كرره مضافا إلی ضمیر الحركة، و هما فی الحقیقة شی‌ء واحد، و لو قال:
حتی یذهب معظمه، و یعید الضمیر علی الصوت لكان صحیحا.
و قوله: «یدركه الأعمی».
لیس یرید أن البصیر لا یدركه، و إنما یرید أنه یدرك ذلك الصوت بحاسة السمع، و لا یتوقف علی البصر، فخص الأعمی بالذكر؛ لیدل علی أنه لا حاجة للبصر فی إدراك الروم بل یدركه المبصر، سواء فتح عینیه أو أغمضهما، و فی اللیل المظلم، و من وراء حائل، و مع هذا فإن كان الروم فی الكسرة، فلا مشاركة فی إدراكه للبصر، و إن كان فی الضمة- فیصح أن تدرك بالبصر الإشارة بالشفتین التی تصحب النطق بصوت الضمة، و هاهنا یدرك الأصم إذا كان مبصرا الإشارة الحاصلة للشفتین، و إن لم یدرك الصوت فیستوی عنده الروم و الإشمام، لكن لما كان الروم عند الحافظ- رحمه الله- عبارة عن الإشارة الحاصلة للشفتین، و إنما هو عبارة عن الصوت الضعیف الباقی من الحركة- صح أن یقال: لا حظ للبصر فی إدراك الروم؛ إذ البصر لا یدرك الصوت.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 583
قوله: «و أما حقیقة الإشمام فهو ضمك شفتیك بعد سكون الحرف أصلا».
یرید: بعد قطع الصوت علی الحرف ساكنا فلا تكون تلك الإشارة إلا مصاحبة للسكون و بعد انصراف الصوت، و خص الإشمام بضم الشفتین؛ لأنه لا یكون إلا فی المرفوع، و سبب ذلك أن الإشمام لما كان عبارة عن الإشارة بالعضو إلی الحركة من غیر نطق- لم یكن ذلك إلا فیما كان من الحركات من الشفتین و هی الضمة؛ لأنها من الواو، فأما الكسرة فهی من مخرج الیاء، و ذلك وسط اللسان، و هو فی داخل الفم.
فلو أشار القارئ بوسط اللسان إلی الكسرة بعد انقطاع الصوت علی السكون- لم یفد؛ لأنها إشارة بعضو غائب عن البصر، و كذلك الفتحة لما كانت من مخرج الألف و أصلها من الحلق لم یتصور فیها الإشمام؛ لأن موضع الحركة غائب بخلاف الضمة التی هی من الشفتین، فالإشارة بها ظاهرة؛ فكان إعمالها یفید البیان كما یفیده الروم.
و قوله: «و لا یدرك ذلك الأعمی».
یرید أن إدراك الإشمام موقوف علی البصر، و لا تعلق للسمع به؛ و لهذا لا یدركه المبصر إذا أغمض «1» عینیه أو كان فی لیل مظلم، أو كان بینه و بین القارئ حائل یمنعه إبصار شفتیه.
و قوله: «إذ هو إیماء بالعضو إلی الحركة».
تعلیل لكون الأعمی لا یدركه، و لا یغنی فیه السمع، كما لم یغن البصر فی إدراك الصوت فی الروم.
و قوله: «و لا یستعملونه فی النصب أو الفتح؛ لخفتها».
اعلم أنه لا یمتنع الروم فی الوقف علی المفتوح عند النحویین، لكن جرت عادة القراء بتركه؛ و لهذا قال الحافظ: «لا یستعملونه» و لم یقل: لا یجوز، و قد حكاه الیزیدی عن أبی عمرو فی قوله- تعالی-: أَمَّنْ لا یَهِدِّی فی سورة یونس- علیه السلام- [الآیة: 35] فقال: «و كان یشم الهاء شیئا من الفتح» یعنی ینطق ببعض الفتحة.
______________________________
(1) فی ب: غمض.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 584
و قد نص سیبویه علی جواز الروم فی المنصوب، و مثله بقولك: «رأیت الحارث».
و قول الحافظ: «لخفتها» تعلیل لترك روم الفتحة.
فإن قیل: هذا تعلیل غیر بین؛ لأن العادة فی لسان العرب ترك الثقیل و استعمال الخفیف، فكیف استعمل القراء الروم فی الضمة و الكسرة مع ثقلهما، و تركوا روم الفتحة لكونها خفیفة؟
فالجواب: أن مراده أن الفتحة لخفتها، سهلت علی من أراد النطق بها فیخاف أن یرید القارئ النطق ببعضها، فیحصل النطق بكلها فرفضوا رومها محافظة و احتیاطا لألفاظ القرآن، و وقفوا بالسكون الذی هو أكثر استعمالا كما نص علیه سیبویه، و أما الضمة و الكسرة، فقد یقصد القارئ النطق بكل واحدة منهما علی التمام؛ فیحصل النطق ببعضها، و ذلك لثقلهما، فإذا قصد النطق ببعضهما- كان ذلك أبعد من حصول تمامهما «1»، و الله تبارك و تعالی أعلم.
قوله: «و أما الإشمام فیكون فی الرفع و الضم».
لیس یرید أنه مختص بالرفع و الضم علی مذاهب القراء، و لكنه كذلك «2» فی كلام العرب؛ لما تقدم من كون مخرج الفتحة و الكسرة غائب فی داخل الفم، و كذا حاصل قول سیبویه؛ فإنه لما ذكر النصب و الجر، و ما یجوز فیهما من الروم و السكون و التضعیف، كما كان فی المرفوع، قال بإثره: «فأما الإشمام فلیس إلیه سبیل».

فصل‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «فأما الحركة العارضة ...» إلی تمام الباب.
قد تقدم أن الحركة العارضة، إن كانت منقولة فی الوقف- جاز الروم و الإشمام نحو (دف) و (مل) فی الوقف لحمزة و هشام.
فإن قیل: لیست تلك الحركة عارضة؛ لأنها فی الأصل مستحقة لحرف من نفس الكلمة؟
______________________________
(1) فی أ: تمامها.
(2) فی ب: هو.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 585
فالجواب: أنها عارضة للحرف الموقوف علیه؛ فصح أن یطلق علیها أنها عارضة.
و قوله: «و حركة میم الجمع فی مذهب من ضمها علی الأصل».
یرید [علی] «1» قراءة ابن كثیر باتفاق، و علی قراءة قالون علی أحد الوجهین، و ترك مذهب من كسرها و هی قراءة أبی عمرو علی الشرط المذكور فی سورة أم القرآن؛ لأن تلك الكسرة عارضة لیست علی الأصل؛ فاكتفی عن ذكرها بقوله أولا:
«فأما الحركة العارضة».
فإن قیل: ما الدلیل علی أن الضم هو الأصل فی تحریك میم الجمع؟
فالجواب: أن یقال: اعلم أن میم الجمع إنما تلحق ضمیر المخاطب، و ضمیر الغائب متصلین كانا أو منفصلین، فأبین حكم ضمیر المخاطب و الغائب أولا فأقول:
اعلم أن ضمیر المخاطب المفرد المتصل إذا كان فی موضع الرفع [هو] التاء نحو: «فعلت» و فی النصب و الجر الكاف نحو «إنك» و «لك»، و ضمیر الغائب المفرد فی موضع النصب و الجر [الهاء] نحو «إنه» و «له» إلا أنهم یفتحون التاء و الكاف إذا أرادوا المذكر و یكسرونهما إذا أرادوا المؤنث كل هذا فی الوصل، و لا یصلون الحركة، فإذا وقفوا أسكنوا و یفتحون الهاء و یصلونها بألف إذا أرادوا المؤنث فی الحالین، فإن أرادوا المذكر أسكنوها فی الوقف و كسروها فی الوصل بعد الكسرة أو الیاء الساكنة و ضموها فیما عدا ذلك، و یصلون الحركة بحرف من جنسها إذا تحرك ما قبلها فی كل اللغات، فإن سكن ما قبلها- تركوا الصلة فی أشهر اللغتین.
و إنما خصوا «2» الهاء بالصلة دون التاء و الكاف؛ لأنها حرف [ضعیف] «3» قد بلغ فی الضعف غایة لیست لغیره من الحروف، فأرادوا تقویة حركتها بالصلة لیكون ذلك كالجابر لقوة الحرف و كأنه بمنزلة العوض مما نقص من بیان الهاء.
و أما من حذف صلتها من العرب فی الوصل إذا سكن ما قبلها، فإنه رأی أن الهاء
______________________________
(1) سقط فی أ.
(2) فی ب: حصلوا.
(3) فی أ: مهتوت.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 586
لما حل بها من الضعف فی حكم العدم، فلو وصلها لكان كأنه قد جمع بین ساكنین؛ إذ الهاء بینهما حاجز غیر حصین، فإذا أرادوا إضمار الاثنین حركوا التاء و الكاف و الهاء بالضم، و ألحقوا كل واحدة منها زیادتین، كما ألحقوا الاسم الظاهر حین ثنوه، و كانت إحدی الزیادتین ألفا؛ لأنها قد استقرت لإضمار الاثنین فی «فعلا» و «یفعلان».
و لأنها أیضا قد قرئت فی الظاهر، لإفادة معنی التثنیة.
و كانت الزیادة الأخری میما، و قدمت علی الألف؛ لیفرق بین حال المضمر و الظاهر فی التثنیة كما فرقوا فی التصغیر بین الأسماء المبهمة و غیرها، إلا أنهم یكسرون الهاء إذا تقدمتها كسرة أو یاء ساكنة نحو: «بهما» و «إلیهما»؛ و ذلك لضعفها.
و لم یفعلوا ذلك بالتاء و الكاف؛ لأنهما أقوی من الهاء، فلم تقو [الیاء و الكسرة] «1» علی تغییرهما، فإذا أرادوا الجمع استحقت التاء و الكاف و الهاء عندهم أن یلحقوها زیادتین كما فعلوا حین أرادوا إضمار الاثنین، و كما فعلوا ذلك حین جمعوا الاسم الظاهر الجمع الذی علی حد التثنیة، فجعلوا للمذكر المیم و الواو، و للمؤنث النون المضاعفة، و عند هذا ظهر لزوم تحریك المیم بالضم من أجل الواو، كما لزم تحریكها بالفتح من أجل الألف؛ فلهذا قالوا: إن الأصل فی میم الجمع أن تحرك بالضم، ثم إن هذه الصیغة التی للجمیع إن اتصل بها ضمیر- ثبتت ضمة المیم و صلتها بالواو كقوله- تعالی-: أُورِثْتُمُوها [الأعراف: 43] و أَشْرَكْتُمُونِ [إبراهیم: 22].
و تقول: «الدرهم أعطاكموه زید» و «الزیدون» و «هند أعطاهموها عمرو».
و قال سیبویه فی باب ما ترده علامة الإضمار إلی أصله بعد أن ذكر كسر لام الجر مع الظاهر؛ خیفة الالتباس بلام الابتداء أو فتحها مع المضمر لزوال اللبس.
یرید: فرجعت اللام إلی أصلها من الفتح الذی هو أخف الحركات، ثم قال ما نصه: «و قد شبهوا به قولهم: أعطیتكموه فی قول من قال: «أعطیتكم ذلك» فیجزم، ردوه إلی أصله كما ردوه بالألف و اللام حین قال: أعطیتكم الیوم».
______________________________
(1) فی ب: الكسرة و الیاء.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 587
یرید أنهم ردوا میم الجمع إلی الأصل عند اتصال المضمر به، فحركوه بالضم و أثبتوا الواو فی لغة من یسكنها و یحذف الواو فی الوصل إذا لم یتصل به الضمیر، كما أنهم أیضا حركوها بالضم عند لقیها الساكن فی قولهم: أعطیتكم الیوم، و هذا الكلام نص من سیبویه فی أن الأصل عنده فی هذه المیم التحریك بالضم، و أن المضمر یردها إلی أصلها كما یرد لام الجر إلی أصله من الفتح، و أن ضمها عند لقیها الساكن هو حركة الأصل، ثم حكی عن یونس «1» أنه یقول: «أعطیتكمه» یرید أنه یسكن المیم و یحذف الواو مع اتصال المضمر به و لا یرده إلی أصله، ثم قال سیبویه: «و الأول أكثر و أعرف»، یعنی ما تقدم من رد المیم إلی أصلها مع المضمر.
و اقتضی قوله: «و الأول أكثر و أعرف» أن ما حكی عن یونس إنما هو لغة مسموعة إلا أنها غیر شهیرة، و قد حصل فی أثناء هذا الكلام أن هذه المیم إذا استعملت فی الوصل و لم یتصل بها مضمر أنها تسكن و تحذف صلتها، و علیه أكثر القراء؛ إذ قد أمنوا التباسه بالمفرد لثبوت المیم، و أمنوا التباسه بالاثنین لعدم الألف.
و منهم من یضم المیم و یثبت الواو؛ إبقاء لحكم الأصل، و علیه قراءة ابن كثیر و من وافقه، و هی أقل اللغتین، و الله أعلم.
فأما فی الوقف- فلا بد من حذف الصلة، و قد تقدم أن مذهب الحافظ و الإمام:
منع الروم و الإشمام عند الوقف علی میم الجمع و التزام إسكانها، و أن الشیخ یجیز فیها الروم و الإشمام.
و اعلم أن كسر الهاء فی قولك: «بهم» و «علیهم» و نحوهما تغییر لحق الهاء لضعفها، كما تقدم فی قولك: «بهما» و «إلیهما» و الأصل تحریكها بالضم عند لحاق
______________________________
(1) هو أبو عبد الرحمن یونس بن حبیب الضبی مولاهم البصری، إمام العربیة.
أخذ عن أبی عمرو بن العلاء، و حماد بن سلمة. و عنه: الكسائی، و سیبویه، و الفراء، و آخرون. و عاش ثلاثا و ثمانین سنة. أرخ خلیفة بن خیاط موته فی سنة ثلاث و ثمانین و مائة. و قد لقی عبد الله بن أبی إسحاق فسأله عن لفظة، و كان لیونس حلقة ینتابها الطلبة و الأدباء. و فصحاء الأعراب.
و ذكره ثعلب، فقال: جاوز المائة. و قیل: إنه لم یتزوج، و لا تسرّی.
و له توالیف فی القرآن و اللغات.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (8/ 191، 192)، و معجم الأدباء (20/ 64)، و بغیة الوعاة (2/ 365)، تهذیب التهذیب (5/ 346).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 588
علامة الاثنین و الجمع، كما هو كذلك إذا لم یتقدمها كسرة و لا یاء ساكنة، و كما هو كذلك فی أختیها- أعنی: التاء و الكاف- فی «فعلتم» و «بكم» و «إلیكم»، و یدل علیه أیضا قراءة الكسائی فی مثل قوله- تعالی-: بِهِمُ الْأَسْبابُ [البقرة: 166] و یَهْدِیهِمُ اللَّهُ [النحل: 104] و بابه بضم الهاء بعد الكسرة و الیاء، فلولا أن الضم أصل فیها لم یجز استعماله بعد الكسرة و الیاء لأجل الثقل، و الله عز و جل أعلم.
و ذكر الحافظ هاء التأنیث و قال: «لا حظ لها فی الحركة».
یرید: لأنها لم تثبت قط إلا فی الوقف، و إنما تثبت الحركة فی الوصل فی التاء.
فهذه ثلاثة أصناف، و قد تقدم أن الفتح لا یكون فیه روم عند القراء، و لا إشمام فی لسان العرب، و لم یحتج إلی ذكر الساكن؛ إذ لا أصل له فی الحركة، و قد تقدم ذكر الضمیر المفرد المذكر، و لم یذكره «1» الحافظ هنا، لجواز الروم و الإشمام فیه عنده، و الله تعالی أعلم و أحكم.
______________________________
(1) فی أ: یذكر.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 589

باب الوقف علی مرسوم الخط

اعلم أن الخط له قوانین و أصول یحتاج إلی معرفتها، و ذلك بحسب ما یثبت من الحروف و ما لا یثبت، و بحسب ما یكتب موصولا أو مفصولا، و بیان ذلك مستوفی فی أبواب الهجاء من كتب النحو.
و اعلم أن أكثر خط المصحف موافق لتلك القوانین، و قد جاء فیه أشیاء خارجة عن ذلك یلزم اتباعها و لا نتعدی، منها ما عرفنا سببه، و منها ما غاب عنا، و لیس المقصود هنا بیان ما ورد من ذلك، بل یكفی هذا القدر من التنبیه، و المقصود من هذا الباب: أن الأصل أن یثبت القارئ فی لفظه من حروف الكلمة إذا وقف علیها ما یوافق خط المصحف و لا یخالفه إلا إذا وردت روایة عن أحد [من] «1» الأئمة تخالف ذلك فیتبع الروایة، كما یذكر فی هذا الباب، و ذكر الحافظ- رحمه الله- أن الروایة تثبت عن نافع، و أبی عمرو و الكوفیین باتباع المرسوم فی الوقف، و أنه لم یرد فی ذلك شی‌ء عن ابن كثیر و ابن عامر.
ثم ذكر فی هذا الباب مخالفة المرسوم فی مواضع مختلفة عن جماعة القراء، إلا عن نافع فلم یذكر عنه فیه شیئا.
و ذكر فی كتاب «التحبیر» ورود الروایة عن نافع و أبی عمرو و حمزة و الكسائی، و عن عاصم بتأویل، ثم ذكر الطرق متصلة الأسانید إلی الأئمة الأربعة أنهم كانوا یقفون علی الكتاب، و ذكر السند إلی عاصم من طریق أبی بكر أنه كان یقرأ الصِّراطَ [الفاتحة: 6] بالصاد من أجل الكتاب.
قال الحافظ: «فدل قوله «من أجل الكتاب» أنه یتبع مرسوم الخط».
قال العبد: و هذا قصد الحافظ بقوله: «و عن عاصم بتأویل».
ثم ذكر سندا آخر إلی أبی بكر، ثم عاصم أنه كان یتبع فی قراءته المصحف.
قال الحافظ: «یعنی فی الوصل و الوقف».
فإن قیل: لم یذكر فی هذا الباب عن نافع روایة تخالف المرسوم مع أن نافعا یخالف المرسوم فی مواضع كثیرة، منها ما خالف فیه المرسوم فی الوصل دون الوقف، فمن ذلك ما ورد فی القرآن من لفظ: شَیْ‌ءٍ [البقرة: 20] و دِفْ‌ءٌ
______________________________
(1) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 590
[النحل: 5] و الْخَبْ‌ءَ [النمل: 25] و نحوه مما یقرؤه بالهمز فی الوصل و الوقف، و لیس فی المرسوم صورة للهمزة، و من ذلك الیاءات الزوائد التی أثبتها فی الوصل- علی ما یأتی بحول الله تعالی العلی العظیم- و لیست فی الخط.
و من ذلك ما یثبت «1» من الحروف فی الرسم و لا یقرؤه أحد: كالألف بعد «لام ألف» فی قوله- تعالی- فی سورة النمل (أ و لا أذبحنّه) [الآیة: 21] و فی سورة التوبة: (و لا أوضعوا) [الآیة: 47] و كذلك الواو بعد الألف فی قوله- تعالی-:
(سأوریكم دار الفاسقین) [الأعراف: 145]، و الیاء التی تثبت فی الخط فی قوله- تعالی-: (من نبإی المرسلین) [الأنعام: 34] إلی غیر ذلك مما هو مذكور فی كتاب «المقنع» فی رسم المصاحف للحافظ أبی عمرو.
و إذا اعتبرت هذا «2»- وجدت كل واحد من القراء قد خالف المرسوم فی مواضع كثیرة من القرآن وصلا و وقفا، فیقول السائل عند ذلك: فما وجه اختصاص هذا الباب بهذه الألفاظ المعینة التی ذكر و هی قلیلة بالنسبة إلی ما وقعت فیه التلاوة مخالفة للرسم بالزیادة أو بالنقص من القراء أو باختلاف؟.
فالجواب: أن المقصود من هذا الباب بیان ما وردت فیه روایة تخالف المرسوم فی الوقف حیث لا ینبغی أن یتعمد الوقف من جهة أن معنی الكلام یقتضی الاتصال بما بعده، و إنما یوقف علیه لسبب یعرض من نسیان أو انقطاع نفس أو للإعلام بأن تلك المواضع لو كانت مما «3» یختار الوقف علیها كیف كان یكون.
و یحصل الشذوذ فی الوقف علی ما ذكر فی هذا الباب من وجهین:
أحدهما: مخالفة الخط.
و الثانی: كون المعنی یستدعی الاتصال بما بعده.
قال الحافظ- رحمه الله-: «فمن ذلك كل هاء تأنیث رسمت فی المصاحف تاء علی الأصل نحو: نعمت».
اعلم أن مجموع الحروف التی رسمت فی المصحف بالتاء الممدودة تنقسم
______________________________
(1) فی ب: ثبت.
(2) فی ب: ذلك.
(3) فی أ: بما.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 591
[إلی] «1» ثلاثة أقسام:
قسم یقرأ بالجمع باتفاق من القراء، و قسم یقرأ بالإفراد باتفاق القراء، و قسم فیه خلاف، و حصر ما اشتمل علیه القسم الثانی و الثالث ضروری؛ إذ لا یمكن الوقوف علی معرفته بقیاس، و بحصر القسمین یتعین القسم الأول المتفق علی قراءته بالجمع نحو السَّماواتِ [البقرة: 33]، و وَ الذَّارِیاتِ [الذاریات: 1]، و الْمُعْصِراتِ [النبأ: 14].
أما القسم الثانی المتفق علی قراءته بالإفراد، و هو مكتوب بالتاء الممدودة فجملته فی القرآن تسع عشرة لفظة تكرر بعضها دون بعض:
فغیر المتكرر فیها تسعة ألفاظ و هی كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنی فی الأعراف [137]، و بَقِیَّتُ اللَّهِ خَیْرٌ لَكُمْ فی سورة هود علیه السلام [86]، و قُرَّتُ عَیْنٍ فی القصص [9]، و فِطْرَتَ فی الروم [30]، و وَ لاتَ حِینَ فی «ص» [3]، و (شجرت الزّقوم) فی الدخان [43]، و أَ فَرَأَیْتُمُ اللَّاتَ فی النجم [19]، و جَنَّاتِ النَّعِیمِ فی الواقعة [12]، و ابْنَتَ عِمْرانَ فی التحریم [12]،.
و المتكرر عشرة ألفاظ:
أحدها هَیْهاتَ هَیْهاتَ فی المؤمنین [36].
و الثانی: (و معصیت الرّسول) فی موضعین من المجادلة [8، 9].
و الثالث: «لعنت» فی موضعین: أحدهما فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ فی آل عمران [61]، و أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَیْهِ فی النور [7].
و الرابع: «مرضات» فی أربعة مواضع:
منها فی البقرة وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْرِی نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ [207]، و وَ مَثَلُ الَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ [265]. و فی النساء وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ [114]. و فی التحریم تَبْتَغِی مَرْضاتَ أَزْواجِكَ [1].
و الخامس: «سنت» فی خمسة مواضع:
منها فی الأنفال فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِینَ [38]. و فی فاطر فَهَلْ یَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِینَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِیلًا وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِیلًا [43]. و فی غافر سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِی قَدْ خَلَتْ فِی عِبادِهِ [85].
______________________________
(1) سقط فی ب.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 592
السادس: «رحمت» فی سبعة مواضع:
منها فی البقرة أُولئِكَ یَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ [218]. و فی الأعراف إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِیبٌ مِنَ الْمُحْسِنِینَ [56]. و فی سورة هود علیه السلام رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَیْكُمْ [73]. و فی سورة مریم علیها السلام ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِیَّا [2].
و فی سورة الروم فَانْظُرْ إِلی آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ [50]. و فی الزخرف أَ هُمْ یَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ [32]، و وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَیْرٌ مِمَّا یَجْمَعُونَ [32].
و السابع: «امرأت» فی سبعة مواضع:
منها فی آل عمران إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ [35]. و فی سورة یوسف علیه السلام (قالت امرأت العزیز) فی موضعین [30، 51]. و فی القصص وَ قالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ [9]. و فی التحریم امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ [10]. و امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ [11].
و الثامن «یا أبت» فی ثمانیة مواضع:
منها فی سورة یوسف علیه السلام موضعان [4، 100].
و فی سورة مریم علیها السلام أربعة مواضع [42- 45]، و فی القصص موضع [26]، و فی الصافات موضع [102].
و التاسع «نعمت» فی أحد عشر موضعا:
منها فی البقرة [231]، و فی آل عمران [103]، و فی العقود [المائدة: 7]، و فی فاطر [3] اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَیْكُمْ.
و فی سورة إبراهیم علیه السلام أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً [28] وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها [34].
و فی النحل وَ بِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ یَكْفُرُونَ [72]، و یَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ [83]، و وَ اشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ [114].
و فی لقمان تَجْرِی فِی الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ [31].
و فی الطور (فما أنت بنعمت ربّك بكاهن) [29].
العاشر «ذات» فی تسعة و عشرین موضعا منها بِذاتِ الصُّدُورِ فی موضعین من آل عمران [119، 154].
و فی موضع موضع من المائدة [7]، و الأنفال [43] و سورة هود علیه السلام
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 593
[5]، و لقمان [23]، و فاطر [38]، و الزمر [7]، و الشوری [24]، و الحدید [6]، و التغابن [4]، و الملك [13].
و منها فی الأنفال ذاتَ بَیْنِكُمْ [1]، و ذاتِ الشَّوْكَةِ [الأنفال: 7]، و فی الكهف وَ نُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْیَمِینِ وَ ذاتَ الشِّمالِ [18]، و تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْیَمِینِ [17]، و تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ [17]. و فی الحج كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ [2]. و فی المؤمنین ذاتِ قَرارٍ [50]. و فی النمل ذاتَ بَهْجَةٍ [60]. و فی الذاریات ذاتِ الْحُبُكِ [7]. و فی القمر ذاتِ أَلْواحٍ [13]. و فی الرحمن ذاتُ الْأَكْمامِ [11]. و فی البروج ذاتِ الْبُرُوجِ [1]، و ذاتِ الْوَقُودِ [5]. و فی الطارق ذاتِ الرَّجْعِ [11]، و ذاتِ الصَّدْعِ [12]. و فی الفجر ذاتِ الْعِمادِ [7]. و فی المسد ذاتَ لَهَبٍ [3].
القسم الثالث: الذی قرئ بالإفراد و بالجمع، و جملته فی القرآن اثنا عشر موضعا:
منها فی الأنعام وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا [115]. شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات 593 باب الوقف علی مرسوم الخط ..... ص : 589
فی سورة یونس علیه السلام كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ [33]، و إِنَّ الَّذِینَ حَقَّتْ عَلَیْهِمْ كَلِمَتُ [96]. و فی سورة یوسف صلی اللّه علیه و سلم آیاتٌ لِلسَّائِلِینَ [7]، و غَیابَتِ الْجُبِ فی الموضعین [10، 15].
و فی العنكبوت وَ قالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَیْهِ آیاتٌ مِنْ رَبِّهِ [50]. و فی سبأ وَ هُمْ فِی الْغُرُفاتِ آمِنُونَ [37]. و فی فاطر عَلی بَیِّنَةٍ مِنْهُ [40]. و فی غافر وَ كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ [6]. و فی فصلت وَ ما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها [47].
و فی المرسلات جِمالَتٌ صُفْرٌ [33].
ذكر الحافظ فی «التحبیر» أنها كلها كتبت بالتاء إلا الحرف الثانی من سورة یونس- علیه السلام- قال: تأملته فی مصاحف أهل العراق فرأیته مرسوما بالهاء، و كذلك ذكر بسنده إلی أبی عبید القاسم بن سلام «1» أنه قال: أنه رأی فی الإمام مصحف
______________________________
(1) الإمام الحافظ المجتهد ذو الفنون، أبو عبید، القاسم بن سلام بن عبد الله.
كان أبو سلام مملوكا رومیا لرجل هروی. یروی أنه خرج یوما و ولده أبو عبید مع ابن أستاذه فی المكتب، فقال للمعلم: علّمی القاسم فإنها كیسة.
مولد أبی عبید سنة سبع و خمسین و مائة.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 594
عثمان- رضی الله عنه- آیاتٌ لِلسَّائِلِینَ [یوسف: 7] بألف قبل التاء، و كذلك ذكر فی قوله- تعالی-: (علی بینات منه) [فاطر: 40] بألف قبل التاء، و لم یقل فی مصحف عثمان، ثم ذكر بسنده إلی قالون: أن الحرفین فی الكتاب بغیر ألف.
و كذلك ذكر بسنده إلی القاسم بن سلام أنه رأی فی مصحف عثمان- رضی الله عنه- (و لاتحین مناص) [و لات] متصلة ب (حین) فی الخط.
و ذكر الحافظ قبل هذا أن فی سائر المصاحف مفصولة، یعنی من الحاء.
فإذا تقرر هذا- فاعلم أن القسم الأول المتفق علی قراءته بالجمع: كتب بالتاء الممدودة؛ لیوافق اللفظ الخط، فلا إشكال فیه، و لا سؤال یعتریه «1».
و أما القسم الثانی المتفق علی قراءته بالإفراد فإنما یكتب بالتاء الممدودة رعیا لحال الوصل، فإن أكثر تلك الكلمات مضافة إلی ما بعدها، و حق المضافین ألا یفصل بینهما؛ لأن الثانی منهما قد حل من الأول محل التنوین؛ فصارت التاء فی المضاف الأول كأنها فی وسط الاسم.
و أما وَ لاتَ حِینَ [ص: 3] و اللَّاتَ وَ الْعُزَّی [النجم: 19] و مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها [فصلت: 47] و هَیْهاتَ هَیْهاتَ لِما تُوعَدُونَ [المؤمنون: 36] فإنها و إن لم تكن فیها إضافة لكنها لا یستقل الكلام بالوقف علیها، بل لا بد من وصلها بما
______________________________
- و سمع: إسماعیل بن جعفر و شریك بن عبد الله، و هشیما، و إسماعیل بن عیاش، و سفیان بن عیینة، و أبا بكر بن عیاش، و خلقا كثیرا.
و قرأ القرآن علی أبی الحسن الكسائی، و إسماعیل بن جعفر، و شجاع ابن أبی نصر البلخی، و سمع الحروف من طائفة.
و أخذ اللغة عن أبی عبیدة، و أبی زید، و جماعة.
و صنف التصانیف المونقة التی سارت بها الركبان، له كتاب (الأموال). و كتاب (الغریب) و فضائل القرآن، و كتاب الطهور، و غیر ذلك، و له بضعة و عشرون كتابا.
حدث عنه: نصر بن داود، و أبو بكر الصاغانی، و أحمد بن یوسف التغلبی، و الحسن ابن مكرم، و أبو بكر بن أبی الدنیا.
قال البخاری و غیره: مات سنة أربع و عشرین و مائتین بمكة.
قال الخطیب: و بلغنی أنه بلغ سبعا و ستین سنة، رحمه الله.
ینظر سیر أعلام النبلاء (10/ 490- 509)، و تهذیب التهذیب (8/ 315)، و غایة النهایة (2/ 17)، و طبقات المفسرین (2/ 32- 37)، و بغیة الوعاة (2/ 253)، و معجم الأدباء (16/ 254).
(1) فی أ: یعتبر به.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 595
بعدها؛ فأشبهت لذلك المضاف فكتبت بالتاء الممدودة علی قصد الوصل، و لا ینبغی لأحد أن یتعمد الوقف علی شی‌ء منها لهذا السبب، و من وردت عنه روایة بالوقف علی شی‌ء منها- فلیس ذلك علی معنی أنه یختار الوقف و یتعمده، و لكن معناه أنه یقف إن عرض له انقطاع نفس أو نسیان، أو لیری كیف حكمه فی الوقف لو كان مما یختار [الوقف] علیه، و الله [تعالی جلاله و توالی كماله] «1» أعلم.
و أما القسم الثالث المختلف فی قراءته: فكتب بالتاء الممدودة رعیا لمذهب من یقرؤه بالجمع، و رجحت هذه القراءة فی الرعی علی قراءة من أفرد؛ لأن التاء هی الأصل، كما تقدم فی باب الوقف للكسائی.
قال الحافظ- رحمه الله-: «فكان الكسائی و أبو عمرو یقفان علی ذلك بالهاء».
هذا مطرد فی القسم المتفق علی أنه یقرأ بالإفراد إلا ما یستثنی بعد- بحول الله تعالی- و هذا الوقف مخالف للسواد.
فأما القسم المختلف فیه: فقرأ الكسائی و أبو عمرو مع من وافقهما (كلمت ربك) فی الموضعین من سورة یونس- علیه السلام- [الآیة: 33، 96] و فی سورة غافر [الآیة: 6]، و غَیابَتِ الْجُبِ فی الموضعین [الآیتان: 10- 15] و مِنْ ثَمَراتِ فی فصلت [الآیة: 47] بالإفراد.
و قرأ الكسائی مع من وافقه دون أبی عمرو فی الأنعام و العنكبوت و المرسلات بالإفراد.
و قرأ أبو عمرو مع من وافقه دون الكسائی فی فاطر بالإفراد، و كلهم جمع آیاتٌ لِلسَّائِلِینَ [الآیة: 7] إلا ابن كثیر، و كلهم جمع فِی الْغُرُفاتِ آمِنُونَ [سبأ: 37] إلا حمزة.
[فإذا تقرر هذا- فاعلم] «2» أن كل من قرأ شیئا منها بالجمع- فلا یجوز الوقف إلا بالتاء، و هذا منصوص من كلام الحافظ فی «التحبیر».
و لزم علیه أن یكون نافع قد خالف المرسوم فی الحرف الأخیر من سورة یونس- علیه السلام- لأن الحافظ نص علی أنه فی مصاحف أهل العراق مرسوم بالهاء،
______________________________
(1) سقط فی ب.
(2) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 596
و نص علی أنه لا یجوز الوقف علیه علی قراءة نافع و ابن عامر إلا بالتاء.
و أما الذین قرءوا بالإفراد فنص الحافظ فی كتاب «التحبیر» علی أن الوقف لأبی عمرو و الكسائی بالهاء قیاسا علی ما ورد عنهما فیما تقدم، و أن الكسائی یمیل مع ذلك الهاء و ما قبلها، و ذكر أن الوقف لابن كثیر فی الحرفین من سورة یونس- علیه السلام- و فی العنكبوت، و سبأ، و فاطر، و غافر، و فصلت بالهاء قیاسا علی ما رواه ابن الحباب عن البزی، عن أصحابه عن ابن كثیر أنه وقف علی یا أَبَتِ [یوسف: 4]، و هَیْهاتَ هَیْهاتَ [المؤمنون: 36] و وَ ما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ [فصلت: 47] بالهاء.
و لما ذكر قوله- تعالی-: آیاتٌ لِلسَّائِلِینَ [یوسف: 7] قال: «و قرأه ابن كثیر وحده بالتوحید فیجوز أن یقف علی ذلك بالهاء قیاسا علی ما رواه ابن الحباب عن البزی».
ثم قال: «و یجوز أن یقف بالتاء؛ لأن النص إنما ورد عنه فی مواضع مخصوصة من غیر إطلاق للقیاس فی نظائره».
ثم ذكر غَیابَتِ الْجُبِ قال: «فقیاس قول أبی عمرو و الكسائی الوقف علی ذلك بالهاء، و قیاس قول غیرهما ممن وحّد الوقف بالتاء؛ اتباعا لرسم ذلك»، و هذا الذی قاله هنا یقتضی أن یكون قیاس قراءة ابن كثیر الوقف بالتاء، و هو مخالف لما نص علیه من قیاس قراءته فی سائر المواضع.
و ذكر [عن] «1» ابن عامر أن الوقف له بالتاء فی جمیعها، و یكون علی هذا قد خالف المرسوم فی الحرف الثانی من سورة یونس- علیه السلام- كما تقدم فی قراءة نافع.
و لم یقرأ ابن عامر من هذه المواضع الاثنی عشر بالإفراد إلا غَیابَتِ الْجُبِ فی الموضعین [10، 15]، و ذكر عن عاصم و حمزة أن قیاس قراءتهما الوقف بالتاء فی الجمیع، إلا فی الحرف الثانی من سورة یونس- علیه السلام- لكونه مرسوما بالهاء، كما ذكر عن مصاحف أهل العراق، و هما ممن یقرؤه بالإفراد، فالوقف لهما علیه بالهاء.
______________________________
(1) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 597
و كذا نص فی قوله تعالی: وَ هُمْ فِی الْغُرُفاتِ آمِنُونَ [سبأ: 37] حیث أفرده حمزة- أن قیاس قوله یوجب أن یوقف بالتاء، ثم قال: «و یجوز [الوقف] «1» علی قراءته بالهاء».
قال العبد: «لا أدری لم أجاز هنا الوقف بالهاء» «2»، و هو یری أن لا یخالف خط المصحف إلا بعد ثبوت روایة كما روی عن ابن كثیر فی الكلمات الثلاث، أو بقیاس علی روایة كسائر المواضع التی قاسها لابن كثیر علی الكلمات الثلاث، و لم یسند عن حمزة مخالفة الخط فی شی‌ء مما تقدم فتأمله، و الله تعالی جده و تبارك مجده أعلم.
و إذا تقرر هذا: فاعلم أنه یستثنی لأبی عمرو من جمیع ما ذكر فی القسم الثانی ستة ألفاظ، و هی: مَرْضاتِ فی المواضع الأربعة: [البقرة: 207، 265، النساء: 114، التحریم: 1] و هَیْهاتَ فی الموضعین [المؤمنون: 26]، و ذاتَ حیث وقعت، و وَ لاتَ فی ص [الآیة: 3]، و اللَّاتَ فی النجم، و یا أَبَتِ فی المواضع الثمانیة: [یوسف: 4، 100، مریم: 42، 43، 44، 45، و القصص: 26، و الصافات: 102]، فیقف علیها بالتاء.
و كذلك یستثنی للكسائی یا أَبَتِ [یوسف: 4، 100] فیقف علیه بالتاء.
وافق الإمام الحافظ فیما ذكر عن الكسائی و أبی عمرو.
و اعلم أن استثناء هذه الألفاظ الستة لا یخرج من كلام الحافظ إلا بكلفة، و بیان ذلك أنه قال أولا: «فمن ذلك كل هاء تأنیث رسمت فی المصاحف تاء علی الأصل نحو ... كذا و شبهه»، ثم قال: «فكان الكسائی و أبو عمرو یقفان علی ذلك بالهاء».
فهذا الكلام یقتضی تعمیم الوقف لهما بالهاء فی جمیع ما رسم بالتاء حسب ما تقدم فی القسم الثانی، و الثالث.
ثم قال: «و وقف الكسائی علی مَرْضاتِ اللَّهِ حیث وقعت، و علی اللَّاتَ وَ الْعُزَّی و ذاتَ بَهْجَةٍ و وَ لاتَ حِینَ و هَیْهاتَ هَیْهاتَ بالهاء.
و هذا الكلام إنما یعطی بظاهره تكرار مذهب الكسائی فی هذه الألفاظ الخمسة فی الوقف علیها بالهاء؛ إذ قد كان حصل ذلك من الكلام الأول، و لیس مراده
______________________________
(1) سقط فی أ.
(2) فی أ: بالتاء.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 598
التكرار، و إنما مراده أن الكسائی وقف علیها بالهاء وحده دون أبی عمرو؛ فیحصل منه أن أبا عمرو وقف علی هذه الألفاظ المعینة بالتاء، فوافق «1» فیها خط المصحف، و كان الأولی أن یقول بدل هذه العبارة: و استثنی أبو عمرو من ذلك مَرْضاتِ اللَّهِ حیث وقعت، و كذا و كذا إلی آخرها.
و كذلك قوله بإثر هذا: «و وقف ابن كثیر و ابن عامر علی یا أَبَتِ بالهاء حیث وقع»، حصل منه استثناء هذه الكلمة للكسائی و أبی عمرو و إن لم یلفظ بصیغة الاستثناء، لكنه عقد البیان عن الجمیع بقوله بإثر هذا: «و وقف الباقون علی هذه المواضع كلها بالتاء اتباعا لخط المصحف».
و سنقف فی باب یاءات الإضافة علی مواضع من كلامه مثل هذا الموضع، مما قصد به الاستثناء و لیس فیه صیغة استثناء، و قد مر مثلها أیضا فیما تقدم.
و اعلم أنه ذكر فی «المفردات» أن الكسائی یقف بالتاء علی الألفاظ الخمسة التی ذكر هنا أن الكسائی یقف علیها بالهاء، و الله سبحانه وحده لا شریك له أعلم و أحكم.
و قال الحافظ: «و هو قیاس مذهب ابن كثیر».
و استدل [بسؤال] «2» ابن الحباب علی الوقف علی مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها [فصلت: 47] فقال البزی: بالهاء، و قد تقدم كلام الحافظ فی هذا فی كتاب «التحبیر»، و حاصل قول الإمام: أن كل من قرأ مِنْ ثَمَراتِ بالإفراد وقف علیه بالهاء، و هم: ابن كثیر و أبو عمرو و أبو بكر، و حمزة، و الكسائی.
و من قرأه بالجمع وقف بالتاء، و هم: نافع و ابن عامر و حفص.
فحصل من هذا ثبوت الخلاف بین الحافظ و الإمام فی الوقف علی هذه الكلمة لأبی بكر و حمزة.
و أما الألفاظ الستة فنص الحافظ علی أن الكسائی یقف علی الخمسة الأول منها بالهاء إلا أنه لم یذكر من «ذات» إلا ذاتَ بَهْجَةٍ خاصة.
و وافقه الإمام علی ذلك إلا أنه قال فی وَ لاتَ حِینَ: «بخلاف». و لما ذكر ذاتَ بَهْجَةٍ قال: «و بذات الصدور، و شبهه».
و قوله: «و شبهه» یستوعب ما ورد منها فی القرآن، و قد تقدم ذكرها.
______________________________
(1) فی ب: فیوافق.
(2) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 599
و لما ذكر الإمام مَرْضاتِ قال: «إلا المضافة إلی المتكلم». یعنی الحرف الذی فی «الممتحنة»، و هو قوله تعالی: وَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِی، و هذا الاستثناء صحیح لیس فیه مخالفة لقول الحافظ.
ثم قال الإمام: «و كان ابن مجاهد یأخذ لحمزة بالتاء و للباقین بالهاء».
قال العبد: ذكر الحافظ فی «التحبیر» الوقف عن حمزة بالهاء و التاء مسندا، و صحح الوقف بالتاء محتجا بأن الروایتین «لما اختلفتا عنه كان أولاهما بالصواب ما وافق مذهبه فی اتباع المرسوم» انتهی.
و ذكر الحافظ فی «التیسیر» أن البزی وافق الكسائی فی الوقف علی هَیْهاتَ فی الموضعین بالهاء، و كذا قال الإمام، و زاد ذلك عن قنبل، ثم قال: «و قد اختلف عن قنبل و عن الكسائی فیهما، و عن البزی فی الأول، ثم قال: «و ما ذكرته أولا أكثر و أشهر».
یعنی اتفاق ابن كثیر و الكسائی علی الوقف علیهما بالهاء، و قد ذكر الحافظ فی «التحبیر» بسنده إلی الزینبی «1» عن قنبل قال: «الوقف: (هیهاه)، بالهاء».
قال الحافظ: «و لا أعلم أحدا روی ذلك عن قنبل غیر «2» الزینبی و هو مطلع بقراءة
______________________________
(1) محمد بن موسی بن محمد بن سلیمان بن عبد الله بن أبی محمد بن إبراهیم بن محمد ابن علی بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، أبو بكر الزینبی الهاشمی البغدادی، قال الأهوازی: و سمی الزینبی؛ لأن جدته كانت زینب بنت سلیمان بن علی بن عبد الله ابن عباس، و هو مقرئ محقق ضابط لقراءة ابن كثیر، أخذ القراءة عرضا و سماعا عن أبی ربیعة و سعدان بن كثیر الجدی و محمد بن شریح العلاف و- الغایة- إسحاق بن محمد الخزاعی و الحسن بن محمد الحداد و عن- المستنیر، و الغایة، و المبهج، الكامل- قنبل، قال الدانی: و أهل مكة لا یثبتون قراءته علی قنبل و هو إمام فی قراءة المكیین. قال ابن الجزری:
صحت قراءته من غیر وجه علی قنبل، و روی القراءة عنه عرضا و سماعا- الكامل- أحمد ابن عبد العزیز بن بدهن و- المبهج- علی بن محمد بن خشنام و- المستنیر- أحمد ابن عبد الرحمن بن الفضل و- المبهج- أحمد بن محمد بن بشر و- المبهج، و الكامل- أحمد بن نصر الشذائی و- الغایة- محمد بن أحمد الشنبوذی و- الكامل- أبو علی محمد ابن أحمد بن حامد الصفار و- الكامل- محمد بن محمد بن إبراهیم بن أبی قتادة، و ذكر الهذلی أن أبا عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله العجلی قرأ علیه فوهم فی ذلك.
و الصواب: أنه قرأ علی الشذائی عنه، و سمع منه الحروف عبد الواحد بن أبی هاشم، توفی سنة ثمانی عشرة و ثلاثمائة. ینظر غایة النهایة (2/ 267- 268).
(2) فی ب: عن.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 600
المكیین».
ثم قال: «و الذی وقفت به من طریق ابن مجاهد و أبی ربیعة «1» و ابن عبد الرزاق، عن قنبل بالتاء».
و أما الشیخ فذكر الخلاف عن الكسائی فی الوقف علی وَ لاتَ و اللَّاتَ و ذاتَ بَهْجَةٍ و نظائرها، و أن المشهور عنه الوقف بالتاء اتباعا للمصحف.
و قال فی مَرْضاتِ: وقف حمزة علیها بالتاء، و الباقون بالهاء، هذا مذهب أبی الطیب، و ابن مجاهد، و قد قیل: إن الكسائی یقف بالهاء و الباقون بالتاء، و هذا مذهب غیره».
یعنی غیر أبی الطیب.
و قال فی هَیْهاتَ: «إن البزی یقف علی الثانی بالهاء» كذا قال فی «التبصرة» و فی كتاب «التذكرة»، و قال فی «المفردات»: «و روی عن الكسائی أنه وقف علی هَیْهاتَ بالهاء فیهما، و مذهب أبی الطیب الوقف علیهما له بالتاء».
و أما یا أَبَتِ فذكر الحافظ أن ابن كثیر و ابن عامر وقفا علیها بالهاء، و الباقون بالتاء، و كذلك قال الشیخ و الإمام.
قال الحافظ: «وقف أبو عمرو علی (كأین) فی جمیع القرآن علی الیاء- وافقه الشیخ و الإمام فی ذلك- و وقف الباقون علی النون».
______________________________
(1) محمد بن إسحاق بن وهب بن أعین بن سنان، أبو ربیعة الربعی المكی المؤدب، مؤذن المسجد الحرام، مقرئ جلیل ضابط، أخذ القراءة عرضا عن- الجماعة- البزی و- الكامل- قنبل، قال الدانی: و ضبط عنهما روایتهما و صنف ذلك فی كتاب أخذه الناس عنه و سمعوه منه، و هو من كبار أصحابهما و قدمائهم، من أهل الضبط و الإتقان و الثقة و العدالة، و أقرأ الناس فی حیاتهما، قلت- ابن الجزری-: و طریقه عن البزی هی التی فی الشاطبیة و التیسیر من طریق النقاش عنه، روی القراءة عنه عرضا- جامع البیان- محمد بن الصباح و محمد ابن عیسی بن بندار و- المبهج- عبد الله بن أحمد البلخی و- المبهج، و جامع البیان، و الكامل- محمد بن موسی الهاشمی العباسی و- الكامل- محمد بن عبد الرحمن ابن عبد الله و- الكامل- إبراهیم بن عبد الرزاق و- التیسیر، و المستنیر، و الغایة، و المبهج- محمد بن الحسن النقاش و- الكفایة الكبری، الكامل- هبة الله بن جعفر و عمر ابن محمد بن عبد الصمد بن بنان و أحمد بن محمد بن هارون و- الكامل- محمد بن أحمد الداجونی و- الكامل- یوسف بن یعقوب فیما ذكره الهذلی فیهما، و الله أعلم. مات فی رمضان سنة أربع و تسعین و مائتین.
ینظر غایة النهایة (2/ 99).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 601
قال الشیخ: «و قد روی عن الكسائی مثل أبی عمرو».
قال: «و المختار فی قراءتهما، و قراءة غیرهما: أن یقف القارئ علی النون اتباعا للمصحف».
و قال الحافظ: «وقف الكسائی علی وَیْكَأَنَ [القصص: 82] و وَیْكَأَنَّهُ [القصص: 82] علی الیاء منفصلة، و روی عن أبی عمرو أنه وقف علی الكاف، و وقف الباقون علی الكلمة بأسرها».
و ذكر الشیخ و الإمام الخلاف فی روایة أبی عمرو و الكسائی هنا، قال الشیخ:
«و المشهور عنهما مثل الجماعة».
قال الحافظ: «وقف أبو عمرو علی: فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ [النساء: 78] و أخواته علی «ما» و ذكر الخلاف عن الكسائی، و مثله ذكر الإمام».
قال الحافظ: «و وقف الباقون علی اللام و كذلك الإمام».
ثم قال: «و لم یأت ذلك إلا عن خلف عن حمزة».
قال الحافظ: «وقف حمزة و الكسائی علی قوله تعالی: أَیًّا ما تَدْعُوا [الإسراء:
110] علی (أی)».
و ذكر الإمام فی ذلك خلافا عنهما.
و قال الحافظ فی «التحبیر»: «إن حمزة و الكسائی جعلا «ما» اسما تاما بدلا من (أی)؛ فلذلك فصلاها، و الباقون جعلوا «ما» حرفا، صلة ل «أی»؛ فلذلك لم یفصلوا بینهما».
قال الحافظ: «وقف أبو عمرو و الكسائی علی أَیُّهَا فی المواضع الثلاثة بالألف».
وافقه الشیخ و الإمام.
و ذكر الحافظ فی «التحبیر» خلافا عن ابن كثیر من طریق قنبل.
قال الحافظ: «وقف الكسائی» علی وادِ النَّمْلِ [النمل: 18] خاصة بالیاء.
وافقه الإمام، و زاد أنه وقف كذلك فی: طه [12]، و القصص [130]، و النازعات [16].
و ذكر عنه الشیخ الوجهین فی: طه و النمل، و قال: «و المشهور عنه الحذف، و به قرأت».
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 602
قال الحافظ: «و قد بقی من هذا الباب حروف تأتی فی مواضعها».
اعلم أن مجموع الحروف التی تذكر بعد ستة عشر حرفا:
الحرف الأول ثَمُودَ المنصوب ذكره فی سورة هود علیه السلام [68]، و فی «1» «و النجم» [51].
الحرف الثانی و الثالث و الرابع، و الخامس: هادٍ و والٍ و باقٍ [النحل: 96] و واقٍ ذكرها فی الرعد [7، 11، 34].
الحرف السادس و السابع و الثامن: أَلَّا یَسْجُدُوا و فَما آتانِیَ اللَّهُ و بِهادِ الْعُمْیِ ذكرها فی النمل [25، 36، 81].
الحرف التاسع، و العاشر، و الحادی عشر: الظُّنُونَا و الرَّسُولَا و السَّبِیلَا ذكرها فی الأحزاب [10، 66، 67].
الحرف الثانی عشر: فَبَشِّرْ عِبادِ ذكره فی الزمر [17].
الحرف الثالث عشر: یا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَیْكُمُ ذكره فی الزخرف [68].
الحرف الرابع عشر: یَوْمَ یُنادِ ذكره فی «ق» [41].
الحرف الخامس عشر و السادس عشر: (سلسلا) و قَوارِیرَا ذكرهما فی الإنسان [4، 15].
و الله الولی المستعان.

فصل‌

قال الحافظ- رحمه الله- «و تفرد البزی بزیادة هاء السكت ...» إلی آخره.
ذكر فی «التحبیر» أنه قرأ بها علی أبی الحسن عن قراءته.
ثم قال: «و سألت عن ذلك فارس بن أحمد عند قراءتی فلم یعرفه فی مذهب ابن كثیر».
وافقه الشیخ علی إثبات هاء السكت عند الوقف للبزی، و الله تبارك اسمه و تعالی جده و لا إله غیره أعلم و أحكم، و لا حول و لا قوة إلا بالله.
______________________________
(1) فی أ: حرف.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 603

باب ذكر مذهب حمزة فی السكوت قبل الهمزة

قال الحافظ- رحمه الله- «اعلم أن حمزة من روایة خلف كان یسكت علی الساكن ...» إلی آخر كلامه.
شرط فی الساكن ألا یكون حرف مد، فأما حرف اللین و التنوین فكغیرهما من الحروف السواكن.
وافق الإمام الحافظ فی هذه المسألة.
و أما الشیخ فیأخذ له بالدرج مثل خلاد.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و كذلك الْآخِرَةِ و الْأَرْضِ و الْآزِفَةِ و (آلئن) و شبهه؛ لأن ذلك بمنزلة ما كان من كلمتین».
[یرید أنه یسكت أیضا علی لام التعریف إذا كان قبل الهمزة، كما یسكت علی غیره من السواكن، و احتاج إلی التعلیل بقوله: «لأن ذلك بمنزلة ما كان من كلمتین»] «1»؛ لأن لام التعریف قد اتصلت بما بعدها و التحمت به فی الخط و اللفظ و المعنی؛ لدلالتها علی تعریف ما دخلت علیه فصارت مع ما بعدها فی حكم الكلمة الواحدة؛ فاحتاج أن یبین أنها مع هذا الالتحام بمنزلة الكلمتین المنفصلتین، و ذكر أنه لم یسكت علی الساكن إذا كان مع الهمزة فی كلمة واحدة إلا فی لفظ شَیْ‌ءٍ خاصة، یرید: سواء كان مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا.
ثم أخبر أنه قرأ علی أبی الحسن فی الروایتین بالسكوت علی لام التعریف و لفظ شَیْ‌ءٍ حیث وقعا، یعنی: فی روایة خلف، و روایة خلاد.
و اعلم أن الشیخ و الإمام یوافقانه فی السكت لخلف علی لام التعریف.
فأما خلاد فنقل عنه الإمام الوقف مثل خلف، و نقل عنه الشیخ ترك الوقف، و حصل من قول الحافظ الوجهان.
و أما لفظ شَیْ‌ءٍ حیث وقع، فیأخذ فیه الشیخ بالمد لحمزة من طریقیه مثل ورش.
و قال الإمام: «إنه قرأ لحمزة من طریقیه بالسكت و بالمد».
و حصل من كلام الحافظ أنه قرأ لحمزة بالسكت من الطریقین أیضا، و زاد من
______________________________
(1) ما بین المعقوفین سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 604
طریق خلاد الدرج، و الله تعالی أعلم.
فحصل من جمیع ما تقدم انحصار هذا الباب فی ثلاث مسائل:
إحداها- لام التعریف نحو الْأَرْضِ:
لا خلاف عن خلف أنه یقف علیه من الطرق الثلاث، و أما خلاد فنقل عنه الإمام الوقف، و نقل عنه الشیخ ترك الوقف و نقل عنه الحافظ الوجهین.
المسألة الثانیة- لفظ شَیْ‌ءٍ:
أخذ فیه الشیخ بالمد لحمزة من طریقیه، و أخذ فیه الحافظ بالسكت من الطریقین، و زاد عن خلاد الدرج، و ذكر الإمام أنه قرأ بالسكت، و بالمد من الطریقین.
المسألة الثالثة- سائر السواكن سوی حرف المد:
نقل الحافظ و الإمام السكت علیه فی روایة خلف و الشیخ بالدرج، و لم یختلفوا فی روایة خلاد أنها بالدرج كسائر القراء، و الله عز و جل أحكم و أعلم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 605

باب ذكر مذاهبهم فی الفتح و الإسكان لیاءات الإضافة

ذكر الحافظ- رحمه الله- الیاءات المختلف فیها فی بابین:
الباب الأول: فی یاءات الإضافة، و الباب الثانی: فی الیاءات الزوائد.
و الفرق بین البابین: أن یاءات الإضافة لا تكون إلا ضمیر المتكلم، و لا تكون إلا ثانیة فی السواد، و الخلف دائر فیها بین الفتح و الإسكان، و هذا فی حال الوصل، و لا یحذف منها شی‌ء فی الوصل إلا إن عرض أن یقع بعد شی‌ء منها حرف ساكن فتحذف إذ ذاك علی قراءة من سكنها كقراءة من قرأ: یا عِبادِیَ الَّذِینَ و أَخِی اشْدُدْ بِهِ أَزْرِی [طه: 30- 31] و مِنْ بَعْدِی اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف: 6] بإسكان الیاء، و أما فی الوقف فلا بد من إثباتها لثبوتها فی السواد.
و أما الیاءات الزوائد، فمنها ما هو ضمیر المتكلم كالیاء فی نَذِیرٍ و نَكِیرِ و وَعِیدِ و دَعانِ، و منها ما هو لام الكلمة من الاسم كالیاء فی قوله تعالی:
بِالْوادِ و الدَّاعِ و الْمُتَعالِ، و منها ما هو لام الكلمة من الفعل كالیاء فی قوله تعالی: یَسْرِ و یَأْتِ و نَبْغِ، و لیس منها شی‌ء ثابت فی السواد، و الخلاف «1» دائر فیها بین الحذف و الإثبات، و لا یحرك منها شی‌ء فی الوصل إلا أن یعرض لها ساكن بعدها فیحركها من أثبتها، و ذلك فی قوله تعالی: (آتین اللّه) فی «النمل» [الآیة: 36].
و سمیت هذه الیاءات: زوائد؛ لأنها فی قراءة من أثبتها زائدة علی خط المصحف.
و قسم الحافظ- رحمه الله- یاءات الإضافة تقسیما حسنا منحصرا فی ستة فصول، و ذلك أن الیاء لا یخلو أن یقع بعدها همزة أو لا، فالتی لا همزة بعدها قسم واحد، و جملته ثلاثون یاء، و التی بعدها همزة تنقسم باعتبار أقسام الهمزة خمسة أقسام، و وجه ذلك: أن الهمزة إما أن تكون همزة قطع أو همزة وصل، فإن كانت همزة قطع فلا بد أن تكون متحركة بالفتح أو بالكسر أو بالضم؛ فهذه ثلاثة أقسام، و إن كانت همزة وصل فلا یخلو أن یكون بعدها لام التعریف أو لا یكون، فهذان قسمان؛ فیبلغ الجمیع خمسة أقسام.
______________________________
(1) فی ب: الخلف.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 606
قال الحافظ- رحمه الله- «اعلم أن كل یاء بعدها همزة مفتوحة نحو إِنِّی أَعْلَمُ فالحرمیّان و أبو عمرو یفتحونها حیث وقعت ...» إلی آخر الفصل.
اعلم أن مجموع ما فی القرآن من هذه الیاءات التی قبلها كسرة و بعدها همزة مفتوحة مائة یاء و ثلاث یاءات، منها أربع اتفق القراء علی إسكانهن و هن: أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْكَ فی الأعراف [الآیة: 143]، وَ لا تَفْتِنِّی أَلا فی التوبة [الآیة:
49]، وَ تَرْحَمْنِی أَكُنْ فی سورة هود علیه السلام [الآیة: 47]، و فَاتَّبِعْنِی أَهْدِكَ فی سورة مریم، علیها السلام [الآیة: 43].
و كان ینبغی للحافظ- رحمه الله- أن ینبه علی هذا؛ فإن إطلاق قوله:
«یفتحونها حیث وقعت» یقتضی أنهم یفتحون هذه الیاءات الأربع، و إنما یفتحون ما عدا هذه الأربع، و هو باقی العدد، و هو «1» تسعة و تسعون، علی ما یذكر الآن من التفصیل و الخلاف.
فاعلم أن باقی العدد اختلف القراء فیه: ففتحه بعضهم، و أسكنه الباقون، فمن ذلك: مَعِیَ أَبَداً فی التوبة [الآیة: 83]، و مَعِیَ أَوْ رَحِمَنا فی «الملك» [الآیة: 28]، اتفق الحرمیان و أبو عمرو و ابن عامر و حفص علی فتحهما، و أسكنهما الباقون.
و تفرد الحرمیان و أبو عمرو و ابن عامر بفتح لَعَلِّی فی ستة مواضع و هی:
لَعَلِّی أَرْجِعُ فی سورة یوسف- علیه السلام- [الآیة: 46] و لَعَلِّی آتِیكُمْ فی طه [10]، و لَعَلِّی أَعْمَلُ فی «المؤمنین» [الآیة: 100]، و لَعَلِّی أَطَّلِعُ و لَعَلِّی آتِیكُمْ فی القصص الآیة [38، 29]، و لَعَلِّی أَبْلُغُ فی غافر [الآیة:
36]، و أسكنهن الباقون.
و تفرد الحرمیان و أبو عمرو و هشام بفتح ما لِی أَدْعُوكُمْ فی غافر [الآیة: 41]، و تفرد الحرمیان، و أبو عمرو و ابن ذكوان بفتح أَ رَهْطِی أَعَزُّ عَلَیْكُمْ فی سورة هود- علیه السلام- و تفرد الحرمیان بفتح أربع و هن لَیَحْزُنُنِی أَنْ تَذْهَبُوا فی سورة یوسف- علیه السلام- [الآیة: 13] و حَشَرْتَنِی أَعْمی فی طه [125] و تَأْمُرُونِّی أَعْبُدُ فی الزمر [الآیة: 64]، و أَ تَعِدانِنِی أَنْ أُخْرَجَ فی الأحقاف [الآیة: 17].
و تفرد نافع و أبو عمرو بفتح ثمانی یاءات، و هن: إِنِّی أَرانِی إِنِّی أَرانِی
______________________________
(1) فی ب: و هی.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 607
أعنی الیاء من «إنی» فی الموضعین [یوسف: 36]، و حَتَّی یَأْذَنَ لِی أَبِی أعنی الیاء من «لی» فی سورة یوسف- علیه السلام- [الآیة: 80] و مِنْ دُونِی أَوْلِیاءَ فی الكهف [الآیة: 102]، و اجْعَلْ لِی آیَةً فی سورة آل عمران [الآیة: 41] و فی سورة مریم- علیها السلام- [الآیة: 10] و ضَیْفِی أَ لَیْسَ فی سورة هود- علیه السلام- [الآیة: 78]، و وَ یَسِّرْ لِی أَمْرِی فی «طه» [26].
و اتفقا مع البزی علی فتح أربع یاءات و هن:
وَ لكِنِّی أَراكُمْ فی سورة هود علیه السلام [29]، و مِنْ تَحْتِی أَ فَلا فی الزخرف [51]، و وَ لكِنِّی أَراكُمْ فی الأحقاف [23].
و تفرد ابن كثیر بفتح ثلاث یاءات و هن:
فَاذْكُرُونِی أَذْكُرْكُمْ فی البقرة [152]، و ذَرُونِی أَقْتُلْ، و ادْعُونِی أَسْتَجِبْ فی غافر [26، 60].
و تفرد نافع بفتح اثنتین و هما:
سَبِیلِی أَدْعُوا فی سورة یوسف علیه السلام [108]، و لِیَبْلُوَنِی أَ أَشْكُرُ فی النمل [40].
و اتفق مع البزی علی فتح فَطَرَنِی أَ فَلا فی سورة هود علیه السلام [51].
و تفرد ورش و البزی بفتح أَوْزِعْنِی أَنْ أَشْكُرَ فی النمل [19] و الأحقاف [15].
فهذه أربع و ثلاثون یاء، و أما باقی العدد و هو خمس و ستون یاء فاتفق الحرمیان و أبو عمرو علی فتحها، و الباقون علی إسكانها:
منها فی البقرة إِنِّی أَعْلَمُ فی موضعین [30، 33]، و فی آل عمران أَنِّی أَخْلُقُ [49]، و فی المائدة إِنِّی أَخافُ [28]، و لِی أَنْ أَقُولَ [116]. و فی الأنعام إِنِّی أَخافُ [15]، و إِنِّی أَراكَ [74]. و فی الأعراف إِنِّی أَخافُ [59]، و مِنْ بَعْدِی أَ عَجِلْتُمْ [150]. و فی الأنفال إِنِّی أَری [48]، و إِنِّی أَخافُ [48]. و فی سورة یونس علیه السلام لِی أَنْ أُبَدِّلَهُ [15]، و إِنِّی أَخافُ [15]. و فی سورة هود علیه السلام إِنِّی أَخافُ فی ثلاثة مواضع «1» [26، 84]، و إِنِّی أَعِظُكَ [46]، و إِنِّی أَعُوذُ بِكَ [47]، و شِقاقِی أَنْ [89]. و فی سورة یوسف علیه السلام رَبِّی أَحْسَنَ [23]، و أَرانِی أَعْصِرُ [36]، و أَرانِی أَحْمِلُ [36]،
______________________________
(1) كذا، و لعل الثالث: إِنِّی أَراكُمْ فی الآیة الثانیة [84] نفسها.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 608
و إِنِّی أَری سَبْعَ [43]، و إِنِّی أَنَا أَخُوكَ [69]، و أَبِی أَوْ یَحْكُمَ [80]، و إِنِّی أَعْلَمُ [96].
و فی سورة إبراهیم علیه السلام إِنِّی أَسْكَنْتُ [37]. و فی الحجر نَبِّئْ عِبادِی أَنِّی أَنَا [49]، أعنی الیاء من «عبادی» و من «إنی»، و إِنِّی أَنَا النَّذِیرُ [89]. و فی الكهف بِرَبِّی أَحَداً فی موضعین [38، 42]، و رَبِّی أَعْلَمُ [22]، و رَبِّی أَنْ یُؤْتِیَنِ [40]. و فی سورة مریم علیها السلام إِنِّی أَعُوذُ [18]، و إِنِّی أَخافُ [45]. و فی طه إِنِّی آنَسْتُ [10]، و إِنِّی أَنَا رَبُّكَ [12]، و إِنَّنِی أَنَا اللَّهُ [14]. و فی الشعراء إِنِّی أَخافُ فی موضعین [112، 135]، و رَبِّی أَعْلَمُ [188]. و فی النمل إِنِّی آنَسْتُ [7]. و فی القصص رَبِّی أَنْ یَهْدِیَنِی [22]، و إِنِّی آنَسْتُ [10] و إِنِّی أَنَا اللَّهُ [30]، و إِنِّی أَخافُ [34]، و رَبِّی أَعْلَمُ فی موضعین [35، 85]، و عِنْدِی أَ وَ لَمْ [78]. و فی «یس» إِنِّی آمَنْتُ [25]. و فی «و الصافات» إِنِّی أَری [102]، و أَنِّی أَذْبَحُكَ [الصافات: 102].
و فی «ص» إِنِّی أَحْبَبْتُ [32]. و فی الزمر إِنِّی أَخافُ [13].
و فی غافر إِنِّی أَخافُ فی ثلاثة مواضع [26، 30، 32]. و فی الدخان إِنِّی آتِیكُمْ [19]. و فی الأحقاف إِنِّی أَخافُ [21]. و فی الحشر إِنِّی أَخافُ [16].
و فی سورة نوح علیه السلام إِنِّی أَعْلَنْتُ [9]. و فی سورة الجن رَبِّی أَمَداً [25].
و فی الفجر رَبِّی أَكْرَمَنِ [15]، و رَبِّی أَهانَنِ [16].
و الشیخ و الإمام یوافقان علی جمیع ما تقدم إلا أن الحافظ ذكر عن ابن كثیر فی قوله تعالی: عِنْدِی أَ وَ لَمْ فی القصص خلافا فی الإسكان، و لم یذكر الشیخ و الإمام عنه إلا الفتح خاصة.
و قول الحافظ- رحمه الله-: «و تفرد ابن كثیر بفتح ثلاث یاءات» متصلا بقوله:
«فالحرمیان و أبو عمرو یفتحونها حیث وقعت»- كلام جری علی حاله، و أولی منه أن لو قال بعد قوله: «حیث وقعت»: إلا ما یستثنی من ذلك. ثم یقول: و خالف نافع و أبو عمرو معا أصلهما فی ثلاث یاءات، بدل قوله: «و تفرد ابن كثیر بفتح ثلاث یاءات».
و قوله: «و نقض أصله فی ... كذا» عبارة حسنة.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 609
و قوله: «و تفرد نافع بفتح یاءین»، كقوله: «و تفرد ابن كثیر بفتح ثلاث یاءات، و أولی منه أن لو قال: و نقض ابن كثیر و أبو عمرو معا أصلهما فی یاءین، و الله أعلم.

فصل‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و كل یاء بعدها همزة مكسورة نحو قوله تعالی:
مِنِّی إِلَّا [البقرة: 249] ...» إلی آخر الفصل.
اعلم أن مجموع ما فی القرآن من هذه الیاءات التی قبلها كسرة و بعدها همزة مكسورة، ستون یاء منها ثمانی یاءات اتفق القراء علی إسكانهن، و هن: أَنْظِرْنِی إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ فی الأعراف الآیة [14]، و الحجر [الآیة: 36] و ص [الآیة: 79] و یَدْعُونَنِی إِلَیْهِ فی سورة یوسف علیه السلام [الآیة: 33] و یُصَدِّقُنِی إِنِّی أَخافُ فی القصص [الآیة: 34] و تَدْعُونَنِی إِلَیْهِ فی غافر [الآیة: 43]، و فِی ذُرِّیَّتِی إِنِّی تُبْتُ إِلَیْكَ فی الأحقاف [الآیة: 15] و لَوْ لا أَخَّرْتَنِی إِلی أَجَلٍ قَرِیبٍ فی «المنافقین» [الآیة: 10].
و كان ینبغی للحافظ أن ینبه علی هذا كما ذكرت فی الفصل الأول.
و باقی العدد و هو اثنتان و خمسون یاء اختلف القراء فیه:
فاتفق الحرمیان و أبو عمرو و ابن عامر علی فتح الیاء فی قوله تعالی: آبائِی إِبْراهِیمَ فی سورة یوسف- علیه السلام- [الآیة: 38] و دُعائِی إِلَّا فی سورة نوح- علیه السلام- [الآیة: 6].
و اتفق نافع و أبو عمرو و ابن عامر و حفص علی الفتح فی قوله تعالی: وَ أُمِّی إِلهَیْنِ فی المائدة [الآیة: 116] و إِنْ أَجْرِیَ إِلَّا فی المواضع التسعة، منها موضع فی سورة یونس صلی الله علیه و سلم [الآیة: 72] و موضعان فی سورة هود صلی الله علیه و سلم [الآیتان: 29، 51] و خمسة مواضع فی «الشعراء» [الآیتان: 109، 127، 145، 164، 180]، و موضع فی سبأ [الآیة: 47].
و تفرد نافع و أبو عمرو و ابن عامر بفتح وَ ما تَوْفِیقِی إِلَّا بِاللَّهِ فی سورة هود صلی الله علیه و سلم و وَ حُزْنِی إِلَی اللَّهِ فی سورة یوسف صلی الله علیه و سلم [الآیة: 86] و تفرد نافع و أبو عمرو و حفص بفتح یَدِیَ إِلَیْكَ فی المائدة [الآیة: 28].
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 610
و تفرد نافع و ابن عامر بفتح وَ رُسُلِی إِنَّ اللَّهَ فی المجادلة [21].
و تفرد نافع بفتح ثمانی آیات، و هن: مَنْ أَنْصارِی إِلَی اللَّهِ فی آل عمران [19] و الصف [14]، و بَناتِی إِنْ كُنْتُمْ فی الحجر [71]، و سَتَجِدُنِی إِنْ شاءَ اللَّهُ فی الكهف [69] و القصص [27] و الصافات [102]، و بِعِبادِی إِنَّكُمْ فی الشعراء [52]، و لَعْنَتِی إِلی فی «ص» [78].
و تفرد ورش بفتح وَ بَیْنَ إِخْوَتِی إِنَّ رَبِّی فی سورة یوسف، صلی الله علیه و سلم [100].
فهذه خمس و عشرون یاء، و أما باقی العدد و هو سبع و عشرون یاء، فاتفق نافع و أبو عمرو علی فتحها، و الباقون علی إسكانها:
منها فی البقرة: مِنِّی إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ [249]. و فی آل عمران: فَتَقَبَّلْ مِنِّی إِنَّكَ [35]. و فی الأنعام: رَبِّی إِلی صِراطٍ [161]. و فی سورة یونس صلی اللّه علیه و سلم:
نَفْسِی إِنْ أَتَّبِعُ [15]، و وَ رَبِّی إِنَّهُ لَحَقٌ [53]. و فی سورة هود صلی اللّه علیه و سلم: عَنِّی إِنَّهُ لَفَرِحٌ [10]، و نُصْحِی إِنْ أَرَدْتُ [34]، و إِنِّی إِذاً لَمِنَ [31]. و فی سورة یوسف صلی الله علیه و سلم: رَبِّی إِنِّی تَرَكْتُ [37]، و وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِی إِنَّ النَّفْسَ [53]، و رَحِمَ رَبِّی إِنَّ رَبِّی غَفُورٌ رَحِیمٌ [53]، و بِی إِذْ أَخْرَجَنِی [100]. و فی الإسراء: رَحْمَةِ رَبِّی إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ [100]. و فی سورة مریم- علیها السلام-: سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّی إِنَّهُ [47]. و فی طه: لِذِكْرِی إِنَّ السَّاعَةَ [14- 15]، و عَلی عَیْنِی إِذْ [39- 40] و وَ لا بِرَأْسِی إِنِّی [94]. و فی سورة الأنبیاء- صلوات الله علیهم أجمعین-: وَ مَنْ یَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّی إِلهٌ [29]. و فی الشعراء: لِی إِلَّا رَبَّ الْعالَمِینَ [77]، و لِأَبِی إِنَّهُ [86]. و فی العنكبوت إِلی رَبِّی إِنَّهُ [26]. و فی سبأ: رَبِّی إِنَّهُ سَمِیعٌ [50]. و فی «یس»: إِنِّی إِذاً [24]. و فی «ص» مِنْ بَعْدِی إِنَّكَ [35]. و فی غافر: أَمْرِی إِلَی اللَّهِ [44].
و فی فصلت: إِلی رَبِّی إِنَّ لِی عِنْدَهُ [50].
و ذكر الحافظ خلافا عن قالون فی هذه الیاء الأخیرة، و الشیخ و الإمام یوافقان علی الفتح فی جمیع ما تقدم.
و قوله- رحمه الله-: «و تفرد نافع دونه بفتح ... كذا».
یعنی: دون أبی عمرو، و أولی من ذلك أن یقول: خالف أبو عمرو أصله فی
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 611
ثمانیة مواضع.

فصل‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و كل یاء بعدها همزة مضمومة».
اعلم أن مجموع ما فی القرآن من هذه الیاءات التی قبلها كسرة و بعدها همزة مضمومة [اثنتا عشرة] «1» یاء، منها اثنتان اتفق القراء علی إسكانهما، و هما قوله تعالی: وَ أَوْفُوا بِعَهْدِی أُوفِ بِعَهْدِكُمْ فی البقرة [40]، و آتُونِی أُفْرِغْ فی الكهف [96]. و كان ینبغی للحافظ أن ینبه علی ذلك.
و أما العشر البواقی، ففتحها نافع وحده و أسكنها الباقون، منها فی آل عمران:
وَ إِنِّی أُعِیذُها [36]، و فی المائدة: إِنِّی أُرِیدُ [29]، و فَإِنِّی أُعَذِّبُهُ [115]، و فی الأنعام: إِنِّی أُمِرْتُ [14]، و فی الأعراف: عَذابِی أُصِیبُ بِهِ [156] و فی سورة هود صلی الله علیه و سلم: إِنِّی أُشْهِدُ [54]، و فی سورة یوسف صلی الله علیه و سلم: أَنِّی أُوفِی الْكَیْلَ [59] و فی النمل: إِنِّی أُلْقِیَ [29]، و فی القصص: إِنِّی أُرِیدُ [27]، و فی الزمر: إِنِّی أُمِرْتُ [11].
وافق الشیخ [و] الإمام علی جمیع ذلك.

فصل‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و كل یاء بعدها ألف و لام».
قسم الحافظ- رحمه الله- فی هذا الفصل ما جاء من هذه الیاءات و بعده الألف و اللام قسمین:
القسم الأول: المختلف، فیه و هی عنده ست عشرة یاء، منها فی البقرة: عَهْدِی الظَّالِمِینَ [الآیة: 124] و رَبِّیَ الَّذِی یُحْیِی، و فی الأعراف: حَرَّمَ رَبِّیَ الْفَواحِشَ [33] و عَنْ آیاتِیَ الَّذِینَ [146]، و فی سورة إبراهیم- علیه السلام- قُلْ لِعِبادِیَ الَّذِینَ آمَنُوا [31] و فی سورة مریم الصدیقة- علیها السلام-: آتانِیَ الْكِتابَ [30]، و فی سورة الأنبیاء- علیهم السلام-: مَسَّنِیَ الضُّرُّ [83] و عِبادِیَ الصَّالِحُونَ [105]، و فی العنكبوت: یا عِبادِیَ الَّذِینَ آمَنُوا [56]، و فی سبأ: مِنْ عِبادِیَ الشَّكُورُ [13]، و فی «ص»: مَسَّنِیَ الشَّیْطانُ [41]، و فی الزمر: إِنْ
______________________________
(1) فی أ: اثنا عشر.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 612
أَرادَنِیَ اللَّهُ [38] و یا عِبادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا [53] و فی الملك: إِنْ أَهْلَكَنِیَ اللَّهُ [28]، فهذه أربع عشرة یاء أسكنها كلها حمزة، و ذكر الحافظ من وافقه من القراء علی بعضها، ثم ذكر تفرّد أبی شعیب بیاء فی الزمر [17]، و هی الخامسة عشرة و هی: (فبشّر عبادی)، و ذكر (فما آتین اللّه) فی النمل و هی السادسة عشرة، إلا أنه ذكرهما فی فرش الحروف فی الزوائد لا فی یاءات الإضافة، و كذلك ینبغی أن تكونا؛ لأنهما لم تثبتا فی الخط.
وافق الشیخ و الإمام علی كل ما تقدم إلا الیاء التی أثبت أبو شعیب فی الزمر.
القسم الثانی: المتفق علی فتحه، و قد حصره الحافظ فی ثلاثة أصول و تسعة أحرف:
الأصل الأول نِعْمَتِیَ الَّتِی، و جملته فی القرآن ثلاثة مواضع فی البقرة [40، 74، 122].
الأصل الثانی: حَسْبِیَ اللَّهُ، و جملته موضعان: الأول فی آخر براءة [129]، و الثانی فی الزمر [38].
و الأصل الثالث: (شركائی الّذین) و جملته فی القرآن أربعة مواضع:
أحدها: فی النحل [17].
و الثانی: فی الكهف [52].
و الثالث و الرابع: فی القصص [62، 74].
و الحروف المفترقة: بَلَغَنِیَ الْكِبَرُ فی آل عمران [40]، و فَلا تُشْمِتْ بِیَ الْأَعْداءَ و وَ ما مَسَّنِیَ السُّوءُ و إِنَّ وَلِیِّیَ اللَّهُ فی الأعراف [150، 188، 196]، و مَسَّنِیَ الْكِبَرُ فی الحجر [54]، و أَرُونِیَ الَّذِینَ فی سبأ [27]، و رَبِّیَ اللَّهُ و لَمَّا جاءَنِی الْبَیِّناتُ فی غافر [28، 66]، و نَبَّأَنِیَ الْعَلِیمُ فی التحریم [3].
و لو قال الحافظ: و كلهم فتح الیاء فی اثنی عشر حرفا حیث وقعت، بدل قوله:
«فی ثلاثة أصول مطردة و تسعة أحرف مفترقة» «1»- لكان صحیحا، لكنه أراد أن یفرق بین ما تكرر من هذه الكلمات و ما لم یتكرر، فسمی المتكرر: أصولا، و غیر
______________________________
(1) فی أ: متفرقة.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 613
المتكرر: حروفا.
و قوله فی أول الفصل: «فحمزة یسكنها حیث وقعت» یقتضی بظاهره إسكان الجمیع، فجاء قوله هنا: «و كلهم فتح الیاء فی ثلاثة أصول و تسعة أحرف» نائبا مناب الاستثناء، و به حصل انفصال القسمین.

فصل‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و كل یاء بعدها ألف منفردة».
یرید ألف وصل، و قوله: «منفردة» یرید: لیس بعدها لام التعریف.
و مجموع ما فی القرآن من هذا النوع سبع یاءات، منها فی الأعراف: إِنِّی اصْطَفَیْتُكَ [144] و فی طه: أَخِی اشْدُدْ [30، 31] علی قراءة غیر ابن عامر، و لِنَفْسِی اذْهَبْ [41- 42] و فِی ذِكْرِی اذْهَبا [42- 43]، و فی الفرقان:
یا لَیْتَنِی اتَّخَذْتُ [27] و إِنَّ قَوْمِی اتَّخَذُوا [30]، و فی الصف: مِنْ بَعْدِی اسْمُهُ أَحْمَدُ [6].
فتحها كلها أبو عمرو و وافقه ابن كثیر فی جمیعها إلا فی یا لَیْتَنِی اتَّخَذْتُ خاصة من طریقیه، و إلا فی إِنَّ قَوْمِی اتَّخَذُوا من طریق قنبل، و وافقه نافع إلا فی إِنِّی اصْطَفَیْتُكَ و أَخِی اشْدُدْ و یا لَیْتَنِی اتَّخَذْتُ و وافقه أبو بكر فی مِنْ بَعْدِی اسْمُهُ أَحْمَدُ خاصة، و أسكن الباقون.

فصل‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و أما مجی‌ء الیاء عند باقی حروف المعجم».
یعنی بباقی حروف المعجم: ما عدا همزة القطع و همزة الوصل.
و اعلم أن الذی ورد من ذلك فی القرآن كثیر، فاقتصر الحافظ منه علی ذكر مواضع الخلاف و هی ثلاثون:
انفرد حفص منها بفتح إحدی عشرة یاء، و هی: وَ ما كانَ لِی عَلَیْكُمْ فی سورة إبراهیم- علیه السلام- [22] و وَ لِیَ نَعْجَةٌ و ما كانَ لِی مِنْ عِلْمٍ فی «ص» [23، 69].
و یاء مَعِیَ فی ثمانیة مواضع، و هی: مَعِیَ بَنِی إِسْرائِیلَ فی الأعراف [105]، و مَعِیَ عَدُوًّا فی التوبة [83]، و مَعِیَ صَبْراً فی ثلاثة مواضع من الكهف [67، 72، 75]، و مَعِیَ وَ ذِكْرُ مَنْ قَبْلِی فی سورة الأنبیاء- علیهم السلام- [24]
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 614
و إِنَّ مَعِی رَبِّی فی الشعراء [62]، و مَعِی رِدْءاً فی القصص [34].
و انفرد ابن عامر بفتح صِراطِی مُسْتَقِیماً فی الأنعام [153]، و إِنَّ أَرْضِی واسِعَةٌ فی العنكبوت [56].
و انفرد ابن كثیر بفتح وَرائِی وَ كانَتِ فی سورة مریم الصدیقة- علیها السلام- [5] و أَیْنَ شُرَكائِی قالُوا فی فصلت [47].
و انفرد نافع بفتح مَماتِی لِلَّهِ فی الأنعام [162].
و انفرد ورش بفتح وَ لْیُؤْمِنُوا بِی لَعَلَّهُمْ فی البقرة [186]، و وَ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِی فَاعْتَزِلُونِ فی الدخان [21].
و انفرد أبو بكر بفتح (یا عبادی لا خوف علیكم) فی الزخرف [68].
و حذف هذه الیاء فی الحالین ابن كثیر و حفص و حمزة و الكسائی، و أثبتها الباقون ساكنة فی الحالین.
و اتفق ورش و حفص علی فتح وَ لِیَ فِیها مَآرِبُ فی طه [18]، وَ مَنْ مَعِیَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ فی الشعراء [118].
و اتفق حفص و هشام علی فتح بَیْتِیَ مُؤْمِناً فی سورة نوح- علیه السلام- [28] و اتفق نافع و حفص و هشام علی فتح بَیْتِیَ لِلطَّائِفِینَ فی البقرة [125] [ «و» الحج] «1» [26] و وَ لِیَ دِینِ فی «الكافرین» [6].
و اتفق نافع و ابن عامر و حفص علی فتح وَجْهِیَ لِلَّهِ فی آل عمران [20]، و وَجْهِیَ لِلَّذِی فَطَرَ فی الأنعام [79].
و كلهم فتح وَ ما لِیَ لا أَعْبُدُ فی «یس» [22] إلا حمزة، و وَ مَحْیایَ فی الأنعام [162] إلا نافعا، و كان ورش یختار الفتح فی وَ مَحْیایَ و روایته عن نافع إنما هی الإسكان مثل قالون.
و اتفق الشیخ و الإمام فی كل ما ذكر إلا أنهما ذكرا أنهما قرءا فی الأنعام وَ مَحْیایَ لورش بالوجهین، و وَ لِیَ دِینِ فی «الكافرین» عن البزی أیضا بالوجهین، و اختار الحافظ فیهما الإسكان كما هو مذكور فی فرش الحروف، و الله سبحانه الموفق للصواب و هو الكریم الوهاب.
______________________________
(1) سقط فی ب.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 615

باب ذكر أصولهم فی الیاءات المحذوفات من الرسم‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «اعلم أن جملة المختلف فیه من ذلك إحدی و ستون یاء».
اعلم أن الحافظ ذكر من هذه الزوائد فی الربع الأول من القرآن سبعا.
منها فی البقرة الدَّاعِ إِذا دَعانِ [186]، [و] فَإِنَّ خَیْرَ الزَّادِ التَّقْوی وَ اتَّقُونِ [197]. و فی آل عمران وَ مَنِ اتَّبَعَنِ [20]، و وَ خافُونِ [175]. و فی المائدة فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَ اخْشَوْنِ [44]. و فی الأنعام وَ قَدْ هَدانِ [80].
و ذكر فی الربع الثانی عشرین:
منها فی الأعراف ثُمَّ كِیدُونِ [195]. و فی سورة هود علیه السلام فَلا تَسْئَلْنِ [46]، و وَ لا تُخْزُونِ [78]، و یَوْمَ یَأْتِ [105]. و فی سورة یوسف علیه السلام یَرْتَعْ [12]، و حَتَّی تُؤْتُونِ [66]، و مَنْ یَتَّقِ [90]. و فی الرعد الْمُتَعالِ [9]. و فی سورة إبراهیم علیه السلام بِما أَشْرَكْتُمُونِ [22]، و وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ [40]. و فی الإسراء لَئِنْ أَخَّرْتَنِ [62]، و الْمُهْتَدِ [97]. و فی الكهف الْمُهْتَدِ [17]، و یَهْدِیَنِ [24]، و یُؤْتِیَنِ [40]، و إِنْ تَرَنِ [39]، و نَبْغِ [64]. و فَلا تَسْئَلْنِی [70].
و ذكر فی الربع الثالث إحدی عشرة:
منها فی طه أَلَّا تَتَّبِعَنِ [93]. و فی الحج وَ الْبادِ [25]. و نَكِیرِ [44]، و فی النمل أَ تُمِدُّونَنِ [36]، (فما آتین) [36]، و فی القصص أَنْ یُكَذِّبُونِ [34]، و فی سبأ كَالْجَوابِ [13]. و نَكِیرِ [45]، و فی فاطر نَكِیرِ [26].
و فی یس یُنْقِذُونِ [23]. و فی الصافات لَتُرْدِینِ [56].
و ذكر فی الربع الرابع خمسا و عشرین، منها فی غافر: التَّلاقِ [15] و التَّنادِ [32] و اتَّبِعُونِ [38]. و فی الشوری: الْجَوارِ [32]. و فی الزخرف:
وَ اتَّبِعُونِ [61]. و فی الدخان: تَرْجُمُونِ [20] و فَاعْتَزِلُونِ [21]. و فی «ق»:
وَعِیدِ [14]، و وَعِیدِ [35] یُنادِ الْمُنادِ [41]. و فی القمر: یَدْعُ الدَّاعِ [6]، إِلَی الدَّاعِ [8] وَ نُذُرِ فی ستة مواضع [16، 18، 21، 30، 37، 39].
و فی الملك: نَذِیرِ [17] نَكِیرِ [18]. و فی «و الفجر» یَسْرِ بِالْوادِ
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 616
أَكْرَمَنِ أَهانَنِ.
فهذه ثلاث و ستون یاء بزیادة اثنتین علی ما ذكر فی أول هذا الباب، و هما: الیاء فی (نرتع) فی سورة یوسف- علیه السلام- بدلیل أنه قال فی آخرها: و فیها محذوفتان، فذكر تُؤْتُونِ و وَ مَنْ یَتَّقِ ثم ذكر (نرتع)، و الثانیة الیاء فی یُنادِ فی سورة «ق»، بدلیل أنه قال فی آخرها: «فیها ثلاث محذوفات» فذكر وَعِیدِ فی الموضعین، و الْمُنادِ، ثم ذكر یُنادِ، و ذكر الحافظ فی هذا الباب فَلا تَسْئَلْنِی فی الكهف [الآیة: 70] و كان حقه ألا یذكرها؛ لأن الیاء ثابتة فی السواد، و حق هذا الباب أن یختص بما لم یثبت فی السواد؛ و لذلك سمیت زوائد لأنها زائدة علی خط المصحف.
و ذكر فی هذا الباب یا عِبادِ فی الزخرف [الآیة: 68] و ذكرها فی السورة «1» فی یاءات الإضافة، و قد اختلفت المصاحف فی هذه الیاء، و حكی الحافظ فی التحبیر أنها ثابتة فی مصاحف أهل المدینة و الحجاز و أهل الشام، و لیست فی مصاحف أهل العراق، و روی أن أبا عمرو قرأها بالیاء، و قال لأنی رأیتها بالیاء فی مصاحف أهل المدینة و الحجاز.
و ذكر فی هذا الباب: (فما آتین اللّه)، و قد ذكرها فی الباب قبل هذا مع یاءات الإضافة، و حقها أن تكون من هذا الباب؛ لاتفاق المصاحف علی حذفها فی الرسم نص الحافظ علی ذلك فی «التحبیر».
و اعلم أن المثبتین لهذه الزوائد هم: الحرمیان، و أبو عمرو تارة علی الاتفاق و تارة علی الاختلاف، فأما الكوفیون و ابن عامر فلم یرد عنهم إثبات الزوائد إلا قلیلا، فأبدأ أولا بما أثبت الحرمیان و أبو عمرو، ثم أتبع بما ورد من ذلك عن الباقین.
و اعلم أن كل یاء أثبتها ابن كثیر من هذه الزوائد فإنه یثبتها فی الوصل و الوقف إلا واحدة و هی: بِالْوادِ فی و الفجر [، ذكر الحافظ] «2» فی سورة «و الفجر» الخلاف فیها فی الوقف عن قنبل، و ذكر فی المفردات أنه قرأ علی أبی الحسن بإثباتها فی
______________________________
(1) فی ب: السور.
(2) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 617
الوصل خاصة، و قرأ علی أبی الفتح بإثباتها فی الحالین.
فأما قوله فی هذا الباب: «و أثبت قنبل بخلاف عنه بِالْوادِ فی الوصل فقط»، فیظهر أنه وهم، و صوابه أن یكون: بخلاف عنه فی الوقف، بدل قوله: «فی الوصل»، أو یسقط ذكر الخلاف.
و قال الشیخ و الإمام: «أثبتها فی الوصل خاصة»، و كل ما أثبت نافع و أبو عمرو، فإنما یثبتانها فی الوصل خاصة إلا واحدة و هی (فما آتین اللّه) فی النمل [الآیة: 36]، اختلف فیها فی الوقف عن قالون و أبی عمرو.
و اعلم أن ورشا تفرد دون غیره بإثبات تسع عشرة یاء من هذه الزوائد، و هی:
وَعِیدِ فی المواضع الثلاثة، و نَكِیرِ فی المواضع الأربعة، و وَ نَذَرَ فی المواضع الستة، و یُكَذِّبُونِ فی القصص [34]، و یُنْقِذُونِ فی «یس» [الآیة: 23]، و لَتُرْدِینِ فی «و الصافات» [الآیة: 56]، و تَرْجُمُونِ و فَاعْتَزِلُونِ فی الدخان [الآیة: 21]، و نَذِیرِ فی الملك [الآیة: 17].
و تفرد أبو عمرو دون الحرمیین بثمانی یاءات، و هن: وَ اتَّقُونِ فی البقرة، و وَ خافُونِ فی آل عمران، و وَ اخْشَوْنِ فی المائدة، و (و قد هدین) فی الأنعام، و كِیدُونِ فی الأعراف، و وَ لا تُخْزُونِ فی سورة هود- علیه السلام- و أَشْرَكْتُمُونِ فی سورة إبراهیم- علیه السلام- و وَ اتَّبِعُونِ فی الزخرف.
و تفرد ابن كثیر بواحدة و هی: الْمُتَعالِ فی الرعد، و تفرد قنبل بواحدة و هی:
مَنْ یَتَّقِ فی سورة یوسف- علیه السلام- و زاد عنه الحافظ [وحده]: (نرتع) بخلاف.
و اتفق ورش و أبو عمرو دون غیرهما علی إثبات ثلاث یاءات، و هن: الدَّاعِ إِذا دَعانِ فی البقرة، و فَلا تَسْئَلْنِ فی سورة هود، علیه السلام.
و اتفق ورش و ابن كثیر علی إثبات ثلاث یاءات، و هن التَّلاقِ و التَّنادِ فی غافر، و بِالْوادِ فی الفجر.
و ذكر الحافظ خلافا عن قالون فی التَّلاقِ، و التَّنادِ و خلافا عن قنبل فی الوقف علی (الواد) فی الفجر.
و اتفق نافع و البزی و أبو عمرو علی إثبات یاءین و هما: أَكْرَمَنِ، و أَهانَنِ فی الفجر، و اتفق ورش و البزی و أبو عمرو علی إثبات یاءین و هما: دُعاءِ فی سورة
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 618
إبراهیم- علیه السلام- و یَدْعُ الدَّاعِ فی القمر.
و اتفق نافع و أبو عمرو علی إثبات أربع یاءات، و هن: وَ مَنِ اتَّبَعَنِ فی آل عمران و الْمُهْتَدِ فی الإسراء و الكهف، و آتِینَ فی النمل.
و اتفق ابن كثیر و أبو عمرو دون غیرهما علی إثبات الیاء فی تُؤْتُونِ فی سورة یوسف، علیه السلام.
و اتفق مع ورش علی إثباتها فی وَ الْبادِ فی الحج، و كَالْجَوابِ فی سبأ، و اتفقا مع قالون علی إثباتها فی إِنْ تَرَنِ فی الكهف و اتَّبِعُونِ فی غافر.
و اتفق الحرمیان و أبو عمرو علی إثباتها فی اثنی عشر موضعا، و هی: یَوْمَ یَأْتِ فی سورة هود- علیه السلام- و أَخَّرْتَنِ فی الإسراء و یَهْدِیَنِ و أَنْ یُؤْتِیَنِ و أَنْ تُعَلِّمَنِ و نَبْغِ فی الكهف و تَتَّبِعَنِ فی طه، و أَ تُمِدُّونَنِ فی النمل، و الْجَوارِ فی الشوری، و الْمُنادِ فی «ق»، و إِلَی الدَّاعِ فی القمر، و یَسْرِ فی الفجر.
و قد تقدم فی الباب قبل «1» هذا ما حكاه الحافظ عن أبی شعیب فی قوله تعالی:
فَبَشِّرْ عِبادِ فی إثبات یاء مفتوحة فی الوصل ساكنة فی الوقف، و ذكر هذا القول فی سورة الزمر، ثم حكی أیضا عن الیزیدی حذفها فی الوقف، و ذكر هذا القول فی سورة الزمر، ثم حكی أیضا عن الیزیدی حذفها فی الوقف، فأما غیر الحرمیین و أبی عمرو، فإن الكسائی منهم أثبت الیاء فی الوصل خاصة فی موضعین:
الأول: یَوْمَ یَأْتِ فی سورة هود علیه السلام.
و الثانی: نَبْغِ فی الكهف.
و أما حمزة فأثبتها فی الوصل فی دُعاءِ فی سورة إبراهیم- علیه السلام- و أثبتها فی الحالین فی أَ تُمِدُّونَنِ فی النمل.
و أما عاصم فأثبتها عنه حفص فی آتِینَ فی النمل فی الوصل، و اختلف عنه فی الوقف.
و قد ذكر الحافظ فی هذا الباب اختلاف أبی بكر و حفص فی یا عِبادِ فی الزخرف.
و أما ابن عامر فأثبت هشام عنه الیاء فی كِیدُونِ فی الأعراف فی الحالین، و ذكر الحافظ فی السورة الخلاف عنه فی ذلك، و ذكر عن ابن ذكوان حذف الیاء فی
______________________________
(1) فی ب: مثل.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 619
فَلا تَسْئَلْنِی فی الكهف، بخلاف عنه من طریق الأخفش، و حذفها خلاف الرسم، و الله تبارك اسمه و تعالی جده أعلم و أحكم.
وافق الشیخ و الإمام علی كل ما فی الباب إلا أنهما لم یذكرا الیاء فی (نرتع) و لا الیاء فی یُنادِ فی «ق»، و لا التَّلاقِ و التَّنادِ عن قالون، و لا إثبات الیاء فی الوقف علی قوله تعالی: بِالْوادِ فی الفجر عن قنبل، و إنما یثبتها فی قولهما فی الوصل خاصة، و لم یذكرا عن هشام إلا إثبات الیاء فی كِیدُونِ، و زاد الشیخ: أن الأشهر عن ابن ذكوان حذفها، و أنه قد روی عنه إثباتها فی الوصل، و قال:
«و بالحذف قرأت له» و الله جل ذكره و عز أمره أعلم و أحكم.
و قول الحافظ- رحمه الله-: «فأثبت نافع فی روایة ورش منهن سبعا و أربعین».
[قد ذكرت] «1» جملتها، و أنه انفرد منها بتسع عشرة، و اتفق نافع مع غیره علی سائر العدد.
و قوله: «و أثبت منهن فی روایة قالون .. كذا» قد تقدم ذلك أیضا، و لم ینفرد منها بشی‌ء.
و قوله: «و أثبت ابن كثیر منهن فی روایته فی الوصل و الوقف إحدی و عشرین».
هذا العدد إنما یتم بالیاء فی قوله تعالی: بِالْوادِ فی و «الفجر»، و إن كان قنبل قد اختلف عنه فی إثباتها و حذفها فی الوقف علی ما ذكر فی سورة «و الفجر»، و لیست الیاء فی یُنادِ فی آخر سورة «ق» داخلة فی العدد؛ لكونه إنما ذكرها بعد تمام ذكر الزوائد الثلاث التی فی السورة، كما تقدم التنبیه علیه.
و قد تقدم أن ابن كثیر انفرد بواحدة، و هی الْمُتَعالِ فی الرعد، و اتفق مع غیره علی سائر العدد حسبما تقدم.
و قوله: «و اختلف قنبل و البزی فی ست».
فذكر فیها بِالْوادِ، و لا خلاف بین قنبل و البزی فی إثباتها فی الوصل، و إنما یحصل الخلاف بینهما فی الوقف علی روایة من روی أن قنبلا یحذفها فی الوقف، و ذكر أن الیاء فی قوله تعالی: (فما آتین اللّه) فی سورة النمل یفتحها حفص فی الوصل، و أثبتها ساكنة فی الوقف، و كلامه فی آخر سورة النمل یقتضی الخلاف عن
______________________________
(1) فی أ: فذكر.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 620
حفص فی إثباتها و حذفها فی الوقف، و كذلك ذكر فی المفردات الخلاف عنه فی الوقف فقال: «فروی لی محمد بن أحمد «1» عن ابن مجاهد إثباتها فیه» یعنی فی الوقف، قال: «و كذلك روی لی أبو الحسن عن قراءته، و كذلك روی لی عبد العزیز ابن أبی غسان «2» [عن] «3» أبی طاهر عن أحمد بن موسی عن الأشنانی، و روی لی فارس بن أحمد عن قراءته أیضا حذفها فیه، [و] الوجهان [صحیحان] «4»».
______________________________
(1) محمد بن أحمد بن إبراهیم بن یوسف بن العباس بن میمون، أبو الفرج الشنبوذی الشطوی البغدادی، أستاذ من أئمة هذا الشأن، رحل و لقی الشیوخ و أكثر و تبحر فی التفسیر، ولد سنة ثلاثمائة، أخذ القراءة عرضا عن- المستنیر و المبهج، و الكفایة الكبری- ابن مجاهد و المبهج- أبی بكر النقاش و- المبهج و الكامل- أبی بكر أحمد بن حماد المنقی و المبهج- أبی الحسن بن الأخرم و- المبهج- إبراهیم بن محمد الماوردی، و- المبهج- محمد بن جعفر الحربی و- الكفایة الكبری- أحمد بن محمد بن إسماعیل الآدمی و محمد ابن هارون التمار و- المستنیر المبهج الكافیة الكبری الكامل- أبی الحسن بن شنبوذ و إلیه نسب؛ لكثرة ملازمته له و- الغایة- محمد بن موسی الزینبی و- المستنیر و المبهج- موسی ابن عبید الله الخاقانی و- الغایة و الكامل- الحسن بن علی بن بشار و أحمد بن عبد الله، كذا وقع فی المبهج.
و قال التنوخی: مات أبو الفرج الشنبوذی فی صفر سنة ثمان و ثمانین و ثلاثمائة.
ینظر غایة النهایة (2/ 50- 51).
(2) الشیخ الإمام المعمر المقرئ، مسند الأندلس، أبو القاسم، عبد العزیز بن جعفر بن محمد ابن إسحاق بن محمد بن خواستی، الفارسی، ثم البغدادی النحوی.
ولد فی رجب سنة عشرین و ثلاثمائة، و كان یذكر وفاة ابن مجاهد.
و سمع من: إسماعیل بن محمد الصفار، و أبی بكر النجاد، و أبی بكر بن داسة البصری، و أبی عمر الزاهد، و أبی بكر بن زیاد النقاش المقرئ، و هو من تلامذته فی القراءات. و تلا أیضا علی عبد الواحد بن أبی هاشم.
و دخل الأندلس، ففرحوا بعلو أسانیده، و أخذوا عنه.
تلا علیه أبو عمرو بثلاث روایات، و أسندها عنه فی (تیسیره).
و روی عنه: هو و أبو الولید بن الفرضی، و قال: لقیته بمدینة التراب.
قال: و كان خیرا فاضلا، صدوقا ضابطا، و كان یعرف بابن أبی غسان، قال لی: أذكر الیوم الذی مات فیه ابن مجاهد، و قرأت القرآن فی حدود سنة أربعین علی النقاش و لازمته مدة، و كان أسخی الناس، و سمعت (سنن) أبی داود من ابن داسة سنة ثمان و ثلاثین، و اختلفت إلی أبی سعید السیرافی، فقرأت علیه عدة كتب. قال الدانی: توفی فی ربیع الأول سنة ثلاث عشرة و أربعمائة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (17/ 351- 352)، و معرفة القراء (1/ 301)، و غایة النهایة (1/ 392)، و شذرات الذهب (3/ 198).
(3) سقط فی أ.
(4) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 621
و ذكر هنا عن أبی بكر أنه فتح الیاء فی (یا عبادی) فی الزخرف فی الوصل، و أسكنها فی الوقف، و لم یذكر فی سورة الزخرف أنه یسكنها فی الوقف؛ فحصل من مجموع ما تقدم فی هذا الكلام أنه أهمل فی هذا الباب من حكم الوقف علی الیاء فی آتِینَ ما بین فی سورة النمل، و هو حذفها الذی روی عن فارس، كما تقدم.
و بین فی هذا الباب من حكم الوقف علی الیاء فی (یا عبادی) ما أهمله فی سورة الزخرف و هو إثباتها ساكنة.
و ذكر عن هشام فی هذا الباب إثبات الیاء فی الحالین فی قوله تعالی: ثُمَّ كِیدُونِ فی الأعراف [الآیة: 195]، و ذكر عنه فی آخر سورة الأعراف الخلاف فی إثباتها و حذفها فی الحالین.
و إنما یرتكب الحافظ- رحمه الله- هذا المنزع؛ اتكالا منه علی أن الناظر فی كتابه یحكم و یبیّن «1» من كلامه علی المهمل، و لا یمكن هذا إلا إذا كان الناظر فی كلامه قد تدرب و فهم مقاصده، فأما المبتدئ فلا إشكال فی أن یعرض له الإشكال.
و قوله: «و سیأتی جمیع ما روی من ذلك بالاختلاف فیه فی أواخر السور» ضامن لبیان ما أشكل مما أهمل فی هذا الباب، و الله العزیز الوهاب ولی الهدی الموفق للصواب.
______________________________
(1) فی أ: بحكم البین.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 622

فصل فی تهذیب ترتیب التبویب‌

قال العبد: أما تقدیم الخطبة و الصدر فغنی عن إبداء التعلیل، فأما تقدیم ذكر أسماء القراء و الناقلین؛ فلأن مجموع ما اشتمل علیه الكتاب منسوب إلیهم، ثم أتبعه بذكر [اتصال] «1» قراءتهم برسول الله صلی اللّه علیه و سلم لأنه لو لا ذلك لم یصح الاعتماد علیهم.
و لزم تقدیم هذا الباب علی باب اتصال قراءته بالأئمة؛ لأمرین:
الأول: التبرك بتقدیم ما یوصل إلی رسول الله صلی اللّه علیه و سلم.
و الثانی: أن یكون اتصال قراءته مربوطا بأمر قد ثبت و استقر.
ثم بعد الفراغ من هذا كله فلا إشكال فی تقدیم الاستفتاح علی سائر ما بعده، و لا فی تقدیم التعوذ علی التسمیة؛ لأنه ترتیب جار علی ما یستعمله القارئ أول أول، ثم بإثر الاستفتاح یشرع القارئ فی تلاوة أم القرآن، فذكر ما فیها من الخلاف، و عرض فیها میم الجمع «2» فأكمل أحكامه، ثم أعقبه بباب الإدغام الكبیر؛ لأنه أول ما عرض له من التلاوة مما یستحق أن یعقد له باب، و ذلك فی قوله تعالی: الرَّحِیمِ مالِكِ، ثم أعقبه بباب هاء الكنایة؛ لأنه عرض له فی قوله تعالی: لا رَیْبَ فِیهِ، ثم أعقبه بباب المد؛ لأنه عرض له فی قوله تعالی: بِما أُنْزِلَ إِلَیْكَ [البقرة: 4].
و لو قدم باب المد علی هاء الكنایة لكان وجها حسنا؛ لأن المد قد سبق فی قوله تعالی وَ لَا الضَّالِّینَ [الفاتحة: 7] و فی الم، لكن المد فی هذین الموضعین وجب لالتقاء الساكنین، و إنما تعرض لما وجب بسبب الهمزة، و كان حقه أن یذكر المد للساكن، كما فعل فی سائر توالیفه.
ثم أعقب باب المد بباب الهمز؛ لما عرض التقاء الهمزتین فی قوله تعالی:
أَ أَنْذَرْتَهُمْ، و قدم الكلام فی الهمزتین علی الكلام فی الهمزة المفردة؛ لأن التسهیل عند التقاء الهمزتین ألزم منه فی المفردة، و أیضا فتسهیل الهمزة المفردة یخص قراءة ورش فی نوع من الهمزات و قراءة أبی عمرو فی نوع آخر، و أما التسهیل عند التقاء الهمزتین فیشترك فیه الحرمیان و أبو عمرو، فقدم الكلام فیما هو أعم، و قدم ما یسهل ورش من الهمزة المفردة علی ما یسهل أبو عمرو؛ جریا علی ترتیب
______________________________
(1) سقط فی أ.
(2) فی ب: الجمیع.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 623
القراء فی أول الكتاب، و ورش من أصحاب نافع، و نافع مقدم؛ إجلالا لكونه قارئ مدینة رسول الله صلی اللّه علیه و سلم. و أخر مذهب حمزة و هشام؛ لأنه مختص بالوقف، و تسهیل ورش و أبی عمرو لازم فی الوصل و الوقف.
فإن قیل: قد عرض له قبل باب المد بحسب التلاوة ما یوجب تقدیم ثلاثة أبواب:
أحدها: باب تسهیل الهمزة المفردة؛ لقوله تعالی: الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ [البقرة: 3].
و الثانی: باب اللامات؛ لقوله تعالی: وَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ [البقرة: 3].
و الثالث: باب الراءات؛ لقوله تعالی: وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ یُوقِنُونَ [البقرة: 4].
و قد أخر هذه الأبواب الثلاثة فأین مراعاة الترتیب؟
فالجواب: أنه ألحق باب الراءات بباب الإمالة و جعله علاوة علیه، و ألحق باب اللامات بباب الراءات؛ لاشتمالهما علی الترقیق و التغلیظ؛ فلذلك أخرهما حتی یحضر باب الإمالة بحضور سببه.
و أما تسهیل الهمزة المفردة فقد تقدم ما یقتضی كونه نائبا عن باب الهمزتین، فأراد أن یجعل أبواب الهمز كلها لحمة واحدة، و یفصله إلی تلك الأبواب و یقدم الأوكد فالأوكد، و لو قدم تسهیل الهمزة المفردة علی المد، ثم ذكر بعد ذلك تسهیل الهمزتین- لانعكس الغرض، و لو قدم باب الهمزتین علی المد بسبب ما عرض من موجب تسهیل الهمزة المفردة لم یكن فی القوة، كما إذا ذكره عند حضور موجبه.
ثم بعد فراغه من الهمز عرض له باب الإظهار و الإدغام، و باب الفتح و الإمالة، و الإدغام و الإمالة من أنواع تسهیل اللفظ فأشبها من هذا الوجه باب الهمز بجامع التسهیل.
و قدم باب الإدغام؛ لأنه أقل شعبا من باب الإمالة؛ أ لا تری أن الإمالة تنتهی بعلائقها إلی آخر باب اللامات علی ما تقدم.
ثم إن الإدغام من حیث إنه دفن الحرف الأول فی الثانی أشبه بباب التسهیل عند التقاء الهمزتین.
و بعد فراغه من باب اللامات ذكر أحكام الوقف، و قدم باب الوقف بالروم و الإشمام علی باب الوقف علی المرسوم؛ لأنه أعم، و لأنه لیس فیه مخالفة لخط
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 624
المصحف، و لأنه مستحسن عند العلماء، و یجوز استعماله فی قراءة من روی عنه و من لم یرو عنه، و لیس كذلك باب الوقف بمخالفة مرسوم الخط.
و عند الفراغ من البابین لم یبق علیه مما یرجع إلی أحكام الأصول إلا الیاءات، و سكت حمزة علی الساكن، فقدم الكلام فی السكت؛ لیسارته، ثم شرع فی الیاءات، و استحقت الیاءات التأخیر؛ لاشتمالها علی الزوائد التی هی خارجة عن خط المصحف، فلم یذكرها إلا بعد الفراغ من كل ما اشتمل علیه خط المصحف.
و بتمام الكلام فی الیاءات كملت أحكام الأصول، فشرع بعد ذلك فی ذكر فرش الحروف بحسب ترتیب سور القرآن من أوله إلی آخره، و الله سبحانه و تعالی هو أعلم و أحكم.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 625

باب ذكر فرش الحروف‌

سورة البقرة

قال الحافظ- رحمه الله-: «قِیلَ و وَ غِیضَ و (و جای) بإشمام الضم الأول «1»».
اعلم أن حقیقة هذا الإشمام: أن تضم شفتیك حال النطق بكسرة القاف من قِیلَ و الغین من وَ غِیضَ و الجیم من (و جای)؛ فیخرج صوت الكسرة مشوبا بشی‌ء من لفظ الضمة من غیر أن ینتهی إلی الضم الخالص، و یصحب الیاء التی بعد هذه الكسرة شی‌ء من صوت الواو [من] «2» غیر أن ینتهی إلی الواو الخالصة، بل لا بد أن یكون الغالب فی النطق لفظ الكسرة و لفظ الیاء، و نظیر ذلك الإمالة: فإنك إذا أملت الفتحة و الألف سری مع الفتحة شوب من لفظ الكسرة، و مع الألف شوب من صوت الیاء من غیر انتهاء إلی الكسر الخالص و الیاء الخالصة.
و إذا تقرر هذا: لزم أن هذا النوع من الإشمام یدرك بحاسة السمع؛ لأنك تفرق بسمعك بین الكسرة الخالصة فی قِیلَ، و الكسرة المشمة، كما تفرق بسمعك بین الفتحة الممالة و الفتحة الخالصة.
فإذا تقرر هذا: ظهر أن إطلاق لفظ الإشمام علیه و علی الإشمام المستعمل فی الوقف، لیس علی حد واحد و لا بمعنی واحد؛ فإن المستعمل فی الوقف لیس إلا مجرد الإشارة بالشفتین بعد انقطاع الصوت علی السكون، و لا حظ فیه للسمع، و إنما هو لرأی العین، كما تقدم، و لو سمی هذا الإشمام فی قِیلَ و نحوه «روما» لكان أنسب علی رأی البصریین؛ لأنه مسموع، و تسمیته إشماما علی رأی الكوفیین أنسب، و هذا علی ما تقدم من كون هذا الإشمام مصاحبا للنطق، أما من یری أنه یكون قبل النطق بالحرف فحینئذ قد یتكلف صاحب هذا القول الإشارة بالشفتین قبل النطق بالقاف من قِیلَ و نحوه، ثم ینطق بالقاف خالصة الكسر؛ فحینئذ یكون إطلاق اسم الإشمام علیه مساویا لإطلاقه علی الإشارة فی الوقف، و هذا إنما یمكن تكلفه إذا كان الحرف المشم مبدوءا به، كما إذا بدأت بقوله تعالی: قِیلَ یا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ
______________________________
(1) فی ب: لأول ذلك.
(2) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 626
[هود: 48]، أما إذا وصلته بما قبله مثل: وَ قِیلَ یا أَرْضُ ابْلَعِی [هود: 44] و وَ غِیضَ الْماءُ [هود: 44] فیبعد تصور ذلك، بل لا بد أن تكون تلك الإشارة مصاحبة للصوت؛ فیحصل الشوب فی اللفظ فیلحق بما تقدم، و قد ذكر الحافظ هذا القول فی بعض توالیفه، و ردّه.
و ذكر الشیخ أنه قرأ بالوجهین، و رجح القول الأول، و انظر كلامه فی كتاب «التنبیه».
قال الحافظ- رحمه الله-: « [قرأ] أبو عمرو: بارِئِكُمْ فی الحرفین [البقرة: 54] و یَأْمُرُكُمْ [البقرة: 67] و یَأْمُرُهُمْ [الأعراف: 157] و یَنْصُرْكُمُ [آل عمران: 160] و یُشْعِرُكُمْ باختلاس الحركة من طریق البغدادیین»، یعنی به روایة الدوری، و ذكر فی «المفردات» أنها قراءته علی شیخه أبی الحسن.
و هو اختیار سیبویه- یعنی الاختلاس- فی نحو هذه الكلمات لمن قصد التخفیف لما طالت الكلمة عند اتصال هذه الضمائر بها.
ثم قال: «و من طریق الرقّیین و غیرهم بالإسكان».
یعنی بطریق الرقیین: روایة أبی شعیب، قال: «و هو المروی عن أبی عمرو دون غیره».
یرید أن عبارة الرواة وردت بالإسكان و لم ترد بالاختلاس، و إن كان الاختلاس أحسن، و أجری علی قوانین العربیة؛ لما فیه من إبقاء الحركة و إن كانت مختلسة، فأما الإسكان فیضعف؛ لما فیه من صورة الجزم بغیر موجب، قال: «و بذلك قرأتها علی الفارسی، عن قراءته علی أبی طاهر».
ذكر فی «المفردات» أنه قرأ بها علی الفارسی، و علی فارس بن أحمد، قال فی «المفردات»: «و زعم- یعنی شیخه أبا الحسن- أن الیزیدی أساء السمع، و لم یضبط عن أبی عمرو مذهبه فی ذلك.
قال الحافظ: «و روایة أبی عمرو عن العرب أنها تجتزئ بإحدی الحركتین عن الأخری، و جعله عنده ذلك دلیلا علی قراءته فی ذلك من أبین شاهد علی أن مذهبه الإسكان لا غیر؛ لأن الاختلاس حركة، و روایة الیزیدی عنه أیضا الاختلاس فی یَهْدِی [یونس: 35] و یَخِصِّمُونَ من أدل دلیل علی حذقه و تمییزه، و أنه لم یسئ السمع؛ إذ قد روی ما ادعی علیه أنه لم یضبطه فیما لا یتبعض من الحركات و هو
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 627
الفتح؛ فاتضح بذلك [صحة] «1» ما رواه من الإسكان هاهنا و بذلك آخذ». انتهی قول الحافظ فی «المفردات»، و أراد بقوله: «فیما لا یتبعض من الحركات و هو الفتح» ما تقدم فی باب الوقف علی أواخر الكلم من أن المتحرك بالفتح لا یوقف علیه عند القراء بالروم؛ لخفة الفتحة، و قد تقدم تفسیره «2» بأن الفتحة إذا أردت أن تلفظ ببعضها سبقتك لخفتها فحصلت بكلها.
و اعلم أن الشیخ و الإمام لم یذكرا عن الدوری إلا الاختلاس خاصة، قال الشیخ:
«و كان الیزیدی یختار من نفسه إشباع الحركة».
قال الحافظ- رحمه الله-: «و ترك قالون الهمزة فی قوله تعالی فی الأحزاب:
لِلنَّبِیِّ إِنْ أَرادَ [الأحزاب: 50] و بُیُوتَ النَّبِیِ [الأحزاب: 53] إلا أن فی الموضعین فی الوصل خاصة علی أصله فی الهمزتین المكسورتین ...».
قد تقدم فی باب الهمزتین من كلمتین: أن مذهب قالون تحقیق «3» الهمزة الثانیة، و تسهیل الأولی بین بین، و إنما أبدلها فی هذین الموضعین؛ لوقوعها بعد یاء زائدة للمد، فأبدل و أدغم علی قیاس ما تقدم فی (بری) و (النبی) فی باب الوقف لحمزة و هشام.
قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة هُزُواً [البقرة: 67] و كُفُواً [الإخلاص: 4] «فإذا وقف أبدل الهمزة واوا اتباعا للخط».
اعلم أن القیاس هنا أن ینقل الفتحة من الهمزة إلی الزای و الفاء فیقول: «هزا» و «كفا»، و إنما عدل عن هذا؛ لثبوت الواو فی الخط فی الكلمتین، و قد تقدم أن مذهبه فی التسهیل مربوط بمراعاة الخط، قال: «و تقدیر «4» الضمة الحرف المسكن قبلها».
یرید: أنه لما كان أصل هُزُواً و كُفُّوا ضم الزای و الفاء علی قراءة الجماعة، و أن التسكین من باب التخفیف كما قالوا فی «عنق»: «عنق» فسكنوا النون- فكأن حمزة لما لم ینقل فتحة الهمزة إلی الزای و الفاء قدّر أن الضمة باقیة
______________________________
(1) سقط فی أ.
(2) فی أ: تعبیره.
(3) فی أ: یحقق.
(4) فی ن: و تقریر.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 628
فیهما، فأبقی علی الزای و الفاء حرمة الحركة؛ إذ التسكین فیهما عارض لقصد التخفیف فلم یعتد به، فمراده: و تقدیر الضمة الحرف الساكن قبلها موجودة فی ذلك الحرف المسكن.
قال الحافظ- رحمه الله-: « [قرأ] ابن كثیر و أبو عمرو یُنَزِّلَ و تُنَزَّلَ و نُنَزِّلُ إذا كان مستقبلا مضموم الأول بالتخفیف حیث وقع».
هذه الأمثلة التی ذكر الظاهر أنها بصیغ المبنی للفاعل، و كذا وقع التمثیل فی لفظ الشیخ، و لفظ الإمام، و لا فرق فی الحكم بین ما بنی من ذلك للفاعل، أو للمفعول كقوله تعالی: ما یَوَدُّ الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ لَا الْمُشْرِكِینَ أَنْ یُنَزَّلَ عَلَیْكُمْ [البقرة: 105] و كقوله تعالی: مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ [آل عمران: 93]، كل ذلك و ما أشبهه إنما قرأه بالتخفیف. و قوله: «إذا كان مستقبلا مضموم الأول» یستوعب ما ذكرت لك.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و استثنی ابن ذكوان من ذلك التنوین، فكسر حاشا حرفین ...» إلی آخره.
حاصل قوله: إثبات روایتین عن ابن ذكوان فی كسر التنوین، و ضمه فی قوله تعالی: بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا فی الأعراف [الآیة: 49] و خَبِیثَةٍ اجْتُثَّتْ فی سورة إبراهیم، علیه السلام [الآیة: 26]، و وافقه الإمام علی ذلك، و لم یذكر الشیخ فی هذین الموضعین عن ابن ذكوان إلا الضم خاصة.
قال الحافظ- رحمه الله-: «البزی من روایة أبی ربیعة عنه: لَأَعْنَتَكُمْ [الآیة: 220] بتلیین الهمزة».
تقییده هذه القراءة بروایة أبی ربیعة، یقتضی أنه قرأ- أیضا- بتحقیق الهمزة من طریق غیر أبی ربیعة، و قد نص فی «المفردات» علی أن الخزاعی «1» و ابن هارون رویا
______________________________
(1) الإمام المقرئ المحدث، أبو محمد، إسحاق بن أحمد بن إسحاق بن نافع الخزاعی المكی، شیخ الحرم، جود القرآن علی البزی، و عبد الوهاب بن فلیح.
و حدث عن: ابن أبی عمر العدنی بمسنده، و عن محمد بن زنبور، و أبی الولید الأزرقی.
و كان متقنا، ثقة، ذكر أنه تلا علی ابن فلیح مائة و عشرین ختمة. و له مصنفات فی القراءات.
قرأ علیه ابن شنبوذ و المطوعی، و محمد بن موسی الزینبی، و عدة.-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 629
عنه التحقیق، و لم یذكر الشیخ و الإمام هنا إلا التحقیق.
قال الحافظ- رحمه الله-: « [قرأ] قنبل و حفص و هشام و أبو عمرو و حمزة بخلاف عن خلاد: یَبْسُطُ هنا [البقرة: 245] بَسْطَةً فی الأعراف [الآیة: 69] بالسین».
ثم قال: «و روی النقاش عن الأخفش».
یرید: عن ابن ذكوان هنا بالسین، و فی الأعراف بالصاد.
و ذكر الشیخ و الإمام عن حمزة بالسین فی السورتین، و عن ابن ذكوان بالصاد، و عن حفص بالوجهین، و لا خلاف عن قنبل و أبی عمرو و هشام أنهم قرءوا بالسین، و لا خلاف عن الباقین أنهم قرءوا بالصاد.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و روی أبو نشیط عن قالون بإثباتها مع الهمزة المكسورة فی قوله تعالی: إِنْ أَنَا إِلَّا و ما أَنَا إِلَّا».
جمیع ما فی القرآن من ذلك ثلاثة مواضع، فی الأعراف: إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِیرٌ وَ بَشِیرٌ [الآیة: 188]، و فی الشعراء: وَ ما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِینَ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِیرٌ مُبِینٌ [الآیة: 114- 115] و فی الأحقاف: إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما یُوحی إِلَیَّ وَ ما أَنَا إِلَّا نَذِیرٌ مُبِینٌ [الآیة: 9]، و ذكر الشیخ هذه الروایة عن قالون ثم قال: «و المشهور عنه الحذف و به قرأت» و لم یذكر الإمام هذه الروایة.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و زادنی أبو الفرج النجاد «1» وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ [آل عمران: 143]، و: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ [الواقعة: 65]».
لم یذكر الشیخ و الإمام هذین الموضعین فی تاءات البزی، علی «2» أن الشیخ قال
______________________________
- و حدث عنه: ابن المقرئ، و إبراهیم بن عبد الرزاق الأنطاكی، و آخرون.
مات بمكة فی ثامن رمضان سنة ثمان و ثلاثمائة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (14/ 289)، طبقات القراء للذهبی (1/ 184- 185)، العبر (2/ 136- 137)، الوافی بالوفیات (8/ 403)، البدایة و النهایة (11/ 131)، العقد الثمین (3/ 290)، طبقات القراء للجزری (1/ 156)، شذرات الذهب (2/ 252).
(1) محمد بن عبد الله، أبو الفرج النجاد، مقرئ ضابط متصدر ثقة، أخذ القراءة عرضا عن أحمد بن عبد العزیز بن بدهن، روی الحروف عنه الحافظ أبو عمرو الدانی، و علیه اعتمد فی إلحاق تشدید حرفی كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ [آل عمران: 143] فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ [الواقعة:
65] للبزی لم یرو ذلك غیره، مات فیما أحسب بعید الأربعمائة.
ینظر غایة النهایة (2/ 188).
(2) فی ب: عن.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 630
لما ذكر تاءات البزی: «و قد روی عنه أنه شدد هذا و ما كان مثله فی جمیع القرآن».
ثم قال: «و المعول علیه هذه المواضع بنفسها لا یقاس علیها».
قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة (نعما): «و قالون و أبو بكر و أبو عمرو بكسر النون و إخفاء حركة العین».
ثم قال: «و یجوز إسكانها، و بذلك ورد النص عنهم».
یعنی: عن قالون و أبی بكر و أبی عمرو، ثم قال: «و الأول أقیس».
یعنی: الإخفاء.
[و] ذكر الإمام أنه قرأ أیضا لقالون بالسكون.
و قال الشیخ: «و قد ذكر عنهم الإسكان، و لیس بالجائز».
ثم قال: «و روی عنهم الاختلاس، و هو حسن قریب من الإخفاء».
[و] إنما منع الشیخ الإسكان؛ لأنه یؤدی إلی التقاء الساكنین؛ لأن النون مشددة، و لا شك أن المشدد فی التقدیر من حرفین: الأول ساكن مدغم فی الثانی، و التقاء الساكنین فی مثل هذا قبیح، كما تقدم فی باب الإدغام الكبیر، إلا أن الشیخ حیث أنكر هذا فحقه أن ینكر قراءة حمزة فی آخر الكهف: فَمَا اسْطاعُوا بتشدید الطاء؛ إذ فیه التقاء الساكنین، و قد دار هذا الكلام علی إخفاء الحركة و اختلاسها، فلا بد من معرفة الفرق بینهما؛ إذ لیسا مترادفین، بل هما متقاربان.
و اعلم أن الحرف إما أن یكون للحركة به تعلق أو لا یكون، فإن لم یكن للحركة به تعلق فهو الساكن، و إن تعلقت به الحركة، فإما أن یتعلق به بعضها أو كلها:
فإن تعلق به [بعض] «1» الحركة فهو الذی یسمی إخفاء الحركة، و هو «2» القدر المنطوق به فی الروم عند الوقف.
و فی باب الإدغام [الكبیر] «3»، و فی تَأْمَنَّا [یوسف: 11] علی اختیار الحافظ.
و إن تعلقت الحركة كلها بالحرف، فإما أن تكون ممططة أو غیر ممططة، [و المططة] «4» هی الممكنة المشبعة كالتی تستعمل فی قراءة ورش [و حمزة] «5»، و غیر
______________________________
(1) سقط فی ب.
(2) فی أ: و هذا.
(3) سقط فی ب.
(4) سقط فی أ.
(5) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 631
الممططة هی المختلسة أی: الحركة السریعة، و قد یقال فی الحركة: مشبعة، بمعنی:
أنها موصولة بحرف من جنسها كالضمة فی میم الجمع علی قراءة ابن كثیر، و یقال فیها:
مختلسة، بمعنی: أنها غیر موصولة بحركة الهاء فی (عنه) و (منه) علی قراءة غیر ابن كثیر؛ فحصل من هذا أن النطق ببعض الحركة هو إخفاء الحركة، و النطق بها غیر ممططة هو اختلاسها، و أن الاختلاس أمكن من الإخفاء، و التمطیط هو الإشباع، و هو أمكن من الاختلاس، و لیس بعده إلا إثبات الصلة زائدة علی التمطیط كما أنه لیس دون إخفاء الحركة إلا الإسكان، و الله الحلیم القدیر أعلم بحقائق التقدیر.
قال الحافظ- رحمه الله-: «رُسُلُنا [المائدة: 32] و رُسُلُكُمْ [غافر: 50] و رُسُلُهُمْ [الأعراف: 101] و سُبُلَنا [إبراهیم: 12] إذا كان بعد اللام حرفان».
یعنی فی الخط، و هما: النون و الألف فی رُسُلَنا و سُبُلَنا، و الكاف و المیم فی رُسُلُكُمْ، و الهاء و المیم فی رُسُلُهُمْ.
و إنما قیدته بقولی: «یعنی فی الخط»؛ لأنه قوله تعالی: وَ رُسُلِهِ إذا وصل حصل بعد اللام حرفان فی اللفظ و هما الهاء و صلة حركتها، و هی واو بعد الضمة، و یاء بعد الكسرة، و لیس فی الخط إلا حرف واحد و هو الهاء، و لم یقل أحد عن أبی عمرو: إنه یسكن اللام فی هذا.
و اعلم أن ذكر هذه الترجمة هنا لا وجه له «1»، و إنما موضع ذكرها عند قوله تعالی فی سورة العقود: وَ لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَیِّناتِ [المائدة: 32]، و الله جل جلاله أعلم و أحكم.

سورة آل عمران‌

اشارة

- قال الحافظ- رحمه الله-: فی ترجمة التَّوْراةَ [3]: «و قد قرأت لقالون كذلك».
یعنی أنه قرأ له بالفتح.
و ذكر فی «المفردات» أنه قرأ بالفتح علی شیخه أبی الفتح، و قرأ بین اللفظین علی شیخه أبی الحسن، و عبارته فی «التمهید» أنه قرأ علی أبی الحسن بفتح غیر مسرف،
______________________________
(1) فی ب: لها.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 632
و علی أبی الفتح بالفتح، و لم یذكر الشیخ و الإمام عن قالون فی «التوراة» إلا بین اللفظین.
قال الحافظ- رحمه الله-: «الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ [الآیة: 27] و الْمَیِّتَ مِنَ الْحَیِ [الآیة: 27] و لِبَلَدٍ مَیِّتٍ «1» [الأعراف: 57] إذا كان قد مات».
تحرز بهذا القید عن قوله تعالی: إِنَّكَ مَیِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَیِّتُونَ فی الزمر [الآیة: 30]؛ إذ لم یكن النبی صلی اللّه علیه و سلم وقت نزول الآیة میتا، و كذلك قوله تعالی: وَ ما هُوَ بِمَیِّتٍ فی سورة إبراهیم- علیه السلام- [الآیة: 17].
و هذا القید لا یفیده حصرا حتی یقول: و لا كان وصفا لمؤنث؛ تحرزا من قوله تعالی بَلْدَةً مَیْتاً [الفرقان: 49]، فأما قوله تعالی: وَ إِنْ یَكُنْ مَیْتَةً [الأنعام:
139] و الْمَیْتَةَ وَ الدَّمَ [البقرة: 173] فقد لا یلزمه الاعتراض بهما؛ لكون تاء التأنیث فیهما؛ إذ له أن یقول: ما تكلمت أنا إلا فیما لا تاء فیه.
فالحاصل إذا أن الخلاف الذی ذكر هنا مخصوص بما ذكر من الأمثلة خاصة، و أن قوله: «و شبهه» لا یحرز شیئا، و إنما جری فیه علی عادته.
قال الحافظ- رحمه الله-: «نافع و أبو عمرو ها أَنْتُمْ حیث وقع بالمد من غیر همز».
یرید: من غیر همز محقق، أما قالون و أبو عمرو فیلفظان بألف ساكنة بعد الهاء و بعد الألف همزة ملینة بین بین، و أما ورش فیترك الألف الساكنة و یلفظ بالهمزة الملینة بإثر الهاء.
و قوله «و ورش أقل مدا» یعنی: أقل مدا من قالون و أبی عمرو، و سبب ذلك أنه لیس فی قراءة ورش إلا همزة بین بین خاصة.
و الحافظ یسمی همزة بین بین: مدا، مسامحة؛ لما فیها من شبه الألف، و كذلك فعل غیره.
و أما قالون و أبو عمرو فقراءتهما «2» الألف الساكنة و همزة بین بین فهما حرفان، و الحافظ سماهما معا مدا، و لا شك أن النطق بحرفین أطول من النطق بحرف واحد، و لا سیما و أحد الحرفین حرف مد، و هو الألف الساكنة؛ فلهذا كان ورش أقل مدا.
______________________________
(1) فی ب: إِلی بَلَدٍ.
(2) فی ب: ففی قراءتهما.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 633
و قوله: «و قنبل بالهمز من غیر مد بعد الهاء».
یعنی بالهمز: المحقق، فیقول: (هأنتم) مثل (سألتم).
و قوله: «و الباقون بالمد و الهمز».
یعنی أنهم یلفظون بعد الهاء بألف، و بعد الألف بهمزة محققة، و هم: البزی، و ابن عامر و الكوفیون.
و قوله: «و البزی یقصر المد علی أصله».
یعنی أن أصله إذا كانت الهمزة أول كلمة و حرف المد قبلها آخر كلمة لم یزد فی تمكین حرف المد علی المقدار الذی تتوفر به حقیقته و لا یوصل إلیه إلا به.
و قوله: «فالهاء علی مذهب أبی عمرو و قالون و هشام یحتمل أن تكون للتنبیه، و یحتمل أن تكون مبدلة من همزة».
أما تقدیرها للتنبیه علی مذهب هشام فبین لا خفاء به؛ لأنه یمد الهاء ثم یحقق الهمزة، كما یصنع فی قوله تعالی: إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ [الروم: 25] و ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ [یس: 15] و یا آدَمُ و ما أشبهه.
و أما علی مذهب قالون و أبی عمرو فكان یلزم إذا جعلت هاء التنبیه أن یحقق الهمزة كما فعل هشام، و لیست قراءتهما إلا بتلیین الهمزة كما تقدم، فإنما یتم هذا التقدیر علی مذهبهما بأن یقال: خالفا أصلهما فی هذه الكلمة فیسهلا همزتها «1».
و أما تقدیر الهاء مبدلة من همزة علی مذهب هشام فحسن أیضا؛ لأنه یكون الأصل «أأنتم» مثل قوله تعالی فی البقرة: قُلْ أَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [الآیة: 140] و فی الواقعة أَ أَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ [الآیة: 69] و نحوهما، و عادة هشام فی مثل هذا تحقیق الهمزة الأولی و تسهیل الثانیة بین بین، و جعل ألف «2» بینهما، كما تقدم فی أَ أَنْذَرْتَهُمْ و نحوه، و قد روی عنه فی غیر «التیسیر» أنه یحقق الهمزتین معا و یفصل بینهما بالألف «3»، فلما أبدل من الهمزة الأولی هاء فی هذه الكلمة علی ما تفعله العرب فی قولهم: «إیاك» و «هیاك» و «إیا زید» و «هیا زید» و «أرقت الماء» و «هرقته» «4»، فأبدلوا من الهمزة هاء كما تری، زال بذلك استثقال اجتماع الهمزتین
______________________________
(1) فی ب: همزتهما.
(2) فی ب: الألف.
(3) فی ب: بألف.
(4) فی ب: أهرقته.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 634
فی اللفظ؛ فلزم تحقیق الهمزة الثانیة، و أثبت الألف قبلها كما كان یثبتها قبل البدل.
و أما علی مذهب قالون و أبی عمرو فحسن أیضا؛ فإن أصلهما فی الهمزتین المفتوحتین فی أَ أَنْذَرْتَهُمْ و بابه مثل أصل هشام: یحققان الأولی و یسهلان الثانیة، و یجعلان بینهما ألفا كما تقدم، فیقدر أنهما أبدلا الهمزة الأولی فی هذه الكلمة هاء، كما تقدم، و سهلا الثانیة، و فصلا بالألف كما كانا یفعلان قبل البدل، و كأنهما لم یعتدا بالبدل؛ لأنه عارض، و هشام اعتد به؛ و لذلك حقق الهمزة الثانیة.
و قوله: «و علی مذهب قنبل و ورش لا تكون إلا مبدلة لا غیر».
إنما التزم علی مذهب قنبل أن تكون الهاء مبدلة؛ لأن مذهبه فی الهمزتین نحو:
أَ أَنْذَرْتَهُمْ أن یحقق الأولی و یلین الثانیة بین بین.
و قول الحافظ: لما أبدل قنبل من الهمزة الأولی هاء لم یحتج إلی تلیین الثانیة؛ لأنه إنما كان یلینها فی مثل أَ أَنْذَرْتَهُمْ؛ هربا من اجتماع همزتین فی اللفظ؛ لأنه یحقق الأولی، فلما بطل لفظ الأولی بالبدل زال اجتماع همزتین فزال الثقل؛ فلم یبال بتحقیق الثانیة، و هذا مبنی علی أنه اعتد بالعارض كما فعل هشام فیما تقدم، و لو جعلها علی مذهبه للتنبیه للزم إثبات ألف بین الهاء و الهمزة؛ لأن هاء التنبیه حرف مركب من «هاء» و «ألف» ساكنة مثل: «ما» و «لا».
و أما مذهب ورش فقریب من هذا؛ لأن عادته فی باب أَ أَنْذَرْتَهُمْ أن یحقق الأولی و یبدل الثانیة ألفا فی روایة المصریین، و یجعلها بین بین فی روایة البغدادیین، و هو الأحسن فی العربیة، فلما أبدل الأولی هاء سهل الثانیة بین بین علی القیاس، و لو جعلها للتنبیه للزم إثبات الألف بعد الهاء كما تقدم، و من الناس من یأخذ لورش هنا بإبدال هذه الهمزة ألفا؛ فیكون اللفظ بألف بعد الهاء، و بعد الألف النون الساكنة من أَنْتُمْ؛ فیجب تمكین المد، و هی قراءة ضعیفة، لما فیها من التقاء الساكنین و هما الألف و النون، دون كمال الشرطین المعتبرین فی جواز التقاء الساكنین، كما تقدم فی باب الهمزتین.
و قوله: «و علی مذهب الكوفیین و البزی و ابن ذكوان لا تكون إلا للتنبیه».
یعنی من حیث إنهم حققوا الهمزة و أثبتوا قبلها الألف، أما الكوفیون و ابن ذكوان فأصلهم فی باب أَ أَنْذَرْتَهُمْ تحقیق الهمزتین من غیر فصل، و لم یبالوا بثقل اجتماع الهمزتین فی اللفظ، و إن كان ذلك غیر فصیح فی العربیة، فإذا كانوا
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 635
یتحملون ثقل اجتماع الهمزتین المحققتین من غیر فصل لم یسغ أن یدعی كون الهاء مبدلة علی مذهبهم من همزة؛ إذ لو كان ذلك لم یكن للفصل بالألف وجه، و لم یعارض فی جعلها للتنبیه علی مذهبهم شی‌ء؛ فیكون (هأنتم) بمنزلة إِذْ أَنْتُمْ و ما أَنْتُمْ كما تقدم، و كذلك البزی: لما أثبت الألف فی «ها أَنْتُمْ» لم یحسن أن یتأول علیه كون الهاء مبدلة من همزة؛ لأنه فی باب أَ أَنْذَرْتَهُمْ یحقق الأولی و یسهل الثانیة من غیر فصل، بل یكتفی بتسهیل الثانیة فی «1» اندفاع ثقل اجتماع الهمزتین، فلو قدر أنه جعل الهاء بدلا من همزة لم یحتج إلی الفصل بالألف، فأما إذا قدر أنه جعلها للتنبیه، فیندفع هذا التشعب، و لا یحتاج إثبات الألف و تحقیق الهمزة بعدها إلی تعلیل.
و قوله: «فمن جعلها للتنبیه و میز بین المتصل و المنفصل فی حروف المد لم یزد فی تمكین الألف، سواء حقق الهمزة بعدها أو سهلها».
یعنی بقوله: «میز بین المتصل و المنفصل»: فرق بینهما، فزاد فی المتصل نحو جاءَ و لم یزد فی المنفصل نحو بِما أُنْزِلَ، فمن كان مذهبه هكذا لم یزد فی تمكین الألف فی (هأنتم) إذا جعلها للتنبیه؛ لأنها تكون من قبیل حرف المد المنفصل. و قوله: «سواء حقق الهمزة» یعنی به البزی، و قوله: «أو سهلها»، یعنی به السوسی؛ لأنه یقصر المنفصل، و كذلك قالون علی الخلاف المذكور فی باب المد.
و من هذا الموضع یظهر [لك] «2» ما قدمته أولا من كون قالون و أبی عمرو یقرءان بهمزة ملینة بعد الألف، و أن الحافظ عبر بالمد عن مجموع الحرفین، أعنی الألف و الهمزة الملینة، و هی عبارة مستعملة عندهم، أعنی التعبیر بالمد عن الهمزة الملینة، و من طالع كتابه المسمی ب «الإیضاح» الذی أفرده لبیان أحكام الهمزتین، وجد كل ما قلته فی هذا الفصل.
و قوله: «و من جعلها مبدلة و كان ممن یفصل بالألف زاد فی التمكین، سواء أیضا حقق الهمزة أو لینها».
یعنی بقوله: «من جعلها مبدلة»، أی: من جعل الهاء مبدلة من همزة كما تقدم.
[و قوله]: «و كان ممن یفصل بالألف»، یعنی فی باب أَ أَنْذَرْتَهُمْ.
______________________________
(1) فی أ: من.
(2) سقط فی أ.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 636
و قوله: «زاد فی التمكین» یعنی زاد فی مد الألف؛ و ذلك لأنه یحكم للهمزتین فی باب أَ أَنْذَرْتَهُمْ بحكم الهمزتین فی كلمة واحدة؛ فیكون دخول الألف بینهما من قبیل المد المتصل، و لا خلاف بینهم فی التزام زیادة التمكین لحرف المد المتصل.
و قوله: «سواء أیضا حقق الهمزة» یعنی به هشاما، «أو لینها» یعنی قالون و أبا عمرو.
و قوله: «و هذا كله مبنی علی أصولهم و محصل من مذاهبهم».
یعنی مذاهبهم و أصولهم فی باب المد و باب أَ أَنْذَرْتَهُمْ.
قال الحافظ- رحمه الله-: « [قرأ] ابن كثیر (آن یؤتی) [73] بالمد علی الاستفهام». شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات 636 سورة آل عمران ..... ص : 631
نی أنه یقرأ بهمزة محققة بعدها همزة ملینة علی مذهبه فی باب أَ أَنْذَرْتَهُمْ، فسمی الهمزة المسهلة مدا كما ذكرت لك.
قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة یَؤُدُهُ [75]: «و كذا روی الحلوانی عن هشام فی الباب كله».
یعنی: روی الاختلاس مثل قالون، و تقییده هذه الروایة للحلوانی یفهم أنه روی عن هشام غیر ذلك، و هو أن یقرأ بإشباع المد كالباقین.
و ذكر فی المفردات هذه الألفاظ التی ذكر هنا، و ذكر معها یَأْتِهِ [طه: 75] و وَ یَتَّقْهِ [النور: 52] و فَأَلْقِهْ [النمل: 28] و شبهه، و هذا عنی بقوله فی «التیسیر» «فی الباب كله».
ثم قال فی «المفردات»: «إنه قرأ علی أبی الفتح عن قراءته علی عبد الله ابن الحسین باختلاس الكسرة فی حال الوصل».
قال: «و كذا رواه الحلوانی عنه منصوصا»، ثم قال: «و قرأت له ذلك علی أبی الحسن عن قراءته بإشباع الكسرة كابن ذكوان».
قال العبد: «و إسناد قراءته بروایة هشام فی «التیسیر» إنما هی عن أبی الفتح عن عبد الله بن الحسین.
و لم یذكر الشیخ و الإمام عن هشام إلا إشباع الحركة.
قوله تعالی: (و ما تفعلوا من خیر فلن تكفروه) قرأهما أبو عمرو بالتاء معجمة من فوق، و قال الشیخ عن أبی عمرو: إنه خیر بین التاء و الیاء، و أن المشهور عنه التاء المعجمة من فوق.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 637
قال الحافظ- رحمه الله-: « [قرأ] هشام من قراءتی علی أبی الفتح: (و لا یحسبن الذین قتلوا) [آل عمران: 169] بالیاء».
تقییده هذه الروایة بقراءته علی أبی الفتح یقتضی أنه قرأ علی غیره بالتاء المعجمة من فوق مثل الجماعة، و كذلك ذكر فی «المفردات» أنه قرأ بالیاء المعجمة من أسفل علی أبی الفتح عن قراءته علی عبد الباقی و أبی طاهر الأنطاكی «1»، ثم قال: «و قرأت علی أبی الحسن و أبی الفتح من طریق عبد الله بالتاء المعجمة من فوق».

تنبیه‌

أسند الحافظ فی «التیسیر» قراءته بروایة هشام عن أبی الفتح عن عبد الله بن الحسین، و هذا یوهم الناظر أنه قرأ علی عبد الله هذا الحرف بالیاء المعجمة من أسفل؛ لقوله حین ذكر الحرف: «إنه قرأه علی أبی الفتح بالیاء» و الله سبحانه أعلم.
و لیس عن الشیخ و الإمام فی هذا الحرف عن هشام إلا التاء المعجمة من فوق كالجماعة، و الله سبحانه تبارك اسمه و تعالی الموفق، و لا حول و لا قوة إلا به.

سورة الأنعام‌

ذكر الشیخ فی ترجمة أَ رَأَیْتَكُمْ [40]: و قد قیل عن ورش: إنه یبدلها ألفا، و هو أحری فی الروایة؛ لأن النقل و المشافهة إنما هو بالمد عنه، و تمكین المد إنما یكون مع البدل، و جعلها بین بین أقیس علی أصول العربیة. و ذكر فی كتاب التنبیه أنه قرأ بالوجهین لورش «2»، و مذهب الحافظ و الإمام عن ورش إنما هو بین بین كقالون لا غیر.
______________________________
(1) محمد بن الحسن بن علی، أبو طاهر الأنطاكی، إمام كبیر مقرئ شهیر، نزل مصر، أخذ القراءة عرضا عن- جامع البیان و الكامل- إبراهیم بن عبد الرزاق، و هو من جلة أصحابه و أثبت الناس عن عتیق بن عبد الرحمن، روی القراءة عنه عرضا علی بن داود الدارانی و سماعا أبو الطیب بن غلبون و- جامع البیان- فارس بن أحمد و عبید الله بن مسلمة المكتب، و عرض علیه أیضا أبو العباس بن نفیس و- الكفایة الكبری- أبو علی الرهاوی، و روی عنه علی بن محمد الجنانی، قال الدانی: خرج من مصر إلی الشام فتوفی فی منصرفه قبل سنة ثمانین و ثلاثمائة.
قلت- ابن الجزری-: و انقلب علی أبی العز فسماه الحسن بن محمد.
ینظر غایة النهایة (2/ 118).
(2) یجوز نقل حركة همزة الاستفهام إلی لام (قل)، و تحذف الهمزة تخفیفا، و هی قراءة ورش، و هو تسهیل مطرد. و (أرأیتكم) هذه بمعنی: أخبرونی، و لها أحكام تختص بها، اضطربت أقوال الناس فیها و انتشر خلافهم؛ فلا بد من التعرض لذلك فأقول: (أ رأیت) إن كانت-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 638
______________________________
- البصریة، أو العلمیة الباقیة علی معناها، أو التی لإصابة الرئة، كقولهم: رأیت الطائر، أی:
أصبت رئته- لم یجز فیها تخفیف الهمزة التی هی عینها، بل تحقق لیس إلا، أو تسهل بین بین من غیر إبدال و لا حذف، و لا یجوز أن یلحقها كاف علی أنها حرف خطاب، بل إن لحقتها كاف كانت ضمیرا مفعولا أول، و یكون مطابقا لما یراد به من تذكیر و تأنیث و إفراد و تثنیة و جمع، و إذا اتصلت بها تاء خطاب لزم مطابقتها لما یراد بها مما ذكر، و تكون ضمیرا فاعلا نحو: أ رأیتم، أرأیتما، و یدخلها التعلیق و الإلغاء. و إن كانت العلمیة التی ضمنت معنی: أخبرنی، اختصت بأحكام أخر، منها: أنه یجوز تسهیل همزتها بإبدالها ألفا، و هی مرویة عن نافع من طریق ورش، و النحاة یستضعفون إبدال هذه الهمزة ألفا، بل المشهور عندهم تسهیلها بین بین، و هی الروایة المشهورة عن نافع، لكنه قد نقل الإبدال المحض قطرب و غیره من اللغویین. قال بعضهم: هذا غلط علیه، أی: علی نافع، و سبب ذلك أنه یؤدی إلی الجمع بین ساكنین؛ فإن الیاء بعدها ساكنة. و نقل أبو عبید القاسم بن سلام عن أبی جعفر و نافع و غیرهما من أهل المدینة أنهم یسقطون الهمزة، و یدعون أن الألف خلف منها.
قلت: و هذه العبارة تشعر أن هذه الألف لیست بدلا عن الهمزة، بل جی‌ء بها عوضا عن الهمزة الساقطة. و قال مكی بن أبی طالب: (و قد روی عن ورش إبدال الهمزة ألفا؛ لأن الروایة عنه أن یمد الثانیة، و المد لا یتمكن إلا مع البدل، و حسّن جواز البدل فی الهمزة، و بعدها ساكن: أن الأول حرف مد و لین؛ فالمد الذی یحدث مع السكون یقوم مقام حركة یتوصل بها إلی النطق بالساكن).
و منها أن تحذف الهمزة التی هی عین الكلمة، و بها قرأ الكسائی، و هی فاشیة نظما و نثرا، فمن النظم قوله:
أریت أن جاءت به أملودامرجلا و یلبس المرودا أ قائلن أحضروا الشهودا و قال آخر:
أریتك إذ هنّا علیك أ لم تخف‌رقیبا، و حولی من عدوك حضّر و أنشد الكسائی لأبی الأسود:
أریت امرأ كنت لم أبله‌أتانی فقال: اتخذنی خلیلا و زعم الفراء أن هذه اللغة لغة أكثر العرب، قال: فی «أ رأیت» لغتان و معنیان، أحدهما:
أن تسأل الرجل: أ رأیت زیدا، أی: أعلمت، فهذه مهموزة، و ثانیها: أن تقول: أ رأیت، بمعنی: أخبرنی، فهاهنا تترك الهمزة إن شئت، و هذا أكثر كلام العرب یومئ إلی ترك الهمزة للفرق بین المعنیین. انتهی. و فی كیفیة حذف هذه الهمزة ثلاثة أوجه:
أحدها- و هو الظاهر-: أنه استثقل الجمع بین همزتین فی فعل اتصل به ضمیر، فخففه بإسقاط إحدی الهمزتین، و كانت الثانیة أولی؛ لأنها حصل بها الثقل، و لأن حذفها ثابت فی مضارع هذا الفعل، نحو: أری، و نری، و یری، و لأن حذف الأولی یخل بالتفاهم؛ إذ هی للاستفهام.-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 639
______________________________
- و الثانی: أنه أبدل الهمزة ألفا، كما فعل نافع فی روایة ورش، فالتقی ساكنان، فحذف أولهما و هو الألف.
و الثالث: أنه أبدلها یاء، ثم سكنها، ثم حذفها لالتقاء الساكنین، قاله أبو البقاء، و فیه بعد. ثم قال: و قرب ذلك فیها حذفها فی مستقبل هذا الفعل. یعنی فی (تری) و بابه.
و رجح بعضهم مذهب الكسائی بأن الهمزة قد اجترئ علیها بالحذف و أنشد:
إن لم أقاتل فالبسونی برقعا و أنشد لأبی الأسود:
یا با المغیرة، رب أمر معضل‌فرجته بالمكر عنی، و الدّها و قولهم: و یلمه، و قوله:
و یلمها خلة قد سیط من دمهافجع و ولع و إخلاف و تبدیل و أنشد أیضا قول الآخر:
و من را مثل مقداد بن سعدإذا ما النسع طال علی المطیة أی: و من رأی.
و منها: ألا یدخلها تعلیق و لا إلغاء؛ لأنها بمعنی: أخبرنی، و «أخبرنی» لا تعلق عند الجمهور، قال سیبویه: (و تقول: أرأیتك «زیدا»؛ أبو من هو، لا یحسن فیه إلا النصب فی زید. أ لا تری أنك لو قلت: أ رأیت أبو من أنت، لم یحسن؛ لأن فیه معنی «أخبرنی» عن زید، و صار الاستفهام فی موضع المفعول الثانی؟!) و قد خالف سیبویه غیره من النحویین، و قالوا: كثیرا ما تعلق (أ رأیت)، و فی القرآن من ذلك كثیر، و استدلوا بهذه الآیة التی نحن فیها، و بقوله: أَ رَأَیْتَ إِنْ كَذَّبَ وَ تَوَلَّی، أَ لَمْ یَعْلَمْ [العلق: 13، 14] و بقوله:
أریت إن جاءت به أملودا؟
و هذا لا یرد علی سیبویه، و سیأتی تأویل ذلك قریبا.
و منها: أنها تلحقها التاء، فیلتزم إفرادها و تذكیرها، و یستغنی عن لحاق علامة الفروع بها بلحاقها بالكاف، بخلاف التی لم تضمن معنی: أخبرنی، فإنها تطابق فیها- كما تقدم- ما یراد بها.
و منها: أنه یلحقها كاف هی حرف خطاب یطابق ما یراد بها من إفراد و تذكیر و ضدیهما.
و هل هذه التاء فاعل، و الكاف حرف خطاب یبین أحوال التاء، كما بینته؟ إذا كانت ضمیرا- أو التاء حرف خطاب، و الكاف هی الفاعل، و استعیر ضمیر النصب فی مكان ضمیر الرفع؟
أو التاء فاعل أیضا، و الكاف ضمیر فی موضع المفعول الأول؟ ثلاثة مذاهب مشهورة- الأول: قول البصریین، و الثانی: قول الفراء، و الثالث: قول الكسائی، و لنقتصر علی بعض أدلة كل فریق، قال أبو علی: قولهم: أرأیتك زیدا ما فعل، بفتح التاء فی جمیع الأحوال، فالكاف لا یخلو أن یكون للخطاب مجردا، و معنی الاسمیة مخلوع منه، أو یكون دالا علی الاسم مع دلالته علی الخطاب، و لو كان اسما لوجب أن یكون الاسم الذی بعده هو هو؛ لأن هذه الأفعال مفعولها الثانی هو الأول فی المعنی، لكنه لیس به؛ فتعین أن یكون مخلوعا منه الاسمیة، و إذا ثبت أنه للخطاب معرّی من الاسمیة،-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 640
______________________________
- ثبت أن التاء لا تكون لمجرد الخطاب؛ أ لا تری أنه لا ینبغی أن تلحق الكلمة علامتا خطاب كما لا یلحقها علامتا تأنیث، و لا علامتا استفهام؟! فلما لم یجز ذلك أفردت التاء فی جمیع الأحوال؛ لما كان الفعل لا بدّ له من فاعل، و جعل فی جمیع الأحوال علی لفظ واحد؛ استغناء بما یلحق الكاف، و لو لحق التاء علامة الفروع لاجتمع علامتان للخطاب مما كان یلحق التاء، و مما كان یلحق الكاف؛ فلما كان ذلك یؤدی إلی ما لا نظیر له رفض، و أجری علی ما علیه سائر كلامهم.
و قال الزجاج بعد حكایته مذهب الفراء: و هذا القول لم یقله النحویون القدماء، و هو خطأ لأن قولك: «أ رأیت زیدا ما شأنه» لو تعدت الرؤیة إلی الكاف و إلی زید، لصار المعنی: أ رأیت نفسك زیدا ما شأنه، و هذا محال. ثم ذكر مذهب البصریین. و قال مكی ابن أبی طالب- بعد حكایته مذهب الفراء-: و هذا محال؛ لأن التاء فی الكاف فی (أرأیتكم) فكان یجب أن تظهر علامة جمع التاء، و كان یجب أن یكون فاعلان لفعل واحد، و هما لشی‌ء واحد، و یجب أن یكون معنی قولك: أرأیتك زیدا ما صنع، أ رأیت نفسك زیدا ما صنع؛ لأن الكاف هو المخاطب، و هذا محال فی المعنی، و متناقض فی الإعراب و المعنی؛ لأنك تستفهم عن نفسه فی صدر السؤال ثم ترد السؤال إلی غیره فی آخره، و تخاطبه أولا، ثم تأتی بغائب آخر، أو لأنه یصیر ثلاثة مفعولین ل (رأیت)، و هذا كله لا یجوز. و لو قلت: أرأیتك عالما بزید، لكان كلاما صحیحا، و قد تعدی (رأی) إلی مفعولین. و قال أبو البقاء- بعد ما حكی مذهب البصریین-: و الدلیل علی ذلك أنها- أی: الكاف- لو كانت اسما لكانت إما مجرورة، و هو باطل؛ إذ لا جار هنا، و إما مرفوعة، و هو باطل أیضا؛ لأمرین:
أحدهما: أن الكاف لیست من ضمائر الرفع.
و الثانی: أنها لا رافع لها؛ إذ لیست فاعلا؛ لأن التاء فاعل، و لا یكون لفعل واحد فاعلان، و إما أن تكون منصوبة؛ و ذلك باطل لثلاثة أوجه:
أحدها: أن هذا الفعل یتعدی إلی مفعولین، كقولك: أ رأیت زیدا ما فعل، فلو جعلت الكاف مفعولا لكان ثالثا.
و الثانی: أنه لو كان مفعولا لكان هو الفاعل فی المعنی، و لیس المعنی علی ذلك؛ إذ لیس الغرض: أ رأیت نفسك، بل أ رأیت غیرك؛ و لذلك قلت: أرأیتك زیدا، و زید غیر المخاطب، و لا هو بدل منه.
و الثالث: أنه لو كان منصوبا علی أنه مفعول، لظهرت علامة التثنیة و الجمع و التأنیث فی التاء، فكنت تقول: أرأیتماكما، أرأیتموكم، أرأیتكن. ثم ذكر مذهب الفراء، ثم قال: و فیما ذكرنا إبطال لمذهبه.
و قد انتصر أبو بكر ابن الأنباری لمذهب الفراء، بأن قال: لو كانت الكاف توكیدا لوقعت التثنیة و الجمع بالتاء، كما یقعان بها عند عدم الكاف؛ فلما فتحت التاء فی خطاب الجمع، و وقع میم الجمع لغیرها، كان ذلك دلیلا علی أن الكاف غیر توكید؛ أ لا تری أن الكاف لو سقطت لم یصلح أن یقال لجماعة: أریت؟! فوضح بهذا انصراف الفعل إلی الكاف، و أنها واجبة لازمة مفتقر إلیها. و هذا الذی قاله ابن الأنباری باطل بالكاف اللاحقة لاسم الإشارة؛-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 641
قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة رَأی كَوْكَباً [الآیة: 76]: «و استثنی
______________________________
- فإنها یقع علیها میم الجمع، و مع ذلك هی حرف. و قال الفراء: موضع الكاف نصب، و تأویلها رفع؛ لأن الفعل یتحول عن التاء إلیها، و هی بمنزلة الكاف فی (دونك) إذا أغری بها، كما تقول: دونك زیدا، فتجد الكاف فی اللفظ خفضا، و فی المعنی رفعا؛ لأنها مأمورة؛ فكذلك هذه الكاف موضعها نصب، و تأویلها رفع.
قلت: و هذه الشبهة باطلة بما تقدم، و الخلاف فی: دونك، و إلیك، و بابهما مشهور.
و قال الفراء أیضا كلاما حسنا رأیت أن أذكره؛ فإنه متین نافع، قال: للعرب فی (أ رأیت) لغتان، و معنیان:
أحدهما: رؤیة العین، فإذا أردت هذا عدیت الرؤیة بالضمیر إلی المخاطب، و یتصرف تصرف سائر الأفعال، تقول للرجل: أرأیتك علی غیر هذه الحال؟ ترید: هل رأیت نفسك، ثم تثنی و تجمع، فتقول: أرأیتكما، أرأیتكم، أرأیتكن.
و المعنی الآخر: أن تقول: أرأیتك، و أنت ترید معنی: أخبرنی، كقولك: أرأیتك إن فعلت كذا ما ذا تفعل؟ أی: أخبرنی، و تترك التاء إذا أردت هذا المعنی موحدة علی كل حال، تقول: أرأیتكما، أرأیتكم، أرأیتكن، و إنما تركت العرب التاء واحدة؛ لأنهم لم یریدوا أن یكون الفعل واقعا من المخاطب علی نفسه؛ فاكتفوا من علامة المخاطب بذكره فی الكاف، و تركوا التاء علی التذكیر و التوحید، إذا لم یكن الفعل واقعا.
قال: و الرؤیة من الأفعال الناقصة التی یعدّیها المخاطب إلی نفسه بالمكنی مثل:
ظننتنی، و رأیتنی، و لا یقولون ذلك فی الأفعال التامة، لا یقولون للرجل: قتلتك، بمعنی: قتلت نفسك، و لا أحسنت إلیك، كما یقولون: متی تظنك خارجا، و ذلك أنهم أرادوا الفصل بین الفعل الذی قد یلغی، و بین الفعل الذی لا یجوز إلغاؤه؛ أ لا تری أنك تقول: أنا- أظن- خارج، فتخلی (أظن)، و قال الله تعالی: أَنْ رَآهُ اسْتَغْنی [العلق: 7] و لم یقل: رأی نفسه، و قد جاء فی ضرورة الشعر إجراء الأفعال التامة مجری النواقص، قال جران العود:
لقد كان لی عن ضرتین عدمتنی‌و عما ألاقی منهما متزحزح و العرب تقول: عدمتنی، و وجدتنی، و فقدتنی، و لیس بوجه الكلام انتهی.
و اعلم أن الناس اختلفوا فی الجملة الاستفهامیة الواقعة بعد المنصوب ب (أرأیتك) نحو:
أرأیتك زیدا ما صنع، فالجمهور علی أن (زیدا) مفعول أول، و الجملة بعده فی محل نصب سادة مسد المفعول الثانی. و قد تقدم أنه لا یجوز التعلیق فی هذه، و إن جاز فی غیرها، من أخواتها، نحو: علمت زیدا أبو من هو.
و قال ابن كیسان: إن الجملة الاستفهامیة فی: أرأیتك زیدا ما صنع، بدل من (أرأیتك).
و قال الأخفش: إنه لا بد بعد (أ رأیت) التی بمعنی: أخبرنی، من الاسم المستخبر عنه، و یلزم الجملة التی بعده الاستفهام؛ لأن «أخبرنی» موافق لمعنی الاستفهام، و زعم أیضا أنها تخرج عن بابها فتكون بمعنی: أما أو تنبه، و حینئذ لا یكون لها مفعولان، و لا مفعول واحد، و جعل من ذلك: أَ رَأَیْتَ إِذْ أَوَیْنا إِلَی الصَّخْرَةِ فَإِنِّی نَسِیتُ الْحُوتَ [الكهف: 63]، و هذا ینبغی ألا یجوز؛ لأنه إخراج للفظة عن موضوعها من غیر داع إلی ذلك. ینظر: الدر المصون (3/ 55- 58).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 642
النقاش ...» إلی آخره.
هذا الاستثناء لم یذكره الشیخ و لا الإمام».
قال الحافظ- رحمه الله-: «و قد روی عن أبی شعیب مثل حمزة».
یعنی إمالة فتحة الراء و الهمزة، و لم یذكر الشیخ و الإمام هذه الروایة عن أبی شعیب.
قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة رَأَی الْقَمَرَ [الآیة: 77]: «و قد روی خلف عن یحیی» إلی قوله: «و كلّ صحیح معمول به».
لم یذكر الشیخ و الإمام شیئا من هذا كله.
قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة: أَ تُحاجُّونِّی [80]: «بخلاف عن هشام»، و ذكر فی «المفردات» أنه قرأ بالتشدید علی فارس، و بالتخفیف علی أبی الحسن، و قال: «و به آخذ».
و لم یذكر الشیخ و الإمام التشدید هنا عن هشام، و الله القدوس السلام هو الحكیم العلام.

سورة الأعراف‌

قال الحافظ- رحمه الله- «قنبل: قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ «1» [الآیة: 123] یبدل
______________________________
(1) اختلف القراء فی هذا الحرف هنا، و فی «طه»، و فی الشعراء: فبعضهم جری علی منوال واحد، و بعضهم قرأ فی موضع بشی‌ء لم یقرأ به فی غیره. فأقول: إن القراء فی ذلك علی أربع مراتب:
الأولی: قراءة الأخوین و أبی بكر عن عاصم، و هی بتحقیق الهمزتین فی السور الثلاث من غیر إدخال ألف بینهما، و هو استفهام إنكار، و أما الألف الثالثة فالكل یقرءونها كذلك؛ لأنها هی فاء الكلمة، أبدلت لسكونها بعد همزة مفتوحة؛ و ذلك أن أصل هذه الكلمة:
أأأمنتم، بثلاث همزات: الأولی للاستفهام، و الثانیة همزة «أفعل»، و الثالثة فاء الكلمة، فالثالثة یجب قلبها ألفا؛ لما عرفته أول هذا الموضوع، و أما الأولی فمخففة لیس إلا، و أما الثانیة فهی التی فیها الخلاف بالنسبة إلی التحقیق و التسهیل.
الثانیة: قراءة حفص، و هی: (آمنتم) بهمزة واحدة، بعدها الألف المشار إلیها فی جمیع القرآن. و هذه القراءة تحتمل الخبر المحض المتضمن للتوبیخ، و تحتمل الاستفهام المشار إلیه، و لكنه حذف لفهم المعنی، و لقراءة الباقین.
الثالثة: قراءة نافع و أبی عمرو و ابن عامر و البزی عن ابن كثیر، و هی تحقیق الأولی، و تسهیل الثانیة بین بین و الألف المذكورة، و هو استفهام إنكار، كما تقدم.
الرابعة: قراءة قنبل عن ابن كثیر، و هی التفرقة بین السور الثلاث، و ذلك أنه قرأ فی هذه-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 643
فی حال الوصل من همزة الاستفهام واوا مفتوحة».
إنما فعل هذا من أجل ضمة النون، و هكذا هو أصل التسهیل فی الهمزة المفتوحة بعد الضمة.
و قوله: «و یمد بعدها مدة فی تقدیر ألفین».
یعنی أنه یلفظ بعد الواو بهمزة ملینة، و بعد الهمزة الملینة ألف ساكنة، فسمی مجموع الحرفین مدة علی ما تقدم فی (هأنتم)، و كذا قوله: «و الباقون علی الاستفهام بهمزة و مدة مطولة بعدها فی تقدیر ألفین» یعنی بالباقین: نافعا و البزی و أبا عمرو و ابن عامر، كلهم حققوا همزة الاستفهام و سهلوا الهمزة التی بعدها و أثبتوا الألف ساكنة بعد الهمزة الملینة، فعبر عن الهمزة الملینة و الألف بمدة فی تقدیر ألفین.
و قوله: «و لم یدخل أحد منهم ألفا بین الهمزة المحققة و الملینة».
یعنی: لم یدخل قالون و أبو عمرو و هشام بین همزة الاستفهام و الهمزة المسهلة ألفا فی هذه المواضع، یعنی هنا و فی «طه» و فی الشعراء، بخلاف ما فعلوا فی باب أَ أَنْذَرْتَهُمْ؛ لأنهم أرادوا فی باب أَ أَنْذَرْتَهُمْ بإدخال الألف بین الهمزة المحققة و الملینة: أن یزیلوا ثقل اجتماع الهمزتین و إن كانت إحداهما مسهلة، و امتنعوا هنا من ذلك؛ لما عرض لهم من ثبوت الألف بعد الهمزة الملینة، فلو أدخلوا ألفا لوقعت الهمزة الملینة بین ألفین ساكنتین و هی مشبهة للألف؛ فكأن ذلك یشبه اجتماع ثلاث ألفات بعد الهمزة المحققة، و ذلك یشبه اجتماع أربع ألفات، و الله جل ذكره و عز أمره أعلم و أحكم.
______________________________
- السورة حال الابتداء ب (أ آمنتم) بهمزتین، أولاهما محققة، و الثانیة مسهلة بین بین، و ألف بعدها، كقراءة رفیقه البزی. و حال الوصل یقرأ: (قال فرعون و آمنتم) بإبدال الأولی واوا، و تسهیل الثانیة بین بین و ألف بعدها؛ و ذلك أن الهمزة إذا كانت مفتوحة بعد ضمة جاز إبدالها واوا، سواء كانت الضمة و الهمزة فی كلمة واحدة، نحو: جؤن و (یؤاخذكم) و (مؤجلا)، أم فی كلمتین، كهذه الآیة، و قد فعل مثل ذلك أیضا فی سورة الملك فی قوله: إِلَیْهِ النُّشُورُ و أَ أَمِنْتُمْ [الملك: 15، 16]، فأبدل الهمزة الأولی واوا؛ لانضمام ما قبلها حال الوصل. و أما فی الابتداء فیخففها؛ لزوال الموجب لقلبها، إلا أنه لیس فی سورة الملك ثلاث همزات.
ینظر الدر المصون (3/ 323- 324).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 644

سورة براءة

قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة أَئِمَّةَ [الآیة: 12]: «و أدخل هشام- من قراءتی علی أبی الفتح- بینهما ألفا «1»».
______________________________
(1) قرأ نافع و ابن كثیر و أبو عمرو: (أئمة) بهمزتین ثانیتهما مسهلة بین بین و لا ألف بینهما.
و الكوفیون و ابن ذكوان عن ابن عامر بتخفیفهما من غیر إدخال ألف بینهما، و هشام كذلك إلا أنه أدخل بینهما ألفا. هذا هو المشهور بین القراء السبعة، و نقل الشیخ عن نافع و من معه، أنهم یبدلون الثانیة یاء صریحة، و أنه قد نقل عن نافع المد بینهما، أی: بین الهمزة و الیاء.
فأما قراءة التحقیق و بین بین، فقد ضعفها جماعة من النحویین كأبی علی الفارسی و تابعیه، و من القراء أیضا من ضعف التحقیق مع روایته له، و قراءته به لأصحابه. و منهم من أنكر التسهیل بین بین؛ فلم یقرأ به لأصحاب التخفیف، و قرءوا بیاء خفیفة الكسر، نصوا علی ذلك فی كتبهم.
و أما القراءة بالیاء فهی التی ارتضاها الفارسی و هؤلاء الجماعة؛ لأن النطق بالهمزتین فی كلمة واحدة ثقیل، و همزة بین بین بزنة المخففة. و الزمخشری جعل القراءة بصریح الیاء لحنا، و تحقیق الهمزتین غیر مقبول عند البصریین، قال: (فإن قلت: كیف لفظ (أئمة)؟، قلت: بهمزة بعدها همزة بین بین، أی: بین مخرج الهمزة و الیاء، و تحقیق الهمزتین قراءة مشهورة، و إن لم تكن مقبولة عند البصریین. و أما التصریح بالیاء فلا یجوز أن تكون، و من قرأ بها فهو لاحن محرف) قال الشیخ: (و ذلك دأبه فی تلحین المقرئین، و كیف تكون لحنا، و قد قرأ بها رأس النحاة البصریین: أبو عمرو بن العلاء، و قارئ أهل مكة ابن كثیر، و قارئ أهل المدینة نافع؟!).
قلت: لا ینقم علی الزمخشری شی‌ء؛ فإنه إنما قال: إنها غیر مقبولة عند البصریین، و لا یلزم من ذلك أنه لا یقبلها، غایة ما فی الباب أنه نقل علی غیره. و أما التصریح بالیاء، فإنه معذور فیه؛ لأنه- كما قدمت لك- إنما اشتهر بین القراء التسهیل بین بین لا الإبدال المحض، حتی إن الشاطبی جعل ذلك مذهبا للنحویین لا للقراء، فالزمخشری إنما اختار مذهب القراء لا مذهب النحاة فی هذه اللفظة.
و قد رد أبو البقاء قراءة التسهیل بین بین، فقال: (و لا یجوز هنا أن تجعل بین بین، كما جعلت همزة (أئذا)؛ لأن الكسرة هنا منقولة و هناك أصلیة، و لو خففت الهمزة الثانیة هنا علی القیاس لقلبت ألفا؛ لانفتاح ما قبلها، و لكن ترك ذلك؛ لتتحرك بحركة المیم فی الأصل). قلت: قوله: (منقولة) لا یفید؛ لأن النقل هنا لازم، فهو كالأصل. و قوله:
(و لو خففت علی القیاس ... إلی آخره) لا یفید أیضا؛ لأن الاعتبار بالإدغام سابق علی الاعتبار بتخفیف الهمزة. و لذلك موضع یضیق هذا الموضع عنه.
و وزن أئمة: أفعلة؛ لأنها جمع «إمام»، كحمار و أحمرة، و الأصل: أأممة، فالتقی میمان، فأرید إدغامهما، فنقلت حركة المیم الأولی للساكن قبلها، و هو الهمزة الثانیة؛ فأدی ذلك إلی اجتماع همزتین ثانیتهما مكسورة: فالنحویون البصریون یوجبون إبدال الثانیة یاء، و غیرهم یحقق أو یسهل بین بین. و من أدخل الألف فللخفة حتی یفرق بین الهمزتین، و الأحسن حینئذ أن یكون ذلك فی التحقیق كما قرأ هشام. و أما ما رواه-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 645
هذه قراءة الحافظ علی شیخه أبی الفتح فارس بن أحمد عن قراءته علی عبد الباقی بن الحسن، و ذكر فی المفردات فی باب الهمزتین أنه قرأ علی شیخه أبی الحسن، و علی أبی الفتح أیضا عن قراءته علی عبد الله بن الحسین «1» البغدادی بغیر ألف.
و لم یذكر الشیخ و الإمام عن هشام إدخال الألف فی أَئِمَّةَ و لا فی باب الهمزتین إلا فی المواضع السبعة خاصة، علی ما تقدم.
قال الحافظ- رحمه الله-: « [قرأ] عاصم و الكسائی: (عزیز) [30] بالتنوین و كسره».
وجه هذه القراءة أن یكون (عزیز) مبتدأ و (ابن) خبره، ثم كسر التنوین لالتقاء الساكنین و هما التنوین و الباء.
و قوله: «و لا یجوز ضمه فی مذهب الكسائی؛ لأن ضمة التنوین «2» ضمة إعراب فهی غیر لازمة لانتقالها».
إنما اعتذر عن مذهب الكسائی فی منع تحریك التنوین بالضم؛ لأن الكسائی یضم التنوین إذا لقیه ساكن و كان بعد ذلك الساكن ضمة لازمة كقوله تعالی: بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا [الأعراف: 49] و مُبِینٍ اقْتُلُوا [یوسف: 8- 9] و خَبِیثَةٍ اجْتُثَّتْ [إبراهیم: 26] فیحرك التنوین بالضم اتباعا للضمة التی بعده، و كذلك یفعل متی عرض له التقاء الساكنین من كلمتین، و كان بعد الثانی ضمة «3» لازمة نحو: وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ [الأنعام: 10]، وَ قالَتِ اخْرُجْ [یوسف: 31]، فلما تقرر هذا من مذهبه قدر الحافظ أن یقال: و ما منعه من ضم التنوین هنا، و قد وقع بعد الباء الساكنة حرف مضموم و هو النون؟ فقال: «لأن ضمة النون عارضة؛ لكونها للإعراب، و لیست بلازمة، بخلاف ضمة الخاء فی قوله تعالی بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا، و التاء فی قوله تعالی: خَبِیثَةٍ اجْتُثَّتْ، فلم یجعل الكسائی الحركة التی تعرض للإعراب كالحركة
______________________________
- الشیخ عن نافع من المد مع نقله عنه أنه یصرح بالیاء فللمبالغة فی الخفة.
ینظر: الدر المصون (450- 451).
(1) فی أ: الحسن. و المثبت كما فی النهایة.
(2) فی ب: النون.
(3) زاد فی أ: غیر.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 646
اللازمة فی بنیة الكلمة؛ فلذلك كسر هنا علی رعی التقاء الساكنین و لم یضم».
و إنما خص الحافظ هذا الاعتذار بقراءة الكسائی دون قراءة عاصم؛ لأن مذهب عاصم الكسر فی جمیع ما ذكر، سواء كانت الضمة بعد الساكن لازمة أو عارضة، إنما یحرك أبدا فی مثل هذا بالكسر علی رعی أصل التقاء الساكنین.
قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة هارٍ [109] «و النقاش عن الأخفش بالفتح».
هذا التقیید یقتضی إثبات الإمالة أیضا عن ابن ذكوان.
و قال فی «المفردات»: «و اتفق قالون و ابن ذكوان علی إمالة فتحة الهاء فی قوله- عز و جل- فی التوبة: هارٍ، علی أن الفارسی أقرأنی ذلك عن قراءته علی النقاش عن الأخفش بإخلاص الفتح، [و الذی] «1» نص علیه الأخفش فی كتابه الإمالة الیسیرة». انتهی.
و لم یذكر الشیخ و الإمام هنا عن ابن ذكوان إلا الإمالة خاصة، و الله عز و علا و تبارك أعلم.

سورة یونس‌

قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة (و لا أدریكم به) «2» [الآیة: 16]:
______________________________
(1) سقط فی أ.
(2) و قرأ ابن كثیر عن البزی: (و لأدراكم) بلام داخلة علی (أدراكم) مثبتا، و المعنی: و لأعلمكم به من غیر وساطتی إما بواسطة ملك أو رسول غیری من البشر، و لكنه خصنی بهذه الفضیلة، و قراءة الجمهور (لا) فیها مؤكدة؛ لأن المعطوف علی المنفی منفی، و لیست (لا) هذه هی التی ینفی بها الفعل؛ لأنه لا یصح نفی الفعل بها إذا وقع جوابا، و المعطوف علی الجواب جواب، و لو قلت: لو كان كذا لا كان كذا، لم یجز، تقول: ما كان كذا، و قرأ ابن عباس، و الحسن، و ابن سیرین، و أبو رجاء: (و لا أدرأكم) بهمزة ساكنة بعد الراء، و فی هذه القراءة تخریجان:
أحدهما: أنها مبدلة من ألف، و الألف منقلبة عن یاء؛ لانفتاح ما قبلها، و هی لغة لعقیل، حكاها قطرب، یقولون فی «أعطیتك»: «أعطاتك»، و قال أبو حاتم: قلب الحسن الیاء ألفا كما فی لغة بنی الحرث، یقولون: علاك و إلاك، ثم همز علی لغة من قال فی العالم: العألم. و قیل: بل أبدلت الهمزة من نفس الیاء (لبّأت بالحج)، و (رثأت فلانا) أی: لبّیت و رثیت.
و الثانی: أن الهمزة أصلیة و أن اشتقاقه من الدرء و هو الدفع، كقوله: (و یدرأ عنها العذاب) [النور: 8] و یقال: (أدرأته)، أی: جعلته داریا، و المعنی: و لأجعلنكم بتلاوته-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 647
«و كذلك روی النقاش عن أبی ربیعة عن البزی».
یعنی حذف الألف، و هذا التقیید یقتضی أنه قرأ أیضا من غیر هذا الطریق بإثبات الألف، و قد نص علی ذلك فی «المفردات»، و ذكر أنه قرأ بالقصر علی الفارسی، و لم یذكر الشیخ و الإمام فی: (أدریكم) عن البزی إلا بإثبات الألف، و كذلك ذكر الحافظ فی «التیسیر»: الفتح فی (أدریكم) و أَدْراكَ [الآیة: 3] عن النقاش عن الأخفش، یعنی عن ابن ذكوان، و هذا التقیید یقتضی أیضا ثبوت الإمالة عن ابن ذكوان، و لم یذكر الشیخ و الإمام عنه إلا الإمالة.
قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة لا یَهِدِّی [35]: «عن قالون و أبی عمرو إلا أنهما یخفیان حركة الهاء».
كذا قال الشیخ و الإمام.
و قوله: «و النص عن قالون: الإسكان».
ذكر الإمام أنه قرأ به، و حكاه الشیخ و قال: «و لیس بشی‌ء».
یرید: لما فیه من التقاء الساكنین.
و قوله: «و قال الیزیدی عن أبی عمرو: و كان یشم الهاء شیئا من الفتح».
هذا القول موافق لما تقدم من القول بالإخفاء، و قد تقدم أن معنی إخفاء الحركة النطق ببعضها.
و قال الشیخ: «و قیل عن أبی عمرو: إنه كان یختلس الحركة».
قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة (آلن) [الآیتان: 51، 91]: «و كلهم سهل همزة الوصل التی بعد همزة الاستفهام فی ذلك و شبهه».
اعلم أن جملة ما فی القرآن منه سبعة مواضع، منها: «قُلْ آلذَّكَرَیْنِ فی
______________________________
- خصما تدرءوننی بالجدال. و قال أبو البقاء: و قیل هو غلط؛ لأن قارئها ظن أنها من الدرء، و هو الدفع. و قیل: لیس بغلط، و المعنی: لو شاء الله لدفعكم عن الإیمان به.
و قرأ شهر بن حوشب و الأعمش: و لا أنذرتكم من الإنذار، و كذلك هی فی حرف عبد الله. و الضمیر فی (قبله) عائد علی القرآن، و قیل: علی النزول، و قیل: علی وقت النزول. و (عمرا) مشبه بظرف الزمان؛ فانتصب انتصابه، أی: مدة متطاولة، و قیل: هو علی حذف مضاف، أی: مقدار عمر. و قرأ الأعمش: (عمرا) بسكون المیم، كقولهم:
(عضدا) فی (عضد).
ینظر: الدر المصون (4/ 14).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 648
موضعین من الأنعام [الآیتان: 143، 144]، و (آلن) فی الموضعین، و كذلك قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ فی هذه السورة [الآیة: 59]، و آللَّهُ خَیْرٌ فی النمل [الآیة: 59]، و الموضع السابع (آلسحر إن الله سیبطله) فی هذه السورة [الآیة:
81] علی قراءة أبی عمرو.
و قوله: «و لم یحققها أحد منهم و لا فصل بینها و بین التی قبلها بالألف لضعفها، و لأن البدل فی قول أكثر القراء و النحویین یلزمها».
اعلم أن همزة الوصل أبدا تسقط فی الدرج إلا إذا كانت لام التعریف، و دخل علیها همزة الاستفهام فإنها إذ ذاك لو أسقطت، و لم یبق فی مكانها ما یدل علیها- للزم عند الابتداء اختلاط لفظ الاستفهام بلفظ الخبر؛ إذ كان یتوهم فی همزة الاستفهام أنها همزة الوصل، فأرادوا أن یبقوا علامة تدل علی أن الهمزة للاستفهام؛ فجعلوا مكان همزة الوصل ألفا ساكنة بین همزة الاستفهام و لام التعریف، فهذا معنی قوله: «لأن البدل یلزمها» یرید بدل الألف منها، و إنما قال: «فی قول أكثر القراء و النحویین»؛ لأن منهم من لا یبدل منها الألف، و لكن یجعلها مسهلة بین بین، كما یفعل بهمزة القطع إذا دخلت علیها همزة الاستفهام. و قد ذكر المذهبین فی غیر هذا الكتاب، و زعم أن جعلها بین بین هو القیاس، و أنشد: [من الوافر]
أألخیر الذی أنا أبتغیه‌أم الشر الذی هو یبتغینی «1» و الشاهد فیه: أن وزن البیت لا یحصل إلا إذا جعلت مكان همزة الوصل فی قوله: «أألخیر» همزة مسهلة، إلا أن البدل أكثر استعمالا، لكن من أخذ بالبدل فلا بد له من إشباع المد فی هذا الألف من أجل لقیها للساكن بعدها و هو لام التعریف، و إلی هذین المذهبین أشار ابن فیرة- رحمه الله- حیث قال: [من الطویل]
و إن همز وصل بین لام مسكن‌و همزة الاستفهام فامدده مبدلا
______________________________
(1) البیت للمثقب العبدی فی دیوانه ص (213)، و خزانة الأدب (6/ 37، 11/ 180) و شرح اختیارات المفضل ص (1267)، و شرح شواهد الشافیة ص (188)، و شرح شواهد المغنی (1/ 192)، و الشعر و الشعراء (1/ 403)، و لسان العرب (12/ 37) (أنم)، و له أو لسحیم بن وثیل أو لأبی زبید فی المقاصد النحویة (1/ 192).
و الشاهد فیه قوله: (أألخیر) حیث جاءت الهمزة الثانیة بین بین لثقل تحقیق همزتین مجتمعتین فی كلمة.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 649 فللكل ذا أولی و یقصره الذی‌یسهل عن كل ك «آلآن» مثّلا و قد تقدم فی باب المد أن الألف الثانیة التی بعد اللام فی (آلئن) مقصورة غیر مطولة، و إنما اختص لزوم اختلاط لفظ الاستفهام بلفظ الخبر بالابتداء دون الوصل؛ لأن همزة الوصل لا تثبت فی الوصل، فكان یقع الفرق فی الوصل بین الاستفهام و الخبر بثبوت همزة الاستفهام و سقوط همزة الوصل، لكن حملوا الوصل علی الابتداء [فأثبتوا] «1» بدلا من همزة الوصل التی مع لام التعریف بعد همزة الاستفهام فی الوصل كما أثبتوه فی الابتداء؛ لیكون العمل واحدا، أما همزة الوصل التی لا تكون مع لام التعریف فلا یعوض منها شی‌ء عند دخول همزة الاستفهام علیها؛ لعدم الاختلاط: فإن همزة الاستفهام مفتوحة و همزة الوصل إذ ذاك مكسورة كقوله تعالی فی البقرة: قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً [الآیة: 80] و فی سورة مریم- علیها السلام-:
أَطَّلَعَ الْغَیْبَ أَمِ اتَّخَذَ [الآیة: 78] و فی سبأ: أَفْتَری عَلَی اللَّهِ كَذِباً [الآیة: 8]، و فی الصافات: أَصْطَفَی الْبَناتِ عَلَی الْبَنِینَ [الآیة: 153] و فی «ص»: أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِینَ و فی «المنافقین»: أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ [الآیة: 6].
الهمزة فی جمیع ذلك مفتوحة علی قراءة الجماعة؛ لأنها همزة الاستفهام، و كذلك: أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِیًّا فی «ص» [آیة: 63] أیضا الهمزة مفتوحة علی قراءة الحرمیین و ابن عامر و عاصم؛ لأنها للاستفهام، و أما علی قراءة أبی عمرو و حمزة و الكسائی فهی مكسورة علی الخبر، و الله سبحانه و له الحمد أعلم و أحكم.

سورة هود علیه السلام‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «حفص و حمزة: (ألا إنّ ثمودا) هنا [الآیة: 68] و فی الفرقان [38] و العنكبوت [38] بفتح الدال من غیر تنوین، و وقفا بغیر ألف، و الباقون بالتنوین و وقفوا بالألف عوضا منه».
ذكر الحافظ فی «التحبیر» أن «ثمود» فی هذه المواضع كلها مرسوم بالألف فی جمیع المصاحف «2»، و كذلك الحرف الذی فی سورة النجم؛ فیكون وقف حفص
______________________________
(1) سقط فی أ.
(2) قرأ حمزة و حفص هنا و فی الفرقان: وَ عاداً وَ ثَمُودَ، و فی العنكبوت: (و عادا و ثمودا و قد تبین لكم) [38]، و فی النجم: وَ ثَمُودَ فَما أَبْقی [51] جمیع ذلك بمنع الصرف، وافقهم أبو بكر علی الذی فی النجم. و قوله: (ألا بعدا لثمود) منعه القراء الصرف إلا-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 650
و حمزة فیها بغیر ألف مخالفا لخط المصحف، و هذه المسألة من بقایا باب الوقف علی مرسوم الخط، كما وقع التنبیه علیه هناك فی آخر الباب، و الله تبارك اسمه و تعالی جده أعلم و أحكم.

سورة یوسف علیه السلام‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و كلهم قرأ: ما لَكَ لا تَأْمَنَّا [الآیة: 11] بإدغام النون الأولی فی الثانیة ...» إلی آخره «1».
هذا كلام یشكل علی المبتدئ، فإنه نص أولا علی الإدغام، و نص آخرا علی أنه لیس بإدغام صحیح.
______________________________
- الكسائی فإنه صرفه، و قد تقدم أن من منع جعله اسما للقبیلة، و من صرف جعله اسما للحی، و أنشد علی المنع:
و نادی صالح یا رب فاترك‌بآل ثمود منك غدا عذابا و أنشد علی الصرف:
دعت أم عمرو أمر شر علمته‌بأرض ثمود كلها فأجابها ینظر الدر المصون (4/ 111- 112).
(1) و قرأ العامة (تأمنا) بالإخفاء، و هو عبارة عن تضعیف الصوت بالحركة، و الفصل بین النونین، إلا أن النون تكون رأسا؛ فیكون ذلك إخفاء لا إدغاما. قال الدانی: (و هو قول عامة أئمتنا، و هو الصواب؛ لتأكید دلالته و صحته فی القیاس). و قرأ بعضهم ذلك بالإشمام، و هو عبارة: عن ضم الشفتین إلی حركة الفعل مع الإدغام الصریح، كما یشیر إلیها الواقف.
و فیه عسر كبیر، فقالوا: و تكون الإشارة إلی الضمة بعد الإدغام أو قبل كماله، و الإشمام یقع بإزاء معان هذا من جملتها، و منها: إشراف الكسرة شیئا من الضم نحو: (قیل، و غیض) و بابه. و منها: إشمام أحد حرفین شیئا من الآخر كإشمام الصاد زاء فی (الصراط) (و من أصدق) و بابهما، فهذا خلط حرف بحرف، كما أن ما قبله خلط حركة بحركة. و منها:
الإشارة إلی الضمة فی الوقف خاصة، و إنما یراه البصیر دون الأعمی. و قرأ أبو جعفر بالإدغام الصریح من غیر إشمام، و قرأ الحسن ذلك بالإظهار؛ مبالغة فی بیان إعراب الفعل، و للمحافظة علی حركة الإعراب اتفق الجمهور علی الإخفاء أو الإشمام كما تقدم تحقیقه.
و قرأ ابن هرمز: (لا تأمنا) بضم المیم [و] نقل حركة النون الأولی عند إرادة إدغامها بعد سلب المیم حركتها، و خط المصحف بنون واحدة، ففی قراءة الحسن مخالفة لها. و قرأ أبو رزین و ابن وثاب (لا تیمنّا) بكسر حرف المضارعة، إلا أن ابن وثاب سهل الهمزة.
قال الشیخ: و مجیئه بعد (ما لك) و المعنی یرشد إلی أنه نفی لا نهی، و لیس كقولهم: ما أحسننا، فی التعجب؛ لأنه لو أدغم لالتبس التعجب بالنفی.
قلت: و ما أبعد هذا عن توهم النهی حتی ینص علیه. و قوله: لالتبس بالنفی، صحیح.
ینظر الدر المصون (4/ 158- 159).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 651
فاعلم أن أصل هذه الكلمة «تأمننا» بنونین: الأولی لام الفعل، و حقها أن تكون محركة بالضم، و الثانیة ضمیر المتكلم عن نفسه و غیره، إلا أنها كتبت فی المصحف بنون واحدة، و أطلق القراء علی هذه الكلمة أنها تقرأ بالإدغام، ثم اختلفوا فی تفسیر ذلك:
فمنهم من التزم فیها بالإدغام الصحیح فینطق بعد المیم بنون واحدة مشددة، إلا أنه عند فراغه من النطق بالمیم و توجهه إلی النطق بتلك النون یضم شفتیه، یشیر بذلك إلی الضمة التی تستحق النون الأولی قبل الإدغام، ثم یتبع هذه الإشارة بالنطق بالنون مشددة مفتوحة؛ فتسمی تلك الإشارة إشماما.
و منهم من حمل التعبیر بالإدغام علی المسامحة فیلفظ بعد المیم بنونین علی الأصل: یحرك الأولی بضمة خفیة و یبقی الثانیة علی فتحها، و یكون ذلك المقدار الذی حصل فی النون الأولی من لفظ الضمة مانعا من حقیقة الإدغام و موجبا للتفكیك، إلا أنه لما كانت تلك الحركة خفیة راجعة إلی باب الروم الذی هو النطق ببعض الحركة و لم تكن متممة، حصل بذلك إخفاء النون الأولی؛ فأشبه الإدغام فسماه إدغاما بهذا القدر علی المجاز و المسامحة، و علی هذا التفسیر الثانی یتخرج كلام الحافظ هنا و یندفع الإشكال، و قد بسط الحافظ المذهبین فی «إیجاز البیان» و غیره من كتبه، و رجح مذهب القائلین بالإخفاء، كما فعل فی «التیسیر».
و أما الشیخ و الإمام فأخذا بالقول الآخر فجعلاه إدغاما صحیحا، و تكون الإشارة علی قولهما إشماما لا روما؛ لأنها لا تقتضی تفكیك النون الأولی من الثانیة، و إن كان لها مع ذلك أثر فی السمع، فتأمله.
و قد بسط الشیخ القول فی هذه المسألة فی كتاب «التنبیه» فانظره فیه.
و قول الحافظ: «و حقیقة الإشمام فی ذلك: أن یشار بالحركة إلی النون».
یرید: یلفظ ببعض الحركة فی النون الأولی، و سماه إشارة؛ لأنها حركة غیر متممة، و قد مر من كلامه فی باب الوقف و فی باب الإدغام الكبیر أنه یسمی كل واحد من الروم و الإشمام: إشارة.
و قوله: «لا بالعضو إلیها».
یعنی أن هذه الإشارة تكون بمجرد الشفتین من غیر أن یحصل فی النطق شی‌ء من لفظ الحركة؛ لأنه لو كان كذلك للزم الإدغام الصحیح، بل لا بد من النطق بالحركة
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 652
الضعیفة، و أنت تعلم أنه لا بد عند النطق بتلك الحركة الضعیفة من حصول تكیف الشفتین بصورة الإشارة، و إذا كان كذلك لزم أنه لم یرد بقوله: «لا بالعضو إلیها» نفی حصول تكیف الشفتین، و إنما أراد نفی الاقتصار علی مجرد ذلك التكیف، و كان ینبغی للحافظ أن یسمی ذلك النطق روما، و أن یقول: و حقیقة الروم، بدل قوله «و حقیقة الإشمام».
و قوله: «فیكون ذلك إخفاء» یجوز رفع النون من «یكون» علی القطع، و یجوز نصبه بالعطف علی «یشار»، و لا یجوز نصبه علی تقدیر كون الفاء جوابا للنفی فی قوله: «لا بالعضو»، و باقی كلامه بیّن بحول الله تبارك و تعالی.
قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة (یا بشرای) «1» [19]: «و بذلك یأخذ عامة أهل الأداء فی مذهب أبی عمرو ...» إلی آخره.
إنما قال هذا؛ لأنه قد روی عن أبی عمرو خلافه.
قال الشیخ- رحمه الله-: «و قد ذكر عن أبی عمرو مثل ورش» یعنی بین اللفظین، ثم قال: « [و الفتح] «2» أشهر».
قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة هَیْتَ لَكَ «3» [23]: «و قد روی عنه ضم التاء».
______________________________
(1) قرأ الكوفیون بحذف یاء الإضافة، و أمال ألف «فعلی» الأخوان، و أمالها ورش بین بین، و عن أبی عمرو الوجهان، و لكن الأشهر عنه عدم الإمالة. و لیس ذلك علی أصله علی ما قرر فی علم القراءات. و قرأ الباقون: (یا بشرای) [یوسف: 19] مضاف لیاء المتكلم، و نداء البشری علی حد قوله: یا حَسْرَتی عَلی ما فَرَّطْتُ [الزمر: 57] یا حَسْرَةً عَلَی الْعِبادِ [یس: 30] كأنه یقول: یا بشری هذا وقت أوان أن ینادی و یصاح بك. و من زعم أن (بشری) اسم رجل كالسدی، فقد أبعد. و قرأ ورش عن نافع (یا بشرای) بسكون الیاء، و هو جمع بین ساكنین فی الوصل، و قال الزمخشری؛ (و لیس بالوجه؛ لما فیه من التقاء السّاكنین علی غیر حده، إلا أن یقصد الوقف). و قرأ الجحدری و ابن أبی إسحاق و الحسن: (یا بشریّ) و إدغامها فی یاء الإضافة، و هی لغة هذلیة، و قال الزمخشری: و فی قراءة الحسن:
(یا بشری) بالیاء مكان الألف جعلت الیاء بمنزلة الكسرة قبل یاء الإضافة، و هی لغة للعرب مشهورة، سمعت أهل السروات فی دعائهم، یقولون: یا سیدی و مولی).
ینظر الدر المصون (4/ 165).
(2) سقط فی أ.
(3) اختلف أهل النحو فی هذه اللفظة، هل هی عربیة أم معرّبة؟ فقیل: معربة من القبطیة، بمعنی: هلم لك، قاله السدی. و قیل: من السریانیة، قاله ابن عباس و الحسن. و قیل: من-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 653
______________________________
- العبرانیة، و أصلها (هیتا لج)، أی: تعاله، فأعربه القرآن، قاله أبو زید الأنصاری: و قیل:
هی لغة حورانیة وقعت إلی أهل الحجاز، فتكلموا بها، و معناها: (تعال)، قاله الكسائی و الفراء، و هو منقول عن عكرمة و الجمهور علی أنها عربیة. قال مجاهد: هی كلمة حث و إقبال.
ثم هی فی بعض اللغات تتعین فعلیتها، و فی بعضها اسمیتها، و فی بعضها یجوز الأمران، و ستعرف ذلك من القراءات المذكورة فیها: فقرأ نافع و ابن ذكوان (هیت) بكسر الهاء، و (یاء) ساكنة، و (تاء) مفتوحة. و قرأ: (هیت) بفتح الهاء، و (یاء) ساكنة، و (تاء) مضمومة، ابن كثیر. و قرأ (هئت لك) بكسر الهاء، و همزة ساكنة، و (تاء) مفتوحة أو مضمومة، هشام. و قرأ (هیت) بفتح الهاء، و (یاء) ساكنة، و تاء مفتوحة، الباقون. فهذه خمس لغات قراءات فی السبع، و قرأ ابن عباس و أبو الأسود و الحسن و ابن محیصن بفتح الهاء و یاء ساكنة، و تاء مكسورة، و حكی النحاس: أنه قرئ: بكسر الهاء و الیاء بینهما یاء ساكنة. و قرأ ابن عباس: (هییت) بضم الهاء و كسر الیاء بعدها ساكنة، ثم تاء مضمومة، بزنة «جییت». و قرأ زید بن علی، و ابن أبی إسحاق بكسر الهاء، و یاء ساكنة، و تاء مضمومة.
فهذه أربع فی الشاذ؛ فصارت تسع قراءات؛ فتعین كونها اسم فعل فی غیر قراءة ابن عباس (هیت) بزنة (جیت)، و فی غیر قراءة كسر الهاء، سواء كان ذلك بالیاء أم بالهمزة، فمن فتح التاء بناها علی الفتح، تخفیفا نحو: أین، و كیف، و من ضمها كابن كثیر فتشبیها ب (جیت)، و من كسر فعلی أصل التقاء الساكنین ك (تختر)، و فتح الهاء و كسرها لغتان، و تتعین فعلیتها فی قراءة ابن عباس: (هییت) بزنة (جییت)؛ فإنها فیها فعلا ماضیا مبنیّا للمفعول مسندا لضمیر المتكلم من (هیأت الشی‌ء)، و یحتمل الأمرین فی قراءة من كسر الهاء و ضم التاء: فیحتمل أن تكون فیه اسم فعل بنیت علی الضم، ك (حیث)، و أن تكون فعلا مسندا لضمیر المتكلم من: هاء الرجل یهئ، ك (جاء یجی‌ء)، و له حینئذ معنیان:
أحدهما: أن یكون بمعنی: حسنت هیئته.
و الثانی: أن یكون بمعنی: تهیأ، یقال: هیئت، أی: حسنت هیئتی، أو تهیأت. و جوز أبو البقاء أن یكون (هئت) هذه: هاء یهاء، ك (شاء، یشاء).
و قد طعن جماعة علی قراءة هشام التی بالهمز و فتح التاء، فقال الفارسی: یشبه أن الهمز و فتح التاء و هم من الراوی؛ لأن الخطاب من المرأة لیوسف، و لم یتهیأ لها بدلیل قوله:
وَ راوَدَتْهُ [یوسف: 23]، و أَنِّی لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَیْبِ [یوسف: 52]. و تابعه علی ذلك جماعة، و قال مكی بن أبی طالب: (یجب أن یكون اللفظ: هیت لی، و لم یقرأ بذلك أحد). و أیضا فإن المعنی علی خلافه؛ لأنه لم یزل یفر منها و یتباعد عنها و هی تراوده و تطلبه و تقد قمیصه، فكیف تخبر أنه تهیأ لها؟! و قد أجاب بعضهم عن هذین الإشكالین، بأن المعنی: تهیأ لی أمرك؛ لأنها لم تكن تقدر علی الخلوة به فی كل وقت، أو یكون المعنی: حسنت هیئتك، و (لك) متعلق بمحذوف علی سبیل البیان، كأنها قالت: القول لك أو الخطاب لكل، كهی فی (سقیا لك و رعیا-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 654
______________________________
- لك).
قلت: و اللام متعلقة بمحذوف علی كل قراءة إلا قراءة بینت فیها كونها فعلا؛ فإنها حینئذ تتعلق بالفعل؛ إذ لا حاجة إلی تقدیر شی‌ء آخر. و قال أبو البقاء: (و الأشبه: أن تكون الهمزة بدلا من الیاء، أو تكون لغة فی الكلمة التی هی اسم للفعل، و لیست فعلا)؛ لأن ذلك یوجب أن یكون الخطاب لیوسف- علیه السلام- و هو فاسد؛ لوجهین:
أحدهما: أنه لم یتهیأ لها، و إنما هی تهیأت له.
و الثانی: أنه قال: (لك)، و لو أراد الخطاب لقال: هیت لی.
قلت: قد تقدم جوابه، و قوله: إن الهمزة بدل من الیاء، هذا عكس لغة العرب؛ إذ قد عهدناهم یبدلون الهمزة الساكنة یاء إذا انكسر ما قبلها نحو: بیر و ذیب، و لا یقلبون الیاء المكسورة ما قبلها همزة، نحو: میل و دیك، و أیضا فإن غیره جعل الیاء الصریحة مع كسر الهاء لقراءة نافع و ابن ذكوان، محتملة لأن تكون بدلا من الهمزة، قالوا: فیعود الكلام فیها كالكلام فی قراءة هشام.
و اعلم أن القراءة التی استشكلها الفارسی هی المشهورة عن هشام، و أما ضم الیاء فغیر مشهور عنه، و هذا ما أتقنته فی شرح حرز الأمانی.
اختلف أهل النحو فی هذه اللفظة، هل هی عربیة أم معربة؟ فقیل: معربة من القبطیة، بمعنی: هلم لك، قاله السدی. و قیل: من السریانیة، قاله ابن عباس و الحسن. و قیل: من العبرانیة، و أصلها (هیتالج)، أی: تعاله، فأعربه القرآن، قاله أبو زید الأنصاری، و قیل: هی لغة حورانیة وقعت إلی أهل الحجاز، فتكلموا بها، و معناها: (تعال)، قاله الكسائی، و الفراء، و هو منقول عن عكرمة و الجمهور علی أنها عربیة.
قال مجاهد: هی كلمة حث و إقبال، ثم هی فی بعض اللغات تتعین فعلیتها، و فی بعضها اسمیتها، و فی بعضها یجوز الأمران، و ستعرف ذلك من القراءات المذكورة فیها. فقرأ نافع و ابن ذكوان (هیت) بكسر الهاء، و یاء ساكنة، و تاء مفتوحة، و قرأ (هیت) بفتح الهاء، و یاء ساكنة، و تاء مضمومة، ابن كثیر، و قرأ (هئت لك) بكسر الهاء، و همزة ساكنة، و تاء مفتوحة أو مضمومة، هشام، و قرأ (هیت) بفتح الهاء، و یاء ساكنة، و تاء مفتوحة الباقون. فهذه خمس لغات قراءات فی السبع، و قرأ ابن عباس و أبو الأسود و الحسن و ابن محیصن بفتح الهاء و یاء ساكنة، و تاء مكسورة، و حكی النحاس: أنه قرئ بكسر الهاء و الیاء بینهما یاء ساكنة. و قرأ ابن عباس (هیئت) بضم الهاء و كسر الیاء بعدها ساكنة، ثم تاء مضمومة، بزنة: جییت، و قرأ زید بن علی، و ابن أبی إسحاق بكسر الهاء، و یاء ساكنة، و تاء مضمومة، فهذه أربع فی الشاذ، فصارت تسع قراءات فتعین كونها اسم فعل فی غیر قراءة ابن عباس (هیئت بزنة جیئت) و فی غیر قراءة كسر الهاء سواء كان ذلك بالیاء أم بالهمزة، فمن فتح التاء بناها علی الفتح، تخفیفا نحو: أین، و كیف، و من ضمها كابن كثیر فتشبیها ب (جیت)، و من كسر فعلی أصل التقاء الساكنین ك (تختر) و فتح الهاء و كسرها لغتان، و تتعین فعلیتها فی قراءة ابن عباس (هیئت) بزنة (جیئت) فإنها فیها فعل ماض مبنی للمفعول مسند لضمیر المتكلم من (هیأت الشی‌ء)، و یحتمل الأمرین فی قراءة من كسر الهاء و ضم التاء، فیحتمل أن تكون فیه اسم فعل بنیت علی الضم،-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 655
یعنی: عن هشام، و ذكر فی «المفردات» أنه قرأ به فی روایة إبراهیم بن «1» عباد عنه، و لم یذكر الشیخ و الإمام ضم التاء عن هشام.
قال الحافظ- رحمه الله-: « [قرأ] أبو عمرو (حاشا لله) «2» فی الحرفین [31، 51] بألف فی الوصل، فإذا وقف حذفها».
______________________________
- ك (حیث)، و أن یكون فعلا مسندا لضمیر المتكلم من هاء الرجل یهئ، ك (جاء یجی‌ء)، و له حینئذ معنیان:
أحدهما: أن یكون بمعنی: حسنت هیئته.
و الثانی: أن یكون بمعنی: تهیأ، یقال: هیئت، أی: حسنت هیئتی أو تهیأت.
و جوز أبو البقاء أن یكون (هئت) هذه: هاء یهاء، ك (شاء، یشاء) و قد طعن جماعة علی قراءة هشام التی بالهمز و فتح التاء، فقال الفارسی: یشبه أن الهمز و فتح التاء و هم من الراوی؛ لأن الخطاب من المرأة لیوسف، و لم یتهیأ لها بدلیل قوله (و راودته)، و (أنی لم أخنه بالغیب). و تابعه علی ذلك جماعة، و قال مكی بن أبی طالب: (یجب أن یكون اللفظ:
هیت لی، و لم یقرأ بذلك أحد). و أیضا فإن المعنی علی خلافه؛ لأنه لم یزل یفر منها و یتباعد عنها و هی تراوده و تطلبه و تقد قمیصه، فكیف تخبر أنه تهیأ لها؟ و قد أجاب بعضهم عن هذین الإشكالین، بأن المعنی. تهیأ لی أمرك؛ لأنها لم تكن تقدر علی الخلوة به فی كل وقت، أو یكون المعنی حسنت هیئتك، و (لك) متعلق بمحذوف علی سبیل البیان، كأنها قالت: القول لك أو الخطاب لك كهی فی (سقیا لك و رعیا لك).
قال السمین الحلبی: و اللام متعلقة بمحذوف علی كل قراءة إلا قراءة بینت فیها كونها فعلا، فإنها حینئذ تتعلق بالفعل؛ إذ لا حاجة إلی تقدیر شی‌ء آخر. و قال أبو البقاء: (و الأشبه أن تكون الهمزة بدلا من الیاء، أو تكون لغة فی الكلمة التی هی اسم للفعل، و لیست فعلا؛ لأن ذلك یوجب أن یكون الخطاب لیوسف- علیه السلام- و هو فاسد لوجهین:
أحدهما: أنه لم یتهیأ لها، و إنما هی التی تهیأت له.
و الثانی: أنه قال: (لك) و لو أراد الخطاب لقال: هیت لی.
قلت: قد تقدم جوابه، و قوله: (إن الهمزة بدل من الیاء) هذا عكس لغة العرب؛ إذ قد عهدناهم یبدلون الهمزة الساكنة یاء إذا انكسر ما قبلها نحو: بیر و ذیب، و لا یقلبون الیاء المكسور ما قبلها همزة، نحو: میل و دیك، و أیضا فإن غیره جعل الیاء الصریحة مع كسر الهاء لقراءة نافع و ابن ذكوان محتملة لأن تكون بدلا من الهمزة، قالوا: فیعود الكلام فیها كالكلام فی قراءة هشام، و اعلم أن القراءة التی استشكلها الفارسی هی المشهورة عن هشام، و أما ضم الیاء فغیر مشهور عنه.
ینظر: الدر المصون (4/ 167- 168).
(1) فی أ: عن.
(2) حاشی: عدها النحویون من الأدوات المترددة بین الحرفیة و الفعلیة، فإن جرت فهی حرف، و إن نصبت فهی فعل، و هی من أدوات الاستثناء، و لم یعرف سیبویه فعلیتها و عرفها غیره، و حكوا عن العرب: غفر الله لی، و لمن سمع دعائی، حاشی الشیطان و ابن الأصبغ.
و أنشدوا:-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 656
______________________________ - حشا رهط النبی فإن منهم‌بحورا لا تكدرها الدلاء بنصب (رهط)، و (حشا) لغة فی (حاشی) كما سیأتی، و قال الزمخشری: (حاشی) كلمة تفید التنزیه فی باب الاستثناء، نقول: (أساء القوم حاشی زید)، قال:
حاشی أبی ثوبان إن به‌ضنا علی الملحاة و الشتم و هی حرف من حروف الجر، فوضعت موضع التنزیه و البراءة، فمعنی: (حاشی لله):
براءة الله و تنزیه الله، و هی قراءة ابن مسعود، قال الشیخ: و ما ذكر أنها تفید التنزیه و البراءة فی باب الاستثناء غیر معروف عند النحویین، لا فرق بین قولك: قام القوم إلا زیدا)، و قام القوم حاشی زید)، و لما مثل بقوله: (أساء القوم حاشی زید)، و فهم من هذا التمثیل براءة زید من الإساءة- جعل ذلك مستفادا منها فی كل موضع، و أما ما أنشده من قوله:
حاشی أبی ثوبان.... فهكذا ینشد ابن عطیة، و أكثر النحاة، و هو بیت ركبوا فیه صدر بیت علی عجز آخر، و هما بیتان و هما:
حاشی أبی ثوبان إن أباثوبان لیس ببكمة فدم
عمرو بن عبد الله إن به‌ضنا علی الملحاة و الشتم قلت: قوله: إن المعنی الذی ذكره الزمخشری لا یعرفه النحاة، لم ینكروه، و إنما لم یذكروه فی كتبهم؛ لأنهم غالب فنهم فی صناعة الألفاظ دون المعانی، و لما ذكروا مع أدوات الاستثناء (لیس، و لا یكون، و غیر) لم یذكروا معانیها؛ إذ مرادهم مساواتها (إلا) فی الإخراج، و ذلك لا یمنع من زیادة معنی فی تلك الأدوات، و زعم المبرد و غیره كابن عطیة أنها یتعین فعلیتها إذا وقع بعدها حرف جر كالآیة الكریمة، قالوا: لأن حرف الجر لا یدخل علی مثله إلا تأكیدا كقوله:
................ ......و لا للما بهم أبدا دواء و قول الآخر:
فأصبحن لا یسألنه عن بما به................ .. فتعین أن یكون فعلا فاعله ضمیر یوسف، أی: حاشی یوسف، و (لله) جار و مجرور، متعلق بالفعل قبله و (اللام) تفید العلة، أی: حاشی یوسف أن یقارف ما رمته به؛ لطاعة الله و لمكانه منه، أو لترفیع الله أن یرمی بما رمته به، أی: جانب المعصیة لأجل الله. و أجاب الناس عن ذلك بأن (حاشی) فی الآیة الكریمة لیست حرفا و لا فعلا، و إنما هی اسم مصدر بدل من اللفظ بفعله، كأنه قیل: تنزیها لله، و براءة له، إنما لم ینون؛ مراعاة لأصله الذی نقل منه، و هو الحرف. أ لا تراهم قالوا: من عن یمینه، فجعلوا (عن) اسما، و لم یعربوه، و قالوا: (من علیه) فلم یثبتوا ألفه مع المضمر، بل أبقوا (عن) علی بنائه، و قلبوا ألف (علی) المضمر، مراعاة لأصلها، كذا أجاب الزمخشری، و تابعه الشیخ و لم یعز له الجواب، و فیه نظر. أما قوله: مراعاة لأصله، فیقتضی أنه نقل من الحرفیة إلی الاسمیة، و لیس ذلك إلا فی جانب الأعلام، یعنی: أنهم یسمون الشخص بالحرف، و لهم فی ذلك مذهبان: الإعراب، و الحكایة، و أما أنهم ینقلون الحرف إلی الاسم- أی: یجعلونه اسما- فهذا غیر معروف،-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 657
______________________________
- و أما استشهاده ب (عن و علی) فلا یفیده ذلك؛ لأن (عن) حال كونها اسما إنما بنیت لشبهها بالحرف فی الوضع علی حرفین، لا أنها باقیة علی بنائها، و أما قلب ألف (علی) مع الضمیر فلا دلالة فیه؛ لأنا عهدنا ذلك فیما هو ثابت للاسمیة بالاتفاق ك (الذی)، و الأولی أن یقال:
الذی یظهر فی الجواب عن قراءة العامة، أنها اسم منصوب- كما تقدم تقریره- و یدل علیه قراءة أبی السمال (حاشا لله) منونا منصوبا، و لكنهم أبدلوا التنوین ألفا، كما یبدلونه فی الوقف، ثم إنهم أجروا الوصل مجری الوقف، كما فعلوا ذلك فی مواضع كثیرة، تقدم منها جملة، و سیمر بك مثلها، و قیل فی الجواب عن ذلك: بنیت «حاشا» فی حال اسمیتها؛ لشبهها ب (حاشا) فی حال حرفیتها لفظا و معنی، كما بنیت (عن) (و علی) لما ذكرنا، قال بعضهم: إن اللام زائدة، و هذا ضعیف جدا بابه الشعر. و استدل المبرد و أتباعه علی فعلیتها بمجی‌ء المضارع منها، قال النابغة الذبیانی:
و لا أری فاعلا فی الناس یشبهه‌و لا أحاشی من الأقوام من أحد قالوا: و تصرف الكلمة من الماضی إلی المستقبل دلیل علی فعلیتها لا محالة، و قد أجاب الجمهور عن ذلك: بأن ذلك مأخوذ من لفظ الحرف. كما قالوا: سوفت بزید، و لولیت له، أی: قلت له: سوف أفعل، و قلت له: لو كان و لو كان، و هذا من ذلك، و هو محتمل.
و ممن رجح جانب الفعلیة: أبو علی الفارسی، قال: لا یخلو «حاش» فی قوله: (حاش لله) من أن یكون الجار فی الاستثناء، أو یكون فعلا علی فاعل، و لا یجوز أن یكون الحرف الجار؛ لأنه لا یدخل علی مثله، و لأن الحروف لا یحذف منها إذا لم یكن فیها تضعیف؛ فثبت أنه فاعل من الحشا، الذی یراد به الناحیة، و المعنی: أنه صار فی حشا، أی: ناحیة، و فاعل (حاشا): یوسف، و التقدیر: بعد من هذا الأمر لله، أی:
لخوفه.
قوله: حرف الجر لا یدخل علی مثله، مسلّم، و لكن لیس هو هنا حرف جر كما تقدم تقریره. و قوله: لا یحذف من الحرف إلا إذا كان مضعفا، ممنوع، و یدل له قولهم: (مذ) فی (منذ) إذا جر بها، فحذفوا عینها و لا تضعیف، قالوا: و یدل علی أن أصلها (منذ) بالنون، تصغیرها علی (منیذ)، و هذا مقرر فی بابه.
و قرأ أبو عمرو (حاشا) بألفین: ألف بعد الحاء، و ألف بعد الشین، فی كلمتی هذه السورة، وصلا، و یحذفها وقفا اتباعا للرسم، كما سننبه علیه، و الباقون بحذف الألف إلا حمزة وصلا و وقفا، فأما قراءة أبی عمرو فإنه جاء فیها بالكلمة علی أصلها، و أما الباقون فإنهم اتبعوا فی ذلك الرسم، و لما طال اللفظ حسن تخفیفه بالحذف، و لا سیما علی قول من یدعی فعلیتها كالفارسی، قال الفارسی: و أما حذف الألف فعلی: لم یك، و لم أدر، و أصاب الناس جهد و لو تر ما أهل مكة، و:
وصانی العجاج فیما وصنی فی شعر رؤبة، یرید: لم یكن و لا أدری، و لو تری، و وصانی.
و قال أبو عبید: رأیتها فی- الذی یقال: إنه الإمام- مصحف عثمان: (حاش لله) بغیر ألف و الأخری مثلها، و حكی الكسائی أنه رآها فی مصحف عبد الله كذلك، قالوا: فعلی ما-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 658
______________________________
- قال أبو عبید و الكسائی نرجح هذه القراءة، و لأن علیها ستة من السبعة، و نقل الفراء أن الإتمام لغة بعض العرب، و الحذف لغة أهل الحجاز، قال: و من العرب من یقول:
(حشی زیدا) أراد (حشی لزید)، فقد نقل الفراء أن اللغات الثلاثة مسموعة، و لكن لغة الحجاز مرجحة عندهم.
و قرأ الأعمش فی طائفة (حشی لله) بحذف الألفین، و لقد تقدم أن الفراء حكاها لغة عن بعض العرب، و علیه قوله:
حشی رهط النبی ........ و قرأ أبی و عبد الله: (حاشی الله) بجر الجلالة، و فیها وجهان:
أحدهما: أن یكون اسما مضافا للجلالة، نحو: سبحان الله، و هو اختیار الزمخشری.
و الثانی: أنه حرف استثناء جر به ما بعده، و إلیه ذهب الفارسی، و فی جعله (حاشا) حرف جر مرادا به الاستثناء جر به، نظر؛ إذ لم یتقدم فی الكلام شی‌ء یستثنی منه الاسم المعظم، بخلاف: (قام القوم حاشی زید). و اعلم أن النحویین لما ذكروا هذا الحرف جعلوه من المتردد بین الفعلیة و الحرفیة عند من أثبت فعلیته، و جعله فی ذلك، ك (خلا) و (عدا) عند من أثبت حرفیة (عدا)، و كان ینبغی أن یذكروه من المتردد بین الاسمیة و الفعلیة و الحرفیة، كما فعلوا ذلك فی (علی) فقالوا: یكون حرف جر فی (علیك)، و اسما فی قوله: (من علیه)، و فعلا فی قوله:
علا زیدنا یوم النقا.... و إن كان فیه نظر، ملخصه: أن (علی) حال كونها فعلا غیر (علی) حال كونها غیر فعل؛ بدلیل أن ألف الفعلیة منقلبة عن واو، و یدخلها التصریف و الاشتقاق، دون ذینك، و قد یتعلق من ینتصر للفارسی بهذا، فیقول: لو كان (حاش) فی قراءة العامة اسما لذكر ذلك النحویون، عند ترددها بین الحرفیة و الفعلیة؛ فلما لم یذكروه دل علی عدم اسمیتها.
و قرأ الحسن (حاش) بسكون الشین وصلا و وقفا، كأنه أجری الوصل مجری الوقف، و نقل ابن عطیة عن الحسن أنه قرأ: (حاش الإله)، قال: محذوفا من «حاشی». یعنی: أنه قرأ بحذف الألف الأخیرة، و یدل علی ذلك ما صرح به صاحب اللوامح؛ فإنه قال: بحذف الألف، ثم قال: و هذا یدل علی أنه حرف جر یجر به ما بعده، فأما (الإله) فإنه فكه من الإدغام، و هو مصدر أقیم مقام المفعول، و معناه: المعبود، و حذفت الألف من (حاش) للتخفیف.
قال الشیخ: و هذا الذی قاله ابن عطیة و صاحب اللوامح من أن الألف فی (حاش) فی قراءة الحسن محذوفة الألف لا یتعین إلا أن ینقل عنه أنه یقف فی هذه القراءة بسكون الشین فإن لم ینقل عنه فی ذلك شیئا فاحتمل أن تكون الألف حذفت لالتقاء الساكنین، الأصل:
حاشا الإله، ثم نقل فحذف الهمزة و حرك اللام بحركتها، و لم یعتد بهذا التحرك؛ لأنه عارض كما یحذف فی نحو: (یخشی الإله)، و لو اعتد بالحركة لم تحذف الألف.
قلت: الظاهر: أن الحسن یقف فی هذه القراءة بسكون الشین، و یستأنس له بأنه سكن الشین فی الروایة الأخری عنه، فلما جی‌ء بشی‌ء محتمل ینبغی أن یحمل علی ما صرح به صاحب اللوامح، و هذا یدل علی أنه حرف جر یجر به ما بعده، لا یصح؛ لما تقدم من أنه-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 659
وقع فی كلام الشیخ و الإمام ما یقتضی الخلاف عنه فی إثبات الألف و حذفها فی الوقف، و أن الحذف هو المختار.
و ذكر الحافظ فی التحبیر: أن (حش للّه) فی الموضعین بغیر ألف فی جمیع المصاحف؛ فیلزم أن قراءة أبی عمرو مخالفة هنا لخط المصحف فی الوصل، و من روی عنه الوقف بالألف فقد خالف أیضا خط المصحف فی الوقف، و الله سبحانه و تعالی أعلم.
قال الحافظ- رحمه الله-: « [قرأ] قالون و البزی: (بالسوّ إلا) [الآیة: 53] بواو مشددة، بدلا من الهمزة فی حال الوصل».
إنما فعلا ذلك؛ لأن أصلهما فی الهمزتین المكسورتین من كلمتین تسهیل الأولی و تحقیق الثانیة، و الأصل فی تسهیلها جعلها بین الهمزة و الیاء علی حركتها، كما تقدم فی باب الهمزتین، لكن عرض هنا وقوع الواو الساكنة قبل الهمزة، فأبدلا من الهمزة واوا، و أدغما الواو الأولی فی الثانیة، و هذا النوع من التسهیل یطرد إذا كانت الواو قبل الهمزة زائدة للمد، فأما الواو التی قبل الهمزة فی قوله: بِالسُّوءِ فلیست بزائدة، و إنما هی عین الكلمة، لكن من العرب من یجری الواو الأصلیة إذا سكنت قبل الهمزة مجری الزائدة، فأجری قالون و البزی هذه الواو مجری الواو فی (قروّ)، علی ما تقدم فی باب الوقف لحمزة و هشام.
و من العجب قول الحافظ فی «المفردات» فی روایة البزی بعد أن ذكر هذا الوجه من إبدال الهمزة واوا و إدغام الواو الأولی فی المبدلة من الهمزة- ثم قال: «و هذا الذی لا یجوز فی التسهیل غیره».
و كان ینبغی للحافظ أن یقول فی «التیسیر» فی هذا الموضع: فإذا وقفا حققا الهمزة، لكنه استغنی عن ذلك؛ لأنه قدم فی باب الهمزتین من كلمتین ما یدل علی ذلك و هو قوله: «و التسهیل لإحدی الهمزتین فی هذا الباب إنما یكون فی الوقف لا
______________________________
- لو كان حرف جر لكان مستثنی به، و لم یتقدم ما یستثنی منه بمجروره، و اعلم أن اللام الداخلة علی الجلالة متعلقة بمحذوف علی سبیل البیان، كهی فی (سقیا لك و رعیا لزید) عن الجمهور، و أما عند المبرد و الفارسی، فإنها متعلقة بنفس (حاش)؛ لأنها فعل صریح عندهما، و قد تقدم أن بعضهم ادعی زیادتها.
ینظر الدر المصون (4/ 175- 179).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 660
غیر؛ لكون التلاصق فیه».
و لما ذكر الشیخ هذه الترجمة قال: «و ذكر عن قالون أنه یجعل الأولی كالیاء الساكنة».
ثم قال: «و الأحسن الجاری علی الأصول إلقاء الحركة».
یرید: نقل الحركة إلی الواو؛ لأنها ساكنة غیر زائدة، فهی فی ذلك مثل الساكن الصحیح نحو (دف) و (مل) و المر، و وجه التسهیل فی ذلك أن یكون بالنقل، كما تقدم فی باب الوقف لحمزة.
ثم قال: «و لم یرو عنه».
یعنی: لم یرو عن قالون التسهیل بالنقل فی هذا الموضع.
ثم قال: «و یلیه فی الجواز الإبدال و الإدغام».
یعنی: الوجه الذی ذكر الحافظ هنا، و إنما جاز هذا الوجه؛ لكون الواو ساكنة، فشبهت بالواو الزائدة للمد.
ثم قال: «و هو الأشهر عن قالون، و هو المختار لأجل جوازه و للروایة».
ثم قال: «و أما البزی فقد روی عنه الوجهان أیضا».
یعنی إلقاء الحركة و الإدغام.
ثم قال: «و الاختیار: الإبدال و الإدغام».
قال الحافظ- رحمه الله-: «البزی من قراءتی علی ابن خواستی الفارسی عن النقاش عن أبی ربیعة عنه: (فلما استأیسوا) «1» [یوسف: 80] ....» إلی آخر
______________________________
(1) اسْتَیْأَسُوا [یوسف: 80]، «استفعل» هنا بمعنی، (فعل) المجرد، یقال: یئس و استیأس، بمعنی: نحو: عجب و استعجب، و سخر و استسخر، و قال الزمخشری: و زیادة السین و التاء فی المبالغة، نحو ما مر فی: فَاسْتَعْصَمَ [یوسف: 32].
و قرأ البزی عن ابن كثیر بخلاف عنه: (استأیسوا) بألف بعد التاء ثم یاء، و كذلك فی هذه السورة (تأیسوا)، (إنه لا یأیس) [یوسف: 87]، (إذا استأیس الرسل) [یوسف:
110]. و فی الرعد (أ فلم یأیس الذین) [الرعد: 31]، الخلاف واحد، فأما قراءة العامة فهی الأصل؛ إذ یقال: یئس، فالفاء یاء و العین همزة، و فیه لغة أخری، و هی القلب بتقدیم العین علی الفاء، فیقال: أیس، و یدل علی ذلك شیئان أحدهما: المصدر الذی هو الیأس.
الثانی: أنه لو لم یكن مقلوبا للزم قلب الیاء ألفا؛ لتحركها و انفتاح ما قبلها، و لكن منع-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 661
الكلام.
تقییده هذه القراءة بهذه الروایة یدل علی أنه قرأ- أیضا- للبزی كالجماعة، و قال فی «المفردات» فی سورة الرعد ما نصه: «و اختلف عنه فی قوله- جل و عز-:
(أ فلم یائس الّذین آمنوا) [الرعد: 31] فی الهمز و تركه، فقرأته علی أبی الحسن عن قراءته بالوجهین بالهمز و تركه، و قرأته علی أبی الفتح بالهمز لا غیر، و قرأته علی الفارسی عن قراءته علی النقاش عن أبی ربیعة عنه بترك الهمز، و فی الأربعة المواضع التی فی یوسف، و هی قوله تعالی: (فلما استأیسوا) [الآیة: 80] و (و لا تایسوا) [الآیة: 87] و (إنه لا یایس) [الآیة: 87] و (حتی إذا استأیس) [الآیة: 110] فی الخمسة». انتهی.
و قال الشیخ فی سورة الرعد ما نصه: «قرأ البزی (أ فلم یایس) [31] بألف بین یاءین مفتوحتین من غیر همز فی هذا الموضع خاصة، و قرأ الباقون بهمزة قبلها یاءان، و روی هذا عن البزی أیضا، و قد قرأت له بالوجهین، و قد روی عن البزی مثل هذا فی (استأیس الرسل) فی یوسف، و الذی قرأت به للبزی فی یوسف مثل الجماعة». انتهی.
و لم یذكر الإمام فی هذه المواضع الأربعة التی فی هذه السورة شیئا عن البزی، و ذكر عنه فی قوله تعالی: (أ فلم یایس) فی الرعد [الآیة: 31] أنه قرأه بالوجهین، و الله جل و علا و تبارك و تعالی أعلم و أحكم.
______________________________
- ذلك كون الیاء فی موضع لا تعمل فیه ما وقعت موقعه، و قراءة ابن كثیر من هذا، و لما قلب الكلمة أبدل من الهمزة ألفا؛ لسكونها بعد فتحة؛ إذ صارت كهمزة «رأس» و «كأس»، و إن لم یكن من أصله قلب الهمزة الساكنة حرف علة، و هذا كما تقدم أنه یقرأ «القرآن» بالألف، و أنه یحتمل أن یكون نقل حركة الهمزة، و إن لم یكن من أصله النقل.
و قال أبو شامة- بعد أن ذكر هذه الكلمات الخمس التی وقع فیها الخلاف-: (و كذلك رسمت فی المصحف)، یعنی: كما قرأها البزی، یعنی بالألف مكان الیاء، و بیاء مكان الهمزة، و قال أبو عبد الله: و اختلفت هذه الكلمات فی الرسم، فرسم (یأیس) (و لا تأیسوا) بالألف، و رسم الباقی بغیر ألف.
قلت: هذا هو الصواب، و كأنها غفلة حصلت من أبی شامة.
ینظر: الدر المصون (4/ 204- 205).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 662

سورة الرعد

قال الحافظ- رحمه الله-: «و نافع یجعل الاستفهام بهمزة و یاء بعدها» «1».
______________________________
(1) اختلف القراء فی هذا الاستفهام المكرر اختلافا منتشرا، و هو فی أحد عشر موضعا فی القرآن؛ فلا بد من تعیینها و بیان مراتب القراء فیها؛ فإن فی ضبطها عسرا یسهل بعون الله- تعالی- و أما المواضع المذكورة.
فأولها: ما فی هذه السورة.
الثانی و الثالث: كلاهما فی الإسراء [49]، و هما: أَ إِذا كُنَّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِیداً موضعان.
الرابع: فی المؤمنون [82]: أَ إِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ.
و فی النمل [67]: أَ إِذا كُنَّا تُراباً وَ آباؤُنا أَ إِنَّا لَمُخْرَجُونَ.
و فی العنكبوت [28]: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِینَ أَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ.
و فی (الم) السجدة: أَ إِذا ضَلَلْنا فِی الْأَرْضِ أَ إِنَّا لَفِی خَلْقٍ جَدِیدٍ [السجدة: 10].
و فی الصافات موضعان [16، 53]، و فی الواقعة موضع [47]: أَ إِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ، و فی النازعات: [10، 11] أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِی الْحافِرَةِ أَ إِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً.
فهذه هی المواضع المختلف فیها، و أما ضبط الخلاف فیها بالنسبة إلی القراء، ففیه طریقان:
أحدهما: بالنسبة إلی ذكر القراء.
و الثانی: بالنسبة إلی ذكر السور، و هذا الثانی أقرب؛ فلذلك بدأت به، فأقول: هذه المواضع تنقسم إلی قسمین: قسم منها سبعة مواضع لها حكم واحد، و قسم منها أربعة مواضع لكل منها حكم علی حدته.
أما القسم الأول: فمنه فی هذه السورة، و الثانی و الثالث: فی (سبحان) و الرابع فی (المؤمنین). و الخامس: فی (الم) السجدة، و السادس و السابع: فی (الصافات)، و قد عرفت أعیانها مما تقدم، أما حكمها: فإن نافعا و الكسائی یستفهمان فی الأول، و یخبران فی الثانی، و إن ابن عامر یخبر فی الأول، و یستفهم فی الثانی، و الباقین یستفهمون فی الأول و الثانی.
و أما القسم الثانی: فأوله ما فی سورة النمل، و حكمه: أن نافعا یخبر فی الأول، و یستفهم فی الثانی، و أن ابن عامر و الكسائی بعكسه، أی: یستفهمان فی الأول و یخبران فی الثانی، و أن الباقین یستفهمون فیهما. [و] الثانی: ما فی سورة العنكبوت، و حكمه:
أن نافعا و ابن كثیر و ابن عامر و حفصا یخبرون فی الأول، و یستفهمون فی الثانی، و أن الباقین یستفهمون فیهما. [و] الثالث: ما فی سورة الواقعة، و حكمه: أن نافعا و الكسائی یستفهمان فی الأول، و یخبران فی الثانی، و أن الباقین یستفهمون فیهما. [و] الرابع: ما فی سورة النازعات، و حكمه: أن نافعا و ابن عامر و الكسائی یستفهمون فی الأول، و یخبرون فی الثانی، و أن الباقین یستفهمون فیهما.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 663
یرید بالیاء همزة ملینة بین الهمزة و الیاء، فجرت عبارته علی المسامحة فی التعبیر عن الهمزة المسهلة باسم الحرف المسهل إلیه، أعنی المشار إلیه فی التسهیل، أی:
الذی سهلت الهمزة بینه و بین الهمزة المحققة، و قد نص علی هذا فی كتاب «الإیضاح»، فقال: «و نافع یجعله بهمزة مفتوحة و بعدها یاء مكسورة مختلسة الكسرة من غیر إشباع خلفا من الهمزة، و هی همزة بین بین». انتهی.
و علی كونها همزة مسهلة بین الیاء و الهمزة وافق الشیخ و الإمام.
قال الحافظ- رحمه الله-: « [قرأ] ابن كثیر: هادٍ [الآیة: 7]، و والٍ [الآیة: 11] و واقٍ [الآیة: 34] و وَ ما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ [النحل: 96] بالتنوین فی الوصل، فإذا وقف وقف بالیاء فی هذه الأربعة الأحرف حیث وقعت لا غیر».
ذكر الحافظ فی «التحبیر» أن هذه الأحرف الأربعة رسمن بغیر یاء؛ فعلی هذا یكون وقف ابن كثیر علیها بالیاء مخالفا لخط المصحف، و هذا من المواضع الموعود بها فی آخر باب الوقف علی مرسوم الخط.
و قوله: «لا غیر» تحرّز به من نحو مُسْتَخْفٍ [الرعد: 10] و مُفْتَرٍ [النحل: 101] و راقٍ [القیامة: 27] و فانٍ [الرحمن: 26] و دانٍ [الرحمن: 54] و آنٍ [الرحمن: 44] و قاضٍ [طه: 72] و باغٍ [البقرة:
______________________________
- و أما الطریق الآخر بالنسبة إلی القراء، فأقول: إن القراء فیها علی أربع مراتب:
الأولی: أن نافعا قرأ بالاستفهام، فی الأول، و بالخبر فی الثانی، إلا فی النمل و العنكبوت فإنه عكس.
المرتبة الثانیة: أن ابن كثیر و حفصا قرآ بالاستفهام فی الأول و الثانی، إلا فی الأولی من العنكبوت فقرأه بالخبر.
المرتبة الثالثة: أن ابن عامر قرأ بالخبر فی الأول و الاستفهام فی الثانی، إلا فی النمل و الواقعة و النازعات، فقرأ فی النمل و النازعات بالاستفهام فی الأول و بالخبر فی الثانی، و فی الواقعة بالاستفهام فیهما.
المرتبة الرابعة: الباقون و أبو عمرو و أبو حمزة و أبو بكر قرءوا بالاستفهام فی الأول و الثانی، و لم یخالف أحد منهم أصله.
و إنما ذكرت هذین الطریقین؛ لعسرهما و صعوبة استخراجهما من كتب القراءات، ثم الوجه فی قراءة من استفهم فی الأول و الثانی [أنه] تأكید و الوجه فی قراءة من أتی به مرة واحدة، حصول المقصود به؛ لأن كل جملة مرتبطة بالأخری، فإذا أنكر فی إحداها حصل الإنكار فی الأخری، و أما من خالف أصله فی شی‌ء من ذلك فلاتباع الأثر.
ینظر الدر المصون (4/ 227- 228).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 664
173] و عادٍ [البقرة: 173] و لَآتٍ [العنكبوت: 5] و مُهْتَدٍ [الحدید:
26] و مُعْتَدٍ [القلم: 12] و غَواشٍ [الأعراف: 41] و ما أشبهه، و الله سبحانه و تعالی أعلم و أحكم.

سورة إبراهیم علیه السلام‌

قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة بِمُصْرِخِیَ «1» [الآیة: 22]: «و هی لغة حكاها الفراء و قطرب، و أجازها أبو عمرو» و قال فی «المفردات»: «كسر الیاء الساكنة».
______________________________
(1) العامة علی فتح الیاء؛ لأن الیاء المدغم فیها تفتح أبدا، لا سیما و قبلها كسرتان. و قرأ حمزة بكسرها، و هی لغة بنی یربوع، و قد اضطربت أقوال الناس فی هذه القراءة اضطرابا شدیدا:
فمن مجترئ علیها ملحّن لقارئها، و من مجوز لها من غیر ضعف، و من مجوز لها بضعف، قال حسین الجعفی: سألت أبا عمرو عن كسر الیاء، فأجازه، و هذه الحكایة تحكی عنه بطرق كثیرة، منها: ما تقدم، و منها: سألت أبا عمرو، قلت: إن أصحاب النحو یلحّنوننا فیها، فقال: هی جائزة أیضا، إنما أراد تحریك الیاء، فلست تبالی إذا حركتها إلی أسفل أم إلی فوق. و عنه: من شاء فتح، و من شاء كسر، و منها: أنه قال: إنها بالخفض حسنة، و عنه قال: قدم علینا أبو عمرو بن العلاء فسألته عن القرآن، فوجدته به عالما، فسألته عن شی‌ء قرأ به الأعمش، و استشعر به: (و ما أنتم بمصرخیّ) بالجر، فقال: هی جائزة، فلما أجازها، و قرأ بها الأعمش، أخذت بها. و قد أنكر أبو حاتم علی أبی عمرو تحسینه لهذه القراءة، و لا التفات إلیه؛ لأنه علم من أعلام القرآن و اللغة و النحو، و اطلع علی ما لم یطلع علیه من فوق السجستانی:
و ابن البلون إذا ما لزّ فی قرن‌لم یستطع صولة البزل القناعیس ثم ذكر العلماء فی ذلك توجیهات:
منها: أن الكسر علی أصل التقاء الساكنین؛ و ذلك أن (یاء) الإعراب ساكنة، و یاء المتكلم أصلها السكون، فلما التقیا كسرت لالتقاء الساكنین.
الثانی: أنها تشبه هاء الضمیر فی أن كلا منهما ضمیر علی حرف واحد، و هاء الضمیر توصل بواو إذا كانت مضمومة، و بیاء إذا كانت مكسورة، و بكسر بعد الكسرة و الیاء الساكنة، فتكسر كما تكسر الهاء فی (علیه)، و بنو یربوع یصلونها بیاء، كما یصل ابن كثیر نحو: علیهی، بیاء، فحمزة كسر هذه الیاء من غیر صلة؛ إذ أصله یقتضی عدمها. و زعم قطرب أیضا: أنها لغة بنی یربوع. قال: یزیدون علی یاء بالإضافة یاء، و أنشد:
ماض إذا ما هم بالمضیّ‌قال لها هل لك یا تافیّ و أنشده الفراء، و قال: (إن یك ذلك صحیحا، فهو مما یلتقی من الساكنین)، و قال أبو علی: قال الفراء فی كتاب التصریف له: زعم القاسم بن معن أنه صواب، و كان ثقة-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 665
______________________________
- بصیرا. و ممن طعن علیها أبو إسحاق، قال: (هذه القراءة عند جمیع النحویین ردیئة مرذولة، و لا وجه لها إلا وجها ضعیفا)، و قال أبو جعفر: (صار هذا إدغاما، و لا یجوز أن یحمل كتاب الله علی الشذوذ)، و قال الزمخشری: هی ضعیفة، و استشهدوا لها ببیت مجهول:
قال لها: هل لك یا تافیّ‌قالت له: ما أنت بالمرضیّ و كأنه قدر (یاء) الإضافة ساكنة، و قبلها یاء ساكنة، فحركها بالكسر؛ لما علیه أصل التقاء الساكنین، و لكنه غیر صحیح؛ لأن یاء الإضافة لا تكون إلا مفتوحة، حیث قبلها ألف نحو:
(عصای) فما بالها و قبلها یاء؟
فإن قلت: جرت الیاء الأولی مجری الحرف الصحیح؛ لأجل الإدغام، فكأنها یاء وقعت ساكنة بعد حرف صحیح ساكن، فحركت بالكسر علی الأصل.
قلت: هذا قیاس حسن، و لكن الاستعمال المستفیض الذی هو بمنزلة الخبر المتواتر تتضاءل إلیه القیاسات.
قال الشیخ: أما قوله: و استشهدوا لها ببیت مجهول، فقد ذكر غیره أنه للأغلب العجلی، و هی لغة باقیة فی أفواه كثیر من الناس إلی الیوم، یقولون: ما فیّ أفعل بكسر الیاء.
قلت: الذی ذكر صاحب هذا الرجز و هو أبو شامة، قال: و رأیته فی أول دیوانه، و أول هذا الرجز:
أقبل فی ثوب معافری‌بین اختلاط اللیل و العشیّ ثم قال الشیخ: و أما التوجه الذی ذكر فهو توجیه الفراء، نقله عنه الزجاج، و أما قوله فی غضون كلامه: حیث قبلها ألف، فلا أعلم (حیث) یضاف إلی الجملة المصدرة بالظرف، نحو: (قعد زید حیث أمامه عمرو و بكر)؛ فیحتاج هذا التركیب إلی سماع.
قلت: إطلاق النحاة قولهم: إنها تضاف إلی الجمل، كاف فی هذا، و لا یحتاج تتبع كل فرد مع إطلاقهم القوانین الكلیة، ثم قال: (و أما قوله: یاء الإضافة ... إلی آخره، قد روی سكون الیاء بعد الألف، و قد قرأ بذلك الفراء، نحو: (محیای).
قلت: مجی‌ء السكون فی هذه الیاء لا یفید هاهنا، و إنما كان یفیده لو جاء بها مكسورة بعد الألف؛ فإنه محل البحث، و أنشد النحاة بیت الذبیانی بالكسر و بالفتح، و هو قوله:
علی لعمرو نعمة بعد نعمةلوالده لیست بذات عقارب و قال الفراء فی كتاب له: (و قد خفض بالیاء من «مصرخی» الأعمش و یحیی بن وثاب جمیعا، حدثنی بذلك القاسم بن معن عن الأعمش). و لعلها من وهم الفراء؛ فإنه قل من سلم منهم من الوهم. و لعله ظن أن الباء فی (بمصرخی) خافضة للفظ كله، و الیاء للمتكلم خارجة من ذلك. قال: و مما نری أنهم وهموا فیه: نُوَلِّهِ ما تَوَلَّی وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ [النساء:
115] بالجزم، ظنوا الجزم فی الهاء. ثم ذكر غیر ذلك. و قال أبو عبید: و أما الخفض فإنا نراه غلطا؛ لأنهم ظنوا أن الباء تكسر كل ما بعدها، و قد كان فی القراء من یجعله لحنا، و لا أحب أن أبلغ به هذا كله، و لكن وجه القراءة عندنا غیرها، و قال الأخفش: (ما سمعت بهذا-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 666
______________________________
- من أحد من العرب، و لا من أحد النحویین)، قال النحاس: (فصار هذا إجماعا)، قلت:
و لا إجماع؛ فقد تقدم ما حكاه الناس من أنها لغة ثابتة لبعض العرب، و قد انتدب لنصر هذه القراءة أبو علی الفارسی، قال فی حجته: (وجه ذلك: أن الیاء لیست تخلو من أن تكون فی موضع نصب، أو جر، فالیاء فی النصب و الجر، كالهاء فیهما، و كالكاف فی (أكرمتك، و هذا لك)، فكما أن الهاء قد لحقتها الزیادة فی: هذا لهو، و ضربهو، و لحق أیضا الزیادة فی قول من قال: أعطاكه و أعطیتكه، فیما حكاه سیبویه، و هما أختا الیاء، و لحقت التاء الزیادة) فی قول الشاعر:
رمیتیه فأصمیت‌و ما أخطأت الرّمیة و كذلك ألحقوا الیاء الزیادة من المد، فقالوا: فیّ، ثم حذفت الیاء الزائدة علی الیاء كما حذفت الزیادة من الهاء فی قول من قال:
............................ له أرقان و زعم أبو الحسن: أنها لغة. قلت: مراد أبی علی بالتنظیر بالبیت فی قوله: له، أرقان حذف الصلة، و اتفق أن فی البیت- أیضا- حذف الحركة. و لو مثل بنحو: علیه، و فیه، لكان أولی. ثم قال الفارسی: (كما حذفت الزیادة من الكاف، فقیل: أعطیتكه و أعطیتكیه، كذلك حذفت الیاء اللاحقة للیاء، كما حذفت من أختها، و أقرت الكسرة التی كانت تلی الیاء المحذوفة؛ فبقیت الیاء علی ما كانت علیه من الكسر)، قال: (فإذا كانت الكسرة فی الیاء علی هذه اللغة، و إن كان غیرها أفشی منها، و عضده من القیاس ما ذكرنا- لم یجز لقائل أن یقول: إن القراءة بذلك لحن؛ لاستقامة ذلك فی السماع و القیاس، و ما كان كذلك لا یكون لحنا).
قلت: و هذا التوجیه هو توضیح للتوجیه الثانی الذی قدمت ذكره، و أما التوجیه الأول فأوضحه الفراء أیضا.
قال الزجاج: (أجاز الفراء علی وجه ضعیف الكسر؛ لأن أصل التقاء الساكنین الكسر)، قال الفراء: (أ لا تری أنهم یقولون: (مذ الیوم و مذ الیوم) و الرفع فی الذال هو الوجه؛ لأنه أصل حركة (مذ)، و الخفض جائز؟! فكذلك الیاء من (مصرخی) خفضت و لها أصل فی النصب).
قلت: تشبیه الفراء المسألة ب (مذ الیوم) فیه نظر؛ لأن الحرف الأول صحیح، لم یتوال قبله كسر، بخلاف ما نحن فیه، و هذا هو الذی عناه الزمخشری بقوله، فیما قدمته عنه، فكأنها وقعت بعد حرف صحیح، و قد اضطرب النقل عن الفراء فی هذه المسألة، كما رأیت من نقل بعضهم عنه التخطئة مرة و التصویب أخری، و لعل الأمر كذلك؛ فإن العلماء یسألون فیجیبون بما یحضرهم حال السؤال، و هی مختلفة التوجیه.
الثالث: أن الكسر للإتباع لما بعدها، و هو كسر الهمز من (إنی)، كقراءة (الحمد لله).
و قولهم: بعیر و شعیر و شهد، بكسر أوائلها؛ اتباعا لما بعدها، و هو ضعیف جدا.
التوجیه الرابع: أن المسوغ لهذا الكسر فی الیاء- و إن كان مستثقلا- أنها لما أدغمت فیها التی قبلها قویت بالإدغام، فأشبهت الحروف الصحاح، فاحتملت الكسر؛ لأنه إنما-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 667
یعنی بالیاء الساكنة: یاء المتكلم، و الیاء التی قبلها هی للجمع المذكر السالم؛ لأن الأصل «بمصرخین» فحذف النون للإضافة، و أنشد: [من الرجز]
قال لها هل لك یا تافیّ‌قالت له ما أنت بالمرضیّ «1» و علل الشیخ فی كتاب «الكشف» بوجه آخر، و حاصله: أن من العرب من یحكم لیاء المتكلم بحكم الهاء التی هی ضمیر المذكر، فكما یقال: مررت به، فتوصل الهاء بیاء ساكنة بعد الكسرة؛ فكذلك هذه الیاء، فلما أضافوا «مصرخین» إلی الیاء التی للمتكلم و حذفوا النون أدغموا یاء الجمع فی یاء المتكلم، و قد استخفّ الكسر من أجل الیاء التی توصل بها، فاجتمع ثلاث یاءات، و هن: یاء الجمع، و یاء المتكلم، و الیاء التی تلحقها صلة بعد الكسرة؛ فاستثقلوا ذلك فحذفوا الیاء الآخرة، و بقیت الكسرة تدل علیها.
قال: «و قد قال قطرب «2»: إنها لغة فی بنی یربوع «3»، یزیدون علی یاء الإضافة یاء».
______________________________
- یستثقل فیها إذا حذفت و انكسر ما قبلها؛ أ لا تری أن حركات الإعراب تجری علی المشدد، و ما ذلك إلا لإلحاقه بالحروف الصحاح.
(و المصرخ): المغیث، یقال: استصرخته فأصرخنی، أی: أعاننی، و كأن همزته للسلب، أی: أزال صراخی، و الصارخ هو المستغیث.
ینظر: الدر المصون (4/ 261- 264).
(1) الرجز للأغلب العجلی فی دیوانه ص (169)، و حاشیة یس (2/ 60)، و خزانة الأدب (4/ 430- 437)، و بلا نسبة فی شرح عمدة الحافظ ص (513)، و المحتسب (2/ 49)، و الشاهد فیه: قوله: (فی) حیث كسر یاء المتكلم، علی لغة بنی یربوع.
(2) محمد بن المستنیر، أبو علی النحوی، المعروف بقطرب، لازم سیبویه، و كان یدلج إلیه، فإذا خرج رآه علی بابه، فقال له: ما أنت إلا قطرب لیل! فلقب به.
و أخذ عن عیسی بن عمر، و كان یری رأی المعتزلة النظامیة، فأخذ عن النظام مذهبه، و اتصل بأبی دلف العجلی، و أدب ولده، و لم یكن ثقة.
قال ابن السكیت: كتبت عنه قمطرا، ثم تبینت أنه یكذب فی اللغة، فلم أذكر عنه شیئا.
و له من التصانیف: المثلث، النوادر، الصفات، الأصوات، العلل فی النحو، الأضداد، الهمز، خلق الإنسان، خلق الفرس، إعراب القرآن، المصنف الغریب فی اللغة، مجاز القرآن، و غیر ذلك. مات سنة ست و مائتین.
ینظر: بغیة الوعاة (1/ 242، 243)، و معجم الأدباء (19/ 53- 54).
(3) یربوع بن حنظلة: بطن من حنظلة بن مالك، من تمیم، من العدنانیة، و هم: بنو یربوع بن حنظلة بن مالك بن زید مناة بن تمیم بن مر بن أد بن طابخة بن إلیاس بن مضر، منهم: بنو ریاح، بنو سلیط، بنو صبیر، بنو ثعلبة، بنو كلیب، بنو عرین.
و كانت الردافة فی الجاهلیة لبنی یربوع هؤلاء؛ لأنه لم یكن فی العرب أحد أكثر غارة-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 668
و قوله: «و أجازها أبو عمرو» و لم یقل: رواها- احتج بإجازة أبی عمرو، و یرید ابن العلاء؛ لأنه إمام فی معرفة ما یجوز و ما لا یجوز من علم اللغة و النحو.
و قال فی «المفردات»: «و سأل حسین «1» الجعفی «2» أبا عمرو عن كسر الیاء، فأجازه».
قال الحافظ- رحمه الله-: « [قرأ] هشام من قراءتی علی أبی الفتح: (أفیدة) [37] بیاء بعد الهمزة، و كذا نص علیه الحلوانی عنه».
تقییده هذه الروایة بقراءته علی أبی الفتح یقتضی أنه قرأ علی غیره بغیر یاء
______________________________
- علی ملوك الحیرة منهم، فصالحوهم، علی أن جعلوا لهم الردافة، و یكفوا عن أهل العراق الغارة.
و من أیامهم: یوم طخفة، لبنی یربوع علی قابوس بن المنذر بن ماء السماء.
و یوم المروت، لبنی حنظلة، و بنی عمرو بن تمیم علی قشیر بن كعب بن ربیعة بن عامر ابن صعصعة، و كان الذكر فیه لبنی یربوع، فاستنقذ بنو یربوع أموال بنی العنبر و سبیهم من بنی عامر.
و یوم منعج كان، لبنی یربوع علی بنی كلاب.
ینظر: معجم قبائل العرب (3/ 1262)، الاشتقاق لابن درید ص (135)، الصحاح للجوهری (1/ 591) (2/ 27)، لسان العرب لابن منظور (3/ 237)، (9/ 469) (11/ 116)، صبح الأعشی للقلقشندی (1/ 348)، القاموس للفیروزآبادی (2/ 236)، (3/ 26، 112، 166، 301)، معجم ما استعجم للبكری (1/ 133، 171) (2/ 477، 567)، مجمع الأمثال للمیدانی (2/ 262).
(1) فی ب: حسن.
(2) الحسین بن علی بن فتح، الإمام الحبر، أبو عبد الله و یقال: أبو علی، الجعفی مولاهم، الكوفی الزاهد أحد الأعلام، قرأ علی- الكامل- حمزة، و هو أحد الذین خلفوه فی القیام بالقراءة، و روی القراءة عن- جامع البیان- أبی بكر بن عیاش و- الكامل- أبی عمرو ابن العلاء، قرأ علیه أیوب بن الموكل، و روی عنه القراءة خلاد بن خالد و- جامع البیان- أبو هشام محمد بن یزید الرفاعی و- الكامل- هارون بن حاتم و- الكامل- عنبسة ابن النضر و الطیب بن إسماعیل و الحسین بن علی الأسود و محمد بن الهیثم بن خالد و مضر ابن علی و محمد بن إبراهیم الطحان، قال أحمد بن حنبل: ما رأیت أفضل من حسین الجعفی. و قال قتیبة بن سعید قالوا لسفیان بن عیینة: قدم حسین الجعفی؛ فوثب قائما و قال: قدم أفضل رجل یكون قط. و قال موسی بن داود: كنت عند ابن عیینة، فأتاه حسین الجعفی، فقام سفیان فقبل یده، و كان یقول: الحسین الجعفی هذا أفضل رجل فی الأرض.
و روی أبو هشام الرفاعی عن الكسائی قال: قال لی الرشید: من أقرأ الناس الیوم؟ قلت حسین الجعفی. مات فی ذی القعدة سنة ثلاث و مائتین عن أربع و ثمانین.
ینظر غایة النهایة (1/ 247).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 669
كالجماعة، و لم یذكر فی المفردات إلا هذه القراءة و قال: «و به آخذ».
و لم یذكر الشیخ و الإمام هذه القراءة، و الله تبارك و تعالی أعلم و أحكم.

سورة النحل‌

قال الحافظ- رحمه الله-: « [قرأ] البزی بخلاف عنه: (أین شركای الذین) «1» [الآیة: 27] بغیر همز».
ذكر فی «المفردات» أنه قرأ علی أبی الحسن بغیر همز، و قرأ علی ابن خواستی و علی فارس بالهمز، و مذهب الشیخ و الإمام ترك الهمز للبزی خاصة، و الله سبحانه و بحمده أعلم و أحكم.

سورة الإسراء

قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة (نئا) «2» [الآیة: 83]: «و قد روی عن أبی شعیب مثل ذلك».
یعنی إمالة فتحة الهمزة من (نئا) فی السورتین [الإسراء: 83، فصلت: 51]،
______________________________
(1) و العامة علی (شركائی) ممدودا، و سكن یاء المتكلم فرقة؛ فتحذف وصلا لالتقاء الساكنین، و قرأ البزی بخلاف عنه بقصره مفتوح الیاء. و قد أنكر جماعة هذه القراءة، و زعموا أنها غیر مأخوذ بها؛ لأن قصر الممدود لا یجوز إلا ضرورة. و تعجب أبو شامة من أبی عمرو الدانی حیث ذكرها فی كتابه مع ضعفها، و ترك قراءات شهیرة واضحة.
قلت: و قد روی عن ابن كثیر أیضا قصر التی فی القصص، و روی عنه أیضا قصر (و رأی) فی مریم، و روی عنه قنبل أیضا قصر (أن رآه استغنی) فی العلق، فقد روی عنه قصر بعض الممدودات؛ فلا تبعد روایة ذلك عنه، و بالجملة فقصر الممدود ضعیف، ذكره غیر واحد، لكن لا یصل إلی حد الضرورة.
ینظر الدر المصون (4/ 322).
(2) قرأ العامة بتقدیم الهمزة علی حرف العلة، من «النأی»، و هو البعد. و ابن ذكوان، و نقلها الشیخ عن ابن عامر بكماله: (ناء)، بتقدیم الألف علی الهمزة، و فیها تخریجان:
أحدهما: أنها من: ناء، ینوء، أی: نهض. قال:
حتی إذا ما التأمت مفاصله‌و ناء فی شق الشمال كاهله و الثانی: أنه مقلوب من «نأی»، و وزنه «فعل» كقولهم فی «رأی»: راء، إلی غیر ذلك.
و لكن متی أمكن عدم القلب، فهو أولی. و هذا الخلاف جار أیضا فی سورة (حم السجدة)، و أمال الألف إمالة محضة الأخوان، و أبو بكر عن عاصم، و بین بین بخلاف عنه السوسی، و كذلك فی فصلت، إلا أبا بكر فإنه لم یمله، و أمال فتحة النون فی السورتین خلف، و أبو الحارث، و الدوری عن الكسائی.
ینظر الدر المصون (4/ 416- 417).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 670
و لم یذكر الشیخ و الإمام هذه الروایة.
و قوله: «و ورش علی أصله فی ذوات الیاء».
یعنی أنه یمیل هنا فتحة الهمزة و الألف بعدها بین بین، و قد تقدم فی باب الإمالة ما یقتضی أن مذهب الشیخ و الإمام الفتح لورش، و الله جلت قدرته و عزت نصرته أعلم و أحكم.

سورة الكهف‌

قال الحافظ- رحمه الله-: « [قرأ] أبو بكر (ردما ائتونی) [95] بكسر التنوین ....» إلی آخره.
وافق الشیخ و الإمام علی هذه القراءة؛ و قالا: إنهما قرءا له أیضا فی هذا الحرف مثل الجماعة، و قال الشیخ: «إن المد اختیار ابن مجاهد».
فأما قوله تعالی: قالَ آتُونِی [الكهف: 96] فذكر [الحافظ] «1» فیه الخلاف عن أبی بكر، و كذلك قال الشیخ و الإمام.
و قال الشیخ: «إن المد فی هذا الموضع اختیار ابن مجاهد و أبی الطیب».
و قد تقدم ذكر فَلا تَسْئَلْنِ [70] فی باب یاءات الإضافة، و الله العلی العظیم هو العلیم الحكیم.

سورة مریم الصدیقة علیها لسلام‌

قال الحافظ- رحمه الله- فی أول السورة «2»: «و كذلك قرأت فی روایة أبی شعیب علی فارس».
یعنی بإمالة الهاء و الیاء.
______________________________
(1) سقط فی أ.
(2) العامة علی تسكین أواخر هذه الأحرف المقطعة؛ و لذلك كان بعض القراء یقف علی كل حرف منها وقفة یسیرة فی تمییز بعضها من بعض، و قرأ الحسن (كاف) بالضم، كأنه جعلها معربة، و منعها من الصرف للعلمیة و التأنیث. و للقراء خلاف فی إمالة (یاء) و (هاء) و تفخیمهما، و بعضهم یعبر عن التفخیم بالضم كما یعبر عن الإمالة بالكسر. و إنما ذكرته؛ لأن عبارتهم فی ذلك موهمة. و أظهر دال صاد قبل ذال (ذكر): نافع و ابن كثیر و عاصم؛ لأنه الأصل، و أدغمها فیها الباقون. و المشهور إخفاء نون (عین) قبل الصاد؛ لأنها تقاربها و یشتركان فی الضم، و بعضهم یظهرها؛ لأنها حروف مقطعة یقصد تمییز بعضها من بعض.
ینظر: الدر المصون (4/ 489).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 671
و ذكر فی «المفردات» هذه القراءة، و ذكر أیضا أنه قرأ علی أبی الحسن بفتح الیاء و إمالة فتحة الهاء.
و لم یذكر الشیخ و الإمام عن أبی شعیب إلا إمالة الهاء خاصة.
و ذكر الحافظ فی «جامع البیان» بسنده إلی أحمد بن صالح «1» عن قالون و ورش عن نافع نون العین مبینة.
______________________________
(1) أحمد بن صالح، الإمام الكبیر، حافظ زمانه بالدیار المصریة، أبو جعفر المصری، المعروف بابن الطبری.
كان أبوه جندیّا من آمل طبرستان.
و كان أبو جعفر رأسا فی هذا الشأن، قل أن تری العیون مثله، مع الثقة و البراعة.
ولد بمصر سنة سبعین و مائة، ضبطه ابن یونس.
حدث عن: ابن وهب فأكثر، و عن سفیان بن عیینة، ارتحل إلیه، و حج، و سار إلی الیمن، فأكثر عن عبد الرزاق. و روی أیضا عن: ابن أبی فدیك، و عنبسة بن خالد الأیلی، و حرمی ابن عمارة، و أسد بن موسی، و عبد الملك بن عبد الرحمن الذماری، و یحیی بن حسان، و یحیی بن محمد الجاری، و أبی نعیم، و عفان، و سلامة بن روح، و خلق سواهم.
حدث عنه: البخاری، و أبو داود، و أبو زرعة الرازی، و محمد بن یحیی، و موسی ابن سهل الرملی، و محمد بن المثنی الزمن، و هو أكبر منه، و محمود بن غیلان، و هو من طبقته، و محمد بن عبد الله بن نمیر، و مات قبله بزمان، و أبو إسماعیل الترمذی، و أبو الأحوص محمد بن الهیثم، و یعقوب الفسوی، و إسماعیل سمویه، و صالح ابن محمد جزرة، و عثمان بن سعید الدارمی، و أبو زرعة الدمشقی، و علی بن الحسین ابن الجنید، و عبید بن رجال، و أحمد بن محمد بن نافع الطحان، و خلق كثیر، آخرهم وفاة أبو بكر بن أبی داود، و قد سمع منه النسائی، و لم یحدث عنه، وقع بینهما، و آذاه أحمد بن صالح، فآذی النسائی نفسه بوقوعه فی أحمد.
روی علی بن عبد الرحمن بن المغیرة، عن محمد بن عبد الله بن نمیر، سمعت أبا نعیم یقول: ما قدم علینا أحد أعلم بحدیث أهل الحجاز من هذا الفتی، یرید أحمد بن صالح.
و قال الحافظ ابن عدی: سمعت أحمد بن عاصم الأقرع بمصر، سمعت أبا زرعة الدمشقی یقول: قدمت العراق، فسألنی أحمد بن حنبل: من خلفت بمصر؟ قلت:
أحمد بن صالح، فسر بذكره، و ذكر خیرا، و دعا الله له.
قال جماعة- منهم البخاری، و ابن زبر-: مات أحمد بن صالح فی شهر ذی القعدة سنة ثمان و أربعین و مائتین. و قد كان أحمد بن صالح من جلة المقرئین.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (12/ 160- 177)، و التاریخ الكبیر (2/ 6)، و الجرح و التعدیل (2/ 56)، تاریخ بغداد (4/ 195- 202)، طبقات الحنابلة (1/ 48، 50)، تذكرة الحفاظ (2/ 495- 496)، میزان الاعتدال (1/ 103- 104)، العبر (1/ 450)، الوافی بالوفیات (6/ 424)، طبقات الشافعیة للسبكی (2/ 6- 8)، غایة النهایة فی طبقات القراء (1/ 62)، تهذیب التهذیب (1/ 39- 42)، النجوم الزاهرة (2/ 328)، طبقات الحفاظ (216).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 672
ثم قال الحافظ بعد كلام: «و لم یرو عن نافع إظهار نون العین عند الصاد، غیر أحمد بن صالح، و إظهارها عندها إظهارا خالصا غیر معروف من مذهب القراء؛ لأن الصاد من حروف الفم، و حكم النون معهن أن تكون مخفاة، و المخفی لیس بمظهر خالص، و لا بمدغم محض، بل هو بمنزلة بین المنزلتین».
قال أبو عثمان المازنی: «بیان النون مع حروف الفم لحن، و لعل أحمد بن صالح قد جعل الإظهار عبارة عن الإخفاء مجازا و اتساعا، كما تجعل الكسرة عبارة عن الإمالة، و الضمة عبارة عن الإشمام فی نظائر ذلك».
فإن كان كذلك فما حكاه من البیان غیر خارج عن الصواب؛ إذ لیس علی الحقیقة بل علی المجاز، علی أن البیان لا یمتنع هاهنا من حیث كانت حروف الهجاء مبنیة علی الانفصال مما بعدها؛ فكان حكمها البیان لذلك، غیر أن الجماعة من القراء علی ترك ذلك هنا، و الأخذ به.
و قوله: «و أمال نافع الهاء و الیاء بین بین».
ذكر الشیخ و الإمام هذا الوجه عن نافع، و ذكرا عنه أیضا الفتح فی الهاء و الیاء.
قال الشیخ: «و بین اللفظین أشهر عنه».
قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة أَ إِذا ما مِتُ [الآیة: 66]: «و قال النقاش عن الأخفش عنه بهمزتین».
و ذكر فی المفردات أنه قرأ بهمزة واحدة علی أبی الفتح و أبی الحسن، و قرأ علی الفارسی بهمزتین، و لم یذكر الشیخ و الإمام عنه إلا بهمزة واحدة، و الله جل و علا أعلم و أحكم.

سورة طه‌

قال الحافظ- رحمه الله- فی صدر السورة «1»: «و ورش و أبو عمرو بإمالة الهاء خاصة».
______________________________
(1) قرأ أبو عمرو بفتح الطاء و كسر الهاء، و كسرهما جمیعا حمزة و الكسائی و أبو بكر و الباقون بفتحهما. قال الزجاج: و تقرأ: (طه) بفتح الطاء و سكون الهاء، و كلها لغات. قال الزجاج:
من فتح الطاء و الهاء؛ فلأن ما قبل الألف مفتوح. و من كسر الطاء و الهاء أمال إلی الكسر؛ لأن الحرف مقصور، و المقصور یغلب علیه الإمالة إلی الكسر.
ینظر اللباب (13/ 164- 165).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 673
وافق الشیخ و الإمام علی ذلك، و زاد الإمام أنه قرأها لورش بین اللفظین.
و ذكر الشیخ أنه روی عن ورش الفتح، ثم قال: «و بالإمالة قرأت علی أبی الطیب.
قال الحافظ- رحمه الله-: «قالون بخلاف عنه: وَ مَنْ یَأْتِهِ مُؤْمِناً [طه: 75] باختلاس كسرة الهاء».
یعنی: [و] بإشباعها، و ذكر الشیخ الوجهین، و أن الاختلاس أشهر، و قال الحافظ فی «مفرداته»: «و الوجهان مشهوران»، و الله تبارك و تعالی أعلم و أحكم.

سورة النور

قال الحافظ- رحمه الله-: «و خلاد بخلاف عنه: یَتَّقْهِ «1» [النور: 52]
______________________________
(1) (و یتقه)، القراء فیه بالنسبة إلی القاف علی مرتبتین:
الأولی: تسكین القاف، و لم یقرأ بها إلا حفص. و الباقون بكسرها.
و أما بالنسبة إلی هاء الكنایة فإنهم فیها علی خمس مراتب:
الأولی: تحریكها مفصولة قولا واحدا، و بها قرأ ورش و ابن ذكوان و خلف و ابن كثیر و الكسائی.
الثانیة: تسكینها قولا واحدا، و بها قرأ أبو عمرو و أبو بكر عن عاصم.
الثالثة: إسكان الهاء أو وصلها بیاء، و بها قرأ خلاد.
الرابعة: تحریكها من غیر صلة، و بها قرأ قالون و حفص.
الخامسة: تحریكها موصولة أو مقصورة، و بها قرأ هشام.
قال السمین الحلبی ... و أما تسكین القاف فإنهم حملوا المنفصل علی المتصل؛ و ذلك أنهم یسكنون عین (فعل) فیقولون: كبد، و كتف، و صبر، فی: كبد و كتف و صبر؛ لأنها كلمة واحدة، ثم أجری ما أشبه ذلك من المنفصل مجری المتصل، فإن (یتقه) صار منه (تقه) بمنزلة (كتف) فسكن كما یسكن، و منه:
قالت سلیمی اشتر لنا سویقا بسكون الراء، كما سكن الآخر:
فبات منتصبا و ما تكردسا و قول الآخر:
عجبت لمولود و لیس له أب‌و ذی ولد لم یلده أبوان یرید: (منتصبا)، و (لم یلده).
و قال مكی: كان یجب علی من سكن القاف أن یضم الهاء؛ لأن هاء الكنایة إذا سكن ما قبلها و لم یكن الساكن یاء ضمت نحو (منه) و (عنه)، و لكن لما كان سكون القاف عارضا لم یعتد به، و أبقی الهاء علی كسرتها التی كانت علیها مع كسر القاف، و لم یصلها بیاء؛ لأن الیاء المحذوفة قبل الهاء مقدرة منویة، فبقی الحذف الذی فی الیاء قبل الهاء علی أصله.-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 674
بإسكان الهاء».
یعنی: و بكسرها- أیضا- وصلتها و الإسكان هی روایته عن أبی الفتح، و الثانیة روایته عن أبی الحسن.
و ذكر الإمام الخلاف عن حمزة، و أن الكسر و إشباع الحركة أكثر و أشهر عنه، و لم یخص ذلك بروایة خلاد، و لم یذكر الشیخ عن حمزة إلا إشباع الكسرة؛ و المراد بالإشباع فی هذه المواضع و ما أشبهها: وصل الحركة بحرف مد من جنسها، و الله أعلم و أحكم.
______________________________
- و قال الفارسی: الكسرة فی الهاء لالتقاء الساكنین، و لیست الكسرة التی قبل الصلة؛ و ذلك أن هاء الكنایة ساكنة فی قراءته، و لما أجری (تقه) مجری «كتف»، و سكن القاف، التقی ساكنان، و لما التقیا اضطر إلی تحریك أحدهما، فإما أن یحرك الأول أو الثانی، و لا سبیل إلی تحریك الأول؛ لأنه یعود إلی ما فر منه، و هو ثقل (فعل)؛ فحرك ثانیهما (علی غیر) أصل التقاء الساكنین؛ فلذلك كسر الهاء، و یؤیده قوله:
................... لم یلده أبوان و ذلك أن أصله: لم (یلده) بكسر اللام و سكون الدال للجزم، ثم لما سكن اللام التقی ساكنان، فلو حرك الأول لعاد إلی ما فر منه، فحرك ثانیهما و هو الدال، و حركها بالفتح و إن كان علی خلاف أصل التقاء الساكنین؛ مراعاة لفتحة الیاء. و قد رد أبو القاسم بن فیّره قول الفارسی، و قال: لا یصح قوله: إنه كسر الهاء لالتقاء الساكنین؛ لأن حفصا لم یسكن الهاء فی قراءته قط. و قد رد أبو عبد الله شارح قصیدته هذا الرد، و قال: و عجبت من نفیه الإسكان عنه مع ثبوته عنه فی أَرْجِهْ [الأعراف: 111] و فَأَلْقِهْ [النمل: 28]، و إذا قرأه فی (أرجه) و (فألقه) احتمل أن یكون (یتقه) عنده قبل سكون القاف كذلك، و ربما یرجح ذلك بما ثبت عن عاصم من قراءته إیاه بسكون الهاء مع كسر القاف. قال شهاب الدین: لم یعن الشاطبی بأنه لم یسكن الهاء قط، الهاء من حیث هی هی، و إنما عنی هاء (یتقه) خاصة، و كان الشاطبی أیضا یعترض التوجیه الذی تقدم عن مكی، و یقول: تعلیله حذف الصلة بأن الیاء المحذوفة قبل الهاء مقدرة منویة؛ فبقی فی حذف الصلة بعد الهاء علی أصله غیر مستقیم من قبل أنه قرأ (یؤدهی) [آل عمران: 75] و شبهه بالصلة، و لو كان یعتبر ما قاله من تقدیر الیاء قبل الهاء لم یصلها.
قال أبو عبد الله: هو و إن قرأ (یؤدهی) و شبهه بالصلة فإنه قرأ: یَرْضَهُ [الزمر: 7] بغیر صلة، فألحق مكی (یتقه) ب (یرضه)، و جعله مما خرج فیه عن نظائره؛ لاتباع الأثر، و الجمع بین اللغتین، و یرجح ذلك عنده؛ لأن اللفظ علیه، و لما كانت القاف فی حكم المكسورة بدلیل كسر الهاء بعدها صار كأنه (یتقه) بكسر القاف و الهاء من غیر صلة، كقراءة قالون و هاشم فی أحد وجهیه، فعلله بما یعلل به قراءتهما، و الشاطبی یرجح عنده حمله علی الأكثر مما قرأ به، لا علی ما قل و ندر؛ فاقتضی تعلیله بما ذكر.
ینظر اللباب (14/ 430- 433).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 675

سورة النمل‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «الكسائی (ألا یا اسجدوا) [الآیة: 25] بتخفیف اللام، و یقف (ألا یا)، و یبتدئ: (اسجدوا) علی الأمر» «1».
______________________________
(1) قرأ الكسائی بتخفیف (ألا) و الباقون بتشدیدها، فأما قراءة الكسائی: (ألا) فیها تنبیه و استفتاح، و (یا) بعدها حرف نداء، أو تنبیه أیضا علی ما سیأتی، و (اسجدوا): فعل أمر، فكان حق الخط علی هذه القراءة أن یكون: یا اسجدوا، و لكن الصحابة أسقطوا ألف (یا) و همزة الوصل من (اسجدوا) خطا لما سقط لفظا، و وصلوا الیاء بسین (اسجدوا)؛ فصارت صورته: (یسجدوا) كما تری، فاتحدت القراءتان لفظا و خطا، و اختلفا تقدیرا. و اختلف النحویون فی (یا) هذه، هل هی حرف تنبیه أو للنداء و المنادی محذوف، تقدیره: یا هؤلاء اسجدوا ... و المرجح أن تكون للتنبیه؛ لئلا یؤدی إلی حذف كثیر من غیر بقاء ما یدل علی المحذوف؛ أ لا تری أن جملة النداء حذفت، فلو ادعیت حذف المنادی كثر الحذف، و لم یبق معمول یدل علی عامله، بخلاف ما إذا جعلتها للتنبیه. و لكن عارضنا هنا أن قبلها حرف تنبیه آخر، و هو (ألا)، و قد اعتذر عن ذلك بأنه جمع بینهما تأكیدا، و إذا كانوا قد جمعوا بین حرفین عاملین للتأكید، كقوله:
فأصبحن لا یسألننی عن بما به فغیر العاملین أولی، و أیضا فقد جمعوا بین حرفین عاملین متحدی اللفظ و المعنی كقوله:
فلا و الله لا یلفی لما بی‌و لا للما بهم أبدا دواء فهذا أولی، و قد كثر مباشرة (یا) لفعل الأمر، و قبلها (ألا) التی للاستفتاح، كقوله:
ألا یا اسلمی ثم اسلمی ثمت اسلمی‌ثلاث تحیات و إن لم تكلّم و قوله:
ألا یا اسلمی یا دار می علی البلی‌و لا زال منهلا بجرعائك القطر و قوله:
ألا یا اسلمی ذات الدمالیج و العقدو ذات اللثاث الغرّ و الفاحم الجعد و قوله:
ألا یا اسلمی یا هند هند بنی بكرو إن كان حیّانا عدی آخر الدهر و قوله:
ألا یا اسقیانی قبل خیل أبی بكرلعل منایانا قربن و لا ندری و قوله:
ألا یا اسقیانی قبل غارة سنجال و قوله:
فقالت ألا یا اسمع أعظك بخطبةو قلت سمعنا فانطقی و أصیبی و قد جاء ذلك و إن لم یكن قبلها (ألا) كقوله:
یا دار هند یا اسلمی ثم اسلمی‌بسمسم أو عن یمین سمسم فعلم أن قراءة الكسائی قویة؛ لكثرة دورها فی لغتهم، و قد سمع ذلك فی النثر، سمع-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 676
______________________________
- بعضهم یقول: ألا یا ارحمونی، ألا یا تصدقوا علینا، و أما قوله:
یا لعنة الله و الأقوام كلهم‌و الصالحین علی سمعان من جار فیحتمل أن تكون (یا) للنداء، و المنادی محذوف، و أن تكون للتنبیه، و هو الأرجح لما مر. و اعلم أن الوقف عند الكسائی علی (یهتدون) تام، و له أن یقف علی (ألا یا) معا، و یبتدئ (اسجدوا) بهمزة مضمومة. و له أن یقف علی (ألا) وحدها، و علی (یا) وحدها؛ لأنهما حرفان منفصلان، و هذان الوقفان وقفا اختبار لا اختیار؛ لأنهما حرفان لا یتم معناهما إلا بما یتصلان به، و إنما فعله القراء امتحانا و بیانا. فهذا توجیه قراءة الكسائی، و الخطب فیها سهل. و أما قراءة الباقین فتحتاج إلی إمعان نظر، و فیها أوجه كثیرة:
أحدها: أن (ألا) أصلها: أن لا، ف «أن» ناصبة للفعل بعدها؛ و لذلك سقطت نون الرفع، و (لا) بعدها حرف نفی، و أن و ما بعدها فی موضع مفعول (یهتدون) علی إسقاط الخافض أی: إلی أن لا یسجدوا، و (لا) مزیدة كزیادتها فی: لِئَلَّا یَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ [الحدید:
29]، و المعنی: فهم لا یهتدون إلی أن یسجدوا.
الثانی: أنه بدل من (أعمالهم) و ما بینهما اعتراض تقدیره: و زین لهم الشیطان عدم السجود لله.
الثالث: أنه بدل من (السبیل) علی زیادة (لا) أیضا، و التقدیر: فصدهم عن السجود لله.
الرابع: أن «ألا یسجدوا» مفعولا له، و فی متعلقه وجهان:
أحدهما: أنه (زین)، أی: زین لهم لأجل ألا یسجدوا.
و الثانی: أنه متعلق ب (صدهم)، أی: صدهم لأجل أن لا یسجدوا، و فی (لا) حینئذ وجهان:
أحدهما: أنها لیست مزیدة، بل باقیة علی معناها من النفی.
و الثانی: أنها مزیدة، و المعنی: و زین لهم لأجل توقعه سجودهم، أو لأجل خوفه من سجودهم.
و عدم الزیادة أظهر.
الخامس: أنه خبر مبتدأ مضمر، و هذا المبتدأ إما أن یقدر ضمیرا عائدا علی (أعمالهم)، التقدیر: هی ألا یسجدوا؛ فتكون (لا) علی بابها من النفی، و إما أن یقدر ضمیرا عائدا علی (السبیل)، التقدیر: هو أن لا یسجدوا؛ فتكون (لا) مزیدة علی ما تقدم لیصح المعنی.
و علی الأوجه الأربعة المتقدمة لا یجوز الوقف علی (یهتدون)؛ لأن ما بعده إما معمول له أو لما قبله من (زین) و (صد)، أو بدل مما قبله أیضا من (أعمالهم) أو من (السبیل) علی ما قرر، بخلاف الوجه الخامس؛ فإنه مبنی علی مبتدأ مضمر، و إن كان ذلك الضمیر مفسرا بما سبق قبله، و قد كتبت (ألا) موصولة غیر مفصولة، فلم تكتب (أن) منفصلة من (لا)؛ فمن ثم: امتنع أن یوقف هؤلاء فی الابتلاء و الامتحان علی (أن) وحدها؛ لاتصالها ب «لا» فی الكتابة، بل یوقف لهم علی (ألا) بجملتها، كذا قال القراء و النحویون متی سئلوا عن مثل ذلك وقفوا لأجل البیان علی كل كلمة علی حدتها؛ لضرورة البیان، و كونها كتبت متصلة ب (لا) غیر مانع من ذلك. ثم قول القراء: كتبت متصلة فیه تجوز و تسامح؛ لأن حقیقة هذا أن یثبتوا صورة نون و یصلونها ب «لا»، فیكتبونها: (أنلا)، و لكن لما أدغمت فیما بعدها-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 677
قال فی «التحبیر»: «رسم ذلك فی سائر المصاحف موصولا».
یعنی أن الیاء موصولة بالسین؛ فعلی هذا یكون وقف الكسائی مخالفا لخط المصحف؛ لأنه یفصل الیاء من السین و یلحقها ألفا.
و أما قراءة الجماعة فذكر فی «التحبیر» أن الوقف لهم أَلَّا بلام مشددة، و الابتداء یَسْجُدُوا بیاء مفتوحة متصلة بالسین.
و قال فی آخر الفصل فی كتاب «التحبیر»: حدثنا محمد بن أحمد «1»، قال: حدثنا
______________________________
- لفظا، و ذهب لفظها إلی لفظ ما بعدها- قالوا ذلك تسامحا. و قد رتب أبو إسحاق علی القراءتین حكما، و هو وجوب سجود التلاوة و عدمه: فأوجبه مع قراءة الكسائی، و كأنه لأجل الأمر به، و لم یوجبه فی قراءة الباقین؛ لعدم وجود الأمر فیها، إلا أن الزمخشری لم یرتضه منه؛ فإنه قال: فإن قلت: أ سجدة التلاوة واجبة فی القراءتین جمیعا أو فی واحدة منهما؟ قلت: هی واجبة فیهما، و إحدی القراءتین أمر بالسجود، و الأخری ذم للتارك، و ما ذكره الزجاج من وجوب السجدة مع التخفیف دون التشدید مرجوع إلیه.
قال شهاب الدین: و كأن الزجاج أخذ بظاهر الأمر، و ظاهره الوجوب، و هذا لو خلینا الآیة لكان السجود واجبا، و لكن دلت السنة علی استحبابه دون وجوبه، علی أنا نقول: هذا مبنی علی نظر آخر، و هو أن هذا الأمر من كلام الله- تعالی- أو من كلام الهدهد محكیا عنه؟ فإن كان من كلام الله- تعالی- فیقال: یقتضی الوجوب إلا أن یجی‌ء دلیل یصرفه عن ظاهره، و إن كان من كلام الهدهد- و هو الظاهر- ففی انتهاضه دلیلا نظر، و هذا الذی ذكروه لیس بشی‌ء؛ لأن المراد بالسجود هاهنا عبادة الله لا عبادة الشمس، و عبادة الله واجبة، و لیس المراد من الآیة سجود التلاوة، و أین كانت التلاوة فی زمن سلیمان- علیه السلام- و لم یكن ثمّ قرآن؟! و قرأ الأعمش: (هلّا) و (هلا) بقلب الهمزة هاء مع تشدید (لا) و تخفیفها، و كذا هی فی مصحف عبد الله. (و قرأ عبد الله) (تسجدون) بتاء الخطاب و نون الرفع، و قرئ كذلك بالیاء من تحت، فمن أثبت نون الرفع ف (ألا) بالتشدید أو التخفیف للتحضیض، و قد تكون المخففة للعرض أیضا، نحو: أ لا تنزل عندنا فتحدّث، و فی حرف عبد الله أیضا: (ألا هل تسجدون) بالخطاب.
قوله: (الذی یخرج الخب‌ء) یجوز أن یكون مجرور المحل نعتا (لله) أو بدلا منه أو بیانا، و منصوبة علی المدح، و مرفوعه علی خبر ابتداء مضمر.
ینظر اللباب (5/ 142- 147).
(1) محمد بن أحمد بن عبد الرحمن، أبو الحسین الملطی الشافعی، نزیل عسقلان، فقیه مقرئ متقن ثقة، أخذ القراءة عرضا عن ابن مجاهد و ابن الأنباری، و أخذ القراءة عنه عرضا الحسن بن ملاعب الحلبی، و روی عنه الحروف عبید الله بن سلمة المكتب، و سمع خیثمة الأطرابلسی و أحمد بن مسعود الوزان، و روی عنه عبید الله بن سلمة المكتب و إسماعیل ابن رجاء و عمر بن أحمد الواسطی، قال الدانی: مشهور بالثقة و الإتقان، سمعت إسماعیل ابن رجاء یقول كان كثیر العلم كثیر التصنیف فی الفقه، و كان یتفقه للشافعی و كان یقول-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 678
محمد بن القاسم الأنباری قال: «من قرأ أَلَّا یَسْجُدُوا بالتثقیل وقف أَلَّا یَسْجُدُوا، و هذا معنی قوله فی «التیسیر»: «و یقفون علی الكلمة بأسرها».
قال الحافظ- رحمه الله-: (فما آتین اللّه) [36] أثبتها مفتوحة فی الوصل ساكنة فی الوقف، قالون و حفص و أبو عمرو بخلاف عنهم».
یعنی فی الوقف.
و ذكر الحافظ فی كتاب «التحبیر» هذه الیاء فی جملة الیاءات المحذوفات من الرسم؛ فعلی هذا یكون وقف من أثبتها فی الوقف مخالفا لخط المصحف، و هذه المسألة و التی قبلها تلحقان بباب الوقف علی مرسوم الخط علی ما ذكر فی آخر الباب هناك، و ذكر الحافظ الخلاف فی الوقف عن قالون و حفص و أبی عمرو، و یظهر أن الإثبات عنده أرجح، و كذلك فعل الإمام، و یظهر أن الحذف عنده أرجح.
و أما الشیخ فلم یذكر عنهم فی الوقف إلا إثبات الیاء خاصة، ثم قال: «و قد قال ابن مجاهد: إن من فتح الیاء یقف بیاء».
ثم قال «فیجب علی قوله: أن یقف ورش بالیاء».
و ذكر الحافظ هذه الیاء هنا فی الزوائد؛ بناء علی كونها محذوفة فی الخط، و لأنها تحذف فی الوقف، و ذكرها فیما تقدم فی باب یاءات الإضافة و فی باب الزوائد- أیضا- و كذلك ذكرها الشیخ فی یاءات الإضافة، ثم عدها فی الزوائد، و إنما جعلها من یاءات الإضافة؛ لأنها ضمیر المتكلم، وعدها من المحذوفات؛ لسقوطها من الرسم، و الله عز جلاله و جل كماله أعلم.
______________________________
- الشعر، قلت- ابن الجزری- له قصیدة عارض بها أبا مزاحم الخاقانی، أنشدنیها الشیخ أبو المعالی المقرئ شفاها عن ست الدار الوجیهیة عن إبراهیم بن وثیق عن ابن زرقون عن الخولانی عن أبی عمرو قال أنشدنی إیاها عبید الله من لفظه، و أنشدنیها بمصر أبو محمد إسماعیل بن رجاء من حفظه قالا: أنشدنا أبو الحسین الملطی، و أولها:
أقول لأهل اللب و الفضل و الحجرمقال مرید للثواب و للأجر
و أسأل ربی عفوه و عطاءه‌و طرد دواعی العجب عنی و الكبر
و أدعوه خوفا راغبا بتذلل‌لیغفر لی ما كان من سیئ الأمر
و أسأله عونا كما هو أهله‌أعوذ به من آفة القول و الفخر مات بعسقلان سنة سبع و سبعین و ثلاثمائة.
ینظر غایة النهایة (2/ 67) (2739).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 679
و أما قول الإمام فی آخر هذه السورة: «فیها ثلاث محذوفات».
فیعنی الیاء من أَ تُمِدُّونَنِ [الآیة: 36]، و الیاء من (فما آتین) [الآیة: 36] و الیاء من وادِ النَّمْلِ [الآیة: 18]، و ذلك أن الكسائی یثبت هذه الثالثة «1» فی الوقف، و قد تقدم هذا فی باب الوقف علی مرسوم الخط، و لم یعد الحافظ و الشیخ هذه الیاء الثالثة فی الزوائد؛ لأنها لا تثبت فی الوصل، و هذا الذی فعل الإمام یقتضی أن یعد الیاءات التی أثبت ابن كثیر فی قوله تعالی: هادٍ [الرعد: 7] و والٍ [الرعد: 11] و واقٍ [الرعد: 37] و باقٍ [النحل: 96] فی جملة الزوائد، و لم یفعل [ذلك] «2» و الله جل و علا و تبارك و تعالی أعلم.

سورة القصص‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و [قرأ] أبو عمرو أَ فَلا یَعْقِلُونَ [60] بالیاء».
و حكی الشیخ و الإمام أن أبا عمرو خیر بین الیاء و التاء، و أن الأولی أشهر عنه، أعنی المعجمة من أسفل، و الله سبحانه أعلم و أحكم.

سورة الروم‌

شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات 679 سورة الروم ..... ص : 679
ل الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة وَ كَذلِكَ تُخْرَجُونَ [الآیة: 19]:
«و كذلك قال النقاش عن الأخفش هنا خاصة».
یعنی عن «3» ابن ذكوان أنه یقرأ: تُخْرِجُونَ بفتح التاء و ضم الراء، و هذا التقیید یقتضی أنه یقرؤه أیضا بضم التاء و فتح الراء، كما نقل الشیخ و الإمام.
قال الحافظ- رحمه الله-: «ابن عامر بخلاف عن هشام: كِسَفاً [48] بإسكان السین».
لم یذكر الشیخ و الإمام خلافا عن هشام فی إسكان السین.
قال الحافظ رحمه الله: «وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَ [الروم: 52] و وَ ما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْیِ [الروم: 53]، قد ذكرا».
یعنی: فی النمل، و الذی یحتاج إلیه هذا الموضع من التنبیه: أن الحافظ ذكر فی
______________________________
(1) فی ب: الیاء.
(2) سقط فی أ.
(3) فی أ: أن.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 680
التحبیر أن المصاحف أجمعت علی رسم بِهادِ الْعُمْیِ بغیر یاء فی هذه السورة، و كذلك ذكر الشیخ فی التبصرة؛ فعلی هذا یكون وقف حمزة و الكسائی هنا بالیاء مخالفا لخط المصحف، و قد زاد الإمام عن الكسائی أنه وقف فی الروم بغیر یاء، و أما الحرف الذی فی النمل، فأجمعت المصاحف علی رسمه بالیاء، و كذلك وقف علیه جمیع القراء.
و قال الشیخ: «و قد روی عن الكسائی أنه وقف علیهما بغیر یاء».
یعنی فی السورتین، ثم ذكر أن مذهب أبی الطیب الوقف علیهما بالیاء، و هذا الموضع من الموعود به فی آخر باب الوقف علی مرسوم الخط.
قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة مِنْ ضَعْفٍ [الآیة: 54]: «و بالوجهین یأخذ له».
یعنی لحفص.
و قال الإمام: «و بالوجهین قرأت له».
و ذكر الشیخ المسألة، و لم یذكر لنفسه فی التبصرة قراءة و لا اختیارا.
إلا أنه قال فی المفردات: «إن حفصا قرأ بالضم كقالون».
و كذا مقتضی قوله فی كتاب التذكرة، فیظهر من هذا أنه یأخذ بالضم، و الله العلی العظیم أعلم و أحكم.

سورة الأحزاب‌

قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة اللَّائِی [الآیة: 4] «1»: «إلا ورشا؛ فإن
______________________________
(1) قرأ الكوفیون و ابن عامر: (اللائی) هاهنا و فی سورة الطلاق بیاء ساكنة بعد همزة مكسورة، و هذا هو الأصل فی هذه اللفظة؛ لأنه جمع (التی) معنی، و أبو عمرو و البزی: (اللائی) بیاء ساكنة وصلا بعد ألف محضة فی أحد وجهیهما، و لهما وجه آخر، و وجه هذه القراءة أنهما حذفا الیاء بعد الهمزة تخفیفا، ثم أبدلا الهمزة یاء و سكناها؛ لصیرورتها یاء مكسورا ما قبلها، إلا أن هذا لیس بقیاس؛ و إنما القیاس جعل الهمزة بین بین.
قال أبو علی: لا یقدم علی مثل هذا البدل إلا أن یسمع. قال شهاب الدین: قال أبو عمرو بن العلاء: إنها لغة قریش التی أمر الناس أن یقرءوا بها. و قال بعضهم: لم یبدلوا، و إنما كتبوا فعبر عنهم القرآن بالإبدال. و لیس بشی‌ء. و قال أبو علی: أو غیر بإظهار أبی عمرو (اللائی یئسن) یدل علی أنه یشهد و لم یبدل. و هذا غیر لازم؛ لأن البدل عارض فلذلك لم یدغم.
و قرأها ورش بهمزة مسهلة بین بین، و هذا الذی زعم بعضهم أنه لم یصح عنهم غیره،-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 681
المد و القصر جائزان فی مذهبه؛ لما ذكرناه فی باب الهمزتین».
یعنی قوله فی باب الهمزتین من كلمتین: «و متی سهلت الهمزة الأولی من المتفقتین أو أسقطت فالألف التی قبلها ممكنة علی حالها مع تحقیقها؛ اعتدادا بها، و یجوز أن تقصر الألف؛ لعدم الهمزة لفظا، و الأول أوجه، و قال الإمام فی هذه المسألة: «و كلهم مد غیر ورش».
قال الحافظ- رحمه الله-: « [قرأ] حمزة و أبو عمرو (الظنون) «1» [الآیة: 10] و (الرسول) [الآیة: 66] و (السبیل) [الآیة: 67] بحذف الألف فی الحالین فی الثلاثة، و ابن كثیر و حفص و الكسائی بحذفها فیهن فی الوصل خاصة، و الباقون بإثباتها فی الحالین».
و قال فی التحبیر: «رسمت هذه الثلاثة المواضع فی هذه السورة خاصة بالألف، كما حدثنا خلف بن إبراهیم قال: حدثنا أحمد بن محمد المكی قال: حدثنا علی
______________________________
- و هو تخفیف قیاسی، و إذا وقفوا سكنوا الهمزة، و متی سكنوها استحال تسهیلها بین بین، لزوال حركتها فتقلب یاء لوقوعها ساكنة بعد كسرة، و لیس هذا من مذهبهم تخفیفها فتقرأ همزة، و قرأ قنبل و ورش بهمزة مكسورة دون یاء، حذف الیاء و اجتزأ عنها بالكسرة، و هذا الخلاف بعینه جار فی المجادلة أیضا و الطلاق.
ینظر اللباب (15/ 498- 499).
(1) قرأ نافع و ابن عامر و أبو بكر بإثبات ألف بعد نون (الظنون) و لام (الرسول) فی قوله:
وَ أَطَعْنَا الرَّسُولَا [الأحزاب: 66] و لام (السبیل) فی قوله: فَأَضَلُّونَا السَّبِیلَا [الأحزاب: 67] وصلا و وقفا موافقة للرسم؛ لأنهن رسمن فی المصحف كذلك، و أیضا فإن هذه الألف تشبه هاء السكت لبیان الحركة، و هاء السكت تثبت وقفا للحاجة إلیها، و قد ثبتت وصلا؛ إجراء للوصل مجری الوقف فكذلك هذه الألف، و قرأ أبو عمرو و حمزة بحذفها فی الحالین؛ لأنها لا أصل لها. و قولهم: أجریت الفواصل مجری القوافی، غیر معتد به؛ لأن القوافی یلتزم الوقف علیها غالبا، و الفواصل لا یلزم ذلك فیها فلا تشبه بها، و الباقون بإثباتها وقفا و حذفها وصلا؛ إجراء للفواصل مجری القوافی فی ثبوت ألف الإطلاق كقوله:
أستأثر الله بالوفاء و بالعدل‌و ولی الملامة الرجلا و قوله:
أقلی اللوم عاذل و العتاباو قولی إن أصبت لقد أصابا و لأنها كهاء السكت، و هی تثبت وقفا و تحذف وصلا، قال شهاب الدین: (كذا یقولون تشبیها للفواصل بالقوافی، و أنا لا أحب هذه العبارة؛ فإنها منكرة لفظا).
و لا خلاف فی قوله (و هو یهدی السبیل) أنه بغیر ألف فی الحالین.
ینظر اللباب (15/ 511).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 682
ابن عبد العزیز «1»، قال: حدثنا أبو عبید القاسم بن سلام، قال: رأیتهن ثلاثتهن فی الذی یقال له «الإمام»: مصحف عثمان بن عفان- رضی الله عنه- بالألف».
فعلی هذا یكون من حذف الألف فی الحالین أو فی الوصل خاصة، قد خالف الخط، و هذا الموضع من المواضع الموعود بها فی آخر باب الوقف علی مرسوم الخط، و الله عز و علا و تبارك و تعالی أعلم و أحكم.

سورة یس‌

قال الحافظ- رحمه الله-: « [قرأ] أبو بكر و حمزة و الكسائی یس «2» [الآیة:
______________________________
(1) علی بن عبد العزیز بن المرزبان بن سابور: الإمام، الحافظ، الصدوق، أبو الحسن البغوی، نزیل مكة.
ولد سنة بضع و تسعین و مائة.
و سمع: أبا نعیم، و عفان، و القعنبی، و مسلم بن إبراهیم، و موسی بن إسماعیل، و أبا عبید، و أحمد بن یونس، و علی بن الجعد، و عاصم بن علی، و طبقتهم.
و جمع، و صنف (المسند) الكبیر، و أخذ القراءات عن أبی عبید و غیره.
سمع منه الحروف: أحمد بن التائب، و إبراهیم بن عبد الرزاق، و أبو سعید ابن الأعرابی، و أبو إسحاق بن فراس، و محمد بن عیسی بن رفاعة، و أحمد بن خالد ابن الجباب.
و حدث عنه أیضا: علی بن محمد بن مهرویه القزوینی، و أبو علی حامد الرفاء و عبد المؤمن بن خلف النسفی، و أبو الحسن علی بن إبراهیم بن سلمة القطان، و أبو القاسم الطبرانی، و خلق كثیر من الرحالة و الوفد.
و كان حسن الحدیث. قال الدارقطنی: ثقة مأمون. و قال ابن أبی حاتم: كتب إلینا بحدیث أبی عبید، و كان صدوقا.
مات سنة ست و ثمانین و مائتین، و قیل: سنة سبع.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (13/ 348، 349)، و الجرح و التعدیل (6/ 196)، معجم الأدباء (14/ 11- 14)، تذكرة الحفاظ (2/ 622- 623)، میزان الاعتدال (3/ 143)، لسان المیزان (4/ 241)، شذرات الذهب (2/ 193).
(2) و أمال الیاء من (یس) الأخوان، و أبو بكر؛ لأنها اسم من الأسماء.
قال الفارسی: و إذا أمالوا (یا) و هی حرف نداء فلأن یمیلوا (یا) من (یس) أجدر.
و قرأ عیسی و ابن أبی إسحاق بفتح النون إما علی البناء علی الفتح تخفیفا ك (أین و كیف) و إما علی أنه مفعول ب (اتل) و إما علی أنه مجرور بحرف القسم، و هو علی الوجهین غیر منصرف للعلمیة و التأنیث، و یجوز أن یكون منصوبا علی إسقاط حرف القسم كقوله:
................. أمانة الله الثرید و قرأ الكلبی بضم النون، فقیل: علی أنها خبر مبتدأ مضمر، أی: هذه یس، و منعت من الصرف.-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 683
1] بإمالة فتحة الیاء»، قال الشیخ: «إلا أن حمزة أقرب إلی بین اللفظین».
قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة یَخِصِّمُونَ [الآیة: 49]: «و النص عن قالون بالإسكان»، قال الإمام: «قرأ قالون بالإسكان مثل حمزة»، ثم قال: «و قرأتها له أیضا مختلسة».
و ذكر الشیخ الإسكان عن قالون، ثم قال: «و هذه ترجمة لا یستطاع اللفظ بها، و أحسن منها لقالون أنه أخفی حركة الخاء و شدد الصاد، و كذلك قرأ أبو عمرو مثل قالون، و قیل عن أبی عمرو: إنه اختلس حركة الخاء». انتهی كلام الشیخ.
و قوله: «لا یستطاع اللفظ بها».
یرید: لما یلزم من التقاء الساكنین، لكنه یلزمه أن یقول مثله فی قراءة حمزة:
(و ما اسطّاعوا) بتشدید الطاء فی آخر الكهف [الآیة: 97]، و لا خلاف فی تشدید الصاد عن قالون و غیره سوی حمزة. و الله سبحانه و له الحمد أعلم و أحكم.

سورة الصافات‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و أقرأنی أبو الفتح فی روایة خلاد: فَالتَّالِیاتِ ذِكْراً [3] فَالْمُغِیراتِ صُبْحاً [العادیات: 3] بالإدغام».
و ذكر [الشیخ] «1» فی «المفردات» أنه قرأهما علی طاهر بن غلبون بالإظهار.
______________________________
- و قیل: بل هی حركة بناء ك (حیث)؛ فیجوز أن (یكون) خبرا كما تقدم، و أن یكون مقسما بها نحو: (عهد الله، لأفعلن).
و قیل: لأنها منادی فبنیت علی الضم؛ و لهذا فسرها الكلبی القارئ لها ب (یا إنسان).
قال: و هی لغة طیئ. قال الزمخشری: إن صح معناه فوجهه أن یكون أصله:
یا أنیسین، فكثر النداء به علی ألسنتهم حتی اقتصروا علی شطره كما قالوا فی القسم:
(م الله) فی: ایمن الله.
قال أبو حیان: و الذی نقل عن العرب فی تصغیر «إنسان» أنیسان، بیاء بعدها ألف؛ فدل أن أصله: أنسیان؛ لأن التصغیر یرد الأشیاء إلی أصولها، و لا نعلم أنهم قالوا فی تصغیره:
أنیسین. و علی تقدیر أنه یصغر كذلك فلا یجوز ذلك إلا أن یبنی علی الضم؛ لأنه منادی مقبل علیه، و مع ذلك فلا یجوز؛ لأنه تحقیر، و یمتنع من ذلك فی حق النبوة.
قال شهاب الدین: أما الاعتراض الأخیر فصحیح، نصوا علی أن التصغیر لا یدخل فی الأسماء المعظمة شرعا؛ و لذلك یحكی أن ابن قتیبة (لما قال) فی «المهیمن» إنه مصغر من (مؤمن)، و الأصل: مؤیمن، فأبدلت الهمزة هاء- قیل له: هذا یقرب من الكفر؛ فلیتق الله قائله. ینظر: اللباب (16/ 162- 164).
(1) سقط فی ب.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 684
قال: «و هو المعروف».
و لم یذكر الشیخ و الإمام عن خلاد فی المرسلات و العادیات إلا الإظهار.
قال الحافظ- رحمه الله-: « [قرأ] ابن ذكوان من قراءتی علی الفارسی عن النقاش عن الأخفش عنه: وَ إِنَّ إِلْیاسَ [الآیة: 123] بحذف الهمزة» «1» یعنی من أول الاسم، إلی قوله: «و الله أعلم بما أراد».
هذا الكلام ظاهر فی التشكك فی قول ابن ذكوان بحذف الهمزة، و قال فی «المفردات»: «إنه قرأ «2» بلا همز فی وسط الاسم»، یرید: بین الیاء و السین، و إن البغدادیین ظنوا أنه أراد بلا همز فی أول الاسم، و إن ابن ذكوان لم یرد إلا بلا همز فی وسطه، و قال أیضا فی «المفردات»: إنه یأخذ بالهمز، و استدل علی صحة ذلك بإجماع الآخذین عنه من أهل بلده بالهمز فی أوله، و إثبات الهمز فی أوله هو مذهب الشیخ و الإمام، و الله عز جلاله و جل كماله أعلم و أحكم.

سورة الزمر

ذكر الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة یَرْضَهُ لَكُمْ «3» [الآیة: 7] عن هشام:
الاختلاس و الإسكان، و عن أبی عمر الدوری عن الیزیدی عن أبی عمرو: الإسكان و الإشباع.
______________________________
(1) قرأ العامة (إلیاس) بهمزة مكسورة همزة قطع، و ابن ذكوان بوصلها، و لم ینقلها عنه أبو حیان، بل نقلها عن جماعة غیره، و وجه القراءتین: أنه اسم أعجمی تلاعبت به العرب فقطعت همزته تارة و وصلتها أخری، و قالوا فیه (إلیاسین) كجبرائین، و قیل: تحتمل قراءة الوصل أن یكون اسمه: یاسین، ثم دخلت علیه (أل) المعرّفة كما دخلت علی (یسع).
ینظر اللباب (16/ 339).
(2) فی أ: قصد.
(3) قرأ ابن كثیر و الكسائی و ابن ذكوان (یرضهو) بالصلة. و هی الأصل من غیر خلاف و هی قراءة واضحة. قال الواحدی: من أشبع الهاء حتی ألحق فیها واوا؛ لأن ما قبل الهاء متحرك فصار بمنزلة: ضربه.
و قرأ: (یرضه) بضم الهاء من غیر صلة بلا خلاف، نافع و عاصم و حمزة.
و قرأ (یرضه) بإسكانها وصلا من غیر خلاف، السوسی عن أبی عمرو.
و قرأ بالوجهین- أعنی الإسكان و الصلة- الدوری عن أبی عمرو.
و قرأ بالإسكان و التحریك من غیر صلة، هشام عن ابن عامر.
ینظر: اللباب (16/ 478- 479).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 685
و لم یذكر الشیخ و الإمام الإسكان عن واحد منهما.
قال الحافظ- رحمه الله-: « [قرأ] أبو شعیب (فبشر عبادی الذین) [الآیة:
17- 18] بیاء مفتوحة فی الوصل ساكنة فی الوقف ...» إلی آخر الكلام.
ذكر الحافظ فی «التحبیر» أنه رسم بغیر یاء: فمن روی إثبات الیاء فی الوصل، أو فی الوقف فقد خالف الخط، و هذا الموضع من المواضع الموعود بها فی آخر باب الوقف علی مرسوم الخط، و الله سبحانه و تعالی أعلم و أحكم.

سورة السجدة

قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة (آعجمیّ) [فصلت: 44]: «علی أن بعض أهل الأداء من أصحابنا یأخذ لابن ذكوان بإشباع المد هنا، و فی ن وَ الْقَلَمِ [القلم: 1- 2] ...» إلی آخر كلامه.
الأخذ بإشباع المد لابن ذكوان فی هذین الموضعین هو مذهب الشیخ و مذهب الإمام، و الله لا إله إلا هو أعلم و أحكم.

سورة الزخرف‌

قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة: أَ شَهِدُوا [الآیة: 19]: «و قالون من روایة أبی نشیط بخلاف عنه یدخل قبلها ألفا».
إدخال الألف هی قراءته علی أبی الفتح، و ترك الألف هی قراءته علی أبی الحسن، و قد نبه الشیخ علی وجود الخلاف، إلا أن مذهبه و مذهب الإمام ترك الألف.
قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة: لَمَّا مَتاعُ [الآیة: 35]: «و هشام بخلاف».
لم یذكر الشیخ و الإمام عن هشام إلا التشدید.
قال الحافظ- رحمه الله-: «یا عِبادِ لا خَوْفٌ [الآیة: 68]: فتحها أبو بكر فی الوصل ...» إلی آخر كلامه.
لم یذكر هنا كیف یصنع أبو بكر فی الوقف، هل یسكنها أو یحذفها؟ و قد ذكر فی باب الیاءات الزوائد أنه یسكنها فی الوقف فاكتفی بذلك عن التكرار هنا، و ذكر فی التحبیر بسنده عن محمد بن أحمد عن ابن الأنباری أنه فی مصاحف أهل المدینة
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 686
بیاء، و فی مصاحفنا- یعنی: أهل العراق- بغیر یاء.
ثم ذكر الحافظ أنه فی مصاحف أهل الشام بالیاء، فعلی هذا یكون حیث ثبت من المصاحف- أی: من مصاحف المدینة و الشام و غیرهما- حاشا مصاحف أهل العراق فتكون من یاءات الإضافة، [و إذا وجدت] «1» فی مصاحف أهل العراق [حسب؛ فتكون] «2» من الزوائد، و الله [عز وجهه و جل ذكره] «3» أعلم [و أحكم] «4».

سورة الأحقاف‌

قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة: لِیُنْذِرَ [الآیة: 12]: «و البزی بخلاف عنه».
و ذكر فی «المفردات» عن البزی (لتنذر) بالتاء المعجمة من فوق، ثم قال:
«و أقرأنی الفارسی بالیاء»، ثم قال: «و بالأول آخذ»، و مذهب الشیخ و الإمام بالتاء المعجمة من فوق.
قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة أَذْهَبْتُمْ [الآیة: 20]: «و ابن كثیر و هشام بهمزة و مدة».
ثم قال: «و هشام أطول مدا علی أصله».
أراد: فی مذهب ابن كثیر بهمزة محققة و همزة ملینة، فسمی الملینة مدا، و أراد فی مذهب هشام بهمزة محققة و بعدها ألف ساكنة، و بعد الألف الساكنة همزة ملینة، فسمی مجموع الساكنة و الهمزة الملینة مدة، و إنما كان هشام أطول مدا من ابن كثیر من أجل الألف التی قبل الهمزة الملینة.
و قوله: «علی أصله» یعنی فی باب أَ أَنْذَرْتَهُمْ، و هذه المسامحة فی تسمیة الهمزة الملینة: مدة، جاریة علی ما تقدم فی «آل عمران»، و الله عز و جل أعلم و أحكم.
______________________________
(1) فی أ: و قد یكون.
(2) سقط فی أ.
(3) سقط فی ب.
(4) سقط فی ب.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 687

سورة محمد صلی اللّه علیه و سلم‌

ذكر الحافظ- رحمه الله- عن البزی آنِفاً [الآیة: 16] بالقصر من قراءته علی أبی الفتح، و بالمد من قراءته علی الفارسی «1»، و من روایة الخزاعی، و قال: «و به آخذ» یعنی بالمد، و هو مذهب الشیخ و الإمام؛ إذ لم یتعرض لها واحد منهما، كما لم یتعرض لها الحافظ فی «مفرداته»، و الله تقدست أسماؤه و تعالی علاؤه أعلم و أحكم.

سورة ق‌

قال الحافظ- رحمه الله- فی آخرها: «و قال النقاش عن أبی ربیعة عن البزی و ابن مجاهد عن قنبل: یُنادِی [الآیة: 41] بالیاء فی الوقف».
و نحو هذا ذكر فی المفردات، و ذكر فی التحبیر أنه رسم بغیر یاء.
ثم قال: «و اختلف عن ابن كثیر فی الوقف علیه، فوقفت علی عبد العزیز ابن جعفر فی روایة البزی عن أصحابه عنه من قراءته علی أبی بكر محمد بن الحسن النقاش عن أبی ربیعة عن البزی: بالیاء.
و حدثنا عبد العزیز بن جعفر، قال: حدثنا عبد الواحد بن عمر، قال: حدثنا ابن مخلد عن البزی: یُنادِی بالیاء.
قال ابن مخلد: فسألته عن الوقف- یعنی: البزی- فقال: بالیاء.
و كذلك روی الحلوانی عن القواس «2»، و كذلك حكی ابن مجاهد فی كتاب
______________________________
(1) قوله: آنِفاً، فیه وجهان:
أحدهما: أنه منصوب علی الحال، فقدره أبو البقاء: ما ذا قال مؤتنفا، و قدره غیره:
مبتدئا. أی: القول الذی ائتنفه الآن قبل انفصاله عنه.
الثانی: أنه منصوب علی الظرف، أی: ما ذا قال الساعة قاله الزمخشری، و أنكره الشیخ، قال: لأنا لم نعلم أحدا عده من الظروف. و اختلفت عباراتهم فی معناه: فظاهر عبارة الزمخشری: أنه ظرف حالی كالآن؛ و لذلك فسره بالساعة، و قال ابن عطیة: و المفسرون یقولون آنفا، معناه: الساعة الماضیة القریبة منا، و هذا تفسیر بالمعنی.
و قرأ البزی بخلاف عنه (أنفا) بالقصر، و الباقون بالمد، و هما لغتان بمعنی واحد، و هما اسما فاعل: كحاذر و حذر، و آسن و أسن، إلا أنه لم یستعمل لهما فعل مجرد، بل المستعمل: ائتنف یأتنف، و استأنف یستأنف، و الائتناف و الاستئناف: الابتداء. قال الزجاج: هو من: استأنفت الشی‌ء إذا ابتدأته، أی: ما ذا قال فی أول وقت یقرب منا.
ینظر الدر المصون (6/ 152).
(2) أحمد بن محمد بن علقمة بن نافع بن عمر بن صبح بن عون، أبو الحسن النبال المكی المعروف بالقواس، إمام مكة فی القراءة، قرأ علی وهب بن واضح، و قرأ علیه- المبهج-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 688
«الجامع» عن ابن كثیر أنه یقف بالیاء.
و قال فی كتاب «قراءة المكیین» عن قنبل بالیاء، و عن الخزاعی بغیر یاء.
و لم یذكره فی كتاب «السبعة»، و لم یرو فی ذلك عن الباقین نصا إلا ما رویناه من اتباعهم للمرسوم عند الوقف، فذلك دلیل علی أن الوقف بغیر یاء». انتهی قول الحافظ فی التحبیر.
و لم یتعرض الشیخ و الإمام لهذه المسألة؛ فالحاصل أنهما لا یثبتانها فی الوقف، و الله تبارك و تعالی أعلم و أحكم.

سورة الطور

قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة الْمُصَیْطِرُونَ [الآیة: 37]: «و حفص بخلاف عنه».
قرأ الحافظ (المسیطرون) بالسین لحفص علی فارس بن أحمد، و بالصاد علی أبی الحسن، و مذهب الشیخ و الإمام بالصاد.
و قرأ الحافظ لخلاد بین الصاد و الزای علی أبی الحسن، و بالصاد الخالصة علی أبی الفتح، و مذهب الشیخ و الإمام بین الصاد و الزای، و الله سبحانه و له الحمد أعلم و أحكم.

سورة النجم‌

اتفق الحافظ و الشیخ و الإمام علی أنه یجوز فی الابتداء ب الْأُولی، من قوله تعالی: عاداً الْأُولی «1» [الآیة: 50] علی مذهب ورش و أبی عمرو الْوَلِیُ بإثبات همزة الوصل مفتوحة و ضم اللام بعدها و إثبات واو ساكنة بعد اللام.
______________________________
- و جامع البیان- قنبل و- جامع البیان و الكامل- عبد الله بن جبیر الهاشمی و- جامع البیان- أحمد بن یزید الحلوانی و البزی أیضا فی قول الدانی و غیره و- الكامل- محمد بن شریح و- الكامل- محمد بن بشر و- الكامل- سعدان بن كثیر الجدی، و روینا عنه أنه كان ینشد شاهدا علی قراءة تشدید الیاء من حَیَّ عَنْ بَیِّنَةٍ [الأنفال: 42] و هی قراءته التی رواها قنبل عنه:
سألتنی جارتی عن معشرو إذا ما عیّ ذو اللب سأل
سألتنی عن أناس ذهبواشرب الدهر علیهم و أكل توفی سنة أربعین و مائتین و قیل سنة خمس و أربعین.
ینظر غایة النهایة (1/ 123، 124) (570).
(1) قال السمین الحلبی: اعلم أن هذه الآیة الكریمة من أشكل الآیات نقلا و توجیها، و قد یسر-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 689
______________________________
- الله- تعالی- تحریر ذلك كله بحوله و قوته، فأقول: إن القراء اختلفوا فی ذلك علی أربع رتب:
إحداها: قرأ ابن كثیر و ابن عامر و الكوفیون: (عاد الأولی) بالتنوین مكسورا و سكون اللام و تحقیق الهمزة بعدها، هذا كله فی الوصل. فإذا وقفوا علی «عاد» أو ابتدءوا ب «الأولی» فقیاسهم أن یقولوا: الأولی بهمزة الوصل و سكون اللام و تحقیق الهمزة الثانیة.
[الثانیة] قرأ قالون: (عادا لّؤلی) بإدغام التنوین فی اللام و نقل حركة الهمزة إلی لام التعریف و همز الواو. هذا فی الوصل، و أما فی الابتداء ب «الأولی» فله ثلاثة أوجه:
الأول: (الؤلی) بهمزة وصل ثم بلام مضمومة ثم بهمزة ساكنة.
الثانی: (لؤلی) بلام مضمومة ثم بهمزة ساكنة.
الثالث: كابتداء ابن كثیر و من معه.
الثالثة: قرأ ورش (عادا لّولی) بإدغام التنوین فی اللام و نقل حركة الهمزة إلیها كقالون، إلا أنه أبقی الواو علی حالها غیر مبدلة همزة، هذا فی الوصل، و أما فی الابتداء بها فله وجهان:
(الؤلی) بالهمز و النقل.
و (لولی) بالنقل دون همزة وصل و الواو ساكنة علی حالها فی هذین الوجهین.
الرابعة: قرأ أبو عمرو كورش وصلا و ابتداء، سواء بسواء، إلا أنه یزید علیه فی الابتداء بوجه ثالث و هو وجه ابن كثیر و من ذكر معه؛ فقد تحصل أن لكل من قالون و أبی عمرو فی الابتداء ثلاثة أوجه، و أن لورش وجهین؛ فتأمل ذلك فإن تحریره متعب المأخذ من كتب القراءات.
هذا ما یتعلق بالقراءات، و أما توجیهها فیتوقف علی معرفة ثلاثة أصول:
الأول: حكم التنوین إذا وقع بعده ساكن.
الثانی: حكم حركة النقل.
الثالث: أصل «أولی» ما هو؟
أما الأول: فحكم التنوین الملاقی «أل» یكسر؛ لالتقاء الساكنین، نحو: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ) [الإخلاص: 1- 2] أو یحذف تشبیها بحرف العلة كقراءة: (أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ) و كقوله:
...........و لا ذاكر الله إلا قلیلا و هو قلیل جدا.
و أما الثانی: فإن للعرب فی الحركة المنقولة مذهبین: الاعتداد بالحركة، و عدم الاعتداد بها، و هی اللغة الغالبة.
و أما الثالث: ف «أولی» تأنیث «أول» [و فی أصله خلاف].
إذا تقررت هذه الأصول الثلاثة، فأقول: أما قراءة ابن كثیر و من معه فإنهم صرفوا «عادا» إما لأنه اسم للحی أو الأب؛ فلیس فیه ما یمنعه، و إما لأنه و إن كان مؤنثا اسما للقبیلة أو الأم إلا أنه مثل «هند» و «دعد»؛ فیجوز فیه الصرف و عدمه؛ فیكون كقوله:-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 690
______________________________ - لم تتلفع بفضل مئزرهادعد و لم تسق دعد فی العلب فصرفها أولا و منعها ثانیا. و لم ینقلوا حركة الهمزة إلی لام التعریف؛ فالتقی ساكنان فكسروا التنوین لالتقائهما، علی ما هو المعروف من اللغتین، و حذفوا همزة الوصل من «الأولی»؛ للاستغناء عنها بحركة التنوین وصلا. فإذا ابتدءوا بها احتاجوا إلی همزة الوصل فأتوا بها فقالوا: الأولی كنظیرها من همزات الوصل، و هذه قراءة واضحة لا إشكال فیها، و من ثم اختارها الجماعة و الجم الغفیر، و أما قراءة من أدغم التنوین فی لام التعریف- و هما نافع و أبو عمرو، مع اختلافهما فی أشیاء كما تقدم بیانه- فوجهه الاعتداد بحركة النقل؛ و ذلك أن من العرب من إذا نقل حركة الهمزة إلی ساكن قبلها عاملها معاملتها ساكنة، و لا یعتد بحركة النقل. و ذلك أن من العرب من إذا نقل حركة الهمزة إلی ساكن قبلها عاملها معاملتها ساكنة، و لا یعتد بحركة النقل؛ فیكسر السابق الواقع قبلها، و لا یدغم فیها التنوین، و یأتی قبلها بهمزة الوصل فیقول: لم یذهب لحمر، و رأیت زیادا لعجم، من غیر إدغام التنوین، و «الحمر» و «العجم» بهمزة الوصل؛ لأن اللام فی حكم السكون، و هذه هی اللغة المشهورة، و منهم من یعتد بها فلا یكسر الساكن الأول، و لا یأتی بهمزة الوصل، و یدغم التنوین فی لام التعریف فیقول: لم یذهب لحمر، بسكون الباء، و لحمر و لعجم، من غیر همز، و زیاد لّعجم، بتشدید اللام. و علی هذه اللغة جاءت هذه القراءة.
هذا من حیث الإجمال، و أما من حیث التفصیل فأقول: أما قالون فإنه نقل حركة الهمزة إلی لام التعریف و إن لم یكن من أصله النقل؛ لأجل قصده التخفیف بالإدغام، و لما نقل الحركة اعتد بها؛ إذ لا یمكن الإدغام فی ساكن و لا ما هو فی حكمه، و أما همزة الواو ففیه وجهان منقولان:
أحدهما: أن تكون «أولی» أصلها عنده: «وؤلی» من «وأل» أی: لجأ، كما هو قول الكوفیین، ثم إبدال الواو الأولی همزة؛ لأنها واو مضمومة- و قد تقدم لك أنها لغة مطردة- فاجتمع همزتان.
ثانیهما: ساكنة؛ فوجب قلبها واوا، نحو: أومن، فلما حذفت الهمزة الأولی بسبب نقل حركتها رجعت الثانیة إلی أصلها من الهمز؛ لأنها إنما قلبت واوا من أجل الأولی و قد زالت، و هذا كما رأیت تكلف لا دلیل علیه.
و الثانی: أنه لما نقل الحركة إلی اللام صارت الضمة قبل الواو كأنها علیها؛ لأن حركة الحرف بین یدیه فأبدل الواو همزة، كقوله:
أحب المؤقدین إلی مؤسی... و كقراءة (یؤقنون) و همز (السؤق) و (سؤقه)، و هذا بیانه علی الاعتداد بالحركة أیضا، و لیس فی هذا الوجه دلیل علی أصل أولی عنده ما هو؛ فیحتمل الخلاف المذكور جمیعه، و أما ابتداؤه الكلمة من غیر نقل فإنه الأصل، و لأنه إنما نقل فی الوصل لقصده التخفیف بالإدغام و لا إدغام فی الابتداء؛ فلا حاجة إلی النقل؛ و أما الابتداء له بالنقل فلأنه-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 691
______________________________
- محمول علی الوصل لیجری اللفظ فیها علی سنن واحد، و علة إثبات ألف الوصل مع النقل فی:
أحد الوجهین: ترك الاعتداد بحركة اللام علی ما علیه القراءة فی نظائره مما وجد فیه النقل؛ إذ الغرض إنما هو جری اللفظ فی الابتداء و الوصل علی سنن واحد، و ذلك یحصل بمجرد النقل، و إن اختلف فی تقدیر الاعتداد بالحركة و تركه، و علة ترك الإتیان بالألف هی:
الوجه الثانی: حمل الابتداء علی الوصل فی النقل، و الاعتداد بالحركة جمیعا. و یقوی هذا الوجه رسم «الأولی» فی هذا الموضع بغیر ألف، و الكلام فی همز الواو مع النقل فی الابتداء كالكلام علیه فی الوصل كما تقدم.
و أما ورش فإن أصله أن ینقل حركة الهمزة علی اللام فی الوصل، فنقل علی أصله، إلا أنه اعتد بالحركة لیصح ما قصده من التخفیف بالإدغام، و لیس من أصله الاعتداد بالحركة فی نحو ذلك؛ أ لا تری أنه یحذف الأول فی سِیرَتَهَا الْأُولی [طه: 21] وَ یَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَی [الأعلی: 11]؟! و لو اعتد بالحركة لم یحذفها، و أما ما جاء عنه فی بعض الروایات: قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ [البقرة: 71] فإنه وجه نادر معلل باتباع الأثر و الجمع بین اللغتین، و الابتداء له بالنقل علی أصله فی ذلك، و الابتداء له بألف الوصل علی ترك الاعتداد بالحركة؛ إذ لا حاجة إلی تقید ذلك فی الابتداء و ترك الإتیان له بالألف علی الاعتداد له بالحركة؛ حملا للابتداء علی الوصل، و موافقة للرسم أیضا و لا یبتدأ له بالوصل؛ إذ لیس من أصله ذلك، و «الأولی» فی قراءته تحتمل الخلاف المذكور فی أصلها، و أما أبو عمرو فالعلة له فی قراءته فی الوصل و الابتداء، كالعلة المتقدمة لقالون. إلا أنه یخالفه فی همز الواو؛ لأنه لم یعطها حكم ما جاورها، و لیست عنده من «وأل». بل من غیر هذا الوجه، و یجوز أن یكون أصلها عنده من «وأل» أیضا. إلا أنه أبدل فی حال النقل مبالغة فی التخفیف أو موافقة لحال ترك النقل، و قد عاب هذه القراءة- أعنی قراءة الإدغام- أبو عثمان و أبو العباس؛ ذهابا منهما إلی أن اللغة الفصیحة مع الاعتداد بالعارض، و لكن لا التفات إلی ردهما؛ لثبوت ذلك لغة و قراءة، و إن كان غیرها أفصح منها، و قد ثبت عن العرب أنهم یقولون: الحمر و لحمر، بهمزة الوصل و عدمها مع النقل، و الله أعلم.
و قرأ أبیّ- و هی فی حرفه- (عاد الأولی) غیر مصروف؛ ذهابا به إلی القبیلة أو الأم كما تقدم، ففیه العلمیة و التأنیث، و یدل علی التأنیث قوله: (الأولی) فوصفها بوصف المؤنث.
أما انتصاب «ثمود» ففیه وجهان:
أحدهما: أنه معطوف علی (عاد).
الثانی: أنه منصوب بالفعل المقدر، أی: و أهلك، قاله أبو البقاء. و به بدا، و لا حاجة إلیه، و لا یجوز أن ینتصب ب «أبقی»؛ لأن ما بعد «ما» النافیة لا یعمل فیما قبلها. و الظاهر أن متعلق (أبقی) عائد علی من تقدم من (عاد و ثمود) أی: فما أبقی علیهم- أی عاد و ثمود- أو یكون التقدیر: فما أبقی منهم أحدا و لا عینا تطرف.
ینظر الدر المصون (6/ 215- 217).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 692
و زاد الحافظ عنهما، و الإمام عن أبی عمرو خاصة وجها ثانیا و هو (لولی) بحذف همزة الوصل و الاجتزاء عنها بضمة اللام المنقولة إلیها من همزة «أولی» و بعد اللام المضمومة واو ساكنة.
و زاد الحافظ و الشیخ عن أبی عمرو خاصة وجها ثالثا- و قالا: إنه أحسن الوجوه- و هو الْأُولی بهمزة الوصل مفتوحة، و لام التعریف ساكنة، و بعدها همزة مضمومة و بعد الهمزة واو ساكنة علی أصل الكلمة.
و أما الابتداء علی مذهب قالون فاتفقوا علی جواز (الؤلی) بهمزة الوصل مفتوحة، و بعدها لام التعریف مضمومة و بعد اللام همزة ساكنة.
و زاد الحافظ و الإمام وجها ثانیا و هو (لؤلی) بحذف همزة الوصل و إبقاء سائر الحروف علی ما تقرر فی الوجه الأول.
و ثمّ وجه ثالث و هو الْأُولی كالوجه الثالث لأبی عمرو، اتفق الحافظ و الإمام علی جوازه، و رجحه الحافظ، و حكاه الشیخ أیضا.
و قول الحافظ: «لما بیناه من العلة فی كتاب «التمهید».
اعلم أن الذی ذكر فی كتاب «التمهید» هو ما نصه: «و اختلفوا بعد نقل الحركة إلی اللام فی قوله: عاداً الْأُولی فی الإتیان بهمزة ساكنة فی موضع الواو و فی ترك ذلك: فقرأ المسیبی «1» و إسماعیل و ورش (عادا لّولی) بغیر همزة بعد نقل الحركة.
______________________________
(1) إسحاق بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن المسیب بن أبی السائب بن عابد ابن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن یقظة بن مر بن كعب المخزومی، أبو محمد المسیبی المدنی، إمام جلیل عالم بالحدیث قیم فی قراءة نافع ضابط لها محقق فقیه، قرأ علی- المستنیر، و الغایة، و جامع البیان، و الكفایة الكبری- نافع و غیره، أخذ القراءة عنه- المستنیر، و جامع البیان، و الكفایة الكبری، و الكامل- ولده محمد و- المستنیر و الغایة، و الكفایة الكبری- أبو حمدون الطیب بن إسماعیل و- جامع البیان، و الكامل- خلف ابن هشام و- الجامع، و الكفایة، و الكامل- محمد بن سعدان و- جامع البیان- أحمد ابن جبیر و- جامع البیان- حمزة بن القاسم الأحول و- جامع البیان- إسحاق ابن موسی و- جامع البیان، و الكامل- محمد بن عمرو الباهلی و- جامع البیان، و الكامل- حماد بن بحر و- جامع البیان- عبد الله بن ذكوان و- الكامل- محمد ابن عبد الواسع.
قال أبو حاتم السجستانی: إذا حدثت عن المسیبی عن نافع ففرغ سمعك و قلبك؛ فإنه أتقن الناس و أعرفهم بقراءة أهل المدینة و أقرؤهم للسنة و أفهمهم بالعربیة، قال أبو الفخر حامد بن علی فی كتابه حلیة القراء: قال ابن معاویة: من أراد أن یستجاب له دعاؤه-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 693
قال أحمد بن صالح عن ورش: تشدد اللام و لا تهمز.
و قال الأصبهانی «1» عن أصحابه عنه: مدغم التنوین موصول مشدد اللام. و هو قول عبد الصمد، و دواد، و أبی یعقوب، و یونس عنه.
و قرأ قالون بهمزة ساكنة بعد نقل الحركة، قال الحلوانی عنه مثل (عادا لّؤلی) و هذا معنی روایة القاضی، و المدنی «2»، و القطری «3»، و الكسائی، و أحمد بن صالح عنه، و كذلك قرأت فی روایة أبی نشیط و الشحام «4» عنه، و قال لی فارس بن أحمد
______________________________
- فلیقرأ باختیار المسیبی و یدعو عند آخر الختمة فیستجاب، قال محمد: رأیت رسول الله صلی اللّه علیه و سلم فی النوم فقلت لمن أقرأ یا رسول الله؟ قال: علیك بأبیك، توفی سنة ست و مائتین.
ینظر: غایة النهایة (1/ 157- 158).
(1) إمام القراء، أبو بكر محمد بن عبد الرحیم بن إبراهیم بن شبیب الأصبهانی.
اعتنی بقراءة ورش و حذق فیها، فتلا علی عامر الحرسی، و سلیمان الرشدینی، و عبد الرحمن بن داود بن أبی طیبة، و سمع الحروف من یونس بن عبد الأعلی.
و روی الحدیث عن داود بن رشید، و عبد الله بن عمر مشكدانة، و عثمان بن أبی شیبة و طبقتهم.
قرأ علیه: هبة الله بن جعفر، و عبد الله بن أحمد المطرز، و محمد بن یونس، و إبراهیم ابن جعفر.
و حدث عنه: ابن مجاهد، و أبو أحمد العسال، و أبو الشیخ، و محمد بن أحمد ابن عبد الوهاب الأصبهانی، و آخرون.
و كان یقول: ارتحلت إلی مصر و معی ثمانون ألف درهم، فأنفقتها علی ثمانین ختمة.
و لقد بالغ فی تعظیمه أبو عمرو الدانی و قال: هو إمام عصره فی قراءة ورش.
مات ببغداد فی سنة ست و تسعین و مائتین، رحمه الله.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (14/ 80- 81)، و تاریخ بغداد (2/ 364)، و غایة النهایة (2/ 169)، و معرفة القراء (1/ 121).
(2) فی ب: المزنی.
(3) محمد بن عبد الحكم بن یزید، أبو العباس القطری الرملی، مشهور، أخذ القراءة سماعا عن- جامع البیان- قالون عن نافع، و له عنه نسخة، و سمع آدم بن أبی إیاس، روی القراءة عنه- جامع البیان- محمد بن یوسف بن بشر الهروی و عثمان بن محمد السمرقندی، و سمع منه ابن الأعرابی، و انفرد عن قالون عن نافع بضم الیاء و فتح الجیم من إِلَیْنا لا یُرْجَعُونَ بالقصص [39].
ینظر غایة النهایة (2/ 159).
(4) الحسن بن علی بن عمران، أبو علی و أبو عمران الشحام، مقرئ معروف، قرأ علی الجماعة عرضا، قرأ علیه أبو العباس محمد بن الحسن بن یونس النحوی و أبو بكر محمد بن علی ابن محمد المؤدب.
ینظر غایة النهایة (1/ 225).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 694
عن عبد الله بن الحسین عن أصحابه عن الحلوانی عن قالون: بغیر همز.
قال لی فارس: و كان عبد الله لا یعرف الهمز و لم یضبطه، و غلط فیما حكاه؛ لأن الحذاق من أهل الأداء بذلك یأخذون فی مذهبه كأبی بكر النقاش و أبی إسحاق ابن عبد الرزاق و أبی بكر بن حماد «1» و غیرهم من أصحاب الحمّال و غیره.
و قد كان بعض المنتحلین لمذاهب القراء یقول: بأنه لا وجه لقراءة قالون بحیلة، و جهل العلة، و ذلك أن «أولی» وزنها «فعلی»؛ لأنها تأنیث «أول»، كما أن «أخری» تأنیث «آخر»، هذا فی قول من لم یهمز الواو؛ فمعناها علی هذا «2»: المتقدمة؛ لأن أول الشی‌ء متقدمه، فأما قول قالون فهی عندی مشتقة من «وأل» أی «لجأ» و یقال:
«نجا»؛ فالمعنی: أنها نجت بالسبق لغیرها.
فهذا وجه بین من اللغة و القیاس، و إن كان غیره أبین فلیس سبیل ذلك أن یدفع و یطلق علیه الخطأ؛ لأن الأئمة إنما تأخذ بالأثبت عندها فی الأثر دن القیاس؛ إذ كانت القراءة سنة، و بالله التوفیق.
فالأصل فیها علی قوله: (وؤلی) بواو مضمومة بعدها همزة ساكنة، فأبدلت الواو همزة، لانضمامها كما أبدلت فی أُقِّتَتْ، و هی من «الوقت»؛ فاجتمعت همزتان الثانیة ساكنة، و العرب لا تجمع بینهما علی هذا الوجه؛ فأبدلت الثانیة واوا لسكونها و انضمام ما قبلها، كما أبدلت فی «یؤمن» و «یؤتی» و شبهه ثم أدخلت الألف و اللام للتعریف، فقلت: الأولی، بلام ساكنة بعدها همزة مضمومة بعدها واو ساكنة، فلما أتی التنوین قبل اللام فی قوله: عاداً الْأُولی التقی ساكنان؛ فألقیت حینئذ حركة الهمزة علی اللام و حرّكتها بها؛ لئلا یلتقی ساكنان، و لو كسرت التنوین، و لم تدغمه لكان القیاس، و لكن هذا وجه الروایة، فلما عدمت الهمزة المضمومة، و هی الموجبة لإبدال الهمزة الثانیة واوا لفظا، رد قالون تلك الهمزة؛
______________________________
(1) أحمد بن حماد المنقی، أبو بكر الثقفی البغدادی صاحب المشطاح، كان حاذقا فی روایة أحمد بن یزید الحلوانی عن قالون، قرأ علی- المبهج، و جامع البیان، و الكامل- الحسن ابن العباس و محمد بن علی البزاز، أخذ عنه عرضا- جامع البیان- محمد بن عبد الرحمن ابن عبید بن إبراهیم و- المبهج، و الكامل- محمد بن أحمد الشنبوذی- و الكامل- أبو بكر الشذائی و- المبهج- أبو بكر النقاش و- الكامل- أبو العباس المطوعی.
ینظر: غایة النهایة (1/ 51).
(2) فی ب: هذه.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 695
لعدم العلة الموجبة لإبدالها، فعامل اللفظ، و معاملة اللفظ فی ذلك مسموع مروی، حكی الفراء أن من العرب من یقول: قم لان، بإسكان المیم مع تحریك اللام بعدها و أنشد: [من الطویل]
لقد كنت تخفی حب سمراء حقبة «1»فبح لان منها بالذی أنت بائح «2» فأسكن الحاء مع حركة اللام و إن كانت عارضة؛ فكذلك ما فعله قالون فی ذلك سواء.
قال أبو عمرو: فإن وقف واقف علی قوله: عاداً و ابتدأ بقوله: عاداً و ابتدأ بقوله: الْأُولی علی روایة إسماعیل و المسیبی، كان له فی الابتداء ثلاثة أوجه:
أحدها: أن یبتدئ (الولی) فیثبت ألف الوصل- الداخلة مع لام التعریف- مفتوحة؛ لسكون لام التعریف، و یضم اللام بضمة الهمزة كالوصل.
و الوجه الثانی: أن یبتدئ (لولی)، فیضم اللام بضمة الهمزة و یحذف ألف الوصل؛ استغناء عنها بضمة اللام؛ لأنه إنما جی‌ء بها لیتوصل بها إلی سكون اللام، فلما تحركت اللام استغنی عنها فحذفت.
و الوجه الثالث: أن یبتدئ الْأُولی فیثبت الوصل و یسكن اللام و یحقق الهمزة بعدها؛ فیوافق بذلك نظائرها فی القرآن من هذه الكلمة نحو قوله: مِنَ النُّذُرِ الْأُولی [56] و الْأُولی وَ الْآخِرَةِ [25] و شبه ذلك، و هذا الوجه عندی أوجه الوجوه الثلاثة، و ألیق بمذهبهما، و أقیس من الوجهین الأولین، و إنما قلت ذلك؛ لأن العلة التی دعتهما إلی مناقضة أصلهما فی الوصل فی هذا الموضع خاصة- مع صحة الروایة بذلك- هی التنوین الذی فی كلمة «عاد»؛ لسكونه و سكون لام المعرفة بعده، فحرك اللام حینئذ بحركة الهمزة؛ لئلا یلتقی ساكنان، و یمكن إدغام التنوین فیها؛ إیثارا للمروی عن العرب فی مثل ذلك، فإذا كان ذلك كذلك فالتقاء الساكنین، و الإدغام فی الابتداء معدوم بافتراق الكلمتین حینئذ بالوقف علی إحداهما و الابتداء بالثانیة، فلما زالت العلة الموجبة لإلقاء حركة الهمزة علی ما قبلها فی الابتداء وجب
______________________________
(1) فی ب: خفیة.
(2) البیت لعنترة فی دیوانه ص (298)، و المقاصد النحویة (1/ 478)، و بلا نسبة فی الأشباه و النظائر (1/ 56) (5/ 67)، و تذكرة النحاة ص (31)، و الخصائص (3/ 35)، و شرح الأشمونی (1/ 81)، و شرح التصریح (1/ 147).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 696
رد الهمزة؛ لیوافق بذلك أصل مذهبهما فی نظائر ذلك فی سائر القرآن.
و أما الابتداء بهذه الكلمة علی روایة ورش فیحتمل وجهین، و هما الوجهان الأولان المذكوران: (الولی) بإثبات ألف الوصل، و (لولی) بحذفها كما تقدم فی باب نقل الحركة، و لا یجوز الوجه الثالث فی مذهبه؛ إذ كان عدولا عن أصله المستمر فی سائر القرآن.
و أما الابتداء بذلك علی روایة قالون، فیحتمل ثلاثة أوجه:
(الؤلی) بإثبات ألف الوصل و ضم اللام و همز عین الفعل.
و الوجه الثانی: (لؤلی) بحذف ألف الوصل، و ضم اللام و همزة ساكنة بعدها.
و الوجه الثالث: الْأُولی بإثبات ألف الوصل، و إسكان اللام و همز فاء الفعل، و هذا الوجه أقیس؛ لما ذكرته من العلة فی مذهب إسماعیل، و المسیبی، فاعلم ذلك». انتهی قوله فی «التمهید»، و الله العلی العظیم الحلیم العلیم أعلی و أعلم.

سورة المجادلة

قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة انْشُزُوا [الآیة: 11]: «بخلاف عن أبی بكر» «1».
و قال فی «المفردات»: «إلا أن فارسا أقرأنی فی روایة الصریفینی عن یحیی عن أبی بكر: انْشُزُوا فَانْشُزُوا بكسر الشین فیهما، و هما مما شك فیه أبو بكر عن عاصم، فلم یدر كیف قرأ ذلك علیه، فأخذه روایة عن الأعمش «2» بالكسر، و لم
______________________________
(1) و قرأ نافع و ابن عامر و حفص بضم شین (انشزوا) فی الحرفین، و الباقون بكسرهما، و هما لغتان بمعنی واحد، یقال: نشز، أی: ارتفع، و نشز ینشز، كغرس یغرس و یغرس، و عكف یعكف و یعكف.
ینظر الدر المصون (6/ 289).
(2) سلیمان بن مهران، الإمام شیخ الإسلام، شیخ المقرئین و المحدثین، أبو محمد الأسدی، الكاهلی مولاهم، الكوفی الحافظ. أصله من نواحی الری. فقیل: ولد بقریة «أمه» من أعمال طبرستان فی سنة إحدی و ستین. و قدموا به إلی الكوفة طفلا، و قیل: حملا.
قد رأی أنس بن مالك و حكی عنه، و روی عنه، و عن عبد الله بن أبی أوفی علی معنی التدلیس؛ فإن الرجل مع إمامته كان مدلسا، و روی عن أبی وائل، و زید بن وهب، و أبی عمرو الشیبانی، و إبراهیم النخعی، و سعید بن جبیر و أبی صالح السمان، و مجاهد.
و روی عنه: الحكم بن عتیبة، و أبو إسحاق السبیعی، و طلحة بن مصرف، و حبیب بن-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 697
یذكر الشیخ و الإمام عنه إلا الضم، و الله تبارك اسمه و تعالی جده أعلم و أحكم.

سورة الحشر

قال الحافظ- رحمه الله-: «هشام: (كی لا تكون) [الآیة: 7] بالتاء، و روی عنه بالیاء» «1».
و ذكر الشیخ أنه قرأ بالوجهین، و مذهب الإمام بالیاء المعجمة من أسفل مثل الجماعة، و الله وحده لا شریك له أعلم و أحكم.

سورة الملك‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «الكسائی فَسُحْقاً [الآیة: 11] بضم الحاء «2»».
______________________________
- أبی ثابت، و عاصم بن أبی النجود، و أیوب السختیانی، و زید بن أسلم، و صفوان بن سلیم، و سهیل بن أبی صالح، و أبان بن تغلب، و خالد الحذاء، و سلیمان التیمی، و إسماعیل بن أبی خالد، و هم كلهم من أقرانه، و أبو حنیفة، و الأوزاعی، و سعید بن أبی عروبة، و خلق كثیر.
و قال یحیی القطان: هو علامة الإسلام. قال وكیع بن الجراح: كان الأعمش، قریبا من سبعین سنة لم تفته التكبیرة الأولی.
و قال عبد الله الخریبی: ما خلف الأعمش أعبد منه. و قال ابن عیینة: رأیت الأعمش لبس فروا مقلوبا، و بتّا تسیل خیوطه علی رجلیه. ثم قال: أ رأیتم لو لا أنی تعلمت العلم، من كان یأتینی لو كنت بقالا؟! كان یقدر الناس أن یشتروا منی؟! قال أبو عوانة، و عبد الله بن داود: مات الأعمش سنة سبع و أربعین و مائة.
و قال وكیع و الجمهور: سنة ثمان، زاد أبو نعیم: فی ربیع الأول و هو ابن ثمان و ثمانین سنة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (6/ 226- 248)، و العبر (1/ 160)، و تاریخ بغداد (9/ 3)، و غایة النهایة (1/ 315)، و تهذیب التهذیب (4/ 222- 226)، و طبقات ابن سعد (6/ 342).
(1) و قرأ هشام: (دولة) بالرفع فقط، و الباقون بالیاء من تحت و نصب (دولة)، فأما الرفع فعلی «كان» التامة، و أما التذكیر و التأنیث فواضحان؛ لأن تأنیثه مجازی، و أما النصب فعلی أنها الناقصة، و اسمها ضمیر عائد علی «الفی‌ء»، و التذكیر واجب؛ لتذكیر المرفوع، و (دولة) خبرها، و قیل: عائد علی (ما) اعتبارا بلفظها.
و قرأ العامة: (دولة) بضم الدال، و علی بن أبی طالب و السلمی بفتحها، فقیل: هما بمعنی، و هما ما یدول للإنسان، أی: یدور من الجد و الغناء و الغلبة، و قال الحذاق من البصریین و الكسائی: الدولة- بالفتح- من الملك: بضم المیم، و بالضم من الملك:
بكسرها، بالضم فی المال، و الفتح فی النصرة، و هذا ترده القراءة المرویة عن علی و السلمی؛ فإن النصرة غیر مرادة هنا قطعا. و (كی لا) علة لقوله: (فلله و للرسول) أی:
استقراره كذا؛ لهذه العلة. ینظر الدر المصون (6/ 294- 295).
(2) فی إعرابه وجهان:
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 698
قال الشیخ: «و قد روی عنه أنه خیر بین الضم و الإسكان، و المشهور عنه الضم».
قال الحافظ- رحمه الله- «قنبل: (النشور و أمنتم) [الآیة: 15- 16] یبدل همزة الاستفهام واوا مفتوحة فی الوصل».
هذا مثل ما مر فی الأعراف فی قوله تعالی: (قال فرعون و آمنتم) [123].
قوله: «و یمد بعدها مدة فی تقدیر ألف «1»».
إنما یعنی أنه یسهل الهمزة بعدها بین بین، فعبر عن ذلك بالمد علی عادته من المسامحة، و كذلك یفعل فی الابتداء إذا حقق همزة الاستفهام لفظ بعدها، بهمزة بین بین، و قد نص علی هذا فی كتاب «الإیضاح» فقال: «و كذا قرأت له فی الملك:
(و إلیه النشور و امنتم) بواو مفتوحة بعد ضمة الراء، بدلا من همزة الاستفهام،
______________________________
- أحدهما: أنه منصوب علی المفعول به، أی: ألزمهم الله سحقا.
و الثانی: أنه منصوب علی المصدر، تقدیره: سحقهم الله سحقا. فناب المصدر عن عامله فی الدعاء. نحو: جدعا له، و عفوا؛ فلا یجوز إظهار عامله، و اختلف النحاة:
هل هو مصدر لفعل ثلاثی، أو لفعل رباعی فجاء علی حذف الزوائد؟ مذهب الفارسی و الزجاج: أنه مصدر «أسحقه» الله أی أبعده، قال الفارسی: فكان القیاس: إسحاقا، فجاء المصدر علی الحذف كقوله:
...........و إن یهلك فذلك كان قدری أی: تقدیری، و الظاهر أنه لا یحتاج لذلك؛ لأنه سمع «سحقه الله» ثلاثیا، و منه قول الشاعر:
یجول بأطراف البلاد مغرباو تسحقه ریح الصبا كلّ مسحق و الظاهر أن الزجاج و الفارسی إنما قالا ذلك فیمن یقول من العرب: أسحقه الله سحقا.
و قرأ العامة بضمة و سكون، و الكسائی فی آخرین بضمتین، و هما لغتان، و الأحسن: أن یكون المثقل أصلا للمخفف.
و (لأصحاب) بیان ك (هیت لك) و سقیا لك.
و قال مكی: و الرفع یجوز فی الكلام علی الابتداء، أی: لو قیل: فسحق، جاز لا علی أنه تلاوة بل من حیث الصناعة. إلا أن ابن عطیة قد قال ما یضعفه فإنه قال:
(فسحقا) نصبا علی جهة الدعاء علیهم، و جاز ذلك فیه و هو من قبل الله تعالی، من حیث هذا القول فیهم مستقر أولا، و وجوده لم یقع و لا یقع إلا فی الآخرة؛ فكان لذلك فی حیز المتوقع الذی یدعی به. كما تقول: سحقا لزید، و بعدا له، و النصب فی هذا كله بإضمار فعل، و أما ما وقع و ثبت فالوجه فیه الرفع، كما قال الله تعالی: وَیْلٌ لِلْمُطَفِّفِینَ [المطففین: 1] و سَلامٌ عَلَیْكُمْ [القصص: 55] و غیر هذا من الأمثلة. انتهی.
فضعف الرفع كما تری؛ لأنه لم یقع بل هو متوقع فی الآخرة.
ینظر الدر المصون (6/ 343- 344).
(1) فی ب: ألفین.
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 699
و بعدها همزة مسهلة بین بین؛ فیحصل فی اللفظ بعد فتحة الواو مدة فی تقدیر ألف واحدة». انتهی.
قال العبد: و ینبغی للمعلم أن یتفقد لفظ الطالب المتعلم فی مثل هذا؛ فإنه كثیرا ما یخل بلفظ الهمزة الملینة فی ذلك، و الله تبارك و تعالی الموفق الهادی العظیم الأیادی أعلم.

سورة ن و القلم‌

قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة أَنْ كانَ ذا مالٍ «1» [الآیة: 14]:
______________________________
(1) قال السمین الحلبی: العامة علی فتح همزة «أن»، ثم اختلفوا بعد: فقرأ ابن عامر و حمزة و أبو بكر بالاستفهام، و باقی السبعة بالخبر، و القارءون بالاستفهام علی أصولهم من تحقیق و تسهیل و إدخال ألف بین الهمزتین و عدمه، و لا بد من بیانه لك تسهیلا للأمر علیك فأقول- و بالله التوفیق-: قرأ حمزة و أبو بكر بتحقیق الهمزتین و عدم إدخال ألف بینهما، و هذا هو أصلهما، و قرأ ابن ذكوان بتسهیل الثانیة و عدم إدخال ألف، و هشام بالتسهیل المذكور إلا أنه أدخل ألفا بینهما؛ فقد خالف كل منهما أصله.
أما ابن ذكوان فإنه یحقق الهمزتین، فقد سهل الثانیة هنا، و أما هشام فإن أصله أن یجری فی الثانیة من هذا النحو وجهین: التحقیق كرفیقه، و التسهیل. و قد التزم التسهیل هنا، و أما إدخال ألف فإنه فیه علی أصله.
و قرأ نافع فی روایة الیزیدی عنه: (إن كان) بكسر الهمزة علی الشرط، فأما قراءة (أن كان) بالفتح علی الخبر ففیه أربعة أوجه:
أحدها: أنها «أن» المصدریة فی موضع المفعول له، مجرورة بلام مقدرة، و اللام متعلقة بفعل النهی: أی و لا تطع من هذه صفاته، لأن كان متموّلا و صاحب بنین.
الثانی: أنها متعلقة ب «عتل» و إن كان قد وصف، قاله الفارسی، و هذا لا یجوز عند البصریین، و كأن الفارسی اغتفره فی الجار.
الثالث: أن تتعلق ب «زنیم»، و لا سیما عند من یفسره بقبیح الأفعال.
الرابع: أن تتعلق بمحذوف یدل علیه ما بعده من الجملة الشرطیة، تقدیره: لكونه متمولا مستظهرا بالبنین كذب بآیاتنا. قاله الزمخشری، قال: و لا یعمل فیه (قال) الذی هو جواب؛ إذ الآتی ما بعد الشرط لا یعمل فیما قبله، و لكن ما دلت علیه الجملة من معنی التكذیب.
و قال مكی- و تبعه أبو البقاء-: لا یجوز أن یكون العامل (تتلی)؛ لأن ما بعد (إذا) لا یعمل فیما قبلها؛ لأن (إذا) تضاف إلی الجملة، و لا یعمل المضاف إلیه فیما قبل المضاف. انتهی.
و هذا یوهم أن المانع من ذلك ما ذكره فقط، و المانع أمر معنوی حتی لو فقد هذا المانع الذی ذكره لامتنع من جهة المعنی، و هو أنه لا یصلح أن یعلل تلاوة آیات الله علیه بكونه ذا مال و بنین.
و أما قراءة (آن كان) علی الاستفهام ففیها وجهان:
أحدهما: أن یتعلق بمقدر یدل علیه ما قبله، أی: أ تطیعه لأن كان؟! أو: أ تكون طواعیة-
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 700
«و ابن ذكوان دون هشام فی المد».
قد تقدم فی سورة فصلت أن مذهب الشیخ و الإمام فی قراءة ابن ذكوان إدخال الألف مثل قراءة هشام، و هو خلاف مذهب الحافظ، و الله عز وجهه و تقدس اسمه أعلم و أحكم.

سورة الحاقة

قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة قَلِیلًا ما تُؤْمِنُونَ [الآیة: 41] و قَلِیلًا ما تَذَكَّرُونَ [الآیة: 42]: «و كذلك قال النقاش عن الأخفش عن ابن ذكوان».
یعنی أنه قرأ الحرفین بالتاء المعجمة من فوق، و لم یذكر الشیخ و الإمام هذه الروایة عن ابن ذكوان، و الله تبارك و تعالی أعلم و أحكم.

سورة القیامة

قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة (لأقسم) [الآیة: 1]: «و كذا روی النقاش عن أبی ربیعة عن البزی».
یعنی بالقصر، و ذكر فی «المفردات» فی سورة یونس- علیه السلام- أنه قرأه بالقصر علی الفارسی، و لم یذكر الشیخ و الإمام هذه الروایة عن البزی، و الله جل ذكره و علا أمره أعلم و أحكم.

سورة الإنسان‌

قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة (سلسلا) [الآیة: 4]: «و وقف قنبل
______________________________
- لأن كان؟! الثانی: أن یتعلق بمقدر یدل علیه ما بعده، أی: لأن كان كذب و جحد.
و أما قراءة (إن كان) بالكسر فعلی الشرط، و جوابه مقدر، تقدیره: إن كان كذا یكفر و یجحد، دل علیه ما بعده، و قال الزمخشری: و الشرط للمخاطب، أی: لا تطع كل حلاف شارطا یساره؛ لأنه إذا أطاع الكافر لغناه فكأنه اشترط فی الطاعة الغنی، و نحو صرف الشرط للمخاطب صرف الترجی إلیه فی قوله: لَعَلَّهُ یَتَذَكَّرُ [طه: 44]، و جعله الشیخ: من دخول شرط علی شرط. یعنی (إن) و (إذا)، إلا أنه قال: لیسا من الشروط المترتبة الوقوع، و جعله نظیر قول ابن درید:
فإن عثرت بعدها إن والت‌نفسی من هاتا فقولا: لا لعا قال: لأن الحامل علی ترك تدبر آیات الله كونه ذا مال و بنین؛ فهو مشغول القلب بذلك، غافل عن النظر و الفكر، قد استولت علیه الدنیا و أبطرته.
ینظر الدر المصون (6/ 353- 354).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 701
و حمزة و حفص من قراءتی علی أبی الفتح بغیر ألف».
یظهر أن قوله: «من قراءتی علی أبی الفتح» خاص بقراءة حفص، و ذكر فی «المفردات» أن أبا الحسن قال فی قراءة حفص: «یقف بالألف».
و قوله: «و كذلك قال النقاش عن أبی ربیعة عن البزی عن الأخفش عن ابن ذكوان».
یعنی الوقف بغیر ألف و هی قراءته علی الفارسی.
و قال فی «المفردات» فی قراءة البزی: «إنه وقف علی قوله: (سلسلا) بالألف».
ثم ذكر قراءته علی الفارسی بغیر ألف، و كذا قال فی مفردة ابن ذكوان: «قرأ (سلاسل) بغیر تنوین، و إذا وقف وصل فتحة اللام بالألف، ثم ذكر قراءته علی الفارسی بغیر ألف فی الوقف.
فحصل من هذا كله أن قنبلا و حمزة وقفا بغیر ألف بلا خلاف، و أن الباقین وقفوا بالألف بخلاف عن البزی و ابن ذكوان و حفص، و مذهب الشیخ و الإمام الوقف للكل سوی حمزة و قنبل.
و ذكر الحافظ فی «التحبیر» أن (سلسلا) فی مصاحف أهل الحجاز و الكوفة مرسوم بالألف، و كذلك ذكر الحافظ فی «التحبیر» بسنده إلی القاسم بن سلام قال:
«رأیت فی مصحف عثمان- رضی الله عنه-: قَوارِیرَا [الإنسان: 15] الأولی بالألف و الثانیة كانت بالألف، فحكّت و رأیت أثرها بیّنا هنالك»، قال: «و أما (سلسلا) فرأیتها قد درست»، قال: «و الثلاثة الأحرف فی مصاحف أهل الحجاز و الكوفة بالألف»، قال: «و فی مصاحف أهل البصرة: قَوارِیرَا الأولی یعنی بإثبات الألف، و الثانیة قَوارِیرَ یعنی بغیر ألف». انتهی ما حكاه الحافظ عن ابن سلام، و الله تعالی جده و تبارك مجده أعلم و أحكم.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و من سورة النبأ إلی سورة البلد».
إنما فعل هذا لقصر السور فجعلها كأنها سورة واحدة، و جعل بعد هذا یذكر أسماء السور؛ للتنبیه علی مواقع الآیات التی فیها الخلف، و لا یقول سورة كذا كما كان یقول قبل هذا؛ طلبا للاختصار، و وقف بهذا العمل فی آخر سورة الفجر؛ لما فیها من یاءات الإضافة و الزوائد، و لم یجعل ما بعد «إلی» فی قوله: «إلی سورة البلد» داخلا فیما قبلها علی حد قوله تعالی: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیْلِ [البقرة:
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 702
187] فتأمله، و الله سبحانه و تعالی أعلم و أحكم.

سورة المطففین‌

قال الحافظ- رحمه الله- فی «التحبیر» فی قوله تعالی: وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ [الآیة: 3]: «إنهما رسما فی سائر المصاحف كلمة واحدة، و لم یفصلوا بین الضمیر بالألف»، و أسند إلی القاسم بن سلام قال: «و رأیتهما فی الإمام مصحف عثمان- رضی الله عنه- موصولین بغیر ألف»، قال الحافظ: «و هذا مذهب أئمة القراء فیهما، إلا ما روی عن حمزة أنه كان یجعلهما حرفین، و یقف علی (كالوا) و (و زنوا) و یبتدئ (هم)، و هو مذهب عیسی بن عمر الثقفی النحوی «1».
ثم قال الحافظ بعد كلام: «فموضع (هم)- علی قول عیسی- رفع علی التوكید لما فی (كالوا)، و (وزنوا) كما تقول فی الكلام: قاموا هم، و قعدوا هم.
قال: «و یجوز أن یكون الكلام انقطع عند قوله: وَ زِنُوا ثم ابتدأ: (هم یخسرون) انتهی، و الله جل جلاله و تقدس كماله أعلم و أحكم.

سورة الغاشیة

قال الحافظ- رحمه الله- فی ترجمة: بِمُصَیْطِرٍ [الآیة: 22]: «و حمزة بخلاف عن خلاد».
______________________________
(1) هو عیسی بن عمر، العلامة، إمام النحو، أبو عمر الثقفی البصری.
روی عن: الحسن، و عون بن عبد الله بن عتبة، و عبد الله بن أبی إسحاق الحضرمی، و عاصم الجحدری، و طائفة.
أخذ عنه: الأصمعی، و شجاع البلخی، و علی بن نصر الجهضمی، و هارون الأعور، و الخلیل بن أحمد، و عبید بن عقیل، و العباس بن بكار، و ولاؤه لبنی مخزوم، نزل فی ثقیف فاشتهر بهم، و كان صاحب فصاحة و تقعر و تشدق فی خطابه، و كان صدیقا لأبی عمرو بن العلاء، و قد أخذ القراءة عرضا عن عبد الله بن أبی إسحاق، و ابن كثیر المكی، و صنف فی النحو كتابی: (الإكمال) و (الجامع)، و كان صاحب افتخار بنفسه، قال مرة لأبی عمرو: أنا أفصح من معد بن عدنان.
قال یحیی بن معین: هو بصری ثقة.
أرخ القفطی و ابن خلكان موته فی سنة تسع و أربعین و مائة. قال الذهبی: أراه وهما؛ فإن سیبویه جالسه، و أخذ عنه، و لعله بقی إلی بعد الستین و مائة.
ینظر: سیر أعلام النبلاء (7/ 200)، شذرات الذهب (1/ 224)، تهذیب التهذیب (8/ 223- 224)، بغیة الوعاة (2/ 237- 238)، طبقات القراء لابن الجزری (1/ 613)، وفیات الأعیان (3/ 486- 488).
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 703
یعنی أن خلادا قرأ بین الصاد و الزای، و هی قراءة الحافظ علی أبی الحسن، و قرأ أیضا بالصاد الخالصة، و هی قراءة الحافظ علی أبی الفتح، و لم یذكر الشیخ و الإمام عن خلاد إلا بین الصاد و الزای خاصة، و الله سبحانه و بحمده أعلم و أحكم.

سورة الفجر

قال الحافظ- رحمه الله- فی آخر السورة: «و قد روی عن قنبل إثباتها فی الحالین».
لم یذكر الشیخ و الإمام عن قنبل إثباتها فی الوقف.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و خیر أبو عمرو فیهما ...»
إلی آخره.
ذكر الشیخ «التخییر»، و أن المشهور عنه الحذف.
و لم یذكر الإمام عنه إلا الحذف، و الله عز و جل جلاله أعلم.

سورة العلق‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «قرأ قنبل (أن رأه) [7] بالقصر».
وافقه الشیخ علی ذلك و قال الإمام: بالمد و بالقصر.
و قال الشیخ أیضا: «إن أبا الطیب كان یأخذ لقنبل بالوجهین»، ثم قال:
«و بالوجهین قرأت لقنبل»، و الله عز جلاله و تقدست أسماؤه أعلم و أحكم.

سورة الكافرین‌

قال الحافظ- رحمه الله-: «و هو المشهور عن البزی و به آخذ».
یعنی بإسكان الیاء، و ذكر الشیخ و الإمام بالوجهین عن البزی مطلقا من غیر ترجیح.
و الله لا إله إلا هو العظیم الحلیم العزیز الكریم أعلم و أحكم، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلی العظیم.

باب ذكر التكبیر

اشارة

مسألة لفظ التكبیر: «الله أكبر»، هذا قول الإمام فی «الكافی»، و به قرأ الشیخ و قال:
«و هو المأخوذ به فی الأمصار».
و كذلك قال الحافظ: إنه قرأ علی الفارسی و علی أبی الحسن، و زاد الحافظ- أیضا- التهلیل قبل التكبیر، و هو: «لا إله إلا الله و الله أكبر»، و بهذا قرأ الحافظ
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 704
علی أبی الفتح و حكاه الشیخ.

مسألة فی حكم الوصل و الفصل‌

حاصل ما ذكره الشیخ فی ذلك وجهان:
أحدهما: وصل آخر السورة بالتكبیر، و وصل التكبیر بالبسملة، و وصل البسملة بالسورة الثانیة.
قال فی «المفردات»: «و هذا هو المشهور».
و الوجه الثانی: أن یسكت علی آخر السورة، ثم یبدأ بالتكبیر موصولا بالبسملة موصولة بأول السورة الثانیة؛ فیكون السكت فی موضع واحد.
و منع السكت بین التكبیر و البسملة، و بین البسملة و السورة الثانیة.
و حكی فی السكت بین آخر السورة و التكبیر أنه یكون بقطع و بغیر قطع، و أما الإمام فنص علی جواز القطع علی آخر السورة و الابتداء بالتكبیر، و هذا الوجه موافق للوجه الثانی المذكور عن الشیخ، و نص أیضا الإمام علی جواز القطع علی التكبیر و الابتداء بالبسملة، و یرید- و الله سبحانه أعلم-: مع وصل التكبیر بآخر السورة، و هذا الوجه مخالف لما منع الشیخ و منع الإمام من قطع البسملة مع السورة إذا وصلت بالتكبیر و وصل التكبیر بآخر السورة، و هذا الوجه لا ینبغی أن یكون فی منعه خلاف، و أما الحافظ فقال: «یصل التكبیر بآخر السورة».
ثم قال: «و إن شاء قطع و بدأ بالتسمیة موصولة بأول السورة».
و هذا الوجه یوافق الوجه الذی أجاز الإمام.
قال الحافظ: «و إن شاء وصل التكبیر بالتسمیة، و وصل التسمیة بأول السورة».
قال العبد: ظاهر قوله أنه بنی هذا الوجه و الذی قبله علی كون التكبیر موصولا بآخر السورة؛ فیكون هذا الوجه موافقا للوجه الأول المذكور عن الشیخ.
ثم قال الحافظ: «و لا یجوز القطع علی التسمیة إذا وصلت بالتكبیر».
یعنی مع كون التكبیر موصولا بآخر السورة، و هذا الوجه هو الذی نص الإمام علی منعه.
ثم قال الحافظ: «و كان بعض أهل الأداء یقطع آخر السورة، ثم یبتدئ بالتكبیر موصولا بالتسمیة، و كذلك روی النقاش عن أبی ربیعة عن البزی، و بذلك قرأت
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 705
علی الفارسی عنه».
و هذا الوجه یوافق ما ذكره الإمام أولا و الشیخ ثانیا.
قال الحافظ- رحمه الله-: «و الأحادیث الواردة عن المكیین بالتكبیر دالة علی ما ابتدأنا به» یرید وصل التكبیر بآخر السورة، قال: «لأن فیها «مع» و هی تدل علی الصحبة و الاجتماع».
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 707

فهرس الموضوعات‌

مقدمة التحقیق 3 توقیفیة القراءات 4 إضافة القراءات إلی القراء تعنی اختیارها و لا اجتهاد فیها 12 الزمخشری یعزو إحدی القراءات إلی فصاحة راویها 19 ردود علی من یفاضلون بین القراءات 22 رسم المصاحف العثمانیة 58 قواعد رسم المصحف 58 القاعدة الأولی: الحذف 59 القاعدة الثانیة: الزیادة 60 القاعدة الثالثة: الهمز 60 القاعدة الرابعة: البدل 61 القاعدة الخامسة: الفصل و الوصل 62 القاعدة السادسة: ما فیه قراءتان، و كتب علی إحداهما 62 فوائد الرسم العثمانی 68 القائلون بأن الرسم اجتهادی: 72 رأی وسط 74 شبه أثیرت حول كتابة القرآن و رسمه 76 ترجمة المصنف 80 ترجمة أبی عمرو الدانی 83 مصادر عبد الواحد المالقی فی شرحه «الدر النثیر» 87 باب الاستعاذة 126 باب التسمیة 144 سورة أم القرآن 168 باب بیان مذهب أبی عمرو فی الإدغام الكبیر 172 الفصل الأول من القسم الأول فی معنی الإدغام لغة و اصطلاحا 172 الفصل الثانی: الحرف لا یدغم فی الحرف 174 الفصل الثالث: فی ذكر الحروف و مخارجها 175 الفصل الرابع: فی صفات الحروف 180 الفصل الخامس: المتماثلان و المختلفان و المتقاربان 187 الفصل السادس: تقسیم الحروف إلی قوی و ضعیف 187
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 708
الفصل السابع: تقسیم الحروف إلی ضربین 188 مطلب إدغام الیاء فی الیاء 213 مطلب إدغام الحاء فی الحاء 213 مطلب إدغام العین فی العین 214 مطلب إدغام اللام فی اللام 214 مطلب إدغام النون فی النون 219 إدغام الكاف فی الكاف 221 إدغام السین فی السین 222 إدغام التاء فی التاء 223 إدغام الراء فی الراء 223 إدغام الفاء فی الفاء 224 إدغام المیم فی المیم 225 إدغام الباء فی الباء 228 إدغام الغین فی الغین 230 إدغام القاف فی القاف 230 إدغام الثاء فی الثاء 230 إدغام الواو فی الواو 230 مطلب المعتل المختلف فی إدغامه 238 مطلب «خلقكم» و مثله 252 إدغام الحاء فی العین 256 إدغام القاف فی الكاف 259 إدغام الكاف فی القاف 260 إدغام الجیم فی الشین 262 إدغام الشین فی السین 263 إدغام الضاد فی الشین 264 إدغام الضاد فی الذال 265 إدغام السین فی الزای و الشین 266 إدغام الدال فی خمسة أحرف 268 إدغام التاء فی عشرة أحرف 274 إدغام اللام فی الراء 284 إدغام النون فی اللام و الراء 286
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 709
إخفاء المیم فی الباء 288 إدغام الباء فی المیم 290 فصل: إدغام أبی للمثلین و المتقاربین 293 باب ذكر هاء الكنایة 298 باب ذكر المد و القصر 309 مسألة: و كلهم لم یزد فی تمكین الألف 335 باب الهمزتین المتلاصقتین فی كلمة 340 باب ذكر الهمزتین من كلمتین 356 باب ذكر الهمزة المفردة 369 فصل: تسهیل ورش للهمزة 372 باب نقل حركة الهمزة إلی الساكن قبلها 374 باب مذهب أبی عمرو فی ترك الهمز 380 باب مذهب حمزة و هشام فی الوقف علی الهمزة 389 فصل: تفرد حمزة بتسهیل الهمزة المتوسطة 410 فصل: اعلم أن جمیع ما یسهله حمزة من الهمزات فإنما یراعی فیه خط المصحف دون القیاس 422 باب الإظهار و الإدغام للحروف السواكن 423 ذكر ذال «إذ» 424 ذكر دال «قد» 428 ذكر تاء التأنیث المتصلة بالفعل 432 ذكر لام «هل» و «بل» 435 فصل: أثر لام «هل» و «بل» 439 فصل فی ذكر النون الساكنة و التنوین 443 مسألة: فی توجیه الأحكام الأربعة لهما 453 باب الفتح و الإمالة بین اللفظین 456 فصل: ما تفرد به الكسائی دون حمزة 489 فصل: ما تفرد به الكسائی أیضا فی روایة الدوری 492 فصل: تفرد حمزة بإمالة عشرة أفعال 494 فصل: إمالة أبی عمرو و الكسائی فی روایة الدوری كل ألف بعدها راء مجرورة 495 فصل: إمالة (الكافرین) لأبی عمرو و الكسائی من طریق الدوری 499 فصل: ما تفرد به هشام 500
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 710
فصل: كل ما أمیل فی الوصل لعلة 501 باب ذكر مذهب الكسائی فی الوقف علی هاء التأنیث 507 باب ذكر مذهب ورش فی الراءات مجملا 534 الفصل الأول: فیما اختلفوا فیه من الراءات 541 الفصل الثانی: فیما اتفق الحافظ، و الشیخ، و الإمام علی ترقیقه لورش، و تفخیمه لسائر القراء 543 فصل: كل راء ولیتها فتحه أو ضمة 554 فصل: الوقف علی الراء 562 باب ذكر اللامات 567 تنبیه: 572 باب الوقف علی أواخر الكلم 574 فصل: الحركة العارضة و أثرها 584 باب الوقف علی مرسوم الخط 589 فصل: تفرد البزی بزیادة هاء السكت 602 باب ذكر مذهب حمزة فی السكوت قبل الهمزة 603 باب ذكر مذاهبهم فی الفتح و الإسكان لیاءات الإضافة 605 فصل: كل یاء بعدها همزة مكسورة 609 فصل: كل یاء بعدها همزة مضمومة 611 فصل: كل یاء بعدها ألف و لام 611 فصل: كل یاء بعدها ألف منفردة 613 فصل: مجی‌ء الیاء عند باقی حروف المعجم 613 باب ذكر أصولهم فی الیاءات المحذوفات من الرسم 615 فصل فی تهذیب ترتیب التبویب 622 باب ذكر فرش الحروف سورة البقرة 625 سورة آل عمران 631 تنبیه: إسناد الحافظ فی التیسیر قراءته بروایة هشام 637 سورة الأنعام 637 سورة الأعراف 642 سورة براءة 644 سورة یونس 646
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 711
سورة هود علیه السلام 649 سورة یوسف علیه السلام 650 سورة الرعد 662 سورة إبراهیم علیه السلام 664 سورة النحل 669 سورة الإسراء 669 سورة الكهف 670 سورة مریم الصدیقة علیها السلام 670 سورة طه 672 سورة النور 673 سورة النمل 675 سورة القصص 679 سورة الروم 679 سورة الأحزاب 680 سورة یس 682 سورة الصافات 683 سورة الزمر 684 سورة السجدة 685 سورة الزخرف 685 سورة الأحقاف 686 سورة محمد صلی اللّه علیه و سلم 687 سورة ق 687 سورة الطور 688 سورة النجم 688 سورة المجادلة 696 سورة الحشر 697 سورة الملك 697 سورة ن و القلم 699 سورة الحاقة 700 سورة القیامة 700 سورة الإنسان 700
شرح كتاب التیسیر للدانی فی القراءات، ص: 712
سورة المطففین 702 سورة الغاشیة 702 سورة الفجر 703 سورة العلق 703 سورة الكافرین 703 باب ذكر التكبیر 703 مسألة فی حكم الوصل و الفصل 704 فهرس الموضوعات 707

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.